عرض مشاركة واحدة
قديم 01-09-2013, 05:56 AM   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية العضو











محمد عجير غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 

{ رحلةُ بحثٍ عن قُرّة عين }

الفصل الأول

تملكني حب الأطفال منذ صغري وعندما كنت في الصف السادس الابتدائي عام 1386هـ في مدرسة وادي العلي الابتدائية كان من بين مدرسينا معلم أردني يدعى ياسر وهي المرة الأولى التي اسمع فيها بهذا الاسم وكنت معجبا بذلك المدرس أيما إعجاب فهو إلى جانب كونه متمكنا من جميع المواد التي كان يدرسها لنا وهي بالمناسبة ( الرياضيات والاجتماعيات والعربي ) أي أنه لم يكن يغادر الفصل إلا في حصتي الفنية والدِّين كان محبوبا من سائر الطلاب وكان يجيد لعبة كرة القدم بشكل مذهل ولذا أثرّت فيّ شخصيته فأضمرت في نفسي أن أسمي ولدي باسمه في حال كتب الله لي الزواج والإنجاب ،



في الصف الأول المتوسط جاءتني أخت شقيقة تعلقت بها أشد التعلق بعدها رزق شقيقي علي بابن سماه عبد الله ( أبي ناهل ) ثم بابن آخر سُمّي بإسمي بعد رفض شديد وعلى مضض فسرق الحب كله لكنّه بعد سنتين أو أكثر قليلا من ولادته انتقل مع والده إلى مدينة جدة ومات بها فترك في نفسي فراغا كبيرا، وشاء الله أن يكون في القرية طفل في مثل سنِّه وشبيه له في الخلقة كثيرا وكثيرا جداً يتردد مع والده على المسجد بصفة دائمة ويدعى أحمد فأحببت ذلكم الطفل إلى درجة أن والدي رحمه الله انتقدني من كثرة ما كنت أُسلّم عليه وأُلاطفه فقال ( اشبك يا ولد فوق بزورة الناس تلجّغهم وتعضضهم ، واش بيقلون عنك اهاليهم ؟! ) أتدرون من هو ذلك الطفل ؟ إنه أحمد بن فيصل ! أطال الله عمره وأصلح عمله .



في 22/8/1398هـ كتب الله لي الزواج من أسرة عريقة ميسورة الحال في مدينة جدة ومرت سنوات خمس بعد الزواج لم ارزق خلالها بذرّية ، ولأني كنت مغرما بالأطفال حد الجنون فقد كان بيتي لا يكاد يخلو من طفل من أبناء أخوات زوجتي ثم أخيراً شقيقها الذي تربى في منزلي بعد أن فقد والده وعمره سنتان وكان يناديني بأبويا التّاني ( بالتاء وليس بالثاء) .


بعد أن أخذت منّي ذلك الطفل أمه بالقوة تحركت عندي غريزة الأبوة فبدأت مرحلة البحث عن طفل من صلبي يغير من رتابة الحياة ويحمل اسمي من بعدي وكانت نقطة البدء من مكة حيث دلّني زميل لي عانى من نفس المشكلة على عجوز بدوية أميّة في شارع الحج لقي على يدها مراده بعد توفيق الله فذهبت إليها بعد شروق شمس أحد الأيام امتثالا لتوصية منه وكان قد سبق موعد تلك الزيارة بأسابيع ثلاثة تقريبا هطول أمطار غزيرة على مكة نبت معها الكلأ والعشب على سفوح الجبال فوجدتها تحش الكلأ من سفح جبل قريب من مقر إقامتها لشياه لها حجزتها في زريبة لها جوار باب المنزل وبعد أن زودتني وزوجتي بتعليماتها قلتُ لها بأنه لا يجوز لك حش الكلأ في حدود الحرم فتجهم وجهها وظننت أنه لولا الحياء لهاجمتني ووقع مالا تحمد عقباه فحمدت الله على السلامة وعقدت العزم على عدم العودة إليها مرة أخرى .



في أوائل عام 1403هـ سافر أخو زوجتي الأكبر إلى كندا لتحضير الماجستير في الطب وبعد عدة أشهر لحقت به أنا وأخته لعمل الفحوصات التي تقطع الشك باليقين وبعد أن أجرينا ما يلزم على يد أحد أكبر الاستشاريين قال لي بالحرف الواحد :


You believe in Allah, Mohammad.


Sure : I said.


He said : There is no clear reason for not having children, you have to wait for Allah willing. .


أنت تؤمن بالله يا محمد !

قلت : نعم

قال : ليس هناك سبب واضح ( لعدم الإنجاب ) ، يجب أن تنتظر مشيئة الله .



حزمت حقائبي وعدت إلى المملكة وأنا يحدوني الأمل في أن أسمع كلمة ( بابا ) كما يسمعها الآخرون من أبنائهم ، ومرت السنون ولم تأت مشيئة الله بشيء ، ولأن رئيسي في العمل كان يعلم أنه ليس عندي أطفال فقد كان يناديني إذا كان راضياً عني ( بأبي مقبل ) أي الذي لم يأت بعد ( وقليلا ما فعل ) ولم يكن يدر بخلده أنه كان بذلك يؤذيني أكثر مما كان يسعدني ،

كثرت بعد ذلك النصائح داخل العمل وخارجه فمنهم من يلمح ومنهم من يصرّح بضرورة تغيير عتبة الباب فكنت أضع في إحدى أذني طينا وفي الأخرى عجينا ،



خلال السنوات الثلاث التي تلت سفرتي إلى كندا لم تدع زوجتي ممرخةً ولا معالجةً بالطب الشعبي سمعت عنها إلا وأتتها حتى تخوفت ( أنا وليس هي ) من طفل يأتي تفوح منه رائحة الحُلْبَةِ أو ما شابهها من النباتات والأعشاب التي كثيرا ما تدخل في تركيبة تلك الوصفات والخلطات التي كانت تستخدمها والتي اعتقد أنها لو استمرت عليها فترة أطول فلربّما تسببت لها في نهاية المطاف بفشل كلوي .



في نهاية عام 1406هـ ذهبت إلى بريطانيا في دورة للغة الانجليزية لمدة سنة وكانت فرصة مواتية لإعادة إجراء الفحوصات إلا أنها لم تأت بجديد عما كانت عليه في كندا غير أن الطبيب الذي كان يشرف على تلك الفحوصات وكان طبيب نساء وولادة مشهوراً في المدينة التي كنت ادرس بها قال عندما جئت اطلب منه تقريراً نهائيا عن حالتي وأهلي قبل العودة إلى المملكة لو كنت مكانك ولم أنجب خلال سنة من الآن للجأت إلى تقنية جديدة لا أعلم هل وصلت إليكم في المملكة أم لا ؟ ألا وهي أطفال الأنابيب .



أخذت بنصيحته وبعد سنة من عودتي إلى المملكة جرّبت تلك التقنية خمس مرات ( كل ستة أشهر مرة ) سبقها علاج لي لمدة تسعة أشهر بالكرتيزون ( شديد الخطورة ) في مستشفى خاص لم يكن يجر تلك العمليات غيره في ذلك الوقت وعلى يد طبيب أمريكي مسيحيّ من أصول أفريقية أخبرني عند بدء العلاج بأن نسبة نجاح العملية لا تتعدى 30% فقط وكل واحدة من تلك العمليات كانت تكلف الشيء الكثير فإلى جانب المال، تتطلب جهداً جهيداً وتعباً مريراً وتعاطي حقن لا حصر لها ونزولا من مكة وعودة إليها عشرات المرات ومن ثم تنويماً داخل المستشفى لمدة ثلاثة أيام يعقبه ترقب وأمل لأسبوعين كاملين وأخيرا....! تكون النتيجة كسرة خاطر لا يخطر لأحد على بال مدى عُنْفَها، وللحق فإنها كانت تؤثر فيّ بنفس القدر الذي كانت تؤثر فيه في أم عبد الله أو أكثر لكنني كنت أتظاهر أمامها بعدم المبالاة وأقول لها لعل الله يريد بنا خيرا مراعاة لشعورها ورحمة بها من النحيب الذي كنت متوقعاً أن يفتك بها في أيّ لحظة .


بعد تلك العمليات الخمس أُصبت بإحباط ويأس شديدين فقررت معها عدم تكرار التجربة مرة أخرى رأفة بزوجتي من الحقن المنشطة لهرمونات المبايض والتي كانت تعطى لها بغير حساب وعلمنا فيما بعد أنها قد تأتي بالسرطان لكنني ضعفت أمام إلحاحها وأعدت الكرة في نفس المستشفى مرّة أخرى على يد طبيب سوداني هذه المرّة توسمت فيه خيراً كونه كان مسلما .


لفت نظري بعد أن أجرى الطبيب المذكور العملية وأوشكنا على المغادرة قوله : إذا صادف ونزل شيء من المدام بعد أسبوعين فضعوه في قارورة بها قليل من الماء وأتوني به ، ففعلنا مثل ما أمرنا وجئنا له بعد انقضاء المدة بقطعة لحم في حجم الإبهام قالت لنا مُسِنّة مجرّبَةٌ بعد أن شاهدتها إنها لجنين لم يكتمل خلقه، وبعد أن أريناه إياها أعطاها لممرضة عنده وقال ضعيها في الثلاجة لفحصها ثم وجه كلامه إلينا قائلا : لقد نجحت العملية ولكن للأسف سقط الجنين كما ترون !


قلت : وما هي نصيحتك يا دكتور؟


قال : زوجتك تعاني من تشوه خلقي في أصابع اليد المكلفة بالتقاط البويضة من المبيض ووضعها في قناة فالوب ولابد من إجراء عملية جراحية لتعديلها وإلا فلا مجال للحمل أبدا ثم جلب صورة توضيحية ملونة كانت معلقة لديه على حائط العيادة وقام يشرح لنا عليها أهميّة عمل تلك الأصابع وكيف أنها معطّلة عند زوجتي ولا تؤدي عملها على الوجه المطلوب .

قلت له : لكنني أجريت فحوصات وأشعة ملونة في كندا وفي بريطانيا ولم يقل لي أحد مثل هذا الكلام .

قال : ربما حدث الأمر بعد أن عدتم من هناك .


أصابتني بلاهة من هول الموقف فلم يدر بخلدي أن أواجهه بتناقض كلامه، فكيف يكون عيبا خلقيًّا وكيف يمكن أن يحدث بعد خمسة وعشرون عاماً من الولادة ؟! فالعيب الخلقي يخلق مع ألإنسان ولا يأتي بعد ولادته ! لكنها البلادة والبلاهة .


قلت له متسائلا : وكم تكلف العملية ؟


قال : ثلاثون ألفاً .


قلت : خيراً ، نفكر في الموضوع ونعود إليك .



داهمتني الهموم بعد تركي للعيادة وبعد أن ركبنا السيارة شاورت زوجتي في الأمر فلم ترد عليّ وعندما التفت إليها وجدتها غارقة في دموعها ولمّا أدركَتْ أني كشفتُ سرّ سكوتها أعلنتها مدوّية، طلقني طالما العيب مني وابحث عن زوجة تأتيك بما تبتغيه ، ثم انفجرت بالبكاء .



حاولت تهدئتها وامتصاص ردة فعلها فقلت سأجري لك العملية التي قال لنا عليها الدكتور في الوقت الذي ترغبين فيه لكنها كانت متوترة جدا وأصرّت على الطلاق إلى أن تدخل العقلاء من أهلها وأقنعوها بالتزام الهدوء .



تركت موضوع ألبحث عن الذريّة جانباً وانشغلت بعملي وعمارتي التي بدأ العمل فيها مؤخرا لكنّ أم عبد الله لم تتركن وحالي بل إنها كانت تلحُّ وبقوة على ضرورة السفر إلى خارج المملكة للتأكد من صحة ما ذكره ذلك الدكتور وعلى حسابها الخاص ( من مردود إيجار أرض تركها لها والدها رحمه الله ) أو أن أطلقها وبذلك تترك لي حرية البحث عن زوجة ودود ولود ! فكنت أقول لها ( لأنفك من شرّها ) سنسافر بإذن الله إلى الدولة التي ترغبين ولكن في الوقت المناسب وعندما يوافق مرجعي على منحي إجازة خارجية .



كان شهر الحج من عام 1413هـ قد دخل وكنا مرابطين داخل الإدارة ولا يسمح لأحد بالخروج إلا بإذن رسمي ولأمر مهمّ وفجأة جاءني خبر وفاة والدة الأخ سعيد بن محمد غرامة في منطقة الباحة فاستأذنت من مرجعي لأداء سنة العزاء وكان لابد لي من رفيق فعرضت الأمر على وكيل رقيب شيخيّ كان يعمل معي فوافق على الفور وتحركنا من مكة بعد صلاة العصر ....



الفصل الثاني


قبل أن أتحدث عما صادفنا في طريق عودتنا من الباحة إلى مكة يجب أن أوضح أن زميلي هذا كان قد تزوج قبل رحلتنا تلك من ثلاث نساء أنجب منهن سبع بنات ولم يرزق منهن بولد وقد طلّق اثنتين منهن ولم يبق في ذمته سوى الثالثة وكانت أيامها حاملا في شهرها الأخير وعلى وشك الولادة وقد قادنا الحديث ونحن في بداية المشوار إلى ظروف زوجته الصحية وماذا لو جاءها المخاض وهو بعيد عنها ؟ ومن سيتولى نقلها إلى المستشفى .....وما إلى ذلك....؟


ثم سألته : هل عرفتم جنس الجنين ؟!

قال : لا،

قلت : وأين تراجع بزوجتك؟

قال : في المستوصف الحكومي حق الحارة .

قلت : متى آخر مرة راجعتهم بها؟

قال : والله ما اذكر.

قلت : الم تراجع مستشفى الولادة ؟

قال : إلاّ، في أول شهرين من الحمل عشان كان عند المدام مشكلة بسيطة والحمد لله انتهت، المهم فهمت من خلال حديثه أنه لم يكشف عن جنس جنين قط ربما لاعتبارات دينية أو مادية أو .... أو .... لا أدري .



في طريق العودة كنت أتولى قيادة السيارة وكانت من نوع كابرس المشهورة عند العامة بـ ( الصابونة ) موديل ذلك العام ، ولما وصلنا مفرق بيشة في حوالي الساعة التاسعة مساء لاحظنا رجلا على يمين الخط متوقفاً بسيارته ومترجلا عنها وهي من نوع كابرس موديل قديم 78 على ما اعتقد ويؤشر للسيارات المارة طالبا منها التوقف،( الخط كان حينها مفردا وهو يقف على رأس كوبري صغير أو عبّارة على ما أظن )



تعديته ولم اُعرْه أي اهتمام في البداية فالوقت ليل، ولا تدري ماذا في جعبة الرجل ! وأنا مستعجل ـ الموسم موسم حج وكنت حينها اعمل رئيسا لشعبة التحقيق ومن المؤكد أن هناك الكثير من القضايا تنتظرني ، هذا فضلا عن أن فترة استئذاني محدودة لا استطيع تجاوزها، لكن بعد أن تجاوزته أخبرني صاحبي بأنه لاحظ بداخل السيارة امرأةً تحمل بين يديها طفلا رضيعا واقترح عليّ العودة لمساعدة الرجل، ( كانت وسيلة الاتصال اللاسلكي الوحيدة المتاحة في ذلك الوقت هي ـ البيجر ـ ولم تكن تُغطّي كافة المناطق ) كنت مسرعا ولذا لم استطع كبح جماح السيارة إلا بعد أن تعديته بنصف كيلو متر تقريبا ثم عدت إليه وهو يراقب الموقف بكل تفاصيله، أوقفت سيارتي في الخط المعاكس المتجه إلى الباحة على بعد ثلاثين مترا منه وترجلت منها وبقيت ملاصقا لها حتى لا يظن بي سوءاً ثم رفعت صوتي قائلا : أنا فلان بن فلان ، رتبتي كذا ( مقدم وقتها )، وأعمل في الجهة الفلانيّة فهل تريد مساعدة ؟



اقترب الرجل مني بعد أن سمع ما سمع وإذا به يرتعد بشكل لم أر له مثيلا من قبل، مرّ علي خائفون كثر في حياتي سواء في تحقيق أو في غيره لكن مثل ذلك الخوف لم أشهده ولا شهدت قريبا منه حتى يومنا هذا ، الرجل من شدة رعبه لم يكن قادراّ حتى على الكلام !



قلت : له ما بك ؟ خيرا إن شاء الله !

قال ( بعد أن استرد أنفاسه قليلا وأصبح في مقدوره النطق بكلام افهمه ) : بنشر عليّ الكفر والاستبنة كمان مبنشرة .


هدّأت من روعه وقلت : لا تخف، عليك وعلى أهلك أمان الله، لن نتركك بإذن الله حتى نحل مشكلتك ،


هدأ الرجل قليلا وقال : على بعد خمسة كيلو من هنا بنشر خذوا الكفر وصلّحوه .


قلت له : ايش رأيك نركب لك استبنة سيارتي وتمشي وراءنا إلى أن نصل البنشر


قال : أظنّه ما يركب، الجَنْط مختلف !


قلت : نجرّب .


فكيّنا الكفر وحاولنا تركيب كفر سيارتي مكانه فاتضح لنا عدم إمكانية ذلك ولذا لم يعد أمامنا سوى أخذ إحدى كفراته المعطوبة إلى أقرب بنشر، وبعد أن وضعنا عجلة سيارته في شنطة سيارتي سألته قبل أن أتحرّك :


هل عندك سلاح ؟


قال : لا


عندها قمت بإخراج مسدس صغير ( ربع ) من درج سيارتي ثم سلمته إياه مع مخزن له معبأ بالطلقات ( كان المخزن خارج المسدس ) وذهبنا للبحث عن أقرب بنشر فوجدناه على بعد خمسة عشر كيلومتر من الموقع وليس خمسة كيلومترات كما ذكر لنا آنفاً !





وجدنا المحلّ مقفلا لدخول وقت صلاة العشاء وهو يقع إلى جوار مسجد صغير شبه مهجور على رأس تبة صغيرة في بداية ألجبوب، توضأت وزميلي من قارورة ماء صحّة كانت بداخل السيارة ودخلنا لأداء الصلاة ، المسجد شبه مهجور كما قلت ولذا لم نجد فيه أحداً ولم يدخله بعد أن دخلنا إليه أحد .



بعد أن أدينا الصلاة وقبل أن نقوم من مقامنا قلت لرفيقي اسمع يا أخي سأدعو الله فأمّن على دعائي ثم رفعت يديّ وتوجهت بنية المضطرّ الصادق إلى من يسمع مناجاتنا ولا يخفى عليه مكاننا وقلت ( اللهم إني لا اذكر لي عملا صالحاّ أتوسل به إليك أفضل مما أسديته لهذا الرجل وزوجته وطفله هذه الليلة فا للهم إن كنت تعلم أن دافعي ورفيقي لما قمنا به هو ابتغاء ما عندك فا للهم اكتب لأخي أحمد ألشيخي في حمل زوجته الحالي طفلا ذكرا وهب لي من لدنك ذرية طيبة صالحة ) و والله ما زدت على هذا أو نحوه شيئا، غادرنا بعدها المسجد وقمنا بإصلاح الكفر المعطوب ولمّا اقتربنا من صاحبنا وإذا بجيب دورية يقف خلف سيارته بداخله رجل بلباس مدني واضعا لُثْمَةً على وجهه لم أتبين معها ملامحه بينما صاحبنا يتكلم مع عسكري مهرقل بجوار الكابرس و ( مهرقل ) تعني أن هندامه الخارجي ليس مرتباً فبدا لنا ( كاشف ألرأس، قميص بدلته مسدل من على البنطلون، يلبس في رجليه زنّوبة ، مشمّر عن ذراعيه ، وشعر رأسه أشعث أغبر أكاد اجزم انه لم يمس الماء منذ أشهر ) وبمجرد أن أوقفت سيارتي حدّقت فيه فإذا لون وجهه يتغير ويزداد ظُلمة على ظلمته ثم سمعت صاحبنا يقول له : خلاص، خلاص، أخوياي جو، أخوياي جو ! وقبل أن أوقف محرّك السيارة ركب المذكور سيارته وانطلق بها سالكاً طريق بيشة دون أن يعطيني فرصة للتحدث معه فضلا عن أفحص هويته للتأكد من اسمه أو بياناته الشخصية.



سألت صاحبنا : هل قالوا لك شيئا ؟ أو طلبوا منك شيئاً ؟

قال : لا


قلت في نفسي والله إنّ وضعهما لمريب وشكلهما أكثر ريبةً ولعل عودتنا جاءت في الوقت المناسب قبل أن ينفذا ما زين لهما الشيطان فعله لكن طالما أن صاحب الشأن لم يتهمهما بشي فليس لنا إلا ما أورده .




أنهينا إصلاح العطل وقلت لأخينا تمشي أمامنا أو نمشي أمامك ؟ قال لا أمشوا أنتم أمامي حتى نصل إلى البنشر ثم واصلوا سفركم والله معكم ،( يظهر أنه لا يزال خائفا ولذا طلب منا السير أمامه وليس خلفه خوفا من المسدس ) أعطاني مسدسي والسعفة ( المخزن ) كما سلمتهما له من قبل ومشينا أمامه حتى شارفنا على محل البنشر فأشار لنا بيده متشكرا وطالبا منا مواصلة السير فلم نقف إلا داخل فناء الإدارة بمكة .



دخلت مكتبي منهكا في حوالي الحادية عشرة مساء وجلست على الكرسي خلف الماصة ثم فتحت الدُّرج ووضعت به مسدسي مع سعفته واستدرت باتجاه النافذة ورفعت رجليّ على السكرتارية الواقعة على يساري لأخذ قسطاً من الرّاحة، فجأة دخل علي أحد الضباط برتبة ملازم أول يتدفق حيويّة ونشاطا ( كان يمارس المصارعة الرومانية طوال فترة دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية ) وبعد أن أدى التحية العسكرية واقفا أمام الماصة قال : عندي مداهمة في شارع كذا وكنت منتظرا عودتك لأخذ توجيهاتك ،


ناقشته في بعض التفصيلات ثم سألته : من معك من الأفراد؟


قال : معي فلان و فلان و فلان ،


قلت له : توكل على الله ، وبعد أن استدار، استدعيته وسألته هل معك مسدساً ؟


جاء ووقف مكانه الأول قال : لا


أخرجت مسدسي من الدرج قائلا له خذ هذا ووجهته إلى وجهه واضعا فوهة السبطانة بين عينيه وسبابتي على الزناد ولم يؤخر ضغطي عليه والذي رفع السماء بلا عمد إلا الله سبحانه وتعالى وإلا فإني كنت عاقدا العزم على ذلك ثقة مني بأنه فارغٌ !



انقض الرجل في جزء من الثانية وأمسك بيدي بجرأة لم أعدها منه معي من قبل ولفّ معصمي في الاتجاه المعاكس وقال : يا أخي لا تمزح بالسلاح ، لا تمزح بالسلاح ! ثم انتزعه من يدي .


قلت له : فاضي يا أخي فاضي ، شوف السعفة برّا في الدرج .


قال : وإن يكن ، وإن يكن ، وفي لمح البصر وضع المسدس على راحة يده أليسري ثم سحب الأجزاء المتحركة بيمينه وإذا بحجرة إطلاق النار تقذف برصاصة حيّة على ماصتي تتدحرج حتى استقرت على الأرض .


قال : الم أقل لك لا تمزح بالسلاح ؟؟!!!!! أخذ المسدس وألقى التحية ثم أعطاني ظهره وخرج .



تابعته مشدوها فاغر ألفاه إلى أن توارى من الممر الواقع أمام باب المكتب ثم لاحقته بنظري من النافذة حتى ركب ومن معه سيارة المهمات وخرجوا من بوابة الإدارة الرسمية، بعدها شعرت بأن قواي قد خارت وقدماي لم تعد قادرتان على حملي فألقيت بنفسي على أقرب كنبة مني جوار النافذة .





أصابني هول الموقف بوجوم وذعر، برهبة وقشعريرة وتخيلت منظره وهو مضرّّج بدمائه على أرض مكتب رسمي داخل إدارة حكومية ! من ذا الذي سيصدقني لو قتلته أن الأمر كان مزاحاً ! من ذا الذي سيتولى التحقيق معي ؟ ومتى ؟ وأين ؟ وهل سيتم توقيفي داخل الإدارة أم في السجن العام ؟ ماذا أقول لوالديّ وأهل بيتي وجماعتي؟! وماذا سيقوله عني الشامتون والمتربصون ؟ من سيدفع الدية ومن يقدر على صيام شهرين متتابعين ؟! ثم هل سأمكّن بعد ذلك من العودة إلى عملي ؟ أم لا ؟ ماذا لو لم يقتنع القاضي بأنني قتلته خطأً ؟ وماذا ...؟ وماذا ... وماذا ....؟!


أسئلة بعدد نجوم السماء تواردت على ذهني يهزّه كل منها هزاً عنيفا دون شفقة أو رحمة بل إن كلاً منها يسخر من سابقه ! صدمةٌ وأيّ صدمة ؟! حيرة وأيّ حيرة ؟! شرود ذهني لم اعد قادرا على لمّ شتاته وبصريح العبارة أصابتني حالة من التوهان والهذيان لم استفق منها إلا بعودة ذلك الضابط مكللا بالنجاح من مهمته، ماثلا أمامي حيا يرزق ومعيدا إليّ أداة الجريمة المفترضة قبل أن ينبلج صبح تلك الليلة المشؤمة بدقائق ودونما طعام أو شراب أو نوم منذ عصر اليوم السابق .




الفصل الثالث



هدوء يسبق العاصفة


قول عربي مشهور يتردد كثيرا على الألسنة ، يقابله مثلٌ آخر انجليزي يقول ( After a storm comes a calm) بعد العاصفة يأتي الهدوء وكلاهما صحيح من حيث المعنى ، لكن الأخير هو الذي جاء متوافقا مع حالتي فبعد العاصفة التي عصفت بي ليلة الحادثة جاء الهدوء لأبدأ في استعادة شريط الأحداث سعيا لربط بعضها ببعض في محاولة لتذكر متى وكيف تركت طلقة حيّة في مسدسي ؟ وأين تم ذلك ؟ ولماذا ؟ فتيقنت بعد أن ذكّرني رفيقي في الرحلة أحمد ألشيخي أنني سحبت أجزاءه المتحركة في فناء الإدارة قبل أن اركب السيارة متوجها إلى الباحة وأنه كان حينها فارغا ! إذن فهذا يعني أن الشخص الذي تركته لديه هو الذي أعاد شحنه ربما عندما ارتاب في نوايا صاحبيّ سيارة الدورية التي توقفت عنده، وفي حال أعاده إليّ لم يخبرن بذلك، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمّي عندما قال ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء ).

ذات يوم قبيل نهاية شهر الحج من العام نفسه تلقيت اتصالا هاتفيا على مكتبي في حدود الساعة الثامنة والنصف صباحا من رفيقي في رحلة الباحة مفاده أنه رزق بعد منتصف الليلة السابقة بولد ذكر، حمدت الله على ذلك وباركت له فيما أعطاه الله وقلت له لعل الله قد استجاب دعائي فيما رزقك ورجائي فيه وحده أن يكمل فضله فيما بقي ،



لا أخفيكم سِرّاً أن ذلك قد بعث فيّ الأمل من جديد ولذا قررت عرض حالتي على استشاريّ مصريّ زائر جاء إلى مكة لمدة عشرة أيام بطلب من أحد المستوصفات الخاصة فأعطاني دواء طلب مني استخدامه لمدة ثلاثة أشهر فكانت المفاجأة بعد انقضاء المدة أن فرصة التلقيح قد انخفضت عندي من 60% إلى مادون ألـ 20% فأُسقط في يديّ وانهرت في عيادة دكتور الأمراض الجلدية والتناسلية الذي عرضت عليه النتائج في نفس المستوصف فخفف عنيّ من هول الصدمة وقال لي لا عليك سأجري لك عملية لاستئصال الدواليّ في المستشفى الفلاني وستكون كفيلة بإذن الله في إعادة النسبة إلى ما كانت عليه إن لم تكن أفضل ، وبعد إجرائي للعملية ودفع تكاليفها بقي الحال كما كان عليه من قبل .



إلى جانب رغبة أم عبد الله الملّحة في التأكد من صحة ما ذكره الطبيب السوداني بحقها أصبح الأمر يتطلب مني معالجة ما أفسده الطبيب المصري بحقي واحترت من أين ابدأ ؟!



صليت الفجر ذات يوم في الحرم كما تعودت وبقيت أتجاذب مع الحبيب المقرب إلى نفسي الشيخ أحمد رمزي أطراف الحديث فتطرقنا إلى تجربته السفر إلى ألمانيا للعلاج قبل ما يقارب خمسة عشر عاما من ذلك التاريخ فقفز إلى ذهني اسم تلك الدولة كخيار أخير وقلت في نفسي لم لا أُجرب السفر إليها لعل الله يكتب لي ما ابحث عنه لكن أنّى يتحقق لي ذلك وعمارتي متوقفة لعدم توفر المادّة والديون تراكمت عليّ ولا أجد ما اصرفه على نفسي وأهل بيتي ؟ وماذا سيقوله عني دائنيّ إذا ما علموا بسفري إلى تلك الدولة وحقوقهم لازالت في ذمتي وخاصة أن السفر في إجازة الصيف ؟ ( سافر محمد يتمشى وحقوقنا في بطنه ) !!!



لم تكن رجولتي لتسمح لي بأخذ قرش واحد من إيجار أرض زوجتي التي وعدتني به في حالة السفر خارج المملكة للعلاج فباشرت دوامي ذلك اليوم مبكراً مهموما ثم أخذت ورقة وقلما وبدأت أسطّر خطاباً مؤثراً لمعالي المدير العام الفريق صالح بن طه خصيفان شفاه الله اشرح له فيه معاناتي ومدى حاجتي للسفر إلى ألمانيا للعلاج فإذا بالرد يأتيني سريعا من مقام المرجع لكنّه كان مخيبا للآمال ( تذاكر سفر سياحية ومبلغ من المال لا يكفي للإقامة مدة أسبوع في فندق من الدرجة الثانية ! فماذا عن مصاريف المستشفى، والمترجمة ، والتنقل ، وما إلى ذلك ؟ّ! ) أخذت المبلغ والتذاكر إلى شقيق الفريق الذي يعمل معي في نفس الإدارة وبعد أن شرحت له الوضع استدعاني قبل نهاية الدوام وقال لي بالحرف الواحد : يسلّم عليك معالي الفريق ويقول إذا أتممت حجوزاتك فمرّ عليه في مكتبه بجدة قبل السفر، وبالفعل ذهبت إليه بعد أن أتممت الحجوزات وبعد أن نسّقت مع المترجمة التي زودني برقم هاتفها الأخ أحمد رمزي لترتيب مواعيد المستشفى فإذا به يسلمني ضعفيّ المبلغ الذي استلمته من قبل .



وصلت إلى ألمانيا وبعد مقابلتي للدكتور واسمه ( قيصر ) شرحت له وضعي ووضع زوجتي فقال لنا : كم مرة أجريتما عملية أطفال الأنابيب ؟ قلت ستاً ، قال :طالما أجريتما كل هذا العدد من العمليات فأنا ( تخيلوا ) لا انصح بإجراء عملية منظار جديدة لزوجتك لمعرفة ما إذا كانت قناة فالوب بها تشوهات خلقية من عدمه لأن كثرة العمليات قد تتسبب في انسدادها وبدلا عن ذلك سأجري لها أشعة ملونة فهي تغني عن العملية ! قلت : لا بأس، أجرينا الأشعة وساد جو من الصمت عندما قابلنا الدكتور في اليوم الثاني لمعرفة النتيجة وكنت أقرأ في عيني أم عبد الله الخوف والترقب فإذا بالمفاجأة تأتي عندما استهل الدكتور حديثه بالقول : أخلاقي لا تسمح لي بوصف زميل لي في المهنة بالكذب لكني أقول لكما أن تشخيصه كان خاطئاً ! تنفست زوجتي الصعداء وطلبت من الدكتور إجراء عملية المنظار لزيادة التأكد ! قال لها : يا ابنتي ليس بك عيبا خلقيّا وهذه الأشعة توضح ذلك ، خذيها لغيري وستجدين نفس النتيجة ! قالت : لابد من إجراء العملية فأنا أريد التأكد بصفة قاطعة ! هل لكم أن تتوقعوا ماذا رد به عليها قيصر ؟!



قال لها : يا ابنتي أنا أعمل في المستشفى بأجر شهري خلاف دخلي من العمليات ومثل هذه العملية سأتقاضى عليها 1000 ألف مارك زيادة على راتبي ومع ذلك أنا أقول لك لستِ بحاجة لإجرائها فالأشعة وضّحت كل شيء ، قالت لابد منها !! وهنا راودتني الشكوك ، فقلت في نفسي لعلها تريد شراً بعد التأكد من سلامة وضعها !!



تمت العملية وكانت النتيجة كما أشار إليها الدكتور من قبل، ليس هناك عيوباً خلقية ، ثم أمر بإجراء فحوص مخبريّة لكلينا تبين من خلالها أنه ليس هناك أي موانع للحمل لدى الزوجة وأن العيب يكمن عندي وحلّه لا يتأتى إلا بتكرار عملية التلقيح الصناعي تحت المجهر فأعادنا من جديد لدوامة أطفال الأنابيب !

ماذا كانت نوايا أم عبد الله حينها ؟! لست أدري ، ولم أجرؤ علي سؤالها في حينه !!





لم نمكث في ألمانيا سوى عشرة أيام عدنا بعدها إلى جدّة وقلت لأم عبد الله أمام والدتها وأشقائها لقد تأكدت الآن أنه لا موانع طبيعية عندك من الحمل وأن العيب عندي فهل تريدين الطلاق لعل الله يرزقك بزوج خير مني يحقق لك ما ترغبين فيه ؟ قالت : لا ، قلت لأهلها : هل تريدون أن أُنهي ارتباطي بابنتكم فهي راغبة في طفل لم يحققه الله على يديّ ؟ فعنّفوني على قولي طويلا، أخذت بعدها أهلي وعدت إلى مكة .



كنت قبل السفر إلى ألمانيا قد أخذت إجازة لمدة شهرين لم يمض منها سوى أسبوعين فقررت أن أعود إلى مستشفى آخر لإجراء محاولة طفل أنابيب جديدة وبالفعل أجريتها هذه المرة في مستشفى الأطباء المتحدين وعلى يد دكتور سعودي يدعى سمير عباس وفشلت هي الأخرى !



كان عليّ التوقف بعدها خوفا على زوجتي من تأثير الهرمونات فتركتها لمدة سنة ، ثم خرجنا إلى الديرة لحضور زواج الأخ سعيد بن دغسان وفي ليلة الزواج توفي العم صالح بن جهاد عليه رحمة الله فأقيم العزاء في منزل سعادة اللواء علي بن أحمد وكان والدي يجلس إلى جوار العم محمد بن عياض عليهما رحمة الله فسمعته يقول له بعد أن سأله العم محمد عني، أُبشّرك أنه ماشي في عمله وبيته على وشك الانتهاء وبقي واحدة ( الذرى ) لعل الله يحققه قريباً ! رفعت نظري إليه وإذا بدمعة على خدّه سارع إلى مسحها بأطراف عمامته .



في الطريق إلى مكة أخبرت زوجتي الخبر فطلبت مني معاودة إجراء المحاولة مرة أخرى لعلها تنجح وتُرضي بذلك والديّ ففشلت في المستشفى الأخير للمرة الثامنة ، وفي السنة التالية توفي والدي عليه رحمة الله ولم ير لي ولداُ .

 

 
























التوقيع