هذه قصيدة ابن زريق عندما ضاقت به الحال ونوى الرحيل للبحث عن الرزق
لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العـــــَذلَ يُولــــــــِعُهُ  = قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ 
جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّبِهِ = مِن حَيـــثَ قَــــــدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ 
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً =  مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ 
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ= فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدَّهرِ أَضلُعُهُ 
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ= مِنَ النــــَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ 
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ =  رَأيُ إِلى سَـــــفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ 
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ = مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ 
إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً =  وَلَو إِلى السَندّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ 
تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه = للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ 
وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُه= رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ 
قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُ =  لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ 
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى = مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ 
وَالحِرصُ في الأرِزاقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت =بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ 
وَالدَّهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُه =  إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ 
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً =  بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ 
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي=صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ 
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً=وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ 
لا أَكُذب اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ=  عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ 
إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ=بِالبينِ عِنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ 
رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ= وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ 
وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا=  شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ 
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ=كَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ 
كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ=الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ 
أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ=لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ 
إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفِثُها بِحَسرَةٍ= مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ 
بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ= بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ 
لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذا=لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ 
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدَهرَ يَفجَعُنِي=بِهِ وَلا أَظُنُّ بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ 
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ= عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ  
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ=وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ 
مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ كَما=لَهُ عَهدُ صِداقٍ لا أُضَيِّعُهُ 
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذ=جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ 
لَأَصبِرَنَّ لِدَهرٍ لا يُمَتِّعُنِي بِهِ=وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ 
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً= فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ 
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا= جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ 
وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ=فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ
ولمن أراد الاستمتاع بها بالصوت مع شرح عن مناسبتها