عرض مشاركة واحدة
قديم 01-02-2013, 03:52 AM   رقم المشاركة : 1610
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 

الحلقة الأخيرة :

كان سفري من الأردن إلى سوريا عن طريق البر وبصحبة سائق سوري كبير في السنّ تعرفت عليه في الأردن عن طريق أبي سعيد واتفقت معه على البقاء معي إن لم أستأجر سيارة لقيادتها بنفسي، وقد بقي المذكور معي ما شاء الله أن يبقى وطوال تلك الفترة كنت وابن عديلي ( حامل العسل ) ملاقيف كعادة أكثر السعوديين نتحدث في أمور شتى من بينها بالطبع الأوضاع في سوريا وخاصة ( سيارات الجيش المتهالكة والعاملة بالديزل والتي كانت أعدادها في الشوارع تضاهي أعداد سيارات المواطنين ،.... أفراد المرور الذين كان البقشيش شغلهم الشاغل ، مستوى الخدمات المتدني وبالذات المواصلات وقطاع الكهرباء ، عدم وجود شبكة في البلاد ( أيامها ) للهاتف الجوال ، صور فخامة الرئيس ( حافظ ) الملصق اثنتين منها على زجاج كل سيارة خلفيّ.... الخ ). وقد لاحظت بأن السائق المذكور لم يكن يشترك معنا أبداً في أيّ من تلك الأحاديث حتى ظننت أنه يعمل في المخابرات، لكن الرجل كان طيبا جداً هدفه البحث عن لقمة عيشه .

استأجرت سيارة في الفترة الأخيرة وفي اللاذقية سكنت في شقة لعائلة مسيحية بالقرب منها على تبّة مرتفعة تطل على البحر قصر غاية في الجمال قيل لي بأنه لرئيس أركان الجيش ووزير الدفاع آنذاك العماد مصطفى طلاس وقد لاحظت أثناء تجوالي في البلاد خوف المواطنين الشديد والشديد جداً من أي مسئول في الحكومة ،

قبل عودتي إلى المملكة بليلة واحدة أعدت السيارة المستأجرة إلى شركة التأجير نظرا لأن يوم السفر يوافق يوم إجازة نهاية الأسبوع وجميع الأماكن مقفلة ولذا اضطررت لاستدعاء السائق الأول لنقلي وعائلتي إلى المطار وقاصداً من وراء ذلك إكرامه نظير إخلاصه وإلا فإن سيارات الأجرة أكثر من أن تحصى .

في الطريق إلى المطار مررنا بمبنى كبير يحيط به فناء واسع من جميع جوانبه والعسكر حوله من كل ناحية ، وبدون أيّ مقدمات التفت إليّ السائق وقال يا عمّ محمد هذا مبنى المخابرات عدد طوابقه تحت الأرض أكثر منها فوقها، الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود ! لا تكثر التأمل فيه حتى لا يشك أحد فينا فيلقي القبض علينا ! أرجو أن تكون قد فهمت الآن لماذا لم أكن أشارككم أحاديثكم ؟!

بعد توقفنا أمام مبنى المطار أعطيته كلما بقي معي من نقود سورية ولم أدع منها ليرة واحدة معي ثم ودعته وأخذت عفشي وجراكل الماء ( الدواء ) واتجهت بكل ثقة إلى صالة المغادرين ! في طريقي إلى البوابة التي تقودني إلى الطائرة، تجمّع حولي عدد من رجال الأمن يتزعمهم ضابط برتبة رائد وآخرون من موظفي الخطوط وقالوا لي ما هذا الذي في الجراكل ؟ احترت ماذا أقول لهم ؟! ماءً ! ماذا تريد به ؟ دواء ! مم يتكون ؟ وما هو مصدره ؟! وقبل أن أجيب على أسئلتهم قال موظف الخطوط : التعليمات تمنع اصطحاب أيّ سوائل على متن الطائرة ! تدخّل الضابط عندها وقال : ولك : اسكبه ، اسكبه ! كنت في قرارة نفسي أعرف ماذا يريدون لكن عددهم كبير وليس معي عملة سورية والأوراق التي بحوزتي من العملة السعودية من فئة الخمسمائة ريال ولن يرضى أي منهم إلا بورقة مستقلة عن صاحبه وهو ما يعني ستة آلاف ريال على الأقل هذا إذا افترضنا أنه لم يستدع بعضهم بعضا من خارج الصالة ! إذن ليس لي من خيار للخروج من هذا المأزق سوى الحيلة وعندها توكلت على الله وقلت : أنا نسيب العماد مصطفى طلاس ( لم يكن يحضرني اسم أي مسئول سوري غيره حينها سوى حافظ الأسد ) وهذا دواء شعبي أمانة منه سلمني إياه لإيصاله إلى أحد أقربائه في المملكة ! يمكنكم ألاتصال به ومسائلته ! تفرقوا من حولي دون أن يفتح أيّ منهم فمه بعدها بكلمة واحدة ثم بعث الرائد مرافقاً معي برتبة ملازم أول ليوصلّني وجراكلي إلى داخل الطائرة !

ذهبت ضحى اليوم التالي من وصولي إلى جدة إلى المستشفى لزيارة ألعبادي رحمه الله فسألني وكأنه استبطأ زيارتي أين كنت ؟ فلما أخبرته عن سبب غيبتي قال : الله يرزقك من واسع فضله !

توجهت بعدها إلى الباحة لقضاء شهر تبقى من إجازتي واصطحبت معي أدويتي التي لم ابدأ في استخدامها إلا بعد أن استقريت في شقتي الجديدة في عمارة الشيخ يحي بن حمدان وبما أن ليالي الصيفية يغلب عليها السهر فقد كانت أم عبد الله تقضي معظم الليل في تنظيف شقتها وترتيبها بصفتها جديدة كعادة ربات البيوت وكان يتردد في العمارة طوال الليل صوت بكاء أحد أحفاد الشيخ يحي حديثي الولادة فكانت أم عبد الله إذا سمعته تقول ( يا رب ما تجي الصيفية الجية إلا وعندي طفل زيّه يؤنس وحدتي ) وكنت أقول في نفسي سبحانك اللهم وبحمدك ألم تيأس هذه بعد ؟!

انتهت الإجازة وبعد العودة إلى مكة قمت بمراجعة الدكتور في مستشفى الأطباء المتحدين في نفس الأسبوع وطلبت منه تكرار محاولة عملية طفل الأنابيب فورا ًوبعد إجراء العملية بساعات استدعاني وكان مصري الجنسية يدعى عماد وسألني ماذا فعلت ؟! قلت له : في ماذا ؟ قال : هل تعالجت عند أحد ؟ قلت : لماذا ؟! قال تحسنت حالتك وأصبحت فرص الإنجاب لديك تضاهي الـ 80% ولو علمت بهذا التحسن قبل إجراء العملية لنصحتك بعدم إجرائها ! قلت له : تعالجت لدى عجوز أميّة في الأردن فطلب مني على الفور عنوانها !

بعد أسبوعين من العملية كان مطلوب منا القيام بإجراء فحص للدم في أيّ مستوصف في مكة للتأكد من الحمل فلم أجرؤ على أخذ أم عبد الله لإجرائه خوفا عليها من الصدمة ولم أكن أعلم بأنها قد جلبت من صيدلية المستشفى أثناء المراجعة في غفلة مني اختباراً فوريا يتم إجراؤه في المنزل وهي تعاود القيام به منذ يومين دون أن يتضح لها أيّ شيء ولم تكن المسكينة تدري أنّ نتائجه لم تكن لتظهر قبل شهر من إتمام عملية التلقيح .

بما أن الفحص المنزلي لم يظهر أيّة نتائج فقد أصرت المعنية بالأمر على أخذها إلى أقرب مستشفى وكان ( أم القرى ) والذي لم أزل أر عليه نوراً حتى تمت إزالته بالكامل من على سطح الأرض حيث كانت النتيجة إيجابية ولله الحمد الله .

اتصلت بالدكتور أخبره بالنتائج إنفاذاً لتعليماته فطلب منا المراجعة في اليوم التالي مباشرة .

كانت تعليماته بعد المراجعة كالعادة عدم الحركة أو ركوب السيارة لفترات طويلة والبقاء مستلقية على الفراش طوال الأربعة الأشهر الأولى من الحمل وضرورة المراجعة كل أسبوعين لإجراء أشعة ( إلترا ساوند ) والاستمرار على تعاطي المثبتات .... وما إلى ذلك .....!.

أعددت جدولا زمنياً في مكتبي ضمنته أيام الأسبوع السبعة ( السبت ، الأحد ، ألاثنين .... الخ وأمام كل يوم تاريخه طوال الشهر ثم الشهر الذي يليه والذي يليه حتى أتممت تسعة أشهرـ 270ـ يوما، وكل يوم يمر بسلام أضع أمامه كل صباح علامة صح ) أما يومي الخميس والجمعة فكنت أترك خانتيهما فارغة إلى يوم السبت وقبل أن أخرج من مكتبي ظهر الأربعاء أتأملهما وأقول في نفسي ليت من يدري ما نوع العلامة التي ستكون أمام كل منكما صباح السبت ! توتر وترقب ، أمل ورجاء ، دعاء وبكاء ، وفوق ذلك كله توجس وتحسس وخيفة خصوصا عند الاقتراب من بيتي وقيامي بإدخال مفتاح شقتي في مجراه بعد عودتي إلى منزلي من أيّ خروج كان مخافة خبر سيء يفاجئني ويحطم الحلم الذي رسمته في مخيّلتي لذلك الطفل المنتظر ! ( تلك والله كانت حالتي وتلك والله كانت مشاعري أصفها لكم وأنقلها كما عشتها دون مبالغة أو تحريف ) .

بما أني أجري كل أسبوعين تصويراً للجنين بالالترا ساوند فقد كنت في شوق لمتابعة نموه لحظة بلحظة وبعد أن مرّ شهر على الحمل لم أر في الأشعة إلا نقطة صغيرة بيضاء فسألت الطبيب أين الجنين ؟ قال : هذا ؟ قلت : لا أرى سوى نقطة بيضاء ! قال : وماذا تتوقع أن ترى ؟! حجمه لا يزيد في الشهرين الأولين من الحمل عن حجم رأس الدبوس ! قلت : أجريت عملية مماثلة للمدام قبل عدة سنوات وبعد مرور أسبوع من إجرائها نزل قطعة لحم مخلّقة من زوجتي بحجم الإبهام فماذا يكون يا ترى ؟! قال : لا يمكن أن يكون طفلا إلا أن يكون سقط من امرأة أخرى وكان الطبيب الذي أجرى لكما العملية غير مؤتمن فقام بزراعته في رحم المدام لإيهامكما بأن العملية قد نجحت، هذا هو التفسير الوحيد المحتمل ! وأضاف أحمد الله على أنه لم تحدث مضاعفات خطيرة للمدام ! قلت : مثل ماذا ؟ قال : سرطان في الرحم !!

خرجت من عيادته في حوالي الحادية عشرة صباحا وليس في ذهني غير ألانتقام من ذلك الطبيب السوداني بأي شكل وبأسرع وقت فتركت زوجتي لدى أهلها في جدة دون أن أفضى لها بما عزمت عليه وصعدت كالمسعور إلى مكة ثم عدت أدراجي إلى جدة مصطحبا معي مسدسي،

أثناء الصعود كنت في قمة غضبي وانفعالي ولكن في طريق العودة أخذ مؤشر ألانفعال ينخفض منسوبه رويداً رويدا ويحلّ محلّه التفكير الجدّي المتزن فقلت لنفسي إن قتلته قُتِلْتَ ، وإن ضربته سُجِنْتَ ، وإن هزّأته سَلِمْتَ ! فماذا أنت فاعل ؟! استقرّ الرأي عندي على الحل الأخير لكن سرعان ما عاد الشيطان إليّ وقال :

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً **** فابشر بطول سلامة يا مربع !

ألم تقل تلك العجوز الأمريكية قارئة الكف بأنك لا تجرؤ على قتل دجاجة ! نوبة من المشاعر المتضاربة غزتني وأفكار سوداوية قاتمة راودتني ونار تكاد تحرق جوفي أهلكتني فأين المفر ؟! صراع نفسي عصيب بين الخير والشر وخوف من المجهول ونار تأجج في داخلي كلما خبت زاد الشيطان سعيرها فلم أشعر بالوقت ولم أدر أيّ الطرق سلكت حتى وجدت نفسي أمام باب المستشفى فدخلت، كانت وجهتي إلى الدور الثالث مقر عيادة الطبيب وعند المصعد قابلت ممرض عرفت من لهجته ولون بشرته أنه سوداني فسألته عن الطبيب قال : أعطاك عمره يا زول من ثلاث سنين ، راح إجازة والله وما رجع ، اشترى مزرعة في الريف هناك وشال معاه عمال في السيارة يساعدوه طلعوا لصوص سرقوه وشلحوا السيارة بعدما قتلوه ورموا جثته في الترعة ! تصدق بقيوا اهله ثلاثة أيام مالقوه بيدوروا عليه لما حصلوه مرمي في الترعة ! قلت لنفسي بعد الشهادتين :

وما من يد إلا يد الله فوقها **** وما ظالم إلا سيبلى بأظلم

علمت فيما بعد أن العديد من المستشفيات الخاصة يعطي الطبيب 30% من دخل كل عملية يقوم بإجرائها ولذا كلما زاد عدد العمليات كلما زاد دخل الطبيب ولأجل ذلك تعمد السوداني عليه غضب الله الكذب علي فيما يخص وجود تشوهات خلقية لدى أم عبد الله تحتاج معها لعملية تكلف ثلاثين الف ريال ولم يكتف بالكذب والتدليس وعدم الأمانة في زرع جنين ميت في رحم مسلمة مسكينة تبحث عن طفل حيث فضحه الله على يديّ طبيب مختص بعد عدة سنوات من عملته المشينة والتي لم يراع الله فيها ولم يحترم مهنته ولم يخش عقوبة من البشر تحلّ به


أخذت أهلي وعدت إلى مكة أتابع جدولي يوما بيوم ومنعت زوجتي من استقبال أحد أو الخروج من المنزل إلا لزيارة الطبيب وفي نهاية الشهر السابع توفي أحمد بن حمود بن أحمد عليه رحمة الله فأخذتها إلى العزاء ولم يكن أحد من خارج أسرتينا إلا القليل يعلم بأنها حامل فلما راءها الشيخ سعد بن أحمد وهي تنزل من السيارة أدرك أنها حامل فقال : من هذه معك ؟ قلت : زوجتي ! فعانقني بعد أن ذرفت عيناه وقال : ما شيء مثل ألظنى ! ولأن الوقت لم يكن يسمح بالمزيد فلم يزد على ذلك !

في تمام العاشرة من صباح يوم الأحد الموافق 21 / 2 / 1421هـ وفي مستشفى الأطباء المتحدين شهدت مولد ابني الوحيد فانهالت علي التبريكات من كل حدب وصوب ، من أناس أعرفهم وآخرين لم أسمع والله بأسمائهم من قبل وكان من أوائل من اتصل بي عمدة المنتدى وبركته الأخ الفاضل علي بن حسن والذي قال مداعبا إياي وإياك آشوف معه مسمار يشخّط في سياراتي وإلا يكتّب جنوب الجدران يعيش ألأهلي ويسقط ألإتحاد ، ومنهم أيضا الشيخ محمد سعيد العباسي أحسن الله لنا وله الخاتمة والذي لم أسمع له صوتا قبل ذلك اليوم منذ تخرجي من مدرسة وادي العلي ألابتدائية في العام 1386هـ وكذا العمّ العزيز والقريب إلى نفسي عبد الله بن حامد حفظه الله والذي سألني حينها واش بتسمّيه ؟ قلت : لا أدري حتى الآن ! قال : عبد الله عجير عبد الله أبوعالي . قلت سمعا وطاعة يا عمّ عبدالله .

بعد هذا الصبر وتلك المعاناة استجاب الله الدعاء ! لكن أيّ دعوة استجاب ؟! ليس مهماً :

دعاء والديّ الذي كان يوصي به كل منهما الآخر عند الإفطار سواء في رمضان أو في غيره ( اللهم ارزق محمد بالذرى الصالح )

أو دعائي في مسجد الجبوب !

أو دعوة الشيخ صالح بن حميد في الثلث الأخير من الليل داخل حجر إسماعيل !

أو دعوة موظف السنترال !

أو دعوة تلك العجوز الطيبة في الأردن في آخر ساعة من عصر يوم الجمعة !

أو دعوة ألعبادي رحمه الله وهو يصارع سكرات الموت !

أو دعوة زوجتي في بيت الشيخ يحي بن حمدان !

لست أدري ، الذي أعرفه تماماً أن أم عبد الله لم تخرج إلى الصيفية من السنة التي تلت تلك الدعوة إلا وعبد الله معها ، والذي حز في نفسي بعد ذلك أن عجوز الأردن الطيبة جاءت في تلك الصيفية إلى مكة للعمرة ولم تجدن ثم توفيت بعد ذلك .

وأخيرا أكذب عليكم إن قلت لكم بأني كتبت ما كتبت لإرضائكم فقط بل أكون في غاية الصدق إن قلت لكم هناك هدف آخر لا يقلّ أهمية عن طلب رضاكم ألا وهو رجاء أن يقرأ ابني يوماً ما ما كتبت فيعلم كم من السنوات عنه بحثت ، وكم من الجهد من أجله بذلت ، وكم من المخاطر لسواد عينيه ارتكبت ، فيترحم عليّ ويدعو الله لي إذا دُفِنْت .

إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث إحداها ولد صالح يدعو له .

قبل أن أودعكم أذكركم بأن ذكرى مولده الثالثة عشرة ستحين بعد أيام قلائل من الآن فأرجوكم الدعاء بأن يحفظه الله لي ويصلحه ويجعله قرة عين لي ولوالدته التي بذلت من الجهد والصبر أكثر مما بذلت وجازاكم الله عني وعنها خير الجزاء .

سامحوني على استثارة مشاعركم فلم أتعمّد ذلك والله ولم أسع إليه لكن جاءت به الأقدار هكذا ولعل فيه خيراً لي أو لكم أو لنا جميعاً .

محبكم

 

 
























التوقيع