 
 
الذكيُّ الأريبُ يحوّلُ الخسائر إلى أرباحٍ ، والجاهلُ الرِّعْديِدُ يجعلُ المصيبة مصيبتينِ. 
طُرِدَ الرسولُ صلى الله عليه و سلم من مكةَ فأقامَ في المدينةِ دولةً ملأتْ سمْع التاريخِ وبصرهُ .
سُجن الإمام أحمدُ بنُ حَنْبَلَ وجلد ، فصار إمام السنة ،
 وحُبس شيخ الإسلام ابنُ تيمية فأُخْرِج من حبسهِ علماً جماً ،
 ووُضع السرخسيُّ في قعْرِ بئْرٍ معطلةٍ فأخرج عشرين مجلداً في الفِقْهِ ، 
وأقعد ابن الأثيرِ فصنّفَ جامع الأصول والنهاية من أشهرِ وأنفعِ كتبِ الحديثِ ، 
ونُفي ابنُ الجوزي من بغداد ، فجوَّد القراءاتِ السبعِ ، 
وأصابتْ حمى الموتِ مالك بن الريبِ فأرسل للعالمين قصيدتهُ الرائعة الذائعة التي تعدِلُ دواوين شعراءِ الدولةِ العباسيةِ ،
 ومات أبناءُ أبي ذؤيب الهذلي فرثاهمْ بإلياذة أنْصت لها الدهرُ ، وذُهِل منها الجمهورُ ، وصفَّق لها التاريخُ .
إذا داهمتك داهيةٌ فانظرْ في الجانبِ المشرِقِ منها ، 
وإذا ناولك أحدُهمْ كوب ليمونٍ فأضفْ إليهِ حِفْنَةً من سُكَّر ، 
وإذا أهدى لك ثعباناً فخذْ جلْدَهُ الثمين واتركْ باقيه ، 
وإذا لدغتْك عقربٌ فاعلم أنه مصلٌ واقٍ ومناعةٌ حصينة ضد سُمِّ الحياتِ . 
تكيَّف في ظرفكِ القاسي ، 
لتخرج لنا منهُ زهْراً وورْداً وياسميناً 
( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ )  .
سجنتْ فرنسا قبل ثورتِها العارمةِ شاعرْين مجيديْنِ متفائلاً ومتشائماً فأخرجا رأسيْهما من نافذةِ السجنِ .
 فأما المتفائلُ فنظر نظرةٌ في النجومِ فضحك. 
وأما المتشائمٌ فنظر إلى الطينِ في الشارعِ المجاور فبكى. 
انظرْ إلى الوجه الآخر للمأساةِ ، 
لأن الشرَّ المحْض ليس موجوداً ؛
 بل هناك خيرٌ ومَكْسبٌ وفَتْحٌ وأجْرٌ .
الشيخ عائض القرني 
 
تحياتي  
...........