عرض مشاركة واحدة
قديم 07-28-2010, 05:02 PM   رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
أحمد بن قسقس is on a distinguished road


 

بين حالين وحُلُمٌ بحجمِ الحياة :

هكذا مرّت حياة الشاعر الجاهلي الكبير امرؤ القيس بين حالين : حال العبثُ واللهو ، وحال الجدّ و الحرب من أجل الثأر والملك .

الشطرُ الأول من حياته قضاهُ لاهيا عابثا ينعم بما يُغدق عليه والده من المال والجاه والسلطان يقول معبرا عن حياة الترف التي يعيشها :

لنا غنمٌ نسوّقهــــا غزارٌ ..... كأنّ قرون جلّتـــــها العصي
فتملأ بيتنا إقطا وسمنا ..... وحسبك من غنى شبعٌ وري


قضى هذه الفترة من حياته لا يعرف فيها سوى العبث والصيد والنساء والسهر والخمر والفروسية ، لا يردّه عرْفٌ ولا يمنعه تقليد ، حتى لقد وصل به الأمر أن شبّب بزوجة أبيه .
أمّا شعره في هذه الفترة من حياته فلا يبتعد كثيرا عن حياته اللاهية فهو شعرٌ موجّهٌ إلى المرأة فقط يصف فيه قدّها وجميع مفاتنها ويصف مغامراته الغرامية معها :

وبيضة خدرٍ لايرامُ خباؤها .... تمتعتُ من لهو بها غيرُ معجلِ
سموتُ إليها بعدما نام أهلُها.... فقالت سباك الله إنّك فاضحي


وفي معلقته الشهيرة التي يبدأها بقوله :

قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل .... بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْمل

يصوّر لنا الشاعر طرفا كبيرا من حايته العابثة مع النساء والصيدِ واللهو والمجونِ .

لكنّ شعره برغم الفحش الموجود به إلا إنّه من الناحية اللغوية والفنية لا يجارى .

أمّا الشطر الثاني من حياته فقد بدأ عندما عَلِمَ بمقتل أبيه وضياع مُلْكه .
فقَدَ فجأة الملك والجاه والسلطان والتيجان والمال وذلك بمقتل أبيه وضياع ملكه .
فقرّر أن يثأر لأبيه وأن يستعيد ملكه الذي فقده بين عشيّةٍ وضحاها فأعلنها مدوّية : اليوم خمر وغدا أمر ، وأقسم على نفسه لا يشربُ خمرا ولا يمسّ طيبا ولا يضاجع امرأة حتى يثأر لأبيه ممن قتلوه وذلك بقتل مئة وجزّ نواصي مئة من بني أسدٍ واستعادة ملكه ولو كلّفه ذلك حياته .

وأمام هذا الحلم الكبير حلم الثأر واستعادة الملك انقلبت حياة الشاعر فجأة من حال إلى حال ، فبعد أن كان همّه المرح واللهو والنساء والصيد أصبح همّه الثأر والملك والجاه والسلطان .
امتلأت حياته بالجدّ والفروسية والمثابرة والقتال ، حتى لقد أنكر على نفسه حياته السابقة فراح يردّد : (ضيعني أبي صغيرا وحمّلني دمه كبيرا ).

بدأ الشاعر الكبير يشقّ طريقه نحو تحقيق حلمه مستفيدا ممّا تبقى لديه من مال وصداقات ومعارف ، استعان ببعض القبائل العربية فأعانته ثمّ ما لبثت أن تفرقت عنه ونفرت منه فطاف بالبلاد العربية يطلب المساعدة والإعانة ولمّا لم يجد منهم إستجابة قرّر السفر إلى قيصر الروم يطلب منه المساعدة .

كان امرؤ القيس يدرك أنّ المعاناة كبيرة وأنّ النّاس من حوله يتفرقون لكنّه كان مصمّما على تحقيق حلمه والوصول إليه حتى لو كلّفه ذلك حياته ، يقول في إحدى قصائده :

ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة ..... كفاني ولم أطلب قليل من المال
ولكنّمــا أســـعى لمجــــدٍ مؤثل ..... وقد يدرك المـجد المؤثل أمثـالي


وفي رحلته إلى قيصر الروم اصطحب معه صديقه عمرو بن قميئة لكنّ عمرو كان مضطربا بعض الشيء وفي الطريق بكى عمرو لمّا وجد نفسه أمام دربٍ طويل وأمرٍ غير مقتنعٍ به تمام الاقتناع فهو ذاهبٌ إلى قيصر الروم يستعين به على قومه لكنّ امرؤ القيس سرعان ما طمئنه وأكد له أنّهما يسعيان إلى تحقيق حلم بحجم الحياة ،
يقول :

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ..... وأيقن أنّا لا حقـــــــان بقيصرا
فقلت له : لا تبك عينك إنّمـــــــا ..... نحاول ملكــا أو نمـوت فنعذرا


باءت رحلة شاعرنا الكبير وصديقه بالفشل حيث عادا من عند قيصر الروم بخفي حنين وزاد من همّ شاعرنا أن اُصيب فجأة بالجدري الذي لم يمهلْهُ كثيرا حتى قضى على حياته ، وقيل في سبب وفاته أنّ قيصر الروم هو من تسبب في وفاته حيث ألبسه حلّةً مسمومةً أصابته بالقروح حتى قضى ولذا سمّوه بذي القروح . وقد كانت وفاته بأنقرة ببلاد الروم عند جبل يقال له عسيب ذكره هو نفسه امرؤ القيس عندما رثى نفسه وقد أحسّ بنهايته وعلم بأنّه سيدفن في ذلك المكان إلى جانب قبر امرأة دُفنت بنفس المكان ، يقول :
أجارتَنا إن المزارَ قريبُ .... وإني مقيمٌ ما أقام عسيبُ
أجارتنا إنا غريبان ههنا .... وكل غريبٍ للغريب نسيبُ


مات امرؤ القيس لكنّه ترك لنا ديوانا من البطولات والشعر والأقوال والمعاني .

يُعتبرُ امرؤ القيس أولُ من قال المطولات ، وأول وقف على الأطلال ، وأول وصف الخيل والصيد ، وأول من وقف واستوقف ، وأولُ من بكى في شعره واستبكى ، وأول قيّد الأوابد .

 

 
























التوقيع



لا علاقة لي بمعرّف أحمد بن قسقس في الملتقى لأهالي وادي العلي

   

رد مع اقتباس