.
*****
من روائع الأدب العربي قصيدة 
أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَا، = وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا 
للشاعر ابن زيدون في العصر الأندلسي
نسمعها بصوت الإعلامي ماجد الشبل
أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَا، = وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا  
ألاّ وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ، صَبّحَنا = حَيْنٌ، فَقَامَ بِنَا للحَيْنِ نَاعيِنَا  
مَنْ مبلغُ الملبسِينا، بانتزاحِهمُ، = حُزْناً، معَ الدهرِ لا يبلى ويُبْلينَا  
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا = أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا  
غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينا الهوَى فدعَوْا = بِأنْ نَغَصَّ، فَقالَ الدهر آمينَا  
فَانحَلّ ما كانَ مَعقُوداً بأَنْفُسِنَا؛ = وَانْبَتّ ما كانَ مَوْصُولاً بأيْدِينَا  
وَقَدْ نَكُونُ، وَمَا يُخشَى تَفَرّقُنا، = فاليومَ نحنُ، ومَا يُرْجى تَلاقينَا  
يا ليتَ شعرِي، ولم نُعتِبْ أعاديَكم، = هَلْ نَالَ حَظّاً منَ العُتبَى أعادينَا  
لم نعتقدْ بعدكمْ إلاّ الوفاء لكُمْ = رَأياً، ولَمْ نَتَقلّدْ غَيرَهُ دِينَا  
ما حقّنا أن تُقِرّوا عينَ ذي حَسَدٍ = بِنا، ولا أن تَسُرّوا كاشِحاً فِينَا  
كُنّا نرَى اليَأسَ تُسْلِينا عَوَارِضُه، = وَقَدْ يَئِسْنَا فَمَا لليأسِ يُغْرِينَا  
بِنْتُم وَبِنّا، فَما ابتَلّتْ جَوَانِحُنَا = شَوْقاً إلَيكُمْ، وَلا جَفّتْ مآقِينَا  
نَكادُ، حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا، = يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا  
حَالَتْ لِفقدِكُمُ أيّامُنا، فغَدَتْ سُوداً، = وكانتْ بكُمْ بِيضاً لَيَالِينَا  
إذْ جانِبُ العَيشِ طَلْقٌ من تألُّفِنا؛ = وَمَرْبَعُ اللّهْوِ صَافٍ مِنْ تَصَافِينَا  
وَإذْ هَصَرْنَا فُنُونَ الوَصْلِ دانية ً = قِطَافُها، فَجَنَيْنَا مِنْهُ ما شِينَا  
ليُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السّرُورِ فَما = كُنْتُمْ لأروَاحِنَا إلاّ رَياحينَا  
لا تَحْسَبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا؛ = أنْ طالَما غَيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا!  
وَاللهِ مَا طَلَبَتْ أهْواؤنَا بَدَلاً مِنْكُمْ، = وَلا انصرَفتْ عنكمْ أمانينَا  
يا سارِيَ البَرْقِ غادِ القصرَ وَاسقِ به = مَن كانَ صِرْف الهَوى وَالوُدَّ يَسقينَا  
وَاسألْ هُنالِكَ: هَلْ عَنّى تَذكُّرُنا = إلفاً، تذكُّرُهُ أمسَى يعنّينَا؟  
وَيَا نسيمَ الصَّبَا بلّغْ تحيّتَنَا = مَنْ لَوْ على البُعْدِ حَيّا كان يحيِينا  
فهلْ أرى الدّهرَ يقضينا مساعفَة ً = مِنْهُ، وإنْ لم يكُنْ غبّاً تقاضِينَا  
رَبيبُ مُلكٍ، كَأنّ اللَّهَ أنْشَأهُ  = مِسكاً، وَقَدّرَ إنشاءَ الوَرَى طِينَا  
أوْ صَاغَهُ وَرِقاً مَحْضاً، وَتَوجهُ = مِنْ نَاصِعِ التّبرِ إبْداعاً وتَحسِينَا  
إذَا تَأوّدَ آدَتْهُ، رَفاهِيّة ً، = تُومُ العُقُودِ، وَأدمتَهُ البُرَى لِينَا  
كانتْ لَهُ الشّمسُ ظئراً في أكِلّته، = بَلْ ما تَجَلّى لها إلاّ أحايِينَا  
كأنّما أثبتَتْ، في صَحنِ وجنتِهِ، = زُهْرُ الكَوَاكِبِ تَعوِيذاً وَتَزَيِينَا  
ما ضَرّ أنْ لمْ نَكُنْ أكفاءه شرَفاً، = وَفي المَوَدّة ِ كافٍ مِنْ تَكَافِينَا؟  
يا رَوْضَة ً طالَما أجْنَتْ لَوَاحِظَنَا = وَرْداً، جَلاهُ الصِّبا غضّاً، وَنَسْرِينَا  
ويَا حياة ً تملّيْنَا، بزهرَتِهَا، = مُنى ً ضروبَاً، ولذّاتٍ أفانينَا  
ويَا نعِيماً خطرْنَا، مِنْ غَضارَتِهِ، = في وَشْيِ نُعْمَى ، سحَبنا ذَيلَه حينَا  
لَسنا نُسَمّيكِ إجْلالاً وَتَكْرِمَة ً؛ = وَقَدْرُكِ المُعْتَلي عَنْ ذاك يُغْنِينَا  
إذا انفرَدَتِ وما شُورِكتِ في صِفَة ٍ، = فحسبُنا الوَصْفُ إيضَاحاً وتبْيينَا  
يا جنّة َ الخلدِ أُبدِلنا، بسدرَتِها = والكوثرِ العذبِ، زقّوماً وغسلينَا  
كأنّنَا لم نبِتْ، والوصلُ ثالثُنَا، = وَالسّعدُ قَدْ غَضَّ من أجفانِ وَاشينَا  
إنْ كان قد عزّ في الدّنيا اللّقاءُ بكمْ = في مَوْقِفِ الحَشرِ نَلقاكُمْ وَتَلْقُونَا  
سِرّانِ في خاطِرِ الظّلماءِ يَكتُمُنا، = حتى يكادَ لسانُ الصّبحِ يفشينَا  
لا غَرْوَ في أنْ ذكرْنا الحزْنَ حينَ نهتْ = عنهُ النُّهَى ، وَتركْنا الصّبْرَ ناسِينَا  
إنّا قرَأنا الأسَى ، يوْمَ النّوى ، سُورَاً = مَكتوبَة ً، وَأخَذْنَا الصّبرَ تلقينا  
أمّا هواكِ، فلمْ نعدِلْ بمَنْهَلِهِ = شُرْباً وَإنْ كانَ يُرْوِينَا فيُظمِينَا  
لمْ نَجْفُ أفقَ جمالٍ أنتِ كوكبُهُ = سالِينَ عنهُ، وَلم نهجُرْهُ قالِينَا  
وَلا اخْتِياراً تَجَنّبْناهُ عَنْ كَثَبٍ، = لكنْ عَدَتْنَا، على كُرْهٍ، عَوَادِينَا  
نأسَى عَليكِ إذا حُثّتْ، مُشَعْشَعَة ً، = فِينا الشَّمُولُ، وغنَّانَا مُغنّينَا  
لا أكْؤسُ الرّاحِ تُبدي من شمائِلِنَا = سِيّما ارْتياحٍ، وَلا الأوْتارُ تُلْهِينَا  
دومي على العهدِ، ما دُمنا، مُحافِظة ً، = فالحرُّ مَنْ دانَ إنْصافاً كما دينَا  
فَما استعضْنا خَليلاً منكِ يحبسُنا = وَلا استفدْنا حبِيباً عنكِ يثنينَا  
وَلَوْ صبَا نحوَنَا، من عُلوِ مطلعه، = بدرُ الدُّجى لم يكنْ حاشاكِ يصبِينَا  
أبْكي وَفاءً، وَإنْ لم تَبْذُلي صِلَة ً، = فَالطّيفُ يُقْنِعُنَا، وَالذّكرُ يَكفِينَا  
وَفي الجَوَابِ مَتَاعٌ، إنْ شَفَعتِ بهِ = بيضَ الأيادي، التي ما زِلتِ تُولينَا  
إليكِ منّا سَلامُ اللَّهِ ما بَقِيَتْ = صَبَابَة ٌ بِكِ نُخْفِيهَا، فَتَخْفِينَا 
مع خالص تحياتي
*****