
 
أحيانا قد ترى ، أو تسمع ، أو تعلم .. على بعض الناس منكرا ، 
وقد يكونُ ممن لا يصلح الحديث معه ؛ لكونه صغيرا ، أو امرأة .. ، 
فإذا خاطبت من هو مسئول عنه كأبيه ، أو أمه ، أو أخيه .. ،
 واشتكيت له حال من تحت يده ؛ بادرك بقوله تعالى :
 {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء }
[56 القصص] ، 
وكأنه بهذا يريد التخلص منك ، والاستسلام للأمر الواقع ،
 وتركهم على ما هم عليه بهذه الحجة ! فهل تسوغ ، وتصح حجتُه ؟
الجواب : قد دلت النصوص من الكتاب ،
 والسنة أن الهداية نوعان:
1- هداية التوفيق للعمل ، وخلق الإيمان في القلب ؛ 
وهذه لا يملكها إلا الله وهي المرادة بالآية السابقة
 {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء }
[56 القصص] ، 
وبقوله تعالى {مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } 
[186 الأعراف] 
وقوله تعالى 
{إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُهْدَى مَن يُضِلُّ }
[37 النحل]
 في قراءة نافع ، وابن كثير ، وأبي عمرو ، وابن عامر .
وقوله تعالى
 {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}
 (40) سورة الزخرف .
وقوله تعالى
 {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ 
أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}
 (35) سورة يونس .
وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }
 (16) سورة الحـج . 
وقوله تعالى
 {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ .. }
 (29) سورة الروم .
وقوله تعالى
 {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً
 فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}
 (23) سورة الجاثية . 
وغيرها من الآيات. 
والنوع الثاني: هداية الإرشاد ، والدلالة ، والبيان ،
 وهي المرادة بقوله تعالى عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 
{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
[52 الشورى] ،
 وقوله تعالى {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} 
[24 السجدة] ، 
وقوله تعالى في حكاية قول موسى لفرعون {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} 
(19) سورة النازعات ، 
وقوله تعالى في حكاية الرجل المؤمن من آل فرعون لقومه 
{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ}
 (38) سورة غافر 
وقوله تعالى 
{ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا 
فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}
 (6) سورة التغابن ، 
{وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}
 (159) سورة الأعراف،
 غيرها من الآيات .
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه :
" فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم". 
رواه البخاري (2783) مسلم (2406) .
وهذه الثانية هي المطلوبة مِـنّا جميعا :
 ندعو ، ونجتهد ، ونبين ، ونربي ، ونقوم بما أوجب الله علينا ، 
ونسأل الله في كل وقت أن يصلح نيتنا ، وذريتنا .. ،
 ويجعلنا من عباده الذي قال فيهم 
{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}
(181) سورة الأعراف.
وبهذا يظهر أن المحتج بالآية قد احتج بها في غير موضعها ؛ إما جهلا ، إما تخلصا . 
والله أعلم. 
 
عبد الرحمن بن صالح السديس 
 
 

...........