اول سائق قطار سعودي

تختلف الأحاديث والروايات عندما يتعلق الأمر بقصة قديمة ترك معاصروها هذه الدنيا ولم يبق منهم إلا القليل الذين تستطيع من خلالهم أن تتعرف على الرواية وتوثقها لاسيما عندما يتعلق الأمر ببداية تكوين البنية التحتية لوزارات المملكة في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ويعد خير الله حسين الزهراني أحد الرجال المعدودين الذين عاصروا تلك الفترة وحظي بشرف مقابلة الملك عبد العزيز عندما تولى قيادة القطار من الدمام إلى الظهران ومن ثم إلى الرياض وذلك في عام 1370ه كأول السعوديين الذين تعلموا القيادة في مدرسة السكة الحديد في الدمام. التقينا به لنستمع إلى ما تختزنه ذاكرته عن الكثير من المواقف والمشاهد والتجارب التي مرت به في الفترة التي قضاها في قيادة القطار.... وما يراه من اختلاف بين حياة الأمس وحياة اليوم.
يبدأ الزهراني حديثة بالقول: ولدت في قرية القوارير في منطقة الباحة عام 1343ه وعندما بلغت الثانية عشرة توفي والدي وأصبحت عائل الأسرة التي تتكون من والدتي وشقيقي وشقيقتي ولم يترك لنا سوى كوخ مبني من الحجر وكانت الباحة بأكملها تفتقر الحياة فيها لمصادر الرزق مما جعلني أفكر بالرحيل إلى مكة للبحث عن عمل أعيش به وعائلتي.
شاركت في حرب فلسطين
عند بلوغي الخامسة عشرة ذهبت إلى مكة المكرمة للبحث عن عمل والتحقت بالجيش العربي السعودي في القشلة عام 1362ه وبعد فترة وجيزة شاركت مع الجيش السعودي في حرب فلسطين عام 1948م وبعد العودة من الحرب ذهبت إلى أسرتي في الباحة ولتعذر المواصلات تأخرت عن العمل وتم فصلي حيث بدأت مرة أخرى في البحث عن عمل.
أول قطار أثار الرعب في الأهالي
ويتذكر الزهراني قصة خوف الأهالي في الدمام عند قدوم أول قطار بعد توحيد المملكة وقال: عندما بدأت شركة ارامكو عملها في المملكة تم إنشاء أول سكة حديد من ميناء الدمام إلى الظهران لنقل الآليات والبضائع على عربات القطار وعندما تم تشغيل القطار خرج الأهالي عند سماع صوته مذعورين من هذا الغريب حيث حمل البعض بندقيته ووجهها من بعد للقطار بينما قال احد أبناء البادية هذا ليس ترنبيل أي (سيارة) هذا "سكني" بمعنى جان وعندما تحركت عربات القطار دفعة واحدة زاد استغراب الجميع واصطفوا بالقرب من سكة القطار كل وسلاحه الذي معه بندقية والبعض حمل الخنجر وآخرون بالعصي خاصة أبناء البادية الذين حاولوا تحطيم هذه الآلة العجيبة التي أفزعت مواشيهم وأتذكر مقولة احدهم التي مازالت عالقة بذهني حتى الآن عندما قال "عجزنا في ترنبيل واحد جانا هالمجنون يسحب عياله" وأثناء تجمهر الأهالي حول السكة الحديد حضر أحد مسؤولي ارامكو وقام بتهدئة الموجودين وأوضح لهم أن هذا القطار احضر بأمر الملك عبدالعزيز لخدمتكم.
أول سعودي يقود القطار
في أثناء تواجدي بالقرب من السكة الحديد متجهاً للدمام للبحث عن عمل تعرفت بمحض الصدفة على شخص يدعى علي بن سعد الشمراني يبحث هوا أيضا عن عمل فاتفقنا على الذهاب لأرامكوا حيث تم قبولنا في مدرسة السكة الحديد لتعلم قيادة القطار لمدة سنة كاملة ستة شهور نظري ولغة انجليزية وستة شهور عملي مساعد كابتن وقد كان يقوم بتدريبنا مجموعة من الايطاليين والأردنيين حيث تخرجنا بتقدير ممتاز وذلك في عام 1369ه حيث كنت أنا والشمراني من أول سائقي القطار في المملكة من السعوديين.
مقابلة الملك عبدالعزيز
ويتذكر الزهراني أهم مواقف حياته التي يعتز ويفتخر بها وهي مقابلة الملك عبد العزيز عندما قمت بقيادة أول رحلة للقطار من الدمام للرياض وذلك في عام 1370ه حيث تشرفت بالسلام عليه والاستماع لكلماته العظيمة التي كانت دافعاً لي بمواصلة العمل بكل حماس.
أول راتب
وعن صعوبة وخطورة قيادة القطار يقول الزهراني لا توجد صعوبة في قيادة القطار ولكن هناك بعض المخاطر التي تواجهني أثناء الرحلة من الدمام إلى الرياض تتمثل في الكثبان الرملية التي تتراكم على السكة الحديد لاسيما وهي تخترق رمال الصمان المتحركة إضافة إلى تواجد أبناء البادية في تلك المنطقة حيث تشكل مواشيهم وإبلهم بعض الإرباك لي حيث أكون مشدود الأعصاب حتى اجتاز هذه المواقع وعن المرتب الشهري الذي كان يتقاضاه قال كان مرتبي الشهري في بداية العمل 300ريال شهرياً وفي عام 1374ه تم رفع مرتبي إلى 440ريالاً وكانت تعادل 10000في وقتنا الحاضر. وذكر الزهراني انه يقوم بقيادة جميع أنواع القطارات في ذلك الوقت وهي نوعان (كسترا) المخصص لنقل البضائع و(البيت كار) المخصص لنقل الركاب.
أصعب موقف
وعن اشد المواقف إيلاما في حياة الزهراني يقول: الحياة لاتخلو من مواقف حلوة ومواقف مرة وهذه سُنة الحياة ولكن من أصعب المواقف التي مررت بها عندما اصطدم القطار الذي اقودة وهو يجر 40عربة خلفه محملة بالركاب بقطار متوقف بالقرب من الأ حساء وتوفي احد الركاب يدعى عبد الله الشهري ولم يكن السبب مني ولكن من المسؤول عن خط السير الذي لم يبلغني عن طريق الاتصال اللاسلكي بوجد قطار عطلان في نقطة الإحساء وقد تم سجني بعد الحادث وتحويلي من قائد للقطار إلى مكنيكي في وزراة المواصلات وذلك في عهد الملك سعود رحمة الله في عام 1379ه وكان وزير المواصلات آنذاك عبد الرحمن آل الشيخ. وبقيت في وزارة المواصلات حتى منحت التقاعد.
وعن أهم الأماني التي يرجو الزهراني أن تتحقق في العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين يقول أمنيتي التي أتطلع إليها هي أن أرى جميع مناطق المملكة وقد ارتبطت بشبكة متكاملة للسكة الحديد خاصة ونحن نعيش في العصر الزاهر عصر خادم الحرمين الشريفين حتى يضاف هذا المشروع لمنظومة المشاريع العملاقة التي تشهدها المملكة في مجال المواصلات. ولدي الرغبة في العودة لقيادة القطار وتقديم الاستشارات للمسؤولين في أي وقت وبدون مقابل في سبيل خدمة وطني.
وعن الفرق بين حياة جيل الأمس واليوم يقول الزهراني في السابق كانت الحياة بسيطة والناس يغلب عليهم الفقر بشكل عام وكان الحصول على لقمة العيش صعباً ويتطلب جهداً ومثابرة والسفر والترحال حيث نقوم بالبحث عن العمل في جميع المجالات دون شرط أو قيد ولم نكن نعرف العمالة التي نشاهدها في وقتنا الحاضر وتجد البائع في المحلات التجارية سعودياً والحطاب والحمال والجزار والراعي بينما اليوم رغم مايعيشة الناس من رغد العيش والرفاهية تجد الشباب لا يقبلون العمل في المحلات التجارية وغيرها من المهن التي عملنا بها وغلب عليهم الكسل والنوم إذا ماتوفرت فرصة عمل مريحة في مكتب مكيف وكرسي دوار وغرفة نظيفة لاتتسخ فيها ملابسه مما جعل الحكومة أيدها الله تفرض نظام السعودة على بعض المحلات الخاصة وهذه خطوة ايجابية لفتح المجال للشباب السعودي لدخول العمل بأقل جهد وأسرع وقت.