.
*****
من روائع الشعر العربي
القصيدة العمرية
لشاعر النيل حافظ إبراهيم
حسب القوافي و حسبي حين ألقيها = أني إلى ساحة الفاروق أهديها
لاهم هب لي بيانا أستعين به = على قضاء حقوق نام قاضيها
قد نازعتني نفسي أن أوفيها = و ليس في طوق مثلي أن يوفيها
فمر سري المعاني أن يواتيني = فيها فإني ضعيف الحال واهيها
وفاة الفاروق رضي الله عنه
مولى المغيرة لا جادتك غادية = من رحمة الله ما جادت غواديها
مزقت منه أديما حشوه همم = في ذمة الله عاليها و ماضيها
طعنت خاصرة الفاروق منتقما = من الحنيفة في أعلى مجاليها
فأصبحت دولة الإسلام حائرة = تشكو الوجيعة لما مات آسيها
مضى و خلّفها كالطود راسخة = و زان بالعدل و التقوى مغانيها
تنبو المعاول عنها و هي قائمة = و الهادمون كثير في نواحيها
حتى إذا ما تولاها مهدمها = صاح الزوال بها فاندك عاليها
واها على دولة بالأمس قد ملأت = جوانب الشرق رغدا في أياديها
كم ظللتها و حاطتها بأجنحة = عن أعين الدهر قد كانت تواريها
من العناية قد ريشت قوادمها = و من صميم التقى ريشت خوافيها
و الله ما غالها قدما و كاد لها = و اجتث دوحتها إلا مواليها
لو أنها في صميم العرب ما بقيت = لما نعاها على الأيام ناعيها
ياليتهم سمعوا ما قاله عمر = و الروح قد بلغت منه تراقيها
لا تكثروا من مواليكم فإن لهم = مطامع بَسَمَاتُ الضعف تخفيها
إسلامه رضي الله عنه
رأيت في الدين آراء موفقة = فأنزل الله قرآنا يزكيها
و كنت أول من قرت بصحبته = عين الحنيفة و اجتازت أمانيها
قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها = بنعمة الله حصنا من أعاديها
خرجت تبغي أذاها في محمدها = و للحنيفة جبار يواليها
فلم تكد تسمع الايات بالغة = حتى انكفأت تناوي من يناويها
سمعت سورة طه من مرتلها = فزلزلت نية قد كنت تنويها
و قلت فيها مقالا لا يطاوله = قول المحب الذي قد بات يطريها
و يوم أسلمت عز الحق و ارتفعت = عن كاهل الدين أثقالا يعانيها
و صاح فيها بلال صيحة خشعت = لها القلوب ولبت أمر باريها
فأنت في زمن المختار منجدها = و أنت في زمن الصديق منجيها
كم استراك رسول الله مغتبطا = بحكمة لك عند الرأي يلفيها
الفاروق وبيعة الصديق خليفة رسول الله
و موقف لك بعد المصطفى افترقت =فيه الصحابة لما غاب هاديها
بايعت فيه أبا بكر فبايعه = على الخلافة قاصيها و دانيها
و أطفئت فتنة لولاك لاستعرت = بين القبائل و انسابت أفاعيها
بات النبي مسجا في حظيرته = و أنت مستعر الاحشاء داميها
تهيم بين عجيج الناس في دهش = من نبأة قد سرى في الأرض ساريها
تصيح : من قال نفس المصطفى قبضت = علوت هامته بالسيف أبريها
أنساك حبك طه أنه بشر = يجري عليه شؤون الكون مجريها
و أنه وارد لابد موردها = من المنية لا يعفيه ساقيها
نسيت في حق طه آية نزلت = و قد يذكّر بالايات ناسيها
ذهلت يوما فكانت فتنة عمم = وثاب رشدك فانجابت دياجيها
فللسقيفة يوم أنت صاحبه = فيه الخلافة قد شيدت أواسيها
مدت لها الأوس كفا كي تناوله = فمدت الخزرج الايدي تباريها
و ظن كل فريق أن صاحبهم = أولى بها و أتى الشحناء آتيها
حتى انبريت لهم فارتد طامعهم = عنها وآخى أبو بكر أواخيها
الفاروق و علي كرم الله وجهه ورضي عنهما
و قولة لعلي قالها عمر = أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقتُ دارك لا أبقي عليك بها =إن لم تبايع و بنت المصطفى فيها
ما كان غير أبى حفص يفوه بها = أمام فارس عدنان وحاميها
كلاهما في سبيل الحق عزمته = لا تنثني أو يكون الحق ثانيها
فاذكرهما وترحم كلما ذكروا = أعاظما ألِّهوا في الكون تأليها
الفاروق و جبله بن الايهم
كم خفت في الله مضعوفا دعاك به = و كم أخفت قويا ينثني تيها
و في حديث فتى غسان موعظة = لكل ذي نعرة يأبى تناسيها
فما القوي قويا رغم عزته = عند الخصومة و الفاروق قاضيها
وما الضعيف ضعيفا بعد حجته = و إن تخاصم واليها و راعيها
الفاروق و أبو سفيان
و ما أقلت أبا سفيان حين طوى = عنك الهدية معتزا بمهديها
لم يغن عنه و قد حاسبته حسب = و لا معاوية بالشام يجبيها
قيدت منه جليلا شاب مفرقه = في عزة ليس من عز يدانيها
قد نوهوا باسمه في جاهليته = و زاده سيد الكونين تنويها
في فتح مكة كانت داره حرما = قد أمّن الله بعد البيت غاشيها
و كل ذلك لم يشفع لدى عمر = في هفوة لأبي سفيان يأتيها
تالله لو فعل الخطاب فعلته = لما ترخص فيها أو يجازيها
فلا الحسابة في حق يجاملها = و لا القرابة في بطل يحابيها
و تلك قوة نفس لو أراد بها = شم الجبال لما قرت رواسيها
الفاروق و خالد بن الوليد ( سيف الله المسلول )
سل قاهر الفرس و الرومان هل شفعت = له الفتوح و هل أغنى تواليها
غزى فأبلى و خيل الله قد عقدت = باليمن و النصر و البشرى نواصيها
يرمي الأعادي بآراء مسددة = و بالفوارس قد سالت مذاكيها
ما واقع الروم إلا فر قارحها = و لا رمى الفرس إلا طاش راميها
و لم يجز بلدة إلا سمعت بها = الله أكبر تدْوي في نواحيها
عشرون موقعة مرت محجلة = من بعد عشر بنان الفتح تحصيها
و خالد في سبيل الله موقدها = و خالد في سبيل الله صاليها
أتاه أمر أبي حفص فقبله = كما يقبل آي الله تاليها
و استقبل العزل في إبان سطوته = و مجده مستريح النفس هاديها
فاعجب لسيد مخزوم وفارسها = يوم النزال إذا نادى مناديها
يقوده حبشي في عمامته = ولا تحرك مخزوم عواليها
ألقى القياد إلى الجراح ممتثلا = و عزة النفس لم تجرح حواشيها
و انضم للجند يمشي تحت رايته = و بالحياة إذا مالت يفديها
و ما عرته شكوك في خليفته = ولا ارتضى إمرة الجراح تمويها
فخالد كان يدري أن صاحبه = قد وجه النفس نحو الله توجيها
فما يعالج من قول و لا عمل = إلا أراد به للناس ترفيها
لذاك أوصى بأولاد له عمرا = لما دعاه إلى الفردوس داعيها
و ما نهى عمر في يوم مصرعه = نساء مخزوم أن تبكي بواكيها
و قيل فارقت يا فاروق صاحبنا = فيه و قد كان أعطى القوس باريها
فقال خفت افتتان المسلمين به = و فتنة النفس أعيت من يداويها
هبوه أخطأ في تأويل مقصده = و أنها سقطة في عين ناعيها
فلن تعيب حصيف الرأي زلته = حتى يعيب سيوف الهند نابيها
تالله لم يتَّبع في ابن الوليد هوى = و لا شفى غلة في الصدر يطويها
لكنه قد رأى رأيا فأتبعه = عزيمة منه لم تثلم مواضيها
لم يرع في طاعة المولى خؤولته = و لا رعى غيرها فيما ينافيها
و ما أصاب ابنه و السوط يأخذه = لديه من رأفة في الحد يبديها
إن الذي برأ الفاروق نزهه = عن النقائص و الأغراض تنزيها
فذاك خلق من الفردوس طينته = الله أودع فيها ما ينقيها
لاالكبر يسكنها لا الظلم يصحبها = لا الحقد يعرفها لا الحرص يغويها
الفاروق و عمرو بن العاص ( داهية العرب )
شاطرت داهية السواس ثروته = و لم تخفه بمصر و هو واليها
و أنت تعرف عمرا في حواضرها = و لست تجهل عمرا في بواديها
لم تنبت الأرض كابن العاص داهية = يرمي الخطوب برأي ليس يخطيها
فلم يرغ حيلة فيما أمرت به = و قام عمرو إلى الأجمال يزجيها
و لم تقل عاملا منها و قد كثرت = أمواله وفشا في الأرض فاشيها
الفروق وابن عبدالله
و ما وقى ابنك عبد الله أينقه = لما اطلعت عليها في مراعيها
رأيتها في حماه وهي سارحة = مثل القصور قد اهتزت أعاليها
فقلت ما كان عبد الله يشبعها = لو لم يكن ولدي أو كان يرويها
قد استعان بجاهي في تجارته = و بات باسم أبي حفص ينميها
ردوا النياق لبيت المال إن له = حق الزيادة فيها قبل شاريها
و هذه خطة لله واضعها = ردت حقوقا فأغنت مستميحيها
مالإشتراكية المنشود جانبها = بين الورى غير مبنى من مبانيها
فإن نكن نحن أهليها و منبتها = فإنهم عرفوها قبل أهليها
الفاروق و نصر بن حجاج
جنى الجمال على نصر فغربه = عن المدينة تبكيه و يبكيها
و كم رمت قسمات الحسن صاحبها = و أتعبت قصبات السبق حاويها
و زهرة الروض لولا حسن رونقها = لما استطالت عليها كف جانيها
كانت له لمة فينانة عجب = على جبين خليق أن يحليها
و كان أنى مشى مالت عقائلها = شوقا إليه و كاد الحسن يسبيها
هتفن تحت الليالي باسمه شغفا = و للحسان تمنٍّ في لياليها
جززت لمته لما أتيتَ به = ففاق عاطلها في الحسن حاليها
فصحت فيه تحول عن مدينتهم = فإنها فتنة أخشى تماديها
و فتنة الحسن إن هبت نوافحها = كفتنة الحرب إن هبت سوافيها
الفاروق و شهادة رسول كسرى
و راع صاحب كسرى أن رأى عمرا = بين الرعية عطلا و هو راعيها
و عهده بملوك الفرس أن لها = سورا من الجند و الأحراس يحميها
رآه مستغرقا في نومه فرأى = فيه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا = ببردة كاد طول العهد يبليها
فهان في عينه ما كان يكبره = من الأكاسر والدنيا بأيديها
و قال قولة حق أصبحت مثلا = و أصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهم = فنمت نوم قرير العين هانيها
الفاروق و نظام الشورى في الإسلام
يا رافعا راية الشورى و حارسها = جزاك ربك خيرا عن محبيها
لم يلهك النزع عن تأييد دولتها = و للمنية آلام تعانيها
لم أنس أمرك للمقداد يحمله = إلى الجماعة إنذارا و تنبيها
إن ظل بعد ثلاث رأيهم شعبا = فجرد السيف و اضرب في هواديها
فاعجب لقوة نفس ليس يصرفها = طعم المنية مرا عن مراميها
درى عميد بني الشورى بموضعها = فعاش ما عاش يبنيها و يعليها
و ما استبد برأي في حكومته = إن الحكومة تغري مستبديها
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به = رغم الخلاف و رأي الفرد يشقيها
زهده رضي الله عنه
يا من صدفت عن الدنيا و زينتها = فلم يغرك من دنياك مغريها
ماذا رأيت بباب الشام حين رأوا = أن يلبسوك من الأثواب زاهيها
و يركبوك على البرذون تقدمه = خيل مطهمة تحلو مرائيها
مشى فهملج مختالا براكبه = و في البراذين ما تزها بعاليها
فصحت يا قوم كاد الزهو يقتلني = و داخلتني حال لست أدريها
و كاد يصبو إلى دنياكم عمر = و يرتضي بيع باقيه بفانيها
ردوا ركابي فلا أبغي به بدلا = ردوا ثيابي فحسبي اليوم باليها
مثال من رحمته رضي الله عنه
و من رآه أمام القدر منبطحا = و النار تأخذ منه و هو يذكيها
و قد تخلل في أثناء لحيته = منها الدخان و فوه غاب في فيها
رأى هناك أمير المؤمنين على = حال تروع لعمر الله رائيها
يستقبل النار خوف النار في غده = و العين من خشية سالت مآقيها
تقشفه وورعه رضي الله عنه
إن جاع في شدة قومٌ شركتهم = في الجوع أو تنجلي عنهم غواشيها
جوع الخليفة و الدنيا بقبضته = في الزهد منزلة سبحان موليها
فمن يباري أبا حفص و سيرته = أو من يحاول للفاروق تشبيها
يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها = من أين لي ثمن الحلوى فأشريها
لا تمتطي شهوات النفس جامحة = فكسرة الخبز عن حلواك تجزيها
و هل يفي بيت مال المسلمين بما = توحي إليك إذا طاوعت موحيها
قالت لك الله إني لست أرزؤه = مالا لحاجة نفس كنت أبغيها
لكن أجنب شيأ من وظيفتنا = في كل يوم على حال أسويها
حتى إذا ما ملكنا ما يكافئها = شريتها ثم إني لا أثنيها
قال اذهبي و اعلمي إن كنت جاهلة = أن القناعة تغني نفس كاسيها
و أقبلت بعد خمس و هي حاملة = دريهمات لتقضي من تشهيها
فقال نبهت مني غافلا فدعي = هذي الدراهم إذ لا حق لي فيها
ويلي على عمر يرضى بموفية = على الكفاف و ينهى مستزيدها
ما زاد عن قوتنا فالمسلمين به = أولى فقومي لبيت المال رديها
كذاك أخلاقه كانت و ما عهدت = بعد النبوة أخلاق تحاكيها
هيبته رضي الله عنه
في الجاهلية و الإسلام هيبته = تثني الخطوب فلا تعدو عواديها
في طي شدته أسرار مرحمة = تثني الخطوب فلا تعدو عواديها
و بين جنبيه في أوفى صرامته = فؤاد والدة ترعى ذراريها
أغنت عن الصارم المصقول درته = فكم أخافت غوي النفس عاتيها
كانت له كعصى موسى لصاحبها = لا ينزل البطل مجتازا بواديها
أخاف حتى الذراري في ملاعبها = و راع حتى الغواني في ملاهيها
اريت تلك التي لله قد نذرت = انشودة لرسول الله تهديها
قالت نذرت لئن عاد النبي لنا = من غزوة العلى دفي أغنيها
و يممت حضرة الهادي و قد ملأت = أنور طلعته أرجاء ناديها
و استأذنت و مشت بالدف و اندفعت = تشجي بألحانها ما شاء مشجيها
و المصطفى و أبو بكر بجانبه = لا ينكران عليها من أغانيها
حتى إذا لاح من بعد لها عمر = خارت قواها و كاد الخوف يرديها
و خبأت دفها في ثوبها فرقا = منه وودت لو ان الأرض تطويها
قد كان حلم رسول الله يؤنسها = فجاء بطش أبي حفص يخشيها
فقال مهبط وحي الله مبتسما = و في ابتسامته معنى يواسيها
قد فر شيطانها لما رأى عمر = إن الشياطين تخشى بأس مخزيها
مثال على رجوع الفاروق إلى الحق رضي الله عنه
و فتية ولعوا بالراح فانتبذوا = لهم مكانا و جدوا في تعاطيها
ظهرت حائطهم لما علمت بهم = و الليل معتكر الأرجاء ساجيها
حتى تبينتهم و الخمر قد أخذت = تعلو ذؤابة ساقيها و حاسيها
سفهت آراءهم فيها فما لبثوا = أن أوسعوك على ما جئت تسفيها
و رمت تفقيههم في دينهم فإذا = بالشرب قد برعوا الفاروق تفقيها
قالوا مكانك قد جئنا بواحدة = و جئتنا بثلاث لا تباليها
فأت البيوت من الأبواب يا عمر = فقد يُزنُّ من الحيطان آتيها
و استأذن الناس أن تغشى بيوتهم = و لا تلم بدار أو تحييها
و لا تجسس فهذي الآي قد نزلت = بالنهي عنه فلم تذكر نواهيها
فعدت عنهم و قد أكبرت حجتهم = لما رأيت كتاب الله يمليها
و ما أنفت و إن كانوا على حرج = من أن يحجك بالآيات عاصيها
الفاروق و شجرة الرضوان
و سرحة في سماء السرح قد رفعت = ببيعة المصطفى من رأسها تيها
أزلتها حين غالوا في الطواف بها = و كان تطوافهم للدين تشويها
ختام القصيدة العمرية
هذي مناقبه في عهد دولته = للشاهدين و للأعقاب أحكيها
في كل واحدة منهن نابلة = من الطبائع تغذو نفس واعيها
لعل في أمة الإسلام نابتتة = تجلو لحاضرها مرآة ماضيها
حتى ترى بعض ما شادت أوائلها = من الصروح و ما عاناه بانيها
وحسبها أن ترى ما كان من عمر = حتى ينبه منها عين غافيها
رحم الله الفاروق ورضي عنه وأرضاه وجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة
ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم وكتب له الأجر والثواب
*****