..
مقال للدكتور عبدالعزيز القاسم
"إن لم تقدم الإضافة المميزة التي تفصلك عن باقي الصحف بمراحل، بما فعلت قبل 11 عاماً مع صحيفة (الوطن)،
فثق يا أبا عبدالله أنك ستخسر ليس فقط الرهان على نجاحك في صحيفة (الشرق)، بل تأريخك المضيء الذي سطرته في سجل صحافتنا بتجربة (الوطن) الكبيرة،
لأنك غامرت مغامرة غير مضمونة العواقب بقبولك خوض التجربة من جديد، وقد تغيّرت العوامل والظروف التي كانت تساندك في التجربة الأولى".
همست بالسطور أعلاه، للإعلامي الكبير قينان الغامدي، وقد تابعت بعض أعداد صحيفة (الشرق) الوليدة، ولم أشعر سوى أنها صحيفة سعودية صميمة، تصطف بجانب الصحف الأخرى،
وأشفقت جداً على تأريخ الرجل، فالوسط الصحافي السعودي –أزعم- أنه يدين لصحيفة (الوطن - قينان) بهامش الحرية الذي يعيشه اليوم،
وأتذكر كلاسيكية صحفنا قبل (الوطن)، والتي أُجملها في صحافة (استقبل وغادر)، ووقتما جاءت (الوطن) كعروس تختال إخراجاً، وأسدا هصورا تقتحم ميادين النقد في الفكر والحياة الاجتماعية،
وكرّست نقد الوزراء وأداء وزاراتهم التي لم نك نقترب منها وكانت خطاً أحمر، ما اضطر بعض رؤساء التحرير المعمّرين إلى الجأر بالشكوى لوزير الإعلام إذْ ذاك،
وضرورة تقييد هذا المتمرّد على تقليدية ورتم الصحافة السعودية المتكلّسة، غير أنه لم يأبه، ومضت (الوطن) ترسم لنا خارطة جديدة، وتقترب أكثر من ممارسة وظيفة الصحافة الحقيقية كسلطة رابعة،
عبر خوضها في كل المجالات المهنية المتاحة، وبالطبع دفعت أكلافاً باهضة جداً، بتغيير رؤساء التحرير أو إقالاتهم –ثمان رؤساء تحرير في ظرف عشر سنوات فقط- بطريقة مفاجئة،
ولكن هذا الثمن لمن يريد الريادة.
من الإنصاف القول بأن فريق (الوطن) المحترف الذي كان مع قينان، له دور كبير في ذلك النجاح، إضافة إلى أنّ الركن المتين الذي كان يتكئ إليه، وأقاله من عثرات عدة؛
له دور مهم في دعمه، وقبلهما، تلك الأجواء التي كانت عليها الصحافة السعودية، فهي غيرها اليوم، فالخبر الذي كان يعتبر خبطة صحافية كبرى يفرد له الثمانية أعمدة،
قد سبق إليها من المواقع الالكترونية، وطالعها الشباب في (تويتر) و(الفيس بوك) والمجموعات البريدية، يترافق مع ذلك أنّ الصحف السعودية أُرغمت إرغاماً على التساوق مع (الوطن) طيلة عقد من السنوات،
فبات هامش الحرية لديها واسعاً، غير ناسٍ تراجع مبيعات الصحافة الورقية المخيف. كل تلك العوامل ستضاعف مسؤولية زميلنا الكبير قينان الغامدي في تجربته الجديدة مع (الشرق)،
وربما تستغربون أنني لا آبه أبداً لكل تلك العوامل، والتي أجزم أنّ أيّ رئيس تحرير محترف سيتجاوزها، إلا عاملاً واحداً، وهو شخصية وجسارة ورؤية رئيس التحرير،
فقينان (الوطن) ليس أبداً قينان (الشرق)، وأقسم لكم بهذا، بل وكثيرون قالوا بذلك، وربما أستاذنا د.فهد العرابي الحارثي قالها لي بلغة دبلوماسية، بأن قينان نضج!!،
وهو طائفي وقينان طائفي وكاتب السطور من الطائف، نفهم تماماً تلك الصفة التي يقصد.
اقرأوا معي هذه الجملة: "خلال العامين الماضيين أعدت حساباتي، وراجعت كتاباتي، وانتابتني حالة من الخجل؛ كيف وصلت إلى هذا الحدّ في النقد والهجوم" (كلمة لقينان الغامدي في النادي الأدبي بالشرقية).
الحادبون والمحبون لأبي عبدالله، يضعون أياديهم خوفاً من أن يمحي الرجل تأريخه بيديه، بمثل هذه الاعترافات التي بها بالتأكيد رسائل يوجهها لشخصيات يريدها،
ولم يدر قينان أنه يؤلم محبيه وهو يسوّد البطولات التي فعلها، وأرغم –في تلك الأزمنة- كل الصحافة السعودية على أن تحذو حذوه، وتمشي على خطاه قسراً، وهو يخجل منها الآن!!.
أتذكر الآن جيلي الصحافي، ونحن ننظر بكل الإعجاب لما تقدمه (الوطن-قينان) وقتذاك، أستحضر الآن كيف كنت أتحجّج بتلك الزرقاء الجريئة،
وأنا حينها مشرفاً على ملحق (الرسالة) بصحيفة (المدينة)، وقتما يمنع الرقيب مادة ما من النشر، فأذهب لرئيس التحرير الخلوق د.فهد عقران، لأتحجّج له بـ(الوطن) بأنها نشرت، فيتشجّع ويجيز المادة،
وهكذا كان جيلي الصحافي، وهذا تأريخ يثبت، وكم آلمني هذا الأسف الذي قال به، لأن ذلك إشارة للقادم منه في صحيفة (الشرق) وهو ما لا أرجوه من (البلدوزر) المخيف للأجهزة الحكومية،
متوجساً ألّا يتحوّل لـ(بانوراما) خلابة وارستقراطية.
يشير البعض إلى أن الإضافة التي أرومها قام بها قينان، عبر جلبه للتويتريين ليديروا دفة القيادة بـ(الشرق)، إنْ على مستوى التحرير أو كتابة المقال،
وأنا أؤمن بأنّ ذلك لن ينجح طويلاً -آمل أن أكون مخطئاً- فما فعله أنه أتى بصقور يحلقون في فضاءات الحرية بلا أمداء، ودجّنهم كدجاج داخل أقفاص وقيود الصحافة السعودية.
سيزأر هؤلاء، ولكنهم كذلك الأسد عندما يُصطاد من البراري، ويؤتى به لحديقة الحيوان، يزمجر ويدور ويحتج ومع مرور الزمن يخمل، وينتهي إلى شكل أسد وقد مات الأسد فيه؟،
وتراهم بعد مضي فترة يحمدون نعمة الأمن والأمان وينتظرون رواتبهم في آخر الشهر، والميّزة التي جعلتهم مختلفين عن غيرهم من الصحافيين السعوديين خمدت،
ولعل العنوان الذي قرأت به مجلة (المجلة-14/12/2011م) أعداد صحيفة (الشرق) وكان بـ (التويتريون لا يمكن أن يصنعوا صحافة ناجحة) كان عنوانا معبّراً.
(الوطن) في انطلاقتها تجاوزت الصحف السعودية المغرقة في تكلسها وقتذاك بحوالي بعشرين نقطة وأكثر، ولفتت الأنظار، وأبهرت الجميع،
وكانت حديث المجالس. أتأمل (الشرق) اليوم، ولم أجد أي فارق أبداً بينها وبين بقية الصحف، والفجوة التي كان ينبغي على قينان خلْقها لم تحصل،
فلا غرو عند سؤالي ثلة من الزملاء الإعلاميين والمثقفين عنها؛ صدموني بأنهم لم يطالعوا الصحيفة أبداً، وهذا مؤشر مهم للبلدوزر الكبير.
خذها من محب يا أبا عبدالله: إن لم تصنع الفرق والإضافة؛ خسارتك ستكون مضاعفة.
...
التعليق
من تابع مقالات قينان الغامدي .. بجريدة الوطن بعد عودته الاخيره من الدراسة بلندن
يشعر ان قينان سئم المعارك .. ولم يعد يعنيه كثيرا أن يشار لمقالاته بالبنان لجرئتها .. وتجاوزها الخطوط الحمراء
بقدر مايعنيه ان يكون المقال مليء بالمعلومات والارقام الرزينة .. ويتصف بالمصداقية المثالية ..
وهو الان رئيس تحرير جريدة جديدة صدرت من المنطقة الشرقية اسمها الشرق .. نتمنى له ولها النجاح
..