يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-22-2011, 08:58 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

دروس الحج
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 23/11/142هـ بعنوان: "دروس الحج"، والتي تحدَّث فيها عن الدروس المُستنبَطة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في حج بيت الله الحرام.
الخطبة الأولى
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فمن اتقاه وقاه، وأسعدَه ولا أشقاه.
معاشر المسلمين:
شرع الله - جل وعلا - العبادات لحِكَمٍ عظيمةٍ ومقاصد سامِية، وإن الحجَّ قد انتظَمَ من المقاصد أسماها، ومن الحِكَم أعلاها، ومن المنافعِ أعظمَها وأزكاها، يقول - جل وعلا -: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ[الحج: 27].
وإن المسلمين اليوم وهم يُعانون فتَنًا مُتلاطمةً، وشُرورًا مُتنوِّعةً، وبلايا مُتعدِّدة لفي أشدِّ الحاجة إلى أن يستلهِموا من فرائض الإسلام العِبَر والعِظات والدروس ليُوجِّهوا حياتَهم من مُنطلقات دينهم، ويُعالِجوا مُشكلاتهم وأدواءَهم على ضوءِ ما يُوجِّهُهم إليه خالِقُهم، ويُرشِدُهم إليه نبيُّهم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -.
عباد الله:
في الحجِّ تذكيرٌ بأن أعظمَ ما يجبُ أن يُهتمَّ به وأن يُحافظَ عليه وأن يُغرسَ في القلوب: هو تحقيقُ التوحيد لله - جل وعلا -، تحقيقُ الغاية العُظمى في الخُضوع والتذلُّل له - عزَّ شأنه - توجُّهًا وإرادةً قصدًا وعملاً.
فمناسِكُ الحجِّ دروسٌ كُبرى للمُسلم بأن يكون في حياته كلها مُحافِظًا على هذا الأصل في كل حينٍ وآن، مُراعيًا له في كل جانبٍ، لا يسألُ إلا الله - جل وعلا -، ولا يدعو إلا إياه، ولا يستغيثُ إلا به، ولا يتوكَّلُ إلا عليه، ولا يتعلَّق إلا به، ولا يطلبُ المددَ والعونَ والنصرَ إلا منه - سبحانه -، مُستيقِنًا قلبُهُ أن الخيرَ كلَّه بيد الله - جل وعلا -، وأن أزِمَّةَ الأمور بيده - سبحانه -، ومرجعَها إليه، لا مانعَ لما أعطَى، ولا مُعطِي لما منَع.
فحرِيٌّ بالمسلم المُوفَّق الاهتمامُ بتلك المعاني كلها، وتحقيقها في حياته إلى أن يلقَى ربَّه؛ ليملاَ حياتَه بالخُضوع التام لله - جل وعلا -، والذلِّ المُتناهِي لخالِقِه - سبحانه -، والاستقامة الكاملة على طاعته ولُزومِ طاعته.
يقول - سبحانه -: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى[البقرة: 197]، وحين أمر بإتمام الحج والعمرة ختمَ الآيةَ بقوله: وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[البقرة:196]، وحين ذكرَ آخرَ المناسِك أوصى - جل وعلا - بتقواه: وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُون[البقرة:203].
وسُورة الحجِّ، وهي سورةٌ كاملةٌ ذكر فيها - جل وعلا - مُعظمَ مناسكِ الحجِّ، يقول في أولها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ[الحج: 1]، وتُختَم هذه السورةُ بقوله - جل وعلا -: فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير[الحج:78].


عباد الله:
من دروس الحجِّ: يجبُ أن تعلمَ الأمةُ أنه لا سعادةَ ولا نجاحَ ولا توفيقَ إلا باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - والسيرِ على نهجِه، والمسيرة الجادَّة على هديِه في الاعتقادات والأعمال، في الحكم والتحاكُم، في الأخلاق والسلوك.
لذا كان - صلى الله عليه وسلم - في كل منسَكٍ من مناسِكِ الحجِّ يُذكِّرُ بهذا المبدأ، فيقول: «خُذُوا عنِّي مناسِكَكم».
فاتقوا الله - عباد لله -، واستلهِموا من هذه الفريضةِ خِصالَ الخير، وسُبُل السعادة، وأسبابَ الفلاح، وذلك بالاستقامةِ على المنهَج الحقِّ والصراط المُستقيم.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
إنه لا رابطةَ تربِطُ المُسلمين إلا رابطةُ التوحيد، ولا نسبَ ثابتٌ إلا نسَبُ الدين، فيجبُ أن تكون صِبغَتُه هي الصِّبغةُ السائدةُ على حياتنا، والتي يجبُ معها النبذُ التام لحمِيَّة الجاهليَّة وفخَارِها، يقول - جل وعلا - في سِياق آياتِ الحجِّ: ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ[البقرة: 199].
فلماذا التفرُّق بين المسلمين وقد أمرَهم الله بالاعتصام بدينه؟ ولمَ التباغُض والتنافُر وقد أمرَ الله بالأُخُوَّة بين المؤمنين؟ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[الحجرات: 10].
فأين المسلمون من المقاصد العُظمى لدينهم؟ لماذا يكيدُ المُسلمُ لأخيه؟ ولماذا التفرُّق والتحزُّب وأُصولُ ديننا واحدةٌ، وقواعدُه العُظمى ثابتةٌ؟ لماذا التفرُّق والخِلاف في جُزئيَّاتٍ وفروعٍ وقد نصَّ المُحقِّقون من علماء الإسلام أن الخلافَ في الفروع لا يجوزُ أبدًا أن يكون سببًا للتنافُر والتفرُّق؛ لأنه يهدِمُ أُصولَ الإسلام العُظمى.
ولهذا أشار إلى ذلك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، مُحذِّرًا من عواقِبِ التفرُّق والتحزُّب، فيقول في خُطبة الوداع: «إن دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحُرمة يومكم، في بلدكم هذا، في شهرِكم هذا».
فالحجُّ - أيها المُسلمون - يجبُ أن يكون بدايةً لنغرِسَ في النفوسِ حياةً للمُسلمين تُراعَى فيها حُرُمات الله؛ لتقوم في الأرض حياةٌ يأمَنُ فيها البشرُ من البَغيِ والعُدوان، حياةٌ يجِدون فيها مثابةَ أمنٍ، ودَوحَةَ سلامٍ واطمئنانٍ.
فربُّنا - جل وعلا - يقول: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً[البقرة: 125]، ويقول: وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا[آل عمران: 97]. صَلُّوا
ثم إن الله - جل وعلا - أمرنا بأمرٍ عظيم، ألا وهو: الصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا ونبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين وعن الصحابة أجمعين، وعن الآلِ ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أذِلَّ الشركَ والمُشركين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم فرِّج هُمومَنا وهمومَ المسلمين، اللهم اكشِف كُرُبات المسلمين في كل مكانٍ.
اللهم هيِّئ للمسلمين في ليبيا وفي سُوريا وفي مصر وفي اليمن حياةً طيبةً آمِنة ولسائر بلاد المسلمين.
اللهم اجمع المسلمين على الحق والتقوى، اللهم اجمع المسلمين على الحق والتقوى، اللهم اجعلهم مُتعاوِنين على البرِّ والخير يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعلهم إخوةً مُتحابِّين في الله وفي محبَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم احفظ هذه البلاد من كل سوءٍ ومكروهٍ وسائر بلاد المسلمين، اللهم احفظ بلادَ المسلمين جميعًا من كل سوءٍ ومكروهٍ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء سائر بلاد المسلمين، اللهم اجعل المسلمين في أمنٍ ورخاءٍ واستقرارٍ.
اللهم اجعل هذا الحجَّ مُنطلقًا إلى كل خيرٍ للإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم فرِّح قلوبَنا بنُصرة الإسلام والمسلمين، اللهم فرِّح قلوبَنا بنُصرة الإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوءٍ فأشغِله في نفسه، واجعل تدميرَه في تدبيره يا رب العالمين.
اللهم احفظ خادمَ الحرمين، اللهم ازرقه الصحةَ والعافيةَ، والعُمر المَديد ولنائبيْه يا ذا الجلال والإكرام بمثل ذلك، إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات.
اللهم احفظ الحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم احفظ الحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم رُدَّهم إلى بلادهم سالِمين غانِمين.
اللهم يا حيُّ يا قيُّوم نسألُك أن تغفِر لنا ذنوبَنا، وأن تُكفِّر عنَّا سيئاتنا، وأن تُصلِح أحوالَنا، وأن تشفِيَ مرضانا ومرضى المُسلمين.
عباد الله:
اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 10-29-2011, 01:51 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الحج وفضائله
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 1/121432هـ بعنوان: "الحج وفضائله"، والتي تحدَّث فيها عن فضائل الحج وبيان عِظَم منافعه الدنيوية والأخروية، ثم ذكَّر في خطبته الثانية بضرورة الإكثار من الأعمال الصالحة في أيام العشر واغتنامها بما ينفعُ العبدَ في الدارَين.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، وراقِبوه في السرِّ والنجوى.
أيها المسلمون:
الله - سبحانه - هو الغنيُّ القويُّ، وما سواه مُفتقِرٌ إليه مُحتاجٌ له؛ فلم يخلُق الخلقَ تكثُّرًا بهم ولا تقويةً لجلاله؛ بل خلقَهم لحكمةٍ عظيمةٍ هي: عبادتُهم له، وبعبادتهم له يسعَدون.
ولفضله ورحمته بخلقه شرعَ لهم أعمالاً أقوالاً يتقرَّبون بها إليه، ولتتضاعَفَ أجورُهم ولتُقضَى عنده حاجاتُهم، وفاضَلَ - سبحانه - بين عباداته فجعل تحقيقَ التوحيد والعملَ به واجتنابَ نواقِضه أجلَّ عملٍ يُحبُّه الله، وإظهارَ هذه العبادة بالقول أزكى الأقوال إليه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «أحبُّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»؛ رواه مسلم.
بل جعل - سبحانه - توحيدَه شرطًا لقَبول أي عملٍ صالحٍ، وإن انتقضَ هذا الشرطُ لم ينتفِعِ العبدُ بعمله ورُدَّ إليه، قال - سبحانه -: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين[الزُّمَر:65].
ولتحقيق أساس الدين وإظهاره في أقوال العباد وأعمالهم نوَّع - سبحانه - الطاعات والأعمال الصالحة ليُعظَّمَ الربُّ في كل حين، فما أن ينتهي موسمٌ إلا ويعقُبُه بموسمٍ آخر يُظهِرون فيه توحيدَه - سبحانه - والتذلُّل إليه.
فشرعَ - سبحانه - أطولَ عبادةٍ بدنيَّةٍ مُتصلةٍ يتلبَّسون بها أيامًا لإظهار إفراد الله بالعبادة وحده، وأن عبادة ما سواه باطلة، ولتكُو بها أبدانُهم وأموالُهم، وتطهُر بها قولبُهم وأفواهُهم، فمن أدَّاها كما أمره الله عادَت صحائِفُ أعماله بلا أدرانٍ ولا خطايا، قال - عليه الصلاة والسلام -: «من أتَى هذا البيتَ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه»؛ متفق عليه.
ويتعرَّضُ الحُجَّاج في هذه العبادة لنفَحَاتِ ربهم في مكانٍ عظيم، وفي يومٍ هو أكثرُ أيامٍ تُعتقُ فيه الرقابُ من النار، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من يومٍ أكثرُ من يُعتِقَ اللهُ فيه عبدًا من النار من يومِ عرفة، وإنه ليدنُو ثم يُباهِي بهم الملائكة، فيقولُ: ما أراد هؤلاء؟»؛ رواه مسلم.
ومن كان حافظًا لحجِّه مما حرَّم الله وعدَه الله بالجنة، قال - عليه الصلاة والسلام -: «الحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة»؛ متفق عليه.
الحجُّ ركنٌ من أركان الدين مليءٌ بالمنافع والعِبَر، أمرَ - سبحانه - فِعلَه في أطهر بُقعةٍ وأشرفِها، ليجتمِعَ شرفُ العمل والمكان، بنى الخليلُ فيها بيتَ الله وأسَّسه على التقوى والإخلاص، وأبقَى الله ما بناه إبراهيم ليرَى العبادُ أنه لا يبقى من العمل إلا ما كان خالصًا لوجه الله.
ويستفتِحُ الحُجَّاجُ عبادتَهم بإظهار الوحدانية لله وحده، والبراءة من عبادة ما سواه: "لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريكَ لك لبَّيك".
والشهادةُ لا تتمُّ إلا بطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - واقتفاءِ أثَره، وتقبيلُ الحجر الأسود منهجٌ في الطاعة والابتاع، فتقبيلُه تعبُّدًا لا تبرُّكًا بالحجر، فهو لا ينفعُ ولا يضُرُّ.
جاء عمر - رضي الله عنه - إلى الحجَر فقبَّله فقال: "إني أعلمُ أنك حجرٌ لا تضُرُّ ولا تنفَع، ولولا أني رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقبِّلُك ما قبَّلتُك"؛ رواه البخاري.
وفي التلبُّس بالإحرام دعوةٌ للنفس إلى عصيان الهوى؛ فلا لُبس مخيطٍ ولا مسَّ طِيبٍ ولا خِطبةَ نكاح.
وسوادُ الحجر الأسود تذكيرٌ للعباد بشُؤم المعصيةِ حتى على الجمادات، وعِظَمُ أثرها على القلب أشدُّ، قال - عليه الصلاة والسلام -: «نزلَ الحجرُ الأسودُ وهو أشدُّ بياضًا من اللبن، فسوَّدَته خطايا بني آدم»؛ رواه الترمذي.
ويرى الحاجُّ أثرَ المعصية على العاصي، فإبليسُ ظهر على إبراهيم ثلاث مراتٍ ليمنَعه عن امتثال أمر ربِّه بذبح ابنه إسماعيل، فرماهُ الخليلُ بالحجَر مُهينًا ومُظهِرًا له العداوة، وعودةُ خروجه على الخليل تذكيرٌ من الله لنا بأن إبليس يُعاوِدُ وسوستَه لبني آدم وفي عدة مواطن.
والحجُّ إعلامٌ بأن الإسلامَ هو الدينُ الحق، فلا ترى خلقًا يجتمعون من بِقاع الأرض على تبايُن أجناسِهم ومواطِنهم وطبقاتهم إلا في الحج، وهذا من عظمة الإسلام.
وفي الحجِّ إظهارُ معنًى من معاني الربوبية، وأن قلوبَ العباد يُصرّفُها الله كيف يشاء، فيرى الحاجُّ وغيرُه أن الهدايةَ بيد الله وحده، يمنحُها للفقير وللمرأة وللعاجز وللآفاقي والعجمي، وقد يُحرَمُ منها الغنيُّ القويُّ القادر، وفضلُ الله يُؤتيه من يشاء.
وفي أداء هذا الركن انتظامُ عبادةٍ بعد أخرى، ودقَّةٌ في العمل والزمن، فعبادةٌ بالليل؛ كالمبيت بمُزدلِفة، وأخرى بالنهار؛ كالوقوف بعرفة، وعبادةٌ باللسان بالتكبير والتلبية، وأخرى بالجوارح؛ كالرمي والطواف، وفي هذا إيماءٌ إلى أن حياةَ المسلم كلَّها لله.
والأعمالُ بالخواتيم، وقد يُرى أثرُ خِتامها في المحشَر؛ فالمُتصدِّقُ يُظلُّ تحت ظلِّ صدقَته، والعادلُ في حُكمه على منابِرَ عن يمين الرحمن، ومن مات مُحرِمًا بُعِثَ مُلبِّيًا.
وعلى العبد إذا انشقَّ فجرُ يومه أن يُعِدَّه خِتامَ عُمره، عملاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كُن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابِرُ سبيلٍ»؛ رواه البخاري.
ومن علَّق قلبَه بالله والدارِ الآخرة وقصَّرَ أملَه في الدنيا وتزوَّد بزاد التقوى ظفَرَ بالنجاة والفلاح.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير[الحج:27، 28].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
خصَّ الله أمكنةً بالشرفِ والفضلِ، واختارَ الله من العام أزمِنةً يزكُو بها العملُ الصالحُ ويتضاعَف، فاختارَ من الشهور: أشهُر الحجِّ ورمضان، ومن الليالي والأيام: العشرَ الأخيرَة من رمضان وعشرَ ذي الحجَّة، وأيامُ ذي الحجَّة تفضُلُ على أيام العشرِ الأواخِر من رمضان؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام - يعني: أيام العشر -». قالوا: يا رسول الله: ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهادُ في سبيل الله، إلا رلٌ خرجَ بنفسه وماله فلم يرجِع من ذلك بشيءٍ»؛ رواه الترمذي.
ومن العمل الصالح فيها: المزيدُ من برِّ الوالدين وصِلَة الرَّحِم، والصدقَة والصوم، والذكر وتلاوة القرآن، وتفريجِ الكُرُوب والتكبير.
وكان الصحابةُ - رضي الله عنهم - يُكبِّرون حتى في الأسواق.
أيها المسلمون:
فاضَلَ الله بين أحوالِ الناس في الحياة؛ فمنهم من يُوفَّقُ إلى فعل الخيراتِ والمُسارعَةِ إلى الحسنات، والاستجابةِ إذا طُلِبَت منه معونةٌ أو تفريجُ كُربةٍ يحتسِبُ ذلك عند ربِّه عالمًا بأن ما عند الله خيرٌ وأبقى، وهذا الصِّنفُ من الناس يُسعِدُه أن يقضِي حاجةً، أو أن يُعينَ مريضًا، أو يُؤوِي فقيرًا، أو يُطعِم جائعًا، أو يُفرِّجَ كُربةً، فترى القلوبَ له مُحبَّةً، والألسُن له داعيةً، ولفقدِه حزينة.
ومن الناس من يُحرَمُ مثل ذلك، ولا يُسارِعُ إلى فعل الطاعات.
فاحرِصوا أن تكونوا من السبَّاقين؛ فإنكم مُلاقُوا ربِّكم ومجزيُّون بأعمالكم، وتذكَّروا قولَ الله - سبحانه -: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين[آل عمران:133، 134]، وقولَه - سبحانه -: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه[الزلزلة:7، 8].
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم سلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم اجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبَهم مغفورًا، وأعِدهم إلى بلادهم سالِمين غانِمين، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ والبرِّ والتوحيد يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا لهداك، وألبِسه لباسَ الصحة والعافية، ووفِّق وسدِّد وليَّ عهده واجعله ناصيةَ خيرٍ وبرٍّ للإسلام والمسلمين، اللهم اغفر لفقيد هذه البلاد، وارفع درجتَه في المهديين، واجبُر كسرَ مُصاب المسلمين به يا رب العالمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين[الأعراف:23].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-04-2011, 06:46 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

يوم عرفة يومٌ عظيم

ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 8/12/1432هـ بعنوان: "يوم عرفة يومٌ عظيم"، والتي تحدَّث فيها عن عِظَم يوم عرفة وذكر بعض فضائله، وأشار إلى بعض العِبَر المأخوذة من مناسك الحج.

الخطبة الأولى

الحمد لله، الحمد لله بارئِ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِلِ القِسَم، مُبدِع البدائع، وشارِعِ الشرائِع، دينًا رضيًّا، ونورًا مُضِيًّا، أحمدُه وقد أسبَغَ البرَّ الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ آمنَ بربِّه، ورجا العفوَ والغُفرانَ لذنبه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وحِزبه، صلاةً وسلامًا دائمَيْن مُمتدَّين إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
بالتقوى تحصُل البركة، وتندفعُ الهلَكة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون:
بين الجِبال والتِّلال، والمهابةِ والجلالِ، والبهاءِ والجمال، وفي البلد الأمين والحرمِ الآمِن تجتمعُ قوافلُ الحجيج، وتكتملُ حُشُودُهم ووفودُهم، وفي الرحابِ الطاهرة يسكُبُون عبَرات الشوق وخشَعات الإنابة ودموعَ التوبة.
والحُجَّاجُ والعُمَّارُ وفدُ الله دعاهم فأجابوا، وسألوه فنالوا، والحجُّ يهدِمُ ما قبلَه، ومن حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ من ذنوبه كما ولدَته أمُّه، والحجَّةُ المبرورةُ ليس لها ثوابٌ إلا الجنة.
فهنيئًا لمن وردَ مشارِعَ القبول، وخيَّم بمنازل الرحمة، ونزلَ بحرمِ الله الذي أوسعَه كرامةً وجلالاً ومهابةً.
أيها المسلمون:
ما أعظمَها من أيامٍ، وما أجلَّها من مواسم، وغدًا يوم عرفة يومٌ شريفٌ كريم، وعيدٌ لأهل الموقفِ عظيمٌ، يومٌ تُعتَقُ فيه الرِّقابُ، يومٌ تُعتَقُ فيه الرِّقابُ، يومٌ تُعتَقُ فيه الرِّقابُ، ويُسمَعُ فيه الدعاءُ ويُجابُ، وما من يومٍ أكثر من أن يُعتِقَ الله - عز وجل - فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنُو ثم يُباهِي بهم الملائكةَ، فيقول: ما أراد هؤلاء؟
وخيرُ الدعاء دعاءُ يوم عرفة؛ فأظهِروا فيه التوبةَ والاستغفار، والتذلُّل والانكِسار، والندامةَ والافتقار، والحاجةَ والاضطرار.
أيها المسلمون:
ويُستحبُّ صيامُ يوم عرفة لغير الحاجِّ، وصيامُه يُكفِّرُ السنةَ الماضيةَ والباقية، ويُستحبُّ التكبيرُ عقِبَ الصلوات المفروضات من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، والمسبوقُ ببعض الصلاة يُكبِّر إذا فرغَ من قضاء ما فاتَه، ويُكبِّرُ الحُجَّاج ابتداءً من صلاة الظهر يوم النَّحْر.
أيها المسلمون:
قدِّسوا الحرَم، وعظِّموا حُرمتَه، وراعُوا مكانتَه، وتذكَّروا شرفَ الزمان وجلالةَ المكان، والتزِموا بالأنظمة والتعليمات التي تصدُرُ من الجهات المسؤولة، واحذَروا ما يُعكِّرُ صفوَ الحجِّ، أو يُخالِفُ مقاصِدَه، أو يُنافِيَ أهدافَه.
ولا يليقُ بمن دخلَ في النُّسُك وتلبَّس بالإحرام وقصدَ البيتَ الحرام أن يخرجَ عن حُدود الشرع، أو يجعل الحجَّ سبيلاً للخُصومات والمُنازعَات، والمُلاحاة والمُجادلات، والنداءات والشِّعارات والنَّعرات، والتجمهُرات والمُظاهرات والمسيرات، والحجُّ أجلُّ وأسمَى وأعلى من أن يكون مسرحًا للخلافات الحِزبيَّة والمذهبيَّة والسياسية، والحجُّ المبرورُ هو الحجُّ السالمُ عن التجاوُزات والتعدِّيات والجنايات.
والدولةُ السعودية - أيَّدها الله تعالى - أعطَت الحجَّ عَنان العناية وقصَبَ الرعاية، ووجَّهَت جهودَها، وجنَّدَت جُنودَها، وحشدَت حُشُودَها لأمن الحاجِّ، وسلامة الحاجِّ، وصحَّة الحاجِّ، وراحةِ الحاجِّ.
فاحذَروا الأفعالَ المُخزِية، والمسالِكَ المُردِية، والمزالِقَ المُترِبة، والمواقِع المُهلِكة المُنافِية للشرع الحكيم، والعقل السليم.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي لا خيرَ إلا منه، ولا فضلَ إلا من لدُنه، الخلقُ بيديه، ولا اعتمادَ إلا عليه، ولا ملجأَ ولا منجا منه إلا إليه، أحمدُه حمدًا لا انقطاعَ لراتِبِه، ولا إقلاعَ لسحائبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سميعٌ لراجِيه، قريبٌ ممن يُناجِيه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسوله ونبيُّه، وصفيُه ونجِيُّه، ووليُّه ورضِيُّه، وأمينُه على وحيِه، وخِيرتُه من خلقِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
هذه التوبةُ قد شُرِعَت أبوابُها، وحلَّ زمانُها، ونزلَ أوانُها، فهُبُّوا من نومةِ الرَّدَى، وأفيقُوا من رقدَة الهَوى، وامحُوا سوابِقَ العصيان بلواحِق الإحسان، ولتكن مواسمُ الخيرات والعشرُ المُباركات بدايةَ عودتكم، وانطلاقةَ رجُوعكم، وإشراقَ صُبحكم، وتباشِيرَ فجركم، وادلِفوا إلى باب الإنابة، وانزِعوا عن الخطيئة، وأقلِعوا عن المعصية، ولا تُؤخِّروا التوبة، وتخلَّصوا من حقوق الناس، ورُدُّوا الحقوقَ إلى أصحابها، وطهِّروا لُقمتَكم عن الحرام؛ فالحرامُ وبالٌ على صاحبه، تنالُه سُقبَتُه، وتُدرِكُه نقمتُه، وتلحَقُه عقوبتُه، وفي الطيِّبِ غُنيةٌ عن الخبيث، وفي الحلال كفايةٌ عن الحرام.
ومن تابَ وأنابَ تابَ الله عليه، والتائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ له.
ثم اعلموا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون - من جنِّه وإنسِه، فقال قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا وسيدنا محمد بشير الرحمة والثواب ونذير السَّطوة والعقاب الشافع المُشفَّع يوم الحساب، اللهم وارضَ عن جميع الآل والأصحاب، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك يا كريم يا وهَّاب.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم أئمَّتَنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وأصلِح له بِطانتَه يا رب العالمين.
اللهم واجزِ خادمَ الحرمين الشريفين الملكَ عبدَ الله بن عبد العزيز ووليَّ عهده الأميرَ نايف بن عبد العزيز خير الجزاء وأوفاه على بذلهم وعطائهم وخدمتهم للحرمين الشريفين والمشاعر المُقدَّسة وحُجَّاج بيتك الحرام، اللهم متِّعهما بالصحة والعافية يا كريم.
اللهم واحفظ رجالَ أمننا، اللهم واحفظ رجالَ أمننا، اللهم واحفظ رجالَنا العاملين في الحج، واجزِهم خيرَ الجزاء، وارفع درجاتهم، وكفِر سيئاتهم يا كريم يا غنيُّ يا رحيم.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وادفع شرَّ الكائدين ومكرَ الماكرين وعُدوان المُعتدين وتربُّص المُتربِّصين وكيدَ الحاسدين وحسدَ الفاجِرين وفُجور المنافقين يا رب العالمين.
اللهم احفظ الحُجَّاج والزُّوَّار والمُعتمرين، اللهم احفظ الحُجَّاج والزُّوَّار والمُعتمرين، اللهم تقبَّل مساعِيَهم وزكِّها، وارفع درجاتهم وأعلِها، اللهم حقِّق لهم من الآمال أعلاها، ومن الخيرات أقصاها، اجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَكم مشكورًا، وذنبَهم مغفورًا يا رب العالمين.
اللهم أصلِح أحوالَ إخواننا في اليمن والشام، اللهم أصلِح أحوالَ إخواننا في اليمن والشام، اللهم أصلِح أحوالَ إخواننا في اليمن والشام يا كريم.
اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تُحقِّق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفَهم عبرةً وآيةً.
اللهم اشف مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، اللهم تُب علينا برحمتك وإحسانِك، اللهم تُب علينا برحمتك وإحسانِك، اللهم تُب علينا برحمتك وإحسانِك، وتفضَّل علينا بفضلك وامتِنانِك يا كريم.



عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90]. فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-08-2011, 10:00 PM   رقم المشاركة : 4

 

وصايا مهمة لعموم المسلمين
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة عيدالأضحى 1432هـ بعنوان: "وصايا مهمة لعموم المسلمين"، والتي تحدَّث فيها عن بعض الوصايا والنصائح المهمة والتي وجَّهها لعموم المسلمين؛ حيث ذكَّر بالإقلاع عن المعاصي والإقبال على فعل الطاعات والأعمال الصالحة، والبُعد عن المحرمات، وتوجَّه بالنُّصح للمرأة والشباب المسلم وحُكَّام المسلمين.
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ[سبأ: 1]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ الكبير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله البشيرُ النذيرُ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
تمسَّكوا بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي سببُ المخرَج من كل كربٍ في الدنيا والآخرة: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ[الطلاق: 2، 3].
أيها المسلمون:
إن العيدَ يومُ فرحٍ وسُرور، وإن المسلمون يفرَحون، وكيف لا يفرَحون وقد فازُوا بطاعة المَولَى، وحازوا النعمةَ العُظمى بالمُسابقة إلى الخيراتِ والأعمال الصالحات، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[يونس: 58].
ليس العيدُ من لبِسَ الجديد، ولكن العيدَ الحقيقي لمن كان في طاعة ربِّه مُكثِرًا ومن كانت طاعتُه تكثُر وتزيد، ليس العيدُ من ركِبَ أفخمَ مركوب، ولكن العيدَ لمن حُطَّت عنه الخطايا وغُفِرَت له الذنوب.
يقول الحسن - رحمه الله -: "كل يومٍ لا نعصِي اللهَ فيه فهو عيد، وكلُّ يومٍ نقضِيه في طاعة الله - جل وعلا - فهو عيدٌ".
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
إن هذا اليوم يومٌ عظيمٌ، وهو أعظمُ عيدَي الإسلام وأفضلُهما؛ روى أحمد وغيرُه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أعظمُ الأيامِ يومُ النحر».
وهذا اليومُ والثلاثةُ بعده أعيادُ أهل الإسلام، يقول الله - جل وعلا -: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ[البقرة: 203].
وروى أحمد وأهل السنن - بسندٍ حسنٍ - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدُنا أهل الإسلام، وهي أيامُ أكلٍ وشُربٍ».
وخرَّج مسلمٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أيامُ مِنَى أيمُ أكلٍ وشُربٍ وذكرٍ لله - جل وعلا -».
ولهذا حرُم صومُها - أي: أيام التشريق - إلا لمن لم يجد هديَ التمتُّع فيصومُ صومًا واجبًا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الأضاحِي سنَّةُ الخليلين: محمد وإبراهيم - عليهما أفضلُ الصلاة والسلام -، شُرِعت لتحقيق التوحيد والتعظيم والتبجيل لله - جل وعلا -: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[الأنعام: 162، 163].
شُرِعت الأضاحي لتحقيق تقوى الله - جل وعلا -: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ[الحج: 37]. ولهذا فأجرُها عظيمٌ، وثوابُها جزيلٌ.
وتتأكَّد مشروعيتها لمن كان لثمنها واجِدًا؛ روى ابن ماجه وغيره - بسندٍ حسنٍ - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من وجدَ سعَةً فلم يُضحِّ فلا يقربنَّ مُصلاَّنا».
ثم إن هناك أحكام شرعَها - عليه الصلاة والسلام - لهذه الفريضة العظيمة؛ فالشاةُ الواحدةُ تُجزئُ عن الرجل وأهل بيته من الأموات والأحياء، والبدَنة والبقرة تُجزئُ عن سبعة، ومن كان عنده وصايا وأوقاف فإنه يجبُ عليه أن يُنفِذَها حسبَ المنصوص.
ولا يُجزئُ في الأُضحِية إلا ما كان سليمًا من العيوب المانعةِ من الإجزاء؛ فلا تُجزئُ العوراءُ البيِّنُ عورُها - وهي ما نتأت عينُها أو انخسَفَت -، ولا العرجاءُ البيِّنُ ضَلْعُها - وهي التي لا تقدِرُ المشيَ مع الصحيحة -، ولا تُجزئُ المريضةُ البيِّنُ مرضُها في بدنها أو الذي يُؤثِّرُ في فساد لحمها -، ولا تُجزئُ العَجفاءُ - وهي الهزيلةُ التي لا مُخَّ فيها -. ثبت ذلك في حديث البَراء.
وألحقَ أهلُ العلم ما كان بمثل هذه العيوب أو أشد، وقد ثبتَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عنه أن يُضحَّى بأعضبِ القرن أو الأذن.
ولهذا نصَّ أهل العلم على أنه لا يجوز التضحيةُ بمكسور القرن ولا مقطوع الأُذن إذا كان ذلك النصف فأكثر.
وأما البَتراء التي لم يُخلَق لها ذنَبٌ، أو الجمَّاء التي لا قرنَ لها فإنها تُجزئُ عند أهل العلم.
ولا يُجزئُ في الأضاحي إلا ما تمَّ له السنُّ المُعتبَر؛ ففي الإبل خمسُ سنين، وفي البقر سنتان، وفي الماعز سنةٌ، وفي الشاةِ نصفُها.
ووقتُ الذبح - أيها المسلمون - من بعد صلاة العيد، والأفضلُ أن يكون بعد الخُطبة لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويستمرُّ وقتُ الذبحِ إلى ثلاثة أيامٍ بعد يوم النحر - على الصحيح من قولي أهل العلم -.
والمُستحبُّ - أيها المسلمون - أن يأكل منها وستصدَّقَ ويُهدِي، والسنَّةُ أن يذبَحَها بنفسه إن كان مُحسِنًا، أو يشهَدَ ذبحَها، كما ثبتَ ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ولا يجوزُ أن يُعطِي الجزَّار أُجرَته منها، وإنما لا بأسَ أن يُعطِيَه على سبيل الهدية.
ولا يجوز بيعُ جلدُها ولا شيءٌ منها، وإنما يُباحُ الانتفاعُ بذلك.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون:
في الأعياد تُظهِرُ الأُمَم زينتَها، وتُعلِنُ فرحَها وسُرورَها، وتُسرِّي عن نفسها ما يُصيبُها من مشاقِّ الحياة ولأوائِها، فتمتَّعوا بالطيباتِ هنيئًا مريئًا، وإياكم والمنهيَّات، وتجنَّبوا المُحرَّمات، والتزِموا بالمفروضات.
ثم أيتها المرأة المسلمة:
عليكِ بتقوى الله - جل وعلا -، وإياكِ والسفورَ؛ فإن ذلك مما يُغضِبُ الله - جل وعلا -، في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «صِنفان من أهل النار لم أرَهما ..»، ثم ذكرَ منهما: «.. ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مُميلاتٌ رؤوسهنَّ كأسنِمةِ البُختِ المائلة، لا يدخلن الجنةَ ولا يجِدنَ ريحَها».


أيها الشباب:
اتقوا الله - جل وعلا -، والتزِموا بأخلاق الإسلام ومحاسن الفضائل لتكونوا في ظلِّ الله - جل وعلا - يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه؛ ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سبعةٌ يُظِلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه»، وذكر منهم: «شابًّا نشأَ في طاعة الله».
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رِضوانِه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر المسلمين:
وفي مثل هذا الموسمِ وأمتُنا تعيشُ حالةً قاسية ومرحلةً خطيرة، فإنه آنَ الأوانَ إلى أن نستدرِكَ ونستيقِنَ يقينًا جازمًا أن المسلمين لن يكونوا في منأًى عن الشقاء والمِحَن، ولا عن العناء والفِتَن إلا حينما يتمسَّكون بثوابتِهم ويعودون لأصالتهم، إن أساس القوة والتمكين ورُكن الأمن المَكين هو التمسُّك بالوحيَيْن والهديَين، ولذلك أعلنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك المحفَل العظيم الذي ودَّع فيه أمتَه حينما قال: «وتركتُ فيكم ما إن تمسَّكتم به فلن تضِلُّوا: كتابَ الله»، وفي روايةٍ: «وسُنَّتي».
فقد رأى المسلمون جميعًا ما حلَّ ببعض بُلدان المسلمين التي جعل حُكَّامُها كتابَ الله - جل وعلا - وراءَهم ظِهرِيًّا، واستبدَلوها بالقوانين الوضعيَّة، وما كان مآلُ ذلك إلا الخزيُ والعارُ والتفرُّق والاختلاف والعاقبةُ السيئة والحالُ الحزينة.
نسأل الله - جل وعلا - أن يُهيِّئَ لشُعوب تلك البُلدان حياةً طيبةً وعيشةً راضيةً تُرضِي الخالقَ - جل وعلا -، وتُسعِدُ العبادَ في الدنيا والآخرة.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر المسلمين:
إن الدماءَ في الإسلام مُصانة، إن الدماءَ المعصومة مُحترمةٌ مُعظَّمةٌ في القرآن وسنةِ سيد ولد عدنان - عليه أفضل الصلاة والسلام -، ولهذا حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي يعلمُ بعلم الله له بما أوحى إليه ما تؤولُ إليه أمورُ أمته، فوقفَ في مثل هذا اليوم فخطبَ في خُطبة يوم النَّحر - وقبل ذلك في خطبة عرفة -، فكان مما قال: «إن دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم حرامٌ عليكم كحُرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا».
لقد حذَّر أمتَه من التهاوُن في الدماء، ومن التقاتُل بين المسلمين، فقال: «لا ترجِعوا بعدي كفَّارًا يضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعضٍ».
فالويلُ ثم الويلُ لمن تلطَّخَت يدُه بدماء المسلمين؛ ماذا عُذرُه عند ربه يوم يلقاه؟!
الله - جل وعلا - يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا[النساء: 93].
فأين العقل الرَّصين؟ وأين أُخُوَّة الدين؟ وأين محبَّةُ الله ومحبَّةُ رسوله - صلى الله عليه وسلم -؟!
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر المسلمين:
يتسامَعُ العالَم ما أصابَ بُلدانًا كثيرة من هزَّاتٍ اقتصادية، وانهياراتٍ مالية، يلمَّسون لها الحلولَ والعلاجَ، ألا وإن العلاجَ الأوحدَ والسبيلَ الوحيدَ للإصلاح عند الخالق - جل وعلا - الذي أرسل للبشرية جميعًا رحمةً مُهداة، ونورًا لهذه الأرض ولأهلها، إنه: محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - الذي حذَّر البشرية من أسباب الانهيار الاقتصادي، حينما أعلنَها جليَّةً في موقفه يوم عرفة حينما قال: «وإن ربَا الجاهليَّة موضوعٌ».
فيا عُقلاءَ العالم! هلمُّوا إلى هذه الرحمة وإلى هذا النور، وادرُسوا نظامَ الإسلام الشامل - خاصةً النظامَ الاقتصادي - تجِدون العلاجَ الناجعَ الناجحَ للأزمات كلِّها.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون:
إن هذه البلاد قد أنعمَ الله عليها بنعمٍ عظيمة، ألا وإن أعظمَ نعمةٍ حينما قامت على منهجِ الوحيَيْن منذ بداية الدعوة السلفية على يدِ الإمامَين المُجدِّدين: الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبد الوهاب، حتى نشأت هذه الدولة في مراحلها الثلاث، - ولله الحمد - في رخاءٍ وازدهار، ثم قام الملكُ عبد العزيز - رحمه الله - بهذه البلاد بكل خيرٍ، فقامت مُزدهِرةً سعيدةً هنيئةً - ولله الحمد -.
ألا وإن من أعظم النعَم على حُكَّامها وأهلها: أن جعلهم خُدَّامًا لضُيوف الرحمن، فلم يألُ حُكَّامُها بكل غالٍ ورخيصٍ في خدمةِ الحُجَّاج والمُعتمِرين وفي خدمةِ البيتين العظيمَيْن والمسجدَيْن الشريفين والحرمَيْن الكريميْن.
فجزى الله حُكَّامَها خيرًا، ومدَّ الله في عُمر خادم الحرمَيْن ونائبِه، وجزاهم الله خيرًا، وجعل الله هذه البلادَ آمنةً مُطمئنةً رخاءً سخاءً.
وإن الواجبَ - أيها المسلمون - تجاه هذه النِّعَم التي أنعمَ الله بها على أهل هذه البلاد أن يتكاتفَ أهلُها مع حُكَّامها على الخير والبرِّ، وأن يتعاوَنوا على ذلك، وأن يحذَروا من كل دعوةٍ تَكِيدُ لحُكَّامها ولأهلها ولمُجتمعها.
نسأل الله - جل وعلا - أن يُحقِّقَ لنا الأمنَ والأمان في هذه البلاد وفي جميع بُلدان المسلمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللم أذِلَّ الشركَ والمشركين.
اللهم اغفر لنا في هذا اليوم، اللهم اغفر لنا في هذا اليوم الكريم، اللهم كفِّر عنا السيئات وارفع لنا الدرجات، اللهم اكتُبنا مع الفائزين، اللهم اكتُبنا مع الفائزين، اللهم اكتُبنا مع الفائزين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارحمنا برحمتك، اللهم اعفُ عنَّا يا عفوُّ يا كريم.
اللهم سلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم سلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم وأكمِل لهم نُسُكَهم على أحسن حالٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمُسلمات الأحياء منهم والأموات.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضى، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لما فيه خدمةُ رعاياهم، اللهم احفَظ بُلدان المسلمين، اللهم احفظ بلاد المسلمين، اللهم احفظ المسلمين في الشام، اللهم احفظ المسلمين في الشام، اللهم احفظ المسلمين في الشام وفي اليمن، اللهم احفظ المسلمين في مصر وفي تونس وفي ليبيا، اللهم اجعل لهم حياةً سعيدةً طيبةً يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعِد علينا هذا العيدَ أعوامًا عديدة وأزمِنةً مديدة ونحن في صحةٍ وعافيةٍ وفي طاعةٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم يا غني يا حميد يا ولي يا حميد يا ولي يا حميد أنزِل علينا الغيث، اللهم أنزِل علينا الغيثَ، اللهم أنزِل علينا الغيثَ، اللهم ارحمنا رحمةً من عندك، اللهم ارحمنا رحمةً من عندك، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
عباد الله:
اذكروا اللهَ ذكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بُكرةً وأصيلاً.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا ونبيِّنا محمد وآله وصحبه.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-12-2011, 12:13 AM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

ما بعد الحج

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة 15/12/1432هـ بعنوان: "ما بعد الحج"، والتي تحدَّث فيها عما يعقُب مناسكَ الحج من المُداومة على الطاعات، والمُسارعة إلى فعل الحسنات وترك السيئات، وأشادَ بجهود خادم الحرمين والقائمين على تيسير المناسك للحُجَّاج والمُعتمرين، ونبَّه على ضرورة تعلُّم آداب وأحكام زيارة المسجد النبوي الشريف.

الخطبة الأولى


إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، أحمده - سبحانه - أكمل لنا المناسك وأتمَّ، وأسبغَ على الحَجيج فضلَه المِدارارَ الأعمَّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نسمُو بها إلى أعلى القِمَم، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أزكى من أدَّى المناسِكَ وطافَ بالبيت العتيق وأمَّ، وأبانَ معالمَ الدين ورسَم بأبلغِ عبارةٍ وأوجزِ الكلِم، صلَّى الله عليه وعلى آله الأطهارِ صفوةِ الأُمَم، السالكين النهجَ القويمَ الأَمَم، وأصحابِه الأخيارِ أُسدِ العَرين ولُيُوثِ الأَجَم، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ ما قصدَ المسجدَ الحرام حاجٌّ والتزَم، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا عباد الله! حُجَّاج بيت الله الحرام:
اتقوا الله - تبارك وتعالى - حقَّ التقوى؛ فإنها أنفسُ الذخائِر، والأثرُ الجليلُ لما أدَّيتُم من أعظم الشعائر، فتقوى الله - سبحانه - ضياءُ الضمائر، ونورُ البصائر، وترياقُ السرائر، وخيرُ عاصمٍ من الجرائر، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى[البقرة: 197].
يريدُ المرءُ أن يُؤتَى مُناهُ ويأبَى اللهُ إلا ما أرادا
يقول المرءُ: فائدتي ومالي وتقوى اللهِ أعظمُ ما استفادا

وفودَ الرحمن! أيها الحُجَّاج الكرام:
منذ أيامٍ قلائل نعِمتم بإكمال مناسكِ الركنِ الخامسِ من أركان الإسلام، وأحدِ مبانيه العِظام، في أجواءٍ إيمانية سعيدةٍ، وأوضاعٍ أمنيَّةٍ فريدة، فاقدُرُوا هذه النعمةَ الكبرى التي يغبِطُكم عليها سائرُ الأمم، واشكروا المولى - سبحانه -؛ حيث أفاضَ عليكم أزكَى المِنَن والنعَم، وغمَرَكم فضلُ الباري بالحجِّ إلى البيت الذي جعله مثابةً وأمنًا للناس، وفي ذلك الأجرُ الجزيلُ بغير قياس، وعلى إثر ذلك ودَّعَت أمتُنا الإسلامية مناسبةَ عيد الأضحى الغرَّاء، وأيامَه العبِقَة الزهراء؛ إذ المقامُ بعدئذٍ مقامُ شكرِ المُنعِم - سبحانه -: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ[إبراهيم: 7].
فاشكروه تعالى حقَّ شكره، واذكروه - جل وعلا - حقَّ ذكره؛ فقد وقفتُم بأزكى البِطاح ترجُون غفرانَ الذنوب والجُناح، وتأمُلون الفوزَ بالأجر والفلاح، وقد نقعتُم أنفسَكم وأرواحَكم في مُغتسَل المغفرة ونفحاتها، وسحجتُم الآثامَ بشآبيب الرحماتِ وهبَّاتها، تدعون ربَّكم بألسنةٍ طاهرة وقلوبٍ خاشعة ونفوسٍ مُنكسِرةٍ ضارِعة وأعيُنٍ بالعَبَرات سكَّابةٍ دامِعة.
عيونٌ إلى الرحمنِ ترنُو ضراعةً فينهَلُّ فيضٌ من مدامِعِها سكبًا
حجيجٌ كموجِ البحر في زحمةِ التُّقَى يُلبِّيه ربُّ العالمين إذا لبَّى


فعلى صعيدِ عرفاتٍ لهَجتُم إلى الله بالتجاوُز عما كان من السيئات وفات، ووقفتُم - أحبَّتنا الحُجَّاج - موقفَ المُفتقِر المُحتاج، فأحرزتُم غايةَ الحُبور والابتِهاج، ونحرتُم الأضاحِيَ والهدايا بمِنَى، ورميتُم الجمرات للمُنى، وحلَّقَت أرواحُكم في أنداء الصفا بالسعي بين المروة والصفا، وعند الركن والمقام انهلَّت منكم العبَراتُ السِّجام.
وعند الرُّكنِ تنحسِرُ الخطايا مُلملِمَةً جوانِحَها انهِزامًا
فتنشرِحُ الصدورُ بطِيبِ ذكرٍ أماطَ الكربَ عنها والقَتَاما

ومن كان بهذه المثابة؛ فأحرِ به أن يُكرِمَه المولى بعظيمِ الأجر والإنابة، وحقيقٌ به أن يعمُرَ بالبُرُور والقُرُبات أوقاتَه وأزمانَه، وأن يُطلِقَ دومًا للحسنات عِنانَه.
فهنيئًا لكم، ويا بُشراكم بقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة»؛ خرَّجه الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
الله أكبر؛ لكأنها كلماتٌ من لؤلؤ على بِساطٍ من سُندُس.
معاشر الحَجيج الأكارِم:
وها قد انعطفتُم في حياتِكم إلى عهدٍ جديدٍ، وميلادٍ مباركٍ سعيد، مُشرِقةٍ صفحاتُه، نقيَّةٍ أوقاتُه، سنيَّةٍ ساعاتُه، وها قد انقَضَت المناسِك؛ فماذا بعدُ أيها الناسِك؟!
ألا فالزَموا المُداومَةَ على الأعمال الصالحة والثبات، والاستقامةَ عليها حتى الممات، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 99].
وتزوَّدوا - يا رعاكم الله - من مناهلِ حجِّكم بالتوبة النَّصوح واليقين المتين، والنفسِ الزكيَّة، والسجايا السنيَّة لخوضِ غِمار الحياة بصالح الأعمال وخالصِ النيَّة، وحُسن استثمار هذه الدنيا الدنيَّة.
قيل للحسن البصري - رحمه الله -: ما الحجُّ المبرور؟ قال: "أن تعودَ زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة".
أمةَ الإسلام، حُجَّاج بيت الله الحرام:
ومُقتضى الحجِّ المبرور: التغييرُ إلى مرافِئِ الرُّقِيِّ والحُبُور، وذلك بالاعتصام بحبل الله المتين، والتوادُدِ والاتفاق ونبذِ التنازُع والافتراق، والتواصِي بالصلاحِ ومكارمِ الأخلاق، واجتِنابِ المُوبِقات والمُنكراتِ ودواعِي النفاق.
فطهِّروا ألسنتَكم من الكذبِ والغِيبَة والآثام، ومنكرِ القولِ والشِّتام، وزكُّوا قلوبَكم فإنها محلُّ نظرِ ذي الجلال والإكرام.

فيا حُجَّاج بيت الله كونوا على المنهاجِ روَّادًا عِظامًا
وتلك العُروةُ الوُثقى شِعارٌ فلا ترضَوا لعُروتها انفِصامًا
معاشر المسلمين، والحُجَّاج الميامين:
ولا بُدَّ لهذه المناسبة الكريمة ومناسِكِها العظيمة أن نستلهِمَ منها الآيات والعِبَر، والتذكُّر في صُروفِ الدَّهر وما له من غِيَر؛ فإن هذه الفريضةَ العظيمةَ منبعٌ ثرٌّ للتسامُح والتحاوُر، والتضامُن والتشاوُر، تتجلَّى فيها أسمَى صور الأمة الواحدة التي اجتمعَت على هدفٍ واحد، فلا ينبغي أن يمرَّ موسمٌ إلا وتعلَّمَت الأمةُ من هذا التجمُّع الكبير دروسًا بليغة، وخرجَت بطاقاتٍ فريدة، تُستَمَدُّ من هذه الجُموع المُبارَكة.
وأرضُ الحرمين - حرسَها الله - منحَت العالمَ - بفضل الله - صُور المُسامَحة والتعاوُن، وقِيَم الأمن والأمان، وكم في هذه الفريضة من المشاهد الإسلامية والإنسانية، والصُور الحضارية التي لا تظهر إلا في هذه البِقاع الطاهرة، لتُدرِكَ الأمة أنها بغير الإيمان والعقيدة وبدون الاعتصام بالكتاب والسنة لن ولا ولم تكن شيئًا مذكورًا، وأن عواملَ الخلافِ والفُرقة لن تحمِلَ غيرَ الشتاتِ والضياع.
وإننا باسم الأمة الإسلامية قاطبةً لنُناشِدُ من مهبِطِ الوحي ومنبَعِ الرسالة قادةَ الأمة وشُعوبَها القيامَ بدورهم التأريخي في العمل على بثِّ الأمن والاستقرار في مُجتمعاتهم، ونبذِ العُنفِ والقمعِ والقتلِ والعُدوان، ورفعِ الظلمِ والبغيِ والطغيان، مُدرِكين أن الوعيَ الحَصيفَ هو السبيلُ - بعد الله - لاختيار طريق التوحيد والوَحدة لا التخبُّط والاضطرابِ والفَوضَى.
فالتحدِّيات المُتسارعة، والمُتغيِّراتُ المُتلاحِقة لهذه الأمة تستدعِي منها أن تعِيَ مخاطرَ المُستقبَل فتستشرِفَه بكل ثقةٍ واقتِدار، وها هو الزمانُ يسيرُ بنا سيرًا حثيثًا ولسانُ العِبَر والعِظات يتلُو علينا كلَّ يومٍ حديثًا، عروشٌ زالَت، ودولٌ دالَت، وأخرى انتصَرَت وقامَت، وكذا ذو المَنون تعثامُ الخِيَرة الأعلام والأعِزَّةَ الكرام والأقارِبَ والأرحام، أسكنَهم الله فسيحَ الجِنان، وجزاهم عنا وعن المسلمين أعظمَ الأجر والإحسان. وهكذا الدنيا راحلٌ بعد راحِل، وعِبَرٌ لكل مُتدبِّرٍ عاقل.
فكونوا - يا عباد الله الكرام، ويا حُجَّاج بيته الحرام - من المُشمِّرين للدار الآخرة، الساعين للمنازل العالية الفاخِرة.
أيها الإخوة المؤمنون:
ومن شُكر المُنعِم المُتفضِّل - جل جلاله -: التحدُّث بما حبَى الله بلاد الحرمين الشريفين - حرسَها الله - من شرفِ خدمةِ الحُجَّاج مُحتسِبَةٍ الأجرَ والمثوبةَ من الله - جلَّ في عُلاه -، ومُضيِّها في خدمةِ ضُيوف الرحمن مُستمِدَّةٍ العونَ من المولى - تبارك وتعالى -، فخدمةُ الحُجَّاج والمُعتمِرين، ورعايةُ أمنِهم وطمأنينتهم تقعُ في أعلى مسؤولياتها وقمة اهتماماتها، مُستشعِرةً في ذلك عِظَمَ الأمانة المُلقاةِ على عاتقها.
ومن فضل الله وتوفيقه تحقيقُها النجاحات المُتميِّزة في تقديم منظومةِ الخدماتِ المُتألِّقة في الجوانب كافَّتها، وهنا لا بُدَّ من إزجاء تحيةِ اعتزازٍ وتقدير، ودعاءٍ وتوقير للقائمين على شؤون وفود الرحمن بكل حِذقٍ وتفانٍ أن يجزِيَهم الله - سبحانه - خيرَ الجزاء وأوفاه، وأعظمَه ومُنتهاه.
والدعاءُ موصولٌ للجُنود المجهولين الساهرين على خدمةِ الحَجيجِ وراحتهم على تنوُّع اختصاصاتهم، لا سيَّما في لجنة الحجِّ العُليا والمركزية والأمنية والعلمية والدعوية والصحية، لا حرمَهم الله ثوابَ ما قدَّموا، وأجرَ ما أحسَنوا، كِفاءَ ما أجدَعوا واجتَهدوا لإنجاحِ هذا الموسمِ العظيم باقتِدار، على الرغمِ من المحدودية المكانية والزمانية والظروفِ الإقليمية والمُتغيِّرات الدولية.
وإننا باسم جُموع حُجَّاج بيت الله العتيق لنرفَعُ التهانِيَ مُضمَّخةً مُعطَّرة، والدعواتِ صادقةً مُؤرَّجَة لمقام خادم الحرمين الشريفين ووليّ عهده الأمين - حفظهما الله -، وللأمة الإسلامية جمعاء على ما منَّ به - سبحانه - من نجاحِ موسم حجِّ هذا العام بامتياز، فلله الحمدُ والفضلُ والشُكر على ما أنعمَ وجادَ، ووفَّق للسداد والرشاد، والأمن والاستقرار والإسعاد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ[البقرة: 200- 202].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا وإياكم بما فيهما من الآيات والحِكمة، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافةِ المسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان للأوَّابين غفورًا.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-12-2011, 12:21 AM   رقم المشاركة : 6

 

الخطبة الثانية


الحمد لله وليِّ التوفيق والإصابة، أحمده - سبحانه - خصَّ من شاء من عباده بالحجِّ المبرورِ والمغفرة والإنابة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجُو بها من الرحمن دعوةً مُجابة، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله ذو القدرِ العليِّ والذاتِ المُهابَة، خيرُ من درَجَ على ثرَى أمِّ القُرى والمدينةِ طابَة، صلَّى الله عليه وعلى آلهِ الأطهارِ ذوِي المكارِمِ والنجابَة، وصحبِه الأخيار أُولِي النفوس الأبِيَّةِ المُستطابة، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.


أما بعد، فيا عباد الله:
اتقوا الله - تبارك وتعالى - حقَّ التقوى، واعتصِموا لذلك بالعُروة الوُثقى، واعلًَموا - رحمكم الله - أن المولى - سبحانه - بعثَ فيكم رسولَه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لتُعزِّرُوه وتوقِّروه، فيا بُشرَى من أجابَ دعوتَه ومُنادِيَه، وأفلحَ من امتثلَ أوامِرَه واجتنبَ نواهِيَه.
أيها الحُجَّاج الميامين:
وبعد أن قضيتُم مناسِكَكم، وزعمَ بعضُكم على زيارة مسجدِ المصطفى - عليه الصلاة والسلام -، وشدَّ لذلك المَطايا والرِّحال، هنيئًا لكم الحِلُّ والتَّرْحال، وليكن من بعلمٍ وحُسبان أن الزيارةَ ليست من واجباتِ الحجِّ وأركانه، وليس في تركها انثِلامُه أو نُقصانُه؛ بل الحجُّ - بفضل الله - تامٌّ صحيحٌ، وصاحبُه ذو عملٍ نَجيح، وأجرٍ عميمٍ رَبيح، وما يُذكَر من روايات ارتباطِ الزيارةِ بالحجِّ ضعيفةٌ موضوعة، أو واهيةٌ مصنوعة.
ولكن من زارَ طيبةَ الطيبة قُربةً واحتِسابًا وحُبًّا لتلك المرابِعِ لُبابًا أثابَه الباري أجرًا وثابًا؛ أليست هي مأرِزَ الإيمان، ومُهاجَرَ سيد ولد عدنان - عليه الصلاة والسلام الأتمَّانِ الأكملان -؟!
هذي دُونَكم طيبَةٌ ورُبُوعُها قد بُورِكَت في العالمين رُبوُعًا
هذي المدينةُ قد تألَّقَ فوقَها تاجٌ يُرصَّعُ بالهُدى ترصيعًا
هي مأرِزُ الإيمان في الزمنِ الذي يشكُو بناءُ المكرُماتِ صُدوعًا
فيا أيها الزوَّار الأخيار:
وأنتم تقدُمون مدينةَ المُصطفى المُختار - بأبي هو وأمي - عليه الصلاة والسلام - تذكَّروا وجوبَ اتباعِ سُنَّته واقتِفاء محجَّته والارتِواءَ من سيرته؛ لأن في اتباعه الهُدى والصلاح والفوزَ والفلاح، وفي التمسُّك بسُنَّته السنيَّة وسيرتِه المُشرِقَة البهيَّة الشمسُ الساطِعة، والمِشعَلُ الوضَّاء، والسَّنَى المُتلألِئُ الذي يُبدِّدُ غياهِبَ الانحِرافاتِ العقديَّة، والمُمارَساتِ السلوكية، والنَّعَراتِ الطائفيَّة، ويرتقِي بالأمة إلى ذُرَى القِمَم الاجتماعية والحيَويَّة.
وقد حذَّرَ المولى - سبحانه - من مُخالفة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور: 63].
ومُقتضى طاعته ومحبَّته - صلى الله عليه وسلم -: تعلُّم آداب زيارة مسجده الشريف وآداب السلام عليه وعلى صاحبَيْه - رضوانُ الله عليهما -، وآداب الإقامة في مدينته النبوية المُنوَّرة، لا زالت بالبركات مُحاطةً مُسوَّرة.
وختامًا - إخوة الإيمان -:
وأنتم في مهبِط الوحيِ على وداعٍ، ومن منبَع الرسالةِ على فِراقٍ والتِياع، لا نملِكُ إلا اغتِنام الفُرصة عن الضياع، مُردَّدين على الأسماعِ عبرَ الأصداءِ والأصقاع دعاءَ الأُخُوَّة والوداع: نستودِعُ اللهَ دينَكم وأمانتَكم وخواتيمَ أعمالكم، زوَّدكم الله التقوى، وغفرَ ذنوبَكم، ومحا حُوبَكم، وحقَّق آمالَكم وسُؤلَكم، وبلَّغَكم مرادَكم ومأمولَكم، وجعل حجَّكم مبرورًا، وسعيَكم مشكورًا، وذنبَكم مغفورًا، وأعادَكم إلى أهلِكم وديارِكم سالمين غانِمين مأجُورين غيرَ مأزورين، فرِحين مُستبشِرين، وعلى الطاعةِ دائبين، وعلى الاستقامةِ دائمين، إنه سميعٌ مُجيب.
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على خيرِ الورَى الحبيبِ المُجتبَى والرسولِ المُرتَضَى، كما أمركم المولى - جل وعلا -، فقال تعالى قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا»؛ خرَّجه مسلمٌ من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -.
صلَّى عليك الله ما قرأَ الورَى آيَ الكتابِ وسُورةَ الفُرقانِ
مِنَّا السلامُ عليك ما هبَّ الصَّبَا فوقَ الرُّبَى وشقائقِ النُّعمانِ
اللهم صلِّ على محمدٍ وآلهِ وأزواجِه وذريَّته، كما صلَّيتَ على إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك على محمدٍ وآلهِ وأزواجِه وذريَّته، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم عن الأئمة الأربعةِ الخلفاء الراشدين، الأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وسلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، وسلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، وسلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، والمُسافِرين في برِّك وبحرِك وجوِّك أجمعين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح ووفِّق أئمَّتنا وولاةَ أمورِنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا.
اللهم وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفَين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيَته للبرِّ والتقوى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحة التي تدلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وإخوانَهم وأعوانَهم إلى ما فيه صلاحُ الإسلام والمسلمين، اللهم اجزِهم خيرَ الجزاءِ وأوفرَه جزاءَ ما قدَّموا ويُقدِّمون لخدمةِ حُجَّاج بيتك الحرام.
اللهم اجعل ذلك في موازين أعمالهم وصفحات حسناتهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق جميعَ وُلاة أمور المسلمين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بنواصِيهم للبرِّ والتقوى، واجعلهم لشرعِك مُحكِّمين، ولسنَّة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم - مُتَّبعين، ولأوليائك ناصِرين.
اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم احقِن دماءَ المسلمين، اللهم احقِن دماءَ المسلمين، اللهم احقِن دماءَ المسلمين، واحفَظ أمنَهم وإيمانَهم واستقرارَهم في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى من المُحتلِّين المُعتدين، اللهم اجعله شامِخًا عزيزًا إلى يوم الدين، اللهم عليك بالصهايِنة المُعتدين، اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم شتِّت شملَهم، وفرِّق جمعَهم، واجعلهم عبرةً للمُعتبرين يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم اغفر لفقيد الأمة الإسلامية سلطان بن عبد العزيز، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم ارفَع درجاته في المهديِّين، اللهم ضاعِف حسناته في علِّيِّين، اللهم اخلُفه في عقِبِه في الغابِرين، اللهم اغفر لنا وله ولسائر المسلمين ولموتانا وموتى المسلمين يا رب العالمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِث قلوبَنا بالإيمان واليقين، وبلادَنا بالخيرات والأمطار والغيثِ العَميم.
ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوَّابُ الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ووالدِيهم وجميعِ المسلمين الأحياءِ منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربِّك ربِّ العِزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-19-2011, 01:15 PM   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 


سُبُل المحافظة على الطاعات
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 15/12/1432هـ بعنوان: "سُبُل المحافظة على الطاعات"، والتي تحدَّث فيها عن المحافظة على الطاعات والتي تكون بالاستقامة عليها والثبات، والمُداومة على فعلها والمُسارعة في تأديتها، ومُجاهَدة النفس على العبادة والبُعد عن المحظورات.

الخطبة الأولى
الحمد لله على نعمة الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ العلاَّم، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه - عليه أفضلُ الصلاة والسلام -.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي سببُ الفلاح في الدنيا وفي الأخرى.
أيها المسلمون، حُجَّاج بيت الله:
هنيئًا لكم على نعمةِ إتمامِ النُّسُك - بحمد الله - بسلامةٍ وعافيةٍ وراحةٍ واطمئنان، أتمَّ الله - جل وعلا - على جميع المؤمنين النِّعَم ودفعَ عنهم النِّقَم، وجعل الله حجَّكم مبرورًا، وسعيَكم مشكورًا، وذنبًنا ذنبَكم مغفورًا.
أما بعد، فيا عباد الله:
الحجُّ المبرورُ يُكفِّرُ الله به السيئات، ويرفعُ به الدرجات، ويُدخِلُ به الجنَّات، ولكن للحجِّ المبرورِ علاماتٌ يُعرفُ بها، ذكرَها أهلُ العلم من خلال استقراء النُّصوص من القرآن والسنَّة.
ألا وإن أعظم تلك العلامات: أن يستقيمَ العبدُ على طاعة الله - جل وعلا -، وأن يرجِعَ الحاجُّ راغبًا في الآخرة، مُشمِّرًا إلى المُسارعة إلى الأعمال الصالحة، مُلتزِمًا طاعةَ الله - جل وعلا - حتى الممات؛ استِجابةً لقول الله - جل وعلا -: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 99].
نعم؛ إن من علامات قبول الطاعات - ومنها الحجُّ -: الاستقامةَ الدائمةَ على البرِّ والتقوى، وربُّنا - جل وعلا - يقول لمن غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر - وهو أمرٌ لأمَّته -: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[هود: 112]، فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ[فصلت: 6].
جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحدًا بعدك. فقال: «قُل: آمنتُ بالله، ثم استقِم».
أيها المسلمون:
إنها الاستقامة التي تتضمَّنُ كمالَ الذلِّ لله - جل وعلا - وتمام المحبَّةِ له - عزَّ شأنُه -، مع الصبر على فعلِ المأموراتِ واجتِنابِ المحظورات، والصبر على المقدورات، مع اتباعِ محاسنِ الأخلاق ونبيلِ الصفات.
جاء رجلٌ إلى الحسن البصري، فقال له: إن جزاء الحجِّ المبرور المغفرة. فقال له الحسن: "آيةُ ذلك: ألا يقودَ إلى سيِّئِ ما كان عليه من العمل".
وذكرَ ابنُ رجبٍ وغيره أن رجلاً حجَّ ثم باتَ مع قومه في مكة، فدعَته نفسُه إلى معصية الله، فسمِعَ هاتِفًا يقول: يا هذا! ألم تُحُجَّ؟! فجعل الله ذلك سببًا لعِصمته من ذلك الذنب.
أيها المسلمون:
إنه وإن كان الحجُّ له جزيلُ الثواب وعظيمُ الأجر؛ فإن أعظم ما ينبغي أن يُعتَنى به في هذه الحياة اغايةُ العُظمى، وهي: تحقيقُ الإيمان لله - جل وعلا -.
سُئِل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أيِّ الأعمال أفضلُ؟ قال: «إيمانٌ بالله، ثم جهادٌ في سبيل الله، ثم حجٌّ مبرور»؛ وهو في "الصحيحين".
فالإيمانُ بالله - جل وعلا - هو الغايةُ التي خُلِق الخلقُ من أجلها: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 56]، إنه الإيمانُ المُتضمِّنُ تحقيقَ التوحيد بإفراد الله - جل وعلا - بالعبادةِ والخوفِ والرجاء والإنابةِ والتوكُّلِ والدعاء، فالمؤمنُ الصادقُ هو الذي لا يعبُدُ إلا الله - جل وعلا -، ولا يدعُو ويسألُ إلا ربَّه - سبحانه -، فلا يطلُبُ كشفَ ضُرٍّ ولا جلبَ نفعٍ إلا من الله - عز وجل -، فغربُّنا - جل وعلا - يقول: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ[يونس: 106]. والآياتُ في هذا كثيرةٌ جدًّا.
ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعودٍ يقول: «من ماتَ وهو يدعُو من دون الله نِدًّا دخل النار»؛ رواه البخاري.
وخرَّج مسلمٌ من حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من لقِيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا دخلَ الجنةَ، ومن لقِيَه يُشرِكُ به شيئًا دخلَ النارَ».
إنه الإيمانُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطاعته فيما أمر، واجتِنابِ ما نهى عنه وزجَر، وألا يُعبَدَ الله - جل وعلا - بشيءٍ إلا بما شرَعَه وقرَّرَه بقوله أو فعله أو تقريره.
وأما المُجاهَدة في سبيل الله؛ فإن أعظمَها: مُجاهَدةُ النفس على طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد روى أحمد - بإسنادٍ حسن -، ورواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ" - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المُجاهِد من جاهدَ نفسَه في سبيلِ الله».
جاء رجلٌ إلى أحد كِبار الصحابةِ فقال له: إني أريدُ أن أغزُو. فقال: "عليك أولاً بنفسك فاغزُها، وعليك بنفسِك فجاهِدها في سبيل الله".
ألا وإن أعظمَ المُجاهَدة: أن يُجاهِدَ الإنسانُ نفسَه على فعل المأمورات؛ ومن ذلك: المُحافَظة على الصلوات المفروضة، وألا يُشغِلَ الإنسانَ عنها شيءٌ إلا لعُذرٍ قاهرٍ.
جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم - أنه قال: «ألا أدلُّكم على ما يمحُو اللهُ به الخطايا، ويرفعُ به الدرجات؟ إسباغُ الوضوء على المكارِه، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاة، وكثرةُ الخُطا إلى المساجِد، فذلكم الرِّباطُ، فذلكم الرِّباطُ، فذلكم الرِّباطُ».
ألا وإن أعظم المُجاهَدة للنفس: أن يحفَظ الإنسانُ نفسَه - لسانًا ويدًا وجوارِح - من أن يُؤذِيَ إخوانَه المؤمنين بقولٍ أو فعل؛ فإن من أعظم ما يُكدِّرُ الحسنات حقوقُ المخلوقين، فنبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يقول في الحديث الصحيح: «المُهاجِر من هجرَ ما نهَى الله عنه، والمُسلمُ من سلِمَ المُسلِمون من لسانِه ويدِه».
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حذَّرَنا من الإفلاس الحقيقي، حينما قال: «أتدرُون من المُفلِس؟». قالوا: المُفلِسُ هو من لا دِرهَم عندَه ولا دِينار. قال: «المُفلِس: هو من يأتي بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وصومٍ وحجٍّ، ثم يأتي يوم القيامة وقد شتمَ هذا، وضربَ هذا، وأخذَ مالَ هذا، فيأخُذُ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنِيَت حسناتُه أُخِذ من سيئاتهم فطُرِحت عليه، فطُرِح في النار».

أيها المسلمون:
إن من المُجاهَدة للنفس: أن يكون الإنسان ذا همَّةٍ عالية، ونفسٍ شريفةٍ توَّاقةٍ إلى فعل الخيرات، فصحابةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سمِعوا قولَ الله - جل وعلا -: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ[البقرة: 148]، سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ[الحديد: 21] حرِصَ كلُّ واحدٍ أن يكون هو المُسارِع المُسابِقَ لغيره في ذلك.
يقول عمر - رضي الله عنه -: "ما استبَقنا إلى خيرٍ إلا سبَقَنا إليه أبو بكرٍ" - رضي الله عن الجميع -.
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا حسدَ إلا في اثنتَيْن: رجلٍ آتاه الله مالاً فهو يُنفِقُ منه سرًّا وجهرًا، ورجلٍ آتاه الله القرآن فهو يتلُوه ويُعلِّمُه آناءَ الليل وناء النهار».
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ[فصلت: 30].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعَنا بما فيه من الآيات والهُدى والفُرقان، أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-21-2011, 03:28 PM   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

آيات الله في الحج
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 22/12/1432هـ بعنوان: "آيات الله في الحج"، والتي تحدَّث فيها عن آيات الله في الحج، وذكر ما ينبغي على الحاج بعد حجِّه من المحافظة على عبادته بالاستمرار على الطاعة بعد الطاعة، ودوام المحاسبة للنفس، وما إلى ذلك.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون:
تفضَّل الله على خلقه بتنوُّع العبادات منها ما هو باطنٌ في القلب، ومنها ما هو ظاهرٌ على الجوارِح، وأركانُ الإسلام والإيمانُ مدارُها على ذلك، وقد عاد الحَجيجُ من بيت الله الحرام بعد أداء أفضل عبادةٍ بدنية.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "واستعملَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أبا بكرٍ على أول حجَّةٍ حُجَّت من مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلمُ المناسك أدقُّ ما في العبادات، ولولا سعة علم أبي بكرٍ لم يستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - أميرًا على الحجِّ في السنة التاسعة؛ ليُعلِّم الناسَ أحكامَ الحج؛ لأنه أفقهُ الصحابة".
في الحج تظهرُ آياتٌ للخلق على صدق الرسل؛ فإبراهيم - عليه السلام - يدعو ربَّه: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ[إبراهيم: 37]، فوفدَ الحَجيجُ من كل فجٍّ عميقٍ وأدَّوا حجَّهم.
قال ابن كثير - رحمه الله -: "فليس أحدٌ من أهل الإسلام إلا وهو يحِنُّ إلى رؤية الكعبة والطواف، والناسُ يقصِدونها من سائر الجهات والأقطار".
والمُخلِصُ يستجيبُ الله دعوتَه ولو بعد مماته، وفي كل عامٍ يظهرُ أثرُ دعوة الخليل، فيستجيبُ المسلمون لدعوته، والوفاءُ من شِيَم الرجال، ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - صبرَ على الأذى والكُروب لتنعَمَ أمتُه بالهداية. قال لعائشة - رضي الله عنها -: «يا عائشة! لقد لقيتُ من قومكِ ما لقيتُ».
والصحابة - رضي الله عنهم - هجَروا الأوطانَ وتغرَّبوا في البُلدان لحمل رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتبليغها بعزمٍ وأمانة، ونشرِ الإسلام في الآفاق بالدعوة والقُدوة، وواجبٌ على المسلم أداءُ حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدَّمه لهذا الدين؛ بمحبَّته - عليه الصلاة والسلام - والتأسِّي به ونشر دعوته، والوفاء لصحابته - رضي الله عنهم - بمحبَّتهم والترضِّي عنهم والذبِّ عنهم.
ومن أدَّى فريضَة الحجِّ أو غيرَها واجبٌ عليه الحِفاظُ عليها من الرياء بها أو المُباهاة أو المُفاخَرة، ومن أدخل في عبادته رياءً أو سُمعةً أو ابتغَى مدحَ الناس له لم تُقبَل منه عبادتُه، ولن يكون له منها سوى التعبِ والنَّصَب؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن الله لا يقبلُ من العمل إلا ما كان له خالِصًا وابتُغِي به وجهُه»؛ رواه أبو داود.
ومن أخلصَ لله تقبَّل الله عمَلَه وضاعفَ أجرَه؛ قال - سبحانه -: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ[البقرة: 261].
قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "أي: بحسب إخلاصه في عمله".
والنعمُ تدومُ وتزيدُ بالشُّكر، ومن أدَّى عبادةً وحمِدَ الله عليها يسَّر الله له عبادةً بعدها لينالَ ثوابَها؛ قال - عز وجل -: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ[محمد: 17]، ولذا شُرِع قول: الحمدُ لله، ثلاثًا وثلاثين مرةً دُبُر كل صلاةٍ مفروضة لشُكر الله على أداء تلك الصلاة.
وأمارةُ قبول العمل الصالحِ الحسنةُ بعده؛ قال سعيد بن جُبَير - رحمه الله -: "من ثوابِ الحسنةِ الحسنةُ بعدها، ومن عقوبةِ السيئةِ السيئةُ بعدها".
والمسلمُ إذا فرغَ من عبادةٍ أعقبَها بعبادةٍ أخرى؛ قال - سبحانه -: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ[الشرح: 7].
قال ابن الجوزي - رحمه الله -: "أي: فادأَب في العمل".
ولا تنقطعُ العبادةُ إلا بالموت؛ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 99].
وإذا عمِلَ المسلمُ عملاً صالحًا وأخلصَ فيه لله وجبَ عليه حِفظُه بالحَذَر من الوقوع في الشرك؛ إذ أنه يُحبِطُ الحسنات؛ قال - سبحانه -: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الزمر: 65].
قال ابن القيم - رحمه الله -: "إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا سلبَ رؤيةَ أعماله الحسنةِ من قلبه، وسلبَ الإخبارَ بها من لسانه، وشغَلَه برؤية ذنبه".
وسؤالُ الله قبول العمل الصالح من صدق الإيمان؛ بنى إبراهيم - عليه السلام - الكعبةَ ودعا ربَّه: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[البقرة: 127].
والثباتُ على الدين من عزائمِ الأمور؛ ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثبِّت قلوبَنا على دينك»؛ رواه ابن ماجه.
ومن لبَّى في حجِّه بالتوحيد وكبَّره في العيد وجبَ عليه الوفاءُ بوعده مع الله، وذلك بألا يدعو سواه، ولا يلجَأ إلى غيره، ولا يطوفَ بغير الكعبة؛ قال - سبحانه -: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ[فاطر: 13].
ومن توجَّه إلى الله أعانَه؛ قال - جلَّ شأنُه -: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا[العنكبوت: 69].
وليس من شرط صحة الحجِّ زيارةُ المدينة النبوية؛ بل قصدُ مسجدها سنةٌ رغَّبَ فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - للحاجِّ وغيره بالصلاة فيه، فهو أحدُ المساجد الثلاثة التي لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إليها؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى»؛ متفق عليه. وصلاةٌ فيه عن ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجدَ الحرام.
ومن وصلَ إلى المدينة وسلَّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى صاحبَيْه أبي بكرٍ وعمر - رضي الله عنهما -، فمن المشروعِ له زيارةُ مسجد قُباء؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من تطهَّر في بيته ثم صلَّى في مسجد قُباء كان له أجرُ عمرة»؛ رواه ابن ماجه.
وتُشرعُ له زيارةُ مقبرة البَقيع وشُهداء أُحُد للدعاء لهم وللعِظَة والعِبرة بتذكُّر الآخرة.
والميتُ لا يملِكُ لأحدٍ نفعًا ولا ضرًّا ولا يُتعلَّقُ به، وإنما يُدعَى له بالمغفرة والرِّضوان، ومن يُدعَى له لا يُدعَى مع الله؛ قال - عز وجل -: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ[يونس: 106].
والمُوفَّق من اجتهَدَ في طاعة ربِّه وحفِظَ عملَه من البُطلان وسارَ على هديِ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، وحاسبَ نفسَه في حياته، وسارعَ إلى الخيرات، وفازَ بالباقيات الصالحات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ[الأنفال: 20].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 12-27-2011, 12:01 AM   رقم المشاركة : 9

 

القى فضيلة الشيخ الدكتور / حسن آل الشيخ خطبة الجمعة 28/1/1433هـ بالمسجد النبوي
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أمرَ الناسَ بما يُصلِحُ حياتَهم، ونهاهُم عما يُفسِدُ عيشَهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا اللهَ - جل وعلا - يُصلِح لكم الأحوالَ، ويُسعِدُكم في الدارَين، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
معاشر المسلمين:
إن من الأصول المرعيَّةِ في الإسلام: وجوبُ الصدقِ في الأقوالِ والأفعالِ في جميعِ المجالات وكافَّة التصرُّفات، يقول الله - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[التوبة: 119].
أيها المسلمون:
إن الصدقَ في شريعةِ الإسلام مأمورٌ به في جميعِ الصور والتعامُلات صغيرِها وكبيرِها؛ يقول - صلى الله عليه وسلم -: «البيِّعانِ بِالخِيار ما لم يتفرَّقَا، فإن صدَقَا وبيَّنَا بُورِك لهما في بيعِهما، وإن كذَبَا وكتَمَا مُحِقَت بركةُ بيعِهما»؛ متفق عليه.
ألا وإن من أشنعِ التصرُّفاتِ وأقبحِ المسالكِ والتعامُلاتِ: الغِشَّ والخِداعَ بجميعِ صوره ومُختلَفِ أشكالِهِ؛ فمن زيَّن له الشيطانُ الغِشَّ في تعامُلِه، وحسَّنَ له الهوى الخِداعَ والتمويهَ على غيره، لمصالحَ شخصيةٍ، ومنافِعَ ذاتية، فليعلَم أن اللهَ له بالمِرصاد، وأنه قد عرَّضَ نفسَه للعذابِ.
يقول الله - جل وعلا -: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ[المطففين: 1- 6].
قال عبد الملك بن مراون: قال لي أعرابيٌّ: يا عبدَ الملك! اللهُ - جل وعلا - يقول في شأنِ المُطفِّفين ما يقول؛ فما ظنُّك بنفسِكَ وأنت تأخُذ أموالَ الناسِ بلا كَيلٍ ولا ميزان!
فيا مَن تأخُذ أموالَ الناس بالغِشِّ والتدليسِ! اتقِ اللهَ - جل وعلا -، تفكَّر في هذه الآيات العظيمات، وازجُر نفسَك عن المُوبِقات والسيئات، قبل فواتِ الأوانِ وحُلولِ المماتِ.
قال بعضُ المُحقِّقين من أهل العلم: كلُّ من غشَّ في تعامُله التجاريِّ أو غيرهِ بأي وسيلةٍ فهو مُطفِّفٌ، يدخُل تحت الوَعيد والتهديد، ذلكم - أيها الأحباب - أن الغِشَّ إفسادٌ في الأرض، وخِيانةٌ وأذًى للخلقِ، وبَخسٌ وإنقاصٌ للحقِّ.
يقول الله - جل وعلا - في حقِّ مديَنَ أنه يقول لقومه: وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ[هود: 85].
أخي المسلم:
اتقِ الجبار - جل وعلا -، واعلَم أن الغِشَّ في كافَّةِ التعامُلات كبيرةٌ من كبائرِ الذنوبِ، لذا حذَّرَ الحَبيبُ - صلى الله عليه وسلم - أمَّتَه من جميعِ أنواعِ الغِشِّ، مهما تعدَّدَت صُوره، واختلَفَت أشكالُهُ.
حذَّرَهم بلفظٍ رادعٍ من الولوغِ في حِياضِ الغِشِّ، وبلفظٍ حاجزٍ من الوقوعِ في هذه الخَصلةِ العفِنَة؛ يقول - صلى الله عليه وسلم -: «من غشَّنَا فليس منَّا». وفي لفظٍ: «من غشَّ فليس منَّا»؛ رواه مسلم.
بل إنه - ولحِرصِه - صلى الله عليه وسلم - على أمَّته لم يكتفِ بهذا التحريمِ العام والنهيِ الشاملِ لكافَّةِ أنواعِ الغِشِّ؛ بل حذَّرَ أمتَهُ من الغِشِّ في تصرُّفاتٍ خاصَّةٍ لكثرةِ وقوعِها، وعُمومِ بلوَاها، وشِدَّةِ خطَرِها:
ففي بابِ الولاياتِ والوظائف؛ يُحذِّرُ - صلى الله عليه وسلم - مَن قلَّدَه الله شيئًا من أمورِهم، واسترعَاه عليهم، ونصَّبَه لمصالِحهم، حذَّرَه أن يغُشَّهم، أو أن يخُونَهم، أو أن يتهاوَنَ في الاجتِهادِ لحفظِ مصالِحِهم الدينيَّةِ والدنيويَّةِ وتحقيقِها.
قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من والٍ يسترعِيهِ الله - جل وعلا - على رعيَّةٍ ثم يموتُ وهو غاشٌّ لرعيَّته إلا حرَّمَه الله على الجنةِ». وفي لفظٍ: «ما من عبدٍ يسترعِيهِ اللهُ رعيَّةً فلم يُحِطها بنُصحِه إلا لم يدخُل الجنةَ معهم».
أيها المسلمون:
وفي مجالات التعامُلات المالية؛ كالبيعِ والشراءِ والإجارةِ ونحوها، ينهَى الإسلامُ عن الغِشِّ نهيًا قاطِعًا؛ يقول الله - جل وعلا -: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ[البقرة: 188]، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «المُسلمُ أخو المُسلمِ، لا يحِلُّ لمُسلمٍ أن يبيعَ بيعًا لأخيهِ يعلمُ أن فيه عيبًا إلا بيَّنَه له»؛ والحديثُ رواه ابنُ ماجه، وحسَّنَه ابنُ حجرٍ.
بل بلَغَت عنايةُ الشريعةِ الإسلامية في منعِ الغِشِّ ومُحاربَتِهِ أن حرَّمَت كلَّ بديئةٍ يتحقَّقُ معها الغِشُّ، ولو لم يكُن هذا التصرُّف من البائعِ أو المُشترِي؛ فيقول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان -: «ولا تَناجشُوا». والنَّجْشُ: هو أن يزيدَ أحدٌ في ثمنِ السلعةِ وهو لا يريدُ شِراءَها، إنما يُريدُ رفعَ السعرِ لينفعَ البائِعَ أو يضُرَّ المُشترِي.

إخوة الإسلام:
ألا وإن أشدَّ صُور الغِشِّ خُطورةً على المُسلمين وأسوأ عاقبةٍ في حياتِهم: ما يفعلُه بعضُ المُقاولين في المشروعاتِ الحكوميَّةِ العامة، أو في المشروعاتِ الخاصَّة التي تعودُ للمُواطنين، التي يظهرُ الغِشُّ فيها جلِيًّا بعد تنفيذِها، فذلكم فعلٌ مُحرَّمٌ، وإفسادٌ في الأرض، وخِيانةٌ لوليِّ الأمرِ، ولمُجتمع المسلمين.
ويقول - صلى الله عليه وسلم - في مثلِ ذلك: «لكلِّ غادرٍ لواءٌ يوم القيامة، يُقال: هذه غَدرةُ فلان»؛ مُتفق عليه.
واعلمَ - يا أيها المسؤول - أن المشاريعَ الحُكوميَّةَ التي تدخُلُ تحت مسؤوليةِ وزارتِك أو إدارتِك أن هذه أمانةٌ في عُنقِكَ، أنت مُستأمنٌ على مُتابعةِ هذه المشاريعِ مُتابعةً دقيقةً بكلِّ حرصٍ وإخلاصٍ وصدقٍ وعنايةٍ، فأيُّ إهمالٍ أو تفريطٍ في ذلك، فهو غِشٌّ عظيمٌ للمُسلمين ولوليِّ أمرِهم الذي استأمَنَك على هذه المسؤولية.
فيا مَن يُريدُ نجاةَ نفسِهِ وفلاحَ دُنياه وأُخراه! التزِم الصدقَ في تعامُلاتك، والبيانَ والوُضوحَ في أعمالِك، والإتقانَ فيما تقومُ به من أعمالٍ.
تجنَّب بخسَ الحقوقِ، وانأ بنفسِك عن كلِّ غِشٍّ وتدليسٍ ونحوِ ذلك تكن برًّا تقيًّا نقيًّا سليمًا، فرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - دخلَ يومًا السوقَ، فقال: «يا معشرَ التجَّار!». فرفعَ التجَّار أبصارَهم، ثم قال لهم: «يا معشرَ التجَّار! إن التجَّار يوم القيامة يُبعَثون فُجَّارًا إلا من برَّ وصدَقَ»؛ والحديثُ رواه الترمذيُّ، وقال: "حسنٌ صحيحٌ"، وحسَّنه بعضُ أهل العلمِ.
فاتقوا الله - أيها المسلمون -؛ فبِتقواه في كلِّ حالٍ تصلُحُ أحوالُنا، وتسعَدُ حياتُنا، ويَطيبُ عيشُنا.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
أحمدُ ربِّي وأشكُرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.
أيها المسلمون:
إن تحريمَ الغِشِّ والخِيانة، والنهيَ عن التدليسِ الخِداع لا يقتصِرُ على بيعٍ أو شِراءٍ أو تعامُلٍ تجاريٍّ؛ بل يشملُ كلَّ غِشٍّ يكون للمُسلمين في حياتِهم وفي جميعِ مصالِحِهم؛ فمن الغِشِّ: غِشُّ الكلمة الكاذِبة التي تُنشرُ في الإعلام، وكذا كلُّ مقالٍ يدعُو إلى إفسادِ الأديانِ أو الأخلاقِ أو الأعراضِ.
ومن أعظمِ الغِشِّ: ما يُنشَرُ في بعضِ الفضائيَّات؛ من دعواتٍ للرذيلةِ، ونشرٍ لأسبابِ الإجرام، ونبذِ الفضيلةِ.
كما أن من الغِشِّ: إصدارُ الفتاوى استِنادًا لرأيٍ فقهيٍّ مُجرَّدٍ، مع وُضوحِ مُخالفةِ هذا الرأيِ للدليلِ الصحيحِ الصريحِ من القُرآن أو السنةِ، وإنما لمُجرَّدِ تعصُّبٍ مذهبيٍّ لا يتحقَّقُ مع دليلٍ شرعيٍّ ولا مع مقصدٍ مرعيٍّ.
وإن من أقبحِ الغِشِّ: الغِشُّ فيما ولاَّك اللهُ - جل وعلا -، ثم ولاَّك وليُّ الأمرِ من وظيفةٍ حينما تستغِلُّها في تقديمِ غيرِ الكُفءِ على الكُفءِ، في أي نوعٍ من أنواعِ التقديم؛ في ترقيةٍ، أو ابتِداءِ توظيفٍ، أو توليةٍ، أو نحوِ ذلك.
ويقبُحُ ذلك: إذا كان هذا لمصالحَ ذاتيَّة، ومنافِعَ شخصيَّة، أو عُنصريةٍ أو نسَبيَّة أو مُليميَّة، مما لا يستقيمُ مع شرعِ اللهِ - جل وعلا - ولا مع المقاصدِ التي أرادها وليُّ الأمر في بلادِ المُسلمين.
ألا وإن أفضلَ الأعمالِ: الصلاةُ والسلامُ على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديِّين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن جميعِ الصحابةِ وآلِ بيتِ النبي - صلى الله عليه وسلم –، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم اكفِنا شرَّهم بما تشاءُ وأنت السميعُ العليمُ.
اللهم من أرادَنا أو أرادَ أحدًا من المسلمين بسوءٍ فأشغِله في نفسه، واجعل تدبيرَه في تدميرِه يا رب العالمين.
اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم فرِّج هُمومَهم، اللهم اكشِف كُرُباتِهم، اللهم اكشِف كُرُباتهم، اللهم نفِّس غمَّهم يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألُك يا حيُّ يا قيُّوم أن ُتولِّي على المُسلمين خِيارَهم، اللهم واكفِهم شِرَارَهم، اللهم واكفِهم شِرَارَهم بما شِئتَ وأنت السميعُ العليمُ يا قويُّ يا عزيزُ.
اللهم وفّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين لما تُحبُّه وترضاه، اللهم وفّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين لما تُحبُّ وترضى، اللهم كُن له عونًا ونصيرًا على الحقِّ والبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ونائبَه إلى ما فيه صلاحُ البلاد والعباد، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المُسلمين.
اللهم يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم يا حيُّ يا قيُّوم، نسألُك أن تُفرِّحَ قُلوبَنا بنصرِ المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم فرِّح قلوبَ المؤمنين بنصرِ المُسلمين في كلِّ مكانٍ، اللهم فرِّح قلوبَنا بإظهارِ أنوارِ السنَّةِ في كل مكانٍ يا أرحمَ الراحمين.
اللهم اغفِر للمؤمنين والمؤمنات، والمُسلمين والمُسلمات، الأحياءِ منهم والأموات.
اللهم إنك غنيٌّ حميدٌ، اللهم فأسقِنا، اللهم فأسقِنا، اللهم فأسقِنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم ارحم ضعفَنا، اللهم ارحَم ضعفَنا، اللهم اجبُر كسرَنا بالمطرِ والغيثِ، اللهم اجبُر كسرَنا بالمطرِ والغيثِ.
اللهم لا تُؤاخِذنا بذنوبِنا، اللهم لا تُؤاخِذنا بذنوبِنا، اللهم آمِنَّا برحمتك وفضلِك، اللهم آمِنَّا برحمتك وفضلِك، اللهم آمِنَّا برحمتك وفضلِك.
عباد الله:
اذكُروا اللهَ ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً.
وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 01-06-2012, 10:04 PM   رقم المشاركة : 10

 

الجزاء من جنسِ العمل
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 5/2/1433هـ بعنوان: "الجزاء من جنسِ العمل"، والتي تحدَّث فيها عن العبدِ إذا عملَ عملاً صالحًا أثابَه الله عليه في الدنيا والآخرة، وإذا أساءَ نالَ عقابَه في الدنيا والآخرة؛ فإن الجزاءَ من جنسِ العمل، وكما يدينُ المرءُ يُدان.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فالتقوى في مُخالفةِ الهوى، والشقاءُ في مُجانَبةِ الهُدى.
أيها المسلمون:
خلقَ اللهُ الخلقَ لعبادتِهِ وأمرَهم بالإحسانِ إلى خلقِهِ، وهو - سبحانه - مُهيمِنٌ على عبادِهِ، رقيبٌ عليهم، مُطَّلِعٌ على أحوالِهم، وإذا عمِلَ المُسلمُ عملاً صالحًا أثابَه عليه في الآخرة وأذاقَه آثارَ عملِهِ في الدنيا؛ قال - سبحانه -: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[النحل: 97].
وغيرُ المُسلِم حرَّم الله عليه الجنةَ، ويُزادُ عليه العذابُ في النار بما زادَ من ذنوبٍ على الشركِ؛ قال - سبحانه -: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ[النحل: 88].
وإذا عمِلَ غيرُ المُسلِم عملاً فيه صلاحٌ لم يقَع في ميزانِ آخرتِهِ منه شيءٌ، إنما يُكافَأُ عليه في الدنيا؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن الكافرَ إذا عمِلَ حسنةً أُطعِمَ بها طُعمةً من الدنيا». وفي روايةٍ: «حتى إذا أفضَى إلى الآخرةِ لم تكن له حسنةٌ يُجزَى بها، وأما المؤمنُ فإن اللهَ يدَّخِرُ له حسناتِهِ في الآخرة، ويُعقِبُه رِزقًا في الدنيا على طاعتِهِ»؛ رواه مسلمٌ.
قال النووي - رحمه الله -: "أجمعَ العُلماء على أن الكافِرَ الذي ماتَ على كُفره لا ثوابَ له في الآخرة، ولا يُجازَى فيها بشيءٍ من عملِهِ في الدنيا مُتقرِّبًا به إلى اللهِ، ويُطعَم في الدنيا بما عمِلَه من الحسناتِ مُتقرِّبًا به إلى اللهِ مما لا يفتقِرُ صِحَّتُه إلى النيةِ؛ كصِلَةِ الرَّحِمِ، والضيافةِ، وتسهيلِ الخيراتِ، ونحوها".
والله - سبحانه - شكورٌ مَن عامَلَه بالطاعةِ زادَ له في العطاءِ، وهو - سبحانه - قويٌّ قهَّارٌ مَن بارزَه بالمعصيةِ عُوقِبَ من جنسِ فعلِهِ، وما يعفُو عنه الربُّ أكثر، كما قال - سبحانه -: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[الشورى: 30].
والجزاءُ من جنسِ العملِ في الثوابِ والعقابِ في التعامُلِ مع الخالقِ والمخلوقِ؛ فمن أفعالِ اللهِ في الثوابِ: أنه يُجازِي على الإحسانِ، وإحسانُهُ فوق كلِّ إحسانٍ، فمن صدقَ مع الله في إخلاصِ الأعمال له أعطاه الله على حسبِ صِدقِهِ معه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن تصدُقِ اللهَ يصدُقْك»؛ رواه النسائي.
ومن وفَى بعهُودِ اللهِ بالوقوفِ عند حُدودِهِ وفَى اللهُ بعهُودِهِ إليه بالعطاءِ والثوابِ؛ قال - عز وجل -: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ[البقرة: 40]، ومن حفِظَ اللهَ بطاعتِهِ واجتنابِ معاصيهِ حفِظَه اللهُ في دينِهِ ودُنياه؛ «احفَظ اللهَ يحفَظْك».
ومن زادَ في الطاعةِ قرُبَ اللهُ منه قُربًا يليقُ بجلالهِ وعظمتِهِ، وكلما زادَ العبدُ في الطاعةِ زادَ منه في القُربِ؛ قال - عز وجل - في الحديثِ القُدُسيِّ: «وإن تقرَّبَ إليَّ بشبرٍ تقرَّبتُ إليه ذِراعًا، وإن تقرَّبَ إليَّ ذِراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا، وإن أتاني يمشِي أتيتُهُ هَروَلَة»؛ متفق عليه.
ومن ذكَرَ ربَّه ذكرَهُ الله في السماء، ومن ذكَرَ الربَّ عند الناسِ بموعظةٍ أو تعليمٍ أو مدحٍ لله ولدينِهِ ونحوِ ذلك ذكَرَه الله عند ملائكتِهِ بالثناءِ عليه؛ قال - عز وجل - في الحديثِ القُدُسيِّ: «أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكَرَني، فإن ذكَرَني في نفسِهِ ذكرتُهُ في نفسي، وإن ذكَرَني في ملأٍ ذكرتُهُ في ملأٍ خيرٍ منهم»؛ متفق عليه.
ومن أوَى إلى اللهِ والتَجَأَ إليه آواه وكفَاه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ألا أُخبِرُكم عن النَّفَر الثلاثة؟ أما أحدُهُم فأوَى إلى اللهِ فآواهُ الله، وأما الآخرُ فاستحيَا فاستحيَا اللهُ منه، وأما الآخرُ فأعرَضَ فأعرضَ اللهُ عنه»؛ متفق عليه.
ومن تركَ شيئًا لله عوَّضَه الله خيرًا مما ترَكَه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إنك لن تدَعَ شيئًا لله - عز وجل - إلا بدَّلَك اللهُ به ما هو خيرٌ لك منه»؛ رواه أحمد.
ومن نصرَ اللهَ بفعلِ أسبابِ النصرِ نصرَه الله وأيَّدَه؛ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ[محمد: 7].
ومن أحبَّ لقاءَ اللهِ أحبَّ اللهُ لقاءَه، ومن كرِهَ لقاءَ الله كرِهَ الله لقاءَه، ومن عمِلَ حسنةً ضاعَفَها له أضعافًا كثيرةً، وجازاه بجنَّةٍ لا تخطُرُ على قلبِ بشر.
ومن أفعال الله في العقابِ:
أن من عمِلَ ذنبًا عُوقِبَ بمثلِ عملِهِ، فمن تركَ توحيدَ الله زالَت عنه ولايةُ الله وحِفظُهُ؛ قال - عز وجل - في الحديثِ القُدسيِّ: «من عمِلَ عملاً أشركَ فيه معي غيري تركتُه وشركَه»؛ رواه مسلم.
ومن صرفَ شيئًا من أنواعِ العبادةِ لغيرهِ بالرياء أو السُّمعة أظهَرَ الله حقيقتَهُ للناسِ بأنه غيرُ مُخلِصٍ لله؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من سمَّعَ سمَّعَ اللهُ به، ومن يُرائِي يُرائِي اللهُ به»؛ متفق عليه.
ومن علَّقَ قلبَه بغير اللهِ لم تتحقَّق مُناه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من تعلَّقَ شيئًا وُكِلَ إليه»؛ رواه الترمذي.
قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -: "وما رجَا أحدٌ مخلوقًا أو توكَّلَ عليه إلا خابَ ظنُّهُ فيه".
والإيمانُ بالقضاءِ والقدَر ركنٌ من أركانِ الدين، من رضِيَ به رضِيَ اللهُ عنه، ومن لم يرضَ به سخِطَ اللهُ عليه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن اللهَ تعالى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهُم، فمن رضِيَ فله الرضا، ومن سخِطَ فله السخَط»؛ رواه الترمذي.
ومن نسِيَ اللهَ بتركِ طاعتِهِ نسِيَه الله بعدمِ تفريجِ كُروبِهِ، وزوالِ هُمُومِهِ، وغير ذلك؛ قال - سبحانه -: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ[التوبة: 67].
ومن ظنَّ أنه يُخادِعُ الربَّ في أفعالِهِ خادَعَه الله باستِدراجهِ؛ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ[النساء: 142]، ومن مكَرَ في فعلِ السيئاتِ مكَرَ الله به من حيثُ لا يشعُر؛ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ[الأنفال: 30]، ومن زاغَ عن طاعةِ الله أزاغَ اللهُ قلبَه إلى المعاصي؛ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ[الصف: 5].
وكما أن للهِ أوامر وحُدودًا فللعبادِ بعضِهم مع بعضٍ واجباتٍ وحقوق، ومن عظَّمَ عبادَه المؤمنين عظَّمَه الله، ومن أهانَهم أهانَه الله.
قال ابن القيم - رحمه الله -: "ومن عامَلَ خلقَه بصفةٍ عامَلَه الله بتلك الصفةِ بعينِها في الدنيا والآخرة".
فاللهُ تعالى لعبدِهِ على حسبِ ما يكون العبدُ لخلقِهِ، وكما تدينُ تُدان، وكن كيف شئتَ فإن الله لك كما تكونُ أنت له ولعبادِهِ، وكما تعملُ مع الناسِ في إساءتهم في حقِّك يفعلُ اللهُ معك في ذنوبِك وإساءَتك.
والمُسلمُ مُعظَّمٌ عند الله في دمهِ ومالهِ وعِرضهِ؛ قال أهلُ العلم: "وليست السماوات بأعظمَ حُرمةً من المُؤمن".
ولحُرمةِ المُسلمين عند اللهِ ومكانتِهِم؛ فإن من أحسنَ إليهم أحسنَ الله إليه، ومن رحِمَهم ولطَفَ بهم أنزلَ الله عليه رحمتَه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «الراحِمون يرحمُهم الرحمن»؛ رواه أبو داود.
ومن رفقَ بعباده ويسَّر أمورَهم رفقَ الله به، ومن شقَّ عليهم شقَّ عليه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «اللهم من ولِيَ من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقُق عليه، ومن ولِيَ من أمر أمتي شيئًا فرفَقَ بهم فارفُق به»؛ رواه مسلم.
ومن أجزَلَ العطاءَ على عبادهِ أعطاه الله وأغدَقَ عليه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «قال اللهُ - عز وجل -: أنفِق أُنفِق عليك»؛ رواه البخاري.
ومن رفقَ بمُعسِرٍ أو وضعَ عنه دَينَهُ شيئًا منه كافأَه الله بتيسير وقوفِهِ في المحشَرِ وأظلَّه تحت عرشِه، ومن كان في حاجةِ أخيهِ كان الله في حاجتِه، ومن نفٍّ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَب الدنيا نفَّس الله عنه كُرُوبَه، ومن يسَّر على مُعسِرٍ وفرَّج عنه همَّه يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن أعانَ غيرَه في قضاء حاجاته كان الله عونَه في أموره.
ومن عفَّ فرْجَه عفَّت نساؤه، ومن حفِظَ لسانَه على الخلقِ صانَ ألسِنةَ الناسِ من الوقوع فيه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ومن يستعفِف يُعِفَّه الله»؛ متفق عليه.
ومن سترَ مُسلمًا وقعَ في ذنبٍ ستَرَه الله في الدنيا والآخرة، ومن أقالَ مُسلمًا زلَّتَه وعفا عنه أقالَ الله عثرتَه يوم القيامة، ومن استغنَى عما في أيدي الخلقِ أغناه الله؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ومن يستغنِ يُغنِهِ اللهُ»؛ متفق عليه.
ومن حبسَ نفسَه عن الوقوعِ في المعاصي أو على فعلِ الطاعات أو عند حُلول المصائبِ أنزلَه الله عليه الصبرِ وأعانَه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ومن يتصبَّر يُصَبِّره اللهُ»؛ متفق عليه.
والرَّحِمُ مُعلَّقةٌ بالعرشِ، فمن كان واصِلاً لرحِمِه وصلَه الله، ومن كان قاطِعًا لها قطَعَه الله.
ومن أساءَ إلى عباده عُوقِبَ بمثلِ ما أساءَ به لخلقِهِ، فمن شقَّ على عبادهِ شقَّ اللهُ عليه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ومن يُشاقِق يشقُق عليه يوم القيامة»؛ رواه البخاري.
ومن استهزأَ بعباده المؤمنين استهزَأَ الله به؛ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ[البقرة: 15]، ومن سخِرَ بهم سخِرَ الله منه؛ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ[التوبة: 79].
ومن عمِلَ معصيةً لإرضاء الناسِ لم يُحصِّل مأمولَه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ومن التمَسَ رضا الناسِ بسَخَط الله سخِطَ الله عليه وأسخَطَ عليه الناسَ»؛ رواه ابن حبان.
قال ابن القيم - رحمه الله -: "وقد استقرَّت سنةُ الله في خلقهِ شرعًا وقدرًا على مُعاقبةِ العبدِ بنقيضِ قصدِهِ؛ «ومن ادَّعَى دعوى كاذبةً ليتكثَّر بها لم يزِده الله إلا قِلَّة»؛ رواه مسلم".
ومن فتحَ على نفسهِ بابَ سُؤال الناسِ العطايا نزلَ به الفقرُ والمَسكَنَة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ولا فتحَ عبدٌ بابَ مسألةٍ إلا فتحَ الله عليه بابَ فقرٍ»؛ رواه الترمذي.
«ومن سألَ الناسَ ليكثُر مالُهُ أتى يوم القيامةِ وليس في وجهِهِ مُزعةُ لحمٍ»؛ رواه مسلم.
ومن أنفقَ على غيرهِ وأحصَى عليهم ما يبذُلُه وشدَّد عليهم فيه أحصَى الله عليه العطاءَ وضيَّقَ عليه؛ قال - عليه الصلاة والسلام - لأسماء: «أنفِقِي ولا تُحصِي فيُحصِي اللهُ عليكِ»؛ متفق عليه.
ومن أخذَ أموالَ الناسِ وصدَقَت نيَّتُه في أدائِها أدَّى اللهُ عنه، ومن أخذَها وهو ناوٍ عدمَ أدائِها أتلَفَه الله.
ومن ضارَّ الناسَ وآذاهم أضرَّ الله به؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من ضارَّ أضرَّ الله به»؛ رواه أبو داود.
والذنوبُ لها عقوباتٌ مُماثلَةٌ في الآخرة؛ فمن تعجَّلَ لذَّةً مُحرَّمةً عليه في الدنيا حرُمَ نعيمُه في الآخرة، فمن شرِبَ الخمرَ في الدنيا لم يشرَبها في الآخرة، ومن لبِسَ الحريرَ في الدنيا لم يلبَسْه في الآخرة، ومن أعمَى قلبَه في الدنيا أُعمِيَ بصرُه في المحشَرِ يوم القيامة؛ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى[الإسراء: 72].
والمُغتابُ مزَّقَ الأعراضَ بلسانِهِ في الدنيا، ويوم القيامة يُجازَى بخمشِ وجهِهِ بأظافِرَ له من نُحاسٍ يراهُ أهلُ النارِ.
«ومن استمَعَ إلى حديثِ قومٍ وهم له كارِهون صُبَّ في أُذنَيْهِ الآنُك يوم القيامة - وهو: النُّحاسُ المُذابُ -»؛ رواه البخاري.
ومن اقتطَعَ شبرًا من الأرضِ ظُلمًا طُوِّقَه يوم القيامةِ إلى سبعِ أراضين. ومن قتلَ نفسَه بشيءٍ عذَّبَه الله به يوم القيامة. ومن كانت له امرأتان فمالَ إلى إحداهما جاء يوم القيامةِ وشِقُّه مائلٌ، ومن كذبَ كذبةً شاعَ أمرُها يُشرشَرُ - أي: يُقلَبُ شِدْقُه - يوم القيامة إلى قَفاه، ومن وقعَ في الزنا أتاه لَهَبٌ من أسفلَ منه يُعذَّبُ به في النارِ، ومن أكلَ الرِّبا أُلقِمَ حجرًا في فمِهِ جزاءَ أكلِهِ أموال الناسِ.
والأعمالُ الصالحةُ يُرى أثرُها يوم القيامة؛ فمن كان من أهلِ الصلاةِ نُودِيَ من بابِ الصلاة، ومن مات مُحرِمًا بُعِث مُلبِّيًا، ومن ماتَ شهيدًا بُعِث يوم القيامة ودمُهُ يثعُبُ لونُه لونُ الدم وريحُه ريحُ المسكِ.
وأمةُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - يُبعَثون في المحشَر غُرًّا مُحجَّلين من آثار الوضوء، والمُؤذِّنون أطولُ الناسِ أعناقًا يوم القيامة.
وبعد، أيها المسلمون:
فأوامرُ الله حقٌّ، ونواهيهِ زجرٌ، ووعدُه صِدقٌ، وكما تعملُ صالحًا تُجازَى، وكما تفعلُ سيئةً تُعاقَب، وإذا أردتَ أن تعرِفَ منزلتَك في الآخرة فانظُر إلى أعمالك في الدنيا، فتزوَّد من الصالحات وسابِق إليها، واجتنِب المُحرَّمات وانأَ عنها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[فصلت: 46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:58 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir