يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحات الموروث والشعر والأدب > ساحة الأدب الشعبي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-20-2010, 11:12 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
سعيد الفقعسي is on a distinguished road


 

المعلامة

الجزء الخامس :


تصاعد عدد تلاميذ المدرسة مع تفاوت كبير بينهم في الأعمار والأجسام وقد يحدث أحياناً خلاف بين طالب وآخر ثم يتطور الخلاف إلى مشاكسات وتحديات بين طلاب قرية وقرية أخرى، فيصل الأمر إلى خصام.. ومضاربة وتشابك بالأيدي والحجارة بعد الانصراف من المدرسة، فلا يفك الاشتباك إلا رجال ونساء القرية التي بها المدرسة، وإذا لزم الأمر فإنهم (يعصبون) مع أبنائهم إن كانوا طرفاً في (الهوشة)..
في أحد الأيام فوجئنا برجل يقتحم المدرسة شاهراً سلاحه ( الجنبيّة ) وهو يقول:
( أين هو.. أرونيه.. والله لأفعل به كذا وكذا...)..
رأينا الأستاذ ( مشرف ) وقد عُيّن في المدرسة منذ أيام قليلة _ رأيناه يتصدى لهذا الرجل الذي كان يبحث عن تلميذ تعرّض لابنه في طريق عودتهما من المدرسة، وقام بضربه حسب قوله...
حاول المعلمون صدّه وإقناعه وإيقافه عن ذلك الهجوم الذي شنّه على الطالب والمدرسة ومن فيها. لم يستمع لأحد، وأصرّ على الإمساك بذلك الطالب لينتصر لابنه، فما كان من (مشرف) رحمه الله إلا أن هجم عليه، فأمسك يد الرجل التي يقبض بها على (سلة الجنبية) وطبق بيده الأخرى على حلقه فكاد أن يسقط الرجل أو سقط، وانتزعت الجنبية من يده ورأيناه أخيراً يخرج من المدرسة بصمت، وليست معه تلك الجنبية التي دخل بها ..!!
لمْ ندرِ في حينه _ نحن الطلاب _ عمّا انتهى إليه الأمر حول هذا التّصرف من الرجل، ومن خلال أحاديث الكبار علمنا أن (سلة الجنبية) حُجِزت، وحُكم على الرجل (حقوق قبلية) إدانة له.
كان كل من الأستاذين: (عبدا لرحمن بن رمزي) و(مقبول العرابي) يحذران الطلبة وعلى الأخص كبار السن من المضاربات والاعتداء على بعضهم بعضاً، أو التعرض للطلبة الصغار، ومن اعتدي عليه فليأت إلى المدير ومعاونه، ومع ذلك يندر أن يشتكي أحد من أحد خوفاً من العقاب الذي لن يسلم منه حتى الشاكي المتظلم لئلا يقوم المتظلم بالانتصار لنفسه بيده أو يستنصر بأبناء قريته.
كان الأستاذ (عبدا لرحمن بن رمزي) يولي الخطابة والإلقاء اهتماماً كبيراً فلكل طالب _ في الغالب _ خطبة تخصه، يختارها له.. وحسب السن والمستوى الدراسي.. خطبة طويلة أو محاورة بين طالبن، أحدهما يمثل (العلم) والآخر يمثل الجهل، بين العلم والجهل، فيختار الطالب المجتهد ليمثل العلم، والطالب المهمل ليمثل الجهل، ومحاورات مختلفة بين (الليل والنهار) فيختار لمن يمثل الليل أن يكون (أسوَداً) ومحاورة بين (السيف والقلم) وكانت هذه المحاورات امتداداً إلى ما كان يهتم به أحد معلمي المعلامة/الكتّاب (جمعان بن خميس) رحمه الله_ أما الطلبة الصغار فكان الأستاذ عبدا لرحمن يلقنهم حِكماً صغيرة أو بيتاً من الشعر.. أو عبارة طريفة، وفي الغالب تنطبق على شخصية صاحبها مثل:
(تضرب في حديد بارد)، (أكلتم تمري وعصيتم أمري)، (يوم لك ويوم عليك.. ويوم كفاك الله شر بلاه ..).
وطريقة الأداء أن يتقدم الطالب الصغير أمام المعلمين والطلاب والآباء.. فيقول بجرأة:
( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... يوم لك ويوم عليك.. ويوم كفاك الله شر بلاه.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..)..
وهذه كانت خطبتي ، وبعد ذلك _ حين كبرت _ أُعطيت خطبة من قصيدة لعنترة بن شداد ومطلعها:


إذا كشفَ الزمانُ لك القناعا ** ومدّ إليك صرفُ الدهرِ باعا
فلا تخشَ المنيـّةَ والتقيـها ** ودافعْ ما استطعتَ لها دِفاعا
ولا تخترْ فِراشاً مـن حريرٍ ** ولا تبـكِ المنـازلَ والبِقاعا

ويجب على الطالب حين يؤدي الخطبة أن يرفع صوته جداً، ويؤشر بيده ويهزها هزاً.. ثم يتقدم من بعده حين يناديه المعلم.
وفي يوم الأحد من كل أسبوع، وهو اليوم الذي فيه السوق (سوق رغدان) تكون الدراسة فيه خفيفة ومشتتة لانشغال الأساتذة بارتياد السوق.. وغياب عدد من التلاميذ لمساعدة آبائهم، وفي ذلك اليوم يطلب منا بين حين وآخر الخروج إلى السوق من المدرسة بطريقة منتظمة.. في طابور يتقدمنا الطلاب الكبار، وقد اختار الأستاذ بعضاً منهم لتقديم الأناشيد والخطب أمام أهل السوق جميعاً، فيصعد أولئك (المحظوظون) على حائط، أو سطح مرتفع (على الدكاكين الحجرية المسقوفة بالأخشاب) فيقوم كل طالب بأداء ما عنده، فيتوقف الناس ويتركون السوق للاستماع باهتمام.. فيظلون مشدوهين بإعجاب ومدح يتناقله الرجال والنساء.. وكان يُطلق على هذا النشاط: (بدوة) قياساً على التسمية التي كانت تطلق على رجال كانوا يقومون بالوعظ في الأسواق، ويحذرون الناس من المنكر ويأمرونهم بالمعروف، وأذكر مما كانوا ينهون عنه ويحذرون منه: (الرادي) في بداية ظهوره، وأضراره.. وأنه لا يجوز اقتناؤه، فقد تأثر بذلك أحد من يمتلك (الرادي) فقدم به بعد فترة إلى السوق، وأخذ يعلن على الناس بأنه سيتخلص من صندوق الراديو.. فأعلن التوبة منه، وقام بتكسيره وتحطيمه في السوق أمام الناس..!!


* * * * *

يوم الخميس دراسة، وزمن الدراسة فيه أقل من الأيام الأخرى،ومتعة الإجازة الأسبوعية مساء يوم الخميس، ويوم الجمعة نذهب للسباحة في الآبار.. ونقوم بآداء ما علينا من واجبات المدرسة،ويتسع الوقت في هذا اليوم لإنهاء كثير من المشاغل، وتبادل الزيارات داخل القرية وخارجها، ولقد علمنا ونحن في السنة الثالثة أن المدرسة سوف تقفل من أجل (العطلة)،سيكون عندنا إجازة طويلة بعد إنهاء العام الدراسي، فقد تحددت مسميات الفصول الدراسية إلى الصف الخامس، وبمناسبة هذا الحدث السعيد فقد طلب الأستاد (عبدا لرحمن) من جميع التلاميذ أن يقفوا صفاً دائرياً داخل المدرسة، قدم عدد من الطلاب الكبار الأناشيد والخطب، ثم النشيد الجماعي ومنه:
] أهلاً وسهلاً مرحباً..
آنستمونا يا كرام..
( شرّفتمو) هذا المقام..
( وعليكمو) منا السلام [.
وقبل الانصراف طلب من الجميع الاهتمام بما أعطينا من واجبات دراسية، ولأن الإجازة طويلة فقد طلب منا جميعاً أن نأتي إلى المدرسة كل يوم أحد من كل أسبوع لتسليم وتقديم الواجبات بعد أدائها وأخذ واجبات جديدة، ومن تلك الواجبات حفظ جدول الضرب وكتابته عشر مرات.. أو كتابة الأعداد من واحد إلى (ألفين).. ثم من ألفين إلى ثلاثة آلاف، وتكليف مجموعة أخرى بكتابة موضوع في القراءة (عشرين مرة) أو أكثر، وآخرون يُطلب منهم حفظ عدد من سور القرآن الكريم... وتظل المدرسة مفتوحة يوم الأحد، وكان سبب اختيار هذا اليوم، لأنه يوم السوق الأسبوعي في القرية، يأتيه الناس من كل مكان، وهو اليوم المناسب لمعلمنا ليرتاد فيه السوق.. وللطلبة من القرى المجاورة ليحضروا مع آبائهم، وهكذا حتى تنتهي هذه (الإجازة)!!!
وفي أول يوم نعود فيه إلى المدرسة بعد انتهاء (العطلة) وقبل أن نبدأ الدرس الأول نقف صفوفاً للسلام على الأستاد، فيتهيأ بالجلوس على كرسيه ثم يمدّ يده اليمنى على طرف مكتبه الخشبي، ويتقدم التلاميذ لتقبيل كفّه.. ونتزاحم على كفه ونتناطح بالرؤوس.. وتصطدم الأجساد، وبعض التلاميذ وبالأخص الصغار منهم يكررون التقبيل أكثر من مرّة، فإذا ما تم لهم التقبيل في المرة الأولى فإنهم يذهبون من خلف المعلم، ثم يعودون أمامه لتقبيل كفه ونيل هذا الشرف أكثر من مرّة، فلا تنتهي تلك المراسيم إلا حين يسحب المعلم يده التي طُليت بطبقة غروية من الرساب (اللعاب) وما يسيل من أنوف التلاميذ الصغار....
المعلم نراه مثالياً في كل شيء.. نطيعه ونأخذ بقوله وأوامره أكثر من الوالدين، وإذا خالف الابن أمر أبيه أو أمّه وأصرّ على ما يريد.. ثمّ هدداه بإبلاغ المعلم فإنه سرعان ما يستسلم ويتوسل بألا يخبرانه..
فذا كنّا نمشى أو نلعب في الطريق ورأينا معلمينا أو أحدهم من بعيد فإننا نهرب بعيداً من طريقه، ونتمنى ألا يكون قد شاهدنا نلعب فيحاسبنا على هذا اللهو، ويزيد في معاقبة المقصر في دروسه أو لم يحضر ما طلب منه من واجبات في اليوم التالي لانشغاله باللعب... وليس من حق الطالب أن يسترسل في التعبير عمّا يريد، أو يدافع عن نفسه حول موقف من المواقف، وليس من حقه أن يعترض على العقاب أو يبلغ والده لأنه سيزيده عقاباً وتوبيخاً، فقد كانت المفاهيم في ذلك الوقت متشبعة بأن العقاب (بالضرب) أمرٌ أساسيّ ولابد منه للنجاح والتعلم والتربية.
حتى أن المقعد الخشبي المخصص لجلوس المعلم له مكانة اكتسبها من شخصيته، فلايجروء التلميذ أن يجلس على هذا (الكرسي)، سوى عدد قليل من الطلاب الكبار اللذين ختموا دراسة القرآن الكريم وأوكل إليهم الإشراف على التلاميذ الصغار.. فنراهم يسترقون الجلوس على هذا المقعد فنغبطهم بصمت، ونتمنى مثل تلك المزايا الراقية،فلم نصدق _ أوّل الأمر _ أنه سيصل (كراسي) للطلاب!!
وبعد أسابيع شاهدنا هذه المقاعد الخشبية التي يتصل فيها الكرسي بالمقعد، وكل مقعد لطالبين، فجعل كل مقعد لأربعة طلاب، وبها أدراج.. اقتنينا لها الأقفال والمفاتيح فيما بعد، فكنا سعداء بهذا الحدث العجيب، وصُرف للمعلمين كراسِ معدنية من الصاج وأخرى من الخيزران..




يتبع .........

 

 
























التوقيع

قال تعالى :
"ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين"

فصلت (33)


   

رد مع اقتباس
قديم 03-22-2010, 10:41 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
سعيد الفقعسي is on a distinguished road


 

المعلامة

الجزء السادس :


أخذ يتزايد عدد المدارس ليكون في كل قرية مدرسة، تكون في الغالب في منزل شيخ القبيلة أو عريفة القرية، فظهرت الحاجة إلى أعداد كبيرة من المعلمين،والبحث عمّن لديه مبادئ ولو بسيطة في القراءة والكتابة مع قراءة القرآن الكريم..
وحين سمع بعض هؤلاء بحضور رجل إلى المنطقة يقوم بتوظيف من يقرأ ويكتب لمهنة التدريس لتأمين احتياج المدارس، ويقوم هذا (المفتش) المعتمد باختبار من يتقدم بعدد من الأسئلة، التي يرون فيها صعوبة وتعجيزاً، فأخذوا يحاولون تحقيق رغبتهم بشتى الوسائل، وبوسطاء آخرين.
قال أحد هؤلاء عن اختباره للتدريس: ]... لم أتوقع أنني سأصبح في يوم من الأيام معلماً ثم مديراً للمدرسة، حتى كان ذلك اليوم _ يوم خميس _ يوم السوق في قرية الباحة.. والناس (هابطون) إلى السوق، كنت أعمل في سقي زرع لنا بواسطة الثيران من البئر، فمرّني (عبدالغني) فقال:
( لماذا لا تذهب إلى هذا الرجل الذي يوظف (أستادين) فأنت تقرأ وتكتب ) فقال له:
(وماذا عندي من القراية والكتابة). قال: (رُح له) مثلك مثل غيرك، اسمع كلامي، وبعد أن واصل سيره، أخذت أفكر وأتردد،ثم قررت أن أذهب، وفي الحال استدعيت إحدى زوجاتي لتكمل العمل، وانطلقت إلى قرية الباحة، أو قال (الظفير)، وكنت أشد الجنبية على وسطي، وحافي القدمين، وحين اقتربت من المكان الذي هو فيه، بدأت أشعر في نفسي بشيء من الرهبة، فلم أكن أهاب أحداً من قبل، قابلت رجلاً نصحني بأن ( أحط ) الجنبية قبل أن أدخل إليه، كدت أرفض أن أفكها من وسطي تحرجاً وأنفة.. جلست أمام الرجل فطلب مني أن أتلو آيات من القرآن الكريم، لم يتركني أواصل حينما اطمأن إلى قراءتي، طلب أن أكتب بعض الكلمات والجمل.. سألني عن اللام القمرية والشمسية، فلم أستطع الإجابة... فسألني عن إشارات الجمع والطرح والضرب، لم أكن أعرفها أو أفرق بينها، كتب لي أعداداً لأجمعها، وأطرحها، وأضربها... أجبت على الجمع ثم الطرح، فسجلت النتيجة، أما الضرب فقد أطلت في حساب نتيجته... كانت مسألة الضرب شبيهة بضرب: (230 * 12) وأخيراً وبعد طول حساب كتبت الجواب (2760)، سألني: كيف حليتها؟ قلت باعتزاز وفخر: حليتها بعقلي، قال لي: كيف.. كيف توصلت إلى النتيجة؟! فقلت: (ضربت مئتين وثلاثين في عشرة، ثم ضربتها في اثنين، ليكون الناتج (ألفان وسبعمائة وستون). قال: (الجواب صح، والطريقة غلط.... راجعنا فيما بعد..)، بعد ذلك جاءتني البشرى من رجل أوصيته بأمري، لأكون معلماً في المدرسة ومديراً لها بعد انتقال المدير الأول..)
فكان يدعو لوالدي حين كان سبباً في ذهابه....
شخص آخر (توظف) بنفس الطريقة، قال: (لقد سألني هذا الرجل في الكتابة والقراءة ثم الحساب وكنت أعتبر نفسي من أجود المتقدمين، ومشهود لي بأن عندي (قلم) وهذا كناية عن حسن الخط والمعرفة، وبعد أن أبدى إعجابه بالخط والإملاء، سألني: (ما هي الأسماء الخمسة)؟ صمت مفكراً، ثم قلت: (الأسماء كثيرة) قال: ماهي؟ قلت: (السماء.. الأرض.. الليل.. محمد.. صالح.... إنها كثيرة..) قال: (ألم تسمع بشيء يسمى الأسماء الخمسة؟) قلت: (لم أسمع بها... لم تمر عليّ...). وخرجت كئيباً، بسبب هذا السؤال، (ماهي الأسماء الخمسة؟؟!!).
أخذت أسأل عن الجواب كل من يقرأ ويكتب، ولا جواب سوى احتمالات وتخمينات بعيدة وطريفة.... وبعد أيام جاءني خبر تعييني معلماً، وأن عليّ أن أباشر العمل فوراً، وكلمة (فورا) هذه أحدثت سوء فهم عند أحدهم في خطاب وُجّه إليه، هل (فوراً) تعني أن الوظيفة اسمها (فوراً) أنها اسم مكان العمل؟، فلم تهدأ نفسه إلا حين فُسّرت له من أحد (العارفين).. وكنا على المدى الطويل نداعب ذلك الرجل ونتعمد أن نذكر هذه الكلمة في أحاديثنا لنذكِّره بها...
وفي ذلك الحين انضم إلى التدريس عدد من أبناء المنطقة والمناطق الأخرى، لم يكن لديهم _أول الأمر_ سوى مبادئ بسيطة من التعليم لا تتعدى المستوى الدراسي للصف الثالث الابتدائي أو الرابع، وكان يغبطهم الآخرون ويشار إليهم بإعجاب.
ومع ذلك قاموا بما أوكل إليهم بجد وحماس مع مواصلة التعليم الذاتي والتثقيف المعرفي لسد حاجة المدارس مع الذين قدموا إلى المملكة من المعلمين الوافدبن من البلاد العربية..


* * * * *
مع بدايات عام 1376هجرية أخذنا نشهد مفاجآت جديدة في دراستنا... استلمنا كتباً دراسية للقراءة.. والتاريخ.. وتقويم البلدان، وحين لا تفي بالعدد يشترك طالبان أو ثلاثة في كتاب واحد.
استخدمت الصفارة للدخول والخروج.. وبدء الحصص الدراسية.. صار عدد المعلمين في المدرسة (سبعة) ثلاثة منهم من المنطقة.. والآخرون من خارج المملكة من (مصر والأردن وفلسطين..) لقد كان لكل معلم طريقته في التدريس، وأسلوب التعامل مع التلاميذ يختلف بين معلم وآخر، أحدهم يعاقب بالضرب في القدمين،وآخر يكتفي باليدين... وآخر يتميز بطريقته المحببة في التعليم ولا يعاقب إلا نادراً فنمدحه قائلين: (الأستاد فلان ضعيّف) بتشديد الياء.. فيتبوأ مكانة كبيرة في نفوسنا، ومع ذلك فكثيراً ما نهتم أولاً بواجبات معلمينا الذين نخاف منهم ونخشى عقابهم، وبصفة عامة فإن معلمينا المتعاقدين أقل قسوة من الوطنيين.
ويمكنني تسجيل ما تحتفظ به الذاكرة من أساليب بعض معلمينا في ذلك العهد من (الوطنيين) أو (المتعاقدين) ولا يعني هذا التشهير أو إنكار فضلهم في ذلك الوقت وحتى اليوم فجزاهم الله خير الجزاء... ومع الأخذ في الاعتبار طبيعة الحياة واختلاف المفاهيم التربوية بين زمن وآخر... فما كان مألوفاً في ذلك الزمن، كثيراً ما يكون مستنكراً في زمن آخر، والعكس:
· أحد معلمينا الذي عيّن في المدرسة لأول مرة، كان يصفع الوجه لأي سبب مهما كان بسيطاً، فقد كان يطلب من جميع الطلاب عند تلاوة القرآن الكريم أن يمسك الطالب مصحفه بيده اليسرى، ويتتبع الآيات (يقصّ) بسبابة يده اليمنى،والويل لمن يخالف هذا، وقد كنت أعسر (أشول) استخدم يدي اليسرى أكثر من اليمنى، فأعكس المطلوب مني ويصر عليّ أن أمسك المصحف بيدي اليسرى وأتابع بيدي اليمنى (فأتلخبط) وأرتبك وترتجف يدي، فأصبحت أهتم بالوضع المطلوب وطريقة الإمساك بالقرآن الكريم، فأقع في خطأ التلاوة باستمرار... فلا أسلم من صفعة على الوجه.. أو الرأس، أو ضربة شديدة على كفّي فأزداد ارتباكاً، وتتزايد أخطائي فيحكم علي _بكل قناعة_ بأنني غير (حافظ/مطيّس).
· أكثر المعلمين من الوطنيين كانوا في البدايات يطلبون منّا حفظ الدرس غيباً مهما كانت المادة الدراسية، فكنا نحفظ موضوعات القراءة (من سلم القراءة العربية) فنحفظ التاريخ حفظاً.. ولم يستمر ذلك طويلاً، فاقتصر الحفظ على سور الحفظ من القرآن الكريم.. والتوحيد والفقه والحديث...
· من وسائل العقاب التي أخذ بها فيما بعد أحد المعلمين، هي (الشتم) و (التفل) في الوجه/(البصق) أو الوعيد بتحويل الطالب المقصر إلى صف دراسي أدنى، وتسميته بلقب يعيّره به، وسرعان ما يلتصق به هذا الاسم الجديد.. ويظل التلاميذ ينادونه به، فيستسل لذلك اللقب مرغماً... وقد سبق الإشارة إلى أساليب مختلفة من طرق العقاب في المدارس بصفة عامة وفي بداية عهدها، والمثل الشائع حينذاك: (ما يقرأ إلا راغب وإلا راهب).. والشيء العجيب أن من تخرّج في هذه المدارس، وعلى يد أولئك المعلمين، ومرت عليه أساليب العقاب المختلفة، أو شاهدها أخذ يمارسها أو بعضاً منها مع تلاميذه حين أصبح معلماً.. !!
· أحد معلمينا (المتعاقدين) إذا قرر عقاب طالب، فإنه يدعو أحد الطلاب الأشداء ليمسك به من الأمام فيقول: (اعبطه) فيشده، ويقوم هو بضربه في ظهره بسرعة فيبادر العم (قرطان) برمي (الجبّة) بينه وبين العصا، يحتميه بها، ولئلا يصاب بشيء من تلك الضربات..

..يعتمد التعليم والتدريس في الماضي عامة على التلقين والحفظ، لا أقول هذا من باب التنظير _الآن_ أو التعليل والتحليل، ويندر جداً أن يهتم بمعنى موضوع أي درس، ومغزاه، أو الهدف منه، وعلى الأخص في المرحلة الابتدائية، فما على الطالب إلا أن يردد ويحفظ ويكرر، ومع أن ما اختير من موضوعات القراءة والأناشيد لها أهداف توجيهية، إلا أننا نقرأ بدون فهم، ونحن في وادٍ والمعنى في وادٍ آخر، والمطلوب منا سلامة القراءة واستظهار ما طُلِب منا حفظه، وأقرب الأمثلة البسيطة الساذجة، أننا درسنا موضوعاً بعنوان: (صاحب الحمار.. والولد الشقي)، وخلاصته:
أن رجلاً مرّ في طريقه على عدد من الأولاد ومعه حمار يحمل عليه علفاً ليبيعه، فقال له ولد من هؤلاء الأولاد: (السلام عليكم يا أبا الحمار) فرد عليه الرجل قائلاً: (وعليك السلام يا بني العزيز ..)، فضحك عليه رفاقه.. فخجل الولد[..
فلم نفهم هذه الحكاية ، فماذا يعني بقوله: (أبا الحمار) ورده عليه بقوله: (يا بني العزيز) ولماذا ضحك الأولاد.. ولماذا خجل!!
ومقطوعات قصيرة تجلي الهم وأناشيد عن الأب.. والأم، وعن الكرة (كرة القدم... كل يعدو.. وله ندّ، ذا يقذفها.. ذا يلقفها.. وأخو الشرف رامي الهدف..). ونحن أصلاً لا نعرف معنى الكرة إلا بمسمى (الكبابة)

لم نكن ندرك أو نفهم معاني المفردات لهذه الأناشيد ولا المعنى العام إلا في وقت لاحق.. وكذلك الحال بالنسبة لأساسيات فهم مواد الفقه والتوحيد والحساب.



يتبع .........

 

 
























التوقيع

قال تعالى :
"ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين"

فصلت (33)


   

رد مع اقتباس
قديم 03-25-2010, 12:42 PM   رقم المشاركة : 3

 

لله ما أثمر قلمك يا سعيد في هذه الصفحات النديّة .
وللشكر وأحسن من ذلك هذا الإبداع وهذا الفكر وهذا التميّز .
والله إنّه لجهدٌ مبارك وعملٌ رائق وتوثيقٌ يستحقّ الإشادة والشكر والذكر ، فشكر الله سعيك وجزاك الله كلّ خير .

 

 
























التوقيع



لا علاقة لي بمعرّف أحمد بن قسقس في الملتقى لأهالي وادي العلي

   

رد مع اقتباس
قديم 03-26-2010, 11:32 AM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
سعيد الفقعسي is on a distinguished road


 

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد بن قسقس مشاهدة المشاركة
لله ما أثمر قلمك يا سعيد في هذه الصفحات النديّة .
وللشكر وأحسن من ذلك هذا الإبداع وهذا الفكر وهذا التميّز .
والله إنّه لجهدٌ مبارك وعملٌ رائق وتوثيقٌ يستحقّ الإشادة والشكر والذكر ، فشكر الله سعيك وجزاك الله كلّ خير .
بارك الله فيك وجزاك خير

مرورك من هنا شرفني رفع الله قدرك

 

 
























التوقيع

قال تعالى :
"ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين"

فصلت (33)


   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:23 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir