يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحات الموروث والشعر والأدب > ساحة الأدب الشعبي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-31-2009, 05:08 AM   رقم المشاركة : 1
صاحب فوز


 




صاحب فوز
أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري



أبو الفضل العباس بن الأحنف الحنفي صليبة، وقيل له (اليمامي)؛ لأن بلاد قومه اليمامة، وشعره في محبوبته فوز، وتغزّل، بغيرها؛ ليثير غيرتها فترق له، وعنده بعض المجون ولكن من غير فحش ولا تبذّل، وغاية ما يذكره اللهو بالغناء مع بعض أساليب لا يرضاها الورع كالقسم بغير الله، وغزله يشي مع حلاوة الوصف بشيء من المعاناة الصادقة؛ فتدرجه في شعراء الغزل لا التغزّل؛ ولانجماعه على هذا الفن الشعري قال:



لحاني في القريض فقلت ألهو = وما مني الهجاء ولا المديح


توفي -رحمه الله- عام 192هـ، وكان شيخ المعتزلة أبوالهذيل العلاف يبغض العباس ويلعنه، ويزعم أنه يعقد الكفر والفجور.. ومن العجيب أن يستدل على هذه الدعوى بقول العباس:


إذا أردتُ سلواً كان ناصركم = قلبي وما أنا من قلبي بمنتصر

فأي فجور وكفر لعاشق يمنعه قلبه من السلو، ولا يستطيع ترويضه؟!.. ومن جماعة العلاف من الماجنين والمجدّفين أمثال إبراهيم النظام وثمامة بن أشرس، والعباس أتقى وأنقى منهما، ولما ردّ العباس على فرية أبي الهذيل لم يهجه، وإنما قارضه بالصدق زاجراً له عمّا لا يتبرأ منه؛ فقال:

يا من يكذّب أخبار الرسول لقد = أخطأت في كل ما تأتي وما تذر
كذّبت بالقدر الجاري عليك فقد = أتاك مني بما لا تشتهي القدرُ

وشعر العباس غنائي مليح، ومن جهة خصوبة الخيال والمعاني فقد كان يسبح في وشل؛ فنبع من تحته بحر غير لجّي؟!.. ومن مليح شعره هذه الرائية:


إني طربت إلى شمس إذا طلعت = كانت مشارقها جوف المقاصير
شمس ممثلة في خلق جارية = كأنما كشحها طيُّ الطوامير

فهي من شموس الدور وحورها، وخصرها في بياض القرطاس.. وفي حداثة الإمام أبي محمد بن حزم -رحمه الله تعالى- بُعيد بلوغه الحلم -أيام وزارة أبيه وكثرة الخدم والجواري في بيته- كان كلفاً بجارية له قصّ قصتها حتى انتهى إلى أمر سيدتها لها أن تغني قصيدة العباس هذه؛ فلما غنتها قال: «فلعمري لكأن المضراب (يعني ما يمرُّ على الأوتار) إنما يقع على قلبي، وما نسيت ذلك اليوم ولا أنساه إلى يوم مفارقتي الدنيا، وهذا أكثر ما وصلتُ إليه من التمكن من رؤيتها وسماع كلامها»(1).
قال أبو عبدالرحمن: يظهر أن اللحن جميل جداً، ولكن ألحان العرب (بخلاف ما رُوي مشافهة من الأزجال والموشحات وأغاني الصوفية) ضاعت؛ لأن (النوتة) لم تُخترع آنذاك.. ويظهر ثانية أن هذه الجارية موسيقية ذات إحساس جمالي فذ؛ لأنها غيّرت قول العباس:


فالجسم من لؤلؤ والشّعر من ظُلم = والنشر من مسكة والوجه من نور


وجعلته غنائياً صارخاً هكذا:

فالوجه جوهرة والجسم عبْهرة = والريح عنبرة والكل من نور


وهكذا أدركت كبار الموسيقيين يفعلون ذلك، ولا سيما محمد عبدالوهاب.. وقبله هذا البيت:

ليست من الإنس إلا في مناسبة = ولا من الجن إلا في التصاوير

يريد بالتصاوير الأوصاف النادرة التي تُستغرب؛ فيقال: أيّ إنسية تحمل هذا الوصف؟.. والمقابل للإنس الجن، ومن هذه الأوصاف قوله الذي مضى، ثم أردفه بقوله:

كأنها حين تمشي في وصائفها = تخطو على البيض أو خُضر القوارير

فهذا بطر خفيف جداً في المشي الناعم؛ فلا يكاد البيض ينكسر لو مرّت من فوقه؛ لأنها كأنها تتوقى انكساره وهي تمشي على أرض صلبة.. ثم يأتي هذا التدليل في خفرها ونعومتها؛ لأنها صرخت من صورة الأسد:


أنبئتها صرخت لما رأت أسداً = في خاتم صوروه أيّ تصوير

ويظهر صدق البث من الشاعر الغزلي (وإن كان أكثر أوصافه تخيّلات) بما يجسّده من الأماني كتجسيده تأميله لفوز بهذه الرؤيا:

يا صاحبيّ إلى رؤياي فاستمعا = إني رأيت لدى ضوء التباشير
كأن فوزاً تعاطيني على فرس = إكليل ريحان فغْو كالدنانير
الحمد لله هذا إنها جلعتْ = في راحتي أمرها ياحسن تعبيري

والفغو تفتّح نوْر الزهر، ومنه أخذت العامة الفغْي بمعنى الشق، وهنا حدّد الفغو بإكليل ريحان؛ فالفغو للزهر، والرياحين كثيرة الأنواع، ومنها نْور الحناء، ولكن لا أعلم لمن خصّ الفغو بذلك حجة، بل فغو الحناء داخل في فغو الرياحين.. ووالى بثّه وأقسم بغير الله عفا الله عنه؛ فقال:

لا تهجريني على ما بي بعيشكم = إني لترحم نفسي كل مهجور

فالمعنى المستحضر في الشطر الثاني دالّ على صدق البث، ومن أوتار العود البمُّ والزير -وهما معروفان عند العوادين-، وقد ذكرهما العباس في خشوعه كأنه من النساك الخاشعين من الذّكر، وذلك على شفا حفرة من التجديف.. قال:

بكيت من طرب عند السماع كما = يبكي أخو غُصص من حسن تذكير
وصاحب العشق يبكي عند سكرته = إذا تجاوب صوت البمّ والزير

قال أبو عبدالرحمن: قبّح الله سماع صوت الغناء الشجي؛ فقد جربت في صبوتي -والحمد لله على يقظة القلب- أنه يُشعل الفؤاد حريقاً وحسرة، ويسرح به مع الأوهام؛ فإذا استيقظ قلبه رأى أنه يبكي على لا شيء.. هكذا جرّبت مع مثل (أسهر وانشغل أنا!!).. ودلّ على أن غزله القليل في غير فوز؛ لإثارة غيرتها حتى ترقّ قوله:

يا فوز لولاك لم أنفكّ من طرب = آوي إلى آنسات كالدّمى حور

والعباس يُطنب ولكن في سهولة، وبموسيقى، وبزيادة معان خلال الإطناب؛ فتخفّ حدّته، ويُطرب كقوله عن الدمع:

تجافى مرفقاي عن الوساد = كأن به منابت للقتاد
فيا من يشتري أرقاً بنوم = فيسلُب عينه ثوب الرّقاد
تطاول بي سهاد الليل حتى = رست عيناي في بحر السّهاد
وباتت تمطر العبرات عيني = وعين الدمع تنبع من فؤادي
كأن جفون عيني قد تواصت = بأن لا تلتقي حتى التناد
فلو أن الرّقاد يُباع بيعاً = لأغليتُ الرّقاد على العباد

ويأتي في هذه القصيدة ما يُشعر بأنه ذو غزل أعجمي، وهو استعمال الأنفة في العشق، وليس ذلك من أخلاق متيّمي العرب، ولكنه يلغي هذا الظن ببيت بعده كما في قوله:

ولو جدّ القِلى لرحلتُ عنها = ولم نسكن جميعاً في بلاد
مخافة أن يقول الناس إنا = ختمنا الودّ منا بالفساد

ثم يساوم فوزاً بشيء يثير غيرتها إذ يقول:

ولو أني أشاء لواصلتني = ذوات حجى إلى وصلي صواد
عقائل من بنات أبيك صورٌ = إليّ ذوات عطف وانقياد
فجئتكم على ظمأ لأروى = فلم يك عندكم بلل لصاد
وما جهلاً تركتُ البحر خلفي = وجئتكم إلى مصّ الثّماد

وصواد جمع لصادية، وصديّة وصدْيا جمعهما صداء، وهنّ بمعنى عِطاش، وصاد للذكر العطشان صيغة اسم فاعل، والصور المائلات إليه، والثماد الماء القليل الذي يُستقطر بتنقية من الرمل والتراب؛ ولتحريك غيرة فوز بالغ في كثرة العاشقات الشامتات به؛ لهجر فوز له؛ فقال:


وأصبحت العواشق شامتات = وكنت من العواشق في جهاد

واستملحوا له هذين المعنيين البسيطين؛ لأن فيهما جدلية الموقف من رقادهم ويقظتهم:


أبكي الذين أذاقوني مودتهم = حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا
واستنهضوني فلما قمتُ منتصباً = بثقل ما حمّلوا من ودّهم قعدوا

ومن شعره ذي البطر الفني ما كان قانوناً عند من ألّفوا في الحب، وهو قوله:

ياأيها الرجل المعذّب قلبه = أقصر فإن شفاءك الإقصار
نزف البكاء دموع عينك فاستعر = عيناً لغيرك دمعها مدرار
من ذا يعيرك عينه تبكي بها = أرأيت عيناً للبكاء تُعار
الحبّ أول ما يكون لجاجة = تأتي به وتسوقه الأقدار
حتى إذا اقتحم الفتى لُجَج الهوى = جاءت أمور لا تطاق كبار

واستعار جناح القطاة ودعا عليها فقال:


بكيت إلى سرب القطا حين مرّ بي = فقلت ومثلي بالبكاء جدير
أسربَ القطا هل من معير جناحه = لعلّي إلى من قد هويت أطير
وإلا فمن هذا يؤدي تحية = فأشكره إنّ المحب شكور
وأي قطاة لم تساعد أخا هوى = فعاشت بضير والجناح كسير

ولقد عارض سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمهما الله- هذه الأبيات، وكنت أحتفظ بها، ولكنني لا أدري الآن في أي أوراقي هي، وأظنها -ولست متأكداً- تخميساً، والله المستعان.


.............................
(1) مختصر طوق الحمامة، ص324، وكل طبعات الطوق هي في هذا المختصر، ولا يوجد طوق الحمامة كاملاً، وإنما يوجد في الكتب نقلٌ عنه ليس في المختصر


(اعجبني فنقلته)


 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:24 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir