.
*****
في حديث حول الموروث عرض لنا الأخ العزيز عبدالرحيم رمزي مقالة كتبها عبد الرحيم الأحمدي في ( خزامى الصحارى ) بجريدة الرياض بعنوان :
أحاديث في الأدب الشعبي
لا خلاف ولا تلاف.. شرحة الوافد علومه
وسنقدم نص المقالة بالكامل ولكن الملفت أن المتابع ووالناقل والكاتب باسم ( عبدالرحيم )
ونترككم الآن مع النص كما ورد في:
الأربعاء 17 رمضان 1429هـ
أحاديث في الأدب الشعبي
لا خلاف ولا تلاف.. شرحة الوافد علومه
عبد الرحيم الأحمدي
التعارف عند اللقاء تقليد قديم وليس من تجليات العصر كما يعتقد كثير من الناس، وأن عني اليوم تيسير التخاطب من خلال التعارف، فإنه كان يجري في الماضي لأغراض أمنية وإعلامية واجتماعية وتأكيدا لمعاني التحية في الإسلام (السلام عليكم .. وعليكم السلام)، إعطاء الأمان من المسلِّم وأخذه من المسلَّم عليه، ميثاق عهد وأمان، وإشاعة اطمئنان بين المتقابلين وبخاصة في الأماكن النائية أو التي تكون في أطراف العمران. ومن أهداف التعارف تبادل الأخبار التي لا وسيلة لنقلها في ذلك الزمن غير الناس.
ولقد كان الخوف والاضطراب الذي شهده عصر الآباء والأجداد قبل الوحدة الوطنية لبلادنا مثار قلق لهم، حد من تحركهم بين أنحاء البلاد، ودفعهم لسن قوانين تساهم في التخفيف من الأخطار الناجمة عن هذه الحالة عند تنقلهم داخل ديار القبيلة أو خارجها. ومن أهم هذه القوانين التعريف عند لقاء الآخر، ومن لم يلتزم ذلك يعرض نفسه - عالما أو جاهلاً - للقتل أوسلب ماله وسلاحه، لأن عدم التسليم والتعريف قد يثيرالشكوك في الأقدام على أعمال عدائية، من أبرزها الثأرات التي يمكن اقتضاؤها من أي فرد من أفراد القبيلة.ولقد حدث ذات مرة أن رجلاً كان يتجول في دياره فمر بآخر دون أن يلقي السلام أو يتوقف للتعريف بنفسه، فما كان من الآخر إلا أن استوقفه وانتزع سلاحه، فشكاه إلى قاضي القبيلة، فخطأه لعدم التوقف والتعريف بنفسه، وأباح للآخر أخذ سلاحه.ويبدأ القادم بعد إلقائه السلام وسماع رده مراسم التعارف: تسأل عني فلان بن فلان، ثم يقدم رفاقه إن كان يصحبه آخرون، ويضيف قدومنا من .... وتوجهنا إلى ...، تنشد عن العلوم : سارة وقارة ... لا خلاف ولا تلاف . أما الأسعار فهي: ويسرد أهم المواد المتداولة وأسعارها، ثم يتحدث عن سلامة الطريق والأمطار والأحداث، ويجيب عن أي تساؤل.
ويجيب المُستقبل معرفاً بنفسه ومن معه وبأحوال المكان وتقديم توضيحات عن المكان ومعابره وتوفر المياه والمناطق المأهولة، ومن ثم يقدم دعوة الضيافة.
وبين أيدينا نصان شعريان لشاعرين أحدهما توفي عام 1353ه - والآخر توفي عام 1410ه تطرقا لهذا الموضوع.
فالأول هو الشاعر أحمد بن عبيد الله الغامدي الذي عاش أكثر من سبعين عاماً وكان ورجال قبيلته في زيارة لبني حسن من زهران حين وقف وقال:
إن حبييت اعلامنا فاعلامنا خير وستر دام
طيبين، الشكر لله، لاخلاف ولا تلاف يولي
وزروع الناس زينة، وعلى ربي تمامها
والمطر للساع، نتحرى لجود الله وكرمه
ان سلتوا عن أسعارنا، برأربعة عن كل حب طيب
والذرة خمسة ونص، وما ترى الاّ سته إلاّ ربيع
والقهوة من الذي طيب، وحق البحر مد وشَطءر
والحوائج فعلى ستة ريال بيع الفراسلة
والسمن غالي وكود ان الريال اليوم يقضي نصيف
والغنم فيها ثلاثة وأربعة وسمانها في خمسة
والبقر عشرين ويهدّه على ثنعش
والجمال الطيبة خمسين والستين تقضي الطيب
والصرف عشرين للتاجر ومن لا يصرف
والحدوث مسكَّنة ، والله لا هيّه ولا سيّة
غير ستر الله علينا وعليكم دايم يدوم
حبَّيت اخدم ربعي في الاعلام والاخبار والسلام
هذا النص من الشعر الغامدي الزهراني لا أعرف كيف أقدمه لوناً من ألوان الشعر الشعبي، التي اشتملت عليها موسوعة الأستاذ علي السلوك الزهراني : "الموروثات الشعبية لغامد وزهران"، الكتاب الثاني .
أما عن محتوى النص ففي البيت الأول يستأذن الشاعر مضيفيه في تقديم أخبار مقدمه ورفاقه بإشاعة الخير ودوام الستر والصحة ويشكر الله على ذلك وبأن لاخلاف ولا فرقة بين الجماعة ولا تلف في الأموال والدعاء بأن يدفع الله عنهم ذلك. وفي البيت الثاني يمتدح الزراعة عماد الاقتصاد يومها وهم يتطلعون إلى كرم الله وجوده بالمطر مصدر الري والشرب.
وفي الأبيات يتحدث عن أسعار المواد التي تهم الناس حينها، ويمكن تقريب ذلك على النحو التالي:
أربعة أمداد من القمح ( 12كجم) = ريال واحد.
خمسة أمداد ذرة ونصف ( 16.5كجم) = ريال واحد. والربيع جزء من المد .
مد قهوة بن محلي ممتاز ( 3كجم) = ريال واحد .
مد وشطره قهوة بن مستورد (3.5) = ريال واحد . والشطرة جزء من المد أكبر من الربيع .
فراسلة زنجبيل (10كجم) = ريال واحد .
نصيف (السمن) = ريال واحد . والسمن غالي، ولم أعرف النصيف ويبدو أنه وعاء معروف في المنطقة، أو نصف المكيال.
الغنم = بين 3ريالات و 4ريالات، والجيد منها 5ريالات.
البقر = بين عشرين ريالا واثني عشر ريالاً.
الأبل = بين خمسين وستين ريال للجمل الواحد.
الريال = 20قرشاً. ويبدو أن الصرف موحد بيعاً وشراء.
ثم يختتم الشاعر إعلامه بأن الأحوال ساكنة لا أحداث جسيمة ولا أخبار سيئة. ويدعو الله بدوام الستر الذي أضفاه عليهم وعلى بلادهم، ثم ينوه بأنه يقدم هذه الأخبار نيابة عن جماعته.
هذه الأحوال والتقاليد يمكن اعتبارها سابقة ومدركة لطلائع الحكم السعودي ومعبرة عن القلق والتفاؤل الذي صاحب الفترة.
أما الشاعر علي بن سعد بن دغسان الغامدي المتوفي عام 1410ه عن عمر يتجاوز الثمانين عاماً أمضى أكثره في العهد السعودي فقد القي قصيدة في حفل زواج على غرار القصيدة السابقة وهي:
علمنا يا العواني خير، ما ابي نعلمكم بشر
مثل ما قال الأول حين يقل شرحة الوافد علومه
أرضنا منعمة بالخير فيها وزايد نعمتين
والمخايل مصدَة، كل ليلة يجينا ما طرى
والعرب كل واحد قد تكمل حسابه لصخونة
غير حن نحمد الله عندنا سالمين من الوفاة
وان نشدتم عن الاسعار رغدان فيه البر خمسة
والذرة ما بعد جت، والشعير اخبره عشرين مد
والغنم من ثلاثة وأربعة تقرب كبار الجلوب
هذا سعر الغنم، أما البقر ما يطب اسواقنا
والبضاعة على العادة تجينا وسعر البن نصيف
وان نشدتم عن العملة ثلاثين قرش ريالنا
هذا ما قال بو عالي وهذي علوم بلادنا
والشاعران من غامد ومن منطقة واحدة وربما أدرك الثاني طرفاً من حياة الأول وقال هذه الأبيات في بداية حياته ، حيث تبدو المعلومات متقاربة ويمكن عرضها على النحو التالي:
يتجنب الشاعر ذكر الأخبار السيئة امتثالاً لقوله : شرحة الوافد علومه أي : زينة الضيف اخباره، وهو ينوه عن الخير المضاعف الذي تنعم به منطقته، ويشكو ندرة المطر الوابل رغم هطول الأمطار غير الغزيرة، ولكن أحوال الناس الاقتصادية مستقرة، والأحوال الصحية يشير إلى انتشار الحمى ولكنها لم تحدث وفيات . ثم يستعرض الأسعار بأن:
خمسة أمداد قمح ( 15كجم) = ريال واحد.
عشرين مد شعير ( 60كجم) = ريال واحد
الأغنام بين ثلاثة ريالات إلى أربعة ريالات.
القهوة (بن) نصف المد ( 1.5كجم) = ريال.
صرف الريال = 30قرشاً، ويبدو أنه يقصد الريال الفرنسي، حيث أن سعر الريال السعودي ثابت (ما بين 22قرشاً إلى عشرين قرشاً).
ويتضح أن اهتمام الناس بالأسعار قد انخفض لتقدم التواصل وزوال العقبات التي كانت تحدث من انتقال الناس، وذلك لإشاعة الأمن والاستقرار الذي أشاعه العهد السعودي الزاهر.
من الماضي القريب:
على مشارف بلدة بحرة الواقعة في منتصف الطريق القديم بين مكة المكرمة وجدة تفقد الشاعر جيوبه فوجد أن بها ثلاثة قروش ، فاطمأن إلى أنه يملك مالاً يوفر له الغداء والشاي في إحدى مقاهي البلدة فقال:
في الجيب عندي ثلاث فلوس
في سوق بحرة تكفيني
قرشين آخذ بها معدوس
والقرش الآخر يقهويني
والمعدوس أكلة حجازية مكونة من الأرز وال عدس ، يخلطان ويطبخان في قدر واحد، ومن المشهيات لهذه الوجبة : كشنة البصل، وسلطة الحمر، وقطع أو (مسر) من السمك الناشف . ويحلو لهم طبخها من ماء المطر لخلوه من الأملاح التي قد تساعد على إذابة العدس، وبالطبع فإن هذه الوصفة لا تتوفر لمعدوس بحرة ،الذي قد يصحبه قطع من البصل الطازج في أفضل الأحوال.
*****