عرض مشاركة واحدة
قديم 12-25-2012, 03:13 AM   رقم المشاركة : 1575
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 

الحلقة الرابعة

روح، الله يفرّح قلبك كما ستفرّح قلب والديها

كان لوفاة والدي رحمه الله تأثير نفسي كبير عليّ وبعد شهر من وفاته مرّ عليّ بصفتي مديراً للشؤون الإدارية وقتها طلب من المرجع بترشيح ضابط لدورة أو ندوة بمعنى أصحّ في مجال العمل ستعقد في الولايات المتحدة الأمريكية ولمدة أسبوعين فقط فاتصلت بمدير الإدارة لترشيح من يراه للالتحاق بها فقال لي : أنت في أمس الحاجة إليها فرشّح نفسك لها وجهز أوراقك وارفعها لمقام المرجع ، وبالفعل سافرت مع من تم ترشيحه لتلك الندوة من القطاعات الأخرى وكانت في ولاية لويزيانا جنوب الولايات المتحدة الأمريكية،

من بين الذين نسقوا لتلك الندوة وحضرها معنا ضابط في الأمن العام برتبة عقيد يدعى علي عسيري استلطفته واستلطفني بحكم تقارب الرّتبة فنشاء بيننا علاقة قوية رغم قصر المدة التي جمعتنا، وفي إجازة نهاية الأسبوع الأول من تلك الندوة ذهبت وإياه للنزهة برفقة كامل المجموعة إلى عاصمة الولاية وهي مدينة تشتهر بالصخب والسّهر وتبعد حوالي سبعين ميلا عن الأكاديمية التي نسكن ونتعلم بها ،

على طول الطريق إلى تلك المدينة كان المطر يتساقط خفيفا وبعد وصولنا إلى مركزها تفرق الركب وبقيت أنا وهو وشخص ثالث من أهل الشمال مع بعضنا البعض وأخذنا نتمشى سيرا على الأقدام حتى ابتعدنا عن السيارة المقلّة لنا وكانت أتوبيسا تابعا للجهة المستظيفة وفجأة بدأت الأمطار تهطل بغزارة فاستظلينا تحت أول شرفة وجدناها في الطريق والشرفات نادرة هناك ، كان الرجل ضليعا في اللغة الانجليزية وأنا ورفيقي ( يفتح الله ) فلفت نظره لوحة تحت تلك الشرفة معلقة على دكان صغير مكتوب عليها ( قارئة كفّ ) فعرض علينا من باب التسلية فكرة الدخول عليها لقراءة أكفنا فاعترضت على ذلك بشدة فما كان منه إلا أن قال :
والله يا غامدي يا بخيل ما هو كلّه دين ولكن عشان ما تبغى تدفع خمسة دولارات حق الكشف، أنا بادفعها عنك !
قلت له : هذا حرام .
قال : خلّ عنك ، والله إنه بخل الغمّد أنا أعرف به منك .
قلت : فسرها زيّ ما تفسرها أنا ما راح أدخل عليها أدخلوا أنتم !

دقائق قليلة مرًت ثمّ توقف المطر فتركنا المكان ومشينا دون أن يدخل عليها منّا أحد . لم نمش أكثر من مائتي متر حتى عاد المطر كما كان وأشدّ فرجعنا إلى نفس الشرّفة وعندها قال ألعسيري : والله مادام عدنا إلى هنا لندخل عليها حتى يتوقف المطر .

دخلنا فوجدناها امرأة في الخمسينات تقريبا من العمر شكلها مرعب ولها عدد من الشعيرات في ذقنها وبدا صوتها وكأنه صوت رجل وهي تقرأ كفي شاب وشابّة عندها، بعد أن انتهت منهما تقدم لها ألعسيري لتقرأ كفّه ، فأخبرته بأشياء بعضها حقيقيّ والبعض الآخر جانبه الصواب ومن الأشياء الحقيقية التي ذكرتها له عدد أفراد أسرته وأعمارهم ثم استطردت في حديثها قائلة له : أنت لازلت محزونا على فقد عزيز لديك فقال موجها كلامه لنا : صدقت الملعونة مات لي ابن في مسبح الفيللا الخاصة بي في الرياض قبل أشهر من الآن، بعدها تقدم لها الشمالي فقالت له : كنت على وشك الزواج من فتاة ( وصفتها له بدقة ) ولكن لم يتم ذلك ! هزّ الرجل رأسه موافقا على كلامها ثم فاجأته بقولها: لازلت متعلقا بتلك الفتاة وأنا أنصحك بالابتعاد عنها.... إلى غير ذلك.....ولما جاء دوري قالت لي بعد أن وضعت كفي في راحة يدها تتفحصه :

You have a very strong looking, But you have a
nice heart, You can't kill a chicken.She said
What else ? I asked.
You are a father of five children
Now or in the future ? I asked
I just say what I see
That isn't true . I said
We are in the U .S .A . We can't be let open this office without a license and we have certificates on this field . She said that nervously , then she dropped my hand

ملامحك تدل على القسوة والعنف ، لكنك تملك قلبا طيبا ولاتجرؤ على قتل دجاجة !
قلت : وماذا بعد ؟
أجابت :أنت أبٌ لخمسة أطفال .
سألتها : آلآن أم في المستقبل ؟
قالت : أنا فقط أقول ما أرى .
قلت : لكن هذه ليست حقيقة !
ردّت عليّ بعصبية زائدة وقالت : نحن في الولايات المتحدة الأمريكية ! ومن غير المسموح لنا به فتح هذا المكتب دون علم، نملك شهادات معترف بها في هذا المجال ! ثمّ تَرَكت كفّي بعد ذلك في إشارة واضحة لانتهاء المقابلة .

بعد عودتي إلى المملكة بأسابيع تلقيت اتصالا هاتفيا من العقيد ألعسيري مفاده أنه أحيل على التقاعد وعُيّنَ سفيرا للمملكة في الباكستان فقلت له مداعبا بعد التهنئة لو أن صاحبتنا عندها علم من الغيب لأخبرتك بهذا بدلا من تذكيرك بموت ولدك ! ضحك وطلب مني زيارته في مقر عمله الجديد لعلنا نجد من يعالجني هناك فاوعدته بالزيارة في أقرب فرصة ممكنة ثم ودّعته وودّعني ولم يكتب الله لي لقائه بعد ذلك .

بقيت عدة أشهر بعدها لم أحرك ساكنا فيما يتعلق بموضوع الإنجاب وأمام إلحاح أم عبد الله المستمر في إعادة إجراء العملية قمنا بتكرار المحاولة للمرة السابعة بمستشفى الأطباء المتحدين فكتب الله لها النجاح هذه المرة وتباشرنا حينها سرّا بالخبر من جدة إلى الباحة مرورا بوالدتي في مدينة الطائف إلا أن الجنين سقط للأسف بعد شهر واحد من الحمل فانقلب الفرح إلى ترح كانت أم عبد الله الضحية الأولى له ومن ثم والدتي التي بقيت تبحث عني بالهاتف من مكان إلى آخر بعد سماعها للخبر خوفا عليّ من مكروه قد أقترفه بحق نفسي .

بعد أن هدأت العاصفة ونزولا عند رغبة أمّ عبد الله قررت جلب طفل من إحدى دور الرعاية الاجتماعية لتربيته رغم معارضتي الشديدة لهذا الأمر من قبل ومن أجل ذلك دخلت على فضيلة الشيخ صالح بن حميد وهو يصلّي الوتر في حجر إسماعيل قبيل صلاة الفجر بنصف ساعة عندما كان يؤم المصلين آنذاك في تلك الفريضة وسألته قائلا : يا شيخ أنا لم أرزق بأطفال فهل لي أجر كافل يتيم في حال أتيت بطفل من دار الرعاية الاجتماعية وقمت بتربيته ؟
قال : نعم
قلت : وإلم يكن شرعياً ؟
قال : وإلم يكن شرعيا !
قلت : هناك قول منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم مفاده ( لا يدخل الجنة ابن زنا ) فما مدى صحة ذلك ؟
قال : هذا غير صحيح فالذنب ليس ذنبه ؟
قلت له : فادع الله لي يا شيخ بأن يرزقني ذريّة صالحة، فما كان منه إلا أن رفع يديه إلى السماء ودعا بما كتب الله له .

ذهبت في صبيحة اليوم نفسه بعد بدء الدوام الرسمي إلى دار الرعاية الاجتماعية بمكة وبعد الإطلاع على روتين إجراءات تسليم الأطفال لمن يرغب في تربيتهم وجدتها طويلة ومعقدة فغيرت رأيي على الفور .ِِ

صليت العشاء بعد ذلك بأيام في الحرم وعند اقترابي من باب الملك فهد في طريقي للخروج لاحظت بنتاً في حوالي الخامسة من عمرها في منتهى البراءة والجمال تجري بين الناس لا تعرف لها وجهة ودموعها تتسابق على خدّيها وبما أنني مولع بالأطفال أمسكت بها وقلت لها أنت ضائعة ؟ فلم تجبن بل إنها حاولت الإفلات مني بشتى الطرق ولما لم أدعها تذهب وسمعت بوعدي لها بتوصيلها إلى أهلها هدأت قليلا ثمّ بعد أن اطمأنت إليّ سألتها عن اسمها فذكرته لي كاملا ، قلت فأين تسكنون ؟ قالت في فندق في طريقنا إليه رجل يبيع مساويك ، أخذت بيدها ولما وصلنا إلى باب الملك فهد قلت لها بعد أن أخبرت الشرطي بأنها ضائعة ابقي هنا عند العسكري حتى يأتي والدك أو والدتك لاستلامك ! تشبّثت بي ولم تدع أطراف ثوبي من يدها ودموعها تنهمر وعندها قلت للشرطي بعد أن عرّفته على نفسي ورتبتي ومكان عملي وزودته برقم جوالي سأحاول البحث معها عن مكان سكنها وقم أنت بإبلاغ مرجعك بأمرها لعل أحد من أهلها يراجعهم للبحث عنها فيتم الاتصال عليّ .

خرجت وأنا ممسك بيدها متوجهين إلى الطريق المحاذي لأبراج شركة مكة للإنشاء والتعمير فهناك رجل يبيع المساويك على حدّ علمي وقبل أن أصل إليه اتصلت بسنترال عملي لأخبره بأنني سوف أتأخّر قليلا عن موعد بيني وبين المدير بعد صلاة العشاء في مقر الإدارة فرد عليّ فَرْدٌ يعاني مما أعانيه من عدم الإنجاب ولما أخبرته عن سبب تأخري قال : روح، الله يفرّح قلبك كما ستفرّح قلب والديها .

 

 
























التوقيع