في أواخر عقد الستينيات هجرية تقريباَ راحوا أهل الوادي بعروس إلى قرية الظفير لرجل تجاوز الستين من العمر ممتلي الجسم أبيض البشرة اسمه محمد الجيلاني والعروس من المردد تقرب لصالح بن مردد وهي أيضا كبيرة في السن ووالدي رحمه الله كان من الذين ذهبوا مع العروس أول ليلة لأنه جمال ومن الذين ساهموا في حمل عفش العروس على جمله بما فيها ركوب العروس على الجمل وهذه مهمة ليست بالسهلة على الوالد ، خاصة وإن فيها طلوع من عروان ، ونزول من البريدتين ، والقضية كلها فزعة مع الجماعة لحمل العروس إلى قرية أجنبية ، وأنا كنت مرافق مع والدي ، ولم يكن عمري في ذلك الوقت يتعدى العشر سنوات
وصلنا الظفير بعروسنا بالسلامة لأنه لو لاسمح الله حصل أي كبوه للجمل أثناء نزوله من البريدة وهوت العروس من ذلك العلو خاصة وأنها لم تتعود الركوب لوحدها وعادة مايركب مع العروس أمامها أحد أقاربها ، لتتمسك فيه .. إلاّ في هذه المرة العروس راكبة لوحدها ولكن الله سلم ..
استقبلونا استقبال حافل، وبتنا وفي اليوم التالي أتوا الجماعة بكاملهم مع الأطفال ما فوق السابعة .. أتوا مبكرين مباركين .. وتفا ولوا عند عانيهم وتوزعوهم أهل الظفير في البيوت للقهوة ، ولغداء خفيف ، وبعد صلاة العصر دق الزير في موقع سوق الثلاثاء جنوب الظفير ، وكانت عرضة من أكبر العراض التي رأيتها في حياتي في ذلك الوقت وكان الشاعر الرئيسي في ذلك المحفل الكبير دغسان وأذكر مما قاله في تلك العرضة آخر بيتين من أحد طرفي الحدوة وهو يصف استتباب الأمن في المنطقة ، { وكان أمير المنطقة في ذلك الوقت على ما أعتقد عبد الرحمن السديري الذي شغل آخر منصب له قائمقام جدة } أقول لم أحفظ إلاّ آخر بيتين من الحدوة وأعتقد انه الطرف الثاني .. لأننا نحن [ السفان ] في آخر العرّاضة نشل بها ولذلك حفظتها [ سامحوني طولت النشيد ] يقول:
النار والبارود عادت صحبه
ماعا د يرزى بعضها بعض
وأنشاء الله عندما أقابل سعيد ابن عثمان .. أسأله .. لأنه كان موجود وهو من طلبة مدرسة الظفير وكان هو والكثير من طلبة هذه
المدرسة من أبناء الظفير يكتبون الحدوة من فم الشاعر مباشرة وهذا ما حصل في الليل عند ما تقابل دغسان وابن عقّار في اللعب المهشوش ومشوا قارعه ... أقول بعد ما هلّوا العرضة قرب المغرب .. تجمع الضيوف في بيت صاحب العرس وصلوا المغرب وبعد المغرب مباشرة أخرجوا العشاء .. خبز ملبوز .. ومرق وتعشوا وبعد العشاء أخرجوا اللحم .. ثور كامل مطبوخ في قدرين كبيرين مخروطي الشكل وبدأوا في إخراجه على هدم من الخصف وبعد اكتمال إخراجه من القدور بترتيب معين بحيث يكون آخر مايو ضع
على قمة اللحم .. الشحم ويقف صاحب العرس .. مواجه الضيوف ويقول بصوت مرتفع .. الله يحييكم على عشاكم .. ويردون الضيوف بصوت واحد الله يبقيكم .. ويبدأ مجموعة من الأشداء بتقطيع اللحم وتكسير العظام وبعد الانتهاء يوزع على ثلاثة أكوام .. لحم صافي .. عظام بلحم .. الشحم والأطراف .. ثم يوضع كل كوم في مذرا { المذرا وعاء أسطواني الشكل بارتفاع 40 سم بعروتين في أطرافه مصنوع من سعف النخيل } وبعد وضع كل كوم في مذرا ويحمل على رؤوس ثلاثة من العتاولة الشداد جالسين على اقدامهم مثنأوا الركب مصطفين أمام الضيوف بمذاريهم وأمامهم خبير التقسيم ليقسم اللحم على الضيوف .. قطعة من كل مذرا ويناولها للضيف متبوعة بكلمة .. سم .. ويرد الضيف بقوله أسلم .. وهكذا يدور على الضيوف وخلفه عتاولته .. مشيهم زحف على الجنب حتى ينتهي من آخر ضيف وبعد الانتهاء يبدأ الضيوف في أكل ماقسّم عليهم .. وتغيرت هذه العادة وحل محلها طبخ الرز ووضع اللحم عليه ويقدم على الصحون .. هذا وصف لما كان عليه الحال قبل ستين سنة بعد العشاء .. طاف على الضيوف أحد أطفال القرية بكيس خيش ليمسح
الضيوف أياديهم بها وبعد الانتهاء من مسح الأيادي .. دارت القهوة وبعدها الشاهي .. أعاد دغسان الحداوى التي قالها في معراض العصر ومن ثم قال قصيدة مجالسية يمدح فيها محمد الجيلاني صاحب العرس يقول فيها:
الطرف الأول
أنهلك ياكادياَ ما عنه زل القطيف [1]
حن ينتصب فوق روس الناس واش منصب [2]
من بينه افنان ما اعرف شكلها واسمياه [3]
وأعز ما في المذاهب مذهب الحنبلي [4]
[1] أنهلك: إن الله لك .. زل القطيف : الذي يقطفه مازل عنه .. قطفه
[2] عادة توضع شلخة الكادي تحت المعصب بالنسبة للمرأة وللرجل تحت العقال .. واش منصب؟ : يتسأل الشاعر كيف لما يعاد فوق رؤوس الناس؟ إبداع
[3] واسمياه :أسماء الأشكال والأفنان
[4] واضحة : مذهب أحمد أبن حنبل
الطرف الثاني
هذا محمد فرش بيته بزل القطيف .... (القطيف الجديد)
وإن قالوالناس ياشعار وإش من صبي ...(كيف الرجال)
قولو محله تشوقك شافته واسمياه .... (أسمياه :سمته)
فيه المساند دمسك ومذهب الحنبلي ... (الحنبل مذهّب)
وبعد القهوة والشاهي قاموا أدوا صلاة العشا والسنة والوتر وبعدها .. دق الزير وأنحكم اللعب المهشوش .. ولعب على قارعه واحده .. دغسان وأبن عقار .. حتى هلّوه بعد منتصف الليل .. رحمهم الله جميعاَ وأسكنهم فسيح جناته ..
وأعذروني على التطويل .. وشكراَ .
علي بن حسن