قال تعالى:{وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين}( سبأ : 18 ) ، قال القرطبي في تفسيرة لقول الله تعالى : "وقدرنا فيها السير" أي جعلنا السير بين قراهم وبين القرى التي باركنا فيها سيرا مقدرا من منزل إلى منزل، ومن قرية إلى قرية، أي جعلنا بين كل قريتين نصف يوم حتى يكون المقيل في قرية والمبيت في قرية أخرى. "سيروا فيها" أي وقلنا لهم سيروا فيها، أي في هذه المسافة فهو أمر تمكين، أي كانوا يسيرون فيها إلى مقاصدهم إذا أرادوا آمنين . وقال جل في علاه : {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}(سبأ : 19 ) قوله تعالى: "فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا" لما بطروا وطغوا وسئموا الراحة ولم يصبروا على العافية تمنوا طول الأسفار والكدح في المعيشة فتبددوا في الدنيا ومزقوا كل ممزق، وجعل بينهم وبين الشام فلوات ومفاوز يركبون فيها الرواحل ويتزودون الأزواد. ( تفسير القرطبي ، نسخة إلكترونية )
الطرق والأسبال شرايين الحياة وقد أهتم الناس بأمرها من فجر التاريخ ، وكان لها في منطقتنا الجنوبية حضوه ومكانة فاهتموا بها ورسموها ووثقوها في حججهم بوصفها الدقيق وطبيعتها والغرض منها واستمر الحال كذلك حتى حل عصر السيارات وفتحت الخطوط والطرق لها وهنا تباينت وجهات نظر المجتمعات الجنوبية في قبولها وعدمه ، أخبرني أحد أقاربي الذين عاصروا رسم وفتح خط الجنوب القديم أنهم كانوا يتوددون ويتقربون من المهندسين محاولين إقناعهم بإبعاد الطريق عن ممتلكاتهم مما حدا بأحد المهندسين إلى أخذه جانبا و نصحه وإقناعه بأهمية الطرق وقيمتها وما ستحدثه مستقبلا من زيادة قيمة الأماكن التي تمر بجوارها ، هذا الموقف الرافض كان مبكرا ولعل المجتمع الجنوبي كان شديد التحفظ على كل قادم جديد خوفا منه على الثوابت الراسخة من دين وعادات وتقاليد .
ولم تلبث هذه النظرة طويلا بل اختفت وزاد وعي الناس بأهمية هذه الشرايين في ضخ دماء الحياة للأراضي الهامدة ، ونشر التنمية في كل مكان مهما ابتعد وانزوى.
وكان لشعر الشقر الجنوبي مواقف سجلت للتاريخ تبين احتفاء الناس بفتح الطرق وتبارك الجهود التي بذلت لفتحها وترفض من يقف في طريق تنفيذها، فهذا الشاعر الزهراني: منشار يسجل للتاريخ مناسبة افتتاح الطريق إلى قرى بيضان وقرن ظبي في منتصف الثمانينان الهجرية في قصيدة مميزة يقول في نهاية بدعها :
خله يمهد شفا بيضان والداي خله
ويقول في ردها
وراعي الكيف ما يسلى عنه دايخ له
ونلاحظ هنا فرح منشار رحمه الله بالطريق وتمنيه أن يمهد شفيان بيضان وجبل الداية وهو جبل في جنوب ديار بيضان مجاور لنعاش ومطل على تهامه ،وفي رد القصيدة ينتشي الشاعر بذكر البن الصدري تعبيرا عن مزاجه العالي بهذه المناسبه.
واهتمام شعراء الجنوب بالطرق لم يقتصر على تلك التي في مناطقهم بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك فهذا الحكيم الخثيمي خرصان ( رحمه الله ) يبين الأثر الذي أحدثه طريق الهدا على سكان الكر فيقول في قصيدة رائعة بعيد افتتاح طريق الهدا :
البدع
آنا.. باخذ لي مَدنّه ولا اعسكر كرا
لا تقل : ما عيني امشي معك يا كُر كمان
ذبْ نلوك الكرم لوك
والذي (م) الناس في خاطره ينكرك هارب
والنمر يلزم بحلق القعود وكرّبه
الرد
عسكر الطائف تراقب على عسكر كرا
بعد ما كنّا نسوّي حوالي الكُر كمان
اصبح اهل الكر ملوك
يوم تبدي (م) الشفا لنّ عند الكر كهارب
يستضيحون اهل شداد واهل الكر به
ويقول خرصان ايضا في الكر
البدع
ياكرى وشريت ذاك الدركتل هيلمك
هيلمك من كل مكان
ما يجيب القاسي ألا الحديد الصلبات
يظهر الحيد الصليب
ويخلي كل حيداً صليباً وصله وصله
ما يكسر غير روس الجبال وصلبها
الرد
نعرف الطايف ونعرف دواير هيلمك
هيلمك من كل مكان
لاتكلمني بكلمه وفي راسي صليب
وعضامي صلبات
حج بيت الله ياكل مسلم وصله وصله
لين توصل قبلة المسلمين وصل بها
وقد سجل خرصان انطباعه عن سير العمل في عقبة الباحة في قصيدة مشهورة
هضبة المعرق حمتها الدركتل حوتمات
واسلمت بين الحياة
بحبح المعرق وجرف الموالا بحبحه
والصدر م الشرق باح
ناس جايو من علوه وناسا من تحيته
والخواجه سار من فوقها وتحيتها
وخرصان يبين لنا هنا أيضا أن طفة رغدان أصبحت مدينة بسبب التقدم الذي قرنه بفتح الخطوط
البدع : خرصان
يقول خرصان زعت الهيض والغى به
واضحك مع اهل الرضا والعين منطفهّ
يا بو حسن لا تقل دنيا لنا قرّت
صغت بهامان من داره وقارونا
الرد : خرصان
الله يا محسن المصياف في الغابه
اليوم صارت مدينه لا تقل طفه
لو ما سنون الدركتل ف القرا قرّت
ما قام خط الحجاز وما تقارونا
والشاعر عبد الله البيضاني يخشى من سقوط الداية بسبب فتح الخطوط في اتجاهاتها المختلفة فيقول:
كان مزحك تعانقه السحب والضباب
واما ذلحين نرقب له بعين الرقاب
ياكم في جالة الاصدار من كمح سود
والدركتل يحوف الداي من كل جانب
ياخطرها اذا طاحت وياثقلها
وليس ببعيد عن الداية يوثق الشاعر الكبير صالح بن عقار ( رحمه الله ) افتتاح عقبة مساعد ( مزحك ) بقصيدة حفظها التاريخ :
البدع
يالله اني طلبتك يالذي مرزقي والربع لية
لا متى تمسكين الروح روح الشقاء يااسخونها
كيف ما يعتبر قلب على طول الأيام أدبه
عامل الخير يلقى من جود ربي والتهامه
والمقادير إلى منها جرت ما يداوس رعبها
يا لبيب إحتذر واحرص وحافظ على ضيقك ومزحك
قبل يوم القيامه ينتشر بعثها واسواقها
والموازين منصوبة والأقلام تحصي ارقومها
كلن ياخذ كتابه في يده ما ينكف ايه
إلا عبادة الاصنام إلا قالوا اقروا بوقرون
الرد
يا سلامي على من ورد الخط وعان الرب عليه
روس زهران مدتهم تغاني وهم يسخونها
والحقير الفقير اللي يقل مامعي ما امد به
والذي في المراكز ساعدوا في الحجاز وفي تهامه
ميرنا ناصر أول من دفع حصته واسر ع بها
ومع قومة الخط سوق قلوه ينادي صدر مزحك
والمطاليق تمن طرق المصلحة وأسواقها
وبلاد الحسد من قلة الدين تحصر قومها
ونحن قلنا نوكل بالرشد كل من فيه الكفاية
والسراة رأسها خضران وتهامة يحيى بالقرون
وقد سجل الشاعر : دغسان الغامدي بصمة للتاريخ عندما اعترضت بعض الصعوبات تنفيذ الطريق الذي يربط قرى بني ضبيان ويوصلها بطريق الجنوب فقال علي دغسان ( رحمه الله ) :
البدع :
من يعصى الملك ما يطيق
يمسي في هموم وضيق
ويهوي في مكان سحيق
لو جاله من الصال حلجن
في ضحوه وفي غاربة
الرد:
الوجه السمح ما يضيق
غامد أسوة بالعقيق
من حط الجمل في الطريق
من يشره على صالح الجن *
لو يدهك على غاربه
*صالح بن هجاد ( رحمه الله ) ، من أهالي قمهدة وهو سائق معدة المواصلات الدركتل
وهذا الشاعر الشمراني يمدح آل الشعف بعد افتتاح عقبتهم عقبة الشعف بالنظر في بلاد بلقرن وهي عقبة قام بفتحها الأهالي على نفقتهم الخاصة حيث يبدي إعجابه بهم
البدع :
يا النظر ربي من وكون المطر سقاك
خلا الجبال الشامخة لاوية علاك
ما شفت بارض الله مثيلك ومثل انهارك
واشجارك اللي مايلاتٍ غصونها
الرد:
قد صانك المولى باهاليك ذا حماك
كم رددوا من كل عايل إذا نواك
وامسى حزين يوم ما قد رعى حياك
وامسيت مامون معا ليلتك ونهارك
عسى لحـًا صانتك ربي يصونها
وبعد فهذا ليس حصر لكل ما كتب في هذا الجانب ولكنه جهد المقل وما تمكنت من العثور عليه والمجال مفتوح للجميع في إضافة المزيد وتصحيح ما قد يكون في الموضوع من أخطاء ، والحمد لله في الأولى والآخرة.