لم يكن سوى الرجل الوقور[color="rgb(105, 105, 105)"] محمد بن شويل
إبن الخمسين سنة تقريبا وقتها والذي اخجل حتى من ظلّه، لقد جاء بمفرده صائما يقود سيارته بنفسه رغم منصبه الكبير وكثرة مشاغله محملا بكل ما لذّ وطاب من اصناف الطعام والشراب المعدّين داخل منزله ! فلِمَ كل هذا التقدير؟! ولمن ؟!
إنه لشخص في سن إبنه ضاقت به السبل حتى أودى به الحال أيامها إلى تقمص شخصية رجل مجنون هربا من العمل في المباحث العامة !
شيء لم اكد اصدقه ! [/color]
ذكرتني هذه الذكريات الجميلة عن ذلك الرجل الوقور النادر الوجود مثله [ محمد بن سعيد شويل ]أدام الله عليه ثوب الصحة وأثابه على كل ماقدمه من أعمال خير لكل من يعرفه ،أقول ذكرتني هذه الشخصية الفريدة : بأولويات في حياتي لا تنسى ... أولها : أول رحلة لي خارج بيئة القرى المحيطة بقرى وادي العلي .. إلى مكة المكرمة التي كنت أعتقد أنها خلف جبل شهبة بجبلين على الأكثر وكانت مع ابن عمي حسن بن سعيد بن صوهد وكنت يومها [جدخ لم يصل بعد لمرحلة دلخ ] عمري أثنا عشرة سنة واستمرت الرحلة ثلاثة أيام من يوم الخميس حتى وصلنا على مشارف الطائف الذي هو الآن حي الشهدا وكانت أول دهشة لي عصر يوم السبت رؤيتي للدراجات الهوائية [ البسكليتات ] كيف هي تتدحرج وبسرعة وبدون محرك وبدون صوت وبعجلتين ولا يسقط راكبها والدهشة الثانية رؤيتي للسيارات الصغيرة وكلها غمارة واحدة وهي كانت في تصوري على شكل الشاحنة التي أنا راكب عليها فورد موديل 49م حمولة خمسة أطنان وست عجلات أقول على شكل الشاحنة التي أنا أقف متشعبط على عوارض حوضها ..بس على أصغر أما أن تكون كلها غمارة واحدة وبأربعة نوافذ وأربعة أبواب فهذا هو الشيء المدهش بالنسبة لي والدهشة الثالثة رؤيتي [ للموتر سيكل ] الدباب كيف لا يسقط راكبه وهو بهذه السرعة المذهلة وهو على عجلتين كانت شوارع الطائف كلها ترابية الخط المسفلت الوحيد هو الخط الموصل بين مطار الطائف مرورا بالحوية وقبلها بالمستشفى العسكري وثكنات الجيش والباقي كلها ترابية وعندما رست بنا شاحنتنا بشحنتها البشرية بجوار القهاوي المجاورة لمسجد ابن عباس وكان ذلك قبل المغرب بنصف ساعة قال لنا مالك الشاحنة وسائقها إسماعيل ابن ملة بلهجة الآمر : ياركاب كلاً يروح لأقاربه وإلاّ معارفه واللي ما يعرف أحد.. يبات في القهوة هاذي وأشار إلى قهوة ذات كراسي شريط وأضاف بنفس اللهجة وجهمة الطير وأنتم عند السيارة ...أخذني ابن عمي بيدي وقال انحن بنصلي المغرب في هذا المسجد وأسمه مسجد ابن عباس وأخذني لمكان الوضوء ودهشت به ولكن الدهشة الأكبر عندما سمعت صوت المؤذن وهو يصدح بصوت شجي وجهوري من أعلى مآذن المسجد معلناً آذان المغرب ولم أكن أعرف أنه عبر مكبرات الصوت وقلت لأبن عمي .. ياما أقواااااا صوت المذن كما أيش كبر هذا المذن ..قال أبن عمي هذا يذن في مقرفون يكبر صوته أمش ندخل المسجد وكانت دهشتي بثريات المسجد وصوت الإمام الشجي لا تقل دهشة عما قبلها ..المهم وهذا الذي خلاني أطول النشيد هو أن ابن عمي قال بنروح لمحمد بن شويل عنده دكان خلف المسجد هذا خلنا نسلم عليه وهو يعتبر من جيل ابن عمي ومن أقرانه ولازم يمر يسلم عليه وهذا ما حصل مرينا وأنا أول مرة أتعرف عليه وأستقبلنا بالأحضان وقال لأبن عمي هذا ماهو ولد العم حسن قال له ابن العم هذا علي ابن الوالد حسن رحب وسهل وكان دكانه عبارة عن مترين في مترين يبيع فيه سكر وساهي وبن وهيل ورز ومعلبات يعني بقالة مصغرة وبما ان الدكان ضيق فقد أخرج لنا صندوقين شاهي لا زالت بخيشها ولكنها فاضية من ألشاهي وجلسنا عليها و وطلب من مقهى صغير في الشارع براد شاهي وبعد شرب الشاهي وسوالف ابن العم معه قال : إلى صليتم العشاء تعودون عندي في الدكان وبعد ممانعة من ابن العم أقسم علينا لنعود وفعلاً بعد الصلاة عدنا وطلب لنا عشاء مطبق وهذا من الأولويات في حياتي أتذوق مثل هذا النوع من الأطباق الشهية الذي لا زلت أتذكر طعمه إلى الآن وقال بعد ما عشانا وطلب لنا براد شاهي كل هذا ونحن جالسين في الشارع على صناديق الشاهي الفارغة وبعد ما تعشينا وتقهوينا قال : بدل ما تروحون ترضعون البق في قهاوي البرحة تعالوا ارقدوا عندي في غرفة مستأجرها في نفس الزقاق هذا وبتكفينا وإلى اذن الفجر رحنا صلينا جميعاً في مسجد ابن عباس وبعدها روحوكما وعدكم السواق للنزول لمكة وفعلاً ودعناه بعد صلاة الفجر وهذه الليلة عشاءها ومبيتها لا أنساها ما حييت رغم بساطتها إلاً إنها رغم مرور أكثر من ستين سنة لا زالت راسخة في الذاكرة لأنها صادرة من رجل معطاء بروح تحب العطاء
شكراً يا أبا عبد الله لتذكيرنا بكرم هذا الرجل المحب للعطاء لنذكره بالخير وندعو له بالصحة والعافية
علي بن حسن