يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > الساحات العامة > الساحة العامة

الساحة العامة مخصصة للنقاش الهادف والبناء والمواضيع العامه والمنوعة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-09-2013, 06:41 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 

الفصل الرابع

روح، الله يفرّح قلبك كما ستفرّح قلب والديها

كان لوفاة والدي رحمه الله تأثير نفسي كبير عليّ وبعد شهر من وفاته مرّ عليّ بصفتي مديراً للشؤون الإدارية وقتها طلب من المرجع بترشيح ضابط لدورة أو ندوة بمعنى أصحّ في مجال العمل ستعقد في الولايات المتحدة الأمريكية ولمدة أسبوعين فقط فاتصلت بمدير الإدارة لترشيح من يراه للالتحاق بها فقال لي : أنت في أمس الحاجة إليها فرشّح نفسك لها وجهز أوراقك وارفعها لمقام المرجع ، وبالفعل سافرت مع من تم ترشيحه لتلك الندوة من القطاعات الأخرى وكانت في ولاية لويزيانا جنوب الولايات المتحدة الأمريكية،

من بين الذين نسقوا لتلك الندوة وحضرها معنا ضابط في الأمن العام برتبة عقيد يدعى علي عسيري استلطفته واستلطفني بحكم تقارب الرّتبة فنشاء بيننا علاقة قوية رغم قصر المدة التي جمعتنا، وفي إجازة نهاية الأسبوع الأول من تلك الندوة ذهبت وإياه للنزهة برفقة كامل المجموعة إلى عاصمة الولاية وهي مدينة تشتهر بالصخب والسّهر وتبعد حوالي سبعين ميلا عن الأكاديمية التي نسكن ونتعلم بها ،

على طول الطريق إلى تلك المدينة كان المطر يتساقط خفيفا وبعد وصولنا إلى مركزها تفرق الركب وبقيت أنا وهو وشخص ثالث من أهل الشمال مع بعضنا البعض وأخذنا نتمشى سيرا على الأقدام حتى ابتعدنا عن السيارة المقلّة لنا وكانت أتوبيسا تابعا للجهة المستظيفة وفجأة بدأت الأمطار تهطل بغزارة فاستظلينا تحت أول شرفة وجدناها في الطريق والشرفات نادرة هناك ، كان الرجل ضليعا في اللغة الانجليزية وأنا ورفيقي ( يفتح الله ) فلفت نظره لوحة تحت تلك الشرفة معلقة على دكان صغير مكتوب عليها ( قارئة كفّ ) فعرض علينا من باب التسلية فكرة الدخول عليها لقراءة أكفنا فاعترضت على ذلك بشدة فما كان منه إلا أن قال :

والله يا غامدي يا بخيل ما هو كلّه دين ولكن عشان ما تبغى تدفع خمسة دولارات حق الكشف، أنا بادفعها عنك !

قلت له : لا والله ولكن لأن هذا حرام .

قال : خلّ عنك ، والله إنه بخل الغمّد أنا أعرف به منك .

قلت : فسرها زيّ ما تفسرها أنا ما راح أدخل عليها أدخلوا أنتم !

دقائق قليلة مرًت ثمّ توقف المطر فتركنا المكان ومشينا دون أن يدخل عليها منّا أحد . لم نمش أكثر من مائتي متر حتى عاد المطر كما كان وأشدّ فرجعنا إلى نفس الشرّفة وعندها قال العسيري : والله مادام عدنا إلى هنا لندخل عليها حتى يتوقف المطر .

دخلنا فوجدناها امرأة في الخمسينات تقريبا من العمر شكلها مرعب ولها عدد من الشعيرات في ذقنها وبدا صوتها وكأنه صوت رجل وهي تقرأ كفي شاب وشابّة عندها، بعد أن انتهت منهما تقدم لها العسيري لتقرأ كفّه ، فأخبرته بأشياء بعضها حقيقيّ والبعض الآخر جانبه الصواب ومن ألأشياء الحقيقية التي ذكرتها له عدد أفراد أسرته وأعمارهم ثم استطردت في حديثها قائلة له : أنت لازلت محزونا على فقد عزيز لديك فقال موجها كلامه لنا : صدقت الملعونة مات لي ابن في مسبح الفيللا الخاصة بي في الرياض قبل أشهر من الآن ! بعدها تقدم لها الشمالي فقالت له : كنت على وشك الزواج من فتاة ( وصفتها له بدقة ) ولكن لم يتم ذلك ! هزّ الرجل رأسه موافقا على كلامها ثم فاجأته بقولها: لازلت متعلقا بتلك الفتاة وأنا أنصحك بالابتعاد عنها.... إلى غير ذلك.....ولما جاء دوري قالت لي بعد أن وضعت كفي في راحة يدها تتفحصه :

You have a very strong looking, But you have a

nice heart, You can't kill a chicken She said.

What else ? I asked.

You are a father of five children

Now or in the future ? I asked

I just say what I see

That isn't true . I said

We are in the U .S .A . We can't be let open this office without a license and we have certificates on this field . She said that nervously , then she dropped my hand


ملامحك تدل على القسوة والعنف ، لكنك تملك قلبا طيبا ولا تجرؤ على قتل دجاجة !

قلت : وماذا بعد ؟

أجابت :أنت أبٌ لخمسة أطفال .

سألتها : آلآن أم في المستقبل ؟

قالت : أنا فقط أقول ما أرى ! ( أي في الكفّ )

قلت : لكن هذه ليست حقيقة !

ردّت عليّ بعصبية زائدة وقالت : نحن في الولايات المتحدة الأمريكية ! ومن غير المسموح لنا به فتح هذا المكتب من دون علم، نحن نملك شهادات معترف بها في هذا المجال ! ثمّ تَرَكت كفّي بعد ذلك في إشارة واضحة لانتهاء المقابلة .


بعد عودتي إلى المملكة بأسابيع تلقيت اتصالا هاتفيا من العقيد العسيري مفاده أنه أحيل على التقاعد وعُيّنَ سفيرا للمملكة في الباكستان فقلت له مداعبا بعد التهنئة لو أن صاحبتنا عندها علم من الغيب لأخبرتك بهذا بدلا من تذكيرك بموت ولدك ! ضحك وطلب مني زيارته في مقر عمله الجديد لعلنا نجد من يعالجني هناك فوعدته بالزيارة في أقرب فرصة ممكنة ثم ودّعته وودّعني ولم يكتب الله لي لقائه بعد ذلك .

بقيت أشهر بعدها لم أحرك ساكنا فيما يتعلق بموضوع الإنجاب وأمام إلحاح أم عبد الله المستمر في إعادة إجراء العملية قمنا بتكرار المحاولة للمرة التاسعة بمستشفى الأطباء المتحدين فكتب الله لها النجاح هذه المرة وتباشرنا سرّا حينها بالخبر من جدة إلى الباحة مرورا بوالدتي في مدينة الطائف إلا أن الجنين سقط للأسف بعد شهر واحد من الحمل فانقلب الفرح إلى ترح كانت أم عبد الله الضحية الأولى له ومن ثم والدتي التي نُقل إليّ الخبر هاتفياً أثناء زيارتي لها فخرجت من عندها لا ألوي على شيء وبقيت تبحث عني بالجوال طوال تلك الليلة من مكان إلى آخر خوفا عليّ من مكروه قد أقترفه بحق نفسي .

بعد أن هدأت العاصفة ونزولا عند رغبة أمّ عبد الله قررت جلب طفل من إحدى دور الرعاية الاجتماعية لتربيته رغم معارضتي الشديدة لهذا الأمر من قبل ومن أجل ذلك دخلت على فضيلة الشيخ صالح بن حميد وهو يصلّي الوتر في حجر إسماعيل قبيل صلاة الفجر بنصف ساعة عندما كان يؤم المصلين آنذاك في تلك الفريضة وسألته قائلا : يا شيخ أنا لم أرزق بأطفال فهل لي أجر كافل يتيم في حال أتيت بطفل من دار الرعاية الاجتماعية وقمت بتربيته ؟

قال : نعم

قلت : وإن لم يكن شرعياً ؟

قال : وإن لم يكن شرعيا !

قلت : هناك قول ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم مفاده ( لا يدخل الجنة ابن زنا ) فما مدى صحة ذلك؟

قال : هذا غير صحيح فالذنب ليس ذنبه ؟

قلت له : فادع الله لي يا شيخ بأن يرزقني ذريّة صالحة، فما كان منه إلا أن رفع يديه إلى السماء ودعا بما كتب الله له .


ذهبت في صبيحة اليوم نفسه بعد بدء الدوام الرسمي إلى دار الرعاية الاجتماعية بمكة وبعد الإطلاع على روتين إجراءات تسليم الأطفال لمن يرغب في تربيتهم وجدتها طويلة ومعقدة فغيرت رأيي على الفور .ِِ

صليت العشاء بعد ذلك بأيام في الحرم وعند اقترابي من باب الملك فهد في طريقي للخروج لاحظت طفلةً في حوالي الخامسة من عمرها في منتهى البراءة والجمال تجري بين الناس لا تعرف لها وجهة ودموعها تتسابق على خدّيها وبما أنني مولع بالأطفال أمسكت بها وقلت لها أنت ضائعة ؟ فلم تجبن بل إنها حاولت الإفلات مني بشتى الطرق ولما لم أدعها تذهب وسمعت بوعدي لها بتوصيلها إلى أهلها هدأت قليلا ثمّ بعد أن اطمأنت إليّ سألتها عن اسمها فذكرته لي كاملا ، قلت فأين تسكنون ؟ قالت في فندق في طريقنا إليه رجل يبيع مساويك ، أخذت بيدها ولما وصلنا إلى باب الملك فهد قلت لها بعد أن أخبرت الشرطي بأنها ضائعة ابقي هنا عند العسكري حتى يأتي والدك أو والدتك لاستلامك ! تشبّثت بي ولم تدع أطراف ثوبي من يدها ودموعها تنهمر وعندها قلت للشرطي بعد أن عرّفته على نفسي ورتبتي ومكان عملي وزودته برقم جوالي سأحاول البحث معها عن مكان سكنها وقم أنت بإبلاغ مرجعك بأمرها لعل أحد من أهلها يراجعهم للبحث عنها فيتم الاتصال عليّ .

خرجت وأنا ممسك بيدها متوجهين إلى الطريق المحاذي لأبراج شركة مكة للإنشاء والتعمير فهناك رجل يبيع المساويك على حدّ علمي وقبل أن أصل إليه اتصلت بسنترال عملي لأخبره بأنني سوف أتأخّر قليلا عن موعد بيني وبين المدير بعد صلاة العشاء في مقر الإدارة فرد عليّ فَرْدٌ يعاني مما أعانيه من عدم الإنجاب ولما أخبرته عن سبب تأخري قال : روح، الله يفرّح قلبك كما ستفرّح قلب والديها


الفصل الخامس

{ خيبة وهزيمة وقهر }

عند وصولنا إلى بائع المساويك قلت لها من هنا ؟ لم تنطق بكلمة واحدة واكتفت بدمع غزير عرفت من خلاله أني وإياها ظللنا الطريق ،توجهت بها إلى حيث يوجد آخرون يبيعون المساويك في نهاية ساحة الحرم مقابل باب الملك عبد العزيز فتهللت أساريرها وقالت من هنا ثم قادتني في اتجاه أجياد بئر بليلة حتى وصلنا إلى الفندق الذي تسكنه وعائلتها وهو على بعد كيلومتر واحد من الحرم تقريبا ويقع أسفل طلعة ريع بخش ، كنت طوال الطريق أتحدث إليها فبدت فائقة الذكاء وأخبرتني بأنها قادمة مع والديها من أمريكا حيث يدرس والدها وهي سعودية من أبناء الجنوب ومن مواليد الولايات المتحدة الأمريكية .

دخلت الفندق وطلبت من موظف الاستعلامات جوال والدها وبعد الاتصال عليه نزل إليّ من غرفته وسلّمته ابنته وكان استقباله فاتراً إلى درجة أني شككت أنه والدها لولا أنها نطقت باسمه واحتضنته أمامي فقلت في نفسي ( سبحان الله ! بيت ينوح وآخر يترنّمُ ، طالما أن الأخ من أهل الجنوب فلم يعد خافيا سبب تجشم زوجته مشقة البحث عن فقيدتها وكتمانها للأمر عنه برمّته رغم أهميّته. إنها التربية الأسريّة التقليدية التي زرعت الرّعب من الزوج أو ولي الأمر في قلوب كثير من السيدات دون مبرر )!

يظهر أن أخينا كان نائما ولم يكن يعلم أن ابنته ضائعة وأظن أنني جنيت على زوجته المسكينة من حيث اعتقدت أني سأجلب لها السرور .

خرجت في صيف ذلك العام 1419هـ إلى الباحة واستأجرت شقة في منزل الأخ العزيز يحي بن حمدان ( تباركوا بالنواصي والأقدام ـ قول مشهور ) ثمّ سافرت ولم أسكنها ولم أنه تأثيثها نظرا لانتهاء إجازتي .

قبل عودتنا من الباحة تلقيت دعوة من أخوال أم عبد الله في العقيق لتناول طعام العشاء فقابلت زوجتي هناك امرأة متوسطة العمر لديها طفل وحيد قالت أنها حملت به في مستشفى الحمّادي بالرياض بواسطة عملية تلقيح صناعي وقد حذرّها الطبيب المعالج بعد أن تأكد لديه حملها من الحركة أو ركوب السيارة لفترات طويلة بل إنه أمرها بالبقاء مستلقية على ظهرها طوال الأربعة الأشهر الأولى من الحمل لكنها وعلى الرغم من نصائحه سافرت من الرياض إلى العقيق بواسطة النقل الجماعي بعد شهر واحد من حملها لحضور جنازة والدها ومع ذلك أتم الله لها حملها وأنجبت ذلك الطفل ! قلت : سبحان الله !! لقد عزى الدكتور الذي تعالجنا لديه مؤخراً في مدينة جدة سبب سقوط الجنين الذي حملت به زوجتي إلى كثرة الحركة وعدم الخلود للرّاحة مع أنها كانت في سكونها طوال تلك الفترة أشبه ما تكون بالميّتة، ولله في خلقه شؤون ! .

عدنا إلى مكة وباشرت عملي وإذا بشاعر معروف له ابن موظف لدينا في الإدارة يدخل عليّ المكتب ويطلب مني طلبا بخصوص ابنه فحققته له ثم أخذ بعدها يتردد عليّ كلما عَنّ له أمر حتى توطدت العلاقة بيننا، وذات مرة فاتحني في موضوع الإنجاب ولا أدري من أين علم بأنه ليس عندي أطفال فقال : هناك دكتور في الأردن تعالج لديه أحد جماعتي هو وزوجته وكانا لا ينجبان فلم يعودا من هناك إلا بعد أن حملت الزوجة ، وأضاف سوف آتيك بعنوانه في اقرب فرصة ممكنة بإذن الله.

لم يمض أسبوع على حديثه إلا وهو عندي ومعه العنوان وبقي يدندن في أذني كلما زارني ويلحُّ عليّ في السفر حتى كدت أرتكب بحقّه حماقة، لكن بما أن كثرة الدوىّ تغلب السحر فقد استجبت له بعد أن استخرت الله .

تقدمت بطلب إجازة خارجية إلى مرجعي وحددت الأردن مكانا لقضائها وعند تقديم الطلب إلى المدير وهو من أهالي العلا وكان مديرا لفرع الإدارة في تبوك لعدة سنوات وتربطه علاقات وطيدة مع بعض الأردنيين سألني لماذا اخترت الأردن بالذات فَصَدَقْتَه القول فقال : هذا عنوان شخص هناك صاحب نفوذ إذا احتجت إليه فلن يخيب ظنّك ! وقبل السفر قابلت الأخ عثمان بن أحمد فرحة ( من قرية العقشان ) في منزل عبد الله رمزي بالشرائع فأعطاني هو الآخر اسم وعنوان خال لزوجته في عمان واتصل به قبل سفري طالبا منه استقبالي وأهلي في المطار وتذليل كافّة الصعوبات التي قد تعترضنا .

تعمدت تحديد موعد بدء الإجازة قبل أن تبدأ الامتحانات في أيّ من دول الخليج بناء على نصائح المجرّبين تفاديا لأزمة السكن في الأردن ومواعيد عيادة الطبيب وقلّة السيارات المعدّة للإيجار وما إلى ذلك، ورغم كلما فعلت لم يجد ذلك نفعا لأن الظاهر أني لم أكن الوحيد الذي خطط لمثل هذا .

وصلت مطار عمّان قبيل ظهر يوم الأحد وإذا ( بأبي سعيد ) الرجل الذي حدثني عنه عثمان في استقبالي وقد أعد لنا مأدبة غداء فاخر في منزله على الرغم من فاقته ثم فاجأني بقوله لقد حدثني أبو أحمد ويعني ( عثمان ) عن سبب مجيئك إلى هنا وقد فرّغت نفسي للبقاء معك حتى تنتهي مهمتك وأضاف هناك عجوز مشهورة بعلاج السيدات بجبل سمّاه لي في حيّ الوحدات بعمّان سأذهب بكما إليها فقد وجد كثير من النساء اللائي راجعنها فائدة من علاجها، استحييت منه فوعدْته بالذهاب معه إليها فور الاستقرار في سكن مريح والعثور على سيارة للإيجار،

لم أجد سكنا في أيّ من فنادق الدرجة الأولى نظرا لوجود أعداد هائلة من الأوروبيين والإسرائيليين أيامها هناك لحضور مناسبة لا أذكرها الآن ولذا سكنت في فندق لا بأس به واستأجرت سيارة غير مكيفة ( لعدم وجود البديل ) وذهبت بصحبة الرجل إلى تلك العجوز وكان أول شيء اشترطته عليّ ألف ريال سعودي مقدماً قبل بدء العلاج ثم إحضار كيلوجرام من عسل السدّر الأصليِّ من المملكة وأخيرا الحضور إليها في يوم معيَّن مرتبط بخصوصيات أسريّة،

اتصلت بأخي الفاضل عبد الله رمزي وطلبت منه العسل ونسقت مع أحد أبناء عديلي سعيد بن عبد الواحد للمجيء به إلى الأردن وبقينا رهن الانتظار .

في اليوم التالي من وصولي إلى الأردن بدأت اُجري اتصالاتي مع عيادة الدكتور الذي جئت من أجله بغية تحديد موعد لمقابلته وكان أول اتصال أجريته بالعيادة قبل ظهر ذلك اليوم ـ ألاثنين ـ ففاجأتني العاملة لديه بقولها لن تستطيع مقابلة الدكتور قبل أسبوعين من الآن فهو مسافر يوم الجمعة القادم لحضور ندوة خارج البلاد، أمّا من الآن وحتى موعد السفر فالعيادة مزدحمة بالمواعيد ! حاولت التفاهم معها بشتى الطرق وقلت لها أنا قادم من مكة وإجازتي قصيرة و....و....الخ. فقالت يا أخي لدينا أشخاص من الكويت ومن الأمارات وقطر ومن عدد من الدول وليس لك عندي سوى ما سمعت !

يوم واحد في الأردن يكلف السائح ما يقارب الألف ريال سعودي مابين سكن وإعاشة وأجار سيارة وخلافه وهذا يعني أني سأصرف ثلث ميزانية الرحلة قبل مقابلة الطبيب ! وهذا مستحيل ، إذن فليس لي سوى الاستعانة بصديق وقد حان موعد طلب المساعدة من الشخصية ذات النفوذ التي زودني برقم هاتفها المدير لعل صاحبها يستطيع بنفوذه تقديم الموعد المطلوب.

لم أكن أعلم والله حتى تلك اللحظة بأن أم عبد الله قد طلبت من الله بعد أن أدّت صلاة الاستخارة ضحى ذلك اليوم أن يهيئ لنا مقابلة الدكتور إن كان فيها خير لنا وأن يصرفها عنّا إن لم يكن فيها ما نؤمله .

اتصلت بالرجل ( الواسطة ) وأخبرته الخبر وقلت له أنا من طرف فلان بن فلان فرحب بي ترحيبا حارا وقال بعد أن سألني عن مقر سكني تتعشى عندي الليلة أنت وأهلك وإن شاء الله يكون خيراً ،

اعتذرت عن قبول دعوته بلطف وقلت له يا أخي يسعدني ويشرفني قبول دعوتك ومقابلتك ولكن الوقت غير مناسب الآن فأنا جئت لمهمة محددة وظروفي لا تسمح لي بذلك .

أصر الرجل إصرارا عجيبا على تناول العشاء في منزله وقال : لي أخ سيأتي لمقابلتك وهو يعاني مما تعاني منه ويراجع الدكتور نفسه منذ ثلاث سنوات وفي حال لم تبدل قناعاتك بعد مقابلته سأسعى بقدر ما استطيع لترتيب موعد لك مع ذلك الطبيب قبل سفره .

وافقت على دعوته وعندها قال : سآتي إلي مقر سكنك بعد صلاة العشاء لاصطحابك وعائلتك حتى لا تتوها عن العنوان وبالفعل جاء إليّ بسيارتي مرسيدس بنز سوداوين جديدتين أحدهما بقيادته والأخرى بقيادة زوجته فأخذني وأخذت زوجته زوجتي إلى المنزل الواقع في حيّ من أرقى أحياء عمّان وكان من أجمل المنازل التي دخلتها في حياتي .

احتفى بي المذكور حفاوة كبيرة وسرني فيه إلى جانب ذلك تديّنه وتواضعه وأخلاقه العالية رغم ثرائه الملموس وبعد مقابلتي لأخيه ذكر الأخير بأنه يراجع الطبيب المعني منذ ثلاث سنوات وقد أجرى له ولزوجته ثلاث عمليات تلقيح صناعي ولم يكتب لأيّ منها النجاح وزادني معلومة جديدة هي الأهمّ حيث قال : لن يبقى معك الدكتور لأكثر من عشر دقائق وبعدها سيحيلك إلى أطباء صغار معاونين لديه لأجراء ما يلزم حتى يحين موعد العملية والتي لا أشك في أنه سينصحك بها فهو طبيب مختص في هذا النوع من العمليات وغير معني بعلاج أسباب العقم الرّئيسة، وأضاف : ما رأيك لو أخذتك إلى عجوز في قرية من قرى إربد تعالج النساء والرجال لعلك تجد على يديها الفائدة فإني قد ذهبت إليها وتحسنت فرص الإنجاب لديّ كثيراً مع أني لم أكمل علاجها بعد ؟ قلت له : لقد شبعت من علاج العجائز مابين مكة وجدة والأردن ولا حاجة لي بها ، قال : لكنّ هذه من أهل الله وتختلف عن كل اللائي قابلتهن! ، قلت له : لا أريد الذهاب إليها ولا أريد حتى مقابلة الطبيب الذي جئت إلى هنا من أجله .

صَعُبَتْ حالتي على أبي سعيد بعد أن علم بالأمر فعرض على الذهاب إلى رجل معروف لديه على الحدود الأردنية العراقية سبق على حد زعمه أن عالج العديد ممن لا ينجبون منهم الأمير الفلاني والشيخ الفلاني و...و... الخ فقلت له توكلنا على الله ،

مشينا ما يقارب ثلاثمائة وخمسين كيلو متر في شمس حارقة وبسيارة غير مكيفة ولمدة ثلاث ساعات ونصف وإذا بأخينا بدوي جاهل ابتدأ حديثه بتمجيد نفسه وبما قام به حسب زعمه من معالجة شخصيات معروفة ومسئولين كبار في شتى بقاع الأرض وأخيرا طلب مني ألف ريال قبل كل شيء ثم سألني عن اسمي واسم زوجتي واسم أمّي واسم أمّها فعرفت على الفور بأنه مشعوذ ! قلت له إذا لم يكن لديك علاج غير هذا فاعد إلي فلوسي ولا داعي لكثرة الكلام ! قال : اترك لي عنوانك وعد إلى عمان وسوف آتيك بالعلاج يوم الخميس ! من الطبيعي أني كنت على يقين من عدم مجيئه لكني كنت أيضا على يقين أكبر من أني لست بقادر على استعادة شيء مما دفعته له فالوضع غير مطمئن ونحن بين بدو وفي مقطعة وملامح الرجل تدل على الشرّ فآثرت السلامة وعدت أدراجي إلى عمّان أجر أذيال الخيبة والهزيمة والقهر !

الفصل السادس :

في طريق عودتنا إلى عمان مرّ بنا الطريق من بطن سهل فسيح بمحاذاة البحر الميت تنتشر على ضفته قرى متشابكة وخط الإسفلت يتوسط السهل ، كان الجو حاراً جداً والساعة تقترب من الثانية بعد الظهر وفي وسط الطريق فوجئت وأنا أقود السيارة برجل ممدد على ظهره فوق الإسفلت يرتدي بنطالا من الجينز وقد نزع قميصه من على جسده وهو يتلوى من شدة الحرّ وبالقرب منه قنينة ملقاة على الأرض ووضعه يستدعي الشفقة ، هدأت من سرعة السيارة حتى كدت أن أوقفها ظناً مني أنه مدهوساً ويحتاج إلى من يسعفه وإذا بأبي سعيد يصرخ في وجهي قائلا : ولك يا زلمه شو بدّك تفعل ؟! قلت الرجل يحتاج لمن يسعفه ! قال : ولك هاظ منازل قوم لوط ، ولك والله بيشلحوك ! هاظ يا زلمه سكران و بيدور عا واحد يفتري فيه روح، روح ! الله يرضى عليك .

حمدت الله على السلامة وقلت في نفسي سلمنا من المشعوذ وكدنا نذهب ضحية المخمور! وأين ؟! في مراتع قوم لوط ! أأترك مكة شرّفها الله وآتي للموت هنا وفي هذه البقعة بالذات من الأرض؟! هذا يوم نحس والعياذ بالله !.

ضحى يوم الخميس تلقيت اتصالا من كابينة هاتف من عمّان وفوجئت بالبدوي على الطرف الآخر من الخط يقول جئت لك بالدواء وأنا أقف في شارع كذا بجوار كذا فابعث لي أبا سعيد يأخذه ! اتصلت بأبي سعيد وقلت له إذهب إليه وأتني به ( أي بالشخص نفسه وليس بالدواء ) كنت طوال الوقت وأنا أقف مطلاّ من النافذة على أحر من الجمر انتظر قدومه واخطط لكيفية استرداد حقي منه !
بمجرد دخوله لاحظت عليه الارتباك فقلت في نفسي : حانت الفرصة لرد الصاع صاعين ، جلس الرجل فمد لي بقارورتين مقفلتين ومختّمتين بغطاء من البلاستيك اللاصق وقد كتب عليهما محلات كذا للعطارة ومحتوياتهما حسبما هو مدون على غلافيهما الخارجيين عسل أصليّ مضاف إليه غذاء ملكات النحل ! الواضح أنه للتو اشتراهما من السوق وجاء بهما إليّ ليبرر موقفه ! قبل أن أتفوه بكلمة واحدة أخرج من جيبه تعويذة أو تميمة وقال خلّي المدام تعلقها في رقبتها ! كتمت غيضي وقلت لنفسي خلّ غضبك هذه المرّة لله فأنت المسيطر هنا !

انفجرت في وجهه فجأة وصرخت بأعلى صوتي قائلا : أخرج من هنا ، أخرج من هنا ! يقول الرسول صلى الله عليه وسلّم من تعلق تميمة فلا أتمّ الله له ! من تعلق تميمة فلا أتم الله له ! من تعلق تميمة فلا أتم الله له ! قام المذكور مذعورا وقبل أن يخرج من الباب صحت به ، تعال ، بكم اشتريت الدواء ؟ قال بكذا . قلت له : هذا حقك وخذ معك دواءك ولا أريد أن أراك بعد الآن . خرج الرجل ينشد السلامة غير مستوعب لما جرى بينما تسمّر أبو سعيد في مقعده ، عدت بعد خروجه إلى النافذة استطلع حالته فإذا به في وضع لا يحسد عليه يجري باتجاه الشارع العام ويتلفت خلفه ثم يركب أول تاكسي مرّ به ويختفي عن الأنظار ، كاد المريب أن يقول خذوني !

ذهبنا عصر اليوم نفسه للنزهة في ضواحي عمان في حمامات عيون الماء الحارة ونحن في الطريق فاتحتني أم عبد الله في موضوع زيارة عجوز ارْبِد ويبدو أن امرأة أخي الرجل الذي تعشينا عنده قد أقنعتها بالذهاب إليها ، وبعد أخذٍ ورَدٍّ طويلين قالت ( يضع سرّه في أضعف خلقه ) خلينا نجرب ما بتخسر شيء ! قلت لا، ما باخسر إلا ألف ريال ! وأخيرا تعللت بعدم معرفة العنوان ، قالت : أنا اكلم زوجة الرجل وأحضر لك عنوانها .

مارست النساء سلوتهن في تبادل أحاديث المساء وإذا بالرجل يتصل بي في العاشرة مساء مقترحا علىّ زيارة تلك العجوز ضحى اليوم التالي ( الجمعة ) يوم إجازته ( خريج إحدى الجامعات الأمريكية وفاتح ـ ورشة سمكرة سيارات ـ تخيلوا )!!

جاء بسيارته ومعه زوجه واصطحبت أنا أم عبد الله في سيارتي وتحركنا باتجاه محافظة اربد ، صلينا الجمعة في مسجد على الطريق ودخلنا فناء البيت المقصود وقد حان للتو وقت صلاة العصر .

البيت بيت شعبي لا يختلف عن بيوتنا في منطقة الباحة وفي فنائه شجيرات معمّرات من اللوز والزيتون ربط في إحداهنّ بقرة وفي الأخرى عجل ويتردد بينهما عجوز في السبعين من عمرها تعلف هذا مرة وتنقل وعاء العلف للآخر مرة أخرى .

ظننت في بداية الأمر أنها هي المقصودة وبعد أن ألقى عليها مرافقي التحية سألْتُه : أهذه هي ؟! قال لا هذه ابنتها، والعجوز المقصودة أمها ! ثم وجه كلامه إليها قائلا : أم فايز موجودة ؟ قالت : نعم تصلي العصر ! تفاءلت بمجرد سماع قولها لكن اعتلت بدني قشعريرة لا أعرف لها سببا سوى تذكر عظمة الله الذي لم تغفل عن ذكره تلك العجوز في تلك الخلوة وفي تلك البقعة النائية من هذا الكون الفسيح !

دخلت الغرفة وإذا بمسنّة في التسعين من عمرها تبدو كوردة بيضاء رغم التجاعيد التي حفر الزمن ممراتها وتضاريسها على تقاسيم وجهها الصبوح ثمّ ألقيت عليها السلام بعد أن تأمّلتها ! قامت بطيّ سجادة متهالكة من تحتها انطبعت عليها أماكن أعضاء السجود السبعة من كثرة الاستخدام وألقت بجسمها النحيل على فراش لها لا يزيد سمكه عن ثلاثة سنتيمترات ثم استقبلتني بوجهها وظهرها مسند إلى الحائط وردّت عليّ السلام .

شرحت لها حالتي وأم عبد الله إلى جواري ففاجأتني بطلب غريب عجيب ألا وهو ضرورة إجراء تحليل طبي في مركز معترف به في عمّان يوضح به النسب المئوية للإنجاب ...وعدد ... وحركة ...... الخ ومن ثم عرضه عليها ! .. لا ... وقبل ذلك امتناع عن المعاشرة الزوجية لمدة أربعة أيام ! أشياء علمية بحتة تتحدث عنها وفوق ذلك مدونة بلغة لاتينية وأنا لا يخامرني الشك وقتها وحتى الآن في أن من كان في مثل سنها غير ملم باللغة العربية قراءة وكتابة فكيف بما سواها ؟!

حدّقت فيها وقلت : أنا مسافر ولا يمكنني البقاء في الأردن كل هذه المدة فإن كان لديك علاج فبها ونعمة وإلا ... ! أشارت بيدها إلى أكياس بلاستيكية مكوّمة في ركن الغرفة معبأة بنوعين من السوائل أحدهما بلون التوت والآخر يغلب عليه لون الماء وقالت خذ واحداّ من هذا وواحداً من ذاك ثم ناولتني كيسين من زنبيل بجوارها بكل منهما مسحوق يختلف لونه عن الآخر وقالت هذا لك وهذا لزوجتك تستخدمانه بعد شرب كأس صغير من تلكما السوائل لمدة شهرين ومحددة لنا الوقت الذي يستخدم كل منا علاجه فيه ثم أوصتني بحفظ الدواء في مكان بارد حتى لا يتعرض للتلف وحذرتني من مخالفة تعليماتها وقالت وهي تشير بإصبعها إلى أم عبد الله هذه من ذمتي في ذمتك لو قمت بمخالفة تعليماتي فلن تحمل هذه المسكينة أبداً !

أدخلت يدي إلي جيبي مستعدا بالألف كالعادة ثم سألتها كم حقك يا والدة ؟ قالت : ستة دنانير ونصف !! أي ما يعادل ثلاثة وثلاثين ريالا سعودياً ! ألجمني طلبها عن الحديث برهة من الزمن ...ثم تداركت نفسي ومددت لهه بعشرة دنانير قائلا لها ليس لدي إلا هذه فقالت : حقي ستة دنانير ونصف ! قلت : ليس عندي من العملة الأردنية أصغر منها ! تناولتها عندئذ مني ثم أدخلت يدها الأخرى تحت فراشها وأخرجت لي ثلاثة دنانير ونصف وسلّمتها إليّ وقالت : يا وليدي هدفي ليس الربح، أنا أبحث عن نسمة توحد الله ! هذا الدواء مجمع من نباتات في الرّمثاء يقوم طلاب الجامعة بجلبها لي بناء على طلبي وأعطيهم مقابل تعبهم ولولا ذلك لما أخذت من أحد شيئاً.

أخذت منها الدواء وخرجت من عندها مشدوهاً ولدّي إحساس بأنها مستجابة الدّعوة ! عدت أدراجي إليها بعد أن أودعت تلك الأكياس سيارتي وقلت لها اسألي الله لي ذريّة طيبة في آخر ساعة من هذا اليوم الفضيل ، يوم الجمعة !.

رجعت إلى عمّان وبقيت بها حتى وصلني المندوب من المملكة ومعه العسل ثم عدت إلى عجوزتنا الأولى ( صاحبة الألف ريال ) فمزجته بمساحيق لديها وأعادته إليّ بعد أربع وعشرين ساعة طالبة مني استخدامه على الريق حتى ينتهي !

قضيت شهرا من إجازتي متنقلا بين سوريا وتركيا ولبنان وعلاجاتي تركتها في ثلاجة استأجرت من أجلها شقة في الزبداني بثلاثة آلاف ريال تنقطع عنها الكهرباء أكثر مما تصل وفي النهاية وعن طريق مطار دمشق قررت العودة إلى المملكة !

 

 
























التوقيع






   

قديم 01-09-2013, 07:19 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 

الفصل السابع



كان سفري من الأردن إلى سوريا عن طريق البر وبصحبة سائق سوري كبير في السنّ تعرفت عليه في الأردن عن طريق أبي سعيد واتفقت معه على البقاء معي إن لم أستأجر سيارة لقيادتها بنفسي، وقد بقي المذكور معي ما شاء الله أن يبقى وطوال تلك الفترة كنت وابن عديلي ( حامل العسل ) ملاقيفاً كعادة أكثر السعوديين نتحدث في أمور شتى من بينها بالطبع الأوضاع في سوريا وخاصة ( سيارات الجيش المتهالكة والعاملة بالديزل والتي كانت أعدادها في الشوارع تضاهي أعداد سيارات المواطنين .. و.. أفراد المرور الذين كان البقشيش شغلهم الشاغل ، مستوى الخدمات المتدني وبالذات المواصلات وقطاع الكهرباء ،عدم وجود شبكة في البلاد ( أيامها ) للهاتف الجوال ، صور فخامة الرئيس ( حافظ ) الملصق اثنتان منها على زجاج كل سيارة خلفيّ.... الخ ). وقد لاحظت بأن السائق المذكور لم يكن يشترك معنا أبداً في أيّ من تلك الأحاديث حتى ظننت أنه يعمل في المخابرات، لكن الرجل كان طيبا جداً هدفه البحث عن لقمة عيشه .

استأجرت سيارة في الفترة الأخيرة وفي اللاذقية سكنت في شقة لعائلة مسيحية بالقرب منها على تبّة مرتفعة تطل على البحر قصر غاية في الجمال قيل لي بأنه لرئيس أركان الجيش ووزير الدفاع آنذاك العماد مصطفى طلاس وقد لاحظت أثناء تجوالي في البلاد خوف المواطنين الشديد والشديد جداً من أي مسئول في الحكومة ،

قبل عودتي إلى المملكة بليلة واحدة أعدت السيارة المستأجرة إلى شركة التأجير نظرا لأن يوم السفر يوافق يوم إجازة نهاية الأسبوع وجميع الأماكن مقفلة ولذا اضطررت لاستدعاء السائق الأول لنقلي وعائلتي إلى المطار وقاصداً من وراء ذلك إكرامه نظير إخلاصه وإلا فإن سيارات الأجرة أكثر من أن تحصى .

في الطريق إلى المطار مررنا بمبنى كبير يحيط به فناء واسع من جميع جوانبه والعسكر حوله من كل ناحية ، وبدون أيّ مقدمات التفت إليّ السائق وقال يا عمّ محمد هذا مبنى المخابرات عدد طوابقه تحت الأرض أكثر منها فوقها، الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود ! لا تكثر التأمل فيه حتى لا يشك أحد فينا فيلقي القبض علينا ! أرجو أن تكون قد فهمت الآن لماذا لم أكن أشارككم أحاديثكم ؟!

بعد توقفنا أمام مبنى المطار أعطيته كلما بقي معي من نقود سورية ولم أدع منها ليرة واحدة ثم ودعته وأخذت عفشي وجراكل الماء ( الدواء ) واتجهت بكل ثقة إلى صالة المغادرين ! في طريقي إلى البوابة التي تقودني إلى الطائرة، تجمّع حولي عدد من رجال الأمن يتزعمهم ضابط برتبة رائد وآخرون من موظفي الخطوط وقالوا لي ما هذا الذي في الجراكل ؟ احترت ماذا أقول لهم ؟! ماءً ! ماذا تريد به ؟ دواء ! مم يتكون ؟ وما هو مصدره ؟! وقبل أن أجيب على أسئلتهم قال موظف الخطوط : التعليمات تمنع اصطحاب أيّ سوائل على متن الطائرة ! تدخّل الضابط عندها وقال : ولك : اسكبه ، اسكبه ! كنت في قرارة نفسي أعرف ماذا يريدون لكن عددهم كبير وليس معي عملة سورية والأوراق التي بحوزتي من العملة السعودية من فئة الخمسمائة ريال ولن يرضى أي منهم إلا بورقة مستقلة عن صاحبه وهو ما يعني ستة آلاف ريال على الأقل هذا إذا افترضنا أنه لم يستدع بعضهم بعضا من خارج الصالة ! إذن ليس لي من خيار للخروج من هذا المأزق سوى الحيلة وعندها توكلت على الله وقلت : أنا نسيب العماد مصطفى طلاس ( لم يكن يحضرني اسم أي مسئول سوري غيره حينها سوى حافظ الأسد ) وهذا دواء شعبي أمانة منه سلمني إياه لإيصاله إلى أحد أقربائه في المملكة، يمكنكم ألاتصال به ومسائلته ! تفرقوا من حولي دون أن يفتح أيّ منهم فمه بعدها بكلمة واحدة ثم بعث الرائد مرافقاً معي برتبة ملازم أول ليوصلني وجراكلي إلى داخل الطائرة !

ذهبت ضحى اليوم التالي من وصولي إلى جدة إلى المستشفى لزيارة العبادي رحمه الله فسألني وكأنه استبطأ زيارتي أين كنت ؟ فلما أخبرته عن سبب غيبتي قال : الله يرزقك من واسع فضله !

توجهت بعدها إلى الباحة لقضاء شهر تبقى من إجازتي واصطحبت معي أدويتي التي لم ابدأ في استخدامها إلا بعد أن استقريت في شقتي الجديدة في عمارة الشيخ يحي بن حمدان وبما أن ليالي الصيفية يغلب عليها السهر فقد كانت أم عبد الله كعادة ربات البيوت تقضي معظم الليل في تنظيف شقتها وترتيبها بصفتها جديدة وكان يتردد في العمارة طوال الليل صوت بكاء أحد أحفاد الشيخ يحي حديثي الولادة فكانت أم عبد الله إذا سمعته تقول ( يا رب ما تجي الصيفية الجية إلا وعندي طفل زيّه يؤنس وحدتي ) وكنت أقول في نفسي سبحان الله وبحمده ألم تيأس هذه بعد ؟!

انتهت الإجازة وبعد العودة إلى مكة قمت بمراجعة الدكتور في مستشفى الأطباء المتحدين في نفس الأسبوع وطلبت منه تكرار محاولة عملية طفل الأنابيب فوراً ( وللمرة العاشرة ) وبعد إجراء العملية بساعات استدعاني وكان مصري الجنسية يدعى عماد وسألني ماذا فعلت ؟! قلت له : في ماذا ؟ قال : هل تعالجت عند أحد ؟ قلت : لماذا ؟! قال تحسنت حالتك وأصبحت فرص الإنجاب لديك تضاهي الـ 80% ولو علمت بهذا التحسن قبل إجراء العملية لنصحتك بعدم إجرائها ! قلت له : تعالجت لدى عجوز أميّة في الأردن فطلب مني على الفور عنوانها !

بعد أسبوعين من العملية كان مطلوب منا القيام بإجراء فحص للدم في أيّ مستوصف في مكة للتأكد من الحمل فلم أجرؤ على أخذ أم عبد الله لإجرائه خوفا عليها من الصدمة ولم أكن أعلم بأنها قد جلبت من صيدلية المستشفى أثناء المراجعة في غفلة مني اختباراً فوريا يتم إجراؤه في المنزل وهي تعاود القيام به منذ يومين دون أن يتضح لها أيّ شيء ولم تكن المسكينة تدري بأنّ نتائجه لم تكن لتظهر قبل شهر أو اكثر من إتمام عملية التلقيح .

بما أن الفحص المنزلي لم يظهر أيّة نتائج فقد أصرت المعنية بالأمر على أخذها إلى أقرب مستشفى وكان ( أم القرى ) والذي لم أزل أر عليه نوراً حتى تمت إزالته بالكامل من على سطح الأرض حيث كانت النتيجة إيجابية ولله الحمد الله .

اتصلت بالدكتور أخبره بالنتائج إنفاذاً لتعليماته فطلب منا المراجعة في اليوم التالي مباشرة .

كانت تعليماته بعد المراجعة كالعادة عدم الحركة أو ركوب السيارة لفترات طويلة والبقاء مستلقية على الفراش طوال الأربعة الأشهر الأولى من الحمل وضرورة المراجعة كل أسبوعين لإجراء أشعة ( إلترا ساوند ) والاستمرار على تعاطي المثبتات .... وما إلى ذلك .....!.

أعددت جدولا زمنياً في مكتبي ضمنته أيام الأسبوع السبعة ( السبت ، الأحد ، ألاثنين .... الخ ...وأمام كل يوم تاريخه طوال الشهر ثم الشهر الذي يليه والذي يليه حتى أتممت تسعةأشهرـ 270ـ يوما، وكل يوم يمر بسلام أضع أمامه كل صباح علامة صح ) أما يومي الخميس والجمعة فكنت أترك خانتيهما فارغتين إلى يوم السبت وقبل أن أخرج من مكتبي ظهرالأربعاء أتأملهما وأقول في نفسي ليت من يدري ما نوع العلامة التي ستكون أمام كل منكما صباح السبت ! توتر وترقب ، أمل ورجاء ، دعاء وبكاء ، وفوق ذلك كله توجس وتحسس وخيفة خصوصا عند الاقتراب من بيتي وقيامي بإدخال مفتاح شقتي في مجراه بعد عودتي إلى منزلي من أيّ خروج كان مخافة خبر سيء يفاجئني ويحطم الحلم الذي رسمته في مخيّلتي لذلك الطفل المنتظر ! ( تلك والله كانت حالتي وتلك والله كانت مشاعري أصفها لكم وأنقلها كما عشتها دون مبالغة أو تحريف).

بما أني أجري كل أسبوعين تصويراً للجنين بالالترا ساوند فقد كنت في شوق لمتابعة نموه لحظة بلحظة وبعد أن مرّ شهر على الحمل لم أر في الأشعة إلا نقطة صغيرة بيضاء فسألت الطبيب أين الجنين ؟ قال : هذا ؟ قلت : لا أرى سوى نقطة بيضاء ! قال : وماذا تتوقع أن ترى ؟! حجمه لا يزيد في الشهرين الأولين من الحمل عن حجم رأس الدبوس ! قلت : أجريت عملية مماثلة للمدام قبل عدة سنوات وبعد مرور أسبوع من إجرائها نزل قطعة لحم مخلّقة من زوجتي بحجم الإبهام فماذا يكون يا ترى ؟! قال : لا يمكن أن يكون طفلا إلا أن يكون سقط من امرأة أخرى وكان الطبيب الذي أجرى لكما العملية غير مؤتمن فقام بزراعته في رحم المدام لإيهامكما بأن العملية قد نجحت، هذا هو التفسير الوحيد المحتمل ! وأضاف أحمد الله على أنه لم تحدث مضاعفات خطيرة للمدام ! قلت : مثل ماذا ؟ قال : سرطان في الرحم !!

خرجت من عيادته في حوالي الحادية عشرة صباحا وليس في ذهني غير ألانتقام من ذلك الطبيب السوداني بأي شكل وبأسرع وقت فتركت زوجتي لدى أهلها في جدة دون أن أفضى لها بماعزمت عليه وصعدت كالمسعور إلى مكة ثم عدت أدراجي إلى جدة مصطحبا معي مسدسي والشرر يتطاير من عينيّ، وأثناء الطريق كنت أتساءل:

1) لماذا لم أفطن إلى سبب طلب ذلك السوداني جلب ما سوف تسقطه المدام إليه في حينه ؟! ولِمَ لمْ يطلب منّا أحد من قبل مثلما طلبه منا مع أننا أجرينا خمس مرات عمليات متتالية ومماثلة ؟!

2) كيف توقع سعادته بأن شيئا ما قد ينزل من المدام بعد أسبوعين من إجراء العملية وهو ما حدث بالفعل ؟!

3) لماذا طلب منا وضعه في قارورة بها قليل من الماء وإحضاره له ؟!

4) ما سبب حرصه على ذلك المخلوق أكثر من حرصه على نجاح العملية نفسها وهو ما لمسناه منه بعد مراجعتنا الأولى له على إثر فشل التجربة ؟! ثم لماذا أخذه منا وهو شيء يخصنا ووجّه بعد ذلك ممرضته إلى وضعه في الثلاجة لفحصه على حد زعمه ؟! أليس من المحتمل أن يضحك به على عقيم أخرى تراجعه وبنفس الطريقة التي ضحك به علينا ؟!

هناك فرضية لدينا نحن المحققين العسكر تقول بأن الأسلوب الإجرامي لا يغيره المجرم إلا فيما ندر طالما أنه نجح في تطبيقه مرّة واحدة قبل ذلك

5) كيف يكون ذلك الشيء قطعة لحم مخلّقة لجنين بحجم الإبهام ( كما ذكرته لنا خبيرة سقط لها أجنّّة مرات ومرات ) وكأنه ( وزغة ) مع أنه لم يبلغ اليوم العاشر من العمر ؟!.

6) لماذا كذب علينا بعد ذلك وهو المُسْلِم وقال لنا بأن المدام لديها تشوهات خلقية في جهاز داخلي لا يمكننا رؤيته ؟! ولِمَ اقترح علينا إجراء عملية جراحية عنده بالذات لتصحيح ذلك العيب وهي التي قد تلقى المدام حتفها فيها فضلا عن أنها تكلفنا ثلاثين ألف ريال ؟! ِلمَ لمْ يكذب علينا الطبيب الألماني مع أنه مسيحيّ الديانة بل إنه تحاشى الطعن في ذلك السوداني وقال أخلاقي المهنية لا تسمح لي باتهام زميل لي في المهنة بالكذب لكني أقول لكما بأنه مخطئ في تشخيصه ؟! .

7) طالما أن الطبيب المعني بهذا السوء فلماذا لا يكون من الأساس لم يجر عملية التلقيح برمتها واكتفى بزرع جنين ميت في أحشاء مسكينة ليبعث عندها بصيص أمل تعيد معه الكرة تلو الكرة لديه ليزيد بذلك من دخله ؟! ولم لا يكون إلى جانب إجرائه للعملية قد وضع ذلك المخلوق في أحشائها ليفسد عليها الحمل إن أتمّ الله لها تلقيح البويضة فتكرر المحاولة عنده مرات ومرات ؟!


8) من أين جاءت تلك القطعة وكيف وضعت نفسها بنفسها في مكان قال الله فيه ( في ظلمات ثلاث ) الم تكن بفعل فاعل ؟!

9) ما المانع من أن يلجأ أمثال ذلك اللص مع هذا التقدم في الطب والأمن من مساءلة الأجهزة المختصة له ولغيره من المتاجرة بأعراض المسلمين ومشاعرهم وتلفيق الحقائق وزرع الأجنة الميّتة في أحشاء نسائهم سعيا وراء المادة التي أعمى بريقها بصر كل مبصر إلا من رحم الله؟!



أثناء الصعود كنت في قمة غضبي وانفعالي ولكن في طريق العودة أخذ مؤشر ألانفعال ينخفض منسوبه رويداً رويدا ويحلّ محلّه التفكير الجدّي المتزن فقلت لنفسي إن قتلته قُتِلْتَ ،وإن ضربته سُجِنْتَ ، وإن هزّأته سَلِمْتَ ! فماذا أنت فاعل ؟! استقرّ الرأي عندي على الحل الأخير لكن سرعان ما عاد الشيطان إليّ وقال :

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً **** فابشر بطول سلامة يا مربع !

ألم تقل تلك العجوز الأمريكية قارئة الكف بأنك لا تجرؤ على قتل دجاجة !

نوبة من المشاعرالمتضاربة غزتني وأفكار سوداوية قاتمة راودتني ونار تكاد تحرق جوفي أهلكتني فأين المفر ؟! صراع نفسي عصيب بين الخير والشر وخوف من المجهول ونار تأجج في داخلي كلما خبت زاد الشيطان سعيرها فلم أشعر بالوقت ولم أدر أيّ الطرق سلكت حتى وجدت نفسي أمام باب المستشفى فدخلت، كانت وجهتي إلى الدور الثالث مقر عيادة الطبيب وعند المصعد قابلت ممرض عرفت من لهجته ولون بشرته أنه سوداني فسألته عن الطبيب قال : أعطاك عمره يا زول من ثلاث سنين ، راح إجازة والله وما رجع ، اشترى مزرعة في الريف هناك وشال معاه عمال في السيارة يساعدوه طلعوا لصوص سرقوه وشلحوا السيارة بعدما قتلوه ورموا جثته في الترعة ! تصدق بقيوا اهله ثلاثة أيام مالقوه بيدوروا عليه لما حصلوه مرمي في الترعة ! قلت لنفسي بعد الشهادتين :

وما من يد إلايد الله فوقها **** وما ظالم إلا سيبلى بأظلم

علمت فيما بعد أن العديد من المستشفيات الخاصة يعطي الطبيب 30% من دخل كل عملية يقوم بإجرائها ولذا كلما زاد عدد العمليات كلما زاد دخل الطبيب وهذا مايفسّر تعمد السوداني عليه غضب الله الكذب علي فيما يخص وجود تشوهات خلقية لدى أم عبد الله تحتاج معها لعملية تكلف ثلاثين الف ريال وعدم الإكتفاء بالكذب والتدليس وعدم الأمانة في زرع جنين ميت في رحم مسلمة مسكينة تبحث عن طفل حيث فضحه الله على يد يّطبيب مختص بعد عدة سنوات من عملته المشينة والتي لم يراع الله فيها ولم يحترم مهنته ولم يخش عقوبة من البشر قد تحلّ به

أخذت أهلي وعدت إلى مكة أتابع جدولي يوما بيوم ومنعت زوجتي من استقبال أحد أو الخروج من المنزل إلا لزيارة الطبيب وفي نهاية الشهر السابع توفي أحمد بن حمود بن أحمد عليه رحمة الله فأخذتها إلى العزاء ولم يكن أحد من خارج أسرتينا إلا القليل يعلم بأنها حامل فلما راءها الشيخ سعد بن أحمد وهي تنزل من السيارة أدرك أنها حامل فقال : من هذه معك ؟ قلت : زوجتي ! فعانقني بعد أن ذرفت عيناه وقال : ما شيء مثل ألظنى ! ولأن الوقت لم يكن ليسمح له بالمزيد فلم يزد على ذلك !

في تمام العاشرة من صباح يوم الأحد الموافق 21 / 2 / 1421هـ وفي مستشفى الأطباء المتحدين شهدت مولد ابني الوحيد وقد رافقت والدته ووالدتها من منتصف الليل وبقيت أمام باب غرفة العمليات منذ السابعة صباحا إلى أن خرجت لي الممرضة به بأمر من الدكتور وسلمته إليّ ، تأملته لحظات وعيني تذرف الدمع ثم ضممته إلى صدري وبعد أن سلّمت على جبينه ناولته إلى جدّته وخررت على الأرض ساجدا وأنا أنتحب حتى سمع كل من كان في ذلك الدور نحيبي ولو لم أسمع صوت جدته وهي تقول ( قم وأذّن في أُذُنِ ولدك خليه يسمع اسم الله احسن مما يسمع بكاك ) لما رفعت رأسي ، بعدها تم وضعه في حضانة نتيجة الصفار ولو لم يخرجون بالقوة من غرفة الحضانات لما تزحزحت من جواره ولم أتركه إلا بعد أن أخذت الرقم المسجل على الشريط الذي تم ربطه في يده خوفا من تبديله ثم بدأت بعدها اتلقى التبريكات التي انهالت عليّ من كل حدب وصوب من أناس أعرفهم وآخرين لم أسمع والله بأسمائهم من قبل، وكان من أوائل من اتصل بي عمدة المنتدى وبركته الأخ الفاضل علي بن حسن والذي قال مداعبا ( إياي وإياك آشوف معه مسمار يشخّط في سياراتي وإلا يكتّب جنوب الجدران يعيش ألأهلي ويسقط ألإتحاد )، ومنهم أيضا الشيخ محمد سعيد العباسي أحسن الله لنا وله الخاتمة والذي لم أسمع له صوتا قبل ذلك اليوم منذ تخرجي من مدرسة وادي العلي ألابتدائية في العام 1386هـ وكذا العمّ العزيز والقريب إلى نفسي عبد الله بن حامد حفظه الله والذي سألني حينها واش بتسمّيه ؟ قلت : لا أدري حتى الآن ! قال : عبد الله عجير عبد الله أبوعالي . قلت سمعا وطاعة يا عمّ عبد الله .

بعد هذا الصبر وتلك المعاناة استجاب الله الدعاء ! لكن أيّ دعوة استجاب ؟! ليس مهماً :

دعاء والديّ الذي كان يوصي به كل منهما الآخر عند الإفطار سواء في رمضان أو في غيره ( اللهم ارزق محمد بالذرى الصالح ).

أو دعائي في مسجد الجبوب !

أو دعوة الشيخ صالح بن حميد في الثلث الأخير من الليل داخل حجر إسماعيل !

أو دعوة موظف السنترال التي اخرجها من قلبه !

أو دعوة تلك العجوز الطيبة في الأردن في آخر ساعة من عصر يوم الجمعة !

أو دعوة العبادي رحمه الله وهو يصارع سكرات الموت !

أو دعوة زوجتي في بيت الشيخ يحي بن حمدان !

لست أدري ،الذي أعرفه تماماً أن أم عبد الله لم تخرج إلى الصيفية من السنة التي تلت تلك الدعوة إلا وعبد الله معها ، والذي حز في نفسي بعد ذلك أن عجوز الأردن الطيبة جاءت في تلك الصيفية إلى مكة للعمرة ولم تجدن ثم توفيت بعد ذلك .

وأخيرا أكذب عليكم إن قلت لكم بأني كتبت ما كتبت لإرضائكم فقط بل أكون في غاية الصدق إن قلت لكم هناك هدف آخر لا يقلّ أهمية عن طلب رضاكم ألا وهو رجاء أن يقرأ يوماً ما ابني ما كتبت فيعلم كم من السنوات عنه بحثت ، وكم من الجهد من أجله بذلت ، وأي نوع من المخاطر كي أسعد برؤيته واجهت ، فيترحم عليّ إذا مُتّ ويدعو الله لي حال دُفِنْت .

إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث إحداها ولد صالح يدعو له .

قبل أن أودعكم أذكركم بأن ذكرى مولده الثالثة عشرة ستحين بعد أيام قلائل من الآن فأرجوكم الدعاء بأن يحفظه الله لي ويصلحه ويجعله قرة عين لي ولوالدته التي بذلت من الجهد والصبر أكثر مما بذلت وجازاكم الله عني وعنها خير الجزاء .

سامحوني على استثارة مشاعركم فلم أتعمّد ذلك والله ولم أسع إليه لكن جاءت به الأقدار هكذا ولعل الخير لي أو لكم أو لنا جميعاً فيه والله من وراء القصد .

وكتب محبكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله أبوعالي
في 19/2/1434هـ مكة المكرمة .

 

 
























التوقيع






   

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 15 ( الأعضاء 0 والزوار 15)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:37 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir