يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-23-2012, 06:59 PM   رقم المشاركة : 71

 

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه ما تعاقبَ ليلٌ ونهارٌ.
أيها المسلمون:
إن من الإحسانِ الواجبِ: الإحسانُ في طاعةِ وليِّ الأمر بالمعروف، ومن ذلك: النصيحةُ الصادقةُ له التي مُبتغاها رِضا الله - جل وعلا -، والتعاوُن معه على الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، والحِرص على وحدة الصفِّ وَفق قاعدة الإسلام على تحقيق التقوى والإيمان.
فنسألُ اللهَ - جل وعلا - أن يجعلَنا وإياكم من أهل الإحسان في كل شيءٍ.
من خيرِ الأعمال وأزكاها عند ربِّنا: الإكثارُ من الصلاةِ والسلامِ على النبيِّ الكريمِ خاصَّةً في مثلِ هذا اليوم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدِنا ونبيِّنا وحبيبِنا وقُرَّةِ عيوننا: نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وأصحابهِ، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أحسِن إلينا في الدنيا والآخرة، اللهم أحسِن إلينا في الدنيا والآخرة، اللهم أحسِن إلينا في الدنيا والآخرة، واجعَلنا مع المُحسنين، اللهم اجعلنا من المُحسنين، اللهم اجعلنا من المُحسنين.
اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم إنك تعلمُ أوضاعَنا، اللهم إنك تعلمُ تسلُّط الأشرار على المُسلمين، اللهم إنه لا يخفَى عليك خافيةٌ، اللهم عليك بأهل الشرِّ والفساد، اللهم عليك بأهل الشرِّ والفساد، اللهم عليك بأهل الفُجورِ والإلحادِ، اللهم عليك بأهل الفُجورِ والإلحادِ، اللهم عليك بمن مكَرَ بالمُسلمين، اللهم عليك بمن مكَرَ بالمُسلمين، اللهم عليك بمن مكَرَ بالمُسلمين.
اللهم إنا أمةَ نبيِّك محمدٍ أفضلِ خلقِك، اللهم مُنَّ علينا بالأمنِ والأمانِ، اللهم مُنَّ علينا بالأمنِ والأمانِ، اللهم ولِّ علينا خِيارَنا، اللهم ولِّ على المُسلمين خيارَهم، اللهم ولِّ عليهم أهلَ التقوى، اللهم ولِّ عليهم أصحابَ التقوى، اللهم ولِّ عليهم أهلَ التقوى، اللهم جنِّبهُم المُفسِدين وأهلَ الشرِّ يا ذا الجلال والإكرامِ.
اللهم اقمَع واكبِت أهل الشر والفساد، اللهم اقمَع واكبِت أهل الشر والفساد، اللهم لا تُقِم لهم قائمةً، اللهم لا تُقِم لهم قائمةً، اللهم واجعلهم في الأذَلِّين، اللهم واجعلهم في الأذَلِّين، اللهم واجعلهم في الأذَلِّين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لما تحبُّه وترضاه، اللهم ارزُقه البِطانةَ الناصِحةَ الصالِحة، اللهم ارزُقه البِطانةَ الناصِحةَ الصالِحة يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم مُنَّ على المُسلمين بالأمن والأمانِ، اللهم مُنَّ عليهم بالأمنِ والأمان في سُوريا، وفي مصر، وفي اليَمن، وفي ليبيا، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين.
اللهم حقِّق للمُسلمين ما يصبُون إليه، اللهم حقِّق لهم ما يصبُون إليه، اللهم حقِّق لهم ما يصبُون إليه، اللهم احبِط مكرَ أعدائهم، اللهم احبِط مكرَ أعدائهم، اللهم احبِط مكرَ أعدائهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم يا غنيُّ يا حميدُ أغِثنا، اللهم إنا بحاجةٍ إلى المَطَرِ، اللهم إنا بحاجةٍ إلى المَطَرِ، اللهم إنا بحاجةٍ إلى المَطَرِ، اللهم فاسقِنا، اللهم فاسقِنا، اللهم فاسقِنا، لا تُؤاخِذنا بأعمالِنا، لا تُؤاخِذنا بجرائِرِنا، اللهم امنُن علينا فأنت أهلُ المنِّ والعطاءِ، اللهم امنُن علينا فأنت أهلُ المنِّ والعطاءِ.
اللهم صلِّ وسلِّم على سيِّدنا ورسولِنا محمدٍ.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 04-29-2012, 11:31 PM   رقم المشاركة : 72
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

خطورة التكالُب على الدنيا
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 6/6/1433هـ بعنوان: "خطورة التكالُب على الدنيا"، والتي تحدَّث فيها عن الدنيا وفتنتها، وأن التكالُب عليها سببُ كل محنةٍ وفتنةٍ وبليَّةٍ، وعاقبةَ ذلك وخيمةٌ في الآخرة، وذكرَ العديدَ من الآيات والأحاديث المُحذِّرة من الانشغالِ بها والسعي خلفَها.

الخطبة الأولى
الحمد لله المُتفرِّد بالكبرياء والبقاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له صاحبُ العِزَّة والبقاء، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه سيدُ الأنبياء، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ أهل الخيرِ والتُّقَى، اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا ورسولِنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه أهلِ الخير والتُّقَى.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله - جل وعلا -؛ فالتقوى سبيلُ الفلاح، وطاعةُ الرحمن أساسُ كل فوزٍ ونجاحٍ.
أيها المُسلمون:
أخطرُ شيءٍ اليوم على المُسلمين: تكالبُهم على الدنيا، والتنافُس فيها تنافُس السِّباع على الفريسة، كل ذلك لِذاتِ الدنيا بدون إيثار الآخرة الباقية، ودون أن يكون هذا الحبُّ لهذه الدنيا الفانِية محكومًا بضوابِط الشرعِ وتوجيهاتِه وتعليماتِه.
ولقد حذَّرَنا ربُّنا - جل وعلا - من هذا المسلَكِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ[فاطر: 5].
المؤمنونُ أصحابُ رسالةٍ سامِيةٍ ينظُرون لهذه الدنيا على أنها مزرعةٌ للآخرة، فيتزوَّدون منها، ويطلبون فضلَ الله - جل وعلا - وفقَ أوامره - عزَّ شأنه -، قلوبُهم مُتعلِّقةٌ بالآخرة والعملِ لها، مع أخذِهم بنصِيبهم من الدنيا بالعمل النافعِ المُثمِر، والتجارةِ المحكومةِ بتقوى الله - جل وعلا -، فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[الجمعة: 10]، وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ[القصص: 77].
إن المُتابِعَ لأحوال الأمة اليوم على مُستوى أفرادها ومُجتمعاتها، وحُكَّامها ومحكوميها يجِدُ أن سببَ الشقاء وأصلَ المصائبِ والعَنَاء عند كثيرٍ من الناس، وأن أساسَ المِحَن والفِتَن: تغليبُ حُبِّ الدنيا، والافتِتانُ بها، وجعلُها محكومةً للتوجُّهاتِ والإراداتِ والمقاصِد، ومُسيطرةً على الأفعالِ والأقوالِ والتصرُّفات، فأصبحَ كثيرٌ يُوالِي على الدُّنيا، ومن أجلها يُعادُون، ولِذاتِها يُقاتِلون، فحينئذٍ وقعَ لهم الشقاءُ بأنواعه، وفقَدوا السعادةَ والفلاحَ، والعِزَّ والنجاحَ.
ومن أجل هذا حذَّرَت نُصوصُ الإسلام من هذا المسلَكِ الوَخيم والمنهجِ الأثيم، قال - جل وعلا -: وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ[العنكبوت: 64].
ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يقول في قصةٍ مع الصحابة - رضي الله عنهم -: «فواللهِ ما الفقرَ أخشَى عليكم، ولكن أخشَى عليكم أن تُبسَطَ الدنيا عليكم كما بُسِطَت على من كان قبلَكم، فتتنافَسُوها كما تنافَسُوها، فتُهلِكَكم كما أهلكَتهم»؛ متفق عليه.
وفي حديثٍ آخر: أنه - صلى الله عليه وسلم - جلسَ على المنبَر، قال أبو سعيد: وجلسنا حولَه، ثم قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن مما أخافُ عليكم من بعدي: ما يُفتَحُ عليكم من زهرةِ الدنيا وزِينتِها»؛ متفق عليه.
إن الفلاحَ الدنيوي والأخروي إنما يكونُ في تحقيقِ تقوى الله - جل وعلا - وطاعتِه، والحَذَر من مزالِقِ حبِّ الدنيا، أو أن تُؤثِّرَ على تقوى الله - جل وعلا - بنقصٍ أو تفريطٍ يُؤثِّرُ على هذه الحُقوق اللازِمة، إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[يونس: 7، 8].
وحبيبُنا ونبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الدنيا حلوةٌ خضِرةٌ، وإن اللهَ مُستخلِفَكم فيها فينظُر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساءَ»؛ رواه مسلم.
وفي حديثٍ آخر: يُخبِرُ - صلى الله عليه وسلم - عن فتنةِ هذه الأمة، فيقول: «إن لكل أمةٍ فتنةٌ، وفتنةُ أمتي: المال».
أي: أنهم يُمتَحَنون بهذه الدنيا؛ هل يجعلونها في طاعة الله - جل وعلا -؟ هل يقومون بواجبِ الله وحقوق رب العالمين، أم يُؤثِرون الدنيا وتُفضِي بهم - والعياذُ بالله - إلى المُحرَّمِ والمذموم؟
أمة الإسلام:
أشدُّ الأمور خطرًا على العبدِ: أن يُزهِقَ أرواحًا بريئةً، أو أن يهتِكَ أعراضًا نقِيَّةً، أو أن يسلبَ حقوقًا مرعِيَّةً، أو أن يقعَ في ظلمٍ للخلقِ بأيِّ وجهٍ من الوجوه من أجلِ دُنيًا فانِية، ومتاعٍ زائلٍ.
من أقبَحِ الأفعالِ: فعلٌ يُبعِدُك عن رِضا ربِّ العالمين من أجلِ دُنيا حقيرةٍ وعَرَضٍ زائلٍ.
من أشنعِ المسالِكِ: مسلَكٌ يُلقِي بأوامرِ الله - جل وعلا - ظِهريًّا من أجل منصِبٍ زائفٍ أو كرسيٍّ لا يبقَى.
قال - صلى الله عليه وسلم - قولًا ينبغي أن يكون نُصبَ أعيُننا: «ما ذِئبان جائِعانِ أُرسِلا في غنَمٍ بأفسَدِ لها من حِرصِ المرء على المالِ والشرفِ لدينه».
فحبُّ المال وحبُّ الشرف إذا لم يكن محكومًا بطاعة الله - جل وعلا - فإنه يكونُ من مُفسِدات الدين - والعياذ بالله -.
إن من يُقدِمُ على إفساد دينه لأجل دُنياه؛ من جمعِ مالٍ، أو حِرصٍ على منصبٍ أو وظيفةٍ، فهو ساعٍ في هلاكِ نفسِهِ عاجِلًا أم آجِلًا، سنَّةٌ إلهيَّةٌ ماضِيةٌ، لا تتبدَّلُ ولا تتغيَّرُ؛ فقد دعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على من كان هذا شأنُه: «تعِسَ عبدُ الدينار، تعِسَ عبدُ الدرهم، تعِسَ عبدُ القَطيفَة والخَميصَة، إن أُعطِيَ رضِي، وإن لم يُعطَ لم يرضَ»؛ رواه البخاري.
إن حبَّ الدنيا، إن حبَّ الزعامة، إن السعيَ إلى المناصبِ والقيادَة مذمومٌ لذاته، لاسيَّما حينما يُساوِمُ المرءُ فيها على أمرٍ من أمور دينه، أو يتنازَل عن واجبٍ من واجباتِ خالِقِه؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم ستحرِصون على الإمارة، وستكونُ نَدامةً يوم القيامة»؛ رواه البخاري.
وحينما قال له أبو ذرٍّ: ألا تستعمِلني يا رسول الله؟ قال: «يا أبا ذرٍّ! إنك ضعيفٌ، وإنها أمانةٌ، وإنها يوم القيامة خِزيٌ ونَدامةٌ إلا من أخذَها بحقِّها وأدَّى الذي عليه فيها».
اللهم اجعلنا ممن يستمِعُ القولَ فيتَّبِعُ أحسنَه، وممن إذا أذنبَ استغفَر، وإذا أُعطِي شكَر، وإذا ابتُلِي صبَر.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
إن الواجبَ على المُسلمين اليوم وهم يُعانون من هذه المِحَن ومن هذه الفِتَن التي لا يعلمُ عاقِبَتها إلا اللهُ - جل وعلا - أن يستدرِكوا أمرَهم، وإن على أهل الحلِّ والعقدِ من حُكَّامٍ وعلماء وأُمراء ووُجهاء في دِيار المُسلمين أن يسعَوا إلى لمِّ الشمل وجمعِ الكلمة بإصلاحِ الوَضعِ وفقَ منهج الإسلام الذي لا تصلُحُ الأمةُ إلا بهِ، وعلى من تحمَّلَ مسؤوليَّةً في بلادِ المُسلمين أن يقودَهم بالإسلام، أن يسيرَ بهم وفقَ الوحيِ المُطهَّر والسيرةِ النبويَّة العظيمةِ، وسيرةِ الخُلفاء الراشدين.
فيجبُ علينا أن نقرأَ هذه السِّيَر، وأن نقتدِيَ بها، وأن نجعلَها حاكِمةً لنا في تصرُّفاتنا وفي مسالِكِنا.
إن الأمورَ لا تصلُح ولن تعيشَ المُجتمعات الإسلامية في رغَدٍ ورفاهِيَةٍ وخيرٍ وصلاحٍ إلا بهذا المنهَجِ، وبتقريبِ أهل الخير والصلاحِ وأصحابِ الإخلاص والصدقِ والنزاهة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما بعَثَ الله من نبيٍّ ولا استخلَفَ من خليفةٍ إلا كانت له بِطانَتان: بِطانةٌ تأمرُه بالمعروف وتحُضُّه عليه، وبِطانةٌ تأمرُه بالشرِّ وتحضُّه عليه، والمعصومُ من عصمَ اللهُ».
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أرادَ الله بالأميرِ خيرًا جعلَ له وزيرَ صدقٍ؛ إن نسِيَ ذكَّرَه، وإن ذكَرَ أعانَه، وإذا أرادَ به غيرَ ذلك جعل له وزيرَ سُوءٍ؛ إن نسِيَ لم يُذكِّره، وإن ذكَرَ لم يُعِنهُ»؛ رواه أبو داود بإسنادٍ جيِّدٍ.
فإن ما أصابَنا في بلاد المُسلمين إنما هو بالبُعد عن المنهجِ الذي خطَّه نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم -، وسطَّرَه أبو بكرٍ وعمرُ وعُثمانُ وعليٌّ، وغيرُهم من الصحابة ممن تولَّى للمُسلمين ولايةً أو مسؤوليَّةً، ولا يهلَكُ على الله - جل وعلا - إلا هذا، وقال قائلُهم:
نصحتُ قومي بمُنعَرَج اللِّوَى
فما استبَانُوا النُّصحَ إلا في ضُحَى الغَدِ



ويقول الآخرُ:
أمرتُك أمرًا جازِمًا فعصيتَني
فأصبحتَ مسلُوبَ الإمارةِ نادِمًا
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا ورسولِنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الآل والصحابةِ أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين.
اللهم اجمع كلمةَ المُسلمين على حبِّ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعلى تغليبِ سنَّتِه في حياتهم، اللهم وفِّقهم للعمل بالقرآن والسنة، اللهم وفِّقهم للعمل بالقرآن والسنة، اللهم اخذُل من خذَلَ هذا الدينَ، اللهم اخذُل من خذَلَ هذا الدينَ.
اللهم من أراد بمُجتمعاتنا تغريبًا فعليك به، اللهم من أراد بمُجتمعاتنا غيرَ الإسلامِ فعليك به، اللهم من أراد بمُجتمعاتنا سوءً أو معصيةً فعليك به فإنه لا يُعجِزُك.
اللهم وفِّق المُسلمين لكل خيرٍ، اللهم احفَظهم في كل مكانٍ، اللهم احفَظهم في كل مكانٍ، اللهم احفَظهم في كل مكانٍ.
اللهم ارفَع السوءَ والضرَّاء عن إخواننا في سُوريا، وفي فلسطين يا حي يا قيُّوم، اللهم ارفع عنهم هذه السوء، اللهم ارفع عنهم الضُّرَّ، اللهم ارفع عنهم الضُّرَّ، اللهم ارفع عنهم الضُّرَّ، إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم عُمَّ بالرخاءِ بلادَ المُسلمين، اللهم اجعلهم في رخاءٍ وسخاءٍ، وفي أمنٍ وإيمانٍ يا أرحمَ الراحمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه ونائِبَه لكل خير، اللهم وفِّقهما لكل خيرٍ، اللهم ارزُقهما البِطانةَ الصالِحة الناصِحةَ يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم احفَظ بلادَ الحرمين، اللهم احفَظها بالإسلام، اللهم احفَظها بالتوحيد والعقيدة الصافِية، اللهم احفَظها بالتوحيد والعقيدة الصافِية يا حيُّ يا قيُّوم، وجميعَ بلاد المُسلمين.
اللهم اغفر للمُسلمين والمُسلِمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار.
اللهم اسقِنا، اللهم اسقِنا، اللهم اسقِنا، اللهم أغِثنا وأغِثِ المُسلمين، اللهم أغِثنا وأغِثِ المُسلمين، اللهم أغِثنا وأغِث دِيارَ المُسلمين، يا حيُّ يا قيُّوم يا غنيُّ يا حميدُ.
سبحان ربِّك ربِّ العِزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 05-26-2012, 09:52 PM   رقم المشاركة : 73

 

وجوب شكر النعم
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 13/6/1433هـ بعنوان: "وجوب شكر النعم"، والتي تحدَّث فيها عن النعم الكثيرة التي أنعمَ الله بها على عباده، وأنه أوجبَ عليهم شُكرَها، وإلا زالَت عنهم، أو انقلَبَت عليهم عذابًا، أو مُحقَت بركتُها، أو كانت استِدراجًا.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون:
معرفةُ الله بأسمائه وصفاته وأفعاله تُوجِبُ محبَّتَه وتعظيمَه وإفرادَه، ومن أسمائِه: الوهَّاب، ومن صفاته: الكرَم، ومن كرمِه: ما امتنَّ به على عباده من النِّعَم، فأسبغَ عليهم منها ما لم يسألُوه إياها، ومنَحَ لهم منها ما سألُوه، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ[إبراهيم: 34].
وفتحَ عليهم نِعَمًا من السماءِ والأرض؛ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا[إبراهيم: 34].
وتذكُّرُ نعَمِ الله داعِيةٌ لشُكرِه وتوحيده وكثرةِ عبادته، وهي من أسبابِ الفَلَاح؛ قال - جل وعلا -: فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[الأعراف: 69].
واللهُ أمرَ رُسُلَه بتذكُّر نعَمِه عليهم، فقال لعيسى بن مريم - عليه السلام -: اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ[المائدة: 110].
وقال لنبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى[الضحى: 6- 8].
وأمر الرُّسُلُ أقوامَهم بتذكُّر أفضالِ الله عليهم؛ فقال هودٌ لقومه: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً[الأعراف: 69]، وقال صالحٌ لقومه: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا[الأعراف: 74]، وقال شعيبٌ لقومه: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ[الأعراف: 86]، وقال موسى لقومه: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ[إبراهيم: 6].
وقال - سبحانه - مُمتنًّا على الأوسِ والخَزرَج: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا[آل عمران: 103]، وقال لعباده المؤمنين: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ[الأنفال: 26].
ولما نقضَت غزوةُ الأحزابِ قال: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا[الأحزاب: 9].
وقال نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: «ألم أجِدكم ضُلَّالًا فهداكم الله بي، وكُنتم مُتفرِّقين فألَّفَكم الله بي، وعالةً فأغناكم الله بي»؛ متفق عليه.
وكان الصحابة - رضي الله عنهم - يتذاكَرون نعَمَ الله عليهم، فخرجَ عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسألَهم فقالوا: جلَسنا نذكُر الله ونحمدُه على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا؛ رواه مسلم.
وجلسَ الفُضيلُ وابنُ عُيينة - رحمهما الله - يتَذَاكران النِّعَمَ إلى الصباح.
والله - سبحانه - بفضله نوَّعَ النِّعَمَ لعباده؛ منها ما هو نازلٌ من السماء، ومنها ما هو خارجٌ من الأرض، ومنها ما هو في جوفِها، والبحارُ المُتلاطِمةُ الأمواجِ مُذلَّلةٌ للإنسان، الفُلكُ تمخُرُ في أعلاها، وما في بطنِها من الصيدِ والطعام بما فيه مَيتَتُه حلالٌ لهم، وجواهِرُها من اللؤلؤ والمَرجان ونفائِسَ أُخَر حِليَةٌ لهم ومال.
والنجومُ والكواكبُ من فوقِهم منها الجواري ومنها الكُنَّس، وفيها الوهَّاج وفيها ما هو زينة، منها ما يُبصَر ومنها ما لا يُبصَر، وما بين السماء والأرض رياحٌ بُشرى بين يدَي رحمته.
والزمانُ خُلِق ودُبِّر؛ فلا نهار سرمَدٌ ولا ليل بَهِيم؛ بل هذا وذاك.
والأرض مدَّها فلا تضيقُ بالخلق، وبالجبال أرساها وأنبتَ فيها من كل زوجٍ بهيجٍ.
والإنسان خلقَه وركَّبَه وفي أحسن صُورةٍ صوَّرَه، وأمرَه بالتفكُّر بما في جسدِه من الآيات، وقال لعباده: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ[لقمان: 11].
بل كل ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما فهي هبةٌ من الله للإنسان يستعينُ بها على طاعته، قال - سبحانه -: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ[الجاثية: 13].
ولا تتمُّ على العبد النِّعَمُ إلا بالدين: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[المائدة: 3].
ومن المِنَّة على هذه الأمة أن بعَثَ فيها أفضلَ رُسُله، قال - سبحانه -: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ[آل عمران: 164].
وأمرَ الله بالفرح بنعمة نُزول القرآن: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِقال ابن عبَّاس: "أي: بالقرآن" وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا[يونس: 58].
ولعظيم منَّة الهداية أمرَ الله عبادَه أن يسألُوه الثباتَ عليها والزيادة في كل ركعةٍ من صلاتهم، فكان من دُعائِهم: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[الفاتحة: 6].
ومن رأى أن الله هداه وأدخَلَه الجنةَ، وأضلَّ غيرَه وأدخلَه النار عظُمَت نعمةُ الله عليه في قلبه؛ قال تعالى إخبارًا عن المؤمن الذي رأى قرينَه في النار: تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ[الصافات: 56، 57].
والعافيةُ أعظمُ نعمةٍ دُنيوية؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «سلُوا اللهَ العافِيَة» - أي: السلامةَ من الآفات والمصائب والشرور - «فإنه لم يُعطَ عبدٌ شيئًا أفضلُ من العافِية»؛ رواه أحمد.
والفراغُ كالصحةِ في قدر النعمة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «نِعمتان غبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ: الصحةُ والفراغُ»؛ رواه البخاري.
وكرمُ الله وافِرٌ وعطاؤُه جَزيل، ونِعمُه تزيدُ بالشُّكر، ومن شُكرِها الإقرارُ بأنها منَ الله؛ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ[النحل: 53].
وكان - عليه الصلاة والسلام - يقول في صباحه ومسائه: «اللهم ما أصبحَ بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقِك فمنك وحدَكَ لا شريكَ لك، فلك الحمدُ ولك الشُّكرُ»؛ رواه أبو داود.
ومن شُكرِها: حمدُ الله عليها؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن اللهَ ليرضَى عن العبد أن يأكلَ الأكلَةَ فيحمَده عليها، أو يشربَ الشربةَ فيحمدَه عليها»؛ رواه مسلم.
والتحدُّثُ بها من شُكرها؛ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ[الضحى: 11]، فمن شُكر نعمة الهداية: الفرحُ بأن الله هداه وثبَّتَه، ومن شُكر نعمة المال: التحدُّثُ بفضل الله عليك به، والتواضُع لعباده والإنفاق مما أعطاك الله ابتغاءَ وجهه، والمُعافَى يتحدَّثُ بعافيةِ الله له، ويُعمِلُ جوارِحَه في طاعته.
وتذكُّر المحرومين من النِّعَم يزيدُ من قدرها، وكان - عليه الصلاة والسلام - إذا أوَى إلى فراشه يحمدُ ربَّه على النِّعَم، ويتذكَّرُ من حُرِمَها؛ قالت عائشة - رضي الله عنها -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أوَى إلى فراشِه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافِيَ له ولا مُؤوِي»؛ رواه مسلم.
والنظرُ إلى من هو دونَه في الدنيا يفتَحُ بابَ القناعة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «انظُروا إلى من هو أسفلَ منكم، ولا تنظُروا إلى من هو فوقَكم؛ فهو أجدرُ ألا تزدَروا نعمةَ الله عليكم»؛ متفق عليه.
والطاعةُ تحفظُ النعمةَ وتزيدُها، ومن أسباب دوامِها: دعاء الله ليُبقِيَها، ومن دُعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أعوذُ بك من زوال نعمَتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتِك، وجميع سخَطك»؛ رواه مسلم.
وبقاءُ النعمةِ مقرونٌ بالشُّكر، فإن لم تُشكَر زالَت؛ قال - سبحانه -: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[إبراهيم: 7].
والمعاصِي تدفَعُ حُلولَ نعمةٍ نازِلَة، أو ترفَعُ نعمةً حادِثة، وقد لا ترفَعُها ولكن تُنزَعُ البركةُ منها، أو تكون عذابًا لصاحبها، وما أذنبَ عبدٌ ذنبًا إلا زالَت عنه نعمةٌ بحسب ذلك الذنبِ؛ قال ابنُ القيم - رحمه الله -: "المعاصِي نارُ النعَم تأكلُها كما تأكُلُ النارُ الحَطَبَ".
وإذا رأيتَ نعَمَه سابِغةً عليك وأنت تعصِيه، فاحذَره فقد يكون استِدراجًا لك؛ قال - سبحانه -: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ[الأعراف: 182، 183]. قال - عليه الصلاة والسلام -: «إذا رأيتَ اللهَ يُعطِي العبدَ من الدنيا على معاصِيه ما يُحبُّ فإنما هو استِدراجٌ»، ثم تلا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ[الأنعام: 44]؛ رواه أحمد.
وإذا حلَّت بك نعمةٌ وإن قلَّت فكن حذِرًا منها فقد تكونُ سببَ هلاكِك إذا لم تُشكَر؛ في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزلَت قطَرَاتٌ من السماء قال - عليه الصلاة والسلام -: «قال الله تعالى: أصبحَ من عبادي مُؤمنٌ بي وكافِر»؛ متفق عليه.
وكل نعمةٍ وإن كانت يسيرةً سيُسألُ عنها العبدُ هل شكرَها أم جحَدَها؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن أولَ ما يُسألُ عنه العبدُ يوم القيامةِ - أي: من النِّعَم -: أن يُقال له: ألم نُصِحَّ لك جسمَك ونرويكَ من الماء البارِد؟»؛ رواه الترمذي.
والنِّعَمُ بذاتِها لا تُقرِّبُ من الله، وإنما يُستعانُ بها على طاعته؛ قال - سبحانه -: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ[سبأ: 37].
وقد يُعذَّبُ المرءُ بالنعمةِ إذا لم يتَّقِ اللهَ فيها؛ قال - سبحانه -: فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ[التوبة: 55].
قال الحسن - رحمه الله -: "إن الله ليُمتِّعُ العبدَ بالنعمةِ ما شاءَ، فإذا لم يشكُر ربَّه عليها قلَبَها عذابًا".
وبعدُ، أيها المسلمون:
فاللهُ وهَّابٌ كريمٌ يدُه ملأى سحَّاءُ الليل والنهار، وهو عليمٌ حكيمٌ يُعطِي كلَّ عبدٍ ما يُلائِمُه من النِّعَم؛ قال - سبحانه -: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ[الشورى: 27].
وهو - سبحانه - لطيفٌ رحيمٌ يحرمُ العبدَ نعمةً يتمنَّاها، أو يُنزِلُ عليه نعمةً في لباسِ مُصيبةٍ ليرفَعَ درجتَه، والمؤمنُ يتقلَّبُ في حياته بين الشُّكرِ والرضا، والصبر والاستغفار.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ[لقمان: 20].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
جُبِلَت القلوب على حبِّ من أحسنَ إليها، ولا أحدَ أعظمُ إحسانًا من الله؛ فالمخلوقُ يتقلَّبُ في جميع أحواله في نعَمِ الله، ومن استعانَ بها على معصية الله فقد جحدَها، ومع كثرة النِّعَم وتوارُدِها على العبادِ قلَّ من يشكُرُها؛ قال - سبحانه -: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[سبأ: 13].
والمُفلِحُ من تذكَّر نعَمَ الله عليه في القليل والكثير وشكرَها.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم رُدَّهم إليك ردًّا جميلاً، واصرِف عنهم الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطَن.
اللهم من أرادنا أو أرادَ المُسلمين بسُوءٍ فأشغله في نفسه، واجعل كيدَه في نحره.
اللهم أنْجِ المُستضعفين من المُسلمين في الشام، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا.
اللهم عليك بمن آذاهم، اللهم زلزِل الأرضَ من تحت أقدامهم، وأنزِل عليهم رِجسَك وغضبَك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك وتحكيم شرعك يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألُك الإخلاصَ في القول والعمل.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحنُ الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23].


عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 05-26-2012, 09:58 PM   رقم المشاركة : 74
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية العضو

مزاجي:










ابوحاتم غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

أثر الشيطان في إذكاء الشحناء والبغضاء
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 20/6/1433هـ بعنوان: "أثر الشيطان في إذكاء الشحناء والبغضاء"، والتي تحدَّث فيها عن وساوس الشيطان للمؤمنين وإيقاعه بينهم، وأن ذلك دأبَه لا يفتُر عنه ليل نهار، وذكَّر بضرورة توخِّي الحذر من تلك الوساوس التي مصدرُها شياطين الإنس والجن؛ من إعلامٍ مقروءٍ ومسموعٍ ومرئيٍّ يُوغِرُ الصدور، وينشر العداء بين الأحِبَّة، ولم ينسَ تعامل دولتي الإسلام العظيمتين مع الأحداث الراهِنة بحكمةٍ وروِيَّةٍ.

الخطبة الأولى
الحمد لله أمرَنا بالتعاوُن والتناصُر، ونهانا عن التنازُع والتدابُر، والتقاطُع والتناحُر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلمُ الخفِيَّات والسرائر، ولا يخفَى عليه مكنُون الضمائر، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله من اعتصَمَ بسنَّته نجا من المخاطِرِ والمعاثِر، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً وسلامًا دائِمَين مُمتدَّيْن إلى يوم الدين. أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله وأطيعُوه؛ فطاعتُه أجلُّ نعمة، وتقواهُ أعظمُ عِصمة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
تجمعُ أهلَ الإسلام أواخٍ وكِيدة، وعلائِقُ مُتَّصلة، وذِمامٌ وقُربةٌ، والشيطانُ يبغِي التحريشَ والوقيعة، ويُذكِي نارَ الفُرقة والقَطيعة، ويُثيرُ نقعَ الفتنة والحُروب، ويبُثُّ أحقادَ الأعداء وإحَن البُعَداء بين القرابة والأحِبَّة.
فعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الشيطانَ قد أيِسَ أن يعبُدَه المُصلُّون في جزيرةِ العربِ، ولكن في التحريشِ بينهم»؛ أخرجه مسلم.
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن إبليسَ يضعُ عرشَه على الماء، ثم يبعثُ سراياه، فأدناهُم منه منزلةً أعظمُهم فتنةً، يجِيءُ أحدُهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقولُ: ما صنعتَ شيئًا، ثم يجِيءُ أحدُهم فيقول: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأته، فيُدنيه منه ويقول: نِعمَ أنت»؛ أخرجه مسلم.
ولا يُفرِّقُ بين الأحِبَّة إلا مردَةُ الفساد الأشرارُ الفُجَّار؛ فعن أسماء بنت يزيد الأنصارية - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أُخبِركم بخِيارِكم؟». قالوا: بلى. قال: «فخِيَارُكم: الذين إذا رُاُوا ذُكِر الله تعالى. ألا أُخبِرُكم بشِرارِكم؟». قالوا: بلى. قال: «فشِرارُكم: المُفسِدون بين الأحِبَّة، المشَّاءون بالنميمة، الباغُون البُرَآء العَنَت»؛ أخرجه أحمد.
وعدوُّ الأمة يرُومُ المكيدة، وينصِبُ الشَّرَك، ويسعَى إلى نشر الضغائِنِ والإحَن والعداوات بين البلاد المُسلِمة والشعوبِ المؤمنة، حتى تكون عَجاجَةً لا تسكُن، وغَياغةً لا تنقشِعُ، وثائرةً لا تهدَأ، وفوضًى لا تزول، وصِدامًا لا يحُول، وليكون اختلافُ الأمة وافتراقُها مساغًا إلى ما يرُوم من توسيعِ نُفوذِه، وبلاغًا إلى ما يُحاوِلُه من فرضِ سيطرته ووجُوده.
أيها المسلمون:
ولن تكون أوطانُنا آمِنةً، نواحِينا محروسةً، وأحوالُنا مُنتظمةً إلا باجتماعنا وتحادنا وائتلافِنا، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا[آل عمران: 103]، وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[الأنفال: 46].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقاطَعوا، ولا تَدابَروا، ولا تَباغَضوا، ولا تَحاسَدوا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا كما أمرَكم الله»؛ أخرجه مسلم.
أيها المسلمون:
كم رأينا من لقاءاتٍ وحواراتٍ عبر وسائل الإعلام مِلؤُها السِّباب والشتمُ والقذفُ والطعنُ والتحريضُ والتخوينُ والتشويه، والافتراءُ والازدِراءُ والاعتِداءُ، وكم قرأنا من مقالاتٍ وكتاباتٍ ورُدودٍ تستطيلُ في أعراض المُسلمين، وتُعمِّقُ الفُرقَة، وتُبدِّدُ الشملَ، وتُفرِّقُ الجمعَ، وتُمزِّقُ الأُلفَة، وتُباعِدُ بين القلوبِ، ولا تُحقِّقُ مصلحةً ولا إصلاحًا.
وكم شاهَدنا في المجالس والمُنتديات والقنوات من مُواجهاتٍ وصِراعاتٍ وسِجالاتٍ وإثارةٍ للعصبيَّاتِ المذهبيَّة والعِرقيَّة والقبليَّة والحِزبيَّة ما يُمِضُّ ويُمرِض. مصالحُ شخصية، وتحزُّبات مَقيتة، وأصواتٌ تُشترى، وذِممٌ تُباع، وقنواتٌ مأجورة لا تكُفُّ عن أساليب الإثارة والتهييج، وإلهابِ مشاعرِ البُسطاء، واللعب بعواطِف الدَّهماء والغَوغاء.
فاتقوا الله - أيها المسلمون -، وكفُّوا عن تلك المُمارسات المقبوحة، والأساليب المفضُوحة، والولاءات الشخصية المَقيتة التي جاء في الشرع ذمُّها، وبانَ في العقلِ سُخفُها، وتقرَّرَ في الطبعِ طَيشُها، وثبَتَ في الواقع خطرُها وضررُها.
واعلموا أن دينَكم وأوطانَكم وأمنَكم واستقرارَكم ووحدَتَكم أمانةٌ في أعناقكم، فارعَوها حقَّ رعايتها، وكونوا دعاةَ أمنٍ وسلامٍ، وأُلفةٍ ومحبَّةٍ ووِئام، كونوا شُرفاء أوفياء، وشُهداء أُمناء، ودُعاةَ إخاءٍ وصفاءٍ.
وإننا لنحمَدُ الله تعالى كثيرًا، ونُثنِي عليه كثيرًا، وقد خابَ العدوُّ في مُراده، وأخفقَ في مغزاه، وحُرِم نَيل مُبتغاه يوم سعَى للوقيعة والقَطيعة بين البلَدَين العظيمين: المملكة العربية السعودية دولةِ الإسلام والسلام ودوحةِ الأمنِ والأمانِ والإيمانِ، ومصر أرضِ العُروبة والشُّموخِ والإباء والسلام والإسلام، فخيَّبَ الله سعيَه، وردَّ عليه كيدَه، بفضله ومنَّته - سبحانه وتعالى -، ثم بحكمةِ خادمِ الحرمين الشريفين ووليِّ عهده وحكمةِ أهلِنا في مصر العزيزة.
وشعبُ المملكة العربية السعودية وشعبُ مصر الحبيبة شعبٌ واحدٌ، ولن يُفرِّقَهما عبَثُ حاسِد، أو خُبثُ حاقِد، أو إنكارُ جاحِد.
وإن رغِمَت أنوفٌ من أُناسٍ
فقل: يا ربِّ! لا تُرغِمْ سِواها
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه؛ إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله حرَّم البغيَ والغدرَ والاعتِداء، أحمدُه في السرَّاء والضرَّاء، والشدَّة والرَّخاء، والنعمةِ والبلاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يخفَى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله خاتمُ الأنبياء وسيدُ الأولياء، وإمامُ الأتقياء والأصفياء، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم على ذلك السبيل وسائر المُنتمين إلى ذلك القَبِيل، وسلَّم تسليمًا مزيدًا إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
بالتقوى تستنيرُ الدُّروب، وبالصبرِ تنفرِجُ الكُرُوب، فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ[هود: 49].
أيها المسلمون:
من أعظم الجِنايةِ والإجرام: انتِهاكُ حُرمة المُسلِم، وإن من الأفعال المُستنكَرة المُستقبَحة الخارجةِ عن تعاليم الإسلام وأعرافِ العُرَب الأُصَلاء: ما قام به التنظيمُ الإرهابيُّ الهمَجيُّ المُتخبِّطُ في أفكاره وأفعاله من احتجاز الدبلوماسي السعودي عبد الله الخالدي ومُصادرة حريَّته وترويعه، وجعله وسيلةً لابتِزاز بلاد الحرمين الشريفين، والتي وقفت موقفًا أمنيًّا صارِمًا ضدَّ هذه الأفعال العابِثة، والتي لا يقومُ بها إلا غادِرٌ خائنٌ لدينه وأمَّته وعُروبته.
وإننا من منبر سيد الخلقِ رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - نبيِّ الرحمة القائلِ: «لا يحِلُّ لمُسلمٍ أن يُروِّعَ مُسلِمًا»، والقائلِ: «كل المُسلمِ على المُسلم حرامٌ: دمُه ومالُه وعِرضُه».
نُناشِدُ الخاطِفين أن يثُوبوا إلى رُشدِهم، ويُطلِقُوا سراحَ المُختطَفِ البريء، ويُفرِجوا عنه بلا مُساوَمةٍ ولا شُروطٍ، ويكُفُّوا عن تلك المُمارَسَات الشاذَّة التي شوَّهَت جمالَ الإسلام ونقاءَه، وبهاءَه وسناءَه.
واللهَ نسأل أن يُفرِّجَ كُربَتَه، ويفُكَّ أسرَه، ويرُدَّه إلى أهلِه ووطنِه، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[يوسف: 21].
ثم اعلموا أن الله أمرَ بأمرٍ بدأَ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسِهِ، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون - من جنِّه وإنسِهِ، فقال قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ بشير الرحمة والثواب، ونذير السَّطوةِ والعقابِ، الشافعِ المُشفَّعِ يوم الحِساب، اللهم وارضَ عن خلفائه الأربعة أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة أجمعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وفضلِك وجُودِك وإحسانِك يا أرحمَ الراحِمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المُسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتَنا وُولاةَ أمورِنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين ووليَّ عهده يا رب العالمين.
اللهم كُن لإخواننا في سُورية ناصرًا ومُعينًا، اللهم كُن لإخواننا في سُورية ناصرًا ومُعينًا، اللهم كُن لإخواننا في سُورية ناصرًا ومُعينًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا.
اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، ألفافِ البدعةِ والضلالةِ، ألفافِ البدعةِ والضلالةِ، وأعلامِ الخُرافةِ والدَّجَل والخِيانة، اللهم فُلَّ جيوشَهم، اللهم فُلَّ جيوشَهم، اللهم فُلَّ جيوشَهم، ودُكَّ عروشَهم، ودمِّرهم تدميرًا، ولا تجعل لهم في الأرض وليًّا ولا نصيرًا.
اللهم عجِّل بالفرَج والنصر لإخواننا المُستضعفين في سُورية يا رب العالمين، اللهم طالَ ظُلمُهم، اللهم طالَ ظُلمُهم، اللهم طالَ ظُلمُهم، وعظُم قتلُهم، واشتدَّ قتلُهم وحِصارُهم، وانقطَعَ من الخلقِ أملُهم، فانتصِر لهم يا رب العالمين، انتصر لهم يا الله، انتصر لهم يا سميع الدعاء، وأهلِك عدوَّهم عاجِلًا غيرَ آجِلٍ يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضاهم، وعافِ جرحاهم، وتقبَّل موتاهم في الشهداء يا رب العالمين.
اللهم عليك باليهود الغاصبين، الصهاينة الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك.
اللهم طهِّر المسجد الأقصَى من رِجسِ يهود، اللهم انصر إخواننا في فلسطين على اليهود الغاصِبين يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحَم موتانا، وفُكَّ أسرانا، وأصلِح أولادَنا وشبابَنا وفتياتِنا، وانصُرنا على مَن عادانا يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُركم، واشكُروه على نِعَمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلمُ ما تصنَعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 05-26-2012, 10:03 PM   رقم المشاركة : 75
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

آفة القول ترك العدل
ألقى فضيلة الشيخ د. صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 27/6/1433هـ بعنوان: "آفة القول ترك العدل"، والتي تحدَّث فيها عن العدلِ والإنصاف، وعدم التخوين والسبِّ والقذفِ بين المُسلمين، ووجوب العفو والصفح والتِماس الأعذار، وذكرَ بعضَ الآثار على ذلك من أقوال السلفِ الصالح - رحمهم الله تعالى -.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله بارئ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِل القِسَم، أحمده حمدًا يُوافِي ما تزايَد من النعم، وأشكره على ما أولَى من الفضل والكرم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعصِمُ من الفتنِ وتدفعُ النقَم، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمةً للعالمين من عُربٍ وعجَم، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تبقى وسلامًا يترَى إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فقد نجا من اتَّقَى، وضلَّ من قادَه الهوَى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
كلامُ المرء يُترجِمُ عن مجهولِه، ويُبرهِنُ عن محصولِه، واللسانُ معيارٌ أطاشَه الجهلُ، وأرجحَه العقلُ، وآفةُ القولِ: تركُ العدلِ.
ولَلصَّمتُ خيرٌ من كلامٍ بمأثَمٍ
فكُن صامِتًا تسلَم وإن قلتَ فاعدِلِ
وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى[الأنعام: 152]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[المائدة: 8].
فاعدِل وإن أبغَضتَ، وأنصِف وإن سخِطتَ، ولا تكن ممن إذا غابَ عابَ، وإذا حضَرَ اغتابَ، وأكثرَ السِّبَابَ، واشتدَّ في العِتاب.
والجميلُ المُصانُ من أصلحَ من لسانه، وأقصرَ من عَنانه، وألزَمَ طريقَ الحقِّ مِقوَلَه، ولم يُعوِّدِ الخَطَلَ مِفصَلَه، ولم يحمِلْه البُغضُ على الكذبِ والافتِراء، ولم يدفَعه السُّخطُ على البُهتان والاعتِداء.
أيها المُسلمون:
والاستِطالةُ لسانُ الجهالة، والبُهتانُ ملاذُ السُّفهاء، والتشفِّي بالكذبِ دأْبُ الفَسَقة، والإساءةُ بالتُّهَم المُفتَعَلة والقوادِحِ المُخترَعَة سبيل أهلِ الفُجُورِ، ومن انقادَ للطبعِ اللئيمِ، وغلبَ عليه الخُلُقُ الذَّميم استطالَ في أعراضِ مُناوِئيهِ، واستباحَ الكذِبَ والزُّورَ لإقصاءِ مُنافِسِيهِ، وتصغيرِ أقرانِهِ ومُخالفِيه، ووسَمَ عدوُّهَ بقبائحَ يخترِعُها عليه، وفضائحَ ينسِبُها إليه، وربما سلَّطَ عليه من يُشهِرُ سيفَ القدحِ والقَذْعِ والنَّقدِ ضدَّه، لا يستشعِرُ إقساطًا، ولا يتَّقِي إشطاطًا.
أيها المسلمون:
ومن لاحَ غدرُه، وظهرَ مكرُه، أجزلَ المدحَ لمُقرِّبِه ومُعطِيه، وأسدلَ السَّترَ على مقابِحِه ومساوِيه، فإذا انقطَعَ العطاءُ انقطَعَ الوفاءُ؛ فانقَلَبَ المدحُ قدحًا، والسَّترُ فضحًا، والثناءُ طعنًا، والدعاءُ لعنًا، فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ[التوبة: 58].

أيها المسلمون:
ويكثُرُ القدحُ بين الأقرانِ والنُّظَراء الذين تجمعُهم وظيفةٌ، أو مهنةٌ، أو صنعةٌ، أو دائرةٌ، فيتغايَرون، ويتحاسَدون، ويستطيلُ بعضُهم في عِرضِ بعضٍ بالذمِّ والسبِّ والتشويهِ والتحقيرِ والتصغيرِ لأدني خلافٍ أو نزاعٍ، ولا يسلَمُ من ذلك إلا من حجَبَتْه التقوى، ومنعَه العقلُ.
وكلامُ الأقرانِ بعضُهم في بعضٍ يُطوَى ولا يُروَى، ويُدفَنُ ولا يُنشَر؛ لأنه يصدُرُ في حال الغضبِ والحسَدِ، وتحمِلُ عليه العداوةُ والمُنافَسةُ، وتُذكِيه الوحشةُ والغَيرةُ، وتدخُلُه المُبالغةُ والزيادة، والكذبُ والافتراءُ والكَيد.
قال ابن عبد البر - رحمه الله تعالى -: "واللهِ لقد تجاوَزَ الناسُ الحدَّ في الغِيبةِ والذمِّ، فلم يقنَعوا بذمِّ العامَّة دون الخاصَّة، ولا بذمِّ الجُهَّال دون العُلماء، وهذا كلُّه يحمِلُ عليه الجهلُ والحسَدُ".
وقال الإمام الذهبيُّ - رحمه الله تعالى -: "كلامُ الأقرانِ بعضُهم في بعضٍ لا يُؤبَاهُ به، لاسيَّما إذا لاحَ لك أنه لعداوةٍ أو لمذهبٍ أو لحسدٍ، وما ينجُو منه إلا من عصَمَه الله".
وقال - رحمه الله تعالى -: "فلا يُعتدُّ غالبًا بكلامِ الأقرانِ لاسيَّما إذا كانت بينهما مُنافَسَة".
فالحَذَرَ الحَذَرَ من مسلَكٍ وخيمٍ يُذِلُّ القدَم، ويُورِثُ النَّدَم، والحَذَرَ الحَذَرَ - يا عباد الله - من الانشغالِ بنشرِ المعايِبِ، وإظهارِ المثالِبِ، وتتبُّع العَثَراتِ والسَّقَطات، والكذبِ على الناسِ وذمِّهم، وتشويهِ سُمعتِهم لأجل حُظوظ النفسِ الأمَّارةِ بالسُّوءِ.
وترفَّعُوا عن إساءةِ الظنِّ، والتمِسُوا المعاذِيرَ، واعفُوا عن الإساءة والتقصير، ولا يُضِلَّنَّكم الشيطانُ؛ إنه عدوٌّ مُضِلٌّ مُبينٌ.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه؛ إنه كان للأوابين غفورًا.
الخطبة الثانية
الحمد لله بارئ البريَّات، عالمِ الخفيَّات، أحمده حمدًا بالغًا أمد التمام ومُنتهاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحقٍّ سواه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله وصفيُّه ونجِيُّه ومُرتضاه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه خلفاء الدين وحُلفاء اليقين صلاةً وسلامًا دائمَيْن ممتدَّيْن إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون:
لا يردَعُ السَّفيهَ إلا الحِلْمُ، ولا يرُدُّ الجاهِلَ إلا السكوتُ، وإذا سكتَّ عن الجاهلِ فقد أوسعتَه جوابًا، وأوجعتَه عِقابًا، ولا راحةَ إلا في العفوِ والإغضاءِ، وقد قيل: "في إغضائِك راحةُ أعضائِك".
ويقول الأحنفُ بن قيسٍ: "ما عاداني أحدٌ قطُّ إلا أخذتُ في أمره بإحدى ثلاثِ خِصالٍ: إن كان أعلى منِّي عرفتُ له قدرَه، وإن كان دُوني رفعتُ قدرِي عنه، وإن كان نظيرِي تفضَّلتُ عليه".
فاعفُوا واصفَحوا، وتذكَّروا ثوابَ العفو، وجزاءَ الصفحِ، وعاقبةَ الحِلْمِ، وحاذِروا ما يُبدِّدُ شملَكم، أو يُفرِّقُ جماعتَكم.
وصلُّوا وسلِّموا على الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
للخلقِ أُرسِل رحمةً ورحيمًا
صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة أصحاب السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة أجمعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وفضلِك وجُودِك وإحسانِك يا أرحمَ الراحِمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المُسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتَنا وُولاةَ أمورِنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين ووليَّ عهده يا رب العالمين.
اللهم كُن لإخواننا في سُورية ناصرًا ومُعينًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا.
اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، ألفافِ البدعةِ والضلالةِ، وأعلامِ الخُرافةِ والدَّجَل والخِيانة، اللهم فُلَّ جيوشَهم، ودُكَّ عروشَهم، ودمِّرهم تدميرًا، ولا تجعل لهم في الأرض وليًّا ولا نصيرًا.
اللهم عجِّل بالفرَج، اللهم عجِّل بالفرَج، اللهم عجِّل بالفرَج والنصر لإخواننا يا رب العالمين، اللهم طالَ ظُلمُهم، وعظُم قتلُهم، واشتدَّ كربُهم وحِصارُهم، وانقطَعَ من الخلقِ رجاؤُهم، اللهم لا رجاءَ إلا فيك يا ربَّ العالمين، فانتصِر لهم على عدوِّهم وعدوِّك يا رب العالمين.
اللهم عليك باليهود الغاصبين، الصهاينة الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك.
اللهم طهِّر المسجد الأقصَى من رِجسِ يهود، اللهم طهِّر المسجد الأقصَى من رِجسِ يهود، اللهم انصر إخواننا في فلسطين عليهم يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحَم موتانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على مَن عادانا يا رب العالمين.
اللهم وفِّق أبناءَنا الطُلَّاب وبناتِنا الطالبات في حياتهم ودِراستِهم، اللهم ذلِّل لهم الصِّعابَ ووفِّقهم للصوابِ، وألهِمهم حُسنَ الجواب، واكتُب لهم النجاحَ والفلاحَ، واجعل الامتِحاناتِ بردًا وسلامًا عليهم يا رب العالمين.
اللهم وقِهِم شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِقِ الليل والنهار، يا عزيزُ يا غفَّار.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُركم، واشكُروه على نِعَمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلمُ ما تصنَعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 05-26-2012, 10:07 PM   رقم المشاركة : 76
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الصبر على البلاء
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 4/7/1433هـ بعنوان: " الصبر على البلاء"، والتي تحدَّث فيها عن البلاء والكروب التي تحلُّ ببني آدم منذ أن أكلَ آدمُ أبو البشر - عليه السلام - من الشجرة، وأُهبِطَ إلى الأرض، وهم ينتقلون من بلاءٍ إلى بلاءٍ، وأن أعظمَ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ثم الصالِحون، ثم الأمثلُ فالأمثلُ، وبيَّن بالأدلة القرآنية والأحاديث النبوية عِظَمَ البلاء، ووجوب الصبر عليه؛ لينالَ العبدُ الأجرَ بذلك.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فالتقوى لا يقبلُ ربُّنا غيرَها، ولا يرحمُ إلا أهلَها.
أيها المسلمون:
خلق الله آدمَ وأسكنَه جنَّته وكان فيها من المُكرَّمين، لا يجوعُ فيها ولا يعرَى، ولا يظمأُ فيها ولا يضحَى، ونهاه الله أن يقرَبَ الشجرةَ، ولما رأى الشيطانُ أن آدم مُنعَّمٌ في الجنة وسوسَ إليه، وأقسمَ له بالله أنه إن أكلَ من الشجرة لم يخرُج من الجنةِ، ولحِكمةٍ عصى آدمُ ربَّه وأكلَ من الشجرة، وبمعصيته هذه أُهبِطَ هو وزوجتُه إلى الأرض بعد لذَّة الجنةِ وراحتها، فكابدَ هو وذريَّتُه المشاقَّ والهمومَ، قال - جلَّ شأنه -: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ[البلد: 4].
قال الحسن - رحمه الله -: "يُكابِدُ مضايِقَ الدنيا وشدائدَ الآخرة".
ولم تصْفُ الدُّنيا لأحدٍ؛ فهي دارُ بلاءٍ، ولذَّاتُها مشوبةٌ بالأكدار، وأمرُها لا يدومُ على حالٍ، وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ[آل عمران: 140]، ليسعدُ تارةً ويحزنُ أخرى، ويعتزُّ حينًا ويُذلُّ حينًا.
وأشدُّ الناسِ بلاءً وكربًا في الحياة هم الأنبياء؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن أشدَّ الناسِ بلاءً: الأنبياء، ثم الأمثلُ فالأمثلُ»؛ رواه النسائي.
فقد لبِثَ نوحٌ - عليه السلام - في قومه ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا، لاقَى منهم فيها شدَّة ومكرًا واستِكبارًا.
قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "وكانوا يقصِدون أذاه، ويتواصَون قرنًا بعد قرنٍ، وجيلًا بعد جيلٍ على مُخالفته".
فدعا على قومه فعمَّهم الطوفان، ونجَّاه الله منه ومن قومه؛ قال - سبحانه -: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ[الأنبياء: 76].
وإبراهيم - عليه السلام - ابتُلِيَ بذبحِ ابنه إسماعيل ففداهُ الله بذِبحٍ عظيمٍ، وأضرمَ قومُه نارًا لإحراقه فجعلَها الله عليه بردًا وسلامًا.
ويعقوبُ - عليه السلام - فقدَ أحبَّ أبنائِه إليه، ثم فقدَ آخر وبكى على فقدهما حتى جفَّ دمعُه وفقدَ بصرَه، قال - سبحانه -: وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ[يوسف: 84]، فبثَّ شكواه وحُزنَه إلى الله فجمعَ له ولدَيْه ورفعَه يوسف على عرشِه.
ويوسفُ - عليه السلام - أُلقِي في الجُبِّ وبِيعَ بثمنٍ بخسٍ ولبِثَ في السجنِ بِضعَ سنين، وفارقَ والدَيْه، فاصطفاه الله وجعلَه من المُرسَلين، وجمعَ له أبوَيه، وجعلَه على خزائنِ الأرض، وكان عند قومِه مكينًا أمينًا.
وفرعونُ آذى موسى وهارون ومن معهما من المؤمنين، فخرجوا فارِّين منه، فلحِقَهم فرعونُ بجنوده، فكان البحرُ أمامَهم وفرعونُ بجُنده خلفَهم، وقَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ[الشعراء: 61]، فقال موسى - عليه السلام -: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ[الشعراء: 62]، فجعلَ الله لهم البحرَ طريقًا يبَسًا، فلما جاوَزوه أطبقَ الله البحرَ على فرعون وجُنودِه، فكانوا من الهالكين، قال تعالى: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ[الصافات: 114، 115].
وأيوبُ - عليه السلام - طالَ عليه كربُ المرض فما أيِسَ من الله، وكان يدعُوه: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[الأنبياء: 83]، فرفعَ الله ضُرَّه ووهبَ له أهلَه وضِعفَيْن معهم.
وزكريَّا - عليه السلام - وهَنَ عظمُه واشتعلَ رأسُه شيبًا وبلغَ من الكِبَر عِتيًّا، وحُرِم الولد، فدعا ربَّه نداءً خفيًّا أن يهبَه ولدًا، فرزَقَه الله يحيى وأقرَّ عينَه بصلاحه، وجعله الله نبيًّا رسولًا.
ومريمُ - عليها السلام - كُرِبَت بما رُمِيَت به من ولادتها بعيسى من غير زوجٍ، فأنطقَ الله مولودَها وهو في المهد: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا[مريم: 30].
ونبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - نشأَ يتيمًا، ومات جدُّه، ثم مات وجيهاه في الدعوة: أبو طالبٍ وخديجةُ في عامٍ واحدٍ، وأُسرِيَ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدسِ، وعُرِج به إلى السماء السابعة، ثم عادَ من ليلته إلى مكَّة، وأخبرَ قُريشًا الخبرَ وخشِيَ ألا يُصدَّقَ فلا يُؤمِنوا، ففرَّجَ الله عنه كربَه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «لقد رأيتُني في الحِجرِ وقُريشٌ تسألُني عن مسرايَ، فسألَتني عن أشياء من بيتِ المقدسِ لم أُثبِتها، فكُرِبتُ كربةً ما كُرِبتُ مثلَه قطُّ»، قال: «فرفعَ الله لي أنظُرُ إليه، ما يسألوني عن شيءٍ إلا أنبأتُهم به»؛ رواه مسلم.
والدينُ وصلَ إلينا بعد عناءٍ ومشقَّة؛ فقد لاقَى النبي - صلى الله عليه وسلم - من شدَّة الوحيِ ما لاقَى، فكان إذا نزلَ عليه الوحيُ يُنكِّسُ رأسَه، ويتفصَّدُ عرقُه من جبينِه في الليلة البارِدة، قال عُبادةُ بن الصامتِ - رضي الله عنه -: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أُنزِلَ عليه الوحيُ كُرِبَ لذلك وتربَّدَ وجهُه" - أي: تغيَّر؛ رواه مسلم.
واشتدَّت كُرُبات النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته؛ من أذى قومه له، وسُمِّه، وسحره، والكيدِ به، وموتِ أبنائِه، وكُربةٌ لاقاها جميعُ الرُّسُل، وهي: التكذيبُ والسُّخريةُ، قال - سبحانه -: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ[فاطر: 4]، وقال - جلَّ شأنه -: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ[الذاريات: 52].
ولا تزالُ كُروبُ الدنيا بالإنسان حتى تُنزعَ رُوحُه؛ قال أنسٌ - رضي الله عنه -: "لما ثقُلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلَ يتغشَّاه - أي: الموت -، فقالت فاطمة - رضي الله عنها -: واكربَ أباه. فقال لها: «ليس على أبيكِ كربٌ بعد اليوم» - أي: من كُروب الدنيا"؛ رواه البخاري.
ولئن انقضَت مِحنُ الدنيا بالموت، فسيُلاقِي الخلقُ كربًا قادمًا شديدًا عليهم؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «يجمعُ الله يوم القيامة الأولينَ والآخرينَ في صعيدٍ واحدٍ، فيُسمِعُهم الداعي، وينفُذُهم البصرُ، وتدنُو الشمسُ، فيبلُغُ الناسَ من الغمِّ والكربِ ما لا يُطيقُون وما لا يحتمِلون»؛ رواه مسلم.
وبعد، أيها المسلمون:
فالإنسانُ في بلاءٍ وشدَّةٍ حتى يضعَ قدمَه في الجنة، وبرحمة الله وفضلِه شرعَ - سبحانه - أسبابًا لزوالِ الخُطوبِ؛ فتوحيدُ الله هو أسرعُ مُخلِّصٍ للكُروب، وقد فزِعَ إلى ذلك يونسُ - عليه السلام - فنُجِّيَ من الغمِّ؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «دعوةُ ذي النُّونِ: لا إله إلا أنت سُبحانك إني كنتُ من الظالمين، ما دعا بها مكروبٌ سبعَ مراتٍ إلا فرَّجَ الله كربَه»؛ رواه أبو داود.
قال ابن القيِّم - رحمه الله -: "لا يُلقِي في الكُرَبِ العِظام سِوى الشرك، ولا يُنجِّي منها إلا التوحيدُ، وقد علِمَ المُشرِكون أن التوحيدَ هو المُنجِّي من المهالِكِ؛ ففرعونُ نطقَ بكلمةِ التوحيد عند غرقه لينجُو ولكن بعد فواتِ الحين".
والتوكُّلُ على الله وتفويضُ الأمر إليه يكشِفُ ما نزلَ، قال - سبحانه -: قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ[الأنعام: 64].
ولما لجأَ الرجلُ المؤمنُ من آل فرعون إلى الله كُفِي شرُّ قومه، قال - سبحانه - عنه: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ[غافر: 44، 45].
والتضرُّع إلى الله بالدعاء سببُ تغيُّر الحال، قال - سبحانه -: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ[النمل: 62].
والصلاةُ مُزيلةٌ للهموم كاشِفةٌ للغموم، والله - سبحانه - أمرَ بالاستعانةِ بها عند حُلولِ المصائبِ، قال - سبحانه -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ[البقرة: 153].
وذكرُ الله أنيسُ المكروبين، قال - جلَّ شأنه -: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ[الحجر: 97، 98].
وكان - عليه الصلاة والسلام - إذا نزلَ به كربٌ قال: «لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ العرشِ الكريم»؛ رواه البخاري.
والاستِرجاعُ عزاءٌ لكلِّ مُصاب، قال - جلَّ شأنه -: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ[البقرة: 155، 156]. وحسبُنا الله ونِعم الوكيلُ قالَها الخليلان عند الشدائد.
والاستغفارُ سببُ تفريجِ الخُطوبِ؛ لأن الذنوبَ هي مُوجِبُ الكُروب، قال - سبحانه -: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ[الأنفال: 33].
والتوبةُ تحطُّ السيئات وتُفرِّجُ الكُرُبات، قال تعالى: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[الأعراف: 168].
ومن عاملَ اللهَ بالتقوى والطاعة في حال رخائِه عاملَه الله باللُّطفِ والإعانةِ في حال شدَّته، قال - عليه الصلاة والسلام -: «تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرِفكَ في الشدَّة»؛ رواه الحاكم.
قال أبو سُليمان الدارانيُّ - رحمه الله -: "من أحسنَ في ليله كُفِيَ في نهاره".
والتزوُّد من الطاعات تُفرِّجُ الهمومَ، قال - سبحانه -: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ[الطلاق: 2، 3].
والصدقةُ والبرُّ وصِلةُ الرَّحِم سببُ زوالِ المِحَن، قالت خديجةُ - رضي الله عنها - للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزلَ عليه الوحيُ وخشِيَ على نفسه، قالت له: "كلا والله، لا يُخزِيكَ الله أبدًا؛ إنك لتصِلُ الرَّحِم، وتصدُقُ الحديثَ، وتحمِلُ الكلَّ، وتقرِي الضَّيفَ، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ"؛ رواه البخاري.
والله وعدَ عبادَه بالفرجِ بعد الشدَّة، وإذا اشتدَّ الكربُ لاحَ الفرَج، وحُسنُ الظنِّ بالله واجبٌ، والتفاؤُلُ بزوالِ ما نزلَ من المصائبِ من حُسن المُعتقَد، قال - سبحانه -: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا[الشرح: 5، 6].
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "لو دخلَ العُسر في حجرٍ لجاء اليُسرُ حتى يدخُلَ عليه".
والصبرُ أجرُه بلا حسابٍ، واختيارُ الله لعبده أرحمُ من اختيارِ العبدِ لنفسه، والحياةُ الباقيةُ هي الدارُ الآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ[الأنبياء: 35].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
من ابتعدَ عن الدين زادَت كُروبه، قال - سبحانه -: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ[الأنعام: 125].
ومن فرَّج الله كربَه ولم يشكُر نعمةَ الله على زوال الكُربة فقد توعَّدَه الله بمكره وعقوبَته، قال - سبحانه -: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا[يونس: 21].
والمؤمنُ إذا ابتُلِيَ صبَرَ، وإذا أذنبَ استغفر، وإذا أُنعِمَ عليه شكَرَ.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم رُدَّهم إليك ردًّا جميلاً.
اللهم انصر المُستضعفين من المؤمنين في الشام، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا.
اللهم عليك بمن آذاهم، اللهم زلزِل الأرضَ من تحت أقدامهم.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحنُ الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23].
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 06-15-2012, 10:12 PM   رقم المشاركة : 77

 

الشباب والفراغ والإجازة
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 18/7/1433 هـ بعنوان: "الشباب والفراغ والإجازة"، والتي تحدَّث فيها عن الشباب وما يمنُّ الله عليهم من الفراغ المُتمثِّل في الإجازة الصيفية، وحذَّر الشبابَ والفتياتِ من الانسياقِ خلفَ جُلساء السوء، ومُروِّجي الفواحِش، ولم ينسَ تذكيرَ الآباء والأمهات بضرورة صِيانة ورعاية أبنائهم وبناتهم، والتحفُّظ عليهم، والتيقُّظ من انحرافِهم.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله آوَى إلى من إلى لُطفِه أوَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له داوَى بإنعامه من يَئِسَ من أسقامه الدَّوَا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله من اتَّبَعه كان على الخيرِ والهُدى، ومن عصاه كان في الغِوايةِ والرَّدَى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تبقَى وسلامًا يَتْرَى.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
الحذرُ والاحتِرازُ، وأخذُ الحَيطةِ قبل وقوعِ المكروه، واجتِنابُ التهاوُن صريحُ الفِطرة، ودليلُ الفِطنة، ومن غلبَ عليه الحَذَر، واستعمَلَ الحَزمَ، وتيقَّظَ وتحفَّظَ سلِمَ وأمِنَ، ولا أمانَ مع الإهمال، ولا سلامةَ مع الاستِرسال.
ومن الشبابِ والفَتَيات من يطيشُ لحظةَ الفراغ، ويستبِدُّ به الفرحُ بالإجازة، وتأخُذه الرغبةُ في الترويحِ والتنفيسِ فيقتحِمُ كلَّ مكان، ويضربُ كلَّ طريق، يُغريهِ كلُّ من يُلاقيه، ويستهوِيه كلُّ من يُوالِيه.
والعدُوُّ يلتمِسُ الغِرَّة، ويلمَحُ الغفلةَ، ويُذكِي العُيون، وينصِبُ الأبصار، ويرصُدُ ويُلاحِظ ليفترِسَ طُعمتَه، ويقتنِصَ نقُذَتَه.
وأكثرُ الفِتيان والفَتَيات صغراٌ أغرار يُخدَعون ويُستجَرُّون، فعلى الأولياء أن يأخُذوا لهذه الإجازاتِ مزيدًا من التحفُّظ والتيقُّظ، والرعايةِ والعِناية، والحَزمِ والحَذَر، ويحفَظوا أولادَهم من أهلِ الفُحشِ والطَّيش، والسوءِ والفُجُور، ويتكلَّفُوا لبناتِهم من الحِراسةِ والحِمايةِ والرَّقابة ما يصُونُهنَّ من المخاوِف والمكارِه، ويحميهِنَّ من الأعيُن الشَّرِهَة، والنَّظراتِ الوَقِحة، والأقوالِ المُهينة، والنفوسِ الدَّنيئة.
والصارِمُ الحَصيفُ لا يتقاعَسُ عن حِمايةِ شرَفِه، ولا يتوانَى عن صِيانةِ عِرضِه؛ فعن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاهُ حفِظَ أم ضيَّع، حتى يسألَ الرجُلَ عن أهلِ بيته»؛ أخرجه ابنُ حِبان.
وعلى الفتاةِ المُسلِمة ألا تخضعَ بقولِها، أو ترقَّقَ في لفظِها، أو تتميَّعَ في صوتِها، أو تتكسَّرَ في كلامِها مِشيَتها، حتى لا يطمَعَ فيها القَذَرَةُ الفجَرة، والفسَقَةُ المَكَرة.
والفتاةُ الواعِيةُ لا تُسلِمُ نفسَها للفضيحةِ والعارِ، فتُراسِلُ غريبًا عنها يلعبُ بعواطِفِها، أو تخلُو بأجنبيٍّ فيُلطِّخُ شرفَها، ويُدنِّسُ عِرضَها.
والفتَى الحازِمُ لا يُخالِطُ من فسَدَ من الصِّبيان، ولا يُجالِسُ من انحرفَ من الشَّبابِ والفِتيان، ومن استرسَلَ في صُحبَةِ الفسَقَة سقطَ في هُوَّة الرَّدَى، ووقعَ في حفائرِ العِدَى.
وكم تورَّطَ من فتًى وفتاة في شِراكِ أهلِ الفواحِشِ والرَّذِيلة ومُروِّجي المُخدِّرات بسبب الاستِرسالِ والإهمال، وقلَّة التيقُّظ والتحفُّظ.
قال إبراهيم الحربيُّ: "فسادُ الصِّبيان بعضُهم من بعضٍ".
وقال ابن القيم: "وأكثرُ الأولاد إنما جاء فسادُهم من قِبَل الآباء وإهمالُهم لهم".
وما أكثرُ العوائِدِ القبيحة التي سرَت وفشَت بين الفِتيان والفَتَيات بسبب المُخالَطة والمُجالَسَة والمُجانَسة، وترك الحَذَر، وضعفِ الحَزمِ، ولا ينجُو إلا من حَذَر. ومن تركَ الحَذَر وقعَ في الخَطَر.
حمانا الله وإياكم وذرياتِنا من شرِّ الأشرار، وكيدِ الفُجَّار، وشرِّ طوارِقِ الليلِ والنهار.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيمَ الحليمَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله بارئِ النَّسَم، ومُحيِي الرَّمَم، ومُجزِلِ القِسَم، أحمدُه حمدًا يُوافِي ما تزايَدَ من النِّعَم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعصِمُ من الفتنِ وتدفعُ النِّقَم، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله المبعوثُ رحمةً للعالمين من عُربٍ وعجَم، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً وسلامًا دائِمَيْن مُمتدَّيْن إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فقد نجَا من اتَّقى، وضلَّ من قادَه الهوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[التوبة: 119].
أيها المسلمون:
صلاحُ الولد أعظمُ ذَخيرة، وأجلُّ غنيمة، والأدبُ وسيلةُ إلى كل فضيلة، فبادِروا إلى تأديبِ أطفالِكم، ورِعايةِ أولادِكم، وصونِهم عن القبائِحِ والرَّذائِل، وشَغلِهم بما ينفعُهم في دينِهم ودُنياهم، وائذَنوا لهم باللَّعِب المُباح، واللَّهوِ المشروع، وأحسِنوا مُصاحبَتَهم، وأدِيموا مُراقبَتَهم، واحذَروا التَّوانِيَ والتَّراخِي، وعامِلُوهم بالعطفِ واللُّطفِ، والرحمةِ والشَّفقَةِ والإحسانِ.
وحافِظوا على استقرارِ أُسرِكم، واحذَروا الطلاقَ والفِراقَ إلا ما اقتضَته الضرورةُ؛ فإن الطلاقَ بابٌ عريضٌ لانحرافِ الأولادِ وفسادِهم.
وصلُّوا وسلِّموا على خيرِ الورَى؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة أصحاب السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابة أجمعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك وجُودِك وإحسانِك يا أرحمَ الراحِمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المُسلمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصِيته للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وإخوانَه وأعوانَه لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المُسلمين يا رب العالمين.
اللهم مُنَّ على جميع أوطانِ المُسلمين بالأمنِ والاستِقرارِ والرخاءِ يا رب العالمين.
اللهم كُن لإخواننا المُستضعفين في سُورية ناصرًا ومُعينًا، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعينًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا، يا سميعُ يا مُجيبُ، يا سميعُ يا مُجيبُ، يا سميعُ يا مُجيبُ، نصرَك العاجلَ القريب.
اللهم عليك بعدُوِّك وعدُوِّهم يا قويُّ يا عزيز، اللهم اقصِم ظهرَه، اللهم اقصِم ظهرَه، اللهم اقصِم ظهرَه، واهتِك سِترَه، وادفَع شرَّه، واجعله عِبرةً يا رب العالمين.
اللهم انتصِر للأطفال المُجدَّلين، اللهم انتصِر للأطفال المُجدَّلين، والقتلَى المُكبَّلين، والمظلومين والمُضطَهدين والمُشرَّدين يا رب العالمين.
اللهم طهِّر المسجد الأقصَى من رِجسِ يهود يا رب العالمين، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك يا قويُّ يا عزيز يا رب العالمين.
اللهم ارحَم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على مَن عادانا يا رب العالمين.
يا عليمُ يا عظيمُ، يا عليمُ يا عظيمُ، يا رحيمُ يا كريمُ يا رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 06-23-2012, 08:45 AM   رقم المشاركة : 78
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

اغتنام لحظات العمر
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 25/7/1433هـ بعنوان: "اغتنام لحظات العمر"، والتي تحدَّث فيها عن الوقت وأهميته في حياة المُسلمين، ونبَّه إلى ضرورة اغتنامه بعبادة الله تعالى وذكرِه، ووجَّه النُّصحَ للشباب والفتيات بالمُنافسَة على اغتنام وقت الإجازة في الأعمال الصالحة؛ من حفظٍ لكتاب الله، وقراءة أحاديث المُصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وتعلُّم العلمِ النافع، ولم ينسَ توجيهَ النصح والإرشاد للآباء بالحِفاظ على أبنائِهم من ضياع أوقاتِهم وأعمارهم فيما لا يُرضِي الله، أو ما لا ينفعُهم في الدنيا والآخرة.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فتقوى الله طريقُ الهُدى، ومُخالفتُها سبيلُ الشقاء.
أيها المسلمون:
الحياةُ سببُ الرِّفعةِ في الدنيا والآخرة أو السُّفولِ فيهما، ولشرفِ ما حوَتْه من الزمانِ أقسمَ اللهُ بأجزائه؛ فأقسمَ بالفجر، والضُّحَى، والعصر، والشَّفَق؛ بل أقسمَ بالزمنِ كلِّه ليله ونهاره، قال - سبحانه -: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى[الليل: 1، 2].
والله يُقلِّبُ حالَ الزمانِ من ظُلمةٍ إلى إشراقٍ لإيقاظِ القلوبِ بعمارةِ الكونِ بعبادةِ الله، قال - جلَّ شأنُه -: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا[الفرقان: 62].
وأمرَ النبيُ - صلى الله عليه وسلم - باغتنامِ الزمانِ بالعملِ الصالحِ، فقال: «احرِص على ما ينفعُك»؛ رواه مسلم.
وأيامُ الحياةِ معدودةٌ إن ذهبَ يومٌ نقصَ عُمرُ ابنِ آدم، وإن ذهبَ بعضُه زالَ كلُّه، قال ابن القيم - رحمه الله -: "العبدُ من حينِ استقرَّت قدمُه في هذه الدار فهو مُسافرٌ فيها إلى ربِّه، ومُدَّةُ سفره هي عُمره الذي كُتِب له".
ومن مِنَن الله الجِسامِ على العبدِ طُولُ العُمر مع صلاحِ العمل، قال - عليه الصلاة والسلام -: «خيرُ الناسِ من طالَ عُمرهُ وحسُنَ عملُه»؛ رواه الترمذي.
وحياةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلَها ونهارَها كانت كلُّها لله، قال الله له: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الأنعام: 162].
وأثنَى الله على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وعلى صحابته لعِمارةِ أوقاتهم بالعبادة، فقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ[الفتح: 29].
ومن وصايا أبي بكر - رضي الله عنه - لعُمر - رضي الله عنه -: "إن لله عملًا بالنهار لا يقبَلُه بالليل، وعملًا بالليل لا يقبَلُه بالنهار".
وكان السلفُ - رحمهم الله - يغتنِمُون لحظاتِ أعمارِهم، فعمَروا زمانَهم بما يُرضِي ربَّهم، قال الحسنُ البصريُّ - رحمه الله -: "أدركتُ أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشدَّ منك حرصًا على دراهِمِكم ودنانيرِكم".
وقد انقضَى عامٌ من تحصيلِ العلمِ أو المعرفةِ المُنتظِمِ في دورِ التعليم، وفي حالِ انقِضائه يبقَى في وقتِ المُتعلِّمين سَعَةٌ من الفراغ، والرابحُ منهم من اغتنَمَ زمنَه بما ينفعُه، والمغبونُ من فرَّطَ في لحظاته، قال - عليه الصلاة والسلام -: «نِعمتانِ مغبونٌ فيهما» أي: يُفرِّطُ فيهما «كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ»؛ رواه البخاري.
قال ابن بطَّال - رحمه الله -: "الذي يُوفَّقُ لذلك - أي: لاغتنامِ الصحةِ والفراغِ - قليلٌ".
ومن خيرِ ما يُعمرُ به زمنُ الإجازةِ ويُنتفَعُ به: حِفظُ كتابِ الله العظيمِ ومُراجعتُه؛ فهو كنزٌ ثمينٌ وتجارةٌ رابحةٌ، قال عُقبةُ بن عمارٍ - رضي الله عنه -: خرجَ علينا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «أيُّكم يُحبُّ أن يغدُوَ كلَّ يومٍ إلى بُطحانَ أو إلى العَقيقِ فيأتي منه بناقَتَين كومامَيْن» - أي: عظيمتَي السَّنامِ «في غيرِ إثمٍ ولا قطيعةِ رَحِمٍ؟». فقلنا: يا رسول الله! نحبُّ ذلك. فقال: «أفلا يغدُو أحدُكم إلى المسجدِ فيعلمُ أو يقرأُ آيتين من كتابِ الله - عز وجل - خيرٌ له من ناقتَيْن، وثلاثٌ خيرٌ له من ثلاث، وأربعٌ خيرٌ له من أربع، ومن أعدادهنَّ من الإبِل»؛ رواه مسلم.
ومن نالَ حِفظَ القُرآن شرُفَ، ومن تلاهُ عزَّ، ومن قرُبَ منه عظُم، ومنزلةُ العبدِ في الجنةِ عند آخر آيةٍ يُرتِّلُها منه، وفي زمنِ الفتنِ وانفتاحِ أبوابِ الشُّبُهات والشَّهوات يكونُ الاعتصامُ بكتابِ الله ألزَم، والقُربُ منه أوجب، قال - عليه الصلاة والسلام -: «تركتُ فيكم شيئين لن تضِلُّوا بعدَهما: كتابَ الله وسنَّتي»؛ رواه الحاكمُ.
والتزوُّدُ من العلمِ الشرعيِّ بحفظِ الأحاديث النبويةِ ومُتونِ أهلِ العلمِ المُصنَّفةِ في علومِ الشريعة تأصيلٌ للطلَب، ورُسوخٌ في العلم، ورفعةٌ للمُسلم، قال - سبحانه -: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[المجادلة: 11].
قال الإمام مالكٌ - رحمه الله -: "أفضلُ ما تُطوِّعَ به: العلمُ وتعليمُه".
وبرُّ الوالدَين طاعة، وصُحبتُهما سعادة، والقربُ منهما توفيق، قال - سبحانه - عن عيسى - عليه السلام -: وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا[مريم: 32].
قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "من برَّ بوالدَيه كان مُتواضِعًا سعيدًا".
والابنُ الفَطِنُ يسعَدُ بالإجازةِ لمزيدِ البرِّ بوالدَيْه إدخالِ السرورِ عليهما، ومما يُفرِحُهما استقامتُك على الدين، ومن برِّهِما: زيارةُ صديقِهما، وإكرامُهما من بعدِهما، قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن البرَّ أن يصِلَ الرجلُ وُدَّ أبيه»؛ رواه مسلم.
وصِلةُ الرَّحِم تُرضِي الرحمنَ، وتُطيلُ العُمرَ، وتَزيدُ في المالِ، وتُبارِكُ في الوقت، وتُقرِّبُ ما بين النفوس، وتُظهِرُ مكارمَ الأخلاق، وتُبدِي جميلَ المُروءات، قال - عليه الصلاة والسلام -: «من أحبَّ أن يُبسَطَ له في رِزقِه، ويُنسأَ له في أثرِه فليصِلْ رحِمَه»؛ متفق عليه.
وزيارةُ أهل العلم والصالحين تُهذِّبُ النفوسَ، وتسمُو بالرُّوح، وتُذكِّرُ بالآخرة، وتُعلِي الهِمَم، وتُصلِحُ الحال، وينالُ بها الزائرُ معرفةً وعلمًا؛ فهم ورثةُ الأنبياء، ودُعاةُ الهُدى.
والتنافُسُ في الخير والتقوى من صفاتِ الصالحين، قال - سبحانه -: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ[المطففين: 26].
قال الحسن البصري - رحمه الله -: "إذا رأيتَ الناسَ في خيرٍ فنافِسْهم فيه".
والصُّحبةُ الصالحةُ خيرُ مُعينٍ على العملِ الصالحِ تدفعُ إلى البرِّ، وتُغلِقُ عنك أبوابَ الشُّرور، وتحُثُّ على الطاعةِ، ولا غِنَى لأحدٍ عن الصُّحبةِ الصالحةِ؛ فقد كان لنبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - صاحبٌ يُعينُه على طريقِ الدعوةِ وتبليغِ الرسالة، قال - سبحانه -: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا[التوبة: 40].
والمُتحابُّون بجلال الله على منابِرَ من نورٍ، يغبِطُهم النبيُّون والشُّهداءُ، ورفيقُ السوءِ يدعُوك إلى الشُّرور، ويصدُّ عنك أبوابَ الخير، وقد أخبرَ الله أن رُفقتَه ندامة، قال - سبحانه -: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا[الفرقان: 27، 28].
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "اعتبِرِ الرجلَ بمن يُصاحِب" أي: انظُروا إلى رُفقاء الرُّجُل "فإنما يُصاحِبُ الرَّجلَ من هو مِثلُه".
والتطلُّعُ إلى مواطنِ الفتنِ وأسبابِها من المرئيات في القنواتِ وغيرِها يعيشُ المرءُ معها وهمًا، وتُورِثُه نُكرانَ النِّعَم، وترفعُ القناعةَ من النفسِ، وتُورِدُ على القلبِ الظُّلَم.
والإجازةُ مغنَمٌ لقُرب الأبِ من أبنائِه، يملأُ فراغَ قلوبهم، ويُهذِّبُ سُلُوكَهم، ويُقوِّمُ عِوَجَهم، والأبناءُ يسعَدون بمُرافقَتهم لأبيهم وأُنسِهم به، وانتِفاعهم بأخلاقه، واكتِسابِهم الصفات الحميدة منه.
قال ابن عقيل - رحمه الله -: "العاقلُ يُعطِي للزوجةِ وللنفسِ حقَّهما، وإن خلا بأطفالِها خرجَ في صُورةِ طفلٍ، وهجَرَ الجِدَّ في بعضِ الوقت".
وتغافُلُ الأبِ عن أبنائِه وبُعدُه عنهم إهمالٌ لتنشِئَتهم، وتيسيرٌ لأهل السوءِ للوصولِ إليهم، ويجنِي من ذلك الأبُ الندامةَ والحسرةَ.
والسفرُ المُباحُ بهم يُقرِّبُ ما بين الوالدَين والأبناء، ويُوارِي هُوَّة الفجوةِ بينهم.
والعُمرةُ سفرُ عبادةٍ يحُطُّ الأوزار، ويرفعُ الدرجات، وصلاةٌ في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سِواه.
والسفرُ المُحرَّمُ إهدارٌ للمال، وعُرضةٌ للفتن، وقد تقعُ بسببِه في قلوبِ الأولاد شُبُهاتٌ أو شهواتٌ لا يملِكُ الأبُ منعَها أو تحويلَها، وقد يعودُ المرءُ من السفرِ المُحرَّم أسوأَ من حاله قبل السفر.
وفي الإجازة تُبنَى أسرٌ في المُجتمع بالزواج، ومن شُكر تلك النِّعمة: ألا يصحَبَ وليمتَها مُحرَّمٌ؛ من إسرافٍ، أو عُريٍ، أو غناءٍ، أو تصويرٍ، وأن يكون زواجًا لا معصيةَ فيه.
والله جعل الليل سكَنًا، قال - سبحانه -: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا[النبأ: 10]، ومن هديِه - عليه الصلاة والسلام -: النومُ أولَ النهار، قال أبو بَرزةَ - رضي الله عنه -: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرهُ النومَ قبل العشاء والحديثَ بعدها"؛ متفق عليه.
وإذا كان السهرُ وسيلةً إلى التخلُّف عن صلاة الفجرِ مع الجماعةِ كان مُحرَّمًا.
والمُسلمُ يُراقِبُ ربَّه في أحواله وأزمانه، ويُوقِنُ بأن الله يرى أفعالَه أيًّا كان زمانُها أو مكانُها، قال - سبحانه -: وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ[يونس: 61].
والثوابُ والعقابُ يُجازَى عليه العبدُ في كل موطنٍ حلَّ فيه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ»؛ رواه الترمذي.
والله يغارُ إذا انتُهِكَت حُدودُه في سفرٍ أو حضرٍ، قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن الله تعالى يغَار، وغيرةُ الله تعالى: أن يأتِيَ المرءُ ما حرَّم الله عليه»؛ متفق عليه.
فكُن مُبتعِدًا عن الخطيئات، وتزوَّد من الأعمال الصالحة، ولئن كان العملُ مجهدةً فإن الفراغَ مفسدةٌ، ونفسَك إن لم تشغَلها بالحق شغلَتْك بالباطل، والمرءُ مُمتحنٌ في رخائِه وسرَّائه، وعافيته وبلائه، في حلِّه وترحالِه، والمُوفَّقُ من جعلَ التقوى مطيَّتَه، وسارعَ إلى جنَّة ربِّه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[التوبة: 105].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
واجبُ الأبِ نحو أبنائِه عظيمٌ؛ فهو مسؤولٌ عنهم يوم القيامة، والأمُّ عليها واجبٌ مُضاعَفٌ في الحِفاظِ على بناتِها، ومُلازمَتها لهُنَّ في الرِّعاية والنُّصحِ والتوجيه؛ بحثِّهنَّ على حفظِ كتابِ الله وسماعِ ما يُفيدُ من الذِّكرِ، والقيامِ بأمور البيت ولو مع توافُر من يخدِمُهنُّ، وأمرِهنَّ بالحجابِ والسِّترِ والعفافِ، ونبذِ ما يضُرُّهنَّ مما يُنافِي الدينَ والأخلاقَ.
والدُّنيا أمَدُها قصيرٌ، ومتاعُها زائلٌ، فلا تتعلَّق منها إلا بما يقضِي به الغريبُ حاجتَه في غير موطِنه، ولا تشتغِل فيها إلا بما يشتغلُ به الغريبُ الذي أعدَّ العُدَّة للرجوعِ إلى أهله.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "ما ندِمتُ على شيءٍ ندَمي على يومٍ غرَبَت شمسُه نقصَ فيه أجلي ولم يزدَدْ فيه عملي".
والمؤمنُ بين مخافتَين: بين ذنبٍ قد مضَى لا يدرِي ما الله صانِعٌ فيه، وبين أجلٍ قد دنا لا يعلمُ ما هو صائرٌ إليه.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم إنا نسألُك الإخلاصَ في القول والعمل، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ والتقوى يا رب العالمين.
اللهم انصر المُستضعفين من المؤمنين في الشام، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا، اللهم احقِن دماءَهم، واحفَظ أعراضَهم وأموالَهم وأولادَهم.
اللهم عليك بمن طغَى عليهم، اللهم زلزِل الأرضَ من تحت أقدامهم.
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك وتحكيم شرعك يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201]، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 06-23-2012, 08:49 AM   رقم المشاركة : 79

 

حقيقة الدنيا الفانية
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 2/8/1433هـ بعنوان: "حقيقة الدنيا الفانية"، والتي تحدَّث فيها عن الدنيا وحقيقتها التي ينبغي أن تكون راسخة في قلبِ كل مؤمنٍ، وهي أنها زائلةٌ فانيةٌ، وأن الآخرة هي الباقيةُ، مُذكِّرًا في ذلك بأكبر واعظٍ في تلك الحياة الدنيا، ألا هو الموتُ الذي هو حقٌّ على كل حيٍّ، وقد سردَ شيئًا من الأدلةِ الواردة في الوحيَيْن عن الموت والفناءِ والاستعداد للآخرة بالزهدِ في الدنيا، وفعلِ الطاعات، وترك المُنكرات.

الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ[سبأ: 1]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ القديرُ، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه الهادي البشير، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ خيرِ من اتَّبعَ المُصطفَى النَّذيرَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون:
إن الدنيا مزرعةٌ للآخرة؛ فالسعيدُ من زهَدَ في هذه الدار، وأشغلَ جوارِحَه بمُراقبة العزيز الغفَّار، وألزَمَ نفسَه الاتِّعاظَ والادِّكارَ، ودأَبَ في طاعة الأوامر والاستجابةِ والمُحافظة على ذلك مع تغايُرِ الأحوال والأطوارِ.
المُوفَّقُ في هذه الدنيا من تأهَّبَ لدار القرار، وكان على حذَرٍ من سخَطِ الجبَّار: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
فيا أخي المُسلم:
سلْ نقسَك: هل أعددتَ للموت عملًا صالِحًا؟ أم الدنيا شغلَتك عن المَنِيَّة والإعداد للآخرة؟!
ويا مَن تُحبُّ نفسَك! تذكَّر وقوفَك بين يدَي الرحمن وأنت تُسألُ عن مظالِمِ فُلان وفُلان، وعن ماذا عمِلتَ في الاستجابةِ لأوامر العزيز المنَّان.
أيها المُسلمون:
إن هذه الدنيا دارُ ممرٍّ وليست بدار قرارٍ، قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا[النساء: 77].
المُوفَّقُ في هذه الحياة هو من يُسارِع إلى طاعة ربِّه - عز وجل -، وإلى الاستجابة لأوامر رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ[الأنفال: 24].
إن الكَيِّسَ الذي تيقَّنَ تلك الحقيقةِ، فكان مُغلِّبًا لآخرته على دُنياه، مُحكِّمًا هواه بتقوَى مَولاه، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ[فاطر: 5]، وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ[العنكبوت: 64].
إن الفَطِنَ هو من حَظِيَ بتوفيق ربِّه، فبادرَ قبل العوارِضِ، وسارعَ قبل الشواغِلِ، واستعدَّ لدار القرارِ، ولم ينشغِل بدار البَوار، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ[المنافقون: 9، 10]، حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[المؤمنون: 99، 100].
ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يُحذِّرُ من الانشغالِ عن يوم الحِسابِ، فيقولُ - فيما رواهُ البخاري -: «نِعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ: الصحةُ والفراغُ».
ورُوِيَ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «بادِروا بالأعمال سبعًا: هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسِيًا؟ أو غِنًى مُطغِيًا؟ أو مرضًا مُفسِدًا؟ أو هرَمًا مُفنِّدًا؟ أو موتًا مُجهِزًا؟ أو الدَّجالَ فشرُّ غائبٍ يُنتَظَر؟ أو الساعةَ فالساعةُ أدهَى وأمَرُّ؟»؛ رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ".
وفيما أوصَى به النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدَ الصحابة - وهي وصيةٌ لجميع الأمة -، حينما وصَّى ابنَ عُمر - رضي الله عنهما -، قال ابنُ عمر: أخذ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكِبَيَّ ثم قال: «كُن في الدنيا كأنَّك غريبٌ أو عابِرُ سبيلٍ». وكان ابنُ عُمر - رضي الله عنهما - يقول: "إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباحَ، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءَ، وخُذ من صحَّتك لمرضك، ومن حياتِك لموتِك"؛ رواه البخاري.
إخوة الإسلام:
الدنيا دارٌ يجبُ أن تُعمرَ بكل ما يُقرِّبُ إلى الله - جل وعلا -، ويجبُ على المُسلم فيها أن يكون فائزًا برضا الله - سبحانه -، فبذلك يحصُلُ الخيرُ المُطلقُ، وبفُقدان ذلك يحصُلُ الشرُّ المُحقَّق - والعياذ بالله -، وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[العصر: 1- 3].
وفي الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خيرُ الناسِ من طالَ عُمره وحسُنَ عملُه، وشرُّ الناسِ من طالَ عُمرُه وساءَ عملُه»؛ رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ".



معاشر المسلمين:
إن الخسارةَ الكُبرى في تضييع الحياة في المُشتهيات والملذَّات، والإعراضِ عن العملِ للدار الباقيةِ والحياةِ التي هي السعادةُ الحقيقيةُ لمن أصلحَ وأخلَصَ، والشقاءُ الأكبرُ لمن أعرضَ وأدبَرَ، أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ[الشعراء: 205- 207].
فيا أيها المسلم! ما أسعدكَ بهذا الدين إن التزمتَ به؛ فبه الفوزُ العظيمُ والفلاحُ الأتمُّ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 71].
ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كل أمتي يدخلُ الجنةَ إلا من أبَى». قيل: يا رسول الله! ومن يأبَى؟! قال: «من أطاعني دخلَ الجنةَ، ومن عصاني فقد أبَى»؛ رواه البخاري.
أيها المسلمون:
اعلموا بأن الحركات والسَّكَنات محسوبةٌ مكتوبةٌ، وأن العبدَ مسؤولٌ في آخرته عن دُنياه، فالسعادةُ لمن أعدَّ للسؤال جوابًا، وللجوابِ صوابًا، فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الحجر: 92، 93].
ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تزولُ قدمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمُره فيم أفناه، وعن علمِه فيم فعلَ فيه، وعن مالِه من أين اكتسبَه وفيمَ أنفقَه، وعن جسمِه فيم أبلاه»؛ رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ".
فيا أيها المُسلم! لن تجنِيَ ثمرةً طيبةً في هذه الحياة، ولن تحذرَ من خزيٍ وخيبةٍ في الآخرة إلا بالالتزامِ الأوفَى بوصيةِ سيدنا ونبيِّنا محمدٍ - عليه أفضل الصلاة والتسليم -: «اتقِ اللهَ حيثُما كنتَ».
فعليك بالخوفِ من إلهكَ ومولاكَ، وراقِبه في علَنك ونجواك؛ تسعَد وتفُز وتغنَم، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا[النبأ: 31]، رسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من خافَ أدلجَ، ومن أدلَجَ بلغَ المنزلَ، ألا إن سلعةَ الله غاليةٌ، ألا إن سلعةَ الله الجنةُ»؛ رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ".
فيا مَن أشغلَته دُنياه عن آخرته، يا مَن هو ساعٍ في الغفلة، لاهٍ في الملذَّات والمُشتهَيَات، يا مَن بارزَ ربَّه بالعِصيان، ولم يقُم بأوامر الرحمن! اعلَم أنك على خطرٍ عظيمٍ؛ فبادِر بالتوبةِ والإنابةِ إلى الربِّ الرحيمِ، قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ[الزمر: 53، 54].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآياتِ والهُدى والفُرقان، أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
أحمد ربي وأشكرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
إن المؤمنَ لا يركنُ إلى هذه الدنيا الفانيةِ، ولا يجعلُها شُغلَه الشاغلَ وهمَّه الأكبر؛ فقد وصفَها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حينما قال ابن مسعودٍ: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصيرٍ فقام وقد أثَّر في جنبه، فقلنا: ألا نتخِذ لك وِقاءً؟ فقال: «مالي وللدنيا، إنما أنا كراكبٍ استظلَّ تحت دَوحةٍ ثم راحَ وتركَها».
فيا أيها المُسلم! هل من العقلِ الراجحِ أن تظلِمَ الخلقَ بسببِ هذه الدنيا؟! هل من الرأيِ الحصين أن تجمعَ المالَ من الحرام؟! هل يليقُ بالمُسلمِ وهو يعلمُ أن هذه الدارَ دارُ فناءٍ وأن هناك دارٌ هي دارُ البقاء، هل يليقُ بالمُسلم أن يغشَّ، أو أن يسرِقَ، أو أن يخونَ، أو أن يرتشِي؟! كلا ثم كلا.
في الحديث: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلا ذكرَ الله، وما والاه، وعالمًا ومُتعلِّمًا»؛ وهو حديثٌ رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ"، وحسَّنه بعضُ المُحقِّقين من أهل العلم.
معاشر المُسلمين:
مُصابٌ جَللٌ فُجِع به الناسُ، وهو وفاةُ الأمير الجليلِ نايفِ بن عبد العزيز وليِّ عهد هذه البلاد، فلا نقول إلا ما يُرضِي ربَّنا، وإنا لله وإنا إليه راجِعون، نسأل اللهَ - جل وعلا - أن يجزِيَه على ما قدَّم لدينه ولوطنه خيرَ الجزاء، وأن يُدخِلَه جناتِ النعيم، ويرفعَ درجتَه في المهديين، وأن يجزِيَه خيرًا على ما قدَّم للحُجَّاج والمُعتمِرين.
ونسأل اللهَ - جل وعلا - أن يُبارِكَ في خلفِه نائبِ خادمِ الحرمين الشريفين: الأميرِ سلمان بن عبد العزيز، وأن يُعينَه ويُسدِّده ويُوفِّقَه لخدمة الإسلام والمُسلمين، وأن يُحقِّقَ به كلَّ خيرٍ ورغَدٍ ورخاءٍ لهذه البلاد ولسائر بلاد المُسلمين.
كما نسألُه - جل وعلا - أن يُعينَ وزيرَ الداخلية الأميرَ أحمد، وأن يُسدِّده ويُوفِّقه إلى ما فيه الخير، وأن يجعلَه خيرَ خلفٍ لخير سلَف، وأن يُبصِّرَه بما يُحقِّقُ الأمنَ والعدلَ والرخاءَ، وأن يرزُقَ الجميعَ الصحةَ والعافيةَ ورضا الخالقِ - جل وعلا -.
ثم إن الله - جل وعلا - أمرَنا بأمرٍ عظيمٍ، ألا وهو: الصلاةُ والسلامُ على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبِنا وقُدوتِنا محمدٍ، اللهم ارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم اعفُ عنا بعفوِك، اللهم اعفُ عنا بعفوِك، اللهم اعفُ عنا بعفوِك، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم اكشِف همَّنا وهمَّ المُسلمين، اللهم نفِّس كُرُبات المُسلمين، اللهم احفظ المُسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المُسلمين في كل مكان، اللهم اجعل لهم من كل كُربةٍ فرَجًا، اللهم اجعل لهم من كل همٍّ مخرجًا، اللهم اجعل لهم من كل همٍّ مخرجًا.
اللهم آمِنهم في أوطانهم، اللهم آمِنهم في أوطانهم، اللهم آمِنهم في أوطانهم يا أرحمَ الراحمين يا أكرمَ الأكرمين.
اللهم اجعل هذه البلادَ آمنةً مُطمئنَّةً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المُسلمين.
اللهم عليك بأعداء المُسلمين، اللهم عليك بأعداء المُسلمين، اللهم شتِّت شملَهم، اللهم فرِّق جمعَهم، اللهم فرِّق جمعَهم، اللهم زلزِلِ الأرضَ من تحت أقدامهم، اللهم أرِنا فيهم ما يسُرُّنا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، اللهم ارزقه الصحةَ والعافيةَ والعُمرَ المَديدَ على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم بارِك لنا في شعبان وبلِّغنا رمضان، اللهم بارِك لنا في شعبان وبلِّغنا رمضان، اللهم بارِك لنا في شعبان وبلِّغنا رمضان يا أرحم الراحمين، اللهم بلِّغنا رمضان وقد عمَّ الأمنُ والأمانُ جميعَ بلاد المُسلمين، اللهم وقد عمَّت الوحدةُ والاتفاقُ بين المُسلمين يا حيُّ يا قيوم.
عباد الله:
اذكُروا اللهَ ذكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بُكرةً وأصيلًا.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-02-2012, 09:30 PM   رقم المشاركة : 80

 

الحث على الرفق
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 9شعبان 1433هـ بعنوان: "الحث على الرفق"، والتي تحدَّث فيها عن الرِّفق وأهميته وفضله، ووجَّه النصحَ لعموم المسلمين بضرورة التعامُل فيما بينهم بالرفق، وحثَّ الولاة والحكام والأمراء والوزراء وكل من تحته رعيَّة يأتمرون بأمره أن يتحلَّوا به، وحذَّر من الفُحش والبذاءة وسوء الأخلاق.

الخطبة الأولى
الحمد لله الرؤوفِ الرحيمِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإلهُ العظيمُ، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه خيرُ من اتَّصفَ بالخُلُق الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ إلى يوم الدين، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
إخوة الإسلام:
من السَّجايا الجميلة والخِصال النبيلة في منظومة مكارمِ الأخلاق في الإسلام: خُلُق الرِّفق بأشملِ معانيه وأوسع مضامينه، إنه الرِّفقُ الذي يعني: الاتِّصافَ باللِّين والسُّهولة في الأقوال والأفعال، والأخذ بالأسهل، والدفعَ بالأخفِّ، قال - جل وعلا -: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ[آل عمران: 159].
إنه الرِّفقُ الذي يتضمَّنُ الرحمةَ بالمؤمنين، ولُطفَ الرعاية لهم، والبَشاشةَ والسماحةَ في التعامُل، إنه الرِّفقَ الذي يجلِبُ البُعدَ عن العُنفِ بشتَّى أشكالِه ومُختلَف صُورِه، والتخلُّصَ من الغِلظَة في المقال، والفَظاظَة في الأفعال، والفُحشَ في جميع الأحوال، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ[الحجر: 88].
يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن أحبَّكم إليَّ يوم القيامة: أحسنُكم أخلاقًا، المُوطِّئون أكنافًا، الذين يألَفون ويُؤلَفون».
المؤمنُ رفيقٌ في أقواله وأفعاله وفي جميع أحواله، هيِّنُ التعامُل، رقيقُ المعشَر، وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا[الفرقان: 63].
إنه الرِّفقُ الذي يمَسُّ بلُطفه القلوبَ القاسِية فيُحوِّلَها من قسوتها وجَفوتها إلى تعاطُفها وتجاذُبها، ومن شدَّتها وغِلظَتها إلى رقَّتها ولُطفها، لقد حثَّ - صلى الله عليه وسلم - على الرِّفق، وبيَّن أهمِّيَّتَه وعظيمَ شأنه، وأوضحَ ثمارَه الطيِّبة، وأنه سببٌ لمُضاعفَة الحسنات، ورفع الدرجات، فقال - عليه الصلاة والسلام -: «إن الله رفيقٌ يحبُّ الرِّفقَ، ويُعطِي على الرِّفق ما لا يُعطِي على ما سِواه».
الرِّفقُ ما صاحَبَ تصرُّفًا ولا مسلَكًا إلا زيَّنَه، ولا نُزِع من قولٍ ولا فعلٍ إلا شانَه وكدَّرَه، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرِّفق لا يكون في شيءٍ إلا زانَه، ولا يُنزَع من شيءٍ إلا شانَه»؛ رواه مسلم.
إخوة الإسلام:
الرِّفقُ سببٌ عظيمٌ في كسبِ محبَّة الله - جل وعلا -، فلقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله رفيقٌ يحبُّ الرِّفقَ في الأمر كلِّه»؛ متفق عليه.
وبدون الرِّفق في الأقوال أو الأفعال أو التصرُّفات يفوتُ خيرٌ كثيرٌ، ومغنَمٌ كبيرٌ، فلقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من يُحرَم الرِّفقَ يُحرَم الخيرَ كلَّه»؛ رواه مسلم.
فكن - أيها المسلم - رفيقًا رقيقًا مع الآخرين، هيِّنًا في تعامُلاتك، سهلًا ليِّنًا في أخذِك وعطائِك، تجنَّب الغِلظَةَ والخُشونة، والجَفوَة والرُعونَة، وانأَ بنفسك عن الفَظاظَة والشِّدَّة، ولو كان ذلك في الجوانب الخيِّرَة؛ كالدعوة إلى الله - جل وعلا -، والأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المُنكرِ، فضلًا عن التصرُّفات الحياتيَّة، والتعامُلات الاجتماعية.
يقول - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أُخبِرُكم بمن يحرُم على النار أو بمن تحرُم عليه النار؟ تحرُمُ على كل قريبٍ هيِّنٍ سهلٍ ليِّنٍ»؛ رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ".
معاشِرَ المُسلمين:
الرِّفقُ بهذا المعنى الواسعِ الجميل والمفهوم الشامل لكل مجالات الحياة مطلوبٌ من كل أحدٍ، رِفقُ الوالي برعيَّته، رِفقُ القاضي في قضائِه، رِفقُ المسؤول لمن هو تحت مسؤوليَّته، رِفقُ الوالدِ بولدِه، رِفقُ الزوجِ بزوجته، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا[البقرة: 83].
يقول - صلى الله عليه وسلم -: «عليك بالرِّفقِ، وإياك والعُنفَ والفُحشَ»؛ رواه البخاري.
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «ما من شيءٍ أثقلُ في ميزان المؤمن يوم القيامة من حُسن الخُلُق، وإن الله يُبغِضُ الفاحشَ البَذِيءَ»؛ رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".
إخوة الإسلام:
من أوجبِ أنواع الرِّفق: رِفقُ ربِّ العمل بمن يعملُ لديه، وأن يتجنَّب الشِّدَّة والغِلظةَ مع العاملين معه، قال أنس - رضي الله عنه -: خدمتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عشرَ سنين، فما قال لي قطٌّ: أُفّ، ولا قال لي لشيءٍ فعلتُه: لم فعلتَه، ولا لشيءٍ لم أفعله: افعل كذا. وصحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا أرادَ الله بأهل بيتٍ خيرًا أدخلَ عليهم الرِّفقَ».
فيا أيها المسلم: التزِم تلك الأخلاقَ الجميلة، والشمائل النبيلة تفُز بالجنات، ورضا رب الأرض والسماوات؛ ففي الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئِل عن أكثر ما يُدخِل الناسَ الجنة، فقال: «تقوى الله وحُسن الخُلُق»؛ والحديث رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ".
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:58 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir