يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
قديم 12-27-2011, 12:12 AM   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

قِصَر الأمل وحُسن العمل
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة 29/2/1433هـ بعنوان: "قِصَر الأمل وحُسن العمل"، والتي تحدَّث فيها عن انصرامِ عامٍ وإقبالٍ عامٍ جديد، وذكَّر بما عمِلَه المرءُ فيما مضى إن كان مُحسِنًا تزوَّد منه، وإن كان غيرَ ذلك فليتُب وليُقبِل على ربِّه، وبيَّن أن الإنسان بلا دينٍ كالبهيمة التي لا تعقل، وحثَّ على ضرورة الإقبال على العمل الصالح والتوبة والاستغفار.

الخطبة الأولى
الحمد لله خلقَ الليلَ والنهارَ، وقدَّرَهما مواقيتَ للأعمال ومقادير للأعمار، لا إله إلا هو جعلَ في مرورِ الأيامِ والليالي عِبَرًا لأهل هذه الدار، أحمده - سبحانه – وأشكره على عظيم آلائه والشكرُ سبيلٌ للمزيد والاستِكثار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً خالصةً مُخلِصة بصدق المُعتقَد وصحةِ الإقرار، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله النبيُّ الأُمِّي العربيُّ الهاشميُّ المُصطفى المُختار، صلَّى الله وسلَم وبارَك عليه وعلى آله السادة الأطهار، وأصحابه البَرَرَة الأخيار، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقبَ الليلُ والنهار، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - عزَّ وجل -، فاتقوا الله - رحمكم الله -، فمن عرفَ الله أعطاه حقَّه، ومن أحبَّ رسولَ الله – صلى الله عليه وآله وسلم – لزِمَ سنَّته، ومن قرأَ كتابَ الله عمِلَ به، ومن أرادَ الجنةَ عمِلَ لها، ومن خافَ النارَ هربَ منها، ومن أيقنَ بالموت استعدَّ له.
يقول عليُّ - رضي الله عنه -: "اشتدَّ خوفي من اثنين: طولِ الأمل، واتِّباعِ الهوى؛ أما طولُ الأمل فيُنسِي، وأما اتِّباعُ الهوى فيصدُّ عن الحق".
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[الجاثية: 23].
أيها المسلمون، حُجَّاج بيت الله:
ها أنت تُودِّعون عامًا، وتدلِفون لاستِقبال عامٍ آخر، وذلك كلُّه من أعمالكم وأيامكم، عامًا مضى بما أودَعتُموه من عملٍ، فمن أحسنَ فليهنَأ وليحمَد الله وليزدَد، وخيرُ الزاد التقوى، ومن كان غيرَ ذلك فلا يزالُ في الأجل فُسْحة، فليستعتِب، وربُّكم يتوبُ على من تابَ.
اللهم اجعل عامَنا عامَ خيرٍ وبرَكة، وأيامَنا أيامَ أمنٍ وأمان، وسلامةٍ وإسلام، اللهم وفِّقنا فيه لصالحِ العمل، وجنّبنا الفتنَ ما ظهر منها وما بطَن، واجمع اللهم كلمةَ المسلمين على الحق والهُدى والصلاح، وأعِزَّ الإسلام وأهلَه، وأذِلَّ الطغاةَ وأعداء المِلَّة.
أيها الإخوة:
في تقلُّب الأيام وتصرُّم الأعوام فرصةٌ وفُرَص للمُراجَعة والمُحاسَبة، فطُوبَى لمن أخذَ العِبرَة، وفاضَت منه العَبْرة، والحسرةُ لأرباب الغفلة، فلينظُر العاملُ عملَه، وأين المُؤمِّلُ وما أمَّله؟!
يا معشر العباد:
أين الآباء والأجداد؟! وأين المرضى والأصِحَّاء والعُوَّاد؟! أفضَوا إلى ما قدَّموا، الموعدُ يومُ المعاد، والمُلتَقى يومُ التَّنَاد، يوم يُنفَخُ في الصور، ويُنقَر في الناقُور.
يا عبد الله:
السعيدُ من وُعِظَ بغيره، وإذا ذُكِرَ الموتى فعُدَّ نفسكَ منهم، فخُذ من حياتك لموتك، ومن فراغك لشغلك، ومن صحَّتك لمرضك، ومن غِناك لفقرك، وإذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباحَ، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وكلما قصُر الأمل جادَ العمل.
كم من مُستقبِلٍ يومًا لا يستكمِلُه، وكم من مُؤمِّلٍ لغدٍ لا يُدرِكه، ومن رأى أجلَه ومسيرَه أدرك حقيقةَ الأمل وغرورَه، ومن أنفع أيام المؤمن ما ظنَّ أنه لا يُدرِكُ آخِره.
يا وحيدًا بعد قليلٍ في قبره، يا مُستوحِشًا بعد أُنسٍ حين انقِضاء عُمره، تجمعُ الدنيا على الدنيا لغيرك، وينساكَ من أخذَ كلَّ خيرِك، هلاَّ تزوَّدتَ لمقرِّك.
فبادِروا – رحمكم الله – بالصحةِ سقمَكم، واحفَظوا أمانةَ التكليف لمن ائتَمَنكم، لا شيء أقلُّ من الدنيا، ولا شيء أعزُّ من النفس، فاقنَع بالكَفاف، وصُن نفسَكَ بالعفاف، وقِف مُتدبِّرًا في حالك؛ فالمؤمنُ وقَّاف.
يا عبد الله:
أفضلُ الأعمال: أداءُ ما افترضَ الله، والورعُ عمَّا حرَّم الله، وصدقُ النيَّة فيما عند الله.
واعلَم أن الرضا في طاعة الله؛ فلا تحقِرنَّ من الطاعة شيئًا، والسخَط في معصية الله؛ فلا تستصغِرنَّ من المعاصي شيئًا، وأشرفُ الأوقات ما صُرِف في طاعة الله، ولا تنظُر إلى صِغَر المعصية ولكن انظُر عِظَم من عصيتَ.
والنفسُ إن لم تشغَلها بطاعة الله شغَلَتك بما لا ينفعُ، والقلوبُ كالقُدور تغلي بما فيها، والألسِنةُ مغارِفُها، والذنوبُ مفسَدةُ القلوب، والقويُّ من داومَ على الطاعة، والضعيفُ من غلَبَته محارِم الله.
والعملُ بضاعةُ الأقوياء، والأماني بضاعةُ الضعفاء، والتُّؤدَةُ مُستحسَنةٌ في كل شيء إلا ما كان من أمر الآخرة: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى[طه: 84].
والبركةُ في أكل الحلال، والعملِ الحلال؛ فاللهُ طيبٌ لا يقبَلُ إلا طيبًا، وخزائنُه لا تنفَد فهو الرزاق ذو القوة المتين، والصدقةُ تدفعُ البلاء، وما نقصَ مالٌ من صدقة، وهل تُنصَرون وتُرزَقون إلا بضُعفائكم.
والقناعةُ كنزٌ لا يفنَى، وراحةُ الجسم في قلَّة الطعام، وراحةُ النفس في قلَّة الآثام، وراحةُ القلب في قلَّة الاهتمام، وراحةُ اللسان في قلَّة الكلام، وأهلُ المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.
والمهزومُ من هزمَته نفسُه، ومن لم يرضَ بالقضاء فليس لحبِّه دواء، والعيشُ مضمون، والرزقُ مقسوم، والهموم لا تدوم.
ومن أرادَ أن تدومَ له السلامةُ والعافيةُ من غير بلاءٍ فما عرفَ التكليف، ولا أدركَ التسليم، والخيرُ كلُّه في الرضا.
فإن استطعتَ – يا عبد الله – أن ترضى وإلا فاصبِر، والرضا يكون بسُكون القلب تحت مجارِي الأحكام.
يقول حاتم الأصمُّ: "نظرتُ في أحوال الخلق؛ فإذا الذي أحببتُ من الناس لم يُعطِني، والذي أبغضتُه لم يأخُذ مني، فقلتُ في نفسي: من أين أُتيتُ؟ فرأيتُ أني أُوتيتُ من قِبَل الحسَد، فطرحتُ الحسدَ، فأحببتُ الناسَ كلَّهم، فكلُّ شيءٍ لم أرضَه لنفسي لم أرضَه لهم".
ومن عرفَ شأنَه حفِظَ لسانَه، وأعرضَ عما لا يعنيه، وكفَّ عن عِرضِ أخيه، ودامَت له سلامتُه، وقلَّت ندامتُه.
والمسلمُ من سلِمَ المسلمون من لسانه ويدِه، والمؤمنُ من أمِنَه الناس، والمهاجِرُ من هجرَ ما حرَّم الله، والمُسلمُ أخو المسلم لا يظلِمُه ولا يُسلِمه ولا يخذِله ولا يحقِرُه.
وأقربُ الناس من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم القيامة أحاسِنهم أخلاقًا، وما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلا زانَه، وما نُزِع من شيءٍ إلا شانَه، وإن اللهَ ليُعطِي على الرِّفق ما لا يُعطي على العُنف، وصانِعُ المعروف لا يقع، وإن وقعَ وجدَ مُتَّكئًا.
يا عبد الله:
علِّق قلبكَ بربِّك، وخُذ بالأسباب، وليكن زادُك القناعة والصبر والشُكر والأمل مع إحسان العمل، وإحسان الظن، وإحسان النظر.
وليكن زادُك الوقوف عند الحق، وعدمَ تجاوُز الحدِّ، والحرصَ على الورَع؛ طاعةً لله، ونفعًا للنفس، وقيامًا بالمسؤولية، ومن سلكَ ذلك حسُن إيمانُه، واجتمعَ عليه أمرُه، فلم يكن لوقتِه مُضيِّعًا، ولا في غير النافعِ والمُفيد مُشتغِلاً.
ألا فاتقوا الله جميعًا – عباد الله -، ولا تكونوا كأصحاب نفوسٍ قسَت قلوبُها، وغلُظَت أكبادُها، وعظُم عن آيات الله حِجابُها فلا تعتبِر ولا تدَّكِر؛ فإن أقوامًا جاءَتهم آياتُ ربِّهم فكانوا منها يضحَكون، وأراهم ربُّهم آياتٍ كلُّ آيةٍ أكبرُ من أختها فكانوا عنها مُعرضين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[لقمان: 33، 34].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:26 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir