فيزياء

ارتقى المنبر وكلنا ينظر إليه. شاب في بدايات العقد الثالث من عمره. لم تدل هيئته على أنه خطيب مفوه أو متحدث بارع.
كنا ننتظر بفارغ من الصبر أن يلقي خطبته. فلقد تعود العديد من المأمومين في بعض الجوامع ان يسمعوا لخطب تُملى عليهم إملاء. فلو طلب منهم الخطيب أن يحضروا ورقة وقلما ليملئ عليهم الخطبة لفعلوا. فبعضهم يذكرنا بمعلم اللغة العربية الذي كان يلقي علينا في مادة الإملاء مقطوعة لا يعلم البعض هل هي شعرا أم نثرا .. قصة أو رواية، ويطلب منا أن نكتبها. بعد ذلك يأتي وقت التصحيح فتجد العجب العجاب. كل واحد يكتبها "على كيفه" .. ويفهمها بمزاجه .. وغيرهم من لا يعرف يكتب ولا حتى يفهم شيئا. كلها مثقلة باللون الأحمر الذي يشبه الدم.
أعود فأقول: عندما اعتلى صاحبنا الشاب المنبر، ومن خلال هيأته قلنا " الله يخلف على جمعتنا بالخير". بعضنا تساءل ماذا سيختار هذا الشاب الغريب من موضوع لكي يلقيه علينا. وهل هو خطيب فعلا أم عابر سبيل. ولكن بعد أن حمد الله وأثنى عليه وقبل أن يشرع في الخطبة، بدأ الجميع يتشوق إلى ماذا سيقول، وما هو الموضوع الذي سيختاره. لفت انتباهنا نظرته الجانبية إلى الجميع. بل زاد من انتباهنا الكلمة التي بدأ بها الخطبة؛ فهي كلمة لم نعتد أن نسمعها إلا ممن يخبرنا بخبر أو يدعونا لدعوة أو يلقي كلمة في حفل حيث قال: آبائي وإخواني وأحبابي.. ثم استرسل في خطبته وكأنه يغرف من نهر عذب. خطبة جميلة .. كلمات ذات دلالة عالية.. آيات منتقاه .. أحاديث مختارة بعناية فائقة. وقصص تفتح لمن لم يعرفها مسبقا أن يبحث عنها. وبعد أن انتهى من خطبته تقدم فصلى بنا صلاة كأننا " استغفر الله " أول مرة نصلي مثلها. قراءة مختارة تناسب الخطبة .. مجودة ومرتلة. " ما شاء الله تبارك الله".
وبعد ان انتهت الصلاة كان الجميع ممن حولي، يتوقون إلى معرفة هذا الشاب، ومن أين أتى؟ ألقى علي التحية وكأنه يعرفني. وعرفني بنفسه في خجل وأدب جم. سألته عن كيف وصل إلى جامعنا، وما هو مسجده الأساسي الذي يصلي فيه دائما. فقال: أنا أتيت بدعوة من إمام الجامع نظرا لظروفه - وهو في الحقيقة شاب ذو خلق رفيع وله خطب متميزة رغم قصر المدة التي تولى فيها إمامة جامعنا-. ثم تفاجأت بأخينا الشاب يقول: ليس لي جامع ثابت وإنما اقوم بالنيابة عن الأخوة الأئمة الذين لديهم ظروف لا تمكنهم من أداء خطبة الجمعة. ثم استطرد قائلا: لقد حاولت مرارا أن أكون إماما رسميا لكي أفيد واستفيد، ولكن التخصص الذي انا أَدرُسه في الجامعة حاليا وقف عائقا أمامي. سألته عن التخصص .. فقال: فيزياء، ونظام تعيين الأئمة الجديد لا يسمح لمن لا يحملون الشريعة أن يكونوا أئمة رسميين. لقد ودعنا وغادر المكان ولسان حال الجميع يقول ياليته يعود ثانية وثالثة ورابعة.
أعود إلى عنوان مقالتي فأقولك كم هناك أناس مبدعون في تخصصات مختلفة ولكنهم يمارسون بكل إبداع وإتقان اعمال أخرى ليست في مجال تخصصهم، لو مارسها اصحاب التخصص لفشلوا فيها.
وكم لدينا خريج شريعة " يعوّلُ عليه " و( يرغب ) في ان يكون إماما.
لكن الله المستعان؟!
تلك لعمر الله عجيبة من العجائب!

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

كيف حالك يا أبا محمد ، اشتقنا لصوتك وقلمك ،

أظنك كنت صغيرا وقتها عنما كان الأستاذ فريد المصري أو الشيخ فريد كما كنا نسمّيه مدرس الفيزياء في معهد المعلمين في منطقة الباحة يجوب المنطقة في أوائل التسعينيات الهجرية يخطب في المساجد ويدعو إلى الدين باسلوب جذّاب حتى تجمع حوله العديد والعديد من المريدين من بينهم الشيخ صالح الرقيب أمد الله في عمره وأحسن لنا وله الخاتمة وغيره الكثير والكثير وفي آخر حياته انتقل إلى مكة واستمر على نفس النهج ولا أعرف عنه الآن شيئا بعد أن انقطعت أخباره عنّي ، لكن ما يعاب على مثل هؤلاء غير المتخصصين أنهم قد يغترون بعلمهم السطحي عن الشريعة ويكتفون بما يقرأون من أمهات الكتب دون أن يتعبوا أنفسهم في طلب العلم من مظانّه فيتعالون عن ثني الركب لدى المشائخ في حلق العلم الحقيقية ويكتفون في الغالب بتجويد القرآن بأقصى سرعة ممكنة بقصد التصدر للإمامة ( يؤمّكم أقراؤكم لكتاب الله ) وليتهم بذلك يكتفون لكنهم بما أعطوا من فصاحة في اللسان وحلاوة في البيان يؤثرون في غيرهم فيُدْفَعُون دفعا لقيادة الجماعة ومن هنا يزيّن لهم الشيطان السعي لأكبر من ذلك فيضلٍّون ويُضلّون وإن كانت هذه ليست بقاعدة يمكن تعميمها ولا يعني هذا أيضاً عدم وقوع المتخصصين في مثلها لكن الحذر واجب وخصوصا عند فئة المراهقين الذين ينخدعون سريعاً بأمثال هؤلاء فيعتقدون بأنهم أطهر من على وجه الأرض ويتضح لهم بعد فوات الأوان عدم صحة ظنّهم .

أسوق هذا عن خبرة وليس من باب التنظير وأرجوا ألا يفهم ما ذكرته أن الشيخ فريد كان من ضمن الفئة السيئة، معاذ الله لكنني أوردت اسمه فقط كمثال لمتخصص بارع في الفيزياء وكذا في فنّ الدعوة والتي ترتكز في العادة على حسن السلوك وفصاحة اللسان وليس العلم الشرعي الدقيق . ( العلم الشرعي لا يؤخذ إلا بالتلقي وثني الركب في حلق العلم وقد قيل فيما مضى من كان شيخه كتابه فخطاؤه أكثر من صوابه )

لك التحية ودمت بخير .

 

 

حياك الله يا ابا محمد .
اخترت موضوعا في غاية الاهمية وطرقت بابا نحن في امس الحاجة إلى طرقه .
امامة المساجد وخاصة من يتحمل مسؤولية خطب الجمعة ليست بالامر الهين وليست فراغا يسد وكلمة تلقى سمعها من سمعها وغفل عنها من غفل بل هي من وجهة نظري والتي تحتمل الخطأ والصواب قيادة مجتمع إما إلى الخير وإما إلى غير ذلك كالتطرف والغلو .
اذكر شابا قام خطيبا في مسجد حينا وخطب خطبة عصماء تنبئ انه هو الوحيد الذي على صواب وان غيره يتخبط في دياجير الظلام .
مثل هذا ينفر ولا يبشر وضرره اكبر من نفعه .
ما اجمل أن ينهل الخطيب من شتى انواع العلوم الشرعي منها والعلمي ، ما اجمل أن يختار الخطيب العبارات الجميلة والمواضيع المناسبة لحياة الناس والمناسبات التي يمرون بها ، فإن كان موسم اختبارات كايامنا هذه يختار الخطبة التي تناسب طريقة التحصيل العلمي وطريقة الاعداد والاستعداد للاختبارات وماذا تفعل الاسرة وكيف تعين الابناء والبنات على اداء اختباراتهم ، بمعنى أن تكن خطب الجمعة مناسبة لحياة الناس ، فيها التوجيه والوعظ والارشاد وحبذا لو دعمت بالادلة العلمية واضحة الدلالة .
وهذا الشاب الذي تحدثت عنه يا ابا محمد نموذجا يجب أن يشجع ويعان وتهيأ له الفرصة ليفيد ويستفيد .
شكرا لك اخي الحبيب وفقك الله وحفظك من كل سوء ومكروه .
وتقبل خالص تحياتي وتقديري لشخصكم الكريم .

 

 

حيا الله أبو محمد 0 ابن الأب والمربي الفاضل عليه رحمة الله 0

وقد ذكرني ما شاهدته أنت وسمعته 0 كنت أصلي ألجمعه منذ زمن غير بعيد 0 في مسجدنا القديم في النزلة اليمانية وعند صعود الإمام فوجئنا به يبحلق في الحضور وإذا به يستدعي احد الحاضرين لإلقاء الخطبة 0 وفي غمرة الذهول وقف شيخ مصري واعتلى المنبر وقال فاجأني ابني هذا والله بدعوتي لإلقاء ألخطبه وانا لم احضر ولكنكم ستعذرونني وكان أستاذ الإمام في الازهر0 ثم القي خطبته وكم تمنينا أن لا يتوقف لما حوته من بلاغة وحسن توجيه وروعة الإلقاء 0 وقد كنت لما اذهب إلى القاهرة احرص على صلاة الجمعة في جامع الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله وقد كنت أتعجب منه وهو يبحلق بنظره في سقف المسجد وهو اعمى وانا أبحلق معه اعتقادا مني انه يقراء من القف وهو اعمي 0 تلك مواهب وكرامات 0 وللأسف لا يزال اختيار الأئمة دون إعداد

وهنا أسجل كلمة حق في حق الشيخ عبدا لملك عطية أبو رياح وخطبة العيد التي كان يبلغنا الثناء عليه وعليه 0 وليس بمستغرب 0 وسأتهمك بالبخل على هذه الساحات بطلتك الفاعلة عند من يحترمك ويقدرك تحياتي 00

 

 

بالنسبة لي لا أرى ضررا من مثل هذا الفيزيائي وردي على الاستاذ محمد عجير

يؤتي الله العلم شاسعا لمن يشاء ويثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا

ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا أمّا من استعمل علمه في اغراض تضل الناس فيما بعد

فحسابه على الله الذي يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور


أعود للاستاذ أبو رياح لأقول

اختلاف التخصصات لاينفي أحقية المسلم بالدعوة إلى الله كلما حانت له فرصة بذلك

وكم من طلبة علم قهرتهم الظروف فاختاروا تخصصات لاتتفق وميولهم وتحول دون مايطمحون

فمثلا ولدي درس في المرحلة الثانوية شرعي لحؤول معدله دون الالتحاق بالقسم العلمي

لكنه ولله الحمد والمنة يملك مهارات في الابتكار والتصنيع واصلاح اعطال سيارته واعطال كهرباء المنزل

والكثير من المهارات الأخرى ولو قدر له الالتحاق بالقسم العلمي لاستطاع أن يدرس في كلية علوم الطيران

التي يعشقها ويتمناها إلى اليوم ولكن لكل انسان رزقه المقدر له

دمت في رعاية المولى