.
*****
* بصراحة.. هل الفكر والكتابة في مجتمعنا يحتاجان، بسبب مصالح الحياة، إلى مواهب "المتسولين"؟.
- هذا صحيح فالكتابة الصحافية، والتلفزيونية في وطني يتصدرها المتسولون الذين يحبون السفر مع المسؤولين في رحلات الصيد، والمؤتمرات، والندوات ويفرحون بالظروف المنتفخة بالدولارات الأمريكية، وهذا النوع من الكتاب كلما حكى له عن الفساد تكلم معك بلغة الكبار بقوله "لعله خير"، وهذا النوع من الكتاب يحب التعارك مع الضعفاء فقط. وهم أحد أهم عناصر الفساد في بلادنا لأنهم سيطرون على منابع الكتابة.
* ماذا يتطلب الإصلاح، والتطوير، والتحديث في مختلف شؤون الدولة؟
- الصرامة والحزم والشدة في تطبيق الأنظمة. والصراحة، والشفافية، والإخلاص وتمكن اليقين الإيماني لدى أصحاب القرار بنية الإصلاح، والمصارحة مع الشعب والمواجهة والمكاشفة العلنية.
* "أباطرة" صحافتنا حولوا صفحاتها إلى ما يشبه سفرة طعام في المطاعم الرخيصة، ما تعليقك؟
- للأسف الشديد في هذه المرحلة وقبلها أصبحت الصحافة شديدة التوظيف لخدمة المصالح الشخصية للمفاصل الرئيسة لكبار المسؤولين. نقول للعقلاء من كبار الصحافيين والكتاب وأصحاب العقد والحل في أروقة الصحافة لنجعلها في خدمة الوطن والمواطن أولاً ثم تفرغوا لإشباع شهواتكم التي لم ولن تشبع. نتعاون لكي نتحدث عن تحديات هذه المرحلة بلغة وثقافة يحيطان بمكانة مماثلة ومتوازنة لأجل تبادل الرأي والمشورة من دون وجود طرف أمر وآخر مأمور، حتى تصبح صحافتنا هي السلطة الرابعة الحقيقة. فيحترمنا الوطن والمواطن والتاريخ والعالم.
* إلى أي مدى أخذت مهرجانات "مزايين الإبل" الشباب -بفعل فاعل- من خطاب متطرف إلى خطاب متخلف، كما يقال؟
- أنا أطلقت عليها "مزابل الإبل" لأنها خلقت فتناً وولدت فتناً جديدة، وأثارت نعرات طائفية ومناطقية. نحن لسنا في حاجة لها. ولدي شك أنها أصبحت إحدى مخرجات عمليات غسيل الأموال وتبييضها. فهل من المعقول أن يصبح سعر جمل 60 مليون ريال؟ فالحيوان في بلادنا أصبح أغلى من الإنسان. والله جلت قدرته كرم الإنسان.. والله هذه فضيحة عالمية، أليس من الأولى والأنفع للوطن والمواطن أن تصرف هذه الملايين على قنوات الفقر والفقراء، سندفع ثمن هذا البطر على النعمة كما دفعه غيرنا.
* هل فعلاً خاتمة نزاع الصحوة والحداثة كانت السجون، والتطرف، والتكفير والتفجير؟
- نعم هذا ما قاله واقع بلادنا، ومشهدنا العام السياسي والديني، والثقافي والفكري والصحافي. أرقي ما في تلك المعارك والحروب والصراعات، أنه ولله الحمد لم يمت أي أحد من المحاربين (شهيداً) بل خرج كثيرهم مثقل بالجراح والدماء التي لطخت وجوهم وثيابهم، وعرت أجسادهم وكشفت زيفهم وخداعهم وكذبهم على هذا الشعب المسكين وشوهت سمعتهم ومكانتهم.
* دائماً عندما تحضر ملتقى أو ندوة أو برنامج تلفزيوني تشعل الأجواء، وتثير ردود فعل متباينة.. لماذا أنت سريع الاشتعال هكذا؟
- هذه طبيعة من طبائع الوطنيين من أبناء الشعوب، الذين يرفضون الكذب، والاستخفاف بعقولهم والاستهانة بكرامتهم وعزتهم والتقليل من وطنيتهم، فلقد مللنا من الكذب والنفاق والمداهنة والمجاملات واللف والدوران. ونريد أن نسمع تصورات حقيقية. وأنا بطبعي لا أنتظر اللحظة لتأتي، بل أذهب إليها وأعمل أن تفوق الناس من سباتها ونومها. ولو أدى بي الأمر أن أصب الماء البارد عليهم، وإلا فأضطر إلى استخدام ماء النار وكشها في وجوههم وهي تحرق بسرعة بحيث لا يعذب المحروق النائم.
* ترى أن هيئة الصحفيين السعوديين لم تقم بواجبها كما يجب في حماية الصحفيين، هل ذلك لأنها لم تدافع عنك عند إيقافك عن الكتابة أكثر من مرة؟
- نعم أقولها وبكل صراحة.. إن هيئة الصحافيين لم تقم، ولن تقوم، بأعمالها وواجباتها ليس معي فقط بل مع الكثير، أقربها طرد الأستاذ قينان الغامدي من منصب رئيس تحرير جريدة الشرق، وأنا وقعت لي أزمات عديدة لم يساعدوني في أي عملية توقيف أو منع من الكتابة.
* وصفت هيئة الصحفيين بـ "حظيرة" الصحافيين.. إلى أي مدى تعتقد أن هذا الوصف يليق بها؟
- وقع هذا بالفعل، ولكن فهم عبر التسرع واللقافة. فأنا لا أقبل أن أعيش في حظيرة، اجتمعت الجمعية العمومية لهيئة الصحافيين من أجل تغير الاسم ووقعت الخلافات كعادتنا فقلت لهم سموها حظيرة الصحافيين. لنكون مثل القطيع نقاد. فتسرع أحد المشهورين باللقافة وهو الأخ (خ. س) وأخذ الميكروفون بعد مداخلتي وهو من كذابي الزفة المعروفين وعمل فيها ذكر بط، ووقف خطيباً فينا وظن نفسه الخطيب العربي الشهير سحبان بن وائل، وانفعل وأزبد، وذلك بنفس طريقة الزعيم العربي الراحل معمر القذافي -رحمه الله- في مؤتمرات القمة العربية، ولم أفهم ما يريد. وغفل (خ. س) هذا الذي لا يفهم شيئاً في الصحافة غير الزج بنفسه إن كلمة حظيرة ليست عيباً، فالصواريخ النووية والطائرات لها حظائر غير حظائر الغنم التي يعرفها. والتي ألف وتعود على السكن والعيش فيها.
* هل فعلاً صحفيو مكة المكرمة مضطهدون؟ وممن إن كانوا كذلك؟
- صحفيو مكة المكرمة نعم مضطهدون، ومساكين، وأصبح كثيرهم مشرداً، فبعد قفل جريدة الندوة بالسلاسل والأغلال شرد من بها من الصحافيين في الشوارع، وجلسوا على الأرصفة يكتبون عرائض للمواطنين أمام المقار، والأجهزة الحكومية.
* من هم "كذابو الزفة" في الصحافة السعودية؟
- أنا أملك حصافة قانونية، ولولا الخوف من الشكوى ضدي في المحاكم الشرعية، لقلت لك أسماء كذابي الزفة بالترتيب الأبجدي. وأعدادهم كثيرة جداً ربما أحتاج إلى عشرة دفاتر أبو (80) صفحة. كذابيو الزفة في الصحافة السعودية هم قبائل متناحرة وأقوام لا يخافون الله لا في السر ولا في العلن، يكذبون على الوطن والمواطن. وهم يذكرونني بذلك الشاعر المثقف الذي حمل نعشه 40 سنة، ولم يجد من يكفنه، وهو الكميت الشاعر المعروف، وهو شاعر موهوب، ولكن التاريخ للأسف حتى الآن يذكر شاعراً موهوباً آخر مدح أحد طواغيت العراق بأبيات من الشعر تفوق قبحاً وبذاءة ونفاقاً وكفراً وهو الشاعر ابن هاني الأندلسي الذي أنشد:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار ×× واحكم فأنت الواحد القهار
كذابو الزفة هم الفئة الضالة في صحافتنا أولئك الذين يدخلون مناسبة الزواج مع أهل العريس، وعند الانتهاء من المناسبة يخرجون مع أهل العروسة، تباً لهم ولأعمالهم.
* كتبت مقالاً تنتقد فيه الأمير خالد بن طلال على أثر مداخلة فضائية ساخنة له، ووصفتها بأنها "تحريض ضد منجزات الدولة"، وطالبته بالتخلي عن مميزاته إن كان صادقاً في بحثه عن الآخرة بدلاً من التنظير.. ألهذه الدرجة أنت "ساخن" في خلافاتك الفكرية؟
- لم يفهم الأمير خالد بن طلال أن المجتمع المدني السعودي مفرغ تماماً من الوجهة الثقافية والفكرية. ومن حيث الأصول والمرتكزات الواقعية للانفتاح على العالم، ولم يدرك الأمير خالد بن طلال أن أيام الجاهلية التي كنا نعيشها مضت، واليوم نعيش أيام التنوير ولم تكن الحالة مجرد تبديل اسم بآخر، بل يحتاج الأمر إلى قرارات تاريخية مثل إدخال المرأة للعمل السياسي، وعمل المهرجانات والمؤتمرات الثقافية مثل معرض الكتاب وغيره، فلو نظر خالد بن طلال إلى المبادئ التي كانت أيام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نجد أن الدولة ليست مجرد تراب، وقطعة أرض وليست بشراً. تسير على الأرض بدون عمل أوعي أو زمن نقضيه في الحكي و "اللغوصات". فقام وهاجم منجزات الدولة التي - نظن- أنها سوف تنقلنا للعالم الأول، فهاجم دخول المرأة في مجلس الشورى، وهاجم معرض الكتاب وغيره فتصديت له بالرد، والتوضيح المبين ليس إلا.
* حسناً.. هناك من ينتقد وجود النساء في مجلس الشورى، وأنهن مجرد ديكور جميل لن يضيف شيئاً للمجتمع.. ما تعليقك؟
- هذا تفكير يعبر عن الغباء السياسي و "البله" التديني.
* في بعض المناسبات والمهرجانات الوطنية يظهر طلاب علم للاحتساب.. كيف ترى مثل هذا التوجه؟
- إن الإشراف على إدارة الأمور، ومحاسبة القائمين بإدارة الأمور هي من مهام وواجبات الحكومة وليس الأفراد. والحكومة يفترض أن تكون خادمة للشعب، لا سيدته، ومسؤولة أمام الشعب الذين جعلهم الله جلت قدرته أصحاب كرامة وعزة. وليس من حق أي مواطن باسم الاحتساب أن يقوم بعمل الدولة.
* يكثر الحديث حول هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلباً أو إيجاباً.. كيف ترى التطورات التي قام بها رئيسها في الفترة الأخيرة؟
- لا بد أن نستفيد من التجارب الجديدة التي حصلت عليها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والهدف من هذه التطورات هو أن نعلن للشعب وللعالم أنه لا يوجد هناك تعارض بين الدين والحرية.
* من الذي تقول له: "يا رجل أفق وتنبه إنك في سبات عميق"؟
- أقول لكل مستبد من حكام الأمة العربية: تذكر مشهد إعدام صدام حسين -رحمه الله - وهو معلق على أعواد المشنقة، وتذكر الزعيم معمر القذافي وهو مختبئ داخل شبكة المجاري ثم قتل شر قتله، وتذكر منظر الرئيس محمد حسني مبارك وهو نائم على السرير وداخل قفص السجن، وتذكر كيف تشوه منظر وشكل الرئيس اليمني على عبد الله صالح، وتذكر لحظة هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.
* يكتبون كثيراً عن الفقر والفقراء، والمساكين والمحتاجين والمرضى الذين لا يجدون العلاج المسكن.. في حين أنهم يسكنون في قصور فارهة ويتمتعون بملذات الحياة.. ماذا تقول لهؤلاء الكتاب، والدعاة؟
-هؤلاء الذين ذكرهم الله في القرآن المجيد، أنهم يقولون ما لا يفعلون.. يستغلون الدين فأصبحوا من الأغنياء بل من الأثرياء، وقريباً تسمع أنهم امتلكوا طائرات خاصة. وامتلكوا محطات فضائية.
* لماذا ما تزال مناهجنا الدراسية تركز على دور المرأة نحو الرجل ولا تذكر العكس؟
- لأننا نخاف من المرأة وهي راقدة داخل صندوق قبرها. ولكن عندما نخلو بالمرأة في غرف النوم نقبل أقدامها.
* متى تكون شفافاً ومكشوفاً بلا أقنعة في مناقشاتك ومداخلاتك؟
- لا أحد يعرف حقيقة ما أنا عليه من امتلاك للصراحة، والجرأة، والشجاعة والشفافية، والقدرة على المواجهة وقلت لكثير وكثير من الفاعلين "كفاكم تضليلا للشعب والتجارة به". وأتوخى الموضوعية بقدر كبير، وأملك قدرة الفضح، والكشف، والإعلان عن الفساد والمستور والانتهاكات. ولكن لا أحب التعامل مع كلمة الخيانة أو التخوين.
* ما أهم ما ندمت عليه؟
- أشياء، وأشياء كثيرة ندمت عليها في حياتي وتم حذفها وإلغاؤها من حياتي، لعل أهمها أن الموهبة التي منحني إياه الله الجبار المتكبر وهي التفكير والكتابة التي قادتني لمشروع الإصلاح والتنوير، ويا ليتني لم أمنح هذه الموهبة، وهذه القدرة، وهذه الطاقة، وهذا التفكير، وذلك العناد، والذكاء والفطنة. وكنت من جملة الأغبياء والمعوقين في هذا الوطن. فالتغابي وجدته نعمة بل هو أفضل طريقة للعيش في هذا الوطن.
* ما أبرز "خسائرك"؟
- خسرت، وخسرت، وخسرت، أهلي، وبني قومي، وأصحابي، وزملائي، والدولة، والأمراء والوزراء وكل المسؤولين، بسبب الحق لم يبق لي صديق إلا الحق. كما قال سيدنا علي بن أبي طالب ربي الله عنه، ولكن كسبت إن شاء الله رضاء ربي الله الذي خلقني هكذا، وكتب علي هذه المقادير في اللوح المحفوظ. ولم أعول على أحد.
* ماذا تقول لكاتب مناطقي وإقليمي؟
- اتق الله في نفسك ودينك، ووطنك، وأهلك.
* ما الخطوط الحمراء لديك؟
- الخطوط الحمراء تختلف مساحتها من موقع لآخر، ولا أخاف من أي خط أحمر. ولكن لا أقبل على نفسي الاقتراب من الذات الإلهية والذات النبوية الشريفة، هذه هي الخطوط المحترمة، التي لا أستطيع القرب أو الاقتراب منها.
* ما الشيء الذي حرصت على تعلمه أكثر من غيره؟
- الصبر، والجلد، والصلابة. والعناد في التمسك بالمبادئ.
* في أي المواقف ترفع الراية البيضاء ملوحاً بالانسحاب؟
- في مواقف بعينها رفعت الراية البيضاء وأعلنت هزيمتي بكل شجاعة وصراحة وجرأة وأعلنتها في الصحافة مثل هزيمتي في انتخابات نادي مكة الثقافي الأدبي، فالانسحاب ليس عيباً ولا عاراً إنما هو تقدير موقف.
* في مواجهة الناس.. ما قناعاتك؟ وما رصيدك أمامهم؟
- أثناء المواجهة أقف أمام ضميري ومبادئي وقيمي وديني ووطني ومهنتي. وأقول عبرها قناعاتي المختلفة معتمداً على الصدق والصراحة والجرأة والشجاعة أرجو أن يكون لي رصيد من الحب النقي عند الناس.
(انتهى)
*****