عرض مشاركة واحدة
قديم 05-08-2008, 08:02 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية عبدالعزيز بن شويل
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 19
عبدالعزيز بن شويل is on a distinguished road

مـــــــاتت أُمـــي


 






ماتت أمي


فماتت الدنيا ,


ماتت أمي ..


فمات العالم ,


ماتت أمي


فمات الناس .


سكت الصوت الذي كان يترنم بتسابيح الملكوت ,


وهاجر الطائر الذي كان يغرد بصوت السماء .


فقدت المعاني سيدها , وفارقت السعادة أسبابها .


ماتت أمي ..


فحطت الرحمة أدواتها وارتحلت , انهدم السقف , وتمزق الثوب وتعرى الجسد .


ماتت أمي


وتركت لي الحياة ليلة عزاء طويلة ,


فلم تعد النجوم على الأرض إلا مصابيح مأتم أقيم بليل ,


ولم يعد للحياة معنى إلا أن تكون القبر ,


ولم يعد للقبر معنى إلا أن يكون الحياة,


لو كنت أملك من عمري شيئا لأعطيت أمي ما يجعلني لا أفارقها ساعة ,


هي ابتسامة الزمن وإلياذة التاريخ , طبيبة نفسي , وروح روحي ,


ماتت أمي


التي علمتني الرجولة.


ماتت .. فأصبحت أحيا ببعض نفس وبعض روح وبعض عقل .


سبحان ربي الذي جعل من قلب الأم دنيا من خلقه هو ,


وأسكن فيها معان من سره هو .


يد لا تعرف إلا العطاء , وقلب لا يعرف إلا الحب والصفح والغفران ,


ووجه لا يعرف إلا الإقبال والابتسام , سهولة كل صعب , ويسر كل عسير .



ماتت أمي


فلم يعد بعدها قلب يضخ الحب والعفو بلا حساب ,


ولا صدر يحتوي فينفث عطر الأمن والأمان بلا مقابل ,


ولا وجه يُعرف بإشراق من نور الله .


هي المعنى الذي صنعه الله من رحمة خالصة ومن حب خالص ومن غفران خالص ,


لا يغيره كدر , ولا يبدله عقوق , إذا ماتت الأم مات المكان.


ملكت مفاتيح نفسي , فإذا ضحكت .. ضحكت الدنيا بأسرها ,


وإذا بكت .. بكت الأرض والسماء .


ماتت سر أسراري , وهداية حيرتي , وترجمان كياني ,


العالم كله على صدر أمي , فإذا وضعت فيه رأسي كنت ملكا متوجا ,


أمسك بمفاتيح العالم بأسره ,


كانت القُبلة التي حطت على جبيني فرسمت في وجهي معالم الحياة ,


وقِبلتي التي أحمل إليها كل ما يحمله قلبي من سعادة وشقاء ,

فماتت القُبلة والقِبلة .


ماتت أمي

فلم تعد الحياة حياة, تساوى العسل بالمر , والنور بالظلام , ما عدت أرى شيئاً .


أي طعم للحياة بلا أمي ؟


والله إني أعجب .. كيف يعشق الرجل امرأة غير أمه ؟؟؟


أين حرارة اليد التي كانت تدفع عني برد الهم وتنفض غبار النكد ؟


أين الوجه الذي كنت أقرأ فيه تاريخي وأيام عمري ؟


لقد أدركت اليوم لماذا وضع الله مفتاح الجنة في يد الأم ,


وجعلها تحت قدميها , لأن الأم في ذاتها جنة ,


فأي سائل هذا الذي ترضعه وليدها وفيه كل حاجته


من الطعام والشراب والدواء والأمن والأمان وسحر الوصال والالتقاء في آن ؟


لا يكون ذلك إلا سائلا من الجنة .


وأي عظمة وإعجاز في ذات الأم لتكون جنة بكل معالمها لأولادها ,


ويكون صدرها أعظم من سكنى القصور, وريحها أطيب من ريح المسك ,


وصوتها أحلى من مزامير الدنيا كلها .


الأم .. ؟ يا إلهي ,


أي صغير في الأرض يجد كفايته من الروح إلا في الأم ؟


وأي رجل – ولو كان ملكا – تهدأ نفسه إلا بين يدي أمه ؟

لو قيس كل نعيم الدنيا بفقد الأم ماساوى شيئا,


ماتت أمي


حقيقة يدركها عقلي, وتنكرها نفسي وروحي حتى ألقاها ,


راح الكائن الذي كنت أملك فيه حق الرحمة , وما عاد لي حق في أحد .


انتهت أيامي من الأم,


هذه الأيام التي كنت أعرف فيها الغد قبل أن يأتي معرفتي بالأمس الذي مضى,


إذ يأتي ومعي أمي .


وبدأت أيامي من الزمن , وسيأتي كل غد محجبا مرهوبا ,


إذ يأتي لي وحدي , ويأتي وأنا وحدي .


لقد كُتبت على وجه كل فاقد لأمه عبارة ( رفقا بي )


اللهم بلغ أمي مني السلام , واجزها عني خيرا ,


واجعل عملي الصالح في ميزان حسناتها,


واهدها بهدية من عندك , اللهم قد سلمت لك الروح ,


وانقطعت الأسباب إلا سببا موصولا بك ,


فاللهم أكرم نزلها ووسع مدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرد,


واجمعنمي بأمي في مستقر رحمتك, في مقعد صدق عند مليك مقتدر .




أعجبني فنقلته


لكل من فقد والدته






تحياتي
...........

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس