عرض مشاركة واحدة
قديم 01-09-2013, 06:41 AM   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 

الفصل الرابع

روح، الله يفرّح قلبك كما ستفرّح قلب والديها

كان لوفاة والدي رحمه الله تأثير نفسي كبير عليّ وبعد شهر من وفاته مرّ عليّ بصفتي مديراً للشؤون الإدارية وقتها طلب من المرجع بترشيح ضابط لدورة أو ندوة بمعنى أصحّ في مجال العمل ستعقد في الولايات المتحدة الأمريكية ولمدة أسبوعين فقط فاتصلت بمدير الإدارة لترشيح من يراه للالتحاق بها فقال لي : أنت في أمس الحاجة إليها فرشّح نفسك لها وجهز أوراقك وارفعها لمقام المرجع ، وبالفعل سافرت مع من تم ترشيحه لتلك الندوة من القطاعات الأخرى وكانت في ولاية لويزيانا جنوب الولايات المتحدة الأمريكية،

من بين الذين نسقوا لتلك الندوة وحضرها معنا ضابط في الأمن العام برتبة عقيد يدعى علي عسيري استلطفته واستلطفني بحكم تقارب الرّتبة فنشاء بيننا علاقة قوية رغم قصر المدة التي جمعتنا، وفي إجازة نهاية الأسبوع الأول من تلك الندوة ذهبت وإياه للنزهة برفقة كامل المجموعة إلى عاصمة الولاية وهي مدينة تشتهر بالصخب والسّهر وتبعد حوالي سبعين ميلا عن الأكاديمية التي نسكن ونتعلم بها ،

على طول الطريق إلى تلك المدينة كان المطر يتساقط خفيفا وبعد وصولنا إلى مركزها تفرق الركب وبقيت أنا وهو وشخص ثالث من أهل الشمال مع بعضنا البعض وأخذنا نتمشى سيرا على الأقدام حتى ابتعدنا عن السيارة المقلّة لنا وكانت أتوبيسا تابعا للجهة المستظيفة وفجأة بدأت الأمطار تهطل بغزارة فاستظلينا تحت أول شرفة وجدناها في الطريق والشرفات نادرة هناك ، كان الرجل ضليعا في اللغة الانجليزية وأنا ورفيقي ( يفتح الله ) فلفت نظره لوحة تحت تلك الشرفة معلقة على دكان صغير مكتوب عليها ( قارئة كفّ ) فعرض علينا من باب التسلية فكرة الدخول عليها لقراءة أكفنا فاعترضت على ذلك بشدة فما كان منه إلا أن قال :

والله يا غامدي يا بخيل ما هو كلّه دين ولكن عشان ما تبغى تدفع خمسة دولارات حق الكشف، أنا بادفعها عنك !

قلت له : لا والله ولكن لأن هذا حرام .

قال : خلّ عنك ، والله إنه بخل الغمّد أنا أعرف به منك .

قلت : فسرها زيّ ما تفسرها أنا ما راح أدخل عليها أدخلوا أنتم !

دقائق قليلة مرًت ثمّ توقف المطر فتركنا المكان ومشينا دون أن يدخل عليها منّا أحد . لم نمش أكثر من مائتي متر حتى عاد المطر كما كان وأشدّ فرجعنا إلى نفس الشرّفة وعندها قال العسيري : والله مادام عدنا إلى هنا لندخل عليها حتى يتوقف المطر .

دخلنا فوجدناها امرأة في الخمسينات تقريبا من العمر شكلها مرعب ولها عدد من الشعيرات في ذقنها وبدا صوتها وكأنه صوت رجل وهي تقرأ كفي شاب وشابّة عندها، بعد أن انتهت منهما تقدم لها العسيري لتقرأ كفّه ، فأخبرته بأشياء بعضها حقيقيّ والبعض الآخر جانبه الصواب ومن ألأشياء الحقيقية التي ذكرتها له عدد أفراد أسرته وأعمارهم ثم استطردت في حديثها قائلة له : أنت لازلت محزونا على فقد عزيز لديك فقال موجها كلامه لنا : صدقت الملعونة مات لي ابن في مسبح الفيللا الخاصة بي في الرياض قبل أشهر من الآن ! بعدها تقدم لها الشمالي فقالت له : كنت على وشك الزواج من فتاة ( وصفتها له بدقة ) ولكن لم يتم ذلك ! هزّ الرجل رأسه موافقا على كلامها ثم فاجأته بقولها: لازلت متعلقا بتلك الفتاة وأنا أنصحك بالابتعاد عنها.... إلى غير ذلك.....ولما جاء دوري قالت لي بعد أن وضعت كفي في راحة يدها تتفحصه :

You have a very strong looking, But you have a

nice heart, You can't kill a chicken She said.

What else ? I asked.

You are a father of five children

Now or in the future ? I asked

I just say what I see

That isn't true . I said

We are in the U .S .A . We can't be let open this office without a license and we have certificates on this field . She said that nervously , then she dropped my hand


ملامحك تدل على القسوة والعنف ، لكنك تملك قلبا طيبا ولا تجرؤ على قتل دجاجة !

قلت : وماذا بعد ؟

أجابت :أنت أبٌ لخمسة أطفال .

سألتها : آلآن أم في المستقبل ؟

قالت : أنا فقط أقول ما أرى ! ( أي في الكفّ )

قلت : لكن هذه ليست حقيقة !

ردّت عليّ بعصبية زائدة وقالت : نحن في الولايات المتحدة الأمريكية ! ومن غير المسموح لنا به فتح هذا المكتب من دون علم، نحن نملك شهادات معترف بها في هذا المجال ! ثمّ تَرَكت كفّي بعد ذلك في إشارة واضحة لانتهاء المقابلة .


بعد عودتي إلى المملكة بأسابيع تلقيت اتصالا هاتفيا من العقيد العسيري مفاده أنه أحيل على التقاعد وعُيّنَ سفيرا للمملكة في الباكستان فقلت له مداعبا بعد التهنئة لو أن صاحبتنا عندها علم من الغيب لأخبرتك بهذا بدلا من تذكيرك بموت ولدك ! ضحك وطلب مني زيارته في مقر عمله الجديد لعلنا نجد من يعالجني هناك فوعدته بالزيارة في أقرب فرصة ممكنة ثم ودّعته وودّعني ولم يكتب الله لي لقائه بعد ذلك .

بقيت أشهر بعدها لم أحرك ساكنا فيما يتعلق بموضوع الإنجاب وأمام إلحاح أم عبد الله المستمر في إعادة إجراء العملية قمنا بتكرار المحاولة للمرة التاسعة بمستشفى الأطباء المتحدين فكتب الله لها النجاح هذه المرة وتباشرنا سرّا حينها بالخبر من جدة إلى الباحة مرورا بوالدتي في مدينة الطائف إلا أن الجنين سقط للأسف بعد شهر واحد من الحمل فانقلب الفرح إلى ترح كانت أم عبد الله الضحية الأولى له ومن ثم والدتي التي نُقل إليّ الخبر هاتفياً أثناء زيارتي لها فخرجت من عندها لا ألوي على شيء وبقيت تبحث عني بالجوال طوال تلك الليلة من مكان إلى آخر خوفا عليّ من مكروه قد أقترفه بحق نفسي .

بعد أن هدأت العاصفة ونزولا عند رغبة أمّ عبد الله قررت جلب طفل من إحدى دور الرعاية الاجتماعية لتربيته رغم معارضتي الشديدة لهذا الأمر من قبل ومن أجل ذلك دخلت على فضيلة الشيخ صالح بن حميد وهو يصلّي الوتر في حجر إسماعيل قبيل صلاة الفجر بنصف ساعة عندما كان يؤم المصلين آنذاك في تلك الفريضة وسألته قائلا : يا شيخ أنا لم أرزق بأطفال فهل لي أجر كافل يتيم في حال أتيت بطفل من دار الرعاية الاجتماعية وقمت بتربيته ؟

قال : نعم

قلت : وإن لم يكن شرعياً ؟

قال : وإن لم يكن شرعيا !

قلت : هناك قول ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم مفاده ( لا يدخل الجنة ابن زنا ) فما مدى صحة ذلك؟

قال : هذا غير صحيح فالذنب ليس ذنبه ؟

قلت له : فادع الله لي يا شيخ بأن يرزقني ذريّة صالحة، فما كان منه إلا أن رفع يديه إلى السماء ودعا بما كتب الله له .


ذهبت في صبيحة اليوم نفسه بعد بدء الدوام الرسمي إلى دار الرعاية الاجتماعية بمكة وبعد الإطلاع على روتين إجراءات تسليم الأطفال لمن يرغب في تربيتهم وجدتها طويلة ومعقدة فغيرت رأيي على الفور .ِِ

صليت العشاء بعد ذلك بأيام في الحرم وعند اقترابي من باب الملك فهد في طريقي للخروج لاحظت طفلةً في حوالي الخامسة من عمرها في منتهى البراءة والجمال تجري بين الناس لا تعرف لها وجهة ودموعها تتسابق على خدّيها وبما أنني مولع بالأطفال أمسكت بها وقلت لها أنت ضائعة ؟ فلم تجبن بل إنها حاولت الإفلات مني بشتى الطرق ولما لم أدعها تذهب وسمعت بوعدي لها بتوصيلها إلى أهلها هدأت قليلا ثمّ بعد أن اطمأنت إليّ سألتها عن اسمها فذكرته لي كاملا ، قلت فأين تسكنون ؟ قالت في فندق في طريقنا إليه رجل يبيع مساويك ، أخذت بيدها ولما وصلنا إلى باب الملك فهد قلت لها بعد أن أخبرت الشرطي بأنها ضائعة ابقي هنا عند العسكري حتى يأتي والدك أو والدتك لاستلامك ! تشبّثت بي ولم تدع أطراف ثوبي من يدها ودموعها تنهمر وعندها قلت للشرطي بعد أن عرّفته على نفسي ورتبتي ومكان عملي وزودته برقم جوالي سأحاول البحث معها عن مكان سكنها وقم أنت بإبلاغ مرجعك بأمرها لعل أحد من أهلها يراجعهم للبحث عنها فيتم الاتصال عليّ .

خرجت وأنا ممسك بيدها متوجهين إلى الطريق المحاذي لأبراج شركة مكة للإنشاء والتعمير فهناك رجل يبيع المساويك على حدّ علمي وقبل أن أصل إليه اتصلت بسنترال عملي لأخبره بأنني سوف أتأخّر قليلا عن موعد بيني وبين المدير بعد صلاة العشاء في مقر الإدارة فرد عليّ فَرْدٌ يعاني مما أعانيه من عدم الإنجاب ولما أخبرته عن سبب تأخري قال : روح، الله يفرّح قلبك كما ستفرّح قلب والديها


الفصل الخامس

{ خيبة وهزيمة وقهر }

عند وصولنا إلى بائع المساويك قلت لها من هنا ؟ لم تنطق بكلمة واحدة واكتفت بدمع غزير عرفت من خلاله أني وإياها ظللنا الطريق ،توجهت بها إلى حيث يوجد آخرون يبيعون المساويك في نهاية ساحة الحرم مقابل باب الملك عبد العزيز فتهللت أساريرها وقالت من هنا ثم قادتني في اتجاه أجياد بئر بليلة حتى وصلنا إلى الفندق الذي تسكنه وعائلتها وهو على بعد كيلومتر واحد من الحرم تقريبا ويقع أسفل طلعة ريع بخش ، كنت طوال الطريق أتحدث إليها فبدت فائقة الذكاء وأخبرتني بأنها قادمة مع والديها من أمريكا حيث يدرس والدها وهي سعودية من أبناء الجنوب ومن مواليد الولايات المتحدة الأمريكية .

دخلت الفندق وطلبت من موظف الاستعلامات جوال والدها وبعد الاتصال عليه نزل إليّ من غرفته وسلّمته ابنته وكان استقباله فاتراً إلى درجة أني شككت أنه والدها لولا أنها نطقت باسمه واحتضنته أمامي فقلت في نفسي ( سبحان الله ! بيت ينوح وآخر يترنّمُ ، طالما أن الأخ من أهل الجنوب فلم يعد خافيا سبب تجشم زوجته مشقة البحث عن فقيدتها وكتمانها للأمر عنه برمّته رغم أهميّته. إنها التربية الأسريّة التقليدية التي زرعت الرّعب من الزوج أو ولي الأمر في قلوب كثير من السيدات دون مبرر )!

يظهر أن أخينا كان نائما ولم يكن يعلم أن ابنته ضائعة وأظن أنني جنيت على زوجته المسكينة من حيث اعتقدت أني سأجلب لها السرور .

خرجت في صيف ذلك العام 1419هـ إلى الباحة واستأجرت شقة في منزل الأخ العزيز يحي بن حمدان ( تباركوا بالنواصي والأقدام ـ قول مشهور ) ثمّ سافرت ولم أسكنها ولم أنه تأثيثها نظرا لانتهاء إجازتي .

قبل عودتنا من الباحة تلقيت دعوة من أخوال أم عبد الله في العقيق لتناول طعام العشاء فقابلت زوجتي هناك امرأة متوسطة العمر لديها طفل وحيد قالت أنها حملت به في مستشفى الحمّادي بالرياض بواسطة عملية تلقيح صناعي وقد حذرّها الطبيب المعالج بعد أن تأكد لديه حملها من الحركة أو ركوب السيارة لفترات طويلة بل إنه أمرها بالبقاء مستلقية على ظهرها طوال الأربعة الأشهر الأولى من الحمل لكنها وعلى الرغم من نصائحه سافرت من الرياض إلى العقيق بواسطة النقل الجماعي بعد شهر واحد من حملها لحضور جنازة والدها ومع ذلك أتم الله لها حملها وأنجبت ذلك الطفل ! قلت : سبحان الله !! لقد عزى الدكتور الذي تعالجنا لديه مؤخراً في مدينة جدة سبب سقوط الجنين الذي حملت به زوجتي إلى كثرة الحركة وعدم الخلود للرّاحة مع أنها كانت في سكونها طوال تلك الفترة أشبه ما تكون بالميّتة، ولله في خلقه شؤون ! .

عدنا إلى مكة وباشرت عملي وإذا بشاعر معروف له ابن موظف لدينا في الإدارة يدخل عليّ المكتب ويطلب مني طلبا بخصوص ابنه فحققته له ثم أخذ بعدها يتردد عليّ كلما عَنّ له أمر حتى توطدت العلاقة بيننا، وذات مرة فاتحني في موضوع الإنجاب ولا أدري من أين علم بأنه ليس عندي أطفال فقال : هناك دكتور في الأردن تعالج لديه أحد جماعتي هو وزوجته وكانا لا ينجبان فلم يعودا من هناك إلا بعد أن حملت الزوجة ، وأضاف سوف آتيك بعنوانه في اقرب فرصة ممكنة بإذن الله.

لم يمض أسبوع على حديثه إلا وهو عندي ومعه العنوان وبقي يدندن في أذني كلما زارني ويلحُّ عليّ في السفر حتى كدت أرتكب بحقّه حماقة، لكن بما أن كثرة الدوىّ تغلب السحر فقد استجبت له بعد أن استخرت الله .

تقدمت بطلب إجازة خارجية إلى مرجعي وحددت الأردن مكانا لقضائها وعند تقديم الطلب إلى المدير وهو من أهالي العلا وكان مديرا لفرع الإدارة في تبوك لعدة سنوات وتربطه علاقات وطيدة مع بعض الأردنيين سألني لماذا اخترت الأردن بالذات فَصَدَقْتَه القول فقال : هذا عنوان شخص هناك صاحب نفوذ إذا احتجت إليه فلن يخيب ظنّك ! وقبل السفر قابلت الأخ عثمان بن أحمد فرحة ( من قرية العقشان ) في منزل عبد الله رمزي بالشرائع فأعطاني هو الآخر اسم وعنوان خال لزوجته في عمان واتصل به قبل سفري طالبا منه استقبالي وأهلي في المطار وتذليل كافّة الصعوبات التي قد تعترضنا .

تعمدت تحديد موعد بدء الإجازة قبل أن تبدأ الامتحانات في أيّ من دول الخليج بناء على نصائح المجرّبين تفاديا لأزمة السكن في الأردن ومواعيد عيادة الطبيب وقلّة السيارات المعدّة للإيجار وما إلى ذلك، ورغم كلما فعلت لم يجد ذلك نفعا لأن الظاهر أني لم أكن الوحيد الذي خطط لمثل هذا .

وصلت مطار عمّان قبيل ظهر يوم الأحد وإذا ( بأبي سعيد ) الرجل الذي حدثني عنه عثمان في استقبالي وقد أعد لنا مأدبة غداء فاخر في منزله على الرغم من فاقته ثم فاجأني بقوله لقد حدثني أبو أحمد ويعني ( عثمان ) عن سبب مجيئك إلى هنا وقد فرّغت نفسي للبقاء معك حتى تنتهي مهمتك وأضاف هناك عجوز مشهورة بعلاج السيدات بجبل سمّاه لي في حيّ الوحدات بعمّان سأذهب بكما إليها فقد وجد كثير من النساء اللائي راجعنها فائدة من علاجها، استحييت منه فوعدْته بالذهاب معه إليها فور الاستقرار في سكن مريح والعثور على سيارة للإيجار،

لم أجد سكنا في أيّ من فنادق الدرجة الأولى نظرا لوجود أعداد هائلة من الأوروبيين والإسرائيليين أيامها هناك لحضور مناسبة لا أذكرها الآن ولذا سكنت في فندق لا بأس به واستأجرت سيارة غير مكيفة ( لعدم وجود البديل ) وذهبت بصحبة الرجل إلى تلك العجوز وكان أول شيء اشترطته عليّ ألف ريال سعودي مقدماً قبل بدء العلاج ثم إحضار كيلوجرام من عسل السدّر الأصليِّ من المملكة وأخيرا الحضور إليها في يوم معيَّن مرتبط بخصوصيات أسريّة،

اتصلت بأخي الفاضل عبد الله رمزي وطلبت منه العسل ونسقت مع أحد أبناء عديلي سعيد بن عبد الواحد للمجيء به إلى الأردن وبقينا رهن الانتظار .

في اليوم التالي من وصولي إلى الأردن بدأت اُجري اتصالاتي مع عيادة الدكتور الذي جئت من أجله بغية تحديد موعد لمقابلته وكان أول اتصال أجريته بالعيادة قبل ظهر ذلك اليوم ـ ألاثنين ـ ففاجأتني العاملة لديه بقولها لن تستطيع مقابلة الدكتور قبل أسبوعين من الآن فهو مسافر يوم الجمعة القادم لحضور ندوة خارج البلاد، أمّا من الآن وحتى موعد السفر فالعيادة مزدحمة بالمواعيد ! حاولت التفاهم معها بشتى الطرق وقلت لها أنا قادم من مكة وإجازتي قصيرة و....و....الخ. فقالت يا أخي لدينا أشخاص من الكويت ومن الأمارات وقطر ومن عدد من الدول وليس لك عندي سوى ما سمعت !

يوم واحد في الأردن يكلف السائح ما يقارب الألف ريال سعودي مابين سكن وإعاشة وأجار سيارة وخلافه وهذا يعني أني سأصرف ثلث ميزانية الرحلة قبل مقابلة الطبيب ! وهذا مستحيل ، إذن فليس لي سوى الاستعانة بصديق وقد حان موعد طلب المساعدة من الشخصية ذات النفوذ التي زودني برقم هاتفها المدير لعل صاحبها يستطيع بنفوذه تقديم الموعد المطلوب.

لم أكن أعلم والله حتى تلك اللحظة بأن أم عبد الله قد طلبت من الله بعد أن أدّت صلاة الاستخارة ضحى ذلك اليوم أن يهيئ لنا مقابلة الدكتور إن كان فيها خير لنا وأن يصرفها عنّا إن لم يكن فيها ما نؤمله .

اتصلت بالرجل ( الواسطة ) وأخبرته الخبر وقلت له أنا من طرف فلان بن فلان فرحب بي ترحيبا حارا وقال بعد أن سألني عن مقر سكني تتعشى عندي الليلة أنت وأهلك وإن شاء الله يكون خيراً ،

اعتذرت عن قبول دعوته بلطف وقلت له يا أخي يسعدني ويشرفني قبول دعوتك ومقابلتك ولكن الوقت غير مناسب الآن فأنا جئت لمهمة محددة وظروفي لا تسمح لي بذلك .

أصر الرجل إصرارا عجيبا على تناول العشاء في منزله وقال : لي أخ سيأتي لمقابلتك وهو يعاني مما تعاني منه ويراجع الدكتور نفسه منذ ثلاث سنوات وفي حال لم تبدل قناعاتك بعد مقابلته سأسعى بقدر ما استطيع لترتيب موعد لك مع ذلك الطبيب قبل سفره .

وافقت على دعوته وعندها قال : سآتي إلي مقر سكنك بعد صلاة العشاء لاصطحابك وعائلتك حتى لا تتوها عن العنوان وبالفعل جاء إليّ بسيارتي مرسيدس بنز سوداوين جديدتين أحدهما بقيادته والأخرى بقيادة زوجته فأخذني وأخذت زوجته زوجتي إلى المنزل الواقع في حيّ من أرقى أحياء عمّان وكان من أجمل المنازل التي دخلتها في حياتي .

احتفى بي المذكور حفاوة كبيرة وسرني فيه إلى جانب ذلك تديّنه وتواضعه وأخلاقه العالية رغم ثرائه الملموس وبعد مقابلتي لأخيه ذكر الأخير بأنه يراجع الطبيب المعني منذ ثلاث سنوات وقد أجرى له ولزوجته ثلاث عمليات تلقيح صناعي ولم يكتب لأيّ منها النجاح وزادني معلومة جديدة هي الأهمّ حيث قال : لن يبقى معك الدكتور لأكثر من عشر دقائق وبعدها سيحيلك إلى أطباء صغار معاونين لديه لأجراء ما يلزم حتى يحين موعد العملية والتي لا أشك في أنه سينصحك بها فهو طبيب مختص في هذا النوع من العمليات وغير معني بعلاج أسباب العقم الرّئيسة، وأضاف : ما رأيك لو أخذتك إلى عجوز في قرية من قرى إربد تعالج النساء والرجال لعلك تجد على يديها الفائدة فإني قد ذهبت إليها وتحسنت فرص الإنجاب لديّ كثيراً مع أني لم أكمل علاجها بعد ؟ قلت له : لقد شبعت من علاج العجائز مابين مكة وجدة والأردن ولا حاجة لي بها ، قال : لكنّ هذه من أهل الله وتختلف عن كل اللائي قابلتهن! ، قلت له : لا أريد الذهاب إليها ولا أريد حتى مقابلة الطبيب الذي جئت إلى هنا من أجله .

صَعُبَتْ حالتي على أبي سعيد بعد أن علم بالأمر فعرض على الذهاب إلى رجل معروف لديه على الحدود الأردنية العراقية سبق على حد زعمه أن عالج العديد ممن لا ينجبون منهم الأمير الفلاني والشيخ الفلاني و...و... الخ فقلت له توكلنا على الله ،

مشينا ما يقارب ثلاثمائة وخمسين كيلو متر في شمس حارقة وبسيارة غير مكيفة ولمدة ثلاث ساعات ونصف وإذا بأخينا بدوي جاهل ابتدأ حديثه بتمجيد نفسه وبما قام به حسب زعمه من معالجة شخصيات معروفة ومسئولين كبار في شتى بقاع الأرض وأخيرا طلب مني ألف ريال قبل كل شيء ثم سألني عن اسمي واسم زوجتي واسم أمّي واسم أمّها فعرفت على الفور بأنه مشعوذ ! قلت له إذا لم يكن لديك علاج غير هذا فاعد إلي فلوسي ولا داعي لكثرة الكلام ! قال : اترك لي عنوانك وعد إلى عمان وسوف آتيك بالعلاج يوم الخميس ! من الطبيعي أني كنت على يقين من عدم مجيئه لكني كنت أيضا على يقين أكبر من أني لست بقادر على استعادة شيء مما دفعته له فالوضع غير مطمئن ونحن بين بدو وفي مقطعة وملامح الرجل تدل على الشرّ فآثرت السلامة وعدت أدراجي إلى عمّان أجر أذيال الخيبة والهزيمة والقهر !

الفصل السادس :

في طريق عودتنا إلى عمان مرّ بنا الطريق من بطن سهل فسيح بمحاذاة البحر الميت تنتشر على ضفته قرى متشابكة وخط الإسفلت يتوسط السهل ، كان الجو حاراً جداً والساعة تقترب من الثانية بعد الظهر وفي وسط الطريق فوجئت وأنا أقود السيارة برجل ممدد على ظهره فوق الإسفلت يرتدي بنطالا من الجينز وقد نزع قميصه من على جسده وهو يتلوى من شدة الحرّ وبالقرب منه قنينة ملقاة على الأرض ووضعه يستدعي الشفقة ، هدأت من سرعة السيارة حتى كدت أن أوقفها ظناً مني أنه مدهوساً ويحتاج إلى من يسعفه وإذا بأبي سعيد يصرخ في وجهي قائلا : ولك يا زلمه شو بدّك تفعل ؟! قلت الرجل يحتاج لمن يسعفه ! قال : ولك هاظ منازل قوم لوط ، ولك والله بيشلحوك ! هاظ يا زلمه سكران و بيدور عا واحد يفتري فيه روح، روح ! الله يرضى عليك .

حمدت الله على السلامة وقلت في نفسي سلمنا من المشعوذ وكدنا نذهب ضحية المخمور! وأين ؟! في مراتع قوم لوط ! أأترك مكة شرّفها الله وآتي للموت هنا وفي هذه البقعة بالذات من الأرض؟! هذا يوم نحس والعياذ بالله !.

ضحى يوم الخميس تلقيت اتصالا من كابينة هاتف من عمّان وفوجئت بالبدوي على الطرف الآخر من الخط يقول جئت لك بالدواء وأنا أقف في شارع كذا بجوار كذا فابعث لي أبا سعيد يأخذه ! اتصلت بأبي سعيد وقلت له إذهب إليه وأتني به ( أي بالشخص نفسه وليس بالدواء ) كنت طوال الوقت وأنا أقف مطلاّ من النافذة على أحر من الجمر انتظر قدومه واخطط لكيفية استرداد حقي منه !
بمجرد دخوله لاحظت عليه الارتباك فقلت في نفسي : حانت الفرصة لرد الصاع صاعين ، جلس الرجل فمد لي بقارورتين مقفلتين ومختّمتين بغطاء من البلاستيك اللاصق وقد كتب عليهما محلات كذا للعطارة ومحتوياتهما حسبما هو مدون على غلافيهما الخارجيين عسل أصليّ مضاف إليه غذاء ملكات النحل ! الواضح أنه للتو اشتراهما من السوق وجاء بهما إليّ ليبرر موقفه ! قبل أن أتفوه بكلمة واحدة أخرج من جيبه تعويذة أو تميمة وقال خلّي المدام تعلقها في رقبتها ! كتمت غيضي وقلت لنفسي خلّ غضبك هذه المرّة لله فأنت المسيطر هنا !

انفجرت في وجهه فجأة وصرخت بأعلى صوتي قائلا : أخرج من هنا ، أخرج من هنا ! يقول الرسول صلى الله عليه وسلّم من تعلق تميمة فلا أتمّ الله له ! من تعلق تميمة فلا أتم الله له ! من تعلق تميمة فلا أتم الله له ! قام المذكور مذعورا وقبل أن يخرج من الباب صحت به ، تعال ، بكم اشتريت الدواء ؟ قال بكذا . قلت له : هذا حقك وخذ معك دواءك ولا أريد أن أراك بعد الآن . خرج الرجل ينشد السلامة غير مستوعب لما جرى بينما تسمّر أبو سعيد في مقعده ، عدت بعد خروجه إلى النافذة استطلع حالته فإذا به في وضع لا يحسد عليه يجري باتجاه الشارع العام ويتلفت خلفه ثم يركب أول تاكسي مرّ به ويختفي عن الأنظار ، كاد المريب أن يقول خذوني !

ذهبنا عصر اليوم نفسه للنزهة في ضواحي عمان في حمامات عيون الماء الحارة ونحن في الطريق فاتحتني أم عبد الله في موضوع زيارة عجوز ارْبِد ويبدو أن امرأة أخي الرجل الذي تعشينا عنده قد أقنعتها بالذهاب إليها ، وبعد أخذٍ ورَدٍّ طويلين قالت ( يضع سرّه في أضعف خلقه ) خلينا نجرب ما بتخسر شيء ! قلت لا، ما باخسر إلا ألف ريال ! وأخيرا تعللت بعدم معرفة العنوان ، قالت : أنا اكلم زوجة الرجل وأحضر لك عنوانها .

مارست النساء سلوتهن في تبادل أحاديث المساء وإذا بالرجل يتصل بي في العاشرة مساء مقترحا علىّ زيارة تلك العجوز ضحى اليوم التالي ( الجمعة ) يوم إجازته ( خريج إحدى الجامعات الأمريكية وفاتح ـ ورشة سمكرة سيارات ـ تخيلوا )!!

جاء بسيارته ومعه زوجه واصطحبت أنا أم عبد الله في سيارتي وتحركنا باتجاه محافظة اربد ، صلينا الجمعة في مسجد على الطريق ودخلنا فناء البيت المقصود وقد حان للتو وقت صلاة العصر .

البيت بيت شعبي لا يختلف عن بيوتنا في منطقة الباحة وفي فنائه شجيرات معمّرات من اللوز والزيتون ربط في إحداهنّ بقرة وفي الأخرى عجل ويتردد بينهما عجوز في السبعين من عمرها تعلف هذا مرة وتنقل وعاء العلف للآخر مرة أخرى .

ظننت في بداية الأمر أنها هي المقصودة وبعد أن ألقى عليها مرافقي التحية سألْتُه : أهذه هي ؟! قال لا هذه ابنتها، والعجوز المقصودة أمها ! ثم وجه كلامه إليها قائلا : أم فايز موجودة ؟ قالت : نعم تصلي العصر ! تفاءلت بمجرد سماع قولها لكن اعتلت بدني قشعريرة لا أعرف لها سببا سوى تذكر عظمة الله الذي لم تغفل عن ذكره تلك العجوز في تلك الخلوة وفي تلك البقعة النائية من هذا الكون الفسيح !

دخلت الغرفة وإذا بمسنّة في التسعين من عمرها تبدو كوردة بيضاء رغم التجاعيد التي حفر الزمن ممراتها وتضاريسها على تقاسيم وجهها الصبوح ثمّ ألقيت عليها السلام بعد أن تأمّلتها ! قامت بطيّ سجادة متهالكة من تحتها انطبعت عليها أماكن أعضاء السجود السبعة من كثرة الاستخدام وألقت بجسمها النحيل على فراش لها لا يزيد سمكه عن ثلاثة سنتيمترات ثم استقبلتني بوجهها وظهرها مسند إلى الحائط وردّت عليّ السلام .

شرحت لها حالتي وأم عبد الله إلى جواري ففاجأتني بطلب غريب عجيب ألا وهو ضرورة إجراء تحليل طبي في مركز معترف به في عمّان يوضح به النسب المئوية للإنجاب ...وعدد ... وحركة ...... الخ ومن ثم عرضه عليها ! .. لا ... وقبل ذلك امتناع عن المعاشرة الزوجية لمدة أربعة أيام ! أشياء علمية بحتة تتحدث عنها وفوق ذلك مدونة بلغة لاتينية وأنا لا يخامرني الشك وقتها وحتى الآن في أن من كان في مثل سنها غير ملم باللغة العربية قراءة وكتابة فكيف بما سواها ؟!

حدّقت فيها وقلت : أنا مسافر ولا يمكنني البقاء في الأردن كل هذه المدة فإن كان لديك علاج فبها ونعمة وإلا ... ! أشارت بيدها إلى أكياس بلاستيكية مكوّمة في ركن الغرفة معبأة بنوعين من السوائل أحدهما بلون التوت والآخر يغلب عليه لون الماء وقالت خذ واحداّ من هذا وواحداً من ذاك ثم ناولتني كيسين من زنبيل بجوارها بكل منهما مسحوق يختلف لونه عن الآخر وقالت هذا لك وهذا لزوجتك تستخدمانه بعد شرب كأس صغير من تلكما السوائل لمدة شهرين ومحددة لنا الوقت الذي يستخدم كل منا علاجه فيه ثم أوصتني بحفظ الدواء في مكان بارد حتى لا يتعرض للتلف وحذرتني من مخالفة تعليماتها وقالت وهي تشير بإصبعها إلى أم عبد الله هذه من ذمتي في ذمتك لو قمت بمخالفة تعليماتي فلن تحمل هذه المسكينة أبداً !

أدخلت يدي إلي جيبي مستعدا بالألف كالعادة ثم سألتها كم حقك يا والدة ؟ قالت : ستة دنانير ونصف !! أي ما يعادل ثلاثة وثلاثين ريالا سعودياً ! ألجمني طلبها عن الحديث برهة من الزمن ...ثم تداركت نفسي ومددت لهه بعشرة دنانير قائلا لها ليس لدي إلا هذه فقالت : حقي ستة دنانير ونصف ! قلت : ليس عندي من العملة الأردنية أصغر منها ! تناولتها عندئذ مني ثم أدخلت يدها الأخرى تحت فراشها وأخرجت لي ثلاثة دنانير ونصف وسلّمتها إليّ وقالت : يا وليدي هدفي ليس الربح، أنا أبحث عن نسمة توحد الله ! هذا الدواء مجمع من نباتات في الرّمثاء يقوم طلاب الجامعة بجلبها لي بناء على طلبي وأعطيهم مقابل تعبهم ولولا ذلك لما أخذت من أحد شيئاً.

أخذت منها الدواء وخرجت من عندها مشدوهاً ولدّي إحساس بأنها مستجابة الدّعوة ! عدت أدراجي إليها بعد أن أودعت تلك الأكياس سيارتي وقلت لها اسألي الله لي ذريّة طيبة في آخر ساعة من هذا اليوم الفضيل ، يوم الجمعة !.

رجعت إلى عمّان وبقيت بها حتى وصلني المندوب من المملكة ومعه العسل ثم عدت إلى عجوزتنا الأولى ( صاحبة الألف ريال ) فمزجته بمساحيق لديها وأعادته إليّ بعد أربع وعشرين ساعة طالبة مني استخدامه على الريق حتى ينتهي !

قضيت شهرا من إجازتي متنقلا بين سوريا وتركيا ولبنان وعلاجاتي تركتها في ثلاجة استأجرت من أجلها شقة في الزبداني بثلاثة آلاف ريال تنقطع عنها الكهرباء أكثر مما تصل وفي النهاية وعن طريق مطار دمشق قررت العودة إلى المملكة !

 

 
























التوقيع