الطبيعة فـي الأمثال الشعبية التراثية
كنـوز المعرفة عبر الأجيال
درويش مصطفى الشافعي
التراث ليس مجرد ذكـرى عابـرة من الماضي أو مجرد أدوات قديمـة وملابس بالية نحب اقتناءهـا للتفاخر، وهو ليس مجرد لافتـة مكتوبـة بالخـط العريض نرفعها قبل عقد النـدوات والمؤتمـرات وننزعها بعد انتهائـها، وليس التراث كـلام أو شعـارات يتبناهـا المترفون للمفاخرة وحب الظهـور.
ولكن التراث هو تاريـخ الأمة ومحصلة خبراتها، أفكارها، فلسفتها وفنونها، وهو يحفظ كيان الأمة وبقاءها واستمرارها ويُثَبت جذور حضارتها، ولا أدل على أهمية التراث العظيمة من محاولة بعض الأمم التي لا تمتلك تاريخاً ولا تراثاً من تزوير وسرقة تراث غيرها من الأمم ذات التاريخ والتراث العريقين. وعلى الرغم من جهود الباحثين المتواصلة لوضع تعريف شامل ومعبر للتراث الشعبي، إلا أن هذه التعريفات ظلت منقوصة أو غير واضحة، ويعود السبب في ذلك إلى أن التراث هو انعكاس لكافة جوانب الحياة الماضية بدءاً من نمط البيئة والطبيعة وما تحتويه من عناصر حية وغير حية، مروراً بتفاعل وتكيف المجتمع معها وانتهاء بالفنون والعادات والتقاليد والشعر والأدب والمعتقدات والفلسفة العامة والفردية والأمثال الشعبية.. وهنالك أكثر من عشرين تعريفاً للتراث الشعبي تختلف فيما بينها بالتفاصيل الدقيقة وتتلاقى في المعنى والجوهر، ويعود السبب في ذلك إلى غياب إجماع على تفسير معنى التراث، شأنه في ذلك شأن معظم مصطلحات العلوم الاجتماعية التي تتأثر بالخلفيات العلمية والسياسية والحضارية للعلماء المتخصصين بها، ولهذه الأسباب تعددت تعريفات التراث بهدف إظهار جميع معانيه وصوره وتفرعاته.
وكان جيم وليام عام 1846م أول من أطلق على التراث الشعبي أو المأثورات الشعبية اسم فلكلور وترجمة فلكلور إلى اللغة العربية تعني حكمة الشعب، حيث يشير الشق الأول من الكلمة (فلك) إلى الشعب، بينما يشير الشق الثاني من الكلمة (لور) إلى مجموعة المعارف والتقاليد المكتسبة عن طريق الخبرة.
وقد جاءت كلمة تراث في القرآن الكريم في الآية 19 من سورة الفجر لقول الله تعالى (وتأكلون التراث أكلاً لما....) والمقصود من التراث في هذا السياق الميراث المادي . أما الشق المعنوي للتراث فقد جاء ذكره في الآية الكريمة (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) فاطر 32.
ولما كان التراث مستوحى من البيئة ومتجذراً في النفس البشرية منذ عصور وأزمان بعيدة، فقد أصبح يشكل هوية الأمة وخصوصياتها التي تشتمل على كل ما يتعلق بحياة السلف (الآباء والأجداد) من عادات، تقاليد، لهجات، تصاميم معمارية، أنماط غذائية، فنون تشكيلية، رسم، موسيقى، قصص، حكايات، أمثال شعبية، أحاجي، ألعاب أطفال، علوم مختلفة، آداب، شعر، حِرف يدوية، معتقدات شعبية..... وغيرها، ولعل من أهم ما يميز التراث ويحفظ بقاءه وديمومته هو أنه نتاج مجتمع أو نتاج فرد من المجتمع، ولكن المجتمع كله تقبله واحتضنه فأصبح التراث الشعبي يعبر عن روح المجتمع ويعكس رضاه واستحسانه، وهذه الأسباب وغيرها أكسبت التراث الشعبي القدرة على الانتقال من جيل إلى جيل، ونتيجة لذلك فقد أصبح لكل شعب تراثه الشعبي المتوارث المميز له والمندمج معه، ولكن توجد فيه بعض الاختلافات الطفيفة وفقاً لتباين الأقاليم الطبيعية والجغرافية في البلد الواحد، ويذكر الكتاب الأخضر في الفصل الثالث المقولة التالية: إن الشعوب لا تنسجم إلا مع فنونها وتراثها.
ومن الناحية العلمية يُعرف التراث بأنه علم اجتماعي، نفسي، سلوكي وتاريخي مترابط الأواصر والعلاقات ويختص بقطاع واسع من الثقافة والحضارة البشرية المتعلقة بالإنسان وبيئته الطبيعية بشقيها الحي وغير الحي.
ويٌعد التراث ثروة مادية وثقافية عظيمة، وخبرات ومهارات قيمة ورثتها الأجيال السالفة للأجيال القادمة لتستفيد منها في مناحٍ حياتيةٍ شتى، وتستقى منها المواعظ والعِبر، وسعة الأفق. وبسبب أهمية التراث في حياة الأمم ونمو حضارتها فقد أصبح علماً قائماً بذاته ويدرس في الجامعات والمعاهد، لما لذلك من أهمية كبيرة في دراسة خصائص المجتمعات والبحث في عوامل وأسباب تطور حضارات الأمم، وذلك من خلال دراسة وتحليل تراثهم واستجلاء أسراره وغموضه.
جوانب وأطياف التراث الشعبي
ليس من السهولة بمكان حصر جوانب التراث الشعبي، وذلك لأنه متعدد الأوجه وشديد التفرع ويمتزج في جميع جوانب الحياة مثلما تتداخل خيوط وألوان النسيج الواحد، فلو تناولنا فقط موضوع لعب الأطفال التراثي، لوجدنا فيه عشرات المعاني والأفكار والأهداف والفوائد الجسدية والنفسية، وكلها تعكس بشكل مباشر وغير مباشر الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع، وفي هذه المقالة سنتناول الأمثال الشعبية التراثية المتعلقة بالطبيعة وتحليلها والتعرف إلى أهميتها وأبعادها وتوافقها أو تنافرها مع الواقع العلمي.
تحتل الأمثال الشعبية جانباً واسعاً من الثقافة العربية، وهي من أجمل ألوان الأدب العربي إذ تحتوي على أدق أشكال التعبير والخطاب ما لا يعادله شيء من النصوص المكتوبة.
والأمثال الشعبية مكونة من كلمات قليلة شائعة وجمل بسيطة، وتعبر عن صدق تجربة الشعوب وشفافية مشاعرها ومعاناتها، ومع قلة كلماتها إلا أنها تحمل بين طياتها معاني كبيرة يصعب شرحها في مقالات طويلة. وترتبط الأمثال الشعبية بالكلام العادي أو اللهجة المحلية الدارجة وهذا ما يجعلها أكثر أنواع الأدب الشعبي انتشاراً بين الناس حتى قيل للتدليل على سرعة انتشارها (أسير من مثل). والمثل الشعبي هو تعبير لفظي مختصر ويُتداول بغير تبديل أو تغيير في لفظه الحرفي، وعادة ما يتضمن حكمة أو موعظة أو نصيحة، فهو في كثير من الأحيان يكون مستخلصاً من الخبرات والتجارب الواقعية في الحياة.
ويقال المثل الشعبي بين طيات الحديث، فتتألق معانيه الكامنة وتظهر بصورة أوضح. وقد بلغ الناس قديماً مرتبة عالية في استنباط الأمثال من وحي الطبيعة ومن تجارب الحياة وقد استعملوها في المكان والزمان المناسبين، كما استطاعوا التكلم مطولاً باستعمال الأمثال الشعبية.
ويختلف لفظ المثل باختلاف البلد الذي يقال فيه، ولكن دائماً بنفس المعنى، وتتميز الأمثال الشعبية بسهولة حفظها وتداولها بين الناس وكذلك سرعة انتشارها كما ذكر سابقاً.
وقد ولدت معظم الأمثال الشعبية من البيئة المحيطة بالإنسان وما تحويه من أشياء ملموسة كالحيوانات والطيور والثعابين والجبال... والنباتات والأحوال الجوية وغيرها وهذا مؤشر على إدراك الناس لمحيطهم وتفاعلهم مع عناصر الطبيعة المختلفة.
وقد ذكر الله تعالى الأمثال عدة مرات في القرآن العظيم، لقوله تعالى:
- (مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون). البقرة/ 16.
- (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، صمٌ بُكم عمي فهم لا يعقلون). البقرة/171.
- (مثل الذين حُمِلوا التوراة ثم لم يَحملوها كَمثل الحمار يَحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القومَ الظالمين). الجمعة /5.
- (إنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ). البقرة/ 26.
الأمثال الشعبية استنتاجات وعِبر
مع كثرة المعلومات وتوافرها في كل مكان بدءاً من المكتبة المنزلية وانتهاءً بالشبكة العنكبوتية إلا أن هذا الزخم من المعلومات، لم يُحدث تغييراً عميقاً في ثقافة المجتمعات العربية، وذلك لأن توافر وسائل التعليم والتثقيف المرئي والمقروء والمسموع هو مجرد تأسيس لحياة ثقافية راقية، ولكن القراءة والتأمل والتفكر فيما نقرأ ونشاهد واختيار ما يناسبنا ويتوافق مع قيمنا وعاداتنا هو خطوة واعية على طريق بناء حضارة راقية، أما بلوغ مراتب متقدمة من الفكر الإنساني فيأتي من استلهام العِبر ومن تطوير المعارف المكتسبة ثم تطبيقها على أرض الواقع، وإن لم نفعل ذلك فلن يكون للثقافة والمعرفة قوة تصقل إنساناً أو تبني حضارة.
ليس من السهولة بمكان حصر جوانب التراث الشعبي، وذلك لأنه متعدد الأوجه وشديد التفرع ويمتزج في جميع جوانب الحياة مثلما تتداخل خيوط وألوان النسيج الواحد، فلو تناولنا فقط موضوع لعب الأطفال التراثي، لوجدنا فيه عشرات المعاني والأفكار والأهداف والفوائد الجسدية والنفسية، وكلها تعكس بشكل مباشر وغير مباشر الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع.
وحال التراث الشعبي كحال التاريخ، يستفاد منهما لإجراء مقارنة ولاستلهام عبرة، ولكن ربما يتفوق التراث الشعبي على التاريخ بسبب تعدد أدواته واستعمالاته فيكون تأثيره أقوى وحضوره أوسع في الحياة اليومية للمجتمع.
ولما كان التراث الشعبي بكل أشكاله وأطيافه نتاجاً لتفاعل الإنسان مع الطبيعة والأرض والتاريخ، فإن دراسة الأمثال الشعبية المتعلقة بالطبيعة وتحليلها والتعمق في فهمها وإدراكها يقود إلى مجموعة نتائج في غاية الأهمية لعل من أبرزها ما يلي:
- التعرف إلى التنوع الأحيائي Biodiversity وواقع الطبيعة في الماضي وتفاعل الإنسان مع عناصرها الحية وغير الحية، وكيفية إفادته منها، وهذا يوفر للباحثين البيئيين والعاملين في مجال الزراعة وغيرهم مخزوناً ضخماً للمعلومات والمعرفة ويُمَكِنهم من إجراء مقارنة مستندة على حقائق عملية مجربة.
- استعمال المخزون الفكري والمعرفي في مجالات الحياة الحاضرة وتطويرها بما يتناسب مع روح العصر.
- توظيف خبرات التراث في التعبئة المعنوية والروحية في حالة وجود خطر يتهدد الأمة.
- استنتاج أهمية المحافظة على كافة أطياف التراث بما فيها الأمثال الشعبية وتوثيقها لمنع سرقتها أو تزييفها.
- التعريف بالقيم والأخلاقيات الاجتماعية والبيئية التي تواجدت عند الآباء والأجداد والعمل على إحيائها والتمسك بها.
وفيما يلي ذكر لعدد من هذه الأمثال الشعبية وتحليل مضمونها وأبعادها.
• لا يمـوت الذيب ولا تفنـى الغنم:
مثل شعبي وقول مأثور يشكل أساساً لعلم البيئة الحديث، والمقصود من هذا المثل هو أن للذئب حقاً في افتراس بعض الأغنام لطالما يقوم الإنسان باصطياد الطيور والحيوانات الوحشية والتي هي فرائس الذئب، ولكن يجب أن يصان حق البقاء لكل من الذئاب الأغنام فلا تقوم شلايا الذئاب بافتراس جميع الأغنام وفي الوقت ذاته لا ينبغي حرمان الذئاب من حصتها فتموت جوعاً. وهنا يبرز مفهوم التوازن في الطبيعة.
ويقال هذا المثل عند عقد صفقة تجارية أو عند القيام بالتوسط للصلح بين الأطراف المختلفة، فيُطلب من الطرفين إبداء المرونة والتنازل عن بعض المواقف أو الطلبات.
• كمجير أم عامر:
أم عامر هي كنية أنثى الضبع. يقال إن ضبعة دخلت بيت رجل هرباً من البرد وطلباً للطعام، فقام الرجل بإيوائها وإطعامها، وعندما أوى الرجل إلى فراشه أتت عليه الضبعة وبقرت بطنه. ولهذا المثل حضور في بيت الشعر:
ومن يصنع المعروف في غير أهله يلاقي الذي لاقى مجير ام عامر.
يدل هذا المثل على معرفة العرب بطباع الضبع الذي لا يؤمن جانبه، ويدعو إلى عمل الخير في مكانه المناسب.
• أعق من ذئبـة:
يقال عندما تحدث خيانة من شخص لا يتوقع منه الخيانة، فالذئبة إذا ما جُرِح صاحبها أكلته فلا وفاء ولا عهد لها حتى للأصحاب وذوي القربى.
• ضربة الأرنب القاضية:
يقال هذا المثل للشخص الذي لا يعير اهتماماً لشخص ضعيف، فيحذره شخص آخر من ضربة الأرنب القاتلة، ويقول الشاعر علي بن العباس الرومي بهذا الخصوص:
لا تَحقِرَنَّ صَغيراً في مُخاصَمَةٍ
إنَّ البَعوضَةَ تُدمي مُقلةَ الأسدِ
جدير بالذكر بأن المثل السابق مستوحى من الواقع، فعندما يكون للأرنب صغار ويهم مفترس بافتراسها، تركله الأرنب بطرفيها الخلفيين فتقضي عليه.
• لسـانك حصـانك إن صنته صـانك وإن خنته خـانك:
اللسان والفرس بحاجة إلى تدريب من أجل حُسن الأداء، وإذا لم يُحسن التدريب فالنتيجة ستكون مخيبة للآمال، وقد اشتهر العرب بتربية الخيل وتأهيله للمعارك والمسابقات، وبقدر ما يمنح الخيل من اهتمام وحسن تدريب يكون الأداء أفضل، والشيء ذاته ينطبق على تدريب اللسان على القول السديد والنطق بما فيه الخير، وهل يجرُّ اللسان غير المدرب والمؤهل على صاحبه سوى الأذى والهلاك؟ وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصاد ألسنتهم؟
• إللي ما بعرف الصقر يشويه:
يُقال للشخص الذي يجهل منزلة الناس فيتصرف معهم بطرق لا تليق بمقامهم، وأصل هذا المثل هو أن الناس في الماضي لم يميزوا بين طائر يصلح لحمه للأكل وآخر لا يصلح، كما لم توجد قبل مجيء الإسلام الحنيف قوانين تمنع أكل طيور وحيوانات وتبيح غيرها. جدير بالذكر أن للصقور عادات وطباعاً راقية تتمثل بالأنفة والإباء ولا يجوز معاملتها بطريقة لا تليق بطباعها، وقد عرف العرب ذلك وحرصوا على احترام هذه الطباع.
• الغراب ما بنعق إلا بالخراب:
يقال للشخص المتشائم أو الذي لا يأتي بخبر يَسُر البال، وللغراب وقع سيئ في النفس البشرية في جميع الحضارات وعند معظم الشعوب، فهو طائر شؤم واعتبر سبباً للفراق بين المحبين فأسموه (غراب البين)، والبين هو الفراق، وسبب ذلك هو الأماكن الخربة التي يعيش فيها، لونه الأسود وصوته الخشن. وهذا المثل لا ينطبق مع الواقع في شيء فكم فراق وقع وكم وفاة حدثت لأشخاص لم يروا غراباً أو يسمعوا نعيقه في حياتهم؟
• كثير النط قليل الصيد:
من المعروف لدى الصيادين بأن الصياد الذي لا يصبر في لبده (مكان تربصه) ويغير مكانه باستمرار ويركض هنا وهناك لا يحظى بصيد، ويقال هذا المثل للشخص الذي لا يثبت في عمل ولا يستقر له حال فلا يحقق مراده.
• ذيل الكلب عمره ما بنعدل:
يقال للشخص الذي شَب واعتاد على الخطأ، ولا يرجى منه الصلاح، مثلما هو الحال مع ذيل الكلب الذي لا يستقيم مهما فعلنا له. وأصل المثل أن شخصاً ادعى بأن ذيل الكلب إذا ما رُبِط وشد بعصا مستقيمة وترك فترة على هذا الحال يَنعدل حاله، فقام بذلك، ولكن ما أن فك الرباط عن الذيل عاد أعوجاً كما كان، فقيل هذا المثل.
• أعقد من ذنب الضب:
يقال عندما تكون المشكلة معقدة وتستعص على الحل، مثلما هو الحال مع فقرات ذيل الضب الشديدة التماسك والالتصاق، بحيث يصعب فصلها. إن التشبيه بين تعقد مشكلة ما مع ذيل الضب هو في الواقع تشبيه موفق ويعطي الدلالة المطلوبة.
• الطيور على أشكالها تقع:
يقال عندما يتصاحب ويجتمع أشخاص شريرون مع بعضهم، فالطيور (بعض الأنواع) من ذات الصنف الواحد تتجمع مع بعضها مشكلة أسراباً ثم تقوم بمهاجمة المحاصيل الزراعية فلا تبقي ولا تذر.
وفي حالات قليلة يقال هذا المثل عندما يجتمع الأخيار لعمل ما ينفع الناس مثلما تتجمع الطيور في أسراب وتهاجم الحشرات الضارة بالمزروعات.
• لو كان فـي البومة خير ما تركهـا الصياد:
يقال عندما يعطي رجل بخيل شيئاً عديم الفائدة . فطائر البوم لا يصلح للأكل فلو اصطاده الصياد بالخطأ فإنه يرمي به، فقيل هذا المثل، ولكن الحقيقة هي أن لطائر البوم فوائد كثيرة كونه يلتهم القوارض والحشرات الضارة بالمحاصيل الزراعية. ورديف هذا المثل: لو فيه خير ما رماه الطير.
• غاب القـط.. العب يا فار:
عندما يسرح القط خارج البيت، فإن الفأر يجد فرصته لإشاعة الفوضى في البيت. يقال هذا المثل عندما يغيب رب/ربة البيت فيقوم من وراؤهم بعمل ما يحلو لهم.
حال التراث الشعبي كحال التاريخ، يستفاد منهما لإجراء مقارنة ولاستلهام عبرة، ولكن ربما يتفوق التراث الشعبي على التاريخ بسبب تعدد أدواته واستعمالاته فيكون تأثيره أقوى وحضوره أوسع في الحياة اليومية للمجتمع.
• عند غياب السباع، تستأسد الضباع:
يقال هذا المثل عندما يغيب رجل مهيب عن وطنه أو مكان إقامته، فيأتي صغار القوم للتسلط على عباد الله.
• مطرح العقرب لا تقرب ومطرح الحية افرش ونام:
الحيات دائمة الحركة ولا يستقر لها حال، حتى أنها لا تتخذ بيتاً دائماً تسكن فيه، على عكس العقارب التي تتخذ جحراً قلما تغادره، فإذا رأيت عقرباً في مكان سكناك فاعلم بأنها ستظل فيه، فقيل هذا المثل.
• عقربتين في غار ولا أختين في دار:
من طباع العقارب عدم الألفة والعيش مع بعضها في مكان أو جحر واحد وحتى الأخوات في البيت يتخاصمن ويتشاجرن. فكيف يكون الحال عندما تجتمع الضرتان؟ يشير هذا المثل وما سبقه إلى معرفة السلف لطباع العقارب.
• الأقـارب عقـارب:
يعتقد كثيرون بأن علاقة العداء والغيرة هي التي تسود بين الأقارب على خلفية تجارب فردية أو مشاهدة حالات معدودة، ولهذا قيل المثل، وبالطبع لا يتماشى هذا القول مع تعاليم الدين الإسلامي التي تدعو للمحبة والتراحم بين الناس جميعاً وبخاصة الأقارب والأرحام.
• اتموت الحية وسمها برأسها:
والمقصود هو أن العادة السيئة تدوم مع صاحبها حتى يموت:
ولكن قد لا ينطبق هذا المثل دائماً على أرض الواقع، فقد ينعدل حال صاحب الخصلة السيئة قبل الموت بأيام أو ربما بدقائق لأن الله هو الهادي التواب.
• من زرع في غير بلاده لا له ولا لولاده:
يؤكد هذا المثل على ضرورة انتماء الإنسان لوطنه وبناء مستقبله فيه وليس في بلاد أخرى.
• ارعى من عشب بلادك:
يقال هذا المثل لإظهار قيمة ما هو منتج وطنياً، وحتى من الناحية الغذائية والطبية يقول أخصائيو التغذية إن الطعام الحيواني أو النباتي المنتج محلياً هو أوفق لصحة المواطنين من المستورد.
• إذا تلِفت عليـك باللفت:
وجد الباحثون بأن اللفت يحتوي على مواد مُقاومة للأمراض الخطيرة مما يدعو لتناوله في حالة الصحة والمرض. وقد بينت دراسات حديثة أن اللفت يحتوي على مضادات أكسدة antioxidants تحول دون الإصابة بالسرطان، إضافة لاحتوائه على الحمض الدهني أوميغا - 3 الذي يفيد القلب والأوعية الدموية. ويبدو أن الناس قد أدركوا هذه الحقيقة بتجربتهم منذ زمن بعيد.
• كول الزيت وانطـح الحيـط:
يقال للحث على تناول زيت الزيتون الذي يحتوي على مواد غذائية وطبية عديدة، وقد عرف الناس ذلك بخبرتهم.
• الشجرة اللـي ما بتثمر حلال قطعهـا:
الحقيقة أن هذا المثل لا يمت للواقع بصلة، فالشجرة ليست للثمار فحسب، بل للظل والجمال وللتوازن الطبيعي، يقال هذا المثل للكنة (زوجة الابن) التي تأخرت عن الحمل أو أنها عاقر.
• شبـاط إن خبط ولبط - ريحـة الصيف فيه:
خبط يعني اشتد الرعد فيه، ولبط يعني هطلت الأمطار بغزارة فتشكل الطين، ومع ذلك فإن الصيف قادم قريباً..
• تموز بتغلي المي بالكـوز:
يقال للتدليل على الحرارة المرتفعة في شهر تموز. والكوز هو اليقطينة الجافة المفرغة من محتواها (اللب)، وكان أهل الريف يستعملونها لحفظ الماء ليظل بارداً، ومع ذلك كان الماء يسخن فيه بسبب شدة الحر خلال شهر تموز.
• خبي حطبـاتك الكبـار لشهر آذار:
في مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط (سوريا، فلسطين، لبنان، الأردن وغيرها) كانت تأتي في الماضي خلال شهر آذار موجات برد قارص، وتتساقط الثلوج، وكان الناس يستعدون لهذا الشهر بتجميع قرامي الأشجار الكبيرة لاستعمالها في التدفئة، ويبين هذا المثل الحالة الجوية التي كانت تسود في ذلك الوقت وكيف كان الناس يستعدون لمواجهة البرد.
• برد الصيف أشد من ضرب السيف:
تنخفض درجات الحرارة في بلادنا خلال الليل وحتى في فصل الصيف، ولما كان الجو حاراً خلال النهار فإنهم ينسون برد الليل فيصيبهم ضرر شديد بسبب البرد.
• ابساط الصيف واسع:
يضرب للتدليل على سعة الحياة في الصيف، ورديف هذا المثل: الصيف كيف.
• إللي يقيك من البرد يقيك من الحر:
يعرف البدوي بأن ملابسه الثقيلة أو فروته التي توفر له الدفء في مواسم البرد، هي أيضاً واقية من قيظ الصحراء باعتبارها عازل للحرارة في الحالتين- البرد والحر.
• قصـة وحكمـة:
يحكى أن أعرابياً ضيع غنمه، فأخذ يدعو الله أن يُسَلِط عليها الضبع والذئب، فسمعه رجل فقال له يا رجل، إذا كانت الغنم لا تسلم من الذئب فكيف إذا سلط الله عليها الضبع أيضاً، فقال له الإعرابي: إذا اجتمع الذئب والضبع فإنهما ينشغلان ببعضهما فتسلم الغنم. وهذا دليل على معرفة البدوي بسلوك الحيوان).
كلمة أخيـرة:
إن ما ذكر أعلاه من أمثال شعبية مستوحاة من الطبيعة ما هي إلا أمثلة قلية من مئات الأمثال الأخرى التي يزخر بها التراث الشعبي العربي، وعند دراستها وتحليلها نجد أن بعضها يشكل أساساً لفهم حقائق علمية وفلسفية، بينما يعطي بعضها الأخر مؤشرات على شدة ارتباط السلف بالطبيعة وبالتالي اكتشافهم للكثير من أسرارها مما مكنهم التعامل والتعايش معها بتوافق وانسجام، ولكن التراث شأنه شأن أية ثقافة أو فلسفة لا يخلو من النقص والأخطاء التي ربما تكون وليدة ظروف معينة ورؤية محدودة.
وحتى يكتب للتراث الشعبي البقاء ويُحفظ من الاندثار فلا بد من أن يُفعل ويُوظف بشكل ينسجم مع واقع الحياة العصرية، ويُهيأ للتعايش مع أحداث ومستجدات المستقبل بآلية صحيحة ومدروسة، شريطة ألا يتعرض للتحريف والتشويه، فهو أولاً وآخراً السجل الموثوق الذي يميز هويتنا كأمة لها جذورها ويعكس شخصيتنا وشخصية أبنائنا وأحفادنا، ويصون قيمنا وأوطاننا.