بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب الثامن والعشرون
ماذا يقصد زكريا عليه السلام بالموالي ؟
الموالي ( أي الذين يلوني في النسب كبني العم )
من ورائي" أي بعد موتي على الدين أن يضيعوه كما شاهدته في بني
إسرائيل من تبديل الدين ..
والمقصود هنا .. توريث الدين والعلم .. وليس المال !!
عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله .. ( وَإِنِّي خِفْت الْمَوَالِي مِنْ وَرَائِي )
يَعْنِي بِالْمَوَالِي : الْكَلَالَة الْأَوْلِيَاء أَنْ يَرِثُوهُ , فَوَهَبَ اللَّه لَهُ يَحْيَى
هل العاقر تشمل النساء والرجال أم أنها خاصة بالنساء فقط؟
تشمل الرجــال والنســاء .. يقال .. امرأة عاقر .. ورجل عاقر .. كما قال عامر بن الطفيل .. لبئس الفتى أن كنت أعور عاقرا جبانا فما عذري لدى كل محض .. والله أعلم
ورد في تفسيرها بعض المسائل اذكر بعضاً منها ؟
قال تعالى ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا )
ورد فيها سبع مسائل
الأولى : قوله تعالى : " وإني خفت الموالي " قرأ عثمان بن عفان ومحمد بن علي وعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما ويحيى بن يعمر " خفت " بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء وسكون الياء من " الموالي " لأنه في موضع رفع " بخفت " ومعناه انقطعت بالموت . وقرأ الباقون " خفت " بكسر الخاء وسكون الفاء وضم التاء ونصب الياء من " الموالي " لأنه في موضع نصب ب " خفت " و " الموالي " هنا الأقارب وبنو العم والعصبة الذين يلونه في النسب . والعرب تسمي بني العم الموالي . قال الشاعر : مهلا بني عمنا مهلا موالينا لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : خاف أن يرثوا ماله وأن ترثه الكلالة فأشفق أن يرثه غير الولد . وقالت طائفة : إنما كان مواليه مهملين للدين فخاف بموته أن يضيع الدين , فطلب وليا يقوم بالدين بعده ; حكى هذا القول الزجاج , وعليه فلم يسل من يرث ماله ; لأن الأنبياء لا تورث . وهذا هو الصحيح من القولين في تأويل الآية , وأنه عليه الصلاة والسلام أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال ; لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة ) وفي كتاب أبي داود : ( إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم ) . وسيأتي في هذا مزيد بيان عند قوله : " يرثني " .
الثانية : هذا الحديث يدخل في التفسير المسند ; لقوله تعالى : " وورث سليمان داود " وعبارة عن قول زكريا : " فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب " وتخصيص للعموم في ذلك , وأن سليمان لم يرث من داود مالا خلفه داود بعده ; وإنما ورث منه الحكمة والعلم , وكذلك ورث يحيى من آل يعقوب ; هكذا قال أهل العلم بتأويل القرآن ما عدا الروافض , وإلا ما روي عن الحسن أنه قال : " يرثني " مالا " ويرث من آل يعقوب " النبوة والحكمة ; وكل قول يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو مدفوع مهجور ; قال أبو عمر . قال ابن عطية : والأكثر من المفسرين على أن زكريا إنما أراد وراثة المال ; ويحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنا معشر الأنبياء لا نورث ) ألا يريد به العموم , بل على أنه غالب أمرهم ; فتأمله . والأظهر الأليق بزكريا عليه السلام أن يريد وراثة العلم والدين , فتكون الوراثة مستعارة . ألا ترى أنه لما طلب وليا ولم يخصص ولدا بلغه الله تعالى أمله على أكمل الوجوه . وقال أبو صالح وغيره : قوله " من آل يعقوب " يريد العلم والنبوة .
الثالثة : قوله تعالى : " من ورائي " قرأ ابن كثير بالمد والهمز وفتح الياء . وعنه أنه قرأ أيضا مقصورا مفتوح الياء مثل عصاي . الباقون بالهمز والمد وسكون الياء . والقراء على قراءة " خفت " مثل نمت إلا ما ذكرنا عن عثمان . وهي قراءة شاذة بعيدة جدا ; حتى زعم بعض العلماء أنها لا تجوز . قال كيف يقول : خفت الموالي من بعدي أي من بعد موتي وهو حي ؟ ! . النحاس : والتأويل لها ألا يعني بقوله : " من ورائي " أي من بعد موتي , ولكن من ورائي في ذلك الوقت ; وهذا أيضا بعيد يحتاج إلى دليل أنهم خفوا في ذلك الوقت وقلوا , وقد أخبر الله تعالى بما يدل على الكثرة حين قالوا " أيهم يكفل مريم " . ابن عطية : " من ورائي " من بعدي في الزمن , فهو الوراء على ما تقدم في " الكهف " .
الرابعة : قوله تعالى : " وكانت امرأتي عاقرا " امرأته هي إيشاع بنت فاقوذا بن قبيل , وهي أخت حنة بنت فاقوذا ; قاله الطبري . وحنة هي أم مريم حسب ما تقدم في " آل عمران " بيانه . وقال القتبي : امرأة زكريا هي إيشاع بنت عمران , فعلى هذا القول يكون يحيى ابن خالة عيسى عليهما السلام على الحقيقة . وعلى القول الآخر يكون ابن خالة أمه . وفي حديث الإسراء قال عليه الصلاة والسلام : ( فلقيت ابني الخالة يحيى وعيسى ) شاهدا للقول الأول . والله أعلم . والعاقر التي لا تلد لكبر سنها ; وقد مضى بيانه في " آل عمران " . والعاقر من النساء أيضا التي لا تلد من غير كبر . ومنه قوله تعالى : " ويجعل من يشاء عقيما " [ الشورى : 50 ] . وكذلك العاقر من الرجال ; ومنه قول عامر بن الطفيل : لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا جبانا فما عذري لدى كل محضر
الخامسة : قوله تعالى : " فهب لي من لدنك وليا " سؤال ودعاء . ولم يصرح بولد لما علم من حاله وبعده عنه بسبب المرأة . قال قتادة : جرى له هذا الأمر وهو ابن بضع وسبعين سنة . مقاتل : خمس وتسعين سنة ; وهو أشبه ; فقد كان غلب على ظنه أنه لا يولد له لكبره ; ولذلك قال : " وقد بلغت من الكبر عتيا " . وقالت طائفة : بل طلب الولد , ثم طلب أن تكون الإجابة في أن يعيش حتى يرثه , تحفظا من أن تقع الإجابة في الولد ولكن يخترم , ولا يتحصل منه الغرض .
السادسة : قال العلماء : دعاء زكريا عليه السلام في الولد إنما كان لإظهار دينه , وإحياء نبوته , ومضاعفة لأجره لا للدنيا , وكان ربه قد عوده الإجابة , ولذلك قال : " ولم أكن بدعائك رب شقيا " , أي بدعائي إياك . وهذه وسيلة حسنة ; أن يتشفع إليه بنعمه , يستدر فضله بفضله ; يروى أن حاتم الجود لقيه رجل فسأله ; فقال له حاتم : من أنت ؟ قال : أنا الذي أحسنت إليه عام أول ; فقال : مرحبا بمن تشفع إلينا بنا . فإن قيل كيف أقدم زكريا على مسألة ما يخرق العادة دون إذن ؟ فالجواب أن ذلك جائز في زمان الأنبياء وفي القرآن ما يكشف عن هذا المعنى ; فإنه تعالى قال : " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " [ آل عمران : 37 ] فلما رأى خارق العادة استحكم طمعه في إجابة دعوته ; فقال تعالى : " هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة " [ آل عمران : 38 ] الآية .
السابعة : إن قال قائل : هذه الآية تدل على جواز الدعاء بالولد , والله سبحانه وتعالى قد حذرنا من آفات الأموال والأولاد , ونبه على المفاسد الناشئة من ذلك ; فقال : " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " [ التغابن : 15 ] . وقال : " إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم " [ التغابن : 14 ] . فالجواب أن الدعاء بالولد معلوم من الكتاب والسنة حسب ما تقدم في " آل عمران " بيانه . ثم إن زكريا عليه السلام تحرز فقال : ( ذرية طيبة ) وقال : " واجعله رب رضيا " . والولد إذا كان بهذه الصفة نفع أبويه في الدنيا والآخرة , وخرج من حد العداوة والفتنة إلى حد المسرة والنعمة . وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأنس خادمه فقال : ( اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته ) فدعا له بالبركة تحرزا مما يؤدي إليه الإكثار من الهلكة . وهكذا فليتضرع العبد إلى مولاه في هداية ولده , ونجاته في أولاه وأخراه اقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والفضلاء ..
للفائــدة
وأما قوله تعالى ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا )
فقد ورد فيها .. أربع مسائل
الأولى : قوله تعالى : " يرثني " قرأ أهل الحرمين والحسن وعاصم وحمزة " يرثني ويرث " بالرفع فيهما . وقرأ يحيى بن يعمر وأبو عمرو ويحيى بن وثاب والأعمش والكسائي بالجزم فيهما , وليس هما جواب " هب " على مذهب سيبويه , إنما تقديره إن تهبه يرثني ويرث ; والأول أصوب في المعنى لأنه طلب وارثا موصوفا ; أي هب لي من لدنك الولي الذي هذه حاله وصفته ; لأن الأولياء منهم من لا يرث ; فقال : هب لي الذي يكون وارثي ; قاله أبو عبيد ; ورد قراءة الجزم ; قال : لأن معناه إن وهبت ورث , وكيف يخبر الله عز وجل بهذا وهو أعلم به منه ؟ ! النحاس : وهذه حجة متقصاة ; لأن جواب الأمر عند النحويين فيه معنى الشرط والمجازاة ; تقول : أطع الله يدخلك الجنة ; أي إن تطعه يدخلك الجنة .
الثانية : قال النحاس : فأما معنى " يرثني ويرث من آل يعقوب " فللعلماء فيه ثلاثة أجوبة ; قيل : هي وراثة نبوة . وقيل : وراثة حكمة . وقيل : هي وراثة مال . فأما قولهم وراثة نبوة فمحال ; لأن النبوة لا تورث , ولو كانت تورث لقال قائل : الناس ينتسبون إلى نوح عليه السلام وهو نبي مرسل . ووراثة العلم والحكمة مذهب حسن ; وفي الحديث ( العلماء ورثة الأنبياء ) . وأما وراثة المال فلا يمتنع , وإن كان قوم قد أنكروه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا نورث ما تركنا صدقة ) فهذا لا حجة فيه ; لأن الواحد يخبر عن نفسه بإخبار الجمع . وقد يؤول هذا بمعنى : لا نورث الذي تركناه صدقة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخلف شيئا يورث عنه ; وإنما كان الذي أباحه الله عز وجل إياه في حياته بقوله تبارك اسمه : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " [ الأنفال : 41 ] لأن معنى " لله " لسبيل الله , ومن سبيل الله ما يكون في مصلحة الرسول صلى الله عليه وسلم ما دام حيا ; فإن قيل : ففي بعض الروايات ( إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة ) ففيه التأويلان جميعا ; أن يكون " ما " بمعنى الذي . والآخر لا يورث من كانت هذه حاله . وقال أبو عمر : واختلف العلماء في تأويل قوله عليه السلام : ( لا نورث ما تركنا صدقة ) على قولين : أحدهما : وهو الأكثر وعليه الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث وما ترك صدقة . والآخر : أن نبينا عليه الصلاة والسلام لم يورث ; لأن الله تعالى خصه بأن جعل ماله كله صدقة زيادة في فضيلته , كما خص في النكاح بأشياء أباحها له وحرمها على غيره ; وهذا القول قاله بعض أهل البصرة منهم ابن علية , وسائر علماء المسلمين على القول الأول .
الثالثة : قوله تعالى : " من آل يعقوب " قيل : هو يعقوب بن إسرائيل , وكان زكريا متزوجا بأخت مريم بنت عمران , ويرجع نسبها إلى يعقوب ; لأنها من ولد سليمان بن داود وهو من ولد يهوذا بن يعقوب , وزكريا من ولد هارون أخي موسى , وهارون وموسى من ولد لاوي بن يعقوب , وكانت النبوة في سبط يعقوب بن إسحاق . وقيل : المعني بيعقوب هاهنا ابن يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان أبي مريم أخوان من نسل سليمان بن داود عليهما السلام ; لأن يعقوب وعمران ابنا ماثان , وبنو ماثان رؤساء بني إسرائيل ; قاله مقاتل وغيره . وقال الكلبي : وكان آل يعقوب أخواله , وهو يعقوب بن ماثان , وكان فيهم الملك , وكان زكريا من ولد هارون بن عمران أخي موسى . وروى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يرحم الله - تعالى - زكريا ما كان عليه من ورثته ) . ولم ينصرف يعقوب لأنه أعجمي .
الرابعة : قوله تعالى : " واجعله رب رضيا " أي مرضيا في أخلاقه وأفعاله . وقيل : راضيا بقضائك وقدرك . وقيل : رجلا صالحا ترضى عنه . وقال أبو صالح : نبيا كما جعلت أباه نبيا .
والله أعلم
تفسير .. القرطبي
والجلالين
جزاك الله خير
دمت في حفظ الله