.
*****
قراءة في أوراق الشاعر حمد هادي
شاعر المعاناة
سطر أجمل الروائع الشعرية
بقلم: بكر هذال
الشعر الأصيل، يحفظه جيل بعد جيل ويبقى في صدور الرواة وعقول الرجال، ويكون حديث المجالس، والمتحدث الأول عن هموم المجتمع وقضايا الناس، ولا شك أنه يخلد اسم صاحبه.. والشاعر الراحل (حمد هادي المسردي) من الشعراء الشعبيين المبدعين الذين برعوا في كتابة القصيدة الشعرية بكل اقتدار وتفنن حيث يتمتع هذا الشاعر الفذ بموهبة قوية استطاع من خلالها أن ينسج أجمل الكلمات، ويصوغ أحلى المعاني، فقد طوع أصعب القوافي، وعاند أعسر البحور الشعرية حيث استخدم فيها كلمات كثيرة في البيت الواحد مثل قصيدته في وصف (الطائرة) ذات البحر الطويل، التي نالت على اعجاب الكثير من هواة الشعر الشعبي.
كتب لأمجاد الوطن، كتب للمعاناة، كتب للحكمة، كتب للنصح والإرشاد، كتب لكل أبواب الشعر، وذلك بإبداع وتميز.
وبالرغم من أن الإعلام لم يخدمه كشاعر إلا أنه يعتبر أحد أعلام شعر النظم والمحاورة على مستوى الخليج العربي فاشعاره تمتاز بجزالة الألفاظ ومتانة الأسلوب، وسهولة الحفظ، وكان - رحمه الله - يمجد قريته (جاش) مسقط رأسه وبداية انطلاقته الشعرية ويذكرها في معظم أشعاره الجميلة.
وكان كثير الأسفار حيث طاف أنحاء دول الخليج العربي، وحاور جملة من أبرز شعراء المحاورة منهم على سبيل المثال أحمد الناصر الشايع، خلف بن هذال العتيبي، رشيد الزلامي، فهد المحيشير وغيرهم الكثير، كما جرت بينه وبين أخيه الشاعر فلاح العديد من المحاورات منها:
فلاح = .
يالشاعر اللي تحيي الحفلات لا طبيتها =
كم ليلة يمسون خلق الله وعينك ما تبات =
لا شفت لك حفلة فرح عرس يولع ليتها طبيتها =
بنشدك وش الفايده منذا السوات =
حمد = .
ما كل حفلة شفت كهربها يولع جيتها =
كم حفلة ما زورها لو كتب لي عشر دعوات =
يا كم وكم حفلة فرح لاعدها ما حصيتها =
أرفض طلب دعوات أهلها إلا لبعض مناسبات =
فلاح = .
ما نيب أسالك كم دعوة لبيتها =
أنشدك وش الفايدة عجل وهات الرد هات =
وش استفدت من الملاعب طول ما حظيتها =
يوم أنت واقف كل ليل بها عيونك ساهرات =
حمد = .
ربعي لاجا عندهم حفلة فرح عزيتها =
دام الصفوف وقوف برسي كالجبال الراسيات =
وان كان جاهم زلة من شاعر استقضيتها =
والفايدة بدع القصيد الطيب اللي له طرات=
ويعتبر حمد هادي من الشعراء الذين عانوا بالفعل كثيراً في حياتهم من جور الزمن وتقلباته، فهو شاعر معاناة في جميع الأحوال، حيث عانا الكثير منذ نعومة أظفاره، وأول أبيات شعرية نظمها في حياته كانت وليدة معاناة حقيقية، فعندما كان صغيراً لم يتجاوز عمره الخامسة عشر أجبره أهله على رعي الغنم، فأنشد هذه الأبيات التي تدل على موهبته الشعرية النادرة فقال:
سرحوني بالغنم عشر وثماني = ثامن الفرقه طفيل يرضعونه
عرضوا فوق النظاما واعدوني = عندهم يا ناس حق يظهرونه
وقد تحدث أيضاً من خلال أشعاره النادرة عن هموم الحياة، ووصف الرجال، والدنيا، والسفر والترحال، فهو قد تجر مرارة الدنيا:
يا الله يا عالم خفا كل مكتوم = يا مطلع فيما تكن السراير
يا واحد فرد صمد حي قيوم = يا للي بيدك تدور الدواير
يا الخالق اللي بيدك الأجل محتوم = يا خالق ابن آدم شعوب وعشاير
يا الدائم اللي ما غيرك حد يدوم = والخلق يفنى للبعث والنشاير
أنت الذي تعلم بليس معلوم = وما لا تريد يصير ما هو بصاير
والرزق من عندك مقدر ومقسوم = ومدك يعوض عن جميع الخساير
يا كاشف الكربات عن كل مضيوم = يا عالم مكنون غيب الضماير
الطفل بحال اللي جفى عينه النوم = يسهر كما يسهر كسير الجباير
لي مدة عن لذة النوم محروم = أسهر وكن بحاجر العين عاير
حتى غدا حالي كما حال مهيوم = من كثر ما تمسي عيوني سهاير
من جور دنيا بان منها لي ثلوم = قامت تجرعني بكاس المراير
وأضحك واجامل كن ما نيب مهموم = والصدر وسطه مثل ضو السعاير
وقد اشتهر - رحمه الله - بمحاوراته الجميلة التي تهتز لها الصفوف وقوافيه الساحرة وأبياته الهادفة مما جعل الكثير من الناس يحفظونها وصارت أمثالاً تردد داخل المجتمع.
اشهد أن من يفعل الجود في من لا يجود = مثل من حجج على غاربه ذباح أبوه
وقد قرأت له من ضمن أوراقه الشعرية قصيدة تتحدث عن الوجد:
يا لج قلبي لج سرب من الميزاج = لا صدر لأوامر قايده واعلن الغاره
مع الفجر الأول عاد ضوح السفر ما نباج = تحرك وتعداده ثلاثين طياره
يا والله اللي غلق الصبر ما يحتاج = لو كان عيني بأول الوقت صباره
هواجيس قلبي بدقيقه تجيه افواج = وعيني شقاويه والافكار محتاره
تخالف همومي مثل ما تختلف الأمواج = على شاطي ما بين فرصه وعباره
توارد وترد القلب من كل فج وفاج = وتقبل كما أمواج مع ريح صرصاره
ليا أشتد صلف النود والبحر هاج وماج = تسوقه على الشاطي عواصيف جباره
غريب ومشتاق وشفق على المنهاج = وسود الليالي تخلف الظن غداره
وجودي على شوف المحبين يا فراج = وجود الكسير اللي دنو منه بجباره
وكان حمد هادي في آخر حياته يلقي الكثير من قصائد النصح والإرشاد والتوبة واقسم في أحد تسجيلاته الصوتية بأن لا يسجل قصائد الغزل حتى توفي في مدينة الدمام عام 1412ه عن عمر يناهز الخمسين، وقد رثى نفسه بقصيدة مؤثرة وهو على فراش المرض منها اختار هذه الأبيات:
أشوف الموت حي في شليلي = ولو نفسي بعد يقرع نسمها
أنا مني دنا الموت المزيلي = تمركز فوق الأنفاس وكتمها
وأنا حالي ثوى وأنهد حيلي = وأنا حالي لحا اللاحي لحمها
وبعد هذه الرحلة الطويلة لشاعرنا حمد هادي - رحمه الله - ترك لنا تراثاً شعرياً خالداً في نفوسنا لن تطويه صفحات الزمن، فقد كان أحد رموز الشعر، وسطر أجمل الروائع الشعرية.
منقول من جريدة الرياض
الخميس 09 جمادى الثانية 1424هـ
*****