عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-2012, 10:35 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 

بسم الله الرحمن الرحيم




نزولا عند رغبة أخي المقرب كثيراً إلى نفسي عبد الحميد بن حسن واستجابة لندائه الذي اطلقه عبر ساحات وادي العلي والتي أكن لها وللقائمين عليها كل تقدير ومحبه هنذا اعود إلى صفحة الذكريات ولكن ليس من باب سيرة الكفاح التي هنا بدأتها ولم أكمل فصولها وإنما من بوابة أخرى ريثما تتم اعادة ترتيب الأفكار والأوراق إذ أن القادم من فصول تلك السيرة يحتاج إلى تفكير عميق وصياغة مختلفه كونه تجاوز اللحم واصبح يباشر ما بعده .



ذكراي اليوم عنوانها ( صبر دام ثلاثة وعشرين عاما ونيف )




تملكني حب للأطفال منذ طفولتي وعندما كنت في الصف السادس الإبتدائي عام 1386هـ في مدرسة وادي العلي الابتدائية كان من بين مدرسينا معلم أردني يدعى ياسر وهي المرة الأولى التي اسمع فيها هذا الإسم وكنت معجبا بذلك المدرس أيما إعجاب فهو إلى جانب كونه متمكنا من جميع المواد التي كان يدرسها لنا وهي بالمناسبة ( الرياضيات والاجتماعيات والعربي ) أي أنه لم يكن يغادر الفصل إلا في حصتي الفنية والدِّين كان محبوبا من سائر الطلاب وكان يجيد لعبة كرة القدم بشكل مذهل ولذا أثرّت فيّ شخصيته فأضمرت في نفسي أن أسمي ولدي بإسمه في حال كتب الله لي الزواج والإنجاب ،



في الصف الأول المتوسط جاءتني أخت شقيقة تعلقت بها أشد التعلق بعدها رزق شقيقي علي بإبن سماه عبد الله ( أبي ناهل ) ثم بإبن آخر سُمّي بعد لأيّ وعلى مضض محمد فسرق الحب كله لكنّه بعد سنتين أو أكثر قليلا من ولادته انتقل مع والده إلى مدينة جدة ومات بها فترك في نفسي فراغا كبيرا، وشاء الله أن يكون في القرية طفل في مثل سنِّه وشبيه له في الخلقة كثيرا وكثيرا جداً يتردد مع والده على المسجد بصفة دائمة ويدعى أحمد فأحببت ذلكم الطفل ( ويا ليتني لم أفعل !! ) إلى درجة أن والدي رحمه الله انتقدني من كثرة ما كنت أُسلّم عليه وأُلاطفه فقال ( اشبك يا ولد فوق بزورة الناس تلجّغهم وتعضضهم ، واش بيقلون عنك اهاليهم ؟! ) أتدرون من هو ذلك الطفل ؟ إنه أحمد بن فيصل ! ألم أقل لكم ليتني لم أفعل ! ( عسى أن يكون في هذا جوابا لسؤالك يا أباخالد عن سرّ حبي لهذا المقرف الآن )؟!



في 22/8/1398هـ كتب الله لي الزواج من أسرة عريقة ميسورة الحال في مدينة جدة ومرت سنوات خمس بعد الزواج لم ارزق خلالها بذرّية ، ولأني كنت مغرما بالأطفال حد الجنون فقد كان بيتي لايكاد يخلو من طفل من أبناء أخوات زوجتي ثم أخيراً شقيقها الذي تربى في منزلي بعد أن فقد والده وعمره سنتان وكان يناديني بأبويا التّاني ـ بالتاء وليس بالثاءـ ، وبعد أن أخذته أمه بالقوة تحركت عندي غريزة الأبوة فبدأت مرحلة البحث عن طفل يغير من رتابة الحياة ويحمل اسمي من بعدي وكانت نقطة البدء من مكة حيث دلّني زميل لي عانى من نفس المشكلة على عجوز بدوية أميّة في شارع الحج لقى على يدها مبتغاه بعد توفيق الله فذهبت إليها بعد شروق شمس أحد الأيام امتثالا لتوصية منه وكان قد سبق موعد تلك الزيارة بأسابيع ثلاثة تقريبا هطول أمطار غزيرة على مكة نبت معها الكلأ والعشب على سفوح الجبال فوجدتها تحش الكلأ من سفح جبل قريب من مقر إقامتها لشياه لها حجزتها في زريبة جوار باب المنزل وبعد أن اعطتني وزوجتي تعليماتها قلت لها أنه لا يجوز حش الكلأ في حدود الحرم فتجهم وجهها وظننت أنه لولا الحياء لهاجمتني ووقع مالا تحمد عقباه فحمدت الله على السلامة وعقدت العزم على عدم العودة إليها مرة أخرى .



في أوائل عام 1403هـ سافر أخو زوجتي الأكبر إلى كندا لتحضير الماجستير في الطب وبعد عدة أشهر لحقت به أنا وأخته لعمل الفحوصات التي تقطع الشك باليقين وبعد أن أجرينا ما يلزم على يد أحد أكبر الاستشاريين قال لي بالحرف الواحد :


You believe in Allah, Mohammad.


Sure : I said.


He said : There is no clear reason for not having children, you have to wait for Allah willing. .



أنت تؤمن بالله يا محمد !


قلت : نعم


قال : ليس هناك سبب واضح ( لعدم الأنجاب ) ، يجب أن تنتظر مشيئة الله .



حزمت حقائبي وعدت إلى المملكة وأنا يحدوني الأمل في أن أسمع كلمة ( بابا ) من طفل من صلّبي كما يسمعها الآخرون من أبنائهم ، مرت السنون ولم تأت مشيئة الله بشيء ، ولأن رئيسي في العمل كان يعلم أنه ليس عندي أطفال فقد كان يناديني ( إذا كان راضياً عني ) بأبي مقبل ـ أي الذي لم يأت بعد ـ ( وقليلا ما فعل ) ولم يكن يدر بخلده أنه كان بذلك يؤذيني أكثر مما كان يسعدني ، كثرت بعد ذلك النصائح داخل العمل وخارجه فمنهم من يلمح ومنهم من يصرّح بضرورة تغيير عتبة الباب فكنت أضع في إحدى أذني طينا وفي الأخرى عجينا ،



خلال السنوات الثلاث التي تلت سفرتي إلى كندا لم تدع زوجتي ممرخةً ولا معالجةً بالطب الشعبي سمعت عنها إلا وأتتها حتى تخوفت ( أنا وليس هي ) من طفل يأتي تفوح منه رائحة الحُلْبَةٌ أو ماشابهها من النباتات والأعشاب التي كثيرا ما تدخل في تركيبة تلك الوصفات والخلطات التي كانت تستخدمها والتي اعتقد أنها لو استمرت عليها فترة أطول فلربّما تسببت لها في نهاية المطاف بفشل كلوي .



في نهاية عام 1406هـ ذهبت إلى بريطانيا في دورة للغة الانجليزية لمدة سنة وكانت فرصة مواتية لإعادة إجراء الفحوصات إلا أنها لم تأت بجديد عما كانت عليه في كندا غير أن الطبيب الذي كان يشرف على تلك الفحوصات وكان طبيب نساء وولادة مشهور في المدينة التي كنت ادرس بها قال عندما جئت اطلب منه تقريراً نهائيا عن حالتي وأهلي قبل العودة إلى المملكة لو كنت مكانك ولم أنجب خلال سنة من الآن للجأت إلى تقنية جديدة لا أعلم هل وصلت إليكم في المملكة أم لا ؟ الا وهي أطفال الأنابيب .



أخذت بنصيحته وبعد سنة من عودتي إلى المملكة جرّبت تلك التقنية خمس مرات ( كل ستة أشهر مرة ) سبقها علاج لي لمدة تسعة أشهر بالكرتيزون ( شديد الخطورة ) في مستشفى سليمان فقيه الذي لم يكن يجر تلك العمليات غيره في ذلك الوقت وعلى يد طبيب أمريكي مسيحيّ من أصول أفريقية أخبرني عند بدء العلاج بأن نسبة نجاح العملية لاتتعدى 30% فقط وكل واحدة من تلك العمليات كانت تكلف الشيئ الكثير فإلى جانب المال، تتطلب جهداً جهيداً وتعباً مريراً وتعاطي حقن لا حصر لها ونزولا من مكة وعودة إليها عشرات المرات ومن ثم تنويماً داخل المستشفى لمدة ثلاثة أيام يعقبه ترقب وأمل لأسبوعين كاملين وأخيرا....! تكون النتيجة كسرة خاطر لا يخطر لأحد على بال مدى عُنْفَها، وللحق فإنها كانت تؤثر فيّ بنفس القدر الذي كانت تؤثر فيه في أم عبد الله أو أكثر لكنني كنت أتظاهر أمامها بعدم المبالاة وأقول لها لعل الله يريد بنا خيرا مراعاة لشعورها ورحمة بها من النحيب الذي كنت متوقعاً أن يفتك بها في أيّ لحظة .




بعد تلك العمليات الخمس أُصبت بإحباط ويأس شديدين فقررت معها عدم تكرار التجربة مرة أخرى رأفة بزوجتي من الحقن المنشطة لهرمونات المبايض والتي كانت تعطى لها بغير حساب وعلمنا فيما بعد أنها قد تأتي بالسرطان لكنني ضعفت أمام إلحاحها وأعدت الكرة في نفس المستشفى مرّة أخرى على يد طبيب سوداني هذه المرّة توسمت فيه خيراً كونه كان مسلما .



لفت نظري بعد أن أجرى الطبيب المذكور العملية وأوشكنا على المغادرة قوله : إذا صادف ونزل شئ من المدام بعد أسبوعين فضعوه في قارورة بها قليل من الماء وآتوني به ، ففعلنا مثل ما أمرنا وجئنا له بعد إنقضاء المدة بقطعة لحم في حجم الإبهام قالت لنا مُسِنّة مجرّبَةٌ بعد أن شاهدتها إنها لجنين لم يكتمل خلقه، وبعد أن أريناه إياها أعطاها لممرضة عنده وقال ضعيها في الثلاجة لفحصها ثم وجه كلامه إلينا قائلا : لقد نجحت العملية ولكن للأسف سقط الجنين كما ترون !



قلت : وماهي نصيحتك يادكتور؟



قال : زوجتك تعاني من تشوه خلقي في اصابع اليد المكلفة بالتقاط البويضة من المبيض ووضعها في قناة فالوب ولابد من إجراء عملية جراحية لتعديلها والا فلا مجال للحمل أبدا ثم جلب صورة توضيحية ملونة كانت معلقة لديه على حائط العيادة وقام يشرح لنا عليها أهميّة عمل تلك الأصابع وكيف أنها معطّلة عند زوجتي ولا تؤدي عملها على الوجه المطلوب .



قلت له : لكنني أجريت فحوصات وأشعة ملونة في كندا وفي بريطانيا ولم يقل لي أحد مثل هذا الكلام .



قال : ربما حدث الأمر بعد أن عدتم من هناك .


أصابتني بلاهة من هول الموقف فلم يدر بخلدي أن أواجهه بتناقض كلامه، فكيف يكون عيبا خلقيًّا وكيف يمكن أن يحدث بعد خمسة وعشرون عاماً من الولادة؟! فالعيب الخلقي يخلق مع الأنسان ولا يأتي بعد ولادته ! لكنها البلادة والبلاهة .



قلت له متسائلا : وكم تكلف العملية ؟



قال : ثلاثون ألفاً .



قلت : خيراً ، نفكر في المضوع ونعود إليك .




داهمتني الهموم بعد تركي للعيادة وبعد أن ركبنا السيارة شاورت زوجتي في الأمر فلم ترد عليّ وعندما التفت إليها وجدتها غارقة في دموعها ولمّا أدركَتْ أني كشفتُ سرّ سكوتها أعلنتها مدوّية، طلقني طالما العيب مني وابحث عن زوجة تأتيك بمبتغاك ، ثم انفجرت بالبكاء .



حاولت تهدئتها وامتصاص ردة فعلها فقلت سأجري لك العملية التي قال لنا عليها الدكتور في الوقت الذي ترغبين فيه لكنها كانت متوترة جدا واصرّت على الطلاق إلى أن تدخل العقلاء من أهلها وأقنعوها بالتزام الهدوء .



تركت موضوع الخلفة جانباً وانشغلت بعملي وعمارتي التي بدأ العمل فيها مؤخرا لكنّ ام عبد الله لم تتركن وحالي بل إنها كانت تلحُّ وبقوة على ضرورة السفر إلى خارج المملكة للتأكد من صحة ما ذكره ذلك الدكتور وعلى حسابها الخاص ( من مردود إيجار أرض تركها لها والدها رحمه الله ) أو أن تتطلق وتترك لي حرية البحث عن زوجة ودود ولود فكنت أقول لها ( لأنفك من شرّها ) سنسافر بإذن الله إلى الدولة التي ترغبين ولكن في الوقت المناسب وعندما يوافق مرجعي على منحي إجازة خارجية .



كان شهر الحج من عام 1413هـ قد دخل وكنا مرابطين داخل الإدارة ولايسمح لأحد بالخروج إلا بإذن رسمي ولأمر مهمّ وفجأة جاءني خبر وفاة والدة الأخ سعيد بن محمد غرامة في منطقة الباحة فاستأذنت من مرجعي لأداء سنة العزاء وكان لابد لي من رفيق فعرضت الأمر على وكيل رقيب شيخيّ كان يعمل معي فوافق على الفور وتحركنا من مكة بعد صلاة العصر .... ماذا حدث لنا في الطريق وما علاقة ذلك بموضوع الإنجاب هذا ما سنتعرف عليه في الحلقة القادمة بإذن الله ...فإلى اللقاء .

 

 
























التوقيع