في شوارع متخمة بالإزدحام ،يربكها سوء النظام ، تعلو جباه عابريها
تقطيبة امتعاض من نصب الأقدام ،والعرق يسيل من تلك الجباه ليغسل
بعض ثرثرات الأرصفة التي شهدت فصولاً من حماقات الإنتظار المضني .
غيّرت من وضع حقيبتي ، ومضيت إلى وجهتي دونما اكتراث لما يدور في تلك الشوارع 
من هرج العيون ،وهمهمات الشفاه،ولهاث الأنفاس المتعبة ، 
مضيت لا ألوي على شيء ، سوى شراء أدويتي المعتادة من صيدلية مجاورة لمكتبة 
صغيرة .
أظن بأني سأمرُّ عليها فأنا بحاجة إلى اقتناء كتاباً جديداُ ، رائحة غلافه
تشعل في روحي شغفاً قديماً خبت جذوته منذ عام !
ولأعرج بعدها على صديقي الأثير والمهيب الكبير بمعية ولدي!
ومروراً بدوّار النّورس تراءت لي طلعته البهية المهيبة!
حين حاذاني يساراً وغمز لي ضاحكاً حاسراً عن صدره الشاسع ،
فتبسم لي مهللاً ،مستقبلاً ،هاشّا، باشّا كعادته بوجهه الصبوح، 
فبعثت إليه على استحياء أشواقي الدفينة وقبلاتي الحارة، ومنحته عينيّ 
اللتين ألفتاه منذ أمد بعيد ، وبقيت في ضيافته قرابة الساعتين بعد منتصف الشفق .
ثم ودعته على أمل بلقاء بيننا مرتقب ،وعدت أدراجي إلى بيتي،
فبانتظاري ماتنوء به حجراته من أعمال مؤجلة .  0