.
*****
أبو تمام وعروبة اليوم 
للشاعر عبدالله البردوني 
مـا أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب = وأكـذب السيف إن لم يصدق الغضب 
بـيض الـصفائح أهـدى حين تحملها = أيـد إذا غـلبت يـعلو بـها الـغلب 
وأقـبح الـنصر .. نصر الأقوياء بلا = فهم .. سوى فهم كم باعوا .. وكم كسبوا
أدهـى مـن الـجهل علم يطمئن إلى = أنـصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا
قـالوا: هـم الـبشر الأرقى وما أكلوا = شـيئاً .. كـما أكلوا الإنسان أو شربوا
مـاذا جـرى .. يـا أبا تمام تسألني؟ = عفواً سأروي .. ولا تسأل .. وما السبب
يـدمي الـسؤال حـياءً حـين نـسأله = كـيف احتفت بالعدى (حيفا) أو النقب
مـن ذا يـلبي؟ أمـا إصـرار معتصم؟ = كلا وأخزى من (الأفشين) مـا صلبوا
الـيوم عـادت عـلوج (الروم) فاتحة = ومـوطنُ الـعَرَبِ الـمسلوب والسلب
مـاذا فـعلنا؟ غـضبنا كـالرجال ولم = نـصدُق.. وقـد صدق التنجيم والكتب
فـأطفأت شـهب (الـميراج) أنـجمنا = وشـمسنا... وتـحدى نـارها الحطب
وقـاتـلت دونـنا الأبـواق صـامدة = أمـا الـرجال فـماتوا... ثَمّ أو هربوا
حـكامنا إن تـصدوا لـلحمى اقتحموا = وإن تـصدى لـه الـمستعمر انسحبوا
هـم يـفرشون لـجيش الغزو أعينهم = ويـدعـون وثـوبـاً قـبل أن يـثبوا
الـحاكمون و"واشـنطن" حـكومتهم = والـلامعون .. ومـا شـعّوا ولا غربوا
الـقـاتلون نـبوغ الـشعب تـرضيةً = لـلـمعتدين ومــا أجـدتهم الـقُرَب 
لـهم شموخ (المثنى) ظـاهراً ولهم= هـوىً إلـى "بـابك الخرمي" ينتسب 
مـاذا تـرى يـا (أبا تمام) هل كذبت = أحـسابنا؟ أو تـناسى عـرقه الذهب؟ 
عـروبة الـيوم أخـرى لا يـنم على = وجـودها اسـم ولا لـون.ولا لـقب 
تـسـعون ألـفاً (لـعمورية) اتـقدوا = ولـلـمنجم قـالـوا: إنـنـا الـشهب 
قـبل: انتظار قطاف الكرم ما انتظروا = نـضج الـعناقيد لـكن قـبلها التهبوا 
والـيوم تـسعون مـليوناً ومـا بلغوا = نـضجاً وقـد عصر الزيتون والعنب 
تـنسى الـرؤوس العوالي نار نخوتها = إذا امـتـطاها إلـى أسـياده الـذئب 
حـبيب وافـيت من صنعاء يحملني = نـسر وخـلف ضلوعي يلهث العرب 
مـاذا أحـدث عـن صـنعاء يا أبتي؟ = مـليحة عـاشقاها: الـسل والـجرب 
مـاتت بصندوق "وضـاح" بلا ثمن = ولـم يمت في حشاها العشق والطرب 
كـانت تـراقب صبح البعث فانبعثت = فـي الـحلم ثـم ارتمت تغفو وترتقب 
لـكنها رغـم بـخل الغيث ما برحت = حبلى وفي بطنها (قحطان) أو(كرب) 
وفـي أسـى مـقلتيها يـغتلي يمن = ثـان كـحلم الـصبا... ينأى ويقترب 
»حـبيب« تسأل عن حالي وكيف أنا؟ = شـبابة فـي شـفاه الـريح تـنتحب
كـانت بـلادك (رحلاً)، ظهر ناجية = أمـا بـلادي فـلا ظـهر ولا غـبب 
أرعـيت كـل جـديب لـحم راحـلة = كـانت رعـته ومـاء الروض ينسكب 
ورحـت مـن سـفر مضن إلى سفر = أضـنى لأن طـريق الـراحة التعب 
لـكن أنـا راحـل فـي غـير ما سفر = رحلي دمي... وطريقي الجمر والحطب 
إذا امـتـطيت ركـاباً لـلنوى فـأنا = فـي داخـلي .. أمتطي ناري واغترب 
قـبري ومـأساة مـيلادي عـلى كتفي = وحـولي الـعدم الـمنفوخ والـصخب 
»حـبيب« هـذا صـداك اليوم أنشده = لـكن لـماذا تـرى وجـهي وتكتئب؟ 
مـاذا؟ أتعجب من شيبي على صغري؟ = إنـي ولـدت عجوزاً.. كيف تعتجب؟ 
والـيوم أذوي وطـيش الـفن يعزفني = والأربـعـون عـلى خـدّي تـلتهب 
كـذا إذا ابـيض إيـناع الـحياة على = وجـه الأديـب أضـاء الفكر والأدب 
وأنـت مـن شبت قبل الأربعين على = نـار (الـحماسة) تـجلوها وتـنتخب 
وتـجتدي كـل لـص مـترف هـبة = وأنـت تـعطيه شـعراً فـوق ما يهب 
شـرّقت غـرّبت من (والٍ) إلى ملك = يـحثك الـفقر .. أو يـقتادك الـطلب 
طوفت حتى وصلت (الموصل) انطفأت = فـيك الأمـاني ولـم يـشبع لها أرب 
لـكـن مـوت الـمجيد الـفذ يـبدأه = ولادة مـن صـباها تـرضع الـحقب 
"حـبيب" مـازال فـي عينيك أسئلة = تـبدو .. وتـنسى حـكاياها فـتنتقب 
ومـاتـزال بـحـلقي ألـف مـبكيةٍ = مـن رهبة البوح تستحيي وتضطرب 
سـحائب الـغزو تـشوينا وتـحجبنا = يـوماً سـتحبل مـن إرعادنا السحب؟ 
ألا تـرى يـا "أبـا تـمام" بـارقنا = (إن الـسماء تـرجى حـين تحتجب)
 
رحم الله الشاعر عبدالله البردوني رحمة الأبرار
*****