في عام 1395ه كنت رئس وردية بقسم استقبال البرقيات الخارجية والداخلية بمدينة جدة وكان هذا القسم من أهم الأقسام الخدمية في مدينة جدة باعتبارها المركز التجاري الأهم في المملكة ،
والبرقيات هي همزة الوصل بين التاجر والمورد والبنوك وذلك لفتح الإعتمادات وكذلك الضمانات البنكية لضمان تسليم واستلام البضائع بميناء جدة بين الموّرد والمستورد إلى جانب المعاملات الداخلية بين البنوك وفروعها والأفراد من شكاوى وتهاني وبلاغات سريعة..
باختصار البرقيات في ذلك الحين كانت هي الأسرع والأحدث في عالم الاتصالات ولكم أن تقارنوا بين تلك الفترة وما نعيشه الآن من ثورة في عالم الاتصالات ،
هذه المقدمة الطويلة فقط لأبين لكم أهمية هذا القسم الذي كنت أحد شيوخ وردياته [ تذكروا ذلك الموضوع الذي نشرته بمنتدانا الحبيب قبل سنة بعنوان عندما عينا شيوخاً للفيران وشرحت لكم في حينها أسباب التسمية والذي يرغب في الإطلاع ماعليه إلا إن يستعيده بهذا العنوان المذكور سابقاً ] سرحت !! وإش كنت أقول لكم ؟
آه.. افتكرت.. أقول عندما كنت رئس وردية وفي نفس الوقت أعمل مع زملائي في الوردية وكانت وردية مسائية وكان ضمن من يعمل معي بالوردية الزميل أحمد بن محمد بن عبد الغني { رزعان } وكان حديث زواج من إبنة أحد زملائنا في العمل وكان ساكن في حي غليل بجوار أحد الزملاء في العمل وانا ساكن بحي النزلة اليمانية وكنت دائماً أخذه معي في العودة من العمل.. أمر به على سكنه في غليل ومن ثم أواصل لمنزلي بالنزلة ،
وذات مساء من أمسيات الشتاء ونحن عائدين قرب منتصف الليل وكنا مرهقين من شدة العمل وعندما وصلنا عند منزله وكان على مقربة من برحة في حي عشوائي لا يوجد به إضاءة إلاّ داخل المنازل وفجأة رأينا عندما أقتربنا من هذه البرحة وكان نور سيارتي البيجو 504 وضعه على العالي ومشهور عن هذا النوع من السيارات البيجو 504 شدة سطوع مصابيحها إذا وضعت على العالي...
أقول رأينا جمع من الناس متحلقين حول شيء ما وأوقفت السيارة بشدة ونزل أحمد مسرعاً ولم يودعني كالعادة بكلمة مع السلامة ، و تصبح على خير ، انما قال لي وهو يفتح باب السيارة عسى خير ؟!!واختفى في وسط اللمة ولا زالت سيارتي في وضع التشغيل والنور على العالي ولا زال الباب الذي خرج منه أحمد مفتوح وفجأة قفزت على المقعدة الأمامية فتاة بملابس البيت العادية وأغلقت الباب خلفها بشدة وهي تصرخ أنا في عرضك أحميني من أبويه حيقتلني ..وبحركة فيها نوع من الرعونة، أو من شهامة من يلتجي بك ، أو التهور، أو سوء التصرف ،..سموها كما شئتم أنعطفت بسيارتي بشدة عائداً من طريقي التي أتيت منها بزميلي أحمد باتجاه طريق المحجر وبعد مسافة كيلو متر بدأت أهدي من سرعة السيارة وأفكر بالعقل وليس بالعاطفة وقلت للفتاة وهي لاتزال تشهق :
أسمعي يابنت ..أنا راح أوديك لقسم البوليس وراح أطلع معاك عند الضابط المناوب وتقولين له على اللي حصل لك من أبوك وكيف ركبتي معايه في السيارة وماراح أتخلى عنك حا أكلم الضابط يطلع معانا عسكري ونروح لأبوك ونأخذه على الشرطه وهم يتصرفون معاه بطريقتهم وبعدين أخذك ومعايه عسكري ونوديك بيتكم عند أمك ..قلت أيه ؟؟
قالت البنت بعد أن هدأ روعها : عايزاك توديني بيت جدي أبو أبويه وبيته في حي الكندرة ..
قلت : تعرفين بيت جدك ؟
قالت : آه أعرفه
قلت : جدك أسمه أيه ؟
قالت : أسمه كذا....
قلت : خلاص أوديك عند جدك وإذا وصلنا أنا أضرب الجرس على جدك وأنت في السيارة وإذا تأكدت من أسمه زي ما قلت لي عليه أسمح لك تنزلين من السيارة وإذا كان ماهو زي ماقلت لي عليه راح أوديك لقسم البوليس ..خلاص ؟
قالت : خلاص ....وصلنا لبيت جدها بالكندره ووقفت قريب من الباب وطفيت السيارة وأخذت المفتاح معي وهي بقيت في السيارة كما اتفقنا ...
دقيت الجرس ..
وبعد مدة ليست بالطويلة فتح الباب رجل في السبعين من العمر يلبس جلابية مصرية
وقال : خير إن شاء الله ..
قلت له : مساء الخير أنا أسمي فلان وأنت أسم الكريم أيه ..
قال وبدون تفكير بأسمه الكامل مثل ما أعلمتني به الفتاة ..
قلت له تشرفنا ياحاج أنت معاك ولد ساكن في غليل ومعاه بنت كبيره ؟
قال : أيوه
قلت له : معايه بنت في السيارة تقول أنك جدها تعال شوفها ...
فتحت البنت الباب وارتمت في أحضان جدها وقالت يا جدي أبويه قام يضرب أمي وبعدين خرجت أسرخ في الجيران ..ياناس ..الحقونا ..ساب أمي وجاء يجري ورايه في الشارع وهو يسرخ أدخلي البيت يا بنت ال.... والجيران التموا ...وشفت الراجل ده واقف بسيارته وركبت في سيارته وقلت أنا في عرضك أبويه حيقتلني ...أرجوك وديني عند جدي ...وجابني كتر خيره عندك ...
ربت جدها على ضهرها وقال لها أدخلي جوه ... والتفت جدها لي وقال شكراً يا ابني أصل أبوها عصبي وليست المرة الأولى التي تهرب منه البنت .. عايز مني حاجه ..
قلت له يا حاج الذين كانوا واقفين في الشارع ساعة ما ركبت البنت بيعتقدون أنني أخطفت البنت وراح يبلغون بوليس النجدة وأكيد أخذوا رقم السيارة ..أنا عايز منك أسمك الكامل ورقم جوازك أو الإقامة حتى إذا سألني البوليس أقول أنني سلمتها لك ...
فعلاً أعطاني الإقامة واخذت رقمها وأسم كفيله ..
ووصلت البيت الساعة الثانية بعد منتصف الليل وانا منهك تماماً ووجدت الأهل في حالة يرثى لها من القلق ..لم يتعودو مني التأخير من العمل إلى هذا الوقت وعندما سألوني عن سبب تأخيري ...قلت كان عندنا شغل كثير وقعدنا نخلصه ...
طبعاً لو ذكرت الحقيقة سوف أدخل في متاهة وسين وجيم أنا في غنى عنها .{.فيني مايكفيني } ورحت أتساءل كيف لو بلغ أحد الواقفين في البرحة عن سيارتي وأعطى رقمها لشرطة النجدة ؟؟ وكان هذا مسماها في ذلك الوقت بدلاً من مسماها الحالي[ الدوريات الأمنية] ... أكيد سأعتبر مختطف للفتاة ؟ أو هكذا كنت أتخيل.. ولذلك لم أنم تلك الليلة رغم حاجتي للنوم من شدة الإرهاق .. ومر الوقت ببطء وأنا أنتظر موعد عملي لأقابل زميلي أحمد وأسأله ماذا جرى بعدي ..
وذهبت للعمل وأنا متلهف لرؤية أحمد وعندما رآني قال : بلهجة زهرانية بحكم أن والدته رحمها الله زهرانية ...
فين غديت بأخدلجه ذيك اللي ركبت معك ؟!!
قلت بعصبية شديدة : غديت بها في عصاة بقعا .. أعلمني أنت وإش صار بعد مارحت أنا ؟
قال : نور السيارة لحظة ما ندرت أنا من السيارة وشفت البنت ركبت في السيارة بعدي أشعاهم وما أحد عرف أنني كنت راكب معك واعتقدوا أنني خارج من بيتي مثلهم أشوف وإش العلم وعندما عرفت أن ما أحد شافني ... قلت للموجودين وأبو البنت بحماس أحد منكم شاف رقم السيارة وأخذه ؟؟
سرت همهمة بين الجميع كلاً يقل والله ما شفناه !!
سألت مرة ثانية أحد شاف لونها أو نوعها ؟؟
كلهم أجابوا بلا ...
قلت لأبو البنت أنت لك أقارب هنا في جدة قال آه فيه أبويه ساكن في الكندرة وقد راحت البنت عنده أكثر من مره ..
قلت لأبو البنت خلاص أطمئن البنت يمكن ركبت في التكسي اللي كان واقف هنا وراحت لجدها ...وأحسن شيء تروح لأبوك الآن وإلاّ في الصباح وأكيد راح تلاقيها هناك .. حط في بطنك بطيخه صيفي وروح نام .. وأقتنع الرجال وراح نام .. وأنت وإش سويت بالبنت ؟
تنفست الصعداء وحمدت الله أن ما أحد بلغ عن السيارة ورويت لأحمد بما حصل لي تلك الليلة .. وقلت له مازحاً لو كنت زقيت بك لأبو زوبعة على طريق المحجر ما كان جرى لي ما جرى وضحكنا بعد أن حمدنا الله أن الموضوع أنتهى على خير ...
سؤالي للجميع بعد مرور خمس وثلاثين سنة ماذا سيفعل أحدكم لو كان مكاني ؟
تحياتي للجميع وآسف على الإطالة .
علي بن حسن