يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-27-2011, 12:01 AM   رقم المشاركة : 51

 

القى فضيلة الشيخ الدكتور / حسن آل الشيخ خطبة الجمعة 28/1/1433هـ بالمسجد النبوي
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أمرَ الناسَ بما يُصلِحُ حياتَهم، ونهاهُم عما يُفسِدُ عيشَهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا اللهَ - جل وعلا - يُصلِح لكم الأحوالَ، ويُسعِدُكم في الدارَين، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
معاشر المسلمين:
إن من الأصول المرعيَّةِ في الإسلام: وجوبُ الصدقِ في الأقوالِ والأفعالِ في جميعِ المجالات وكافَّة التصرُّفات، يقول الله - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[التوبة: 119].
أيها المسلمون:
إن الصدقَ في شريعةِ الإسلام مأمورٌ به في جميعِ الصور والتعامُلات صغيرِها وكبيرِها؛ يقول - صلى الله عليه وسلم -: «البيِّعانِ بِالخِيار ما لم يتفرَّقَا، فإن صدَقَا وبيَّنَا بُورِك لهما في بيعِهما، وإن كذَبَا وكتَمَا مُحِقَت بركةُ بيعِهما»؛ متفق عليه.
ألا وإن من أشنعِ التصرُّفاتِ وأقبحِ المسالكِ والتعامُلاتِ: الغِشَّ والخِداعَ بجميعِ صوره ومُختلَفِ أشكالِهِ؛ فمن زيَّن له الشيطانُ الغِشَّ في تعامُلِه، وحسَّنَ له الهوى الخِداعَ والتمويهَ على غيره، لمصالحَ شخصيةٍ، ومنافِعَ ذاتية، فليعلَم أن اللهَ له بالمِرصاد، وأنه قد عرَّضَ نفسَه للعذابِ.
يقول الله - جل وعلا -: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ[المطففين: 1- 6].
قال عبد الملك بن مراون: قال لي أعرابيٌّ: يا عبدَ الملك! اللهُ - جل وعلا - يقول في شأنِ المُطفِّفين ما يقول؛ فما ظنُّك بنفسِكَ وأنت تأخُذ أموالَ الناسِ بلا كَيلٍ ولا ميزان!
فيا مَن تأخُذ أموالَ الناس بالغِشِّ والتدليسِ! اتقِ اللهَ - جل وعلا -، تفكَّر في هذه الآيات العظيمات، وازجُر نفسَك عن المُوبِقات والسيئات، قبل فواتِ الأوانِ وحُلولِ المماتِ.
قال بعضُ المُحقِّقين من أهل العلم: كلُّ من غشَّ في تعامُله التجاريِّ أو غيرهِ بأي وسيلةٍ فهو مُطفِّفٌ، يدخُل تحت الوَعيد والتهديد، ذلكم - أيها الأحباب - أن الغِشَّ إفسادٌ في الأرض، وخِيانةٌ وأذًى للخلقِ، وبَخسٌ وإنقاصٌ للحقِّ.
يقول الله - جل وعلا - في حقِّ مديَنَ أنه يقول لقومه: وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ[هود: 85].
أخي المسلم:
اتقِ الجبار - جل وعلا -، واعلَم أن الغِشَّ في كافَّةِ التعامُلات كبيرةٌ من كبائرِ الذنوبِ، لذا حذَّرَ الحَبيبُ - صلى الله عليه وسلم - أمَّتَه من جميعِ أنواعِ الغِشِّ، مهما تعدَّدَت صُوره، واختلَفَت أشكالُهُ.
حذَّرَهم بلفظٍ رادعٍ من الولوغِ في حِياضِ الغِشِّ، وبلفظٍ حاجزٍ من الوقوعِ في هذه الخَصلةِ العفِنَة؛ يقول - صلى الله عليه وسلم -: «من غشَّنَا فليس منَّا». وفي لفظٍ: «من غشَّ فليس منَّا»؛ رواه مسلم.
بل إنه - ولحِرصِه - صلى الله عليه وسلم - على أمَّته لم يكتفِ بهذا التحريمِ العام والنهيِ الشاملِ لكافَّةِ أنواعِ الغِشِّ؛ بل حذَّرَ أمتَهُ من الغِشِّ في تصرُّفاتٍ خاصَّةٍ لكثرةِ وقوعِها، وعُمومِ بلوَاها، وشِدَّةِ خطَرِها:
ففي بابِ الولاياتِ والوظائف؛ يُحذِّرُ - صلى الله عليه وسلم - مَن قلَّدَه الله شيئًا من أمورِهم، واسترعَاه عليهم، ونصَّبَه لمصالِحهم، حذَّرَه أن يغُشَّهم، أو أن يخُونَهم، أو أن يتهاوَنَ في الاجتِهادِ لحفظِ مصالِحِهم الدينيَّةِ والدنيويَّةِ وتحقيقِها.
قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من والٍ يسترعِيهِ الله - جل وعلا - على رعيَّةٍ ثم يموتُ وهو غاشٌّ لرعيَّته إلا حرَّمَه الله على الجنةِ». وفي لفظٍ: «ما من عبدٍ يسترعِيهِ اللهُ رعيَّةً فلم يُحِطها بنُصحِه إلا لم يدخُل الجنةَ معهم».
أيها المسلمون:
وفي مجالات التعامُلات المالية؛ كالبيعِ والشراءِ والإجارةِ ونحوها، ينهَى الإسلامُ عن الغِشِّ نهيًا قاطِعًا؛ يقول الله - جل وعلا -: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ[البقرة: 188]، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «المُسلمُ أخو المُسلمِ، لا يحِلُّ لمُسلمٍ أن يبيعَ بيعًا لأخيهِ يعلمُ أن فيه عيبًا إلا بيَّنَه له»؛ والحديثُ رواه ابنُ ماجه، وحسَّنَه ابنُ حجرٍ.
بل بلَغَت عنايةُ الشريعةِ الإسلامية في منعِ الغِشِّ ومُحاربَتِهِ أن حرَّمَت كلَّ بديئةٍ يتحقَّقُ معها الغِشُّ، ولو لم يكُن هذا التصرُّف من البائعِ أو المُشترِي؛ فيقول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان -: «ولا تَناجشُوا». والنَّجْشُ: هو أن يزيدَ أحدٌ في ثمنِ السلعةِ وهو لا يريدُ شِراءَها، إنما يُريدُ رفعَ السعرِ لينفعَ البائِعَ أو يضُرَّ المُشترِي.

إخوة الإسلام:
ألا وإن أشدَّ صُور الغِشِّ خُطورةً على المُسلمين وأسوأ عاقبةٍ في حياتِهم: ما يفعلُه بعضُ المُقاولين في المشروعاتِ الحكوميَّةِ العامة، أو في المشروعاتِ الخاصَّة التي تعودُ للمُواطنين، التي يظهرُ الغِشُّ فيها جلِيًّا بعد تنفيذِها، فذلكم فعلٌ مُحرَّمٌ، وإفسادٌ في الأرض، وخِيانةٌ لوليِّ الأمرِ، ولمُجتمع المسلمين.
ويقول - صلى الله عليه وسلم - في مثلِ ذلك: «لكلِّ غادرٍ لواءٌ يوم القيامة، يُقال: هذه غَدرةُ فلان»؛ مُتفق عليه.
واعلمَ - يا أيها المسؤول - أن المشاريعَ الحُكوميَّةَ التي تدخُلُ تحت مسؤوليةِ وزارتِك أو إدارتِك أن هذه أمانةٌ في عُنقِكَ، أنت مُستأمنٌ على مُتابعةِ هذه المشاريعِ مُتابعةً دقيقةً بكلِّ حرصٍ وإخلاصٍ وصدقٍ وعنايةٍ، فأيُّ إهمالٍ أو تفريطٍ في ذلك، فهو غِشٌّ عظيمٌ للمُسلمين ولوليِّ أمرِهم الذي استأمَنَك على هذه المسؤولية.
فيا مَن يُريدُ نجاةَ نفسِهِ وفلاحَ دُنياه وأُخراه! التزِم الصدقَ في تعامُلاتك، والبيانَ والوُضوحَ في أعمالِك، والإتقانَ فيما تقومُ به من أعمالٍ.
تجنَّب بخسَ الحقوقِ، وانأ بنفسِك عن كلِّ غِشٍّ وتدليسٍ ونحوِ ذلك تكن برًّا تقيًّا نقيًّا سليمًا، فرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - دخلَ يومًا السوقَ، فقال: «يا معشرَ التجَّار!». فرفعَ التجَّار أبصارَهم، ثم قال لهم: «يا معشرَ التجَّار! إن التجَّار يوم القيامة يُبعَثون فُجَّارًا إلا من برَّ وصدَقَ»؛ والحديثُ رواه الترمذيُّ، وقال: "حسنٌ صحيحٌ"، وحسَّنه بعضُ أهل العلمِ.
فاتقوا الله - أيها المسلمون -؛ فبِتقواه في كلِّ حالٍ تصلُحُ أحوالُنا، وتسعَدُ حياتُنا، ويَطيبُ عيشُنا.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
أحمدُ ربِّي وأشكُرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.
أيها المسلمون:
إن تحريمَ الغِشِّ والخِيانة، والنهيَ عن التدليسِ الخِداع لا يقتصِرُ على بيعٍ أو شِراءٍ أو تعامُلٍ تجاريٍّ؛ بل يشملُ كلَّ غِشٍّ يكون للمُسلمين في حياتِهم وفي جميعِ مصالِحِهم؛ فمن الغِشِّ: غِشُّ الكلمة الكاذِبة التي تُنشرُ في الإعلام، وكذا كلُّ مقالٍ يدعُو إلى إفسادِ الأديانِ أو الأخلاقِ أو الأعراضِ.
ومن أعظمِ الغِشِّ: ما يُنشَرُ في بعضِ الفضائيَّات؛ من دعواتٍ للرذيلةِ، ونشرٍ لأسبابِ الإجرام، ونبذِ الفضيلةِ.
كما أن من الغِشِّ: إصدارُ الفتاوى استِنادًا لرأيٍ فقهيٍّ مُجرَّدٍ، مع وُضوحِ مُخالفةِ هذا الرأيِ للدليلِ الصحيحِ الصريحِ من القُرآن أو السنةِ، وإنما لمُجرَّدِ تعصُّبٍ مذهبيٍّ لا يتحقَّقُ مع دليلٍ شرعيٍّ ولا مع مقصدٍ مرعيٍّ.
وإن من أقبحِ الغِشِّ: الغِشُّ فيما ولاَّك اللهُ - جل وعلا -، ثم ولاَّك وليُّ الأمرِ من وظيفةٍ حينما تستغِلُّها في تقديمِ غيرِ الكُفءِ على الكُفءِ، في أي نوعٍ من أنواعِ التقديم؛ في ترقيةٍ، أو ابتِداءِ توظيفٍ، أو توليةٍ، أو نحوِ ذلك.
ويقبُحُ ذلك: إذا كان هذا لمصالحَ ذاتيَّة، ومنافِعَ شخصيَّة، أو عُنصريةٍ أو نسَبيَّة أو مُليميَّة، مما لا يستقيمُ مع شرعِ اللهِ - جل وعلا - ولا مع المقاصدِ التي أرادها وليُّ الأمر في بلادِ المُسلمين.
ألا وإن أفضلَ الأعمالِ: الصلاةُ والسلامُ على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديِّين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن جميعِ الصحابةِ وآلِ بيتِ النبي - صلى الله عليه وسلم –، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم اكفِنا شرَّهم بما تشاءُ وأنت السميعُ العليمُ.
اللهم من أرادَنا أو أرادَ أحدًا من المسلمين بسوءٍ فأشغِله في نفسه، واجعل تدبيرَه في تدميرِه يا رب العالمين.
اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم فرِّج هُمومَهم، اللهم اكشِف كُرُباتِهم، اللهم اكشِف كُرُباتهم، اللهم نفِّس غمَّهم يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألُك يا حيُّ يا قيُّوم أن ُتولِّي على المُسلمين خِيارَهم، اللهم واكفِهم شِرَارَهم، اللهم واكفِهم شِرَارَهم بما شِئتَ وأنت السميعُ العليمُ يا قويُّ يا عزيزُ.
اللهم وفّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين لما تُحبُّه وترضاه، اللهم وفّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين لما تُحبُّ وترضى، اللهم كُن له عونًا ونصيرًا على الحقِّ والبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ونائبَه إلى ما فيه صلاحُ البلاد والعباد، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المُسلمين.
اللهم يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم يا حيُّ يا قيُّوم، نسألُك أن تُفرِّحَ قُلوبَنا بنصرِ المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم فرِّح قلوبَ المؤمنين بنصرِ المُسلمين في كلِّ مكانٍ، اللهم فرِّح قلوبَنا بإظهارِ أنوارِ السنَّةِ في كل مكانٍ يا أرحمَ الراحمين.
اللهم اغفِر للمؤمنين والمؤمنات، والمُسلمين والمُسلمات، الأحياءِ منهم والأموات.
اللهم إنك غنيٌّ حميدٌ، اللهم فأسقِنا، اللهم فأسقِنا، اللهم فأسقِنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم ارحم ضعفَنا، اللهم ارحَم ضعفَنا، اللهم اجبُر كسرَنا بالمطرِ والغيثِ، اللهم اجبُر كسرَنا بالمطرِ والغيثِ.
اللهم لا تُؤاخِذنا بذنوبِنا، اللهم لا تُؤاخِذنا بذنوبِنا، اللهم آمِنَّا برحمتك وفضلِك، اللهم آمِنَّا برحمتك وفضلِك، اللهم آمِنَّا برحمتك وفضلِك.
عباد الله:
اذكُروا اللهَ ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً.
وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 01-06-2012, 10:04 PM   رقم المشاركة : 52
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية العضو

مزاجي:










ابوحاتم غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الجزاء من جنسِ العمل
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 5/2/1433هـ بعنوان: "الجزاء من جنسِ العمل"، والتي تحدَّث فيها عن العبدِ إذا عملَ عملاً صالحًا أثابَه الله عليه في الدنيا والآخرة، وإذا أساءَ نالَ عقابَه في الدنيا والآخرة؛ فإن الجزاءَ من جنسِ العمل، وكما يدينُ المرءُ يُدان.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فالتقوى في مُخالفةِ الهوى، والشقاءُ في مُجانَبةِ الهُدى.
أيها المسلمون:
خلقَ اللهُ الخلقَ لعبادتِهِ وأمرَهم بالإحسانِ إلى خلقِهِ، وهو - سبحانه - مُهيمِنٌ على عبادِهِ، رقيبٌ عليهم، مُطَّلِعٌ على أحوالِهم، وإذا عمِلَ المُسلمُ عملاً صالحًا أثابَه عليه في الآخرة وأذاقَه آثارَ عملِهِ في الدنيا؛ قال - سبحانه -: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[النحل: 97].
وغيرُ المُسلِم حرَّم الله عليه الجنةَ، ويُزادُ عليه العذابُ في النار بما زادَ من ذنوبٍ على الشركِ؛ قال - سبحانه -: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ[النحل: 88].
وإذا عمِلَ غيرُ المُسلِم عملاً فيه صلاحٌ لم يقَع في ميزانِ آخرتِهِ منه شيءٌ، إنما يُكافَأُ عليه في الدنيا؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن الكافرَ إذا عمِلَ حسنةً أُطعِمَ بها طُعمةً من الدنيا». وفي روايةٍ: «حتى إذا أفضَى إلى الآخرةِ لم تكن له حسنةٌ يُجزَى بها، وأما المؤمنُ فإن اللهَ يدَّخِرُ له حسناتِهِ في الآخرة، ويُعقِبُه رِزقًا في الدنيا على طاعتِهِ»؛ رواه مسلمٌ.
قال النووي - رحمه الله -: "أجمعَ العُلماء على أن الكافِرَ الذي ماتَ على كُفره لا ثوابَ له في الآخرة، ولا يُجازَى فيها بشيءٍ من عملِهِ في الدنيا مُتقرِّبًا به إلى اللهِ، ويُطعَم في الدنيا بما عمِلَه من الحسناتِ مُتقرِّبًا به إلى اللهِ مما لا يفتقِرُ صِحَّتُه إلى النيةِ؛ كصِلَةِ الرَّحِمِ، والضيافةِ، وتسهيلِ الخيراتِ، ونحوها".
والله - سبحانه - شكورٌ مَن عامَلَه بالطاعةِ زادَ له في العطاءِ، وهو - سبحانه - قويٌّ قهَّارٌ مَن بارزَه بالمعصيةِ عُوقِبَ من جنسِ فعلِهِ، وما يعفُو عنه الربُّ أكثر، كما قال - سبحانه -: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[الشورى: 30].
والجزاءُ من جنسِ العملِ في الثوابِ والعقابِ في التعامُلِ مع الخالقِ والمخلوقِ؛ فمن أفعالِ اللهِ في الثوابِ: أنه يُجازِي على الإحسانِ، وإحسانُهُ فوق كلِّ إحسانٍ، فمن صدقَ مع الله في إخلاصِ الأعمال له أعطاه الله على حسبِ صِدقِهِ معه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن تصدُقِ اللهَ يصدُقْك»؛ رواه النسائي.
ومن وفَى بعهُودِ اللهِ بالوقوفِ عند حُدودِهِ وفَى اللهُ بعهُودِهِ إليه بالعطاءِ والثوابِ؛ قال - عز وجل -: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ[البقرة: 40]، ومن حفِظَ اللهَ بطاعتِهِ واجتنابِ معاصيهِ حفِظَه اللهُ في دينِهِ ودُنياه؛ «احفَظ اللهَ يحفَظْك».
ومن زادَ في الطاعةِ قرُبَ اللهُ منه قُربًا يليقُ بجلالهِ وعظمتِهِ، وكلما زادَ العبدُ في الطاعةِ زادَ منه في القُربِ؛ قال - عز وجل - في الحديثِ القُدُسيِّ: «وإن تقرَّبَ إليَّ بشبرٍ تقرَّبتُ إليه ذِراعًا، وإن تقرَّبَ إليَّ ذِراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا، وإن أتاني يمشِي أتيتُهُ هَروَلَة»؛ متفق عليه.
ومن ذكَرَ ربَّه ذكرَهُ الله في السماء، ومن ذكَرَ الربَّ عند الناسِ بموعظةٍ أو تعليمٍ أو مدحٍ لله ولدينِهِ ونحوِ ذلك ذكَرَه الله عند ملائكتِهِ بالثناءِ عليه؛ قال - عز وجل - في الحديثِ القُدُسيِّ: «أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكَرَني، فإن ذكَرَني في نفسِهِ ذكرتُهُ في نفسي، وإن ذكَرَني في ملأٍ ذكرتُهُ في ملأٍ خيرٍ منهم»؛ متفق عليه.
ومن أوَى إلى اللهِ والتَجَأَ إليه آواه وكفَاه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ألا أُخبِرُكم عن النَّفَر الثلاثة؟ أما أحدُهُم فأوَى إلى اللهِ فآواهُ الله، وأما الآخرُ فاستحيَا فاستحيَا اللهُ منه، وأما الآخرُ فأعرَضَ فأعرضَ اللهُ عنه»؛ متفق عليه.
ومن تركَ شيئًا لله عوَّضَه الله خيرًا مما ترَكَه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إنك لن تدَعَ شيئًا لله - عز وجل - إلا بدَّلَك اللهُ به ما هو خيرٌ لك منه»؛ رواه أحمد.
ومن نصرَ اللهَ بفعلِ أسبابِ النصرِ نصرَه الله وأيَّدَه؛ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ[محمد: 7].
ومن أحبَّ لقاءَ اللهِ أحبَّ اللهُ لقاءَه، ومن كرِهَ لقاءَ الله كرِهَ الله لقاءَه، ومن عمِلَ حسنةً ضاعَفَها له أضعافًا كثيرةً، وجازاه بجنَّةٍ لا تخطُرُ على قلبِ بشر.
ومن أفعال الله في العقابِ:
أن من عمِلَ ذنبًا عُوقِبَ بمثلِ عملِهِ، فمن تركَ توحيدَ الله زالَت عنه ولايةُ الله وحِفظُهُ؛ قال - عز وجل - في الحديثِ القُدسيِّ: «من عمِلَ عملاً أشركَ فيه معي غيري تركتُه وشركَه»؛ رواه مسلم.
ومن صرفَ شيئًا من أنواعِ العبادةِ لغيرهِ بالرياء أو السُّمعة أظهَرَ الله حقيقتَهُ للناسِ بأنه غيرُ مُخلِصٍ لله؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من سمَّعَ سمَّعَ اللهُ به، ومن يُرائِي يُرائِي اللهُ به»؛ متفق عليه.
ومن علَّقَ قلبَه بغير اللهِ لم تتحقَّق مُناه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من تعلَّقَ شيئًا وُكِلَ إليه»؛ رواه الترمذي.
قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -: "وما رجَا أحدٌ مخلوقًا أو توكَّلَ عليه إلا خابَ ظنُّهُ فيه".
والإيمانُ بالقضاءِ والقدَر ركنٌ من أركانِ الدين، من رضِيَ به رضِيَ اللهُ عنه، ومن لم يرضَ به سخِطَ اللهُ عليه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن اللهَ تعالى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهُم، فمن رضِيَ فله الرضا، ومن سخِطَ فله السخَط»؛ رواه الترمذي.
ومن نسِيَ اللهَ بتركِ طاعتِهِ نسِيَه الله بعدمِ تفريجِ كُروبِهِ، وزوالِ هُمُومِهِ، وغير ذلك؛ قال - سبحانه -: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ[التوبة: 67].
ومن ظنَّ أنه يُخادِعُ الربَّ في أفعالِهِ خادَعَه الله باستِدراجهِ؛ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ[النساء: 142]، ومن مكَرَ في فعلِ السيئاتِ مكَرَ الله به من حيثُ لا يشعُر؛ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ[الأنفال: 30]، ومن زاغَ عن طاعةِ الله أزاغَ اللهُ قلبَه إلى المعاصي؛ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ[الصف: 5].
وكما أن للهِ أوامر وحُدودًا فللعبادِ بعضِهم مع بعضٍ واجباتٍ وحقوق، ومن عظَّمَ عبادَه المؤمنين عظَّمَه الله، ومن أهانَهم أهانَه الله.
قال ابن القيم - رحمه الله -: "ومن عامَلَ خلقَه بصفةٍ عامَلَه الله بتلك الصفةِ بعينِها في الدنيا والآخرة".
فاللهُ تعالى لعبدِهِ على حسبِ ما يكون العبدُ لخلقِهِ، وكما تدينُ تُدان، وكن كيف شئتَ فإن الله لك كما تكونُ أنت له ولعبادِهِ، وكما تعملُ مع الناسِ في إساءتهم في حقِّك يفعلُ اللهُ معك في ذنوبِك وإساءَتك.
والمُسلمُ مُعظَّمٌ عند الله في دمهِ ومالهِ وعِرضهِ؛ قال أهلُ العلم: "وليست السماوات بأعظمَ حُرمةً من المُؤمن".
ولحُرمةِ المُسلمين عند اللهِ ومكانتِهِم؛ فإن من أحسنَ إليهم أحسنَ الله إليه، ومن رحِمَهم ولطَفَ بهم أنزلَ الله عليه رحمتَه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «الراحِمون يرحمُهم الرحمن»؛ رواه أبو داود.
ومن رفقَ بعباده ويسَّر أمورَهم رفقَ الله به، ومن شقَّ عليهم شقَّ عليه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «اللهم من ولِيَ من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقُق عليه، ومن ولِيَ من أمر أمتي شيئًا فرفَقَ بهم فارفُق به»؛ رواه مسلم.
ومن أجزَلَ العطاءَ على عبادهِ أعطاه الله وأغدَقَ عليه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «قال اللهُ - عز وجل -: أنفِق أُنفِق عليك»؛ رواه البخاري.
ومن رفقَ بمُعسِرٍ أو وضعَ عنه دَينَهُ شيئًا منه كافأَه الله بتيسير وقوفِهِ في المحشَرِ وأظلَّه تحت عرشِه، ومن كان في حاجةِ أخيهِ كان الله في حاجتِه، ومن نفٍّ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَب الدنيا نفَّس الله عنه كُرُوبَه، ومن يسَّر على مُعسِرٍ وفرَّج عنه همَّه يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن أعانَ غيرَه في قضاء حاجاته كان الله عونَه في أموره.
ومن عفَّ فرْجَه عفَّت نساؤه، ومن حفِظَ لسانَه على الخلقِ صانَ ألسِنةَ الناسِ من الوقوع فيه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ومن يستعفِف يُعِفَّه الله»؛ متفق عليه.
ومن سترَ مُسلمًا وقعَ في ذنبٍ ستَرَه الله في الدنيا والآخرة، ومن أقالَ مُسلمًا زلَّتَه وعفا عنه أقالَ الله عثرتَه يوم القيامة، ومن استغنَى عما في أيدي الخلقِ أغناه الله؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ومن يستغنِ يُغنِهِ اللهُ»؛ متفق عليه.
ومن حبسَ نفسَه عن الوقوعِ في المعاصي أو على فعلِ الطاعات أو عند حُلول المصائبِ أنزلَه الله عليه الصبرِ وأعانَه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ومن يتصبَّر يُصَبِّره اللهُ»؛ متفق عليه.
والرَّحِمُ مُعلَّقةٌ بالعرشِ، فمن كان واصِلاً لرحِمِه وصلَه الله، ومن كان قاطِعًا لها قطَعَه الله.
ومن أساءَ إلى عباده عُوقِبَ بمثلِ ما أساءَ به لخلقِهِ، فمن شقَّ على عبادهِ شقَّ اللهُ عليه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ومن يُشاقِق يشقُق عليه يوم القيامة»؛ رواه البخاري.
ومن استهزأَ بعباده المؤمنين استهزَأَ الله به؛ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ[البقرة: 15]، ومن سخِرَ بهم سخِرَ الله منه؛ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ[التوبة: 79].
ومن عمِلَ معصيةً لإرضاء الناسِ لم يُحصِّل مأمولَه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ومن التمَسَ رضا الناسِ بسَخَط الله سخِطَ الله عليه وأسخَطَ عليه الناسَ»؛ رواه ابن حبان.
قال ابن القيم - رحمه الله -: "وقد استقرَّت سنةُ الله في خلقهِ شرعًا وقدرًا على مُعاقبةِ العبدِ بنقيضِ قصدِهِ؛ «ومن ادَّعَى دعوى كاذبةً ليتكثَّر بها لم يزِده الله إلا قِلَّة»؛ رواه مسلم".
ومن فتحَ على نفسهِ بابَ سُؤال الناسِ العطايا نزلَ به الفقرُ والمَسكَنَة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ولا فتحَ عبدٌ بابَ مسألةٍ إلا فتحَ الله عليه بابَ فقرٍ»؛ رواه الترمذي.
«ومن سألَ الناسَ ليكثُر مالُهُ أتى يوم القيامةِ وليس في وجهِهِ مُزعةُ لحمٍ»؛ رواه مسلم.
ومن أنفقَ على غيرهِ وأحصَى عليهم ما يبذُلُه وشدَّد عليهم فيه أحصَى الله عليه العطاءَ وضيَّقَ عليه؛ قال - عليه الصلاة والسلام - لأسماء: «أنفِقِي ولا تُحصِي فيُحصِي اللهُ عليكِ»؛ متفق عليه.
ومن أخذَ أموالَ الناسِ وصدَقَت نيَّتُه في أدائِها أدَّى اللهُ عنه، ومن أخذَها وهو ناوٍ عدمَ أدائِها أتلَفَه الله.
ومن ضارَّ الناسَ وآذاهم أضرَّ الله به؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من ضارَّ أضرَّ الله به»؛ رواه أبو داود.
والذنوبُ لها عقوباتٌ مُماثلَةٌ في الآخرة؛ فمن تعجَّلَ لذَّةً مُحرَّمةً عليه في الدنيا حرُمَ نعيمُه في الآخرة، فمن شرِبَ الخمرَ في الدنيا لم يشرَبها في الآخرة، ومن لبِسَ الحريرَ في الدنيا لم يلبَسْه في الآخرة، ومن أعمَى قلبَه في الدنيا أُعمِيَ بصرُه في المحشَرِ يوم القيامة؛ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى[الإسراء: 72].
والمُغتابُ مزَّقَ الأعراضَ بلسانِهِ في الدنيا، ويوم القيامة يُجازَى بخمشِ وجهِهِ بأظافِرَ له من نُحاسٍ يراهُ أهلُ النارِ.
«ومن استمَعَ إلى حديثِ قومٍ وهم له كارِهون صُبَّ في أُذنَيْهِ الآنُك يوم القيامة - وهو: النُّحاسُ المُذابُ -»؛ رواه البخاري.
ومن اقتطَعَ شبرًا من الأرضِ ظُلمًا طُوِّقَه يوم القيامةِ إلى سبعِ أراضين. ومن قتلَ نفسَه بشيءٍ عذَّبَه الله به يوم القيامة. ومن كانت له امرأتان فمالَ إلى إحداهما جاء يوم القيامةِ وشِقُّه مائلٌ، ومن كذبَ كذبةً شاعَ أمرُها يُشرشَرُ - أي: يُقلَبُ شِدْقُه - يوم القيامة إلى قَفاه، ومن وقعَ في الزنا أتاه لَهَبٌ من أسفلَ منه يُعذَّبُ به في النارِ، ومن أكلَ الرِّبا أُلقِمَ حجرًا في فمِهِ جزاءَ أكلِهِ أموال الناسِ.
والأعمالُ الصالحةُ يُرى أثرُها يوم القيامة؛ فمن كان من أهلِ الصلاةِ نُودِيَ من بابِ الصلاة، ومن مات مُحرِمًا بُعِث مُلبِّيًا، ومن ماتَ شهيدًا بُعِث يوم القيامة ودمُهُ يثعُبُ لونُه لونُ الدم وريحُه ريحُ المسكِ.
وأمةُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - يُبعَثون في المحشَر غُرًّا مُحجَّلين من آثار الوضوء، والمُؤذِّنون أطولُ الناسِ أعناقًا يوم القيامة.
وبعد، أيها المسلمون:
فأوامرُ الله حقٌّ، ونواهيهِ زجرٌ، ووعدُه صِدقٌ، وكما تعملُ صالحًا تُجازَى، وكما تفعلُ سيئةً تُعاقَب، وإذا أردتَ أن تعرِفَ منزلتَك في الآخرة فانظُر إلى أعمالك في الدنيا، فتزوَّد من الصالحات وسابِق إليها، واجتنِب المُحرَّمات وانأَ عنها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[فصلت: 46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 01-06-2012, 10:05 PM   رقم المشاركة : 53
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
كما تحبُّ أن يكون اللهُ لك فكُن لله تعالى، ومن أقبلَ على الله بكلِّيَّته أقبلَ الله عليه جُملةً، ومن أعرضَ عن الله بكلِّيَّته أعرضَ الله عنه جُملةً، ومن كان مع الله حينًا وحينًا كان الله له كذلك، ومن أحبَّ أن يعلمَ منزلتَه عند اللهِ فلينظُر كيف منزلةُ الله عنده؛ فإن الله يُنزِلُ العبدَ منه حيث أنزلَه من نفسِه.
ومن طلبَ لذَّة العيشِ وطِيبَه بما حرَّمَه الله عليه عاقبَه ربُّه بنقيضِ قصدِه؛ فإن ما عند الله لا يُنالُ إلا بطاعتهِ، ولم يجعل اللهُ معصيتَه سببًا إلى خيرٍ قط.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجعل ديارَهم ديارَ أمنٍ وأمانٍ يا رب العالمين، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، واصرِف عنهم الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطَن، ورُدَّهم إليك ردًّا جميلاً، واجمع كلمتَهم على الحقِّ يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك.
اللهم إنا نسألُك الإخلاصَ في القولِ والعملِ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين[الأعراف:23].
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 01-09-2012, 11:38 PM   رقم المشاركة : 54

 

الصلح خير
ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة 12/2/1433هـ بعنوان: "الصلح خير"، والتي تحدَّث فيها عن وجوب الصلح بين المُتخاصِمين من المُسلمين لا سيَّما إذا كانا زوجين.

الخطبة الأولى
الحمد لله غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ[غافر: 3]، أحمده - سبحانه - وأشكره، وأتوب إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وخيرتُه من خلقه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمة، وجعلنا على المحجَّة البيضاء ليلُها كنهارها لا يزيغُ عنها إلا هالِك، فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغُرِّ الميامين، وعلى التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن أحسن الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.
ألا وإن تقوى الله زادُ كل راجٍ، ووازعُ كل خائِف، بها يُرزقُ المرء من حيثُ لا يحتسِب، ويلوحُ له من كل همٍّ فرَج، ومن كل ضيقٍ مخرج، أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ[يونس: 62، 63].

أيها المسلمون:
إن اختلافَ الناسِ وتفاوُت مدارِكهم ورغباتهم وطبائعهم لَبعيدُ الشُّقَّة، مع أنهم من أبَوين اثنين، وهو في الحقيقة مثارُ امتحانٍ بالغِ الجَدوى، كما قال - سبحانه -: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا[الفرقان: 20].
ثم إن في الناسِ الحليمَ المُتأنِّي المُحتفظَ برجاحة الفِكرِ وسماحة الخُلُق، فلا يحمَى من قليلٍ يسمعُه فيُوقِعُه في كثيرٍ يكرهُه.
وإن في الناسِ الطائشَ الأهوَج، والغِرَّ المأفون، وضيِّقَ العَطَن الذي تستخِفُّه التوافِه فيحمَقُ على عجَلٍ، ويكونُ لسانُه وفعلُه قبل قلبه وعقله.
والمؤمنُ الكبيرُ من هؤلاء إنما هو مُصلِحٌ عظيم، يجمعُ ولا يفرِّق، ويصلِح ولا يُفسِد، ويُفيضُ من أناته على ذوي النَّزَق والشِّقاق حتى يُلجِئَهم إلى الخيرِ إلجاءً، فيُطلِقُ الناسُ ألسنتَهم له بالدعاء والثناء الحسَن لكونه مُصلِحًا بين الفُرَقاء.
إن التعارُف والتوادَّ بين الناسِ ضَربان خاصَّان من المحبَّة في النفس ليس لهما في الأنواع ضَريب، فهما اللذان يلتقي بهما بشَران يُتمِّمُ كلٌّ منهما الآخر.
والناظرُ في واقعِ الناس اليوم سيجِدُ ثُلمةً تخدِشُ صفاءَ المودَّة والإخاء تظهَرُ في الهوى المُتَّبع، والشُّحِّ المُطاع، وإعجابِ كلِّ رأيٍ برأيه، فضربَ الاستحكامُ بالألفاظِ بأطنابِه ليركُز خيمةَ الخُصومة والتدابُر، فلم يُفرِّق لسانُ بعضهم وقلمُه بين العالِم والجاهِل، ولا بين ذي السلطان والسُّوقَة.
وصارَ منطِقُ بعضِ عُشَاق القلَم ينحَى منحَى الأهوَج الأول: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى[غافر: 29]، فطاشَت ضوابطُ السلوك عندهم، وكثُرت زلاَّتُهم فأحدَثَت شُرُوخًا يستفحِلُ رأبُها، ويستعصِي على المُصلِحين الإمساكُ بها خليّةً من الخِطام والزِّمام، فانهارَت أمانةُ الكلمة، وتلاشَت الثقةُ العزيزة، وتصدَّعَت الأخُوَّة، فلم يبرُز في الساحة إلا الإِحَن وسُوءُ الظنِّ، وصار وقعُ الألسُن أشدُّ من وقعِ الحُسام المُهنَّد.
ولا غَروَ - عباد الله -:
فإن النارَ بالعيدان تُذكَى
وإن الحربَ مبدؤُها كلامُ
ولقد صدَقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: «إن الشيطانَ قد أيِسَ أن يعبُده المُصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريشِ بينهم»؛ رواه مسلم.
وعند هذه الخُصومات والنزاعات يُحمَدُ الصُّلح، ورأبُ الصدعِ، وجمعُ الكلمة، وإذا كان الخلافُ شرًّا والنزاعُ والخصومةُ معرَّةً؛ فإن الصّلحَ والتصالح رحمةٌ، وجمعُ فُرقةٍ وسدُّ ثُلْمة.
وإذا كان الخلافُ سنَّةً من الله - جل وعلا - في الخلقِ، كما في قوله: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ[هود: 118]، فإنه - سبحانه - استثنَى من أولئك من أسبغَ عليهم رحمتَه فقال: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ[هود: 119]، فالخُصومةُ بلاءٌ والصُّلحُ رحمةٌ، والصُّلحُ والتصالُح ما وقع في أمةٍ إلا زانَها، ولا نزِع من أمةٍ إلا شانَها.
الصُّلحُ نهجُ قويم، ومنارٌ لكلِّ تائهٍ في مهامِهِ الخُصومةِ، الصُّلحُ جائزٌ بين المسلمين في الحقوق، وواجبٌ لنزعِ فتيلِ التباغُض والتدابُر، به يقرُبُ البعيد، ويتَّسِعُ المضيق.
بالصُّلح تُهزَمُ الأنانية، وينتصِرُ الإيثار، والصُّلحُ برُمَّته قال عنه - سبحانه -: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ[النساء: 128]، وقال عنه: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[الأنفال: 1]، وقال عنه: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ[النساء: 114]، وقال عنه - سبحانه -: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا[الحجرات: 9]، وقال عنه - جل وعلا -: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ[الحجرات: 10].
وإنه لا يُعرفُ في الوجودِ البشريِ مُصلِحٌ عزيزٌ عليه ما عنِتنا حريصٌ علينا بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ مثلُ النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فهو المُصلِحُ بين القبائل والطوائِف، وهو المُصلِحُ بين الأفراد والمُجتمعات، وهو المُصلِحُ بين الزوجين، والمُصلِحُ بين المُتداينَيْن، والمُصلِحُ في الأموال والدماء والأعراض؛ كيف لا وهو الذي يقول: «ألا أُخبِركم بأفضلِ من درجةِ الصيامِ والصلاة والصدقة؟». قالوا: بلى، قال: «صلاحُ ذات البَيْن؛ فإن فساد ذات البَيْن هي الحَالِقة»؛ رواه أبو داود، والترمذي.
وعن سهل بن سعدٍ - رضي الله عنه - أن أهل قُباء اقتَتلوا حتى ترامَوا بالحجارة، فأخبرَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال: «اذهبُوا بنا نُصلِح بينهم»؛ رواه البخاري.
وبئسَ الخَصمان اللذان يستكبِران أن يُصلِح بينهما رسولُ الهدى - صلوات الله وسلامه عليه -، والله - جل وعلا - يقول: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساء: 65].
وبعدُ، يا رعاكم الله:
فإن الصُّلح سببُ المودة ومحوٌ للقطيعة، والصُّلحُ قد يكون خيرًا من فضِّ الخُصومة قضائيًّا؛ لِما يُورِثُه من الشحناء من خلال ثُبوت الحُكم لأحد المُتخاصِمَين دون الآخر.
وقد كتبَ عمرُ بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - إلى أبي موسى الأشعري يقول له: "رُدَّ الخُصوم حتى يصطلِحوا؛ فإن فصلَ القضاء يُورِثُ بينهم الضَّغانة".
في الصُّلح - عباد الله - إذكاءٌ لخصلة العفو والتسامُح، وهو علامةُ التماسُك الاجتماعيِّ المحمود.
بالصُّلح تقِلُّ المُحاكَمات، ويُقضَى على الأزمات.
بالصُّلح يُرفعُ الفهمُ الخاطِئ بإحلالِ الفهمِ الصحيحِ.
وبالصُّلح يعظُمُ الأجرُ، ويُمحَى الوِزر.
بالصُّلح بين المُتخاصِمَين يصلُح حالُ الأسرة التي يصلُح بسببها المُجتمع، ثم الأمةُ بأسرِها.
ولن يتأتَّى ذلك كلُّه إلا إذا وُجِد العزمُ الصادقُ، والنيةُ الخالصةُ في الإصلاح من قِبَل المُصلِح والمُتخاصِمَيْن جميعًا؛ لأن الله - جل وعلا - علَّق تمام التوفيق في الإصلاح بحُسن الإرادة، كما قال - سبحانه -: إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا[النساء: 35]، ومفهومُ المُخالفة في ذلك: أنه إذا لم تكن إرادةُ الإصلاح حاضرةً لدى المُصلِح والمُتخاصِمين فشتَّان ما بينهم وبين التوفيق.
وقد تقدَّم للحسن البصري - رحمه الله - خصمان من ثقيفٍ، فقال الحسن: "وأنتما أيضًا في أسنانكما وقرابتكما تختصِمان؟!". فقالا: يا أبا سعيد! إنما أردنا الصُّلح. قال: "نعم إذًا، فتكلَّما"، فوثَبَ كلُّ واحدٍ منهما على صاحبه بالتكذيب، فقال الحسن: "كذبتُما وربِّ الكعبة، ما الصُّلح أردتُما؛ لأن الله - جل وعلا - يقول: إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا[النساء: 35]".
ألا فاتقوا الله - عباد الله -، وكفى خُصوماتٍ وتدابُرًا، لا سيَّما فيما هو من تفاهات الأمور وسفسَافها، فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ[الشورى: 40].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلتُ ما قلتُ، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفَّارًا.


 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 01-09-2012, 11:39 PM   رقم المشاركة : 55

 

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
أما بعد:
فإن الأسرة المُسلِمة أصلُ المُجتمع المُسلِم، وصورة المُجتمع الكلية إنما هي ترجمان لواقعِ الأُسرة، فإذا دبَّ في الأسرة روحُ الخِلافِ والتنازُع والخُصومة؛ فإن التشتُّت لها وللمُجتمع ما منه بُدٌّ، ويتأكَّد الأمرُ في حق الزوجين؛ لأنهما أُسُّ الأسرة.
ثم إن المُترقِّب لواقعِ مُجتمعه ليرى بعين قلبه ورأسه ما تُعانيه الحياةُ الزوجية من تفكُّك لدى كثيرٍ من الأزواج، كلُّ ذلك لأتفه الأسباب؛ فقد تُطلَّقُ المرأةُ في نُقصان مِلحٍ أو قفل بابٍ، فتُطلَّقُ حينها عدد نجوم السماء؛ حيث أعمِلَت السلطة، وأُهمِلَت الحكمةُ والعاطفة، والعكسُ صحيحٌ أيضًا.
وربما كان لتدخُّل الأهل والأقارب إذكاءٌ لروح الخلاف والخِصام، فتُؤتَى البيوتُ من ظهورها، ويُنزَع سِتارُها، ويهتَكُ حجابُها.
ومن المعلوم بداهةٍ: أن الله - سبحانه وتعالى - لم يخلُق الزوجين بطباعٍ واحدةٍ، ومن يظنُّ ذلك فهو يعيشُ في أوهام؛ لأنه لا يمكن البتَّة أن يُفكِّر أحدُهما بعقلِ الآخر أو يُحِسَّ بقلبِ الآخر، فكلٌّ له عقلٌ يُفكِّرُ به، وقلبٌ يُحِسُّ به.
ثم إن ارتِقاب الراحة التامة المُطلَقة بين الزوجين إنما هو نوعُ وهمٍ إلا من رحمَ الله، لذا كان من العقلِ توطينُ النفسِ على بعضِ المُضايقات، فالكمالُ لله وحده، وكان لِزامًا على المُجتمعات المُسلمة أيضًا أن ترعَى جانبَ الأسرة، وأن تُدرِك أن الوضعَ الأسريّ مرتعٌ خصبٌ للخلافِ والخُصومة؛ كيف لا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن إبليس يضعُ عرشَه على الماء، ثم يبعَثُ سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمُهم فتنةً، يجيءُ أحدُهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، ثم يجيءُ أحدُهم فيقول: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأته، فيُدنِيه منه ويقول: نعمَ أنت، فيلتزمُه»؛ رواه مسلم.
وقد حثَّنا دينُنا الحنيفُ على الإصلاحِ بين الأزواج ورأب صدعِ البيتِ المُسلِم حتى لا ينهار فيهتزَّ كيانُ المُجتمع برُمَّته، ولذا قال الله - سبحانه -: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا[النساء: 35]، وقال - سبحانه -: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ[النساء: 128].
ولقد كان من حرصِ الشارعِ الحكيمِ على الصُّلح ونزع فَتيلِ الخُصومة أن أباحَ شيئًا من الكذبِ في سبيلِ الإصلاح وجمعِ الكلمة؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الكذَّاب الذي يُصلِحُ بين الناس، ويقول خيرًا أو ينمِي خيرًا»؛ متفق عليه.
والمقصودُ بالكذبِ هنا: ذكرُ ما يكونُ سببًا للاجتماع وتأليفًا للقلوب، فلله! ما أجملَ الكذبِ في الإصلاح، ولله! ما أقبحَ الصدقَ في الإفساد، ولله! ما أقبحَ الرجل حلو اللسان خرابَ الجَنان قلبُه أمرُّ من الصَّبِر، قال الله عنه وعن أمثاله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ[البقرة: 204- 206].
هذا وصلُّوا - رحمكم الله - على خيرِ البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله بن عبد المُطلب، صاحبِ الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسِه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون -، فقال - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب : 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد صاحبِ الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعن التابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشرك والمُشركين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدينَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألُك من خيرِ ما سألَكَ منه عبدُك ورسولُك محمد - صلى الله عليه وسلم -، ونعوذُ بك من شر ما استعاذك منه عبدُك ورسولُك محمد - صلى الله عليه وسلم -، اللهم إنا نسألك من الخير كلِّه، عاجلِه وآجلِه، ما علِمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كلِّه، عاجلِه وآجلِه، ما علِمنا منه وما لم نعلم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم أصلِح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم لا تحرِمنا خيرَ ما عندك بشرِّ ما عندنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعل ما أنزلتَه علينا بلاغًا لنا ومتاعًا إلى حين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربِّنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-23-2012, 11:14 PM   رقم المشاركة : 56
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

نعمة الأمن وخطورة فقده

ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 19/2/1433هـ بعنوان: "نعمة الأمن وخطورة فقده"، والتي تحدَّث فيها عن نعم الله لا تُحصَى، ومن أعظمها: نعمة الأمن والاستقرار، وذكر أسباب تحقيق الأمن، والنتائج المُترتِّبة على ذلك، وأسباب فُقدانه في كثيرٍ من بُلدان المُسلمين، ووجَّه النصائحَ القيِّمة لشباب الأمة، وذوي المسؤوليات، والتجار وغيرهم، بوجوب الحفاظِ على الأمن وعدم التسبُّب في زعزعته أو الإخلال به.


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أنعمَ علينا بنعمٍ لا تُحصَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ الأعلى، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبيُّ المُصطفى والرسولُ المُجتبَى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ أهلِ البرِّ والتقوى.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فمن اتقاه وقاه وأسعدَه ولا أشقاه.
معاشر المسلمين:
الأمنُ من أهمِّ مطالبِ الحياة، بها تتحقَّقُ الحياةُ السعيدةُ، وبه يحصُل الاطمئنانُ والاستِقرار، به تتحقَّقُ السلامةُ من الفتن والشُّرور، لذا فهو نعمةٌ كُبرى ومنَّةٌ عظيمةٌ لا يعرِفُ كبيرَ مقدارِها وعظيمَ أهميتها إلا من اكتوَى بنار فقدِ الأمن، فوقعَ في الخوف والقلق والذُّعر والاضطراب ليلاً ونهارًا، سفرًا وحضرًا.
أيها المسلمون:
نعم، إن الأمن نعمةٌ عظيمةٌ امتنَّ الله بها على أقوام، فيقول - جل وعلا -: سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ[سبأ: 18].
ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من أصبحَ آمنًا في سِربه، مُعافًى في جسده، عنده قُوتُ يومه، فكأنما حِيزَت له الدنيا»؛ رواه الترمذي، والبخاري في "الأدب المفرد".
معاشر المسلمين:
إذا اختلَّ نظامُ الأمن وتزَعزَعت أركانُه وقعَ المُجتمع في الفتن العريضة والشرور المُستطيرة، وكثُرت حينئذٍ الجرائمُ الشنعاء، والأعمال النَّكراء، لذا حرَّم الإسلامُ كلَّ فعلٍ يعبَثُ بالأمن والاطمئنان والاستِقرار، وحذَّر من أيِّ عملٍ يبُثُّ الخوفَ والرعبَ والاضطراب.
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحلُّ لمُسلمٍ أن يُروِّع مُسلمًا»؛ رواه أحمد، وأبو داود.
بل ولقد بلغَت عنايةُ الإسلام بالحِفاظ على الأمن بأن حرَّم كلَّ ما يُؤذِي المُسلمين في طُرقهم وأسواقِهم ومواضع حاجاتهم.
يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مرَّ أحدُكم في مساجِدنا أو أسواقنا ومعه نَبلٌ فليُمسِك بنَصلها أن يُصيبَ أحدًا من المُسلمين منها بشيءٍ»؛ متفق عليه.


إخوة الإسلام:
إن من أسباب توفُّر الأمن: السمع والطاعة لوليِّ الأمر في المعروف وفيما لا معصيةَ فيه لله - جل وعلا -، فذلكم أصلٌ من أصول الدين، وبهذا الأصل تنتظِمُ مصالحُ الدارَين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[النساء: 59].
وفي الشأن ذاتِه من أسباب توفُّر الأمن: أن يحرِصَ وليُّ الأمر على أداء مهمَّته التي كلَّفه الله - جل وعلا - بها من تحقيق العدل في رعيَّته، ومُحاربة الفساد بشتَّى مجالاته، والأخذ على أيدي السُّفهاء، ورَدع المُجرمين والمُفسدين.
ومن أسباب تحقيق الأمن: التناصُح والتراحُم فيما بين الراعي والرعيَّة، والتعاوُن على وفق المنهَج النبويِّ المُؤصَّل على الإخلاص لله - جل وعلا -، والتعاوُن على الحق الذي لا يحدُوه إلا خوفُ الله - جل وعلا -، مع مراعاة مبادئ الرِّفق والحكمة واللُّطف بما يجمَعُ الكلمةَ، ويُوحِّدُ الصفَّ، ويُؤلِّفُ القلوبَ.
إنه التناصُح الذي يجلِبُ المصالحَ، ويدرأُ المفاسِد بكلامٍ طيبٍ وأسلوبٍ حسنٍ وتوجيهٍ سديدٍ، يقودُ الجميعَ إلى الخير والصلاح والازدهار، وينأَى بالناس عن التفرُّق والتشتُّت والعبَث والفوضَى، ومن أخلصَ وكان مع الله جعله الله مفتاحًا لكل خيرٍ، مِغلاقًا لكلِّ شرٍّ، والأعمالُ بالنيَّات.
أيها المسلمون:
من نعمة الله - جل وعلا - علينا في هذه البلاد ما منَّ به من نعمٍ كثيرةٍ؛ منها: نعمةُ الأمن الوافِر، وذلك بسبب قيام هذه الدولة في أطوارها المُختلفة الثلاثة على نُصرة عقيدة التوحيد، وعلى قيامها على الدعوة السلفية، وإلا فالناسُ قبلُ كانوا في خوفٍ ورعبٍ وتشتُّتٍ لا يُنكِرُه إلا مُكابِر.
نعم، إنها الدعوةُ السلفيةُ التي رسمَها محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، دعوةٌ تنتهِجُ القرآنَ الكريمَ والسنةَ النبويةَ منهجًا ودستورًا، حتى صارَت هذه الدولةُ بسبب هذا الأمر تتصدَّرُ المكانةَ العُليا والمنزلةَ الأسمَى.
فما واجبُنا نحو تلك النِّعَم؟ خاصَّةً نعمة الدين، نعمة تحكيم القرآن والسنة في القضاء، نعمة إقامة عقيدة التوحيد.
واجبُ كل مواطِن: أن يشكُر نعمةَ الله - جل وعلا -، وأن يكون حريصًا أشدَّ الحرصِ على حفظِ الأمن وصونِ الاستِقرار، فذلكم واجبٌ مُعظَّم وفرضٌ مُحتَّم.
أيها الشباب:
إن الأعداءَ يتربَّصون بكم وببلادكم بأنواع المكر المُتعدِّدة؛ من نشر حرب المُخدِّرات المُهلِكة، ومن غزو الأفكار والعُقول، وبثِّ الفتن وأسباب الشرِّ والفساد.
فالحذرَ الحذرَ شبابَنا الكريم، كونوا درعًا متينًا في الحِفاظ على دينكم، والدفاع عن بلادكم الذي نشأتُم على أرضه، ونعِمتُم بخيره.
احذَروا من الدعوات التي تُهدِّدُ الأمن، وتُزعزِعُ الاستِقرارَ؛ فإن الواقعَ الذي عاشَته وتعيشُه بُلدان ممن حولنا يُذكِّرُنا بأن انفِلات الأمن أعظمُ الشرور، وأن المِحن والكُروب نتائِجُ الإخلال بالأمن، فيعودُ العمارُ خرابًا، والأمنُ سرابًا.
نسأل الله - جل وعلا - السلامة والعافية.


أيها الشباب الفاضل:
أبشِروا بالخيرات، وأمِّلوا في بلادكم وولاة أموركم تنالوا العاقبةَ الحميدة والعائِدة السعيدة، فأنتُم أولُ من يجبُ أن يكون عونًا في تحقيق الخير، وسندًا في تحصيل الرفاهية والرخاء والأمن والاطمئنان.
يا أيها الوزراء في هذه البلاد، يا أيها المسؤولون!
اتقوا الله - جل وعلا - في أنفسكم، اتقوا الله - جل وعلا - في وليِّ أمركم، قوموا بواجبِكم أمام الله - جل وعلا - وأمام وليِّ أمركم ومُجتمعكم في تنفيذ السياسة التي انتهَجها ولاةُ الأمر من أجل إسعاد المواطِن وتحقيق مصالحه.
لا تُعقِّدوا الأمور، يسِّروا ولا تُعسِّروا، بشِّروا ولا تُنفِّروا، اتقوا الله - جل وعلا -، واحرِصوا أشدَّ الحرصِ على مصالح المُجتمع ومُقدَّراته وخيراته؛ فهي أمانةٌ في أعناقكم، والله - جل وعلا - سائِلُكم عن ذلك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[الأنفال: 27].
أيها التجار:
كونوا عونًا على وحدة الصفِّ وتحقيق الاستِقرار والأمن؛ فلقد منَّ الله - جل وعلا - عليكم بنعمة التجارة في هذه البلاد، فاشكُروا الله - جل وعلا -، ثم اشكُروا لبلادكم التي رغبتُم بخيراتها، واعلَموا أن الجشعَ واستِغلال الفُرص برفع أثمان السِّلَع على إخوانكم المُسلمين، إخوانكم في الدين، إخوانِكم في الوطنية، إخوانكم في المُجتمع أن ذلك عواقِبُه وخيمة.
أنتم أولُ من تجنُون عاقبتها السيئة، بادِروا إلى تحقيق الأمن الاجتماعي بالمُبادَرة إلى أداء الزكاة التي فرَّط فيها بعضٌ، فلو أُعطِيت كما شرعَ الله - جل وعلا - لما بقِيَ في البلد فقرٌ ولا عَوَز.
عليكم بالإكثار من الصدقات، والمُساهمة في المشاريع التي تنفعُ المُجتمع، بادِروا إلى توظيف الشبابِ وبذلِ العطاء الجَزيل إزاءَ الوظائف التي يقومون بها، فذلكم واجبٌ اجتماعيٌّ، ومطلَبٌ وطنيٌّ، وفي الحديثِ: «من لا يشكُر الناسَ لا يشكُر الله».
وربُّنا - جل وعلا - يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[المائدة: 2].
أيها الشباب:
اعلموا أن الجميعَ - من حاكمٍ وعُلماء ومُثقَّفين ومُفكِرين - معكم في تحقيق الحياة الطيبة السعيدة لكم، وبلادُكم ماضيةٌ - بإذن الله - جل وعلا - تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين في تحقيق حياةٍ تكونُ أكثرَ رخاءً وأوسعَ عطاءً، فمن وجدَ من مسؤولٍ ما تقصيرًا في تنفيذ ما توجَّه إليه وليُّ أمرنا خادمُ الحرمين الشريفين ووليُّ عهده، فليحرِص على الاتصال بوُلاة الأمر ونوَّابه في سائر المناطِق؛ من أُمراء ومُحافِظين.
ناهِيك عما جعله وليُّ الأمر بابًا لتحقيق العدل ونُصرة المظلوم؛ كالمحاكمِ الإدارية، وهو ما يُسمَّى بـ "ديوان المظالم" سابقًا.
أسأل الله - جل وعلا - أن يُحقِّقَ لنا الأمنَ والأمان والاستِقرار والاطمئنان.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.




الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ الأنبياء والمُرسلين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعين.
أيها المسلمون:
الأمنُ نعمةٌ عُظمى، وفقدانُه إنما سببُه الإعراضُ عن طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، الإعراضُ عن المنهج الإسلامي الذي رسمَه لحياة الناس في دنياهم وفي أخراهم.
وإن من أعظم أسباب فقدِ الأمن: فُشُوُّ المعاصي والسيئات والمُوبِقات، يقول - سبحانه -: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[النحل: 112].
وإن من أعظم أنواع الإعراض التي بسببه دبَّت الفتنُ والقلاقِل وفُقِد الأمنُ والأمان في بعض بُلدان المُسلمين: التولِّي عن تحكيم شريعة الله - جل وعلا - التي كان يُنادي بها علماءُ المسلمين في كل مُؤتمر.
إن استِبدال شريعة الله بالقوانين الوضعية والدساتير البشرية إنما هو أعظمُ الأسباب التي بسببها دبَّ الظلمُ والقهرُ والعُدوان في بعض بلاد المسلمين، فكانت النتائجُ مُخزِية، والعواقِبُ وخيمة، فنبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «وما لم تعمل أئمتُهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسَهم بينهم»؛ رواه الببهقي، وابن ماجه.
إن هذا الحديثَ علَمٌ من أعلام النبوَّة، وإنما علينا في المُستقبل أن نعمل جاهدين على تحقيق شريعة الله - جل وعلا - في حياتنا، فبذلك تطيبُ الحياةُ، وتسعَدُ القلوبُ، وتطمئنُّ الأفئِدة، ويعيشُ الناسُ في رخاءٍ وأمنٍ وأمانٍ.

أيها المسلمون:
إن أعظمَ الأعمالِ: الصلاةُ والسلامُ على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبِنا وقُرَّة عيوننا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، اللهم ارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديِّين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم احفَظ علينا أمنَنا، اللهم احفَظ على المسلمين جميعًا أمنَهم واستِقرارَهم، اللهم احفَظ على المسلمين جميعًا أمنَهم واستِقرارَهم، اللهم احفَظ عليهم أمنَهم وأمانَهم يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم اجعلهم في رخاءٍ وسخاءٍ، اللهم اجعلهم في رخاءٍ وسخاءٍ، اللهم اجعلهم في رخاءٍ وسخاءٍ، اللهم آمِن روعاتهم، اللهم استُر عوراتهم.
اللهم احفَظ كل مسلمٍ من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ونعوذُ بعظمتك أن يُغتال من تحته.
اللهم أسعِد المُسلمين، اللهم أسعِد المُسلمين، اللهم أصلِح أحوالَهم، اللهم أصلِح أحوالَهم، اللهم أصلِح أحوالَهم، اللهم اغفِر لنا ولهم، اللهم اغفِر لنا ولهم، اللهم ارحمنا وإياهم رحمةً تُغنينا بها عمَّن سِواك يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّ وترضى، اللهم وفّقه ونائبَه لما تُحبُّ وترضى، اللهم وفِّقهما لكلِّ خيرٍ، اللهم وفِّقهما لكلِّ خيرٍ يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المُسلمين، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، اللهم واكفِهم شِرارَهم يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم يا غنيُّ يا حميد، يا غنيُّ يا حميد، يا غنيُّ يا حميد، مسَّنا الضرُّ وأنت أرحمُ الراحمين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم اسقِنا يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم اسقِنا يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم لا تمنَع عنا بذنوبِنا فضلَك، اللهم لا تمنَع عنا بذنوبِنا فضلَك، اللهم لا تمنَع عنا بذنوبِنا فضلَك.
اللهم إنا بحاجةٍ إلى المطر، اللهم إن بهائِمنا بحاجةٍ إلى المطر، اللهم ارحمنا ببهائِمنا، اللهم ارحمنا ببهائِمنا، اللهم ارحمنا ببهائِمنا.
اللهم أنت القويُّ المتين، أنت الغنيُّ الحميد، أنت الغنيُّ الحميد، أنت اللطيفُ بعبادك، اللهم الطُف بنا وبالمُسلمين، اللهم الطُف بنا وبالمُسلمين، اللهم الطُف بنا وبالمُسلمين يا حيُّ يا قيُّوم.
عباد الله:
اذكُروا اللهَ ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً.
وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-23-2012, 11:22 PM   رقم المشاركة : 57

 

اهتمام الإسلام بطهارة القلب والبدن

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 26/2/143هـ بعنوان: "اهتمام الإسلام بطهارة القلب والبدن"، والتي تحدَّث فيها عن الإسلام وعظمته ومدى اهتمامه بطهارة القلبِ والبدَن، وذكرَ الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الطهارة للقلبِ والبدَن، والوعد بعظيمِ الأجرِ للمُتطهِّرين.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فالتقوى أكرمُ ما أسررتُم، وأبهَى ما أظهرتُم.
أيها المسلمون:
دينُ الإسلام دينُ الجمال والكمال، أمرَ بطهارة القلب والبدَن، مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[المائدة: 6]، وأمر بتطهيرِ أماكن العبادة من الشرك والدَّنَس: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ[الحج: 26].
ووصفَ الله الرسلُ بنقاء القلوبِ؛ فقال عن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -: إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الصافات: 84].
وحفِظَ نبيَّنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وهو في صِغره من أدواء الصدور؛ قال أنسٌ - رضي الله عنه -: "أتَى جبريلُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يلعبُ مع الغِلمان، فأخذَه فصرَعَه فشقَّ عن قلبه فاستخرجَ القلبَ منه علَقَةً، فقال: هذا حظُّ الشيطان منك، ثم غسلَه في طستٍ من ذهبٍ بماءِ زمزم، ثم لأَمه ثم أعادَه في مكانه"؛ رواه مسلم.
ولما أُرسِل أمرَه الله بالحِفاظ على سلامةِ قلبه؛ فقال له: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ[المدثر: 4]. قال سعيدُ بن جُبيرٍ - رحمه الله -: "وقلبكَ ونيَّتك فطهِّر"، فكان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم نقِّني من الخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنَس، اللهم اغسِل خطايايَ بالماء والثلجِ والبَرَد»؛ متفق عليه.
ولما أراد الله أن يُكرِمه بالإسراء والمِعراج غسلَ قلبَه مرةً أخرى؛ إذ لا يدنُو منه - سبحانه - إلا سليمَ الصدر؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «نزلَ جبريلُ ففرَجَ صدري - أي: شقَّه -، ثم غسلَه بماء زمزَم، ثم جاء بطستٍ من ذهبٍ مُمتلئٍ حكمةٍ وإيمانًا فأفرغَها في صدري ثم أطبقَه، ثم أخذَ بيدي فعرَجَ بي إلى السماء»؛ متفق عليه.
وأثنَى على أهل القُباء بتقواهم ومُلازمتهم كمال الطهارة؛ قال - سبحانه -: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا[التوبة: 108].
والطُّهور شطرُ الإيمان، ومن تطهَّر أحبَّه الله؛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ[البقرة: 222].
ومِفتاحُ الصلاة الطُّهور، فلا يدخلُ المُصلِّي في صلاته حتى يتطهَّر.

وجعل - سبحانه - الدخول إلى الجنةِ موقوفًا على الطِّيب والطهارة، فلا يدخلُها إلا طيبٌ طاهرٌ؛ قال تعالى: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ[الزمر: 73]، فمن تطهَّر في الدنيا ولقِيَ اللهَ طاهِرًا دخلَ الجنة، ومن لم يتطهَّر في الدنيا فإن كانت طهارتُه معدومةً كالكافرِ لم يدخُلها بحالٍ، وإن كانت نجاستُه كسبيَّةً عارِضةً وشاء اللهُ عذابَه دخلَها بعدما يتطهَّر في النار من تلك النجاسةِ ثم يخرُج منها.
وأهلُ الإيمان إذا جازوا الصراطَ حُبِسُوا على قنطرةٍ بين الجنةِ والنار، فيُهذَّبون ويُنقَّون من بقايا بقِيَت عليهم قصُرَت بهم عن الجنة ولم تُوجِب لهم دخولَ النار.
وطهارةُ القلبِ شرطٌ لدخول الجنة؛ قال - سبحانه -: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الشعراء: 88، 89].
قال ابن القيم - رحمه الله -: "لا يُجاوِرُ الرحمنَ قلبٌ دُنِّس بأوساخِ الشهوات والرياء أبدًا".
وللباطنِ زينةٌ كما للظاهر زينةٌ، ومن دعاء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم زيِّنَّا بزينةِ الإيمان»؛ رواه النسائي.
والقلوبُ كالأبدان؛ منها الصحيحُ ومنها السقيم، ومنها الحيُّ ومنها الميِّت، وإذا نُقِّيَ القلبُ من الأدران امتلأ بالرحمة والخير، فاهتمَّ الإسلامُ بكلِّ ما يُصلِحُ القلبَ، ونهَى عن جميع ما يُفسِدُه، وأعظمُ صلاحٍ له هو التوحيدُ بإخلاص الأعمال لله وحده، وفسادُ القلبِ وموتُه بالشرك بالله؛ قال - عز وجل -: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ[التوبة: 28].
وتوعَّدَهم بالخِزيِ والنَّكال؛ فقال: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ[المائدة: 41].
والمُنافِقون وصفَهم الله بقوله: إِنَّهُمْ رِجْسٌ[التوبة: 95]. قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "أي: خُبثاء نجِسٌ بواطِنُهم وظواهِرهم".
والحِقدُ والحسدُ داءٌ في القلوبِ، إن لم يُتدارَك بالدعاء وسلامةِ الصدرِ أظلمَ به؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «لا تباغَضوا ولا تحاسَدوا ولا تدابَروا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا».
وقدِمَ رجلٌ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال لأصحابه: «يطلُعُ عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة». ولما سُئِل عن عمله قال: إني لا أجِدُ في نفسي لأحدٍ من المُسلمين غشًّا، ولا أحسِدُ أحدًا على خيرٍ أعطاه الله إياه؛ رواه أحمد.
ومن دعاء المُؤمنين: وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا[الحشر: 10].
قال ابن القيم - رحمه الله -: "ما رأيتُ أحدًا أجمعَ لخِصال الصفحِ والعفوِ وسلامةِ الصدر من ابن تيمية".
والقلبُ شديدُ الصفاءِ، سريعُ التأثُّر، أدنى معصيةٍ تُؤثِّرُ فيه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن العبدَ إذا أخطأ خطيئةً نُكِتَت في قلبه نُكتةٌ سوداء، فإذا هو نزَعَ واستغفرَ وتابَ صُقِل قلبُه، وإن عادَ زِيدَ فيها حتى تعلُوَ قلبَه، وهو الرانُ الذي ذكرَ اللهُ: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[المطففين: 14]»؛ رواه الترمذي.
وواجبٌ على العبدِ أن يغسِل قلبَه في كل يومٍ وليلة، ومما يُنقِّيه: الصلواتُ المفروضة؛ قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أرأيتُم لو أن نهرًا ببابِ أحدِكم يغتسِلُ منه كلَّ يومٍ خمسَ مراتٍ؛ هل يبقَى من درَنه شيء؟». قالوا: لا يبقَى من درَنه شيءٌ. قال: «فذلك مثَلُ الصلوات الخمسِ، يمحُو اللهُ بهنَّ الخطايا»؛ متفق عليه.
ومن صلَّى بعد تطهُّره كان سببًا في دخول الجنة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ما من مُسلمٍ يتوضَّأ فيُحسِنُ وُضوءَه ثم يقوم فيُصلِّي ركعتين يُقبِلُ عليهما بقلبِه ووجهِه إلا وجَبَت له الجنة»؛ متفق عليه.
والوضوءُ دواءٌ للقلوبِ والجوارِح؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إذا توضَّأ العبدُ المُسلمُ أو المؤمنُ فغسلَ وجههُ، خرجَ من وجهه كلُّ خطيئةٍ نظرَ إليها بعينِه مع الماءِ أو مع آخر قطرِ الماء، فإذا غسلَ يديه خرجَ من يديه كلُّ خطيئةٍ كان بطَشَتها يداه مع الماءِ أو مع آخر قطرِ الماءِ، فإذا غسلَ رجلَيْه خرجَت كلُّ خطيئةٍ مشَتها رِجلاه مع الماءِ أو مع آخر قطرِ الماءِ، حتى يخرج نقيًّا من الذنوب»؛ متفق عليه.
ومن أضافَ إلى طُهوره كلمةَ التوحيد فُتِّحَت له أبوابُ الجنةِ الثمانية؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ما منكم من أحدٍ يتوضَّأُ فيُسبِغُ الوضوءَ، ثم يقول: أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، إلا فُتِّحَت له أبوابُ الجنةِ الثمانية يدخلُ من أيِّها شاءَ»؛ رواه أحمد.
والزكاةُ تُطهِّرُ القلبَ وتُنيرُه؛ قال - سبحانه -: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا[التوبة: 103].
وكلامُ ربِّ العالمين شفاءٌ للأبدان والصدور؛ قال - عز وجل -: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ[الإسراء: 82].
ولزومُ جماعةِ المُسلمين والنصيحةُ مما يُصلِحُ القلوبَ؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ثلاثٌ لا يُغلُّ عليهنَّ قلبُ مُسلمٍ: إخلاصُ العملِ لله، ومُناصَحة الأئمة المُسلمين، ولُزوم جماعتهم»؛ رواه الترمذي.
والحِجابُ طهرٌ وعفافٌ؛ قال - سبحانه -: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ[الأحزاب: 53].
ومُجالَسةُ الصالحين وحِفظُ اللسانِ نقاءٌ للقلبِ، والبُعدُ عن الفتن طهارةٌ له؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كالحَصير عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَت فيه نُكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرَها نُكِتَت فيه نُكتةٌ بيضاء»؛ رواه مسلم.
وطهارةُ الظاهر مُتمِّمةٌ لطهارة الباطِن، فاهتمَّ الإسلامُ بطهارة بدَن الإنسان منذ ولادته إلى وفاته؛ فإذا وُلِد خُتِن وحُلِق رأسُه، وإذا ماتَ غُسِّلَ وأُحسِن كفنُه وتطييبُه.
وكان - عليه الصلاة والسلام - يُحبُّ الطِّيبَ ويُرَى وَبيصُ طِيبِ المِسك يسيلُ من مِفرَقِ رأسه، وكان يتسوَّك عند كل وُضوءٍ وصلاةٍ وعند دخول المنزل وإذا استيقظَ من النوم.
وأمرَ بما جاءت به الفِطرةُ من قصِّ الشاربِ، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاقِ الماء، وقصِّ الأظافِر، وغسلِ البراجِم، ونتفِ الإبِط، وحلقِ العانة، وانتقاصِ الماء - أي: الاستِنجاء -، والخِتان، ووقَّت في قصِّ الشارِبِ وتقليمِ الأظافِر ونتفِ الإبِط وحلقِ العانَةِ ألا تُتركَ أكثر من أربعين ليلة.
وأمرَ كلَّ مُسلمٍ أن يغتسلَ كلَّ أسبوعٍ؛ فقال - عليه الصلاة والسلام -: «حقٌّ على كل مُسلمٍ أن يغتسلَ في كلِّ سبعةِ أيامٍ يومًا يغسِلُ فيه رأسَه وجسدَه»؛ متفق عليه.
وكان إذا عطسَ - عليه الصلاة والسلام - وضعَ يدَه أو ثوبَه على فِيهِ وخفضَ بالعُطاسِ صوتَه؛ رواه أبو داود.
وأمرَ بإماطةِ الأذى عن طُرقات المُسلمين، وقال: «عُرِضَت عليَّ أعهمالُ أمتي حسنُها وسيِّئُها، فوجدتُ في محاسِن أعمالها: الأذى يُماطُ عن الطريقِ ..»؛ رواه مُسلمٌ.
ووصفَ كيفيةَ التطهُّر بعد قضاء الحاجةِ وبمَ يستنجِي وعددَ الأحجار؛ فنهَى عن الاستِنجاءِ باليَمين، ونهَى عن الاستِجمار بالرَّوث والعِظام، وألا يُستجمَر بأقلَّ من ثلاثة أحجار.
ونهَى عن كل ما فيه مُجانَبة التنزُّه أو تمامُه؛ فنهَى عن التنفُّس في الإناء حال الشُّرب، ونهَى عن نفخِ الطعامِ، وعن الشُّربِ من فمِ القِربةِ أو السِّقاءِ؛ لأنه يُنتِنُه.
وإذا استيقظَ النائمُ لا يغمِسُ يدَه في الإناء حتى يغسِلَها ثلاثًا، وإذا ولغَ الكلبُ في الإناءِ أمرَ بغسلِهِ سبعًا أُولاهنَّ بالتُّرابِ، ووقَّت في مسحِ الخُفَّين يومًا للمُقيم وثلاثةً للمُسافِر لئلا يتأخَّر غسلُ القدَمِ بالماء؛
بل توعَّد من لم يغسِل كاملَ قدمِهِ بالنار؛ فقال: «ويلٌ للأعقابِ من النارِ»؛ متفق عليه.
وزجرَ عما فيه رائحةٌ تُؤذِي؛ فقال: «من أكلَ ثومًا أو بصلاً فليعتزِلنا، أو ليعتزِل مسجِدنا وليقعُد في بيته»؛ متفق عليه.
ولنجاسَة الخمرِ وإسكارِها توعَّد من شرِبَها ألا تُقبَلَ منه صلاةٌ أربعين يومًا.
ونهَى عن التخلِّي في طريق الناسِ أو ظلِّهم، وعن البُصاق في المساجِد، ورغَّبَ في تطهيرِها وعظَّمَ من يقوم بذلك؛ فكانت امرأةٌ سوداءُ أو رجلٌ يقُمُّ المسجِد، ففقدَه - عليه الصلاة والسلام - فسألَ عنه، فقيلَ: مات، فقال: «ألا آذنتُموني به؟». فكأنَّهم صغَّروا أمرَها أو أمرَه، قال: «دُلُّوني على قبره»، فدلُّوه، فصلَّى عليه؛ رواه أبو داود.
وبين الثيابِ والقُلوبِ مناسبةٌ ظاهرةٌ وباطِنة، كلٌّ منهما يُؤثِّرُ في الآخر؛ فنهَى عن لباسِ الحرير والذهبِ وجلود السِّباعِ، وعن الإسبالِ؛ لما تُؤثِّرُ في القلبِ من الهيئةِ المُنافِيَة للعبوديةِ والخُشوع.
وبعدُ، أيها المُسلمون:
فدينُ الإسلام لا أكملَ ولا أعظمَ منه، ولا أزكَى للعبدِ وأطهرَ له سِواه منه، والسعيدُ من طهَّرَ قلبَه وجوارِحَه ولسانَه وظاهِرَه مما يُغضِبُ ربَّه، واستعملَها فيما يُحبُّه اللهُ ويرضاه، وشكرَ نِعَمَ الله عليه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ[الأعراف: 26].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، أيها المسلمون:
فدينُ الإسلام دينٌ عظيمٌ، يأمرُ بمسحِ الأُذن داخلَها وخارِجها في اليوم مراتٍ، والنقطةُ الواحِدة من البول تُنقِضُ الوُضوء، والكلمةُ الواحِدةُ من الكُفر أو عملٌ يُناقِضُ الإسلام يخرُج به المرءُ من الدين.
ولا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه، والقلبُ السليمُ هو الذي سلِمَ من الشركِ والغلِّ والحِقدِ والحسَد والشُّحِّ والكِبرِ وحُبِّ الدنيا، وسلِمَ من كلِّ شهوةٍ تُعارِضُ أمرَ الله، ومن كلِّ شُبهةٍ تُعارِضُ خبرَه، ومن أحقِّ ما يُطهِّرُ به العبدُ حياتَه: طهارةُ لسانِه وماله من المُحرَّمات والشُّبُهات.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اجعل أعمالَنا كلَّها صالِحة، واجعلها لوجهِك خالِصة، ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئًا.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءَهم، وألِّف بين قلوبِهم، واجمع كلمتَهم على الحقِّ يا رب العالمين، وولِّ عليهم خيارَهم، واصرِف عنهم الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطَن.
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-23-2012, 11:26 PM   رقم المشاركة : 58

 

التحذير من ضياع الشباب
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التحذير من ضياع الشباب"، والتي تحدَّث فيها عن التحذير من ضياع الشباب؛ حيث وجَّه عددًا من النصائح لجميع فئات المُجتمع؛ آباءً وأمهات، ومُعلِّمين، وتجَّار، ومسؤولين، وغيرهم من فئات المُجتمع المُسلم.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الرحيم الغفور، الحميد الشكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تتضاعَفُ بها الأُجور، وتحصُلُ بها النجاةُ يوم البعثِ والنشور، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسوله، أسفرَ فجرُه الصادقُ فمحَا ظُلُمات أهلِ الزيغِ والشُّرور والفُسوق والسوء والفُجور، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الذكرِ المنشور والفضلِ المشهور صلاةً وسلامًا دائمَيْن مُمتدَّين ممرَّ الليالي والدهور.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله حقَّ التقوى؛ فقد فازَ المُطيعُ المُتَّقِي، وخسِرَ المُذنِبُ الشقيُّ، وهلَكَ العاصِي المُعتدِي، يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم[الأنفال: 29].



أيها المسلمون:
حداثةُ السنِّ كنايةٌ عن الشبابِ وأولِ العُمُر، وحدثُ السنِّ قليلُ التجربة، ضعيفُ الإدراك، ناقصُ التدبير والتفكير، أسيرُ التأثُّر والإعجاب، سريعُ المُحاكاة والمُماثَلة والتشبُّه، لا ينساقُ غالبًا إلى ما ينفعُه إلا بإشارةِ مُشيرٍ، وتسديدِ كبيرٍ، ومُعاوَنةِ نصيرٍ.
ومتى أُعجِبَ الشابُّ الحَدَثُ، أو الفتاةُ الحَدَثَةُ بشخصٍ انحازَ إليه، واقتبسَ منه، واحتذَى مثالَه، ونحا فِعالَه، وأكثرَ من ذِكره، ونظرَ من محجَره، ونطقَ بنغمته، وحاكاه في هيئته وطريقته، وماثَلَه في صورته وحركته ولِبستِه.
وحين غابَ دورُ الرقيبِ، وتهدَّمَت قاعدةُ: الدفع أهونُ من الرفعِ؛ تسلَّلت إلى مُجتمعاتنا قُدواتٌ في مُنتهى السوءِ والسقوط، وأمثِلةٌ غايةٌ في الرذالة والانحِطاط والخِسَّةِ والدَّناءَة.
وحين توارَى دورُ الوليِّ الصالح، وضعُف تأثيرُ المُربِّي الناصِح؛ ظهرَت بين شبابنا وفتياتنا سُلوكياتٌ شاذَّة، ومظاهرُ مقيتة، وتصرُّفاتٌ غريبة لم تكن معهودةً ولا موجودةً، وظهرَت المُترجِّلاتُ من النساء، والمُستخنِثين من الرجال في أسواقِ المُسلمين وميادينهم.
شبابٌ أُصيبَ بداءِ التأنُّثِ والتخنُّثِ، والتحلِّي والتفنِّي، والتميُّعِ والتكسُّرِ والتعطُّفِ، والتسكُّعِ في الأسواقِ، والتمايُلِ في مجامعِ النساء.
تراه يضعُ الأقراطَ في أذنه، والمعاصِمَ في يده، والقلائِدَ في صدره، يُلمِّعُ شفَتَه، ويُلوِّنُ بشرَته، ويُحمِّرُ وجهَه، ويلبسُ الملابِسَ المُثيرةَ والشفَّافةَ والضيِّقةَ، ويرتدي سراويلَ أخذَت من الأسماء أخسَّها وأخبثَها، وأدلَّها عليها، تحسُرُ عن عورته، وتكشِفُ عن سوءته.
أفعالٌ غايةً في القُبحِ والشُّذوذِ والغرابَة، وكم هم ضحايا السهَرات الممقوتة، والتجمُّعات المشبوهة، ومقاهي الشيشة البَغيضة؟!
وكم رأينا صغيرًا حدَثَ السنِّ وقد تردَّى وتهاوَى في دُروبِ الدخانِ والشيشةِ والحَشيشَة والمُخدِّرات والمُسكِرات، والفواحِشِ والمُنكَرات.
وفَتياتٌ وبناتٌ، وآهٍ على حالِ فتياتٍ غابَ الرقيبُ عنهنَّ، وغفَلَ المُستحفَظُ عليهن، فتدرَّجنَ في مدارجِ الاختِلاطِ والبُروز والظهور، وتساقَطنَ في مدارجِ التبرُّج والتفلُّت والسفور، وصارت المرأةُ تُزاحِمُ الرجلَ وتُصافِحُه وتُمازِحُه، وتخضعُ له بالقولِ، وتُلايِنُه بالكلام.
يا لها من صورةٍ تنفطِرُ منها القلوبُ وتنصدِع!
فاتقوا الله - أيها المسلمون -، اتقوا الله - أيها الأولياء -، قوموا بما أوجبَ الله عليكم من رعايةِ أولادكم، وصونِهم وتربيتهم، وغرسِ الفضيلةِ في نُفوسهم.
واتقوا الله - أيها التجَّار -، وحاذِروا بيعَ كلِّ ما يُخِلُّ بالعقيدة، ويهدِمُ السلوك، ويُدمِّرُ الأخلاقَ، وحاذِروا بيعَ الملابسِ الفاضِحة، والملابسِ الغريبةِ الشاذَّة التي لا تمُتُّ إلى شرعنا ولا إلى أوطاننا ولا إلى تراثِ آبائنا بشيءٍ.
ويا رِجال التعليمِ! كيف يستفحِلُ هذا الداءُ في صفوفِ شبابِنا وفتياتِنا وأنتم الأساتِذةُ الفُضلاء، والمُعلِّمون الأوفياء، والمُربُّون، النُّبَلاء؟! اللهَ اللهَ في رعايةِ أجيالِنا، وصناعةِ نشئِنا، وحمايةِ مُجتمعنا.
أيها المسؤولون، كلٌّ في جهته، وكلٌّ على قدرِ مرتبته وصلاحيته! خُذوا بأيدي شبابنا وفتياتنا إلى الحِشمةِ والفضيلة والحياءِ والمكارِم، وامنَعوا ضياعَهم، وحاذِروا سُقوطَهم في أوهاقِ الفاحِشةِ والرذِيلةِ، والجريمةِ والبلاءِ العظيمِ، والشرِّ المُستطيرِ.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، فقد فازَ المُستغفِرون، وسعِدَ المُتَّقون.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لِشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رِضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانِهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون[آل عمران: 102].
أيها الشبابُ والفَتيات، أيها الرجال والنساء! لا يستفِزَّنكم الشيطانُ بخُدعه، ولا يستزِلَّنكم بحِيَله، ولا يُوقِعَنَّكم في شَرَكه، ولا يغُرَّنكم بآماله الباطِلة، يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا[الأعراف: 27].
أظهِروا النَّكيرَ والرَّفضَ لتلك التصرُّفات المُرِية، والظواهِر المُخزِية التي لا تليقُ بأهل الإسلام، ولا يجوزُ أن يعُدُّوها واقِعًا مُسلَّمًا لا محيصَ عنه، وقد جاءت السنةُ بتحريمها ولعنِ فاعِلها.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "لعنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الرجلَ يلبسُ لِبسةَ المرأة، والمرأةُ تلبسُ لِبسةَ الرجل"؛ أخرجه أبو داود.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ - عز وجل - إليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه، والمرأةُ المُترجِّلة، والديُّوث»؛ أخرجه أحمد، والنسائي، والحاكم.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "لعنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - المُخنَّثين من الرجال، والمُترجِّلاتِ من النساء"؛ أخرجه البخاري.
جعلني الله وإياكم من الهُداة المُهتدين، وحمانا من دُروب الشرِّ والفتنةِ ونزَغاتِ الشياطين.
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
للخلقِ أُرسِل رحمةً ورحيمًا
صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة أصحابِ السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ أجمعين، والتابعين لهم وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر الطغاةَ والظلمةَ والمُعتدين يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المُسلمين، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده لما تُحبُّ وترضى، وخُذ بنواصِيهما للبرِّ والتقوى، وأصلِح لهما بِطانتَهما يا كريمُ يا رب العالمين.
اللهم كُن لأهلنا في الشام ناصرًا ومُعينًا، اللهم كُن لأهلنا في الشام ناصرًا ومُعينًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا، اللهم انصُرهم على الطغاةِ الظلَمة المُعتدين، اللهم انصُرهم على الطغاة المُعتدين.
اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، الذين سفَكوا الدماءَ، وقتَلوا الأبرياء، وعذَّبوا الشيوخَ والأطفالَ والنساء، أنزِل عليهم بأسَك، أنزِل عليهم بأسَك، أنزِل عليهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المُجرمين، اللهم بدِّد جمعَهم، وفرِّق شملَهم، وأذهِب قوَّتَهم، وخالِف كلمتَهم، وأرِنا فيهم قُدرتَك يا رب العالمين.
اللهم أرِنا فيهم قُدرتك وقُوَّتك وعظمَتَك، اللهم زلزِلهم يا قويُّ، زعزِعهم يا قادِر، دمِّرهم تدميرًا، ولا تجعل لهم في الأرضِ وليًّا ولا نصيرًا.
اللهم نجِّ إخواننا من قبضَتهم وظُلمهم يا رب العالمين.
اللهم مُنَّ على جميع بلاد المُسلمين بالأمن والاستِقرار والسعادة والرخاءِ يا رب العالمين.
اللهم يا حيُّ يا قيُّوم، نسألُك يا حيُّ يا قيُّوم، نسألُك أن تهدي شبابَنا وفتياتِنا، اللهم اهدِ شبابَنا وفتياتِنا، اللهم أرِهم الحقَّ حقًّا وارزُقهم اتباعَه، وأرِهم الباطِل باطلاً وارزُقهم اجتِنابَه يا رب العالمين.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرَق، أنزِل في أرضنا زينتَها، وأنزِل في أرضِنا سكَنَتها.
اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، اللهم اسقِنا واسقِ المُجدِبين، وفرِّج عنَّا وعن أمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أجمعين.
اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحم موتانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على مَن عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-24-2012, 12:14 AM   رقم المشاركة : 59

 

المخالفات في الوقف والوصية
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 11/3/1433هـ بعنوان: "المخالفات في الوقف والوصية"، والتي تحدَّث فيها عن مُخالفاتِ بعض الآباء في تركتهم وأنهم يقِفونها لحِرمان بعض الورثَة من الميراث، وبيَّن بالأدلة حُرمةَ هذا الفعلِ، وحذَّر أهل الأوقاف من الوقوع في مخالفة الكتاب والسنةِ في مثلِ هذه الأمور.

الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ أجمعين.
أما بعد، فيا أيها المؤمنون:
يقول ربُّنا - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
إنه الأمرُ للمؤمنين بأن يقولوا القولَ السديدَ، وأن ينهَجوا المنهجَ الرشيدَ.
ويا عباد الله:
إن من يتتبَّع بعضَ أحوالِ الناسِ في أروِقةِ المحاكم يجِدُ ما يأسَى له المُسلم من تصرُّفات بعض الآباء في إيجاد أسباب العداوة بين ورَثَتهم؛ فكم يحصُل بسبب هذه التصرُّفات بين الورَثَة من الخُصومة والتقاطُع والتشاتُم والمُرافَعات بسبب التصرُّفات المُخالِفة لشرع الله - جل وعلا - في وقفِ المال، وفي الوصيَّة.
فمن ذلك: أن بعضَ الناسِ يُريدُ منعَ أولاده من التصرُّف في ماله بعد انتِقاله إليهم من بعد موته، فيتَّجِهُ حينئذٍ إلى حِيلَةِ الوقفِ؛ قاصِدًا منعَ الورَثَة من التصرُّف في الموروثِ ببيعٍ أو هِبةٍ أو تصرُّفٍ ناقلٍ للمُلكِيَّة.
وهذا مذمومٌ شرعًا على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لما يقعُ بسببه من مفاسِد وإضرارٍ بالورَثَة، وقد ذكر شيخُ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - أن هذا الوقفَ وقفٌ غيرُ مشروعٍ، وذكرَ ذلك مثلَه شيخُ الإسلام حفيدُه المُجدِّد الإمام عبدُ الرحمن بن حسن.
ثم قال في إرادة مثلِ هذا الوقفِ، قال: "فالواقفُ في الحقيقةِ يُريدُ أمرَين: تحريمَ ما أحلَّ الله لهم - أي: للورثة - من بيعِه وهديَّته والتصرُّف فيه، والثاني: حِرمانَ زوجات الذكور، وأزواج الإناث، فيُشابِهُ ما ذكر َه الله في سورة الأنعام".
معاشِر المُسلمين:
ومن تلك التصرُّفات الخاطِئة: أن يُفضِّل المُوقِفَ بعضَ الأولاد على بعضٍ في الوقفِ، فذلك مما حرَّمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «اتقوا الله واعدِلوا بين أولادكم»، والأحاديثُ في هذا كثيرةٌ.
ولكن لو أوقفَ على المُحتاجِ من ذرِّيَّته لوصفِه لا لشخصِه فلا بأسَ؛ لما ذكرَه البخاريُّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه وقَّفَ نصيبَه من دارِ عُمر سُكنًى لذوي الحاجةِ من آل عبدِ الله، وقد وردَ أن الزُّبيرَ خصَّ المردودةَ من بناتِه دون المُستغنِيَة.
وكذا لو ذكرَ في وقفه تحضيضَ الأولاد على طلبِ العلمِ فخصَّه بطلبِ العلمِ لا بالشخصِ.
معاشِر المسلمين:
إن بعضَ الناسِ يُوقِفُ على أولادِ الظهورِ دون أولاد البُطون؛ أي: أنه ينُصُّ على حِرمان أولاد البناتِ؛ فالذي ينظُرُ في هذا الوقفِ بتمعُّنٍ يجِدُ أنه أرادَ حِرمانَ أولاد البناتِ في عاقِبَة الأمر، إنما تستغِلُّ البنتُ الغَلَّة في حياتها، فإذا ماتت انقطعَ ما كان لها، وهذا مما حرَّمَه الله - جل وعلا -.
والمُحقِّقون من أهل العلم المُلتزِمون بكتابِ الله - جل وعلا - وبسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - دون تقليدٍ مذهبيٍّ قد نصُّوا على أن هذا الوقفَ من أوقافِ الجَنَفِ والإثمِ؛ فقد ألَّف شيخُ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب في ذلك رسالةً مُستقلَّةً في صدَدِ الردِّ على من أجازَ وقفَ الجَنَف والإثمِ الذي لا يرضاهُ أحدٌ لبناته، ولا يرضاه أحدٌ لنفسه، أن يكون قاصِدًا لتفضيلِ بعضٍ على بعضٍ.
قال - رحمه الله -: "وأما مسألتُنا هذه فهي إذا أراد الإنسانُ أن يقسِمَ مالَه على هواهُ، وفرَّ من قِسمةِ الله - جل وعلا -، وتمرَّد عن دين الله؛ مثلَ: أن يُريد أن امرأتَه لا ترِثُ من هذا النخلِ ولا تأكلُ منه إلا حياةَ عينها، أو يُريد أن يُفضِّل بعضَ أولاده على بعضٍ فِرارًا عن وصيةِ الله بالعدل، أو يُريد أن يحرِم نسلَ البناتِ، أو يُريد أن يُحرِّم على ورَثَته بيعَ هذا العقار لئلا يفتقِرُوا بعده".
ثم قال: "ويُفتي له بعضُ المُفتين أن هذه البدعةَ الملعونة - أي: مثل هذه الأوقاف - صدقةٌ تُقرِّبُ إلى الله، ويُوقِفُ على هذا الوجهِ قاصِدًا وجهَ الله. فتأمَّل هذا بشراشِر قلبِك، ثم تأمَّل ما ذُكِر من الأدلة".
ثم قال - رحمه الله -: "فنقولُ: من أعظمِ المُنكرات وأكبرِ الكبائر: تغييرُ شرعِ الله ودينه، والتحيُّل على ذلك بالتقرُّبِ إليه، وذلك مثلُ: إذا أراد أن يحرِم من أعطاه الله من امرأةٍ أو امرأةِ ابنٍ أو نسلِ بناتٍ وغير ذلك، أو أن يزيد أحدًا عما فرَضَ الله له، أو أن يُنقِصَه من ذلك ثم يُريد التقرُّب إلى الله بذلك مع كونِهِ مُبتعِدًا عن الله - جل وعلا -، فالأدلةُ على بُطلان هذا الوقفِ وعَودِه مُطلقًا وقَسمه على قسمِ الله ورسوله أكثرُ من أن تُحصَر". اهـ كلامُه المتينُ.
وقد ذكرَ مثلَ هذا الكلام بذاته: حفيدُه الشيخُ عبد الرحمن بن حسن، وغيرُهما من المُحقِّقين.
يقول الشيخُ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: "لا يحِلُّ لأحدٍ أن يُوقِفَ وقفًا يتضمَّنُ المُحرَّم أو الظُّلمَ بأن يكون وقفُه مُشتملاً على تخصيصِ أحدِ الورَثَة دون الآخرين".
ثم قال: "فإن العبدَ ليس له أن يتصرَّفَ في ماله بمُقتضى شهواته النفسية وهواه؛ بل عليه ألا يُخالِف الشرعَ ولا يخرُج عن العدلِ".
فاتقوا الله - عباد الله -، واعلموا أنه لا يُنجيكم إلا شرعُ الله - جل وعلا -، فارتَضوا في قِسمةِ أموالكم بما ارتضاه الله - جل وعلا - لكم؛ تسعَدوا وتُفلِحوا في الدنيا وفي الآخرة.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
أحمدُ ربي وأشكرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
لقد تواتَر من كتاب الله - جل وعلا - وسنةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - تعظيمُ شأن الأمانة، وتحريمُ الخيانةِ فيها أو الإهمال في واجباتها.
فيا نُظَّار الأوقاف! لقد ابتُليتم ببلوًى عظيمة، فاتقوا الله - جل وعلا - في هذه المسؤولية العظيمة، أدُّوها كما أمر الله - جل وعلا -.
احرِصوا على الأوقافِ وعلى الحِفاظِ عليها، وعلى تنميتها، وعلى صرفِها في مصارِفها بدون اجتِهادٍ، وبدون تفضيلٍ لأحدٍ على أحدٍ.
اتقوا الله - جل وعلا - في الأوقافِ، وإياكم وأن تنظُروا إلى مصالِحكم عن طريق الأوقافِ؛ فتلك جِنايةٌ عظيمةٌ تجِدون مغبَّتها يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الشعراء: 88، 89].
ألا وإن من أفضلِ الأعمالِ: الصلاةَ والسلامَ على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم احفَظ المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم احفَظ المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم مُنَّ عليهم بالأمن والأمان، والاطمئنانِ والاستِقرار، اللهم هيِّئ لهم من أمرِهم رشَدًا، اللهم هيِّئ لهم من أمرِهم رشَدًا، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم.
اللهم اغفِر للمُسلمين والمُسلمات، والمؤمنين والمُؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفِر لنا ولهم الذنوب، وكفِّر عنا وعنهم السيئات، وضاعِف لنا الدرجات.
اللهم إنا نسألُك أن تمُنَّ على المُسلمين بحياةٍ طيبةٍ في الدنيا وفي الآخرة، اللهم مُنَّ علينا وعلى المُسلمين بحياةٍ طيبةٍ في الدنيا والآخرة.
اللهم اجعلنا ممن يلتزِمُ أوامرَ الله - جل وعلا - وهديَ رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار.
اللهم وفّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضاه، اللهم وفِّقه لما تُحبُّه وترضاه، اللهم وفّقه ونائبَه لما تُحبُّه وترضاه يا رب العالمين.
اللهم أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ، اللهم أنزِل علينا الغيثَ، اللهم أنزِل علينا الغيثَ، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم إنك تعلمُ حاجَتنا للمطر، اللهم فاسقِنا، اللهم مسَّنا الضرُّ وأنت أرحمُ الراحمين، اللهم مسَّنا الضرُّ وأنت أرحمُ الراحمين، اللهم مسَّنا الضرُّ وأنت أرحمُ الراحمين.
اللهم إنا عبادُك فُقراءُ إليك، فأغنِنا بالمطر، اللهم أغنِنا بالمطر، اللهم ارحَمنا ببهائمِنا وضُعفائنا، ولا تُؤاخِذنا يا ربِّي بما فعل السُّفهاءُ منَّا، اللهم لا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفهاءُ منَّا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
اللهم اسقِنا واسقِ ديارَ المُسلمين، اللهم اسقِ ديارَنا وديارَ المُسلمين يا وليُّ يا غنيُّ يا حميدُ.
عباد الله:
اذكُروا اللهَ ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-24-2012, 12:19 AM   رقم المشاركة : 60
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

لا يرفعُ البلاءَ إلا الدعاء
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 18/3/1433هـ بعنوان: "لا يرفعُ البلاءَ إلا الدعاء"، والتي تحدَّث فيها عن الواجب على كل مسلمٍ تجاه الفتن والمِحن التي تدور ببلدان المسلمين، وبيَّن أن أعظمَ مخرجٍ منها هو الدعاء وصدقُ الالتِجاء إلى الله تعالى.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهرِه، العليم بحال العبد في سرِّه وجهره، يسمعُ أنينَ المظلوم عند ضعف صبره، ويجُودُ عليه بإعانته ونصره، أحمدُه على القدر خيرِه وشرِّه، وأشكره على القضاء حُلوه ومُرِّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ[الروم: 25]، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما جادَ السَّحابُ بقطره، وطلَّ الربيعُ بزهره، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أقوى ظهيرٍ، وأوفَى نصيرٍ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون[آل عمران: 102].


أيها المسلمون:
الزمانُ صُروفٌ تجُول، ومصائِبُ تصُول، ومن نابَته نوبةٌ، وعرَته نكبَةٌ، وغشِيَته بلِيَّةٌ، وحلَّت بساحته مِحنةٌ أو فِتنة، أو تسلَّط عليه ظالمٌ، أو نالَه عدوٌّ مُناوِئ، فليلُذْ بالله تعالى، وليتوكَّل عليه، وليثق بمولاه، وليتحلَّ بعِصمة الصبر، وصريمة الجلَد، وعزيمةِ الاحتِساب، وليتضرَّع بالفألِ الحسَن، والتوبةِ والإنابة، والرجوع إلى الله تعالى.
ومن لاذَ بالله تعالى هدأَ توجُّعه، وسكَنَ تفجُّعُه، والهلَعُ والجَزعُ لا ينشُران مطويًّا، ولا يرُدَّان حتمًا مقضيًّا، ولا عزاءَ إلا التسليمُ والرِّضا، والصبرُ على ما قدَّر الله وقضَى وكتبَ وأوجبَ وأمضَى.
أيها المسلمون:
أحسنُ الكلام في الشكوَى سُؤال المولَى زوالَ البَلوى، فاستدفِعوا أمواجَ البلاء بالتضرُّع والدعاء، فليس شيءٌ أكرمُ على الله - عز وجل - من الدعاء، وأعجزُ الناسِ من عجِزَ عن الدعاء، ولا يرُدُّ القدَرَ إلا الدعاءُ، فأكثِروا من الدعاء والمُناجاة؛ فإن الله يسمعُ دعاءَ من دعاه، ويُبصِرُ تضرُّع من تضرَّع إليه وناداه، ومن سألَ اللهَ بصدقٍ وضراعةٍ كشفَ عنه بَلواه، وحماه ووقاه وكفاه، وحقَّقَ له سُؤلَه ومُناه.
وما على الأرضِ مُسلمٌ يدعُو اللهَ بدعوةٍ إلا آتاه الله إياها، أو صرفَ عنه من السوءِ مثلَها، أو ادَّخَر له من الأجرِ مثلَها ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحِمٍ.
أيها المسلمون:
وأنتم ترَون ما حلَّ ببعضِ بلادنا العربية والإسلامية من الأحداث والاضطرابات، والصِّداماتِ والنِّزاعات والمواجهات، والفتن والحُروب، والبلاء العظيمِ والشرِّ المُستطير، لا تغفُلُوا عن التوجُّه إلى الله بصدقٍ وإنابة، والدعاء لإخوانكم بالحفظِ والرعايةِ والصيانة والسلامة من تك الفتن والشُّرور.
وليس لنا إذا أحاطَت الحُتوف، ونزلَ الأمرُ المَخوفُ، واشتدَّ الكَربُ، وعظُمَ الخَطبُ إلا اللهُ - جل في عُلاه -، وقد كان سيدُ الخلقِ نبيُّنا وسيدُنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - يدعُو عند الكَربِ بهذه الدعوات: «لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ الأرض وربُّ العرش الكريم».
وحسبُنا الله ونِعمَ الوكيل، قالَها إبراهيمُ - عليه السلام - حين أُلقِيَ في النار، وقال نبيُّنا وسيدُنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - حين قالوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل[آل عمران: 173].
فارفَعوا أكُفَّ الضراعة، وتوسَّلوا إلى الله بلوان الطاعة أن يرَمَ إخوانكم المُستضعفين والمُضطهَدين والمَنكوبين في كل مكان، ادعُوا دعاءَ الغريقِ في الدُّجَى، ادعُوا وأنتم صادقون في الرَّجَا أن يجعل الله للمُسلمين من كل همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا.
اللهم اجعل للمُسلمين من كل همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا.
أيها المسلمون:
لا مخرجَ من أزماتنا إلا صِدقُ اللجَأِ إلى الله تعالى؛ فهو العظيمُ الذي لا أعظمَ منه، والكبيرُ الذي لا أكبرَ منه، والقادِرُ الذي لا أقدرَ منه، والقويُّ الذي لا أقوى منه، العظيمُ أبدًا، حقًّا وصِدقًا، لا يُعصَى كرهًا، ولا يُخالَفُ أمرُه قهرًا، ومن كان الله معه فمعه الجُند الذي لا يُغلَب، والقوةُ التي لا تُرهَب، والعزيمةُ التي لا تذهَب، والعِزُّ الذي لا يُسلَب.
ومن كان مع الله في السرَّاء والضرَّاء، والشدَّة والرخاء، والعلانية والخفاء كان مُؤيَّدًا منصورًا، وعادَ عدوُّه مُهانًا مدحورًا، صاغِرًا مقهورًا، مُصفَّدًا مأسورًا، وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[الحج: 40].
بارك الله ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من البيِّنات والآيات والعِظات والحِكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله بارئ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِل القِسَم، مُبدِع البدائع، وشارعِ الشرائع، دينًا رضيًّا، ونورًا مُضيًّا، أحمده وقد أسبغَ البرَّ الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ آمنَ بربه، ورجا العفو والغفران لذنبه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعِه وحِزبه صلاةً وسلامًا دائمَيْن ممتدَّيْن إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[الأنفال: 29].
أيها المسلمون:
يا من تعيشُون في أمنٍ وافِرٍ، ورخاءٍ ظاهِر، وعافيةٍ ضافِية، ونعمةٍ صافِية، يا من دفعَ الله عنكم فتنًا وشُرورًا، وأمرًا كان محذورًا، لا تكونوا ممن عمَّه فضلُ ربِّه فارتدَّ، وأدركَه وابِلُ النِّعَم فاعوَجَّ، لا تكونوا أغفالاً من حُسن الادِّكار، وجليل الاعتِبار، وأحسِنوا مُجاوَرة النِّعمَة؛ فمن غمِطَ النِّعمة استنزَلَ النِّقمة.
وتعوَّذُوا باللهِ تعالى من زوا نعمته، وتحوُّل عافيته، وحُلول نقمته، واحمَدوا الله مولاكم على ما أولاكم من نعمةِ الأمن والرخاء والاستقرار، وحافِظوا عليها.
وانظُروا في أحوالكم الدينية؛ كيف فرَّط الكثيرُ منا في الأوامر، ووقعَ في المعاصِي والمخازِي والمناكِر؟!
وانظُروا في أمرِ الصلاة؛ كيف هجَرَها كثيرٌ من شبابِنا وفتياتِنا،وأهمَلَها كثيرٌ من أبنائِنا وبناتِنا؟!
وانظُروا إلى المساجِد في صلاة الفجر؛ كيف نامَ أكثرُ الناس عنها، وتساهَلوا فيها، وتسامَحوا فيها، حتى صار ذلك لا يُعدُّ بينهم قدحًا ولا عيبا.
وقِيسوا على ذلك عظيمَ ما نحن عليه من الغفلةِ والصُّدود لتعلَموا كم نحن على خطرٍ من عقوبةٍ تحِلّ، وعافيةٍ تزِلّ!
فاتقوا الله - أيها المسلمون-، وتدارَكوا ما أنتم فيه بالتوبة والإنابة، والتناصُح بينكم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومراقبة أولادكم في أمر الصلاة والدين والسلوك والأخلاق.
عباد الله:
إن الله أمرَكم بأمرٍ بدأَ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحَةِ بقُدسه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون - من جنِّه وإنسِه، فقال قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على النبي المُصطفى المُختار، اللهم وارضَ عن خلفائه الأربعة أصحابِ السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر آلِه وأصحابهِ أجمعين، والتابعين لهم وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، ودمِّر أعداءَ الدين، ودمِّر أعداءَ الدين يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيته للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المُسلمين يا رب العالمين.
اللهم طهِّر المسجدَ الأقصى من رِجسِ يهود، اللهم طهِّر المسجدَ الأقصى من رِجسِ يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك.
اللهم احفَظ أهلَنا في سورية، اللهم احفَظ أهلَنا في سورية ومصر واليمن وليبيا، اللهم احفَظهم من كل سوءٍ وشرٍّ وفتنةٍ يا رب العالمين، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم، وصُن أعراضَهم، واحفَظ أموالَهم، وادفَع عنهم الشُّرورَ والفتنَ، اللهم ادفَع عنهم الشُّرورَ والفتنَ والمِحَن، اللهم ادفَع عنهم الشُّرورَ والفتنَ والمِحَن يا أرحم الراحمين.
اللهم من أرادَنا أو أراد بلادَنا أو أرادَ بلاد السلام والمُسلمين بسوءٍ، اللهم فأشغِله في نفسه، واحبِسه في بدنه، وعذِّبه في جسده، اللهم اكشِف سِرَّه، واهتِك سِترَه، وأبطِل مكرَه، واكفِنا شرَّه، واجعلهُ عِبرَة يا رالعالمين.
اللهم عليك بالطُّغاة المُجرمين، اللهم عليك بالطُّغاة المُجرمين، اللهم عليك بالطُّغاة المُجرمين الذين قتَلوا الأبرياء، وسفَكوا الدماءَ، وعذَّبوا الشيوخَ والأطفالَ والنساء، يا سميعَ الدعاء.
اللهم يا عظيمَ العفوِ، يا واسِعَ المغفرة، يا قريبَ الرحمة، هَبْ لنا من لدُنك مغفرةً ورحمةً، وأسعِدنا بتقواك، واجعلنا نخشاك كأننا نراك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارحم موتانا، وعافِ مُبتلانا، واشفِ مرضانا، وانصُرنا على مَن عادانا يا ربَّ العالمين.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرَقٍ.
اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، اللهم اسقِنا واسقِ المُجدِبين، وفرِّج عنَّا وعن أمة نبيِّنا وسيدِنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أجمعين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:18 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir