يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-05-2013, 11:37 AM   رقم المشاركة : 1

 

الجنة ونعيمها
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 5 ربيع الثاني 1434هـ بعنوان: "الجنة ونعيمها"، والتي تحدَّث فيها عن الجنة وعدَّد بعضًا من صفاتِها؛ فبيَّن أن الله خلقَها بيدِه، وجعلها دارًا لأوليائِه، ومقرًّا لأصفيائِه، وحثَّ على عدم التفريطِ في هذا النعيم المُقيم وإيثارِ الدنيا الفانِية على الآخرة الباقِية.

الخطبة الأولى
الحمد لله، آوَى من إلى لُطفه أوَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له داوى بإنعامِه من يئِسَ من أسقامِه الدوا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه القائلُ: «كلُّ أمتي يدخُلون الجنةَ إلا من أبَى». قيل: ومن يأبَى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعَني دخلَ الجنةَ، ومن عصانِي فقد أبَى»، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تبقَى وسلامًا يَتْرَى إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
خلقَ الله الجنةَ وجعلَها دارًا لأوليائِه، ومقرًّا لأصفيائه، وملأها من رحمته وكرامته ورِضوانِه، ورغَّبَ فيها، ودعا إليها، وسمَّاها دارَ السلام، دارٌ لا ينفَدُ نعيمُها ولا يَبِيد، دارٌ فيها من كل خيرٍ مَزيد، قد تشوَّقَت لطالِبِيها، وتزَيَّنَت لمُريدِيها، ونطقَت أدلَّةُ الكتاب والسُّنَّة بوصفِ ما فيها.
فيا سعادةَ ساكنِيها، ويا فوزَ وارِثِيها.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله تعالى: أعددتُ لعبادي لصالحِين ما لا عينٌ رأَت، ولا أُذنٌ سمِعَت، ولا خطَر على قلبِ بشر»؛ متفق عليه.
دارٌ أشرقَ بهاؤُها، وطابَ فِناؤُها، وعظُم بناؤُها، بناؤُها لبِنَةُ ذهبٍ ولبِنَةُ فِضَّة، ومِلاطُها المِسكُ الأذفَر، وحَصباؤُها اللُّؤلؤُ والجوهَر، وترابُها الزَّعفَران، من يدخلُها ينعَمُ ولا يبأَس، ويخلُدُ ولا يموت، لا تبلَى ثِيابُه، ولا يفنَى شبابُه.
وأولُ من يقرعُ بابَ الجنة هو نبيُّنا وسيِّدُنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، فيقول له الخازِنُ: من أنت؟ فيقول: «محمد». فيقول: أُمِرتُ ألا أفتحَ لأحدٍ قبلَكَ. صلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمدٍ.
وللجنةِ ثمانيةُ أبوبا، وإن ما بين المِصراعَين من مصارِيع الجنَّةِ لكما بين مكَّة وهجَر، أو مكَّة وبُصْرَى.
وأولُ زُمرةٍ يدخُلون الجنةَ على صُورة القَمر ليلة البدر، والذين يلُونَهم على أشدِّ كوكبٍ دُرِّيٍّ في السماء إضاءَةً، لا يبُولون ولا يتغوَّطُون ولا يمتخِطون ولا يتفِلُون، أمشاطُهم الذهب، ورشحهُم المِسك، ومجامِرُهم الأُلُوَّة، لا اختلافَ بينهم ولا تباغُض، على قلبِ رجلٍ واحدٍ، على صورةِ أبِيهم آدم ستون ذِراعًا في السماء في عرض سبعة أذرُع، يُسبِّحون اللهَ بُكرةً وعشِيًّا.
يدخلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ جُردًا مُردًا، بيضًا جِعادًا، مُكحَّلين أبناءَ ثلاثٍ وثلاثين، قد أشرقَ على وجوهِهم السَّناءُ والضياءُ، والجمالُ والبَهاءُ، تعرِفُ في وجوهِهم نضرةَ النَّعيم، يُنادَون: إن لكم أن تحيَوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تصِحُّوا فلا تسقَموا أبدًا، وإن لكم أن تشِبُّوا فلا تهرَموا أبدًا، وإن لكم أن تنعَموا فلا تبأسُوا أبدًا، ولهم فيها من كل الثَّمرات. ولو أن رجلاً من أهل الجنة اطَّلَع فبدَا سِوارُه لطمَسَ ضوءَ الشمسِ كما تطمِسُ الشمسُ ضوءَ النجوم.
وإذا سألتُم اللهَ فاسألُوه الفِردوسَ؛ فإنه وسطُ الجنة، وأعلى الجنة، وفوقَه عرشُ الرحمن، ومنه تُفجَّرُ أنهارُ الجنة، وأعظمُ الأنهار وأحلاها وأحسنُها نهرُ الكوثر، جعلَه الله مكرمةً لنبيِّنا وسيِّدنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، حافَّتاه قِبابُ اللُّؤلؤ المُجوَّف، وتربتُها مِسكةٌ ذفِرَة، وحَصباؤُه اللُّؤلؤ، ماؤُه أبيضُ من اللبن، وأحلى من العسل، آنيتُه كعَدَد النُّجوم، ترِدُه طيرٌ أعناقُها مثلُ أعناقِ الجُزُر.
وحوضُ النبي - صلى الله عليه وسلم - في أرض الموقف، عرضُه مثلُ طولِه ما بين ناحِيَتيه مسيرةُ شهرٍ، أو كما بين صنعاء والمدينة، يشخُبُ فيه مِيزابان من الجنة، يرِدُه أهلُ الإيمان، من شرِبَ منه لم يظمَأْ بعدَه أبدًا، وليُذادَنَّ عنه أُناسٌ غيَّرُوا وبدَّلوا وأحدَثُوا.
وأدنَى أهل الجنة منزلةً رجلٌ يجِيءُ بعد ما أُدخِل أهلُ الجنةِ الجنة، فيُقال له: ادخُل الجنة. فيقولُ: أيْ ربِّ! كيف وقد نزل الناسُ منازِلَهم، وأخَذوا أخذَاتهم؟! فيُقال له: أترَى أن يكون لك مثلُ مُلك ملِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضِيتُ ربِّ. فيقول: لك ذلك، ومثلُه، ومثلُه، ومثلُه، ومثلُه، فيقول في الخامِسَة: رضِيتُ ربِّ. فيقول: هذا لكَ وعشرةُ أمثالِه، ولك ما اشتهَت نفسُك ولذَّت عينُك. فيقول: رضِيتُ ربِّ.
وأما أعلاهُم منزلةً فيقول الله فيهم: أولئك الذين أردتُّ، غرستُ كرامتَهم بيدي، وختَمتُ عليها، فلم ترَ عينٌ، ولم تسمَع أُذنٌ، ولم يخطُر على قلب بشرٍ.
وإن في الجنة لشجرةٌ يسيرُ الراكبُ في ظلِّها مائةَ سنةٍ ما يقطعُها، وإن للمؤمن في الجنة لخَيمة من لُؤلؤةٍ واحدةٍ مُجوَّفة، طولُها في السماء ستُّون ميلاً، للمؤمن فيها أهلُون، يطُوفُ عليهم المُؤمنُ فلا يرَى بعضُهم بعضًا.
ولو أن امرأةً من أهل الجنةِ اطَّلَع على أهل الأرض لأضاءَت ما بينهما، ولملأَتْه رِيحًا، ولنَصِيفُها على رأسِها - يعني: خِمارَها - خيرٌ من الدنيا وما فيها، وما في الجنة أعزب.
وإن الله - عز وجل - يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبَّيك ربَّنا وسعدَيك، والخيرُ في يدَيك. فيقول: هل رضِيتُم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضَى يا ربَّنا، وقد أعطَيتَنا ما لم تُعطِ أحدًا من خلقِك. فيقول: ألا أُعطِيكم أفضلَ من ذلك؟ فيقولون: وأيُّ شيءٍ أفضلُ من ذلك؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رِضوانِي فلا أسخَطُ عليكم بعدَه أبدًا.
فما أعظمَ هذا النعيم! وما أجلَّ هذا التكريم!
وإن العطاءَ الأعظم، والنعيمَ الأكبر الذي يتضاءَلُ أمامَه كلُّ نعيمٍ هو النَّظرُ إلى وجهِ الله الكريم؛ فعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظرَ إلى القمر ليلةَ البدر، وقال: «إنكم سترَون ربَّكم عِيانًا كما ترَون هذا القمرَ، لا تُضامُون في رُؤيتِه»؛ متفق عليه.
وما بين القوم وبين أن ينظُروا إلى ربِّهم إلى رِداءُ الكِبرياء على وجهه في جنَّة عدنٍ، ويُنادِي مُنادٍ: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعِدًا يُريد أن يُنجِزَكمُوه. فيقولون: ما هو؟ ألم يُثقِّل موازِينَنا، ويُبيِّض وجوهَنا، ويُدخِلنا الجنة، ويُزحزِحنا عن النار؟! فيكشِفُ الحِجاب، فينظرُون إليه، فما أعطاهم شيئًا أحبَّ إليهم من النظر إليه.
الله أكبر، الله أكبر، أنعمَ عليهم وأفاد، وأعطاهم مُناهم وزاد.
جعلَني الله وإياكم من أهل السعادة، ورزَقَنا الحُسنى وزيادة.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورًا.



الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا يُوافِي نعمَاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبُود بحقٍّ سِواه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه ومُصطفاه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً وسلامًا دائِمَين مُمتدَّين إلى يوم الدين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[التوبة: 119].
أيها المسلمون:
تلك بعضُ أوصافِ الجنة ونعيمِها؛ فكيف يُفرِّطُ في هذا النعيمِ المُفرِّطُ لأجل دُنيا دنِيَّة قد أفِدَ منها الترحُّل، وأزِفَ عنها التزيُّل؟! ولم يبقَ منها إلا حمأةُ شرٍّ، وصُبابَةُ كَدَر، وأهاوِيلُ عِبَر، وعقوباتٌ غُبُر، وأرسانُ فِتن، وتتابُع زعازِع، وتفريطُ خلَف، وقِلَّةُ أعوان في عيشٍ مشُوبٍ بالنَّغَص، ممزوجٍ بالغُصَص.
فالحَذَر الحَذَر - يا عباد الله -، فالموتُ معقودٌ بنواصِيكم، والدنيا تُطوَى من ورائِكم، ورُبَّ جِراحةٍ قتلَت، ورُبَّ عثرةٍ أهلَكَت، ومن خافَ أدلجَ، ومن أدلجَ بلغَ المنزِلَ، ألا إن سِلعةَ الله غاليةٌ، ألا إن سِلعةَ الله غاليةٌ، ألا إن سِلعةَ الله غاليةٌ، ألا إن سِلعةَ الله الجنة.
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنَّة المُتَّبعة: أبي بكر، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك وإحسانِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين يا رب العالمين.
اللهم انصُر أهلَنا في الشام، اللهم انصُر أهلَنا في الشام، اللهم انصُر أهلَنا في الشام، اللهم عجِّل بنصرِهم وفرَجِهم يا كريمُ يا سميعَ الدعاء، اللهم عجِّل بفرَجهم ونصرِهم يا سميعَ الدعاء، اللهم عجِّل بنصرِهم وفرَجهم يا سميعَ الدعاء.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستِقرارَها.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصِيته للبرِّ والتقوى، ووفِّق جميعَ ولاة أمور المُسلمين لتحكيم شرعِك، واتِّباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم مُنَّ على جميع أوطان المُسلمين بالأمن والاستقرار والرخاء والوحدة يا كريمُ يا رب العالمين، اللهم اكفِهم شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار يا قويُّ يا عزيز، يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحم موتانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على من عادانا.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين برحمتِك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلمُ ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-05-2013, 11:39 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الإكثار من عمل الخير

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة 12 ربيع الثاني 1434هـ بعنوان: "الإكثار من عمل الخير"، والتي تحدَّث فيها عن أعمال الخير وفضل الإكثار منها، وعدَّد بعضَ الأمثلة على ذلك من سُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الخطبة الأولى
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، ذي المُلك الذي يُرام، والعزة التي لا تُضام، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القدوسُ السلام، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ بالهُدى ودين الحقِّ، فمحَا الله به الشرك والضلال، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبه الكرام.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى بالتقرُّب إليه بما شرَع، ومُجانبَة المُحرَّمات والبِدع؛ فقد أفلحَ من استقامَ على الصراط المُستقيم، وفازَ بجنَّات النعيم.
أيها الناس:
حاسِبوا أنفسَكم قبل الحساب؛ لتكثُر حسناتُكم وتقلَّ سيئاتُكم، وأنتم في فُسحةٍ من الأجل، وتمكُّنٍ من العمل، ولن يضُرَّ عبدًا دخل عليه النقصُ في دُنياه، وسلِمَ له دينُه، وعظُمَ أجرُه في أُخراه؛ إذ الدنيا متاع، وما قدَّره الله للإنسان من الرزق مع العمل الصالح فهو رزقٌ مُبارَك، ولا خيرَ في رزقٍ ودُنيا لا دينَ معها يرضَى الله به عن العبد.
وقد تكفَّل الله بالرزق لعِظَم شأن العبادة؛ إذ عليها مدارُ السعادة، قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ[الذاريات: 56- 58].
وفعلُ الأسباب المُباحة لاكتِساب الرزقِ الحلالِ مما شرَعَه الإسلام، ولكنَّ ربَّنا الرحمنَ الرحيمَ الحكيمَ العليمَ، ذا المجد والكرَم، وهَّابَ النعم أرشدَنا إلى أن يكون همُّ المُسلم الأعظم هو الأعمالَ الصالحات التي رحمُه الله بها ويُدخِلُه الجنة، ويُنجِّيه من النار، قال الله تعالى: وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[يونس: 25]، وقال تعالى: وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ[البقرة: 221]، وقال – تبارك وتعالى -: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[آل عمران: 185].
وكان من دُعاء نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم – فيما روى ابنُ عمر -: «اللهم لا تجعَل مُصيبَتَنا في ديننا، ولا تجعَل الدنيا أكبرَ همِّنا، ولا مبلغَ علمِنا»؛ رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ".
وفي الحديث: «من أصبحَ والآخرة همُّه جمعَ الله شملَه، وجعلَ غِناه في قلبه، وأتَتْه الدنيا وهي راغِمة، ومن أصبحَ والدنيا همُّه شتَّت الله شملَه، وأفشَى ضيعتَه، وجعلَ فقرَه بين عينَيْه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كُتِب له».
وقد وصفَ الله لنا في كتابه نعيمَ الجنات بما لا مزيدَ عليه في كُتب الله المُتقدِّمة، ووصفَ لنا رسولُنا - صلى الله عليه وسلم – ذلك النعيمَ المُقيمَ بما لم يصِفه نبيٌّ قبلَه، وكذلك وصفُ النار وعذابِها الأبَديِّ، كأنَّ الجنة والنار رأي العَين؛ ليتسابَقَ المُتسابِقون، ولينزجِرَ عن المعاصِي الغافِلون الجاهِلون.
وبيَّن الله - سبحانه – لنا الأعمالَ التي تُدخِلُ الجنات، وبيَّنها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم – إجمالاً وتفصيلاً.
فأعظمُ ما يُدخِلُ الجنات العُلَى: توحيدُ الله – عز وجل – بأن لا يُشرِكَ المُكلَّفُ بالله شيئًا في أي عبادةٍ، وإقام الصلاة، والزكاة، واجتِناب المظالِم، وأداء الحُقوق لأهلِها.
عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه – عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: «من عبَدَ الله لا يُشرِكُ به، وأقامَ الصلاة، وآتَى الزكاة، وصامَ رمضان، واجتنَبَ الكبائرَ؛ دخل الجنة»؛ رواه أحمد، والنسائي، وإسناده صحيح.
والاستِكثارُ من فضائل الأعمال والمُستحبَّات من الخيرات بعد القيام بالواجِبات، وترك المُحرَّمات، مما يرفعُ الله به للعبد الدرجات، وينالُ به الخيرات، ويُكفِّرُ به السيئات، قال الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا[النساء: 31].
ولا تزهدَنَّ – أيها المسلم – في أي حسنةٍ صغيرةٍ كانت أو كبيرةٍ، ولا تحقِرَنَّ من فعل الخير والقُرُبات شيئًا، فما تدري أيّ حسنةٍ يثقُلُ بها ميزانُك، ويُغفَرُ بها ذنبُك؟!
وأبوابُ الخير كثيرة، والفضائل واسِعة، والحسناتُ مُتشعِّبة وافِرة، فاحرِص عليها زادًا لأُخراك، وعُمرانًا لدارِك دار القرار؛ فمنها:
الأذكار المُستحبَّةُ بعد الصلوات؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سبَّح دُبُر كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحمِدَ ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر ثلاثًا وثلاثين، وختَمَ المائةَ بـ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير؛ غُفِرَت ذنوبُه ولو كانت مثلَ زبَدِ البَحر»؛ رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه – عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: «من قرأَ آيةَ الكُرسيِّ دُبُر كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ لم يمنَعه من دخول الجنة إلا أن يموت». وفي روايةٍ: «وقل هو الله أحد»؛ رواه النسائي، والطبراني، وابن حبان.
والأذكارُ في الصلاة وبعدها مُباركةُ المنافع، فالمسلمُ يحرِصُ ويتعلَّم ويعمل، والله قد ضمِنَ له أعظمَ الأجر.
ومما رغَّبَ فيه الله ورسولُه: التطوُّع بجنسِ الفرائض والواجبات؛ فإن العبدَ إذا حاسبَه الله على الفرائض والواجِبات، ووُجِد فيها النقص، قال الله تعالى: «انظُروا هل لعبدي من تطوُّعٍ تُكمِلون به الفريضة؟» فيلتمِسون أعمالَ التطوُّع لإكمال الواجِبات؛ كالوِتر، والراتِبة، ونوافِل الصلاة، والصدقات مع الزكاة، وصيامِ النوافِل مع رمضان، وتطوُّع الحجِّ مع العُمرة، والخُلُق الحسن إذا ضعُف عن بعضِ العمل.
فيا فوزَ من استكثَرَ من فضائل الأعمال المُستحبَّات، ويا خسارةَ من فاتَه الكثيرُ من نوافِل الطاعات، فنقَصَت في حقِّه الدرجات.
واستمِعوا فضلَ عملٍ قليلٍ عليه ثوابٌ جليلٌ: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صيامُ يوم تطوُّع، وصدقةٌ على مِسكين، واتِّباعُ جنازة، وعيادةُ مريضٍ، ما اجتمَعن لرجُلٍ مُسلمٍ في يومٍ إلا دخلَ الجنة»؛ رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
والذِّكرُ بابٌ عظيمٌ من أبوابِ الجنة، يجلُو صدأَ القلوب، ويغفرُ الذنوب، ويُفرِّجُ الله به الكُروب؛ عن ابن عباس - رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أُخبِرُكم بأفضل أعمالِكم، وأزكاهَا عند مليكِكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهبِ والوَرِق، وخيرٌ لكم من أن تلقَوا عدوَّكم فتضرِبوا أعناقَهم، ويضرِبوا أعناقَكم؟». قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «ذكرُ الله»؛ رواه الحاكم، وقال: "صحيحُ الإسناد".
وعن عبد الله بن بُسْرٍ - رضي الله عنه – قال: قلتُ: يا رسول الله! إن شرائِعَ الإسلام قد كثُرت، فبابٌ نتمسَّكُ به جامعٌ؟ قال: «لا يزالُ لِسانُك رطبًا من ذكرِ الله»؛ رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال حين يُصبِح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير مائةَ مرة؛ كتبَ الله له بها مائةَ حسنة، ومحَا عنه مائةَ سيئة، وكانت كعِدلِ عشر رِقابٍ، وكانت حِرزًا له من الشيطان يومَه ذاك»؛ رواه البخاري ومسلم.
«ومن قال: سبحان الله وبحمده مائةَ مرة في أول يومِه، ومائةَ مرة أول ليلته؛ لم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجلٌ عمِلَ مثلَ عمله، أو زادَ»؛ رواه مسلم.
والأذكارُ في أول النهار وفي إقبال الليل، الوارِدةُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم – مُباركةٌ، جمَعَت كلَّ الخيرات؛ ففيها الأجورُ العظيمة، والمنافعُ التي لا تُحصَى، وحِرزٌ للعبد من شياطين الإنس والجنِّ.
ومن أحسن الكُتب التي جمعَتها: "تحفةُ الذاكِرين شرحُ الحِصن الحَصين".
وجامِعُ خيرَي الدنيا والآخرة: الدعاء؛ عن أنس - رضي الله عنه – عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: «الدعاءُ مُخُّ العبادة»؛ رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه – عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: «ليس شيءٌ أكرمُ على الله من الدعاء»؛ رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وهو صحيحُ الإسناد.
لأن الدعاءَ يعتمِدُ القلبُ فيه على الله، ويتعلَّقُ به، ويتوكَّلُ عليه، ولا يلتفِتُ لغيره؛ فمن لزِمَ دعاءَ ربِّه وحدَه قُضِيَت حاجاتُه، وحسُنَت عاقِبَتُه، وصحَّت دِيانتُه، ومن دعا غيرَ الله تعالى خابَ وخَسِرَ، وخُذِلَ، وحُرِم قضاء الحاجات، واقترفَ الشركَ الأكبر.
والصلاةُ والسلام على سيِّدنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم – يُغفرُ بها الذنب، ويكفِي الله بها العبدَ ما أهمَّه، ويُصلِّي الله بها عشرًا على قائلِها؛ عن ابن مسعود - رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: «أولَى الناسِ بي يوم القيامة: أكثرُهم عليَّ الصلاة»؛ رواه الترمذي، والنسائي، وابن حبان، وصحَّحه.
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[الحج: 77].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المُرسَلين وقولِه القَويم، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله العظيمَ لي ولكم وللمسلمين؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، غافر الذنوب، ويكشِف الكُروب، ويستُر العيوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له علاَّم الغيوب، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه هدَى الله به من الضلال، وبصَّر به من العَمَى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أولِي البرِّ والتُّقَى.
أما بعد:
فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.
عباد الله:
وكما أن للجنة أعمالاً مُبارَكة يُحبُّها الله ويرضَاها، فكذلك للنار أعمالاً يُبغِضُها الله ويكرَهُها، ويُعاقِبُ عليها.
وأكبرُ الأعمال المُوجِبَة للنار: أنواعُ الشرك الأكبر، وترك الصلاة، ثم الكبائر، قال الله تعالى عن أهل النار: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ[المدثر: 42- 47].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم ومُحقِّرات الذنوب؛ فإنهنَّ يجتمِعنَ على الرجلِ حتى يُهلِكنَه».
ومثَلُ ذلك كمثَل قومٍ حضَرَ صنيعُهم، فجمعَ هذا عودًا، وهذا جمع عودَين، وهذا أتَى بِبعْرة، فجمَعوا كثيرًا، ثم أوقَدوا نارَهم فأنضَجوا طعامَهم.
وسيئاتُ اللسان من أعظم الخطَر على الإنسان؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوهِهم إلا حصائِدُ ألسِنَتهم؟!»؛ رواه الترمذي من حديث مُعاذ - رضي الله تعالى عنه -.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
فصلُّوا وسلِّموا على سيدِ الأولين والآخرين وإمام المُرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وأزواجه وذريته وأهل بيته، كما صلَّيتَ على إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أذِلَّ الكفرَ والكافرين، اللهم دمِّر أعداءَك أعداءَ الدين يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيث، أصلِح لنا شأنَنا كلَّه، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّمُ وأنت المُؤخِّرُ، لا إله إلا أنت.
اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذابِ الآخرة.
اللهم أعِذنا من شرور أنفسِنا، وأعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصُر دينَك وكتابَك في كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك، اللهم أبطِل كيدَ أعداء الإسلام يا رب العالمين، اللهم أبطِل مُخطَّطات أعداء الإسلام التي يكِيدون بها للإسلام والمُسلمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصُر المُسلمين في الشام، اللهم ارفع ما بهم من البلاء، اللهم اكشِف ما بهم من الضُّر، اللهم اكشِف ما نزلَ بهم من اللأواء والشدائد يا رب العالمين، إنك أنت رحمنُ الدنيا والآخرة.
اللهم أنزِل بأسَك على من ظلمَهم، وعلى من اضطَهدهم، وعلى من تسلَّط عليهم بغير حقٍّ يا رب العالمين، اللهم عليك بمن آذَى المُسلمين في الشام، اللهم عليك يا رب العالمين بمن ظلَمَ المُسلمين يا رب العالمين وآذاهم في دينهم في أي مكانٍ كانوا يا رب العالمين، اكفِ المُسلمين شرَّ الأشرار.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام اللهم إنا نسألُك أن تُغيثَنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا مُغيثًا هنيئًا مريئًا، اللهم سُقيا رحمة لا سُقيا عذاب ولا هدمٍ ولا غرق يا أرحم الراحمين، إن بالبلاد والعباد من اللأواء والشدَّة ما لا يكشِفه غيرُك فأنزِل علينا الغيثَ يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم ولاةَ أمورنا.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، اللهم يا ذا الجلال والإكرام وانفَع به الإسلام والمسلمين، وانصُر به الإسلام والمُسلمين، إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم وفِّق نائِبَه وليَّ عهده لما تحبُّ وترضى، ولما فيه نُصرة الإسلام والمُسلمين يا رب العالمين.
ربَّنا اغفر لنا ذنوبَنا، وإسرافَنا في أمرنا يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
اللهم اغفر للمُسلمين الميتين يا رب العالمين، اللهم اغفر للمُسلمين والمُسلِمات، إنك على كل شيء قدير.
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-05-2013, 11:42 AM   رقم المشاركة : 3

 

وسائل نصرة دين الله
ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "وسائل نصرة دين الله"، والتي تحدَّث فيها عن نُصرة الدين وعِظَم فضله وجليل مرتبته، وبيَّن أن نُصرة الدين لها صورٌ عديدة ووسائل كثيرة؛ منها: نشرُ الدين والحِرصُ عليه، وبيان محاسنِه، ونشر سُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والدفاع عنه، ونُصرة المظلومين بما يستطيعه المرء، وحثَّ على الإكثار من الدعاء، وأنه من أنفع وسائل نُصرة المظلوم.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الذي دعا إلى القوة والنُّصرة، أحمده - سبحانه - وأشكرُه على نعمة الهداية التي أخرجَنا بها من النور إلى الظُّلمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزلَ القرآن الذي عصَمَنا به من التفرُّق وأحلَّ به المحبَّةَ والأُلفَة، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه خيرُ رسولٍ وأُسوة، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين طهَّر الله بهم الأرضَ من أهل البغيِ والطُّغْمة.
أما بعد:
فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
حين تُقلِّبُ ناظِرَيك في الأحداث التي تتكالَبُ اليوم تُبصِرُ مظاهرَ المُدافَعة أو الصِّراع بين الخير والشرِّ، هذه السُّنَّة التي لا يُمكنُ أن تخلُو الحياةُ البشريَّةُ منها بحالٍ من الأحوال؛ سبٌّ للذَّات الإلهيَّة، استِهزاءٌ بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، امتِهانٌ للمُصحف، سُخريةٌ بالقرآن، انتِهاكٌ للمُقدَّسات.
ومن المظاهر: الحربُ الشَّرِسةُ على بلاد الإسلام، وما ينجُمُ عنها من قتلٍ وتشرُّدٍ، وآلامٍ، ويُتمٍ، وفقرٍ، وجوعٍ، وغرقٍ، وفي خِضَمِّ ذلك كلِّه يتساءَلُ المُسلمُ الصادقُ عن دورِه وموقفِه، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ[الصف: 14].
النُّصرةُ فريضةٌ دينيَّةٌ، نُصرةُ الله، نُصرةُ كتابه، نُصرةُ دينِه ورسولِه، نُصرةُ المظلومين، نُصرةُ الأيتام والفُقراء، قال الله تعالى: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ[الأنفال: 72].
وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «انصُر أخاكَ ظالِمًا أو مظلومًا».
تكونُ نُصرةُ الدين بنشره ورِفعتِه، وأن نكون حُماةً له، مع التمسُّك بأحكامه، وتطبيقِ أوامِره ونواهِيه، وبيان محاسِنِه، وأنه سبيلُ السعادة في الدنيا والآخرة.
نُصرةُ الدين مرتبةٌ عُليا وهدفٌ أسمَى، وعزٌّ وتمكين، وهي ميدانٌ فَسيح لكل مسلمٍ ومُسلمة، أساسُ نُصرة الدين هجرُ الذنوبِ والصِّدقُ مع الله - تبارك وتعالى -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما ينصُرُ اللهُ هذه الأمة بضعيفِها، بدعوتِهم وصلاتِهم وإخلاصِهم».
ثم لا تحقِرنَّ من المعروف شيئًا لنُصرة دينِك، وفي "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لقد رأيتُ رجلاً يتقلَّبُ في الجنةِ في شجرةٍ قطعَها من ظهر الطريقِ كانت تُؤذِي الناس».
لقد سخَّر الصحابةُ إمكاناتهم وقُدراتِهم لخدمة الدين؛ فبلالُ بن أبي رباحٍ خدمَ الدينَ بصوتِه الشجِيِّ مُؤذِّنًا. وزيدُ بن ثابتٍ حفِظَ الوحيَ بكتابتِه. وخالدُ بن الوليد يقودُ الجيوشَ، سيفٌ من سُيوف الله المُسلول. وحسَّانُ بن ثابتٍ يُنافِحُ عن الدين وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ميدان الإعلام. وعثمانُ بن عفَّان يُسخِّرُ مالَه لخدمة الدين، يحفِرُ بئرًا، ويُجهِّزُ جيشَ العُسرة، ويُواسِي الفُقراء. ومُصعبُ بن عُميرٍ إمامُ الدعوة إلى الله في المدينة. أما أبو بكرٍ وعمر فهما أعمدةُ النُّصرة وأركانُ الدولة - رضي الله عنهم أجمعين -.
إن الوسائلَ التي ننصُرُ بها الدين لا حصرَ لها، وهي تَسَعُ الجميعَ؛ فمن شاركَ في نُصرة الدين ولو باليسير نالَ الأجرَ الجزيلَ، كما جاء في الحديث: «إن اللهَ ليُدخِلُ بالسَّهم الواحِد ثلاثةً الجنة؛ صانِعَه يحتسِبُ في صنعَته الخيرَ، والرامِي به، والمُمِدَّ به».
ومن صدَقَ مع الله لنُصرة دينِه كتبَ الله أجرَه ولو حِيلَ بينَه وبين العمل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الدُّنيا لأربعة نفَر: عبدٍ رزقَه الله مالاً فهو يتَّقِي فيه ربَّه، ويصِلُ فيه رحِمَه، ويعلمُ لله فيها حقًّا؛ فهذا بأفضل المنازِل. وعبدٍ رزقَه الله علمًا ولم يرزُقه علمًا، فهو صادقُ النيَّة، يقول: لو أن لي مالاً لعمِلتُ بعملِ فلانٍ، فهو بنيَّته، فأجرُهما سواء ..».
والنُّصرةُ - عباد الله - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[الأعراف: 157].
ومن أعظم وسائلِ النُّصرة لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: نشرُ سُنَّته، وطاعتُه، والحِرصُ على الاقتِداءِ به، قال الله تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساء: 65].
ومن نُصرته: محبَّةُ آل بيته، محبَّةُ أصحابِه وتوقيرُهم، واعتِقادُ فضلِهم، وتربيةُ الأبناء على محبَّته، وبيانُ خصائصِ دعوته، ودحرُ الشُّبُهات والأباطِيل التي تُثارُ حولَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرتِه، وترجمتُها إلى اللُّغات الأخرى.
والنُّصرةُ للمظلومين في أصقاع الأرض، المظلومُ له حقُّ النُّصرة حتى يأخُذَ حقَّه، والأخذُ على يدِ الظالِمِ حتى يكُفَّ عن تعدِّيه؛ فكم في المُسلمين من ذوِي حاجةٍ، وأصحابِ هُموم، وصَرعَى مظالِم، وجرحَى قلوب، والظالمُ والمُعينُ على الظُّلم والمُحبُّ له سواء.
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - من التنصُّل عن نُصرة المُسلمين: «المُسلمُ أخو المُسلم؛ لا يظلِمه، ولا يُسلِمه».
لا يُسلِمُه في مُصيبةٍ نزلَت به، ولا يتركُه ولا يتخلَّى عنه، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ[الأنفال: 73]؛ أي: أن الكفارَ ينصُرُ بعضُهم بعضًا، وأنتم - أيها المسلمون - إن لم تتناصَروا تكُن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير.
نُصرةُ المظلومين - إخوة الإسلام - بمُسانَدتهم بالقول والعمل، تتأكَّدُ النُّصرةُ للمظلومين في الشام وبُورما وغيرها، ونحن نسمعُ أنينَهم، وتطرقُ آذانَنا صرخاتُ استِغاثتهم، ونُبصِرُ دماءَهم تنزِف، وأشلاءَهم تتناثَر، جرائِمُ بشِعة، وإبادةٌ جماعيَّة، لم يعرِف التاريخُ لها مثيلاً؛ أحرَقَت الأجساد، وأدمَت القلوب، وشرَّدَت الآلاف، وأفزَعَت وقتَلَت الأطفال، ودمَّرَت المُمتلكات، وأهلَكَت الأخضرَ واليابِسَ.
فيا عجبًا من عالَمٍ ماتَ ضميرُه حين أدارَ ظهرَه لهذا الظُّلم وهذه المآسِي!
ومن النُّصرة - عباد الله -: حثُّ المُسلمين على الإنفاق؛ فيُواسِي المُسلِمُ إخوانَه بمالِه، ويبسُطُ يدَه بالبَذل والعَطاء، يُطعِمُ الجائِعَ، ويفُكُّ الأسيرَ، ويُداوِي المريضَ.
والإعلامُ - عباد الله - له رسالةٌ فاعِلةٌ في النُّصرة، يُذكِّرُ المُسلمين بالله، ويُقوِّي إيمانَه، يُجلِّي للأمة واقِعَها، يرفعُ المعنويَّات، يشحَذُ الهِمَّة.
رسالةُ الإعلام: التعريفُ بقضايا المُسلمين المهضُومة؛ لإحقاقِ الحقِّ وإزهاقِ الباطِل، تقول عائشة - رضي الله عنها - فيما رواه مُسلم -: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لحسَّان - رضي الله عنه -: «إن روحَ القُدُس لا يزالُ يُؤيِّدُك ما نافَحتَ عن الله ورسولِه».
فمن نافَحَ عن الله ورسولِه أيَّدَه الله وأعزَّه.
ومن النُّصرة - عباد الله -: النُّصرةُ بالدعاء، وهي من أهم وسائلِ النُّصرة وأنفعِها وأقواها، ولا يُعذرُ مُسلمٌ بتركِها، وهي وسيلةٌ مُؤثِّرةٌ ولا غِنَى عنها، أشارَ القرآنُ الكريمُ إلى أثرِها، قال الله تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ[القمر: 9- 12].
وكان رسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يدعُو في القُنوت على من اضطَهَد المُسلمين وآذاهم بأسمائِهم وأشخاصِهم.
مهما اشتدَّت الخُطوبُ وادلهَمَّت الأحداث، فلا ملجَأَ لنا إلا الله، لا يكشِفُ الكربَ والضُّرَّ إلا الله، قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا[الإسراء: 56].
مهما كادَ الكائِدون، ومكَرَ أهلُ الشرِّ والبَغي، وخطَّطَ المُتربِّصُون؛ فإن المُستقبَلَ لهذا الدين، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «بشِّر هذه الأمةَ بالسَّنَاءِ والرِّفعَةِ والنُّصرةِ والتمكينِ في الأرض»، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ[التوبة: 32].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله ذي الفضلِ العظيم، أحمدُه - سبحانه - وأشكرُه وهو الحكيمُ العليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ بالهُدى والنور المُبين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.

أما بعد:
فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
نُصرةُ المُسلمين المظلومين نجاةٌ للأنفُس، وحمايةٌ للأوطان، وتثبيتٌ للأركان، وسببٌ لمعونة الله وحِفظِه، تحِلُّ بها رحمتُه في البلاد والعباد، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[محمد: 7].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ومن فرَّجَ عن مُسلمٍ كُربةً فرَّجَ الله عنه بها كُربةً من كُرَب يوم القيامة، واللهُ في عون العبدِ ما كان العبدُ في عون أخيه، والرَّاحِمون يرحمُهم الرحمن». وهذا الجزاءُ من جنسِ العمل.
النُّصرةُ من أحبِّ الأعمال إلى الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله سُرورٌ تُدخِلُه على مُسلمٍ، أو تكشِفُ عنه كُربةً، أو تطرُدُ عنه جوعًا، أو تقضِي عنه دَينًا».
ألا وصلُّوا - عباد الله - على رسولِ الهُدى؛ فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على محمدٍ وأزواجه وذرِّيَّته كما صلَّيتَ على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك اللهم على محمدٍ وأزواجه وذرِّيَّته كما بارَكتَ على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الآل والصحبِ الكرام، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أرحمَ الراحِمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الشِّركَ والمُشركين، ودمِّر اللهم أعداءَك أعداءَ الدين، واجعَل اللهم هذا البلَدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائرَ بلاد المُسلمين.
اللهم من أرادَنا وأرادَ بلادَنا وبلادَ المُسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، واجعَل تدبيرَه تدميرَه يا سميع الدعاء.
اللهم احفَظ وانصُر إخوانَنا في الشام، اللهم احفَظ إخوانَنا في بُورما والشام، اللهم انصُرهم بنصرِك، وأيِّدهم بتأييدك يا رب العالمين، اللهم كُن لهم مُؤيِّدًا ونصيرًا وظهيرًا يا رب العالمين.
اللهم ألِّف بين قلوبِهم، ووحِّد صفوفَهم، واجمَع كلمتَهم يا قوي يا عزيز، إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ، ونعوذُ بك من النار وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ.
اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ يا رب العالمين.
اللهم أعِنَّا ولا تُعِن علينا، وانصُرنا ولا تنصُر علينا، وامكُر لنا ولا تمكُر علينا، واهدِنا ويسِّر الهُدى لنا، وانصُرنا على من بغَى علينا.
اللهم اجعَلنا لك ذاكِرين، لك شاكِرين، لك مُخبِتين، لك أوَّاهِين مُنيبين.
اللهم تقبَّل توبتَنا، واغسِل حوبتَنا، وثبِّت حُجَّتَنا، واسلُل سخيمَةَ قلوبِنا يا رب العالمين، اللهم إنا نسألُك الهُدى والتُّقَى والعفافَ والغِنَى.
اللهم ارحَم موتانا، واشفِ مرضانا، وفُكَّ أسرانا، اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا لما تُحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك يا رب العالمين.
ووفِّق جميعَ وُلاة أمور المُسلمين للعمل بكتابِك، وتحكيم شرعِك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألُك يا الله بأسمائِك الحُسنى، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم سُقيا رحمةٍ، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ.
اللهم إنا نسألُك رِضوانَك والجنةَ، ونعوذُ بك من سخَطِك ومن النار.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[الحشر: 10]، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23]، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا اللهَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-18-2013, 10:43 AM   رقم المشاركة : 4

 

شكر النعم
ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة 26 ربيع الثاني 1434هـ بعنوان: "من فقه العبد: شكر النعم"، والتي تحدَّث فيها عن نعمتَي السمع والبصر، وأنهما من أعظم النعم بعد الهداية إلى الطريق المُستقيم، وحثَّ على وجوب شُكر النعم لئلا تزول بالجُحود والنُّكران.

الخطبة الأولى
الحمد لله البرِّ الرؤوف الرحيم، أحمده - سبحانه - على نعمه وإحسانِه القديم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الأولُ والآخرُ والظاهرُ والباطنُ وهو بكل شيءٍ عليم، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله الصادقُ المصدوقُ ذو الخُلُق العظيم، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبِه والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ[البقرة: 281].
أيها المسلمون:
صرفُ النعم فيما يُرضِي المُنعِم، والتقوِّي بها على طاعته، وتوجيهُها الوِجهةَ الصالحةَ، واستِعمالُها في كل خيرٍ عاجلٍ أو آجِلٍ آيةٌ بيِّنةٌ على سعادة المرء؛ إذ سلَكَ مسالِكَ أُولِي الألباب، واقتفَى أثرَ المُتقين الذين يبتغون الوسيلةَ بذِكره - سبحانه - وشُكرِه الذي أمرَهم به في قولِه: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ[البقرة: 152].
وهو شكرٌ يبلغُ به صاحبُه المزيدَ الذي وعَدَ الله به عبادَه الشاكِرين بقوله: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[إبراهيم: 7].
ولئن تعدَّدَت نعمُ الله على عباده؛ فإن من أجلِّ هذه النِّعم - بعد نعمة الهداية إلى الإسلام - نعمة السمع والأبصار والأفئدة التي خصَّها الله بالذكرِ في قوله: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[النحل: 78].
وإنما خصَّها - سبحانه - بالذكر لشرفِها ومنزلتِها؛ إذ هي مفاتيحُ كلِّ علمٍ، وسببٌ مُوصِلٌ إلى الهداية إلى صراط الله المُستقيم، وسبيلٌ يُدرِكُ به المرءُ ما يرجوه ويُؤمِّلُه، ويُميِّزُ به بين ما يضُرُّه وما ينفعُه.
وقد قرَنَ - جل وعلا - هذه النعم بلُزوم شُكره عليها شُكرًا يتجاوَزُ التلفُّظَ به إلى استِعمالها في طاعته، وصرفِها إلى ما يحبُّه ويرضاه من الأقوال والأعمال، بأن يستعينَ العبدُ بكل عُضوٍ من أعضائِه، وبكل جارِحةٍ من جوارِحِه على طاعة خالقِه ومولاه، فتكون عاقِبةُ هذا الشُّكر العمليِّ أن تغدُو كلُّ أفعاله لله - عز وجل -، فلا يسمعُ إلا ما أحلَّ الله، ولا ينظُرُ إلا إلى ما أحلَّ الله، ولا يعتقِدُ إلا ما يرضاه - سبحانه -.
فيكونُ كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري - رحمه الله - في "صحيحه" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله قال: من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ، وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضْتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافِلِ حتى أُحِبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الي يسمعُ به، وبصرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يبطِشُ بها، ورِجلَه التي يمشي بها، وإن سألَني لأُعطِيَنَّه، وإن استعاذَني لأُعِيذَنَّه ..» الحديث.
وما أحسنَ هذه العاقبة، وما أعظمَ هذا الجزاء الضَّافِي، وما أجدرَه أن يكون مُبتغَى كل لبيبٍ ناصحٍ لنفسِه، مُريدٍ سعادتها وفلاحها، راغِبٍ في تزكِيَتها ونجاتها. وعلى العكس من ذلك: من استعملَ هذه النعمَ فيما يُسخِطُ ربَّه؛ فنظرَ إلى ما حرَّم الله، واستمعَ إلى ما لا يحِلُّ له، ومنه ما تبُثُّه قنواتٌ فضائيَّةٌ، أو تنشُرُه صحفٌ ومجلاَّت، أو تشتمل عليه أماكنُ، أو تُروِّجُ له مواقِع ومشاهِد؛ فإنه قابلَ النعمَ أقبحَ مُقابَلة، وكان ممن بدَّل نعمةَ الله كُفرًا، وآلاءَه جُحودًا؛ مُتناسِيًا أن العينين تزنِيَان وزِناهُما النظر، وأن الأُذنَين تزنِيَان وزِناهُما السماع.
كما أخبرَ بذلك الصادقُ المصدوقُ - صلوات الله وسلامه عليه - في الحديث الذي أخرجه الشيخان في "صحيحيهما".
فبذلك يكون قد باءَ بغضبٍ من الله، واستحقَّ من عاجلِ عقوبة المعصية - إذا أصرَّ عليها ولم يتُب منها - أنها تُوجِبُ القطيعةَ بين العبد وبين ربِّه - تبارك وتعالى -، كما قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "وإذا وقعَت القطيعةُ انقطَعت عنه أسبابُ الخير، واتَّصَلت به أسبابُ الشر؛ فأيُّ فلاحٍ وأيُّ رجاءٍ وأيُّ عيشٍ لمن انقطَعت عنه أسبابُ الخير، وقَطَع ما بينه وبين وليِّه ومولاه الذي لا غِنى له عنه طرفَة عينٍ، ولا بُدَّ له منه، ولا عِوَض له عنه، واتَّصَلت به أسبابُ الشر، ووصل ما بينه وبين أعدَى عدوٍّ له، فتولاَّه عدوُّه وتخلَّى عنه وليُّه، فلا تعلمُ نفسٌ ما في هذا الانقطاع والاتِّصال من أنواع الآلام وأنواع العذاب". وهذه من أعظم العقوبات.
ومنها: أنها تستدعِي نسيانَ الله لعبده، وتركَه، وتخلِيَته بينه وبين نفسِه وشيطانه، وهناك الهلاكُ الذي لا يُرجَى معه نجاة، وأنها تُزيلُ النِّعَم وتُحِلُّ النِّقَم؛ فما زالَت عن العبد نعمةٌ إلا بذنبٍ، ولا حلَّت به نقمةٌ إلا بذنبٍ.
وأنها تُمرِضُ القلبَ وتُضعِفُه، وتُعمِي البصيرة، وتُسقِطُ الكرامةَ، وتُصغِّرُ النفوس وتُدسِّيها وتُحقِّرُها، وتسلُبُ صاحبَها أسماءَ المدح والشرف، وتكسُوه أسماءَ الذمِّ والصَّغَار، وتجعلُه من السَّفَلة، وتمحَقُ البركةَ في العُمر والرِّزق والعمل. وهذا هو شأنُ المعاصِي كلِّها، وأثرُها في حياة العبد، وضررُها على دينِه ودُنياه.
فاتقوا الله - عباد الله -، واعمَلوا على شُكر نعمة الله عليكم، وخاصَّةً نعمتَيْ: السمع والبصر، باستِعمالهما في طاعة الله، تكونوا من الشاكرين حقًّا، الفائزين يوم الدين.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنبٍ، إنه كان غفَّارًا.

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه.
أما بعد، فيا عباد الله:
إن محقَ البركة في العُمر وفي الرِّزق، وفي العلم وفي العمل، وفي الدين والدنيا، هذا الذي يجِده كل عاصٍ لله، بصرفِ نعمِ الله عليه إلى ما يُسخِطُه، إنما كان ذلك - كما قال بعضُ أهل العلم -: "لأن الشيطان مُوكَّلٌ به وبأصحابه، فسُلطانُه عليهم، وحوالَتُه على هذا الديوان وأهلِه وأصحابِه، وكل شيءٍ يتَّصِل به الشيطانُ ويُقارِنُه فبركتُه ممحوقة".
ولهذا شُرِع ذكرُ اسم الله تعالى عند الأكل والشرب، واللبس، والركوب، ودخول الدار، وغيرها؛ لما في مُقارنة اسم الله من البركة، وذِكرُ اسمه يطرُدُ الشيطان فتحصُلُ البركة، وكلُّ شيءٍ لا يكونُ لله فبركتُه منزوعة؛ فإن الربَّ هو الذي يُبارِكُ وحدَه، والبركةُ كلُّها منه، وكلُّ ما نُسِبَ إليه فهو مُبارَكٌ، وكل ما باعَدَه من نفسه من الأعيان والأقوال والأعمال فلا بركَةَ فيه، وقد لعَنَ عدوَّه إبليس وجعلَه أبعدَ خلقه منه، فكلُّ ما كان من جهته فله من لعنة الله بقدر قُربِه منه واتِّصاله به.
فمن ها هنا، كان للمعاصِي أعظم تأثير في محقِ بركة العُمر والرِّزق، والعلم والعمل.
وكل وقتٍ عُصِيَ الله فيه، أو مالٍ عُصِيَ الله به، أو بدَنٍ أو جاهٍ أو علمٍ أو عملٍ فهو على صاحبِه ليس له، فليس له من عُمره وماله وقُوَّتِه وجاهِه وعلمه وعمله إلا ما أطاعَ الله به.
فاتقوا الله - عباد الله -، واتَّخِذوا من طاعة ربِّكم والاستِعانة عليها بكل نعمةٍ أنعمَها عليكم سببًا لحُصول البركة في أعماركم وأعمالكم وأرزاقِكم، والحَظوة بالنعيم المُقيم عند خالقِكم.
واذكُروا على الدوام أن الله تعالى قد أمرَكم بالصلاة والسلام على خاتَم النبيين، وإمام المتقين، ورحمة الله للعالمين؛ فقال - سبحانه - في الكتاب المُبين: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينكَ وكتابكَ، وسنةَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعبادكَ المؤمنين المُجاهِدين الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورِنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، ووفِّقه لما تُحبُّ وترضى يا سميعَ الدعاء، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وإخوانَه إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمُسلمين، وإلى ما فيه صلاحُ العباد والبلاد.
اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذابِ الآخرة.
اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.
اللهم إنا نعوذُ بك من زوال نعمتِك، وتحوُّل عافيتِك، وفُجاءة نقمتِك، وجميع سخَطِك، اللهم إنا نسألُك فعلَ الخيرات، وتركَ المُنكَرات، وحُبَّ المساكين، وأن تغفِرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَّ بقومٍ فتنةً فاقبِضنا إليك غيرَ مفتُونين.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا.
اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلُك في نحورِهم، ونعوذُ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نحورِهم، ونعوذُ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نحورِهم، ونعوذُ بك من شرورهم.
اللهم احفَظ المُسلمين في كل دِيارِهم وأمصارِهم، اللهم احفَظهم في سوريا، وفي فلسطين، وفي بورما، وفي كل ديارِ الإسلام يا رب العالمين، اللهم انصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم، اللهم واشفِ جرحاهم، وارحم موتاهم، واكتُب أجرَ الشهادة لقتلاهم يا رب العالمين.
اللهم أطعِم جائِعَهم، واكسُ عارِيَهم، واكشِف عنهم الضُّرَّ برحمتك يا رب العالمين.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23]، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ[آل عمران: 8]، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
وصلَّى اللهم وسلَّم على عبدِه ورسولِه نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-18-2013, 10:46 AM   رقم المشاركة : 5

 

المُعوِّذتان .. فضائل وآداب
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة 3 جمادى الاول 1434 هـ بعنوان: "المُعوِّذتان .. فضائل وآداب"، والتي تحدَّث فيها عن المُعوِّذتين (سورة الفلق وسورة الناس)، وما وردَ فيهما من فضلٍ، وبعض الآداب المُتعلِّقة بهما، مع ذكرِ شيءٍ من اللطائِف التي وردَت فيهما.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - بما وصَّى الله به الأُممَ الغابِرة، كما وصَّى الأمةَ الحاضِرة: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[النساء: 131].
من تنبَّه سلِم، ومن غفَل ندِم، وسوف يُبعث الناس، وتُنصَبُ الموازين، فأعِدُّوا لذلك اليوم عُدَّته، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ[البقرة: 281].
أيها المسلمون:
كانت الجنةُ موطنَ الإنسان الأول، والجنةُ هي الخيرُ الذي لا شرَّ فيه، كما أن النارَ هي الشرُّ الذي لا خيرَ فيه، أما الدنيا ففيها الخيرُ والشرُّ.
ولما كانت الشُّرور تعرِضُ للإنسان في مسيرة حياته من حيث لا يحتسِب؛ فقد تعلَّق الإنسانُ الجاهلُ بما يعتقِدُ أنه يدفعُ تلك الشُّرور من غير خبرٍ من السماء، ولا إشارةٍ من أنبياء، فزادَ الشرُّ وفسدَت الأديان، كما قال الله - عز وجل -: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا[الجن: 6].
ثم إن الله تعالى برحمته ولُطفه شرعَ لخلقه وأخبرَهم بمن يلوذون، وكيف يستعيذُون؛ لتصلُحَ أديانُهم وتسلمَ أبدانُهم.
روى عقبةُ بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألم ترَ آياتٍ أُنزلَت هذه الليلة لم يُرَ مثلهنَّ قط: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[الفلق: 1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[الناس: 1]»؛ رواه مسلم.
هكذا وصفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - السورتَين العظيمَتَين. وإذ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الكلمات، فإنه يعني أنها تحوِي سرًّا إلهيًّا كبيرًا، وحِصنًا من الله عظيمًا، وسلاحًا يدفعُ به المؤمنُ شياطينَ الجنِّ والإنس، ويُواجِهُ بها شُرورَ الحياة ومصاعِبها وشدائدَها، والكائدِين فيها والحاسِدين، والسحرةَ والمُشعوِذين، وما يعترِضُه من أخطاءٍ تُؤثِّرُ في حياتِه، وتضرُّه وتُؤذِيه.
وسورةُ الفلق وأختُها سورةُ الناس آياتٌ بيِّناتٌ تذكُر الداء والدواء، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُولِيهما عنايةً خاصَّةً، ويتعوَّذُ بهما كما أمرَه ربُّه - عز وجل -.
عن أبي سعيد قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوَّذ من الجانِّ وعين الإنسان، حتى نزلَت المُعوِّذتان، فلما نزلَتا أخذَ بهما وتركَ ما سِواهما"؛ رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: "حديثٌ حسن".

أيها المسلمون:
هاتان السورتان توجيهٌ من الله تعالى لنبيِّه - عليه السلام - ابتِداءً، وللمُؤمنين من بعده جميعًا؛ للعِياذ بكنَفِه، واللِّياذ بحِماه من كل مخُوفٍ خافٍ وظاهرٍ، مجهولٍ ومعلومٍ، على وجه الإجمال وعلى وجه التفصيل.
وكأنما يفتحُ اللهُ تعالى للمُؤمنين حِماه، ويبسُط لهم كنفَه، ويقول لهم في مودَّةٍ ورحمةٍ: تعالَوا إلى الحِمَى، تعالَوا إلى مأمنِكم الذي تطمئِنُّون فيه، تعالَوا فأنا أعلمُ بضعفِكم وما حولَكم من مخاوف، وأقدرُ على عدوِّكم. وفي كنَفِ الله الأمنُ والطمأنينةُ والسلام.
والمُتأمِّلُ في السورتَين يجِدُ أنها حِصنٌ من شُرورٍ خفيَّةٍ غير ظاهرةٍ، وتُصيبُ الإنسانَ دون أن يُعرَف من قامَ بها في كثيرٍ من الأحيان، ولذلك جاء الأمرُ الربَّانيُّ يخصُّ هذه الشُّرورَ بالذكر من بين الأخطار والآفات المُحدِقة بالإنسان، وجاءَ الأمرُ الربَّانيُّ بطلَبِ الغوثِ والمعونة والاستِجارةِ والاستِعاذَة بالله - سبحانه - من كل الشُّرور بشكلٍ عامٍّ، ومن هذه الشُّرور المذكورةِ بشكلٍ خاصٍّ.
والقصدُ: هو تعميقُ التوحيد في النفوس، وذلك لحاجتِها لمن يحفَظُها ويدفعُ عنها أنواعَ الشُّرور والأذَى، وتعلُّقُها بمن يحمِيها ويدفعُ عنها الشرَّ. فتضمَّنَت هاتان السُّورتَان الاستعاذَةُ من هذه الشُّرور كلِّها بأوجَزِ لفظٍ وأجمعِه، وأدلِّه على المُراد، وأعمِّه استِعاذة.
ومعنى أَعُوذُأي: ألُوذُ وألتجِئُ وأعتصِمُ بالله، وأطلبُ منه الحماية.
فالاستِعاذةُ عبادةٌ نسترضِي بها من نستعيذُ به - سبحانه -، وهي الثقةُ بأنه وحده القادرُ على دفع الخطَر ورفعِه.
ففي المُعوِّذة الأولى أمرَ الله نبيَّه أن يستعيذَ ويحتمِي بربِّ الفلق، وهو الله - سبحانه - ربُّ الصباح المُنفلِق عن الليل، الكاشِف لظلامه.
وتخصيصُ الصُّبح بالتعوُّذ هو أن انبِثاق نور الصُّبح بعد شدَّة الظُّلمة كالمثَل لمجِيء الفرَج بعد الشدَّة، فكما أن الإنسانَ يكونُ مُنتظِرًا لطلُوع الصباح، فكذلك الخائِفُ يترقَّبُ مجيءَ الفرَج والأمان، فقال - عز وجل - لنبيِّه ولكل مؤمنٍ به: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَأي: من شرِّ خلقِه إطلاقًا وإجمالاً، وهو عامٌّ لكل شرٍّ في الدنيا والآخرة، وشرِّ الإنس والجنِّ والشياطين، وشرِّ السِّباع والهوامِّ، وشرِّ النار، وشرِّ الذنوب والهوَى، وشرِّ النفس، وشرِّ العمل، وشرِّ كل ذي شرٍّ.
وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَالغسقُ شدَّةُ الظلام، والغاسِق هو الليلُ أو من يتحرَّكُ في جوفِه، ومعنى وَقَبَأي: دخل.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "هو الليلُ إذا أقبلَ بظلامِه".
قال مُجاهد والزهريُّ: "هو وقتُ غروب الشمس".
والمقصودُ: الاستِعاذةُ من الليل وما فيه، والليلُ إذا غمرَ الأرضَ بجلاله فهو حينئذٍ مخُوفٌ بذاتِه، ويتحرَّكُ في جُنحِه الهوامُّ والوُحوشُ، وينشطُ المُجرِمون والكائِدون، وتشتدُّ الغرائزُ والشهواتُ، وتهيجُ الوساوسُ والهواجِسُ والهمومُ والأشجانُ التي تتسرَّبُ في الليل، وتخلقُ المشاعرَ والوِجدان.
والشيطانُ تُساعِدُه الظُّلمةُ على الانطِلاق والإيحاء، لذلك أمرَ الله تعالى نبيَّه بالاستِعاذة من الليل وما فيه من شُرورٍ، فقال - سبحانه -: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِوهنَّ النساءُ الساحِراتُ، الساعِياتُ بالأذَى بالنَّفثِ على عُقَدٍ يعقِدنَها في خيوطٍ ونحوِها على اسمِ المسحور، فيُؤذِي بذلك، وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ[البقرة: 102].
وقد عدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - السحرَ من كبائر الذنوبِ المُوبِقات التي تُهلِكُ الأُممَ والأفرادَ، وتُرضِي أصحابَها في الدنيا قبل الآخرة.
ومن ابتُلِي بمرضٍ أو سحرٍ فلا يجوزُ له أن يلجَأَ إلى السَّحَرة والمُشعوِذين، وقد برِئَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن يفعلُ ذلك، وشرعَ الله لنا الاستِعاذةَ به - سبحانه -، والرُّكونَ إليه، والاستِعانةَ به.
وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ[الفلق: 5] الحسدُ خُلُقٌ مذمومٌ طبعًا وشرعًا، وهو تمنِّي زوال النعمة التي أنعمَ الله بها على المحسُود، وشرُّ الحاسِدِ ومضرَّتُه إنما تقعُ إذا أمضَى حسدَه فأصابَ بالعين أو سعَى للإضرار بالمحسود، لذلك أمرَ الله تعالى بالاستِعاذة من شرِّه فقال: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ.
ولو أن الناسَ توكَّلُوا على الله، وحصَّنُوا أنفسَهم بهؤلاء الآيات؛ لكانُوا في مأمنٍ من الحسَد، وسلامةٍ من الإصابةِ بالعين، كما أن سُورةَ الفلق من أكبر أدوِية المحسُود؛ فإنها تتضمَّنُ التوكُّلَ على الله، والالتِجاءَ إليه، والاستِعاذَةَ بوليِّ النعم ومُولِيها من شرِّ حاسِدِ النعمة، ومُولِي النعم - سبحانه - هو حسبُ من توكَّل عليه، وكافِي من لجأَ إليه.
أيها المسلمون:
وفي المُعوِّذة الثانية أمرَ الله الناس أن يستعيذُوا بربِّهم الذي يصُونُهم، وبملِكِهم الذي أمرَهم ونهاهم، وبإلههم الذي يعبُدونَه، من شرِّ الشياطين التي تحُولُ بينهم وبين عبادتِه؛ فإن الشيطانَ هو أصلُ الشرِّ الذي يصدُرُ منهم والذي يرِدُ عليهم.
وإنما قال: مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ[الناس: 2، 3]؛ لأن في الناسِ مُلوكًا فذكرَ أنه ملِكُهم، وفي الناسِ من يعبُدُ غيرَه فذكرَ أنه إلهُهم ومعبودُهم، وأنه هو الذي يجبُ أن يُستعاذَ به ويُلجَأَ إليه دون المُلوكِ والعُظماء، فهو - سبحانه - ربُّهم الحقُّ، والملكُ الحقُّ، والإلهُ الواحدُ المُستحقُّ للعبادة وحدَه، وما دونَه فهو مربوبٌ لا يلمِكُ لنفسِه ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نُشورًا.
والاستِعاذةُ من شرِّ الوسواس الخنَّاس - وهو الشيطان - تعمُّ كلَّ شرِّه، لكنَّه وُصِفَ بأخطَر صِفاتِه، وأشدِّها شرًّا، وأقواها تأثيرًا، وأعمِّها فسادًا، وهي: الوسوسةُ التي هي بدايةُ الإرادة؛ فإن القلبَ يكون فارِغًا من الشرِّ والمعصِية، فيُوسوِسُ إليه ويُحسِّنُ له الشرُّ، ويُرِيه إيَّاه في صورةٍ حسنةٍ، ويُنشِّطُ إرادتَه لفعلِه، ويُقبِّحُ له الخيرَ ويُثبِّطُه عنه.
وهو دائمًا بهذه الحال يُوسوِسُ ويخنَسُ، ويجرِي من ابن آدم مجرَى الدم، كما ثبتَ في "الصحيحين".
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "الشيطانُ جاثِمٌ على قلبِ ابنِ آدم؛ فإذا سهَا وغفلَ وسوسَ، وإذا ذكرَ اللهَ خنَس"؛ أي: هربَ وتراجَع.
والوسواسُ كما يكونُ من الجنِّ، يكونُ من الإنس، ولهذا قال تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، وفيه تذكيرٌ بخُطورة شياطين الإنس، وقلَّ من يتنبَّهُ لخُطورتهم، مع أن الله تعالى أمرَ نبيَّه في هذه السورةِ بالاستِعاذة من شرِّ نوعَي الشياطين: شياطين الإنس والجنِّ.
عباد الله:
قراءةُ المُعوِّذتين تُشرعُ في كل وقتٍ، وتتأكَّدُ قراءتُهما في المواطن التي وردَت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنها: ما رواه عقبةُ بن عامر - رضي الله عنه - قال: "أمرني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأَ بالمُعوِّذات دُبُر كلِّ صلاة"؛ أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي، وصحَّحه الحاكم وغيرُه.
ومنها: ما روَته عائشةُ - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "كان إذا أوَى إلى فِراشِه كلَّ ليلةٍ جمعَ كفَّيه، ثم نفثَ فيهما فقرأَ فيهما: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[الإخلاص: 1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[الفلق: 1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[الناس: 1]، ثم يمسحُ بهما ما استطاعَ من جسَده، يبدأُ بهما على رأسِه ووجهِه وما أقبلَ من جسَده، يفعلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ"؛ أخرجه البخاري.
كما تُسنُّ قراءةُ المُعوِّذتين ثلاثًا في أذكار الصباح والمساء، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن خُبيبٍ - رضي الله عنه -: «قل». قلتُ: ما أقول؟ قال: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، والمُعوِّذتين حين تُمسِي وتُصبِحُ ثلاث مرَّات، تكفيكَ من كل شيءٍ»؛ أخرجه الإمامُ أحمد وأبو داود والترمذي - واللفظُ له -، وقال: "حسنٌ صحيحٌ"، وصحَّحه النووي وغيرُه.
عباد الله:
والمُعوِّذتان رُقيةٌ يرقِي بها المُسلمُ نفسَه، ويرقِي بها غيرَه؛ عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كان إذا اشتكَى يقرأُ على نفسِه بالمُعوِّذات وينفُث. قالت: فلما اشتدَّ وجعُه كنتُ أقرأُ عليه وأمسَحُ بيدِه رجاءَ بركتِها"؛ متفق عليه.
وفي روايةٍ لمسلمٍ: "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مرِضَ أحدٌ من أهلِه نفَثَ عليه بالمُعوِّذات".
بل إن المُعوِّذتين تُقرأُ لتحصينِ النفسِ قبل نُزول البلاء؛ عن أبي سعيد - رضي الله عنه - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوَّذُ من أعيُن الجانِّ وعين الإنسان، فلما نزلَت المُعوِّذتان أخذَ بهما وتركَ ما سِواهُما" رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
وجُملةُ ذلك: أن قراءةَ المُعوِّذتين تتأكَّدُ بعد الصلوات الخمسِ، وقبل النوم، وفي الصباح والمساء، وللرُّقية وللتَّحصين.
نسأل الله تعالى أن يُعيذَنا جميعًا من الشُّرور والآثام، وأن يُعيذَنا من الفتن والأسقام.
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المُرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.


الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، يُجيبُ من ناداه، ويُجيرُ المُستجيرَ بحِماه، ويُعيذُ العائِذَ بكنَفه ويحمِيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
وبعد، أيها المسلمون:
من اللطائِف في سُورة الفلق: أن الاستِعاذةَ في مُستهلِّها كانت بربِّ الفلق، والفلق هو الصُّبحُ؛ بل هو كل ما ينفلِقُ بالخير والبُشرى، وفي تخصيصِ الفلق بالذِّكر إيماءٌ بأن القادرَ على فلقِ الصُّبحِ وإزالَة ظلُمات الليل عن العالَم قادرٌ على أن يُزيلَ كلَّ ظلامٍ، وأن يرفعَ الظُّلمَ عن كل مظلومٍ. فلا يأسَ ولا قُنوطَ مع القويِّ القادِرِ، إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى[الأنعام: 95].
والصُّبحُ يرمُزُ للأمل الذي يُولَدُ من رحِمِ المأساة، ويأتي الإصباحُ والإشراقُ بعد شدَّة الظلام، كما يأتي الفرَجُ إذا ضاقَت الأمورُ وبلغَت غايتَها، فهو هُتافٌ لليُسر والفرَج.
وهذا هو الذي نُؤمِّلُه ونرجُوه هذه الأيام، ومهما ضاقَت الحالُ على أهلِ سُوريا بُطغيان عدوِّهم، وتكالُب إخوانِه من أهلِ ملَّتِه في الخارِج، إلا أن صبرَ المُؤمنين وتعليقَ أملِهم بالله وحدَه بعد ما خذَلَتهم القُوَى التي تزعُمُ نُصرةَ الضعيف، وهي لا تنتصِرُ إلا لمصالِحِها.
ذلك مُؤذِنٌ بفرَجٍ - إن شاء الله - قريبٌ؛ فإن الفرَجَ مع الكرْبِ، وإن النصرَ مع الصبرِ، وإن مع العُسر يُسرًا.
والمطلوبُ هو صدقُ اللَّجأِ إلى الله، والإكثارُ من الاستِغفار الذي هو من أهمِّ مفاتيح الفرَج، وتوحيدُ الكلمة، ونبذُ الخلاف. وإنما الشجاعةُ صبرُ ساعة.
وعلى المُسلمين القادِرين نصرُ إخوانهم - سيَّما الحُكَّام - فإن الناسَ لهم تبَعٌ، وفي الأمة خيرٌ كثيرٌ. فلا تألُوا جُهدًا في كفِّ العُدوان، وإيقافِ الفساد؛ فإن إسلامَ الأخِ أخاه في ساعة الشدَّة مُؤذِنٌ بعقوبةٍ عاجلةٍ ومُماثِلة، والدفعُ عن إخواننا في سُوريا دفعٌ للبلاء عنَّا في العاجِلة والآجِلة.
ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: محمدِ بن عبد الله.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارضَ اللهم عن صحابةِ رسولِك أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطغاةَ والملاحِدةَ والمُفسِدين، اللهم انصُر دينكَ وكتابَك وسنةَ نبيك وعبادكَ المُؤمنين.
اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا رب العالمين.
اللهم من أرادَ الإسلامَ والمسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل دائرةَ السَّوءِ عليه يا رب العالمين.
اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلك في فلسطين، وفي بلاد الشام، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم.
اللهم حرِّر المسجدَ الأقصى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.
اللهم أصلِح أحوالَ إخواننا في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم أصلِح أحوالَهم في مصر وفي كل مكان، واجمَعهم على الهدى، واكفِهم شِرارَهم، وأصلِح أحوالَهم.
اللهم كُن لإخواننا في سُوريا، اللهم اجمَعهم على الحق والهُدى، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خَلَّتهم، وأطعِم جائعَهم، واحفَظ أعراضَهم، واربِط على قلوبهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ به للبرِّ والتقوى، اللهم أتِمَّ عليه عافِيَتك، وألبِسه لباسَ الصحةِ، اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العباد والبلاد.
اللهم وفِّق وُلاةَ أمور المُسلمين لتحكيم شرعِك، واتباع سنة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً على عبادك المُؤمنين. اللهم انشُر الأمنَ والرخاءَ في بلادنا وبلاد المُسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201]، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[آل عمران: 147].
اللهم اغفر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وأزواجنا وذُرِّياتنا، إنك سميعُ الدعاء.
اللهم إنا نسألُك رِضاك والجنةَ، ونعوذُ بك من سخَطِك والنار.
نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ ونتوبُ إليه، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطِين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا غدَقًا طبَقًا مُجلِّلاً، عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والبَادِ. اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ. ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سبحان ربِّك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 04-03-2013, 07:56 AM   رقم المشاركة : 6

 

كثرة أبواب الخير
نبذة مختصرة عن الخطبة:
ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة 10 جمادى الاول 1434هـ بعنوان: "كثرة أبواب الخير"، والتي تحدَّث فيها عن الطاعات وما شرعَه الله لعباده من تنويعها ترغيبًا لهم في الإقبال والمُسارعة والتنافُس عليها، وحذَّر من الابتِداع، وبيَّن عِظَم قدر النصيحة وفضلِها.

الخطبة الأولى
الحمد لله الغني عن العالمين، لا تنفعُه طاعةُ الطائعين، ولا تضرُّه معصيةُ العاصِين، من عمِل الطاعات فهو الفائزُ بثوابِ المُحسِنين، ومن عمِل المعاصِي فهو مع الخاسِرين، ولن يضُرَّ اللهَ شيئًا وسيجزِي الله الشاكرين، أحمد ربي وأشكره على نعمه التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الخلق أجمعين، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه بعثَه الله بالهُدى ودين الحقِّ فجعلَه رحمةً للعالمين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك وخليلِك محمدٍ، وعلى آله وصحبه المتقين.
أما بعد:
فاتقوا الله - أيها المسلمون - بفعلِ ما يُرضِيه من الطاعات، وتركِ ما يُغضِبُه من المُحرَّمات.
واعلموا - عباد الله - أن عزَّ العبد في عبوديَّته لربِّه - عز وجل -، وقوَّة المُسلم في توكُّله على مولاه، وغِناه في مُداوَمة الدعاء برفع حاجاته كلِّها إلى الله تعالى، وفلاحَه في إحسانِه لصلاته، وحُسن عاقبته في تقواه لربِّ العالمين، وانشراحَ صدره وسُرورَه في برِّ الوالدَين، وصِلة الأرحام، والإحسان إلى الخلق، وطُمأنينة قلبِه في الإكثار من ذكرِ المُنعِم - جل وعلا -، وانتظامَ أمور الإنسان واستقامة أحوالِه بالأخذ بالأسباب المشروعة، وترك الأسباب المُحرَّمة، مع تفويضِ الأمور كلِّها للخالقِ المُدبِّر - سبحانه وتعالى -، وإنجاز الأعمال في أوقاتها بلا تأخُّرٍ ولا كسَلٍ.
وخُسرانُ العبد وخذلانُه في الرُّكون إلى الدنيا، والرِّضا بها، ونسيان الآخرة، والإعراض عن عبوديَّة الربِّ - جل وعلا -، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس: 7، 8]، وقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة: 22].
وقد جعلَ الله لكم عِبرًا في الأُمم الماضِية والقرون الخالِية؛ فقد أعطاهم الله تعالى طولَ الأعمار، وجرَت من تحتهم الأنهار، وشيَّدوا القُصور، وبنَوا الأمصار، ومُتِّعوا بقوة الأبدان والأسماع والأبصار، ومكَّن الله لهم في الأرض، وسخَّر لهم الأسباب، فما أغنى عنهم ما كانوا فيه من القُوى والنعيم؟! ولا دفعَت عنهم الأموالُ والأولادُ.
قال الله تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الأحقاف: 26].
والسعيدُ من اتَّعَظ بغيره، والشقيُّ من وُعِظَ به غيرُه، فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان: 33]، واستعِدُّوا للقاءِ الله بما تقدِرون عليه من الأعمال الصالحات، ولا تغُرنَّ أحدًا الدنيا وطولُ الأمل، قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون: 99، 100].
واعلَموا أن اجتماع الخير كلِّه في عبادة الله وحدَه لا شريكَ له على ما وافقَ سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع الإخلاص ومحبَّة الله تعالى، ومحبَّة رسول الله - عليه الصلاة والسلام -.
ولن ينالَ أحدٌ رِضوانَ الله - عز وجل - ولن يدخُل جنَّتَه ولن يسعَد في حياته وبعد مماته إلا بعبادة الله - تبارك وتعالى -.
وللعبادة خُلِق المُكلَّفون، قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56].
ولرِضا الربِّ - عز وجل - بالعبادة وفرَحه بها وكثرة منافعِها للمُكلَّفين، وعُموم بركاتها، وسُبوغ خيراتها في الدارَين؛ أمرَ الله بها في الليل والنهار وجوبًا أو استِحبابًا، مُقيَّدةً أو مُطلقةً، ليستكثِر منها السابِقون، وليلحَقَ بركبِ العُبَّاد المُقصِّرون.
وكمالُ العبادة هو كمالُ محبَّة ربِّ العالمين، وكمالُ الذلِّ والخُضوع للمعبود - سبحانه -، مع مُوافقَة هديِ النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومن رحمة الله - عز وجل - ولُطفِه بعباده، وسعَة جُودِه وكرَمه أن شرعَ العبادات للمُكلَّفين كلِّهم، يتقرَّبون بها إلى الله - سبحانه - ليُثِيبَهم، وبيَّن لهم الأوقات الفاضِلة التي يتضاعَفُ فيها ثوابُ العبادات ليستكثِروا من الخيرات، ولو لم يُبيِّن لهم الزمانَ الفاضِلَ لم يعرِفوه، قال الله تعالى: وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة: 151]، وقال تعالى: فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة: 239].
وإذا شرعَ الله عبادةً دعا المُكلَّفين إلى القِيام بها، والتقرُّبِ إلى الله بها، فإذا لم يتمكَّن بعضُ المُكلَّفين من فعلِها فتحَ الله للمُكلَّفين أبوابًا من الطاعات، وشرعَ لهم من الطاعات من جنسِ ما فاتَهم من العبادات؛ ليَنالَ العبادُ عزَّ الطاعةِ، وثوابَ القُرُبات.
فمن لم يُدرِك والدَيْه فقد شُرِع له الدعاءُ لهما، والصدقةُ عنهما، والحجُّ عنهما، وصِلةُ رحِمهما، وإكرامُ صديقِهما، ومن أدركَهما ثم ماتا فكذلك يستمرُّ على برِّهما.
عن أبي أُسيدٍ الساعديِّ أن رجلاً قال: يا رسول الله! هل بقِيَ من برِّ أبوَيَّ شيءٌ أبرُّهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم؛ الصلاةُ عليهما - أي: الدعاءُ لهم لهما -، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهدهما من بعدهما، وصِلةُ الرَّحِم التي لا تُوصَلُ إلا بهما، وإكرامُ صديقِهما»؛ رواه أبو داود.
والخالةُ بمنزلة الأم، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رجلٌ: يا رسول الله! إني أصبتُ ذنبًا عظيمًا؛ فهل لي من توبةٍ؟ قال: «هل من أمٍّ لك؟». قال: لا، قال: «فهل لك من خالةٍ؟». قال: نعم، قال: «فبِرَّها»؛ رواه الترمذي.
ومن لم يجِد مالاً يتصدَّقُ منه فليعمل بيدِه وينفعُ نفسَه ويتصدَّق، عن سعيد بن أبي بُردة، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «على كل مُسلمٍ صدقةٌ». قيل: أرأيتَ إن لم يجِد؟ قال: «يعتمِلُ بيدَيه، فينفعُ نفسَه، ويتصدَّق». قيل: أرأيتَ إن لم يستطِع؟ قال: «يُعينُ ذا الحاجة الملهُوف». قيل له: أرأيتَ إن لم يفعل؟ قال: «يُمسِك عن الشرِّ؛ فإنها صدقةٌ»؛ رواه مُسلمٌ.
وفي الحديث: «من صلَّى الفجرَ في جماعةٍ ثم جلسَ في مُصلاَّه يذكُر الله حتى تطلُع الشمسُ، فصلَّى ركعتَين؛ كان كأجرِ حجَّةٍ وعُمرةٍ تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّةٍ».
ألا ما أعظمَ نعمَ ربِّ العالمين على العباد، وما أكثرَ أبواب الخيرات، وما أجلَّ أبواب الحسنات!
فاعمَل - أيها المُسلم - بإخلاصٍ واتِّباعٍ للهديِ النبويِّ، ولا تزهدنَّ في أي عملٍ صالحٍ ولو كان قليلاً، ولا تحقِرنَّ السيئةَ ولو كانت صغيرةً؛ فإن لها طالِبًا وحسابًا.



أيها المُسلم:
احذَر على حسناتِك واحفَظها من البِدع؛ فإنها تهدِمُ دينَك، وتُبطِلُ حسناتِك، أو تُنقِصُ ثوابَ الأعمال الصالحات، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد: 33].
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لمن ابتدعَ في الدين ولمن تطرُدهم الملائكةُ عن حوضِه الشريف الذي من شرِبَ منه شربةً لم يظمَأ بعدها أبدًا، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن ابتدعَ في الدين وغيَّر: «سُحقًا سُحقًا لمن غيَّر بعدي»؛ رواه البخاري.
كما عليك - أيها المسلم - أن تحذرَ من المُحرَّمات والمعاصِي، وأن تبتعِدَ عنها وتُبغِضَها؛ فإنها تُقسِّي القلبَ وتُقوِّي النفاقَ وتُغذِّيه، وهي من أسبابِ سُوء الخاتِمة، وهي التي تُمرِضُ النفسَ، والتي تجعلُها قسيَّة، وتجعلُها مُتمرِّدةً مُتجرِّئةً على معاصِي الله، حتى إن العبدَ إذا أصرَّ على معاصِي الله فإنه لا يقدِرُ - غالبًا - في نفسِه؛ بل تقودُه إلى كلِّ شرٍّ - والعياذُ بالله -.
قال الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا [مريم: 59، 60].
ومعنى: يَلْقَوْنَ غَيًّا قال المُفسِّرون: "وادٍ في جهنم، خبيثٌ شديدُ الحرِّ".
واحرِص - أيها المُسلمُ - على المُسابَقة إلى الخيرات، لتكون من الموعودين بالدرجات العُلَى، وإياك والتأخُّرَ عن الأعمال الصالحات، والتكاسُلَ عن فعلِ الخير، فتُعاقَب بالتأخُّر عن رُتبَة الفائزين، وقد تُعاقَب بدخول النار مع الداخِلين.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزالُ قومٌ يتأخَّرون حتى يُؤخِّرَهم الله». وفي روايةٍ: «لا يزالُ قومٌ يتأخَّرون حتى يُؤخِّرَهم الله في النار».
قال الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الواقعة: 10- 12].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المُرسَلين وقولِه القَويم، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله العظيمَ لي ولكم والمسلمين، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله عظيم السُّلطان، قويِّ البُرهان، ما شاء الله كان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيمُ الرحمن، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُؤيَّد بمُعجزة القُرآن، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أولِي الإيمانِ والإحسان.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى بمحبَّته وطاعته، ولا تتعرَّضُوا لغضبِه بمعصيتِه.
عباد الله:
كونوا على الحق أعوانًا، وبأخُوَّة الإسلام إخوانًا، وتمسَّك - أيها المسلم - بالنصيحة، وهي: محبَّةُ كل خيرٍ ونُصرةٍ وعزٍّ وتأييدٍ للمنصوحِ له، والنصيحةُ شأنُها عظيمٌ.
عن أبي تميمٍ الداريِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدينُ النصيحةُ، الدينُ النصيحةُ، الدينُ النصيحةُ». قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المُسلمين وعامَّتهم»؛ رواه مسلم.
ومن حُقوق المُسلمين على المُسلم: الاهتمامُ بأمورِهم، والقيامُ بحقوقهم، وإحاطَتُهم بالدعاءِ والحِرصِ على ما ينفعُهم، وكفُّ الأذى والضررُ عنهم.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس منا من لم يُوقِّر الكبيرَ، ويرحمِ الصغيرَ، ويأمر بالمعروف، وينهَى عن المُنكَر».
وفي الحديث: «المُؤمنُ للمُؤمن كالبُنيان، يشدُّ بعضُه بعضًا»، وفي الحديث أيضًا: «مثَلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم كمثَل الجسد الواحِد، إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَر والحُمَّى».
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
فصلُّوا وسلِّموا على سيدِ الأولين والآخرين وإمام المُرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ.


اللهم صلِّ وسلِّم على سيدنا ونبيِّنا محمدٍ وعلى أزواجِه وذريَّته وأهل بيته، اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافرين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركِين يا رب العالمين، اللهم دمِّر أعداءَك أعداءَ الدين.
اللهم انصُر دينَك وكتابَك يا رب العالمين، إنك أنت القوي المتين.
اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزُقنا اتِّباعَه، وأرِنا الباطلَ وارزُقنا اجتِنابَه، ولا تجعله مُلتبِسًا علينا فنضِلّ، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفِر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلا أنت.
اللهم أعِذنا من شرور أنفسِنا، ومن سيئات أعمالنا، اللهم أعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ يا رب العالمين.
اللهم أعِذنا وذريَّاتنا من إبليس وذريَّته وجنوده يا رب العالمين، اللهم أعِذ المُسلمين من إبليس وذريَّته، إنك على كل شيء قدير.
اللهم اغفِر لموتانا وموتَى المُسلمين، اللهم اغفِر لموتانا وموتَى المُسلمين يا رب العالمين، اللهم اغفِر لهم وارحَمهم، وعافِهم واعفُ عنهم، اللهم اغفِر للمُسلمين والمُسلِمات، والمُؤمنين والمُؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم اهدِ شبابَنا وشبابَ المُسلمين يا رب العالمين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين صغيرَهم وكبيرَهم، إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم ألهِمنا رُشدَنا، وأعِذنا من شُرور أنفُسنا يا رب العالمين.
اللهم أغِثنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أغِثنا غيثَ رحمة لا عذاب، إنك على كل شيء قدير.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم ولاةَ أمورنا.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك يا رب العالمين، اللهم وألبِسه ثوبَ الصحة، إنك على كل شيءٍ قدير، وفِّقه يا رب العالمين لما فيه الخيرُ لبلاده وللمُسلمين إنك على كل شيء قدير.
اللهم إنا نسألُك يا ذا الجلال والإكرام أن تُحسِن عاقِبَتنا في الأمور كلِّها، وأن تُجيرَنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم إنا نسألُك العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 90، 91].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 04-03-2013, 08:01 AM   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الصلاة .. الركن العظيم
ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة 17 جمادى الاول 1434هـ بعنوان: "الصلاة .. الركن العظيم"، والتي تحدَّث فيها عن الصلاة وأهميتها في الإسلام، وأنها شريعةُ الأمم قبلنا، إلا أن لهذه الأمة خصائص فيها، وبيَّن فضائلَ وأدلَّة وجوبِها من كتاب الله وسنة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، وحذَّر من تركِها أو التهاوُن بها.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، بعثَه الله بالهُدى ودين الحقِّ ليُظهِرَه على الدين كلِّه ولو كرِه المُشرِكون، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى؛ ففي تقوى الله صلاحُ الأمور، وعزُّ الدهور، وأحسنُ العاقبة يوم النُّشور، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق: 5].
عباد الله:
هل لكم في رُكنٍ عظيمٍ، وعملٍ كريمٍ، وخيرٍ مُستديم، يُصلِح الله به جميعَ أعمالكم، ويُزكِّي به قلوبَكم، ويُقوِّمُ به أخلاقَكم، ويُدِرُّ به أرزاقَكم، ويعمُرُ به دُنياكم، ويرفعُ به في الجنات درجاتِكم، وتُدرِكون به من سبَقَكم، وتنالُون به فوقَ أمانيّكم؟ هل لكم في ذلك كلِّه؟
فما هو هذا الرُّكنُ العظيم الذي تنالُون به كلَّ خير، ويدفعُ الله به كلَّ شرٍّ؟
ألا إنه: إقامةُ الصلاة بشُروطها وأركانها وواجباتها وسُننها؛ فالصلاةُ هي الركنُ الأعظم بعد الشهادتين، فرَضَها الله تعالى في كل دينٍ شرعَه، ولا يقبلُ الله من أحدٍ من الأولين والآخرين دينًا بغير الصلاة، قال الله تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [الحج: 34، 35].
ولكن الله بمنِّه ورحمتِه خصَّ هذه الأمة من الفضائل بما لم يخُصَّ به أمةً قبلها؛ لفضلِ كتابها، وكرامة رسولها - صلى الله عليه وسلم - على ربِّه.
فمما خصَّها الله تعالى به وفضَّلها: أن فرضَ الله - عز وجل - على هذه الأمة الصلوات الخمس في السماء ليلة المِعراج، فأوحَى الله إلى عبدِه ورسولِه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وكلَّمه بكلامٍ سمِعه من ربِّ العزة - تبارك وتعالى -، وفرضَ عليه الصلوات الخمس بلا واسطة ملَكٍ؛ حيث عُرِج بسيد البشر من السماوات العُلى إلى سِدرة المُنتهَى، ثم رفعَه الله إلى مُستوى لم يبلغه أحد، ثم أمرَ الله - سبحانه - جبريلَ - صلى الله عليه وسلم - أن يؤُمَّ نبيَّنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في أول وقت كل صلاةٍ وآخره، فقال له: "يا محمد! هذا وقتُ الأنبياء من قبلك، والوقتُ ما بين هذين الوقتَين"؛ رواه أبو داود وغيره من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
ففرَضَها الله بلا واسطة، وفرضَها بإمامة جبريل - عليه الصلاة والسلام -، وبواسطته زيادةً في تأكيد فرضِها، وبيان منزلتِها، وبيَّن الله تعالى في كتابه أفعالَها وأقوالَها، وشرعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أركانَها وواجباتها ومُستحبَّاتها، وعلَّم أصحابَه كلَّ قولٍ وفعلٍ يُقيمُها، وصلَّى بهم إمامًا مُدَّة حياته في جميع أحواله.
وقال - عليه الصلاة والسلام -: «صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي»؛ رواه البخاري ومسلم.
ونقلَ كلُّ جيلٍ عمن قبلَه الصلوات، لم يُهمِلوا منها قلاً ولا فعلاً. فلله الحمدُ أن جعلَنا مُسلمين، وحفِظَ لنا الدين.
الله أكبر! ما أعظم رحمة الله، وما أجلَّ نعمَه على الناس.
وفرضُ الصلوات من ربِّ العالمين على الأمةِ لنبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - بلا واسِطة ملَكٍ من أعظم الأدلَّة على منزلةِ الصلواتِ عند الله تعالى، ومكانتها من الدين، وأنها جِماعُ الخير كلِّه، يبقَى الدينُ في الأرض ما بقِيَت الصلاة، وينقُصُ الدينُ إذا نقَصَت، وينتهِي الدينُ في الأرض إذا انتهَت، وتصلحُ الأرض بكثرة المُقيمين للصلاة، وتخربُ الأرض بقلَّة المُقيمين للصلاة.
ولو أن كلَّ مُسلمٍ ومُسلمةٍ أقامَ الصلاةَ كما أقامَها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه لكانَت الأمةُ في عافيةٍ من الفتن والشُّرور والمُخالَفات، ولأمِنَت من العُقوبات، ولكفَاها الله شرَّ أعدائِها، ولصلُحَت حالُ كل مُسلمٍ ومُسلمة، وانتظَمت أحوالُه، وحسُنَت عواقِبُه.
وبصلاحِ الأفراد يكثُر الخيرُ في المُجتمع، ويقِلُّ الشرَّ، ويحبُّ الناسُ المعروفَ، ويُبغِضون المُنكَر، ولكن إذا تهاوَن الناسُ بالصلاةِ فضيَّعها بعضُهم، أو دخلَ النقصُ على أركانها وواجباتها عند بعضِهم، أو زهِدَ بعضُهم في أدائِها مع جماعة المُسلمين في المساجِد، أو أخَّرها عن مواقيتِها؛ انعكسَ التقصيرُ في الصلاة على أمور الناس، فانفرطَ على كل مُضيِّعٍ بصلاتِه أمرَه، وتغيَّرَت عليه حالُه، وتشتَّتَ شملُه.
قال الله تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28]. ومن كان في قلبِه حياةٌ أحسَّ بالعُقوبة، وما لجُرحٍ بميِّتٍ إيلامُ.
قالت أمُّ سلَمة - رضي الله عنها -: "كان الناسُ في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضَعون أبصارَهم في موضعِ سُجودِهم، وكانوا في عهد أبي بكرٍ يضَعون أبصارَهم قريبًا من موضعِ سُجودِهم، وكانوا في عهد عُمر يطمَحُ بعضُهم بأبصارِهم إلى جِهة القبلة، وفي عهد عُثمان تلفَّتُوا يمينًا وشمالاً، فوقَعت الفتنةُ".
فانظُر إلى فقهِ أم سلَمة - رضي الله عنها -، وكيف علِمَت انعِكاسَ الصلاة على أحوال الناس صلاحًا أو فسادًا.
ودخلَ بعضُ أصحاب أنس بن مالك - رضي الله عنه - فوجدَه يبكِي، فقال: ما يُبكِيك يا أبا حمزة؟ فقال: أبكِي لما أحدثَ الناسُ، حتى هذه الصلاة أخَّرُوها عن وقتِها.
الصلاةُ هي الدين، وجامعةُ أمور الإسلام، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رأسُ الأمر الإسلام، وعمُودُه الصلاة»؛ رواه الترمذي من حديث مُعاذٍ - رضي الله عنه -.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصلواتُ الخمس، والجُمعة إلى الجُمعة كفَّارةٌ لما بينهنَّ ما لم تُغشَ الكبائر»؛ رواه مسلم.
وعن عُبادة بن الصامِت - رضي الله عنه - قال: سمِعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «خمسُ صلواتٍ كتبهنَّ الله على العباد؛ فمن جاءَ بهنَّ ولم يُضيِّع منهنَّ شيئًا استِخفافًا بحقِّهنَّ كان له عند الله عهدٌ أن يُدخِلَه الجنة، ومن لم يأتِ بهنَّ فليس له عند الله عهدٌ .. الحديث»؛ رواه أبو داود والنسائي.
وعن عبد الله بن قُرطٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أولُ ما يُحاسَبُ به العبدُ يوم القيامةِ الصلاةُ؛ فإن صلُحَت صلُح سائرُ عمله، وإن فسَدَت فسَدَ سائرُ عمله»؛ رواه الطبراني.
وروحُ الصلاة هو الخُشوع، مع إصابة السُّنَّة، وأداؤُها مع الجماعة، قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1، 2].
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سمِعَ النداءَ فلم يُجِب فلا صلاةَ له إلا من عُذرٍ»؛ رواه الحاكم، وقال: "صحيحٌ على شرطِهما".
وأما المرأةُ فصلاتُها في بيتِها أفضل، عن أم سلَمة - رضي الله عنها - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «خيرُ مساجد النساء قعرُ بيوتهنَّ»؛ رواه أحمد والطبراني.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المرأةُ عورةٌ، فإذا خرجَت استشرَفَها الشيطان»؛ رواه الترمذي.
وفي رواية ابن خُزيمة وابن حبّان عنه - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وأقربُ ما تكونُ من وجهِ ربِّها وهي في قعرِ بيتها».
لأن المرأةَ وهي في قعرِ بيتها مصُونةٌ محفوظةٌ من الفتن، لا تفتنُ أحدًا، ولا يفتِنُها أحد، أما إذا تبرَّجَت بزينةٍ فتَنَت وفُتِنَت، ووقع الشرُّ والهلاك، قال الله تعالى لأمهات المُؤمنين: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: 33]، وهنَّ الأُسوة المُثلَى لنساء المُسلمين.
قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت: 45].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المُرسَلين وقولِه القَويم، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله العظيمَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وليِّ المتقين، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القويُّ المتين، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الوعد الأمين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله يُصلِح لكم أعمالَكم، ويغفِر لكم ذنوبَكم.
واعلَموا - عباد الله - أن مما يُزكِّي الصلاة ويجبُرُ ما نقصَ منها: المُحافظة على السُّنن الرواتب قبلها وبعدَها، والمُداوَمة على الوِتر، والازدِياد من نوافِل الصلاة؛ فإنها تُكمِّل الفريضة، وتُكفِّر الذنوب، مع الأذكار المسنونة.
عن أم حبيبة - رضي الله عنها - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صلَّى قبل الظهر أربعًا وبعدها أربعًا حرَّمَه الله على النار»؛ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رحِمَ الله امرأً صلَّى قبل العصر أربعًا»؛ رواه أبو داود والترمذي.
وركعتان بعد المغربِ أو ستّ ركعاتٍ، وركعتان قبل العشاء أو أربع، وبعد العشاء يتنفَّلُ بما يُيسِّرُه الله له، ويختِمُ بالوِتر - وآخرُ وقته السَّحَر -، و«ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها»؛ رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
وفي الحديث: «وإنك لن تسجُد لله سجدةً إلا رفعَك الله بها درجةً، وحطَّ عنك بها خطيئةً».
وقال النبي - عليه الصلاة والسلام - قال لبعضِ أصحابِه: «أعِنِّي على نفسِك بكثرةِ السُّجُود».
وتركُ الصلاة سببٌ لدخول النار، قال الله تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر: 42- 47].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
فصلُّوا وسلِّموا على سيدِ الأولين والآخرين وإمام المُرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ.
اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ وعلى آله وأزواجِه وذريَّته وأهل بيته صلاةً وسلامًا كثيرًا، اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافرين يا رب العالمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركِين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم هيِّئ للمُسلمين من أمرِهم رشَدًا.
اللهم اغفِر لأمواتنا وأموات المُسلمين يا رب العالمين، نوِّر عليهم قبورَهم، واغفِر ذنوبَهم، وضاعِف حسناتِهم، وتجاوَز عن سيئاتهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزُقنا اتِّباعَه، وأرِنا الباطلَ وارزُقنا اجتِنابَه، ولا تجعله مُلتبِسًا علينا فنضِلّ، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ثبِّت قلوبَنا على طاعتِك يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم إنا نسألُك أن تنصُر دينك، اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك يا قوي يا عزيز، اللهم انصُر كتابَك وسُنَّة نبيِّك في كل مكانٍ يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم إنا نسألُك أن تُعيذَنا من شُرور أنفُسنا، اللهم أعِذنا من شرور أنفسِنا، ومن سيئات أعمالنا، وأعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إن إخواننا المُسلمين ظُلِموا في الشام، اللهم إنهم ظُلِموا، اللهم إنه نزلَ بهم من البلاء والكَرب ونزل بهم من الشدائد ما لا يكشِفُه غيرُك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تُسلِّط عليهم القومَ الظالمين، واجعل الدائرةَ على القوم الظالمين يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير، لا تُسلِّط عليهم القومَ الظالمين يا أرحم الراحمين.
اللهم أنت النصيرُ وأنت على كل شيء قدير، اللهم عجِّل برفع كُرباتهم، اللهم عجِّل برفع الشدائد عنهم يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير؛ فإنك أنت الله لا إله إلا أنت الملجأ وإليك المصير.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم ولاةَ أمورنا.
اللهم اجعل هذا البلد آمنًا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المُسلمين عامَّةً يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، وأعِنه يا رب العالمين على أمور الدين وإقامة الدين، وما فيه الخيرُ لشعبِه والمُسلمين يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم إنا نسألُك يا ذا الجلال والإكرام نسألُك اللهم أن تُغيثَنا، اللهم أغِنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تكِلنا إلى أنفُسنا طرفةَ عينٍ ولا أقلَّ من ذلك يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 90، 91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:43 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir