(( الحلقة السادسه ))
يتابع الكاتب حديثه قائلاً:
القبيلة فيما مضىكانت تشكل وحدة سياسيه متماسكه لها مقوماتها الاداريه والسياسيه والاعلاميه ولها مواردها الاقتصاديه والصناعيه وتهتم بتوفير الاكتفاء الذاتي من الحرف اليدويه باستقطاب الصناع المهرة من قبائل اخرى, وتوطينهم عندها ومعاملتهم كابنائها عدا المصاهرة من اجل وفرة الانتاج وتلبية الحاجة وتعزيز الحاجه وتعزيز مكانة السوق.
وللقبيلة علاقاتها الخارجية الحسنه مع قبائل الجوار واتفاقياتها الثنائية لمكافحة اعمال الشغب وقطع دابر الفتن والضرب على ايدي مثيري القلاقل بين القبيلتين للحفاظ على أعلى قدر ممكن من الوئام. كما ان للقبيلة اتصالاتها المباشرة مع رئيس الدوله الذي يمتد نفوذه الى موطنها شريطة ان تظل للقبيله حريتها وسيادتها على ارضها نظير دفع الزكاة اليه عن مواردها والدعاء له عقب كل صلاة في مساجدها لا سيما صلاة الجمعة.
وللقبيلة في بطونها الكبرى وفخوذها التي تتفرع منها فبنو كبير مثلاً تتكون من ثلاثة بطون رئيسيه تضم معها الحاضرة في قراها والبادية في انتشارها في بطون الاودية والشعاب وهذه البطون هي: الجابر, والعلي, وبلحارث.
ومن هذه البطون تفريعات هي الفخوذ التاليه: السلاليب, الخنافره, العطاء.
وللقبيلة انسابها فلا تسمح بتجاهل الاصول بينها, واختلاط الانساب في مجتمعها .... وهذه صفات ملازمه للمجتمع القبلي هنا كله الا ماندر.
واعود للحديث عن العجمه الذي شبع في حياته مجدا,ً وامتلأ شرفاً, فأذكر ان آثار منزله لا تزال قائمه في القرية (( آل سالم ))وان الدور الارضي من قصره الحجري موجود, وفي اعماقه داخل سرداب مظلم يمتد كثيراً وبالتالي يصعب الولوج لنهايته مكان للحبس: ان به خشبه وقيد حديدي للسجناء وبه مقر للخيل, وساحة امامه لاستعراضها لا تزال تعرف بـ/ رباع الخيل.
ويعتبر احمد العجمه متفرعاً من الجد الثامن لأسرتنا (( اليحمد)) فهو كما اسلفت : أحمد بن مساعد بن احمد بن عوضه بن احمد ونحن من نسل عبدالهادي بن احمد بن عوضه بن احمد, فعبدالهادي جدنا الخامس عم العجمه إذ ان عبدالهادي ومساعد أخوان.
وفي ظل تلك الظروف الصعبة فان مشيخة القبيلة لا تنتقل للعقب بالوراثه , ولم يكن من حق اي سلطه فرض شيخ على قبيلته, فالقبيلة التي تختار الكفؤ من ابنائها من اجل حفظ كيانها ووفق الشروط التي اشرت اليها آنفاً, وبعد وفاة العجمة انتقلت المشيخه لأحد ابناء عمه لفترة يسيره فلم يستطع المضي في تحمل مسئولياتها الجسام. فانتقلت الى (( العوضه بن سعيد )) بقرية آل سرور من المرحلة نفسها, وظلت عندهم مدة من الزمن ولاتزال بقايا قلعتهم قائمة في اعلى تلك القرية, دالة على عظمة اولئك الرجال وقوة سلطانهم وعلو شأنهم .. ثم انتقلت بعد ذلك بمدة الى (( المسعود)) بقرية المرزوق. واستمرت مده حتى قدم الاتراك لمحاربة غامد وزهران في المرة الاولى, وقامو بحرق بيت المسعود بضربه بالمدفعيه... فانتقلت المشيخه من المسعود الى (( بيت آل ضيف الله )) بقرية الفلاح لفترة, وخلال غزو الاتراك للقبيلة للمرة الثانية, واعتقال بعض اعيانها بما فيهم جدي/عبدالله بن سعيد بن عبدالهادي.
قامو بحرق بيوت بعض اعيانهم بما فيهم الشاعر الكبير عبيدالله بن سفر الآنف الذكر.
ثم ظلت القبيلة بدون شيخ بعد ان تمكن من هزيمتهم الاتراك باستخدام اسلحة حديثه, ومدافع تجرها الخيول, وبقي يدير شئونها مجلس الاعيان لفترة.. حتى وصل الحكم السعودي الزاهر الى بيشه عام 1338هـ ولأن الشيخ سعيد بن سعد سويعد من اعيانها البارزين المترددين على بيشه كتاجر, وكان رجلاً عاقلاً وحكيماً قائد تلك الحمله خالد بن لؤي من بني كبير لقيادته, وظلت المشيخه بامر السلطه الحكوميه في عقب سعيد بن سويعد من ابنائه محمد واحمد حتى آلت الى حفيده الحالي الشيخ عثمان بن احمد آل سويعد.
إننا حينما اوردنا هذه الصور لمجريات الامور في هذه المنطقة لفترة من الزمن فاننا نوردها للعبرة والعضه, وليعلم جيلنا الصاعد بماضيهم السابق ومعاناة اجدادهم وشدة بأسهم وقوة شكيمتهم وقراءة افكارهم ومافيها من سلبيات وايجابيات وان حرة الرأي بينهم كانت مكفوله والخارج عن نظامها منبوذ.. واننا نحمد الله سبحانه وتعالى الذي من على هذه البلاد بحكومه رشيده وحدت الشمل بين اجزائها ونشرت الامن في ربوعها وحكّمت الشرع واقامت العدل بين الناس, فاصبح ابنائها متحابين نابذين خلافاتهم موحدين صفوفهم, عاملين من اجل نهضة بلادهم, ومجد امتهم.
وقد زالت الفوارق ووئدت الفتن واضمحلت المآسي وذابت النظره القبليه الضيقه والتعصب المشين لينعم الجميع بالامن والاستقرار والرخاء والازدهار.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
(( الحلقة الســـــــــــــــــــابعة ))
يواصل الكاتب حديثه فيقول:
رغب كثير من الإخوة الكرام قراء صحيفتنا الغرّاء (( عكاظ )) مواصلة الكتابه عبر هذا المنبر الأغر, وتفضل المسئولون في الصحيفه فرحبوا بهذه الرغبه الكريمه من القراء, وشجعوا كاتب هذه السطور للمضي في هذا الاسهام المتواضع, ولا يسعني ازاء ذلك الا العمل لتحقيق ما طلب مني بعون الله تعالى.
لقد تحدثت في ست حلقات سابقة عن القبيلة واسواقها والسمات الواجب توافرها في من يكون شيخاً تختاره القبيله, ومن يكون عضواً في مجلس اعيانها , ومن هو (( العجمه)) الذي تفرع من أسرة (( اليحمد)) نسبة الى جدها الاعلى, ((أحمد)) وان القبيلة الكبيرة في السراة ذات السوق الاسبوعي كانت فيما مضى تشكل وحدة سياسيه متماسكه لها مقوماتها الخارجيه, وضربنا مثالاً لذلك عندما قام العثمانيون بالقضاء على مشيخة قبيلة بني كبير, وإحراق منازل شيخها وشاعرها وبعض أعيانها بالمدفعية التي تجرها البغال والخيول بعد دفاع من اهلها مستميت فظلت فترة من الزمن بلا شيخ يدير شئونها محلس اعيانها حتى وصول الحكم السعودي الزاهر الى بيشه عام 1338هـ, ولأن الشيخ سعيد بن سعد بن سويعد تاجر من اعيانها يتردد على بيشه فقد اقام علاقات مع المسئولين السعوديين في بيشه بحكم تردده, واشتهاره بالعقل والحكمه, وأتى هذا التعاون ثماره اثناء إطالة الحكم الوارف السعيد على هذه المنطقة (( الباحه)) عام 1340هـ قدوماً من بيشه, فأتخذ قائد تلك الحمله خالد بن لؤي, وسلطان بن بجاد من بني كبير مقراً لقيادته, واختارت الدولة ابن سويعد شيخاً لها, إختياراً رسمياً موافقاً.
ولأن القبيله في فترة المخاض التي مر بها عقب الفعلة النكراء التي ارتكبها العثمانيون بحقها, وقبل اشراقة الحكم السعودي من بيشة برز من مجلس اعيانها من الحاضرة من يتوق لقيادتها فولته امرها لكنه لم يستطع المضي في تحمل مسئولياتها سوى بضعة أشهر, لا لعجز في قدراته, او نقص في ذاته, فهو من اعيانها, انما لضعف امكانياته الماديه, لما يترتب على ذلك من تبعات ماليه ينوء الكاهل بحملها من اجل ادارة شئون القبيله, وتوفير متطلباتها الدفاعيه والامنية وواجبات الضيافه, وتوفير المحباسه, والخيل, والخويا, في تلك الفترة العصيبه.
نعم برز من البيوتات المشهورة, والشخصيات المؤثرة من حاضرتها التي تقيم على امتداد وادي ((الحمى)) في ست عشرة قريه موزعه بين ضفتيه الغربيه والشرقيه بخلاف باديتها المنتشره في حماها, وغزوة الحاضرة والباديه (( بني قابوس )) برز من هذه الأسر شخصيات يصعب حصرها إنما نحاول هنا إيراد بعضها لمن كان له يد في تسيير دفة الامور مثل:
آل ضيف الله في قرية الفلاح, ثم آل مقبول في قرية الكدفة, وعبيدالله بن طعمه في قرية آل سرور. وسلمان في قرية النعيم, وملفي في قرية المرزوق, وابن مهدي في قرية الغبر, وابن معيض في قرية القليته, وابن مضحي في العصفره, وغيرهم من الأسر المشهوره في السيار, وبني والبه, والعبادل, والحدب مثل ابن عبيدالله, والعبدان, وبن صبيح, والجد سعيد بن حامد العبدالهادي في آل سالم, وكان من هؤلاء الحكماء, والشعراء, ودارسو القضاء.
وحينما تولت الدولة أعزها الله مقاليد الأمور انهت صراعاً كان قائماً واستتب الأمن, وزالت عوامل الفرقه والتنافس, واصبحت هي المسئوله عن الأمنم ولقضاء والإدارة وتنفيذ الأحكام الشرعيه, وجعلت من الشيخ دوراً إستشارياً للحاكم الإداري فقط إلى جانب التعربف على افراد قبيلته, وحل الخلافات الممكن حلها بينهم بطرق وديه والمشاعده في الخرص, وتحصيل الزكاة الشرعيه في اوقاتها من ثمار زروع الحاضرة, ومواشي الباديه, وفقاً لما هو قائم حالياً فس عموم مناطق المملكه.
(( الحلقـــــــــــــــــــة الثامنه ))
يواصل الكاتب حديثه قائلاً:
تحدثنا في الحلقات السابقه عن القبيله وسوقها وسمات شيخها واعيانها الذين تختارهم في مجلس الاعيان فيما مضى من سابق الزمان لإدارة شئونها وتحمل مسئولياتها حتى إطلالة الحكم السعودي الزاهر فتولت الدولة تعيين الشيخ, وتحملت عنه الكثير من التبعات وحددت له الواجبات من اجل وحدة هذا الكيان الكبير والانصهار في بوتقته.
ولأن الحديث عن ماضي القبيله وسوقها ليجرنا للحديث عن صور عن ماضي القبيله وحماها, فلكل قبيله بجبال السراه ((حمى)) وبالذات القبائل الكبيره التي يتكون مجتمعها من شريحتين ((حاضرة وباديه)) وهما في الحمى شركاء. وفي الحمى ينبت الكلأ ويتدفق الماء, ويطيب المرعى, وفي الحمى تسمو الاشجار المعمره نحو عنان السماء وتمر فروعها نحو الجهات الكرويه الاربع لتستظيف من يأوي اليها من انسان او حيوان ليتفيئأ ظلالها, وتحنوا عليه فتلفه بالظل, وتسقط عليه من ناضج الثمر, من على في شموخ وكبرياء لا تمنن ولا رياء,.... تنقذ من يلجأ اليها من هذين انسان كان او حبواناً هربا من عدوه فتنقذه من براثن العدو, فاذا ما داهمه خصمه تسلقها صعوداً خوفاً من غدره واتقاء لشره, وحفاظاً على حيالته ورغبة في السيطره من اعلى على من ظل ادنى. فتبقى الغلبه لمن تسلق المعالي صعوداً والفناء لمن ظل متردداً رعديداً تحت الشجر, والويل والثبور لمن كان عزمه حائرا وفي الحمى تنمو الاشجار ذات الاعواد الطريه, وتزدهر الشجيرات ذات الروائح العطريه والاستعمالات الطبيه,, ولكل صنف من هذه الاشجار منافعه العامه, واستعمالاته المختلفه لدى الحاضرة والباديه ... وبعون الله تعالى سنورد لاحقاً ااسمائها واستخداماتها ولمن ومتى يحق الانتفاع بهاً؟
والحمى هذا تستوطنه الباديه فبين اجزاءه وضمن حدوده تنتقل العشيره وفي ربوعه تتجول القبيله بمختلف انعامها من ابل وابقار واغنام بقسميها المعز والضان, من اجل الرعي تبعاً لجودة الكلا وطيب المرعى ووفرة الماء , وغزارة المطر ونزوله مبكراً في موسمه المقرر بإذن الله, تقيم لها بيوتاً من شعر تأوي اليها تسمى (( هجير )) تجزه من اصواف الماعز وتغزله وتصنعه نسائها ليتفيأ رب البيت واسرته ظلاله اتقاء من وهج الشمس وزمهرير الشتاء, وغزارة الامطار, ويعتز باقامته ضمن مجتمعه الصغير ليشلر للضيف الوافد اليهم بان هذا بيت فلان بن فلان وآخر شي يفرط به البدوي في حياته في حالة تعرضه لعوز وشدة فاقه, هو بيع هذا البيت الشعر ودليل هذا انه في سنين المجاعه والبؤس وشظف العيش التي تعرضت لها جزيرة العرب واثناء الحرب الكونيه الثانيه وما تمخض عنها من دمار عالمي, اضطر البدو في السراة في الفترة ما بين (1359-1364هـ) لبيع بيوتهم هذه وتحملوا الهجير من اجل شراء قوت اسرهم من الاسواق اسواق القبيله فسمو عام 1364هـ (ابو هجران) ارخوا به وتعاونوا على تسميته لشدة وقعه في النفوس من شجراء المجاعه.
(( الحلقــــــــــــــة التاسعه ))
يواصل الكاتب حديثه قائلاً:
في الحلقة السابقه تحدثنا عن صور من ماضي القبيله وحماها, وان الحمى تنمو به الأشجار الباسقه وتستوطنه الباديه وتنقل بين اجزاءه سعياً وراء الكلأ وطلباً للماء تقسم في بيوت من شعر المعز تغزله نسائها ويسمى (( هجير )) وفيه سنة القحط إضطر البدو في السراة لبيع بيوتهم هذه في سوق القبيله بطريق المقايضه من أجل شراء قوت أسرهم, والقيام بواجباتهم تجاه ضيفهم ومن يفد اليهم, وتعارفوا على تسمية ذلك العام ( 1364هـ ) بـ ( عام ابو هجران) لشدة وقعه في النفوس.
وفي هذه الحلقه نحاول- بعون الله – أن نلقي ضوءاً على ما كان موجوداً وقائماً بالسراة في تلك الحقبه الزمنيه وما قبلها, 1لك ان المجاعه هذه لم تكن خاصه بسكان السراة, وببادية السراة بالذات بل كانت عامه على جزيرة العرب وعلى الحاضره أقسى وأنكى, وبهم أشد تنكيلاً وفتكاً.
ولأن ما نورد هنا من معلومات إجتماعيه ومعيشيه لحقبة من الزمن مضت هو للعضة والعبره وليعلم شبابنا شيئاً عن معاناة أبائهم وأجدادهم, وصمودهم أمام تلك المحن, دون أن يؤثر على أخلاقياتهم فيما مضى وتعاملاتهم وقيمهم العليا, وليدرك شبابنا كذلك ان دوام الحال من المحال, فالأيام دول بين الناس, ومن سره زمن ساءته ازمان, لكن بشكر الله تدوم النعم وبالتضرع اليه وحده يزول الكرب وتنزاح النقم.
لذلك فقد يكون من الأجدى أن نورد هنا شيئاً عما قبل سنة المجاعة تلك التي مرت بالسراة حاضرة وباديه فأنهكت وضرت .... ذلك ان السبع العجاف هذه(1358_1364هـ) سبقها سنين سمان مرت بالسراة , لا نقول كانت سبعاً قهي اكثر , توفر فيها الغذاء, وازداد الرخاء, وتكاثر النماء في الثمار وأدخر اهلونا كميات هائله من الحبوب تزيد عن حاجة سكان السراة, وفاقت مخزونهم الإحتياطي في أعالي المنازل المسماه بـ (العاليه) حيث تخزن هذه الحبوب في اماكن عاليه بارده خشية إصابتها بحشرة السوس, في (قفاع) تستوعب القفعه إثني عشر فرَقاً, والفرَق إثنا عشر مدا,ً والمد الواحد صاعان, فإذاً القفعة الكبيره سعتها (288 صاعاً).
وعندما امتلأت الدور العلويه من المنازل بأصناف هذه الحبوب المتعدده من ( المخزون الإحتياطي) حنطه صافيه (صيف, ومابيّه, وشعير, ومشهوره, وذرة غبراء, وخولانيه, وسمراء, وبلسن, وذرة بيضاء, و قشّاش, ودجر, وسيّال, ومجدول) عمدوا إلى وضع الزياده التي لم تستوعبها أعالي دورهم في داخل الحصون مفردها (حصن)
القائمة خارج القرى كمخزون (إستراتيجي) يضمن قوت أجيالهم وأجيال المستقبل من أحفادهم, توقعاً لعوادي الزمان, ولكثرة هذه الحبوب بين أيديهم تدنى سعر الجيد منها من الحنطة الصافيه والصيف والذرة القشاش البيضاء إلى عشرون مداً أي أربعين صاعاً بريال احد.
وظلت فترة لا تجد لشرائها في سوق القبيلة طالباً وسوق القبيله هو المعيار لما يتم بيعه من بيوع ومقايضات خارجيه وفيه تحدد اسعار السلع من قوت وبز (قماش) ومواشي وبقية المستلزمات وللحبوب في السوق مكان يسمى ( المسعار) وفي فترة الرخاء هذه توفر في سوق القبيله السمن والسمين من الأنعام فالأرض غنية خصبة تدفع ثماراً, والمياه في الأوديه تشكل انهاراً على مدار العام, والينابيع بها تتدفق والكظامة تندفع بقوة نحو المزارع عبر قنوات لا تزال اثار مسارها موجود يُعرف بفلج الكظامه, في نظام ري بديع بين مزارعين, لعلنا لاحقاً نتمكن من توضيح خصائصه.
والآبار معطله لا حاجه لهم بها لوفرة المياه المتدفقه فوق سطح الأرض ... وقد بلغ عدد ينابيع الكظامه في ((مزحلة وادي الحمى)) وحدها خمسه. هي ((كظامه عن يمين اليماني, كظامة العجمه, كظامة الشعب, هذه الثلاثه تسقس مزارع قريتي آل سالم وآل سرور معاً في آن واحد وكظامة الرتق, وكظامة المشرعه تسقي مزارع قرية النعيم.
وإلى الحلقة القادمه إن شاء الله لنكمل حديثنا
(( الحلقـــــــة العاشره))
يواصل الكاتب حديثه:
أشرنا في الحلقة السابقه إلى صور من ماضي القبيله واسواقها, وكثرة الثمار التي تعرض فيه, أصناف الحبوب المنتجه فتدنى سعرها إلى حد لا تجد لها بالسوق طالباً للإكتفاء الذاتي لدى الحاضرة والبادية, ووفرة المياه السطحية وإندفاع الينابيع وتدفق الكظامه من باطن الأرض والخصب في الأرض والنماء في كافة المنتجات الزراعيه والحيوانيه وهو أمر واقعي وطبيعي شهدته منطقة السراة في فترة سبقت السبع العجاف التي اشرت إليها سابقاً.
نعود لنكمل حديثنا فنقول: نعم إنها سنون سمانتزيد عن سبع عم فيها الرخاء, ونعم خلالها سكان السراة بوفرة الغذاء أو إستمتعوا بالرفاه وبالأمن الغذائي الشامل وظلوا في غفلة لا يدرون بما يجري حولهم من شئون!!!
وعلىى حين غرة أتت بعدها مباشرة سبع سنين عجاف دأباً. جائت أليهم القوافل عن بيشه لتموين نجد وأتتهم قوافل أخرى من تربة البقوم, وخرمة سبيع لتموين مدن الحجاز فسحبت هذين المخزونين (الإحتياطي والإستراتيجي) من الحبوب بأسعار حسبوها فثي البدايه عاليه وهي متدنيه, وظنوا أنهم في مبيعها رابحون وهم خاسرون, وقالوا أنهم على إستغلال الأرض قادرون وهم بإنحباس القطر عنها مفلسون, وتدرج السعر في الإرتفاع قليلاً, وهم لا يدركون السر وراء هذا الطلب المتزايد من عشرين مداً, اربعين صاعاً بريال واحد, ولا تجد له في سوق القبيلة طالباً حتى صار ربع المد أو شطره بريال واحد , بحيث لا تجد له في السوق أثراً, حتى باتت حفنة من الحب أثراً بعد عين......
فجأة هلع أهل السراة مما اصابهم وعلموا متأخرين أن غيرهم قد أبتلي قبلهم في جزيرة العرب, بل في العالم كله من جراء المجاعه والحرب الكونيه التي اضرمت نيرانها في أصقاع نائيه عنهم فأهلكت أهل وديار من دارت رحى الحرب في ديارهم تشريداً وتقتيلاً يتماً وتدميراً.
نعم فكانت مفاجأة غير ساره لأهل السراة, فالحبوب من بين ايدهم نفذت, والأرض أجدبت, والأسعار إرتفعت, وماء القطر عند رب السماء تأخر نزوله, والآبار التي كانت مملؤة ماء غارت, والينابيع من الأوديه جفت , والكظامة إختفت, والأشجار والحشائش تساقطت والثمار في رؤوس الأشجار ضمرت, والزروع تلفت, وقطعان الأنعام هلكت وأمام ناظري أصحابها نفقت, طحنوا نوى التمر, وسحقوا نوى النبق وخلطوها بحب العثرب, وأضافوا اليهم ما توفر لديهم من اللبن ليطيب طعمه فيسد الرمق.
علموا بهذا الخطر الداهم متأخرين وقد فرطوا بما في حوزتهم من خيرات, فصبروا على ما اصابهم بإعتباره أمراً مقدراً من بارئهم جل شأنه, مسلم به, لا مناص عنه ولا مهرب, عقدوا العزم على مواصلة الجهد من أجل لقمة العيش, محتسبين الأجر, لم يهنئوا ولم يستسلموا لليأس والقنوط من روح الله, ضلّوا ملتزمين بالمثل العليا والقيم في إقراء الضيف, ومساعدة الضعيف , ونجدة الملهوف, ومواساة الجار, ومد يد العون لذوي الحاجة, وإيواء وإطعام المارين بأرضهم من ابناء السبيل, مبادئ ساميه ظلّوا بها ملتزمين رغم فقر دات اليد وشدة المسغبه ...... صمدوا في بداية الأمر امام شدة الفاقه والعوز قانعين بأنها نكبات طبيعيه قدرها الله عليهم فأشتدوا كشدة أرضهم وأقسى, ولأن إبن آدم خلق من طين لازب فيبدوا ان الأرض إذا أشتدت إشتد عوده وقوي حزمه , وإذا أخذت زخرفها وأزينت ارتخى وطغى وبغى إلا من هدى الله ....... عمل الرجل والمرأه معاً في الحقل الزراعي وفي الميدان الرعوي , صاروا ينزلون إلى إلى قعر البئر في غرب السانيه لينزفوا الماء للغرب باليد نزف, لعلمهم يجدون ماء ليشربون, ذهبوا للأودية يحفرون لإحتثاث جذور الحشائش من حلفاء ((الغريف)) وغيره لإطعام ما تبقى من ابقارهم ذات الفزع.
إشتد القحط عليهم وعلى انعامهم مع تتابع سنين القحط هذه بعد تلك الوفرة من المياه, وإزدادت المسغبه, والأوبئه بعد تلك الكثرة من الغذاء والرفاهية
تمت نقلاً عن اعلام من غامد الصادرة عن شبكة ساحات غامد للثقافة والاعلام