ديك جدتي خميسة

[ ديك جدتي خميسة ]
في عام 1381هجرية كُلِّفْتُ بإدارة مدرسة وادي الصدر وعندما وصلت وجدت هناك مشكلة بين قريتي الفقهاء والغرباء كل قرية تريد المدرسة عندها ، رجعت إلى إدارة التعليم في بالجرشي ودخلت على الآخ أحمد المليص واعتذرت عن هذا التكليف وطلبت أن أكون مدرسا بنفس المدرسة ، قَبِل اعتذاري على مضض ، وكنت المدرس الوطني الوحيد وتناقل التلاميذ أن مدرسهم ( ويدٌ ) يعني ولد وفعلا كان بعض التلاميذ أكبر مني وفي إجازة نصف السنة قرر الإخوة الأبعد أن يمرُّوا عليَّ ونمشي سويا ، وصلوا إليَّ قبيل المغرب ولا بد من تجهيز عشاء لهم ، لم يكن موجودا مطابخ مثل اليوم والوقت ضِّيق ، بحثت فلم أجد إلا ديكا عند جدتي خميسة وقالت : [ أهو قحمٌ ولا عاد يقدر يذَن وان كان يفق لك أهو فوق تياعك الدمنة يبخَس وإذا راح اصطدته لك ] وافقت وحسبك من أمرين أحلاهما مرُّ .
ذبحت الخروف عفوا أقصد ديك جدتي خميسة وشبَينا تحته ساعات مع إضافة حبوب الأسبرين ولكن كلما زدته طبخا زاد قساوة ، أما السِّمَن فحدِّث ولا حرج لقد كان سمينا وكما يقول المثل السوداني : ( الدهن في العتاقا ) والصفوة فوق المرقة عدة سنتيمترات والمرقة قادحة من مرقة المراوين التي لا تخفى عليكم .
أخرجت العشاء معتذرا عن قساوة اللحم ولكنهم أكلوه بل طحنوا حتى عظامه ( شباب ) وكانت كبسة لذيذة جدا ، قررنا المشي بعد العشاء ومن يعرف تربة زهران فالماء كان يمشي بها على مدار السنة ، كنا نخوض في الماء مشيا ثم نخرج في البر ثم تردُّنا الطريق إلى الماء ثانية فنمشي فيه مسافة ثم نخرج إلى البر والجو بارد والماء أكثر دفئا من البر وهكذا بقينا على هذه الحالة حتى وصلنا الجبل الذي فيه ( مطاحة العروس ) شعرنا جميعا بالتعب الشديد ونمشي قليلا ثم نتوقف .
تبتلنا من ذلك الماء وتلك النجدية الباردة وكنا نمشي ( متبازين ) والزملاء كانوا أحمد العنايا وصالح بن مسفر وعبد الله خرمان ( ومحمد بن راشد وعلي الفاران - رحمهما الله - ) وعندما وصلنا قرية الرُّبيان قال الآخ صالح بن مسفر أنا ما عاد اقدر امشي وخلُّونا ندخل المسجد نرقد فيه حتى الصباح .
قلت لهم صالح بن علي صاحب للوالد - عليهما رحمة الله - وهو عريفة وإمام القرية وماذا يقول عنا إذا جاء يؤذن ووجدنا كما عقد القصيل نائمين - وكلمة القصيل فصيحة - ولكن شدُّوا حيلكم حتى نصل رغدان .
وصلنا رغدان بعد تعب شديد وقالو ندخل المسجد خلاص لم نعد نستطيع المشي وقلت : ندفُّ أنفسنا إلى الباحة وصلنا الباحة ناموا في القهوة وأنا وأحمد العنايا نمنا عند أمه عزيزة بنت سعيد - رحمها الله - وهي كذلك أمي بالرضاع ، أطلت عليكم السالفة ولكن الحديث ذو شجون فسامحونا وسلامتكم .

 

 

ابو صالح لقد استمتعت كثيراً بقراءة ذكرياتك الجميله وماكنتم تعانونه في تلك الحقبه من الزمن

قصة عشاك هذي ذكرتني حينما كنا في نجران انا ومسفر قسقس ومحمد التهامي وعبدالرحيم قسقس حينما مرينا على مزرعة في هجره جنب الحصينيه التي كنا فيها اسمها ( الضيفه ) وفي هذه المزرعه ماطور سطحي شغال ومن ضمن الزرع الذي في المزرعه (قضب) برسيم ، شاهدنا خلّفه راويه وقلت للشباب وش رايكم ناخذ منها ونطبخها في البيت وقالوا تم

استأذنا صاحب المزرعه بأن ناخذ من هذه الخلفه وهو في ذهول شديد كيف تاكلون برسيم ؟
قلنا حنا ناكل حتى الحجران .

ولما وصلنا البيت بدأنا في اعداد طبخ هذه الخلفه ووضعناها في قدر كاتم وحطينا عليها العجينه وعندما تاكدنا انها استوت
نكتناها من قدر الضغط وكانت المفاجئه انها كما وضعناها ، والدغبوس تفتت ورايح غريبه يالله لك الحمد ما تنوكل ولا اعلم ماهو السبب

لما شافها محمد التهامي قال لا تشرهونا من المدرسين الاجانب كبوها بعيد عنا وفعلا رميناها ولم ناكلها

ابو صالح نحن بشوق لمواصلة ذكرياتك الجميله ولك مني كل تقدير واحترام

 

 

حياك الله يا ابا صالح وحيا ذكرياتك واسلوبك الشيق الممتع .
ذكرتني قصة ديك جدتك خميسة رحمها الله بقصة احد اقاربي اشترى تيسا صوماليا وظن انه مثل بقية التيوس وكان لديه برميل مندي في سطوح منزله ، يقول قريبي اتصلت باخي وعزمته على ذلك التيس وساعدني على وضع لحمه في البرميل بعد ان اشعلنا ناره وتأجج جمره وتركه المدة المحددة بل زاد عليها ليستوي اللحم ، ولكن المفاجأة انه عندما رفع غطاء البرميل ممنيا نفسه وضيفه بوجبة دسمة ولذيذة وجد اللحم اشد قسوة مما كان عليه قبل وضعه في برميل المندي ، فنقله إلى قدر واشعل عليه النار ولكن هيهات لم يزدد الا قساوة وسوادا ، بل اشبه بكفرة سيارة حسب وصفه .
فحمله كما هو ووضعه في برميل النفايات اكرمكم الله .
فديك جدتك خميسه افضل من تيس قريبي على الاقل اكله الضيوف اما هذا فلا .
شكرا لك يا ابا صالح وشكرا للحبيب غرم الله على اضافته الجميلة كعادته .
وتقبلا خالص تحياتي وتقديري .

 

 

أهلا بك يا أبا سعيد وبالآخ عبد الحميد
أشكركما على مروركما وعلى تعليقاتكما وسأوافيكما
ببعض من الذكريات إن شاء الله ولكن في زاوية ذكريات
ومن هنا وهناك ، أشكركما مرة أخرى .

 

 

الحقيقة يا أبا صالح انني استمتعت كثيراً بهذه الذكريات الجميلة عن تلك الفترة ومعاناتكم في بدايةحياتكم الوظيفية الأولى وأنتم لا زلتم أطفال في معايير هذا الزمن ولكنكم كنتم رجال رغم صغر السن في تلك الفترة .. جدتك خميسه ما صدقت على الله تحصل من تزقي في حلقه ذلك الديك القحم.. والحقيقة حسب وصفك وسردك الجميل للقصة انها لم تغشك فقد قالت الديك[ قحمُ] ولكن ما عندك غيره والله عوضك بضيوف يقضمون الحصى .. حياة كلُها كانت معاناة ولكنها صنعت رجال .

علي بن حسن

 

 

حيا الله أبا صالح
بسردك لتلك الذكريات التي مرت عليكم قبل أكثر من نصف قرن .. أولا :استمتعنا بالمشاركة معك في الخيال وكأننا أحد أفراد الطاقم المجاهد .. صغار في السن وكبار في تحمل المسئولية .. وثانيا : أعدت الروح لهذه الزاوية التي أوشكت أن تترنح فقد وصلت إلى ( الكربة ) يبدو أنه باقي على هذه الزاوية فترة قليلة ويقول أبو ياسر العذر من الله ومنكم ..طبعا فيه حاله واحدة ممكن تتنشط هذه الزاية إذا تكرم أبو ياسر و ( لين ضروسنا ) خاصة أن العمارة ما شاء الله انتهت والزيود حاسبهم كلهم - عندي خبر - وسافروا .. ومنهم حميد الزيدي ومصلح ( مقلعين الحصا ) وواحد ثالث اسمه ( عثربة )

بقي المفيد : أبو صالح شجعنا على المشاركة وهذا ما لدي :
طبعا نحن تخرجتنا في وقت متأخر عن أبو صالح بعده بعشر سنين عام 1391 من الطائف وتم التعيين في مدرسة ببني سعد نفرق لها من شقصان طريق جبلي غير معبد حتى نصل إليها ( السحن ) وهي من أكبر القرى وبها عدد من الادارات الحكومية لكن مع ذلك فهي تعتبر منفى لا بقالة ولا خبز ولا أي شيء من أساسيات الحياة والماء يجينا تنكتين على ( حمار ) اعزكم الله .. كل ثلاثة أيام .. وأهل هذه الديرة آنذاك مشهور عنهم بالبخل والجلافة كلا من حاله في شأنه مهتم بشئونه الخاصة والغريب ما عليهم منه

ومع الطفش وانعدام الموصلات قلنا نتمشى إلى قرية تبعد عنا عدة كيلومترات ( الصبخة ) افتتح بها مدرسة وبها فصل أولى فقط .. وبقية طلابهم بالصفوف العليا عندنا .. وصلنا المدرسة نحن ثلاثة : أنا وواحد زهراني اسمه علي معدي والثالث يمني متجنس اسمه أمين السقاف وكلاهما من خريجي المعهد القديم وصلنا العصر واستقبلنا المدير محمد عطية الزهراني .. في الفيلا الخاصة به وهي عبارة ركن بغرفة بها فراشه الخاص ودافور وتوابعه .. وبقية الغرفة فصل دراسي على الأرض وسبورة على الجدار
قبيل المغرب استأذنا للعودة لكن الزهراني كان أسرع في ارسال مقولة : ( علا ) الطلاق ما تروحون .. وأمام اصراره قبلنا .. لكنني لاحظت حرج الموقف بالنسبة له فقد سمعته يسأل أحد الطلاب .. بقوله : تبيعون الديك حقكم يا عواض ؟ وهو في حيرة من أمره داخل خارج وريقه ناشف .. أخيرا حضر واحد من القرية ودارت مشاورات عاد بعدها وعليه علامات الرضا .. يبدو أن صاحبه استعد بتأمين العشاء .
جاء العشاء وكان الجود من الموجود فالقرية تقع بين جبال قاحلة لا ماء ولا شجر بالكاد يكفي سكانها وهم في فقر مدقع .. اتضحت خلاصة ذلك الفقر من الذبيحة التي قدمت لنا فقد كانت عبارة عن هيكل عظمي لعنز عليها جلد صلب .. ومع ذلك كنا مسرورين أن الزميل وجد بغيته وأكرم ضيوفه باجتهاد وبما تيسر له
بعد تلك السنة انتقلت للطائف حيث المدينة الجميلة وقتها مقارنة بالباحة .. بل كانت في نظري أفضل من الرياض حداثة وتنظيما

كنت أتمنى أن أقابل الزميل محمد عطية الزهراني لكي أرد شيئا من كرمه وحسن استقبالة لنا .. مرت سنوات تلو أخرى لم تقع عيني عليه ولم أجد له خبرا في أي منطقة كانت .. ولازلت حتى هذه اللحظة أمني نفسي بمشاهدته .. ولا زال الطلب قائما فمن وجد خبرا عن هذا الزميل سأكون أكثر سعادة ووفاء بمشيئة الله تعالى

استدراك : خطر على بالي أن يستغل أبو ياسر الفرصة ويجمع كل زهراني اسمه محمد عطية وما أدري إلا وهم سرب وأبو ياسر في المقدمة .. لو حصل هذا أنا سأتحول بقدرة قادر إلى هندي رفيق .. باهز راسي ولن يسمع مني إلا جملة واحدة ( أنا نفر زديد .. أربي مافيه )

 

 

يسمع مني إلا جملة واحدة ( أنا نفر زديد .. أربي مافيه

أنا مهمد أطية يارفيق !!

 

 

الآخ علي بن حسن
الآخ عبد الله بن ناصر
أهلا بكما ويظهر إن حكاية ديك جدتي خميسة ستجر بعدها حكايات أخرى عن الديكة أو ما يشبهها
أنتظروني وسأوافيكم إن شاء الله بحكاية شبيهة في زاوية ذكريات ولكنها أكثر طرافة لكما تحياتي .

 

 

هذه الذكريات الرائعة

سيرة ذاتية فائقة الجمال

وهي التي يبحث عنها الأدباء

والأدب السعودي خاصة

فوثقها يا استاذنا واجمعها في مجلد أنت أهل له

وفقك الله لكل خير

تحايا طيبة

 

 

اخي عبد الله بن ناصر :
ابشر سابدأ من يوم غد إن شاء الله ابحث عن كل واحد اسمه محمد عطية الزهراني عن طريق الاحوال المدنية واجيبهم لك وانت تعرف على صاحبك من بينهم والباقين تصرف معهم اما تضيفهم وانا معهم والا تتخلص منهم هذا الامر يعود اليك يا رفيق .
على فكرة ابو صالح وفا بوعده وكتب موضوعا عن ديك اكبر من ديك جدته خميسة في الذكريات ، الله لا يهينك ازرق إلى الذكريات واقرأ الموضوع وابد رأيك ، فديت الخلقة ومن هي خلقته .
وسلامتك .