يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-24-2012, 12:24 AM   رقم المشاركة : 61
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

أعمال يسيرة بأجور كبيرة

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 25/3/143هـ بعنوان: "أعمال يسيرة بأجور كبيرة"، والتي تحدَّث فيها عن نعمةِ الله على عباده، ومدَى حبه لهم؛ حيث ضاعفَ لهم الأجور والحسنات على أعمالٍ يسيرةٍ؛ فقد ذكرَ بعضَ الأعمال الصالحة؛ من طهارةٍ، وصلاةٍ، وصيامٍ، وعُمرةٍ، وأذكارٍ، وغير ذلك قليلةٌ في فعلِها ويسيرة ولكنها عند الله عظيمةٌ وجليلة.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فمن اتقَى ربَّه ارتَقَى درجات، وطابَ مآلُه بعد الممات.
أيها المسلمون:
إذا أراد الله أن يُكرِم عبدَه بمعرفته وجمعِ قلبه على محبَّته؛ شرَحَ صدرَه لقَبول صفاته، ومن صفاته - سبحانه -: الكرم بكثرة الخير وجَزيلِ العطاء، ومن نُعوته: الشُّكر يشكُر القليلَ من العمل بمُضاعَفَة الثواب أضعافًا كثيرة، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ[فاطر: 34].
وأقلُّ ما يُضاعِفُ به الحسنةَ عشرُ حسنات، وشكرَ المؤمنين بجنَّاتِ النعيم، والمُسلمُ لا يحتقِرُ أيَّ عملٍ صالحٍ، فلا يدري ما الذي يُدخِلُه الجنةَ منه، ومن وصايا النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تحقِرنَّ من المعروف شيئًا»؛ رواه مسلم.
قال ابن حجر - رحمه الله -: "ينبغي للمرءِ ألا يزهَدَ في قليلٍ من الخيرِ أن يأتيَه، ولا في قليلٍ من الشرِّ أن يجتنِبَه؛ فإنه لا يعلَم الحسنةَ التي يرحمُه الله بها، ولا السيئةَ التي سخَطُ عليه بها".
وخصَّ - سبحانه - أعمالاً يسيرةً بثوابٍ جزيلٍ مُضاعَفٍ عنده؛ فالتوحيدُ دينُ الفِطرة، وجزاءُ أهله الجنة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من لقِيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا دخلَ الجنةَ»؛ رواه مسلم. ومن كان آخرَ كلامِهِ من الدنيا: لا إله إلا الله دخلَ الجنةَ.
وأثابَ - سبحانه - على فروعٍ في العباداتِ يتكرَّرُ عملُها في اليوم والليلة بتكفيرِ الخطايا وفتحِ أبوابِ الجِنان؛ فجعلَ الطُّهورَ شطرَ الإيمان، والسِّواكَ مرضاةً له - سبحانه -، ومن توضَّأَ فأحسنَ الوضوءَ خرجَت خطاياهُ من جسدِهِ حتى تخرُج من تحت أظفاره، ومن فرَغَ من الوضوءِ وقال: «أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبدُ الله ورسوله؛ إلا فُتِحَت له أبوابُ الجنةِ الثمانية يدخُلُ من أيِّها شاء»؛ رواه مسلم. و«من توضَّأَ فأحسَنَ الوضوءَ، ثم صلَّى ركعتين يُقبِلُ عليهما بقلبِهِ ووجهِهِ وجبَتْ له الجَنَّة»؛ رواه النسائي.
وجعلَ خُطوات الماشِي إلى الصلاة إحداهما تحُطُّ خطيئةً، والأخرى ترفَعُ درجةً، والمُنادِي بالأذان يُغفَرُ له مدُّ صوته ويشهدُ له كلُّ رَطبٍ ويابِسٍ، ومن سمِعَ المُؤذِّنَ وقال مِثلَ قوله كان له كأجرِه، «وإذا قال المُؤذِّن: أشهدُ أن محمدًا رسول الله، فقال من سمِعَه: وأنا أشهدُ، رضِيتُ بالله ربًّا، وبمُحمَّدٍ رسولاً، وبالإسلام دينًا؛ غُفِرَ له ذنبُه»؛ رواه مسلم.
ولفضلِ الصلاةِ وعُلُوِّ منزلتها كان ثوابُ الأعمال فيها عظيمًا؛ فمن غدَا إلى المسجدِ أو راحَ أعدَّ الله له في الجنةِ نُزُلاً كلما غدَا أو راحَ، وصلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين درجة، ومن صلَّى الصُّبحَ فهو في ذِمَّةِ الله وحِفظِهِ حتى يُمسِي.
ومن حافَظَ على صلاةِ العصر ضُوعِفَ له أجرُه مرتين؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن هذه الصلاةَ عُرِضَت على من كان قبلَكم فضيَّعُوها، فمن حافَظَ عليها كان له أجرُه مرتين»؛ رواه مسلم.
ومن صلَّى العشاءَ في جماعةٍ فكأنَّما قامَ نصفَ الليل، ومن صلَّى الصبحَ في جماعةٍ فكأنَّما صلَّى الليلَ كلَّه.
وركعتان قبل الفجرِ خيرٌ من الدنيا وما فيها، ومن صلَّى اثنتَيْ عشرة ركعة في يومٍ وليلةٍ بنَى الله له بيتًا في الجنة، وركعتان في الضُّحَى تُؤدِّي شُكرَ نعمةِ جميع مفاصِلِ الإنسان.
وشرَعَ - سبحانه - أذكارًا في الصلاةِ جامِعة أُجُورُها مُضاعَفة؛ صلَّى رجلٌ خلفَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلما رفعَ رأسَه من الركوعِ قال: ربَّنا ولك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، فقال - عليه الصلاة والسلام -: «رأيتُ بِضعةً وثلاثين مَلَكًا يبتدِرُونها أيُّهم يكتُبُها أول»؛ رواه البخاري.
والتأمينُ مع الإمام آخر الفاتِحة يُغفَرُ لصاحبِهِ إن وافقَ تأمينَ الملائكة.
«ومن قرأَ آيةَ الكُرسي عقِبَ كل صلاةٍ لم يمنَعه دخول الجنةِ إلا أن يموت»؛ رواه النسائي.
ومن قال حين ينصرِفُ من المغرب: اللهم أجِرني من النار. سبعَ مراتٍ؛ نجَّاه الله منها إن ماتَ من ليلته، وإن قالَها بعد الصُّبحِ ومات من يومه؛ نجَّاه الله منها.
وكتابُه - سبحانه - مُبارَكٌ، من دنا منه ارتفَع، ومن قرأَ حرفًا منه فله بكلِّ حرفٍ حسنة، والحسنةُ بعشرِ أمثالها، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[الإخلاص: 1] تعدِلُ ثُلُثَ القرآن، ومن أحبَّها دلَ الجنة؛ قال رجلٌ من الأنصار: يا رسول الله! إني أُحِبُّها. فقال: «حُبُّك إياها أدخَلَك الجنةَ»؛ رواه البخاري.
و«يُقال يوم القيامة لقارئِ القرآن: اقرأ وارتَقِ ورتِّل كما كنتَ تُرتِّلُ في الدنيا؛ فإن منزِلَك عند آخر آيةٍ تقرؤُها»؛ رواه أبو داود.
والإسلامُ عظَّمَ أواصِرَ الأُخُوَّة والمودَّة بين المُسلمين، ورتَّبَ الأُجورَ الوَفيرةَ لمن قوَّاها؛ فما من مُسلِمَين يلتقِيَان فيتصافَحَان إلا غُفِر لهما.
و«إذا عادَ المُسلمُ أخاه المُسلمَ لم يزَل في خُرْفَة الجنة». قيل: يا رسول الله! وما خُرْفَة الجنة؟ قال: «جَنَاها»؛ رواه مسلم.
والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ، ومن شهِدَ جنازةً حتى يُصلَّى عليها فله قِيراطٌ. والقِيراطُ مِثلُ جبل أُحُد، ومن شهِدَها حتى تُدفَنَ فله قِيراطان.
ومن أحسنَ إلى المُسلمين ونصرَ دينَ الله نجَا وارتَقَى؛ فمن بنَى لله مسجِدًا بنى الله له بيتًا في الجنة، ومن كفَلَ يتيمًا كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، «والساعِي على الأرملَة والمِسكين كالقائمِ الذي لا يفتُر، وكالصائمِ الذي لا يُفطِرُ»؛ متفق عليه.
والمُتصدِّقُ تعظُمُ صدقتُه عند الله؛ فالتمرةُ يأخُذُها - سبحانه - ويُربِّيها حتى تكونَ مِثلَ الجبل، ومن أخفَى صدقتَه ولو قلَّت أظلَّه الله تحت ظِلِّ عرشِه.
ومن قال لصانِعِ المعروفِ: جزاكَ اللهُ خيرًا؛ فقد أبلَغَ في الثناءِ.
وإصلاحُ ذاتِ البَيْن من الرحِمِ وغيرها أفضلُ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقة.
ولعظيمِ حُرمة المُسلم عند الله مَنْ أبعدَ عنه ما يُؤذِيه أدخلَه الله الجنةَ؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «لقد رأيتُ رجلاً يتقلَّبُ في الجنةِ في شجرةٍ قطَعَها من ظهر الطريقِ كانت تُؤذِي الناسَ»؛ رواه مسلم.
بل من أحسَنَ إلى البهائمِ فإن اللهَ يشكُرُه؛ «رأى رجلٌ كلبًا يلهَثُ من العَطَشِ فسقاهُ ماءً، فشكرَ اللهُ له فغفَرَ له»؛ رواه البخاري.
وتكرَّم - سبحانه - باصطِفاءِ كلماتٍ معدودةٍ من الأذكارِ جعلَ ثوابَها عظيمًا؛ فالحمدُ لله تملأُ المِيزان، ومن قالَ: سبحان الله العظيمِ وبحمده؛ غُرِسَت له نخلةٌ في الجنةِ.
وسُبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، خفيفتان على اللسان، خفيفتان في المِيزان، حبيبتان إلى الرحمن.
ومن قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مائةَ مرَّةٍ؛ حُطَّت خطاياه وإن كانت مِثلَ زَبَد البحرِ.
و«من قال: سبحان الله مائةَ مرَّة؛ كُتِبَت له ألفُ حسنة، أو حُطَّت عنه ألفُ خطيئةٍ»؛ رواه مسلم.
ولا حول ولا قوة إلا بالله كنزٌ من كنوز الجنة، وسُبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والل أكبرُ أحبُّ الكلام إلى الله؛ قال عنها - عليه الصلاة والسلام -: «أحبُّ إليَّ مما طلَعَت عليه الشمسُ»؛متفق عليه.
وقال لجُويرية - رضي الله عنها - وكانت تذكُرُ اللهَ من بعد الفجرِ إلى ارتِفاعِ الضُّحَى: «لقد قلتُ بعدَكِ أربعَ كلماتٍ ثلاثَ مرَّاتٍ لو وزِنَت بما قُلتِي مُنذُ اليوم لوَزَنتهُنَّ: سُبحان الله وبحمده عددَ خلقِه، ورِضا نفسِه، وزِنةَ عرشِهِ، ومِدادَ كلماته»؛ رواه مسلم.
ومن صلَّى على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
ونِعمُ الله علينا تَتْرَى، نِعَمٌ نازِلة، وأخرى عند الخلقِ باقِية، ومن قال حين يُصبِحُ: «اللهم ما أصبحَ بي من نعمةٍ فمنك وحدكَ لا شريك لك، فلك الحمدُ ولك الشكر؛ فقد أدَّى شُكرَ يومه، ومن قال مِثلَ ذلك حين يُمسِي فقد أدَّى شُكرَ ليلته»؛ رواه أبو داود.
والله - سبحانه - يُحبُّ المُسلِمَ ويُكرِمَه ويُدافِعَ عنه، وشَرَعَ أسبابًا لحِفظِه من أعدائِه؛ فأنزلَ آياتٍ قصيرةٍ تحفَظُ المرءَ في ليله ونهارِهِ ومنزلِهِ ومنامِه؛ فالمُعوِّذتان ما تحصَّنَ مُتحصِّنٌ بمثلِهِما في صباحِهِ ومسائه، ومن قرأَ الآيتين من أواخر سورة البقرة كفَتَاه من كل شرٍّ، ومن قرأَ آيةَ الكُرسي قبل نومِهِ؛ لم يزَلْ عليه من الله حافِظٌ حتى يُصبِح.
وشرعَ - سبحانه - أدعيةً من دعا بها ولو ماشِيًا حفِظَه الله من كل مكروهٍ؛ «فمن نزلَ منزلاً وقال: أعوذُ بكلمات الله التامَّات من شرِّ ما خلَق لم يضُرَّه شيءٌ حتى يرتحِلَ من منزلهِ ذلك»؛ رواه مسلم.
و«من خرجَ من داره فقال: بسم الله، توكَّلتُ على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله؛ قالت له الملائِكةُ: كُفِيتَ وُوفِيتَ، وتنحَّى عنه الشيطانُ»؛ رواه الترمذي.
وبِدعاءٍ مع عملٍ صالحٍ من قالَه أدخلَه الله الجنةَ، وأعاذَه الله من النار؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من سألَ اللهَ الجنةَ ثلاثَ مرَّاتٍ قالت الجنةُ: اللهم أدخِله الجنةَ، ومن استَجَارَ من النار ثلاثَ مرَّاتٍ، قالت النارُ: اللهم أجِره من النار»؛ رواه الترمذي.
واللهُ - سبحانه - يُنعِمُ على العبد بنِعَمه السابِغة، وإذا تمتَّعَ بها وشكَرَ اللهَ عليها غفَرَ له ذنبَه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من أكلَ طعامًا فقال: الحمدُ لله الذي أطعمَني هذا ورَزَقنيه من غير حولٍ مني ولا قوةٍ؛ غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِهِ»؛ رواه الترمذي.
وبسَطَ - سبحانه - نفَحَاتِه في مجالسِ الناسِ بعد لغَطِهم فيها لتكون صحائِفُهم بيضاء نقيَّة؛ «فمن جلَسَ في مجلسٍ كثُرَ فيه لغَطُه، فقال قبل أن يقوم من مجلسِهِ ذلك: سبحانك الله وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفِرُك وأتوبُ إليك؛ إلا غُفِرَ له ما كان في مجلِسِه ذلك»؛ رواه الترمذي.
واللهُ بمنِّهِ جعلَ أزمانًا فاضِلَةً، منها ما لا تُردُّ فيه دعوةٌ؛ ففي كل ليلةٍ يتفضَّلُ - سبحانه - على عبادِهِ بإعطائِهم ما سَأَلُوه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن في الليلِ لسَاعةً لا يُوافِقُها رجلٌ مُسلمٌ يسألُ اللهَ خيرًا من أمر الدنيا والآخِرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة»؛ رواه مسلم.
و«في آخرِ كلِّ ليلةٍ ينزِلُ ربُّنا إلى السماءِ الدنيا، فيقول: من يدعُوني فأستجيبَ له، ومن يسألُني فأُعطِيَه، من يستغفِرني فأغفِرَ له»؛ متفق عليه.
وتكرَّم في آخر ساعةٍ من الجُمُعة بإجابةِ دعواتِ عباده.
وفي كل عامٍ خصَّ ليلةَ القدرِ العملُ فيها خيرٌ من ألفِ شهر، ومن قامَها إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه.
وصومُ يوم عرفة يُكفِّرُ سنتين، وصيامُ عاشوراء يُكفِّرُ السنةَ الماضِية، وصيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهرٍ كصِيامِ سنةٍ، وعُمرةٌ في رمضان تعدِلُ حجَّةً.
وفضَّلَ - جل وعلا - أماكنَ خصَّها بمزيدِ مُضاعفَةِ الحسنات؛ فصلاةُ المسجد الحرام خيرٌ من مائةِ ألفِ صلاةٍ، وصلاةٌ في مسجدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - خيرٌ من ألفِ صلاةٍ، وصلاةٌ في المسجدِ الأقصى عن خمسمائةِ صلاةٍ، ومن تطهَّرَ في بيته ثم أتَى مسجدَ قُباء فصلَّى ركعتين كان له كأجرِ عُمرة.
وفي زمنِ الفِتَنِ وتلاطُمِ المِحَن يُضاعِفُ - عز وجل - ثوابَ الأعمال؛ فالقابِضُ على دينه في آخر الزمانِ له أجرُ خمسين من الصحابة، «وعبادةٌ في الهَرْجِ - أي: الفتنِ - كهِجرةٍ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -»؛ رواه مسلم.
ومن عجَزَ عن عملٍ أو قولٍ لعُذرٍ وهو صادقُ النيَّةِ في ذلك أعطاه الله بكرمِهِ أجرَ العاملين وإن لم يعمَلْه؛ «فمن سألَ اللهَ الشهادةَ بصدقٍ بلَّغَه الله منازِلَ الشُّهَداء وإن ماتَ على فِراشِه»؛ رواه مسلم.
ومن تمنَّى أن عندَه مالاً ليتصدَّقَ به نالَهُ أجرُ المُتصدِّقين، ومن أحبَّ أحدًا حُشِرَ معه وإن لم يكُن مِثلَه؛ قال أنسٌ - رضي الله عنه -: "ما فرِحْنا بعد الإسلام فرَحًا أشدَّ من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنك مع من أحببتَ»". قال أنس: "فأنا أُحِبُّ اللهَ ورسولَه وأبا بكرٍ وعُمر، وأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم".
وإذا سافرَ العبدُ أو مرِضَ كتبَ اللهُ بفضلهِ أجرَه صحيحًا مُقيمًا.
والهمُّ والحُزنُ يحُطُّ الخطايا والأوزار؛ بل لعظيمِ فضلِ اللهِ من همَّ بحسنةٍ ولم يعمَلها كُتِبَت له حسنةٌ كامِلة، ومن همَّ بسيئةٍ فلم يعمَلْها كتبَها اللهُ عندَه حسنةً كامِلة.
وبعدُ، أيها المسلمون:
فالمُوفَّقُ من فَقِهَ كرمَ اللهِ وشُكرَه، وعمِلَ بمُقتضَى صفاتِه، وسابَقَ إلى الصالحات ليكونَ من السابقين إلى دخول الجنات، ومن نوَّعَ أعمالَه الصالِحة تنوَّعَت لذَّاتُهُ في الآخرة، والعملُ يتضاعَفُ بالإخلاصِ، ومن علامةِ قَبُولِ الحسنةِ الحسنةُ بعدها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا[النساء: 40].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
من رحمةِ الله بعباده أن بعثَ إليهم رُسُلاً مُبشِّرين ومُنذِرين، ولم يشُقَّ - سبحانه - على خلقِهِ بالابتِداعِ في الدين؛ بل بيَّن لهم ما يُحبُّه ويرتضِيه، وعلَّقَ القَبولَ بإخلاصِ العمل وطاعةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في مُتابَعتِه، ومن ابتدَعَ فقد كلَّفَ نفسَه ما لم يأذَن به الله، وعملُه مردودٌ ولا يجنِي منه سِوَى العَناءِ والإثمِ؛ قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "اتَّبِعوا ولا تبتدِعُوا؛ فقد كُفِيتُم".
وكان عُمرُ - رضي الله عنه - يهُمُّ بالأمر ويعزِمُ عليه، فإذا قِيلَ له: لم يفعلهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ انتَهَى.
والمؤمنُ يجمعُ بين الإخلاصِ والاتباعِ، ويُكثِرُ من العملِ الصالحِ ما استطاعَ.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّهِ، فقال في مُحكَم التنزيل: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اجعل أعمالَنا كلَّها صالِحة، واجعلها لوجهِك خالِصة، ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئًا.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم يا قويُّ يا عزيزُ يا عظيمُ يا ملِكُ يا قديرُ، اللهم انصُر المُستضعَفين من المُسلمين في الشام، اللهم كُن لهم وليًّا ونصيرًا، ومُعينًا وظَهيرًا، اللهم أيِّدهم بجنودٍ من عندك يا ربَّ العالمين، اللهم اربِط على قلوبِهم، وسدِّد رميَهم، وكُن معهم بملائكتِك يا رب العالمين.
واللهم أدِر دائرةَ السَّوءِ على عدُوِّك وعدوِّهم، اللهم اجعل كيدَهم في نُحورهم، وألقِ الرُّعبَ في قلوبهم، واجعل بأسَهم بينهم، وجُندَهم وعتادَهم عليهم، وشتِّت شملَهم، واجعلهم عِبرةً للمُعتبِرين يا عظيمُ يا قويُّ يا عزيزُ.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقَراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23].
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لِما فيه رِضاكَ يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-24-2012, 12:32 AM   رقم المشاركة : 62

 

المصائب الدنيوية .. الداء والدواء
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 2/4/1433هـ بعنوان: "المصائب الدنيوية .. الداء والدواء"، والتي تحدَّث فيها عن المصائب التي تُصيبُ المُسلمين في هذه الأزمان المتأخرة، وبيَّن بعضَ أسبابها، ثم أتبَعَها بكيفية الوقايةِ منها، وقد استندَ في تقرير ذلك إلى بعضِ الآياتِ والأحاديثِ.

الخطبة الأولى
الحمد لله حمدًا يليقُ بجلال وجهه وعظيمِ سُلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه خليلُ الله ومُصطفاهُ من خلقه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ.
أما بعد، فيا أيها المُسلمون:
خيرُ ما نتواصَى به جميعًا: تقوى الله - جل وعلا - وطاعتُه وطاعةُ رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فبذلك وحده الفلاحُ والخيرُ والصلاحُ والنجاحُ دُنيًا وأُخرى.
أيها المسلمون:
يتساءَلُ الكثيرُ منَّا عن أحوالنا ماذا أصابَنا؟ كيف ذهبَت تلك البرَكاتُ في الأرزاق؟ وأين المواسِمُ التي كانت فيها الأرضُ تُنبِتُ من جميع الخيرات؟
يتساءَلُ الكثيرُ منا عن سبب تغيُّر النفوس، ولماذا كثُرت الأحقاد، وأين ما كان معهودًا بين الناس من المحبة والصفَا والتعاوُن والوفا؟
نتساءَلُ جميعًا بلسان الحالِ وبلِسان المقال: ما سببُ قِلَّة الأمطار، وجفافِ الآبار؟
نتعجَّبُ مما يُصيبُ الآفاقَ من الغُبار الذي لا ينقطِعُ أمَدُه، والذي لم يكن معروفًا عند أسلافِنا، نستغرِبُ مما أصابَ المُسلمين من جشعِ بعض التجار وتعامُل الفُجَّار.
ناهِيك عن التساؤُلِ عن تسلُّط الأعداء ومكرهم بالمُسلمين، فالأمرُ حينئذٍ أعجبُ وأعجبُ؛ فلقد تلوَّن عِداؤُهم، وكثُر ضرَرُهم، وعمَّ شرُّهم حتى أصبحَ المُسلِمون لُقمةً سائِغةً للأعداء، يُوجِّهونهم كيف شاؤوا، ويتصرَّفون بأمورِهم ودُنياهم كيف أرادوا.
وإن تتحدَّث عن أشياء غريبة فتحدَّث عن وقوع أوبِئةٍ عجيبةٍ لم تكن معروفةً من قبلُ تُصيبُ الإنسانَ في هذا الزمان، وتَجتاحُ الحيوانَ.
تلك بعضُ المصائب التي أصابَت دُنيا الناسِ، فيا تُرى ما سببُ وقوعِها؟ وما الوقايةُ منها ومن أمراضِها؟
معاشر المسلمين:
إننا أمةٌ مرتبطةٌ برسالةٍ عظيمةٍ؛ فالجوابُ عن ماهيَّةِ الأسبابِ وكيفية الخلاصِ من الشُّرور والمفاسِدِ والأضرارِ لا يكونُ إلا ممن هو أعلمُ بالبشر وبما يُصلِحُهم ويُقوِّمُ حياتَهم، أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[الملك: 14].
إن تلك المصائِبُ بمُختلف أشكالها، وإن المِحَن بمُختلَف صُورها إنما تقعُ بالمُسلمين بسبب فُشُوِّ الذنوبِ والمُجاهَرةِ بالمعاصِي والفُجور.
فآيةٌ من كتابِ الله - وما أكثرُها من آياتٍ - تصِفُ لنا الداءَ والدواءَ، وتكشِفُ لنا المخلَصَ من هذه المصائبِ، إنها قولُه - جل وعلا -: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[الروم: 41]، فهذه الآيةُ تكشِفُ للبشرِ عن ارتِباطِ أحوال الحياة وأوضاعها بأعمالهم، فيقعُ في الأرض الفسادُ والضررُ، ويملأُها برًّا وبحرًا وجوّا جزاءً ما اكتَسَبوا من المعاصِي الظاهرة، والإعلانِ بها.
فحينما يكتوُون بنار هذا الفساد، ويتألَّمون لما أصابَهم منه في حياتهم، فعلَّهم حينئذٍ يعزِمون على مُقاوَمَة هذا الفساد، ويرجِعون إلى لله - جل وعلا - وإلى الأعمالِ الصالِحةِ، والمناهجِ القويمةِ، والتوبةِ الصادقة.
نعم، أيها المسلمون:
إن الفُجورَ والإعلانَ به يُوقِعُ بالبلاد والعباد الهلاكَ والبَوارَ، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ[الأنعام: 42].
فالمخاوِفُ بأنواعِها، والمصائبُ بشتَّى أشكالِها نتائجُ الإعلانِ بالمعاصِي والسيئات، والفحشاءِ والمُنكرات، يقول ربُّنا - جل وعلا -: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[النحل: 112].
وفي "صحيح البخاري" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الفاجِرَ إذا ماتَ تستريحُ منه العبادُ والبلادُ والشجرُ والدوابُّ».
فالواجبُ على المُسلمين مُحاربةُ المعاصِي والمُنكرات، والأخذُ على أيدي السُّفهاء الذين يُريدون أن يُغرِقوا سفينةَ الحياة الطيبة الطاهرة، ألم يقل الله - جل وعلا -: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ[المائدة: 78].
ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ حُذيفة يقول: «لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتنهُوُنَّ عن المُنكَر، أو ليُوشِكَنَّ اللهُ أن يعُمَّكم بعذابٍ من عنده ثم تدعُونه فلا يُستجَابُ لكم»؛ رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ، وله شواهِد.
وفي الحديثِ الآخر الذي رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي بأسانيد جيِّدة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الناسَ إذا رأوا الظالمَ فلم يأخُذوا على يديه أوشكَ اللهُ أن يعُمَّهم بعقابٍ من عنده».
فاتقوا الله - عباد الله -، وأعلِنوها حربًا على كل فسادٍ وفاحِشةٍ ومُنكرٍ في بلاد المُسلمين.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
إنه فرضٌ علينا جميعًا مُحاربةُ كل وسيلةٍ إعلامية تنشُرُ الإلحادَ والفسادَ في أرض المُسلمين، والواجبُ علينا جميعًا التواصِي بطاعة الله - جل وعلا -، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر؛ فربُّنا - جل وعلا - علَّقَ الرحمةَ بنا بقوله: وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ[التوبة: 71].
أيها المسلمون:
إننا ندعُو اللهَ - جل وعلا - فلا نرى الاستِجابةَ في بعضِ أحوالنا، وإنما ذلك بسببِ فُشُوِّ الذنوبِ والمعاصِي.
مرَّ إبراهيمُ بنُ أدهم في سُوقِ البصرة على أقوامٍ، فقالوا له: يا أبا إسحاق! إن الله - جل وعلا - أمرَنا بالدعاء، ونحنُ ندعُو فلا يُستجابُ لنا. قال: "لأن قلوبَكم ماتت بأشياء: عرفتُم اللهَ - جل وعلا - فلم تُؤدُّوا حقَّه، وقرأتُم القرآنَ فلم تعملُوا به، وادَّعَيتُم محبَّةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم تقتَدوا بسُنَّته وقلتُم: إنكم مُشتاقون للجنَّة فلم تعمَلوا لها، وقتُم: إنكم تخافون من النار فلم تهرَبوا منها، وأيقنتُم بالموتِ وأنه حقٌّ فلم تستعِدُّوا له، واشتغلتُم بعيوبِ الناسِ وتركتُم عيوبَكم، أكلتُم نِعَمَ الله - جل وعلا - فلم تشكُروا له، ودفنتُم موتاكم فلم تعتبِروا؛ فأنَّى يُستجابُ لكم؟!".
فيا أيها المُسلِمون:
لنتواصَى جميعًا بكل سببٍ يُصلِحُ أحوالَنا الفاسِدة، ويُقوِّمُ مناهِجنا المُعوَجَّة، وذلك إنما هو بالارتِباط بالله - جل وعلا - وجعلِ منهجِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُسيطِرًا علينا، لا نَزيغُ عنه يَمنةً ولا يُسرةً.
ثم إن اللهَ - جل وعلا - أمرَنا بأمرٍ عظيمٍ، ألا وهو: الصلاةُ والسلامُ على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وسيدِنا وحبيبِنا وقُرَّة عيوننا: نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن جميعِ آل رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وعن جميعِ الصحابةِ والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أصلِح أحوالَنا بتقواَك، اللهم أصلِح أحوالَنا بتقواَك، اللهم أصلِح أحوالَنا بتقواَك، اللهم قوِّم حياتَنا بسُنَّةِ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، اللهم قوِّم حياتَنا بسُنَّةِ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم احفَظ المُسلمين في سُوريا وفي كل مكانٍ، اللهم فرِّج هُمومَهم، اللهم فرِّج هُمومَنا وهُمومَهم، واكشِف غُمومَنا جميعًا، اللهم يسِّر لهم كلَّ خيرٍ، اللهم ارفَع عنهم كلَّ ضررٍ، اللهم ارفَع عنهم كلَّ ضررٍ، اللهم ارفَع عنهم كلَّ ضررٍ يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم أقِرَّ عيوننا بتحكيم هذا الدين في كلِّ مكانٍ.
اللهم عليك بأعداء المُسلمين فإنهم قد طغَوا وبغَوا، اللهم عليك بأعداء المُسلمين، اللهم من أرادَ بلادَ المُسلمين بسوءٍ فأشغِله في نفسه، اللهم من أرادَنا وأرادَ المُسلمين بسُوءٍ فعليكَ به، اللهم من أرادَ ديننا أو أخلاقَنا أو بلادَنا أو نُفوسَنا بضرٍّ اللهم فانتقِم منه، اللهم فانتقِم منه، اللهم فانتقِم منه.
اللهم عليك بكلِّ مُعتدٍ ينشُرُ الإلحاد والفساد، اللهم عليك بكلِّ مُعتدٍ ينشُرُ الإلحاد والفساد.
اللهم ولِّ على المُسلمين خِيارَهم، اللهم ولِّ على المُسلمين خِيارَهم، اللهم حكِّم فيهم شرعَك، اللهم أقِم فيهم بالأمر بالمعروف والنهيِ عن المُنكَر، اللهم اجعله ظاهِرًا منصورًا، اللهم اجعل هذه الشعيرةَ ظاهِرةً منصورةً يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم من أرادَها بسُوءٍ فأشغِله في نفسه، واكفِ المُسلمين شرَّهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين لما تُحبُّه وترضاه، اللهم اجعله شَوكةً في حُلُوقِ أعداءِ الإسلام والمُسلمين، اللهم انصُر به دينَك، اللهم أعلِ به كلمتَكَ، اللهم انصُر به وبوليِّ عهده هذا الدين، وانصُر بهم شعيرةَ الأمر بالمعروف والنهيِ عن المُنكَر يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم اغفِر لكل مُسلمٍ ومُسلِمة، اللهم يسِّر لهم أمورَهم، اللهم واكفِهم شرَّهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم واكفِهم كلَّ شرٍّ يا حيُّ يا قيُّوم، وارزُقهم حياةً طيبةً سعيدةً في الدارَين.
اللهم أنزِل علينا المطرَ، اللهم أنزِل علينا المطرَ، اللهم أنزِل علينا المطرَ يا حيُّ يا قيُّوم، يا ذا الجلال والإكرام.
يا غنيُّ يا حميدُ جفَّت أراضينا، وضعُفَت أبدانُنا، وماتَت بعضُ بهائِمنا؛ فارحَمنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارحَمنا برحمةٍ تُغنينا بها عن رحمةِ مَن سِواكَ، اللهم ارحمنا بها رحمةً تُغنينا بها عمَّن سِواك، اللهم اسقِنا، اللهم اسقِنا، اللهم اسقِنا يا حيُّ يا قيُّوم.
نسألُك أن ترحَمَنا بضُعفائِنا، نسألُك أن ترحَمَنا ببهائِمِنا، نسألُك ألا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفَهاءُ منَّا يا حيُّ يا قيُّوم، يا غنيُّ يا حميدُ يا كريمُ.
عباد الله:
اذكُروا اللهَ ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-24-2012, 12:38 AM   رقم المشاركة : 63
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

ذنوبٌ يسيرة إثمُها كبير
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 9/4/1433هـ بعنوان: "ذنوبٌ يسيرة إثمُها كبير"، والتي تحدَّث فيها عن بعضِ الذنوبِ التي زمنُ فعلِها يسير لكنَّ إثمَها كبيرٌ؛ وذكرَ من أعظمها: الشركَ بالله تعالى، وادِّعاء علم الغيب، أو تصديق الكهَّان والسحرة، وارتكاب الفواحِش والمنكرات، وترك الطاعات الواجبات، إلى غير ذلك من المعاصِي المُستصغرة عند كثيرٍ من الناسِ.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فالتقوى في مُخالفة الهوى، والشقاءُ في مُجانبة الهُدى.
أيها المسلمون:
تفضَّل الله على عباده بدينٍ كاملٍ شاملٍ لأمور الدنيا والدين، من تمسَّك به أنارَ الله قلبَه وقرَّبَه إليه، ومن فرَّط فيه جُوزِيَ على عصيانه، والله - سبحانه - يُحبُّ الطاعةَ وأهلَها ويأمرُ بها، ويُبغِضُ المعصيةَ وأهلها وينهَى عنها؛ بل ويغارُ - سبحانه - إن ارتُكِبَت مناهيه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن الله يغارُ، وغيرةُ الله أن يأتي المؤمنُ ما حرَّم اللهُ»؛ رواه البخاري.
وضررُ الذنوبِ كضرر السموم في الأبدان؛ منها ما تُخرِجُ المرءَ من مرتبة الإيمان إلى مرتبة الإسلام، ومنها ما تُخرِجُه من الإسلام، وكما أن الله تكرَّم على عباده بأعمالٍ يسيرةٍ ثوابُها عظيم، حذَّرَهم من ذنوبٍ زمنُ فِعلِها يسيرٌ وإثمُها كبير؛ فناسٌ يُكبُّون في النار على وجوههم من حصائد ألسنتهم.
وأقبحُ ما تحرَّك به اللسانُ: دعوةُ غيره معه، ورفعُ الحوائجِ إلى غيره - سبحانه - من الأموات والأوثان؛ إذ هو يُحبِطُ الأعمالَ، ويُخلِّدُ صاحبَه في النار، ولا يُحصِّلُ الداعي ما أراد، قال - سبحانه -: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ[الأحقاف: 5].
والطعنُ في الله أو دينه أو رسوله نقصٌ في العقلِ، وفقدٌ للدين؛ قال - سبحانه -: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ[التوبة: 65، 66].
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله -: "الإنسانُ قد يكفُرُ بكلمةٍ يتكلَّم بها، أو عملٍ يعملُ به، وأشدُّها خطرًا إراداتُ القلوبِ؛ فهي كالبحر الذي لا ساحلَ له، ومن هذا البابِ: الاستهزاءُ بالعلمِ وأهله، وعدمُ احترامهم لأجله".
والله وحده هو المُعظَّمُ في القلوب، ومن زاحمَ غيرَ الربِّ في قلبه، أو أظهرَ تعظيمَ غير الله على لسانه بالحلِف به؛ كمن يحلِفُ بالنبي - عليه الصلاة والسلام -، أو بالنعمةِ، أو بالولدِ فقد أشركَ؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من حلفَ بغير الله فقد كفرَ أو أشركَ»؛ رواه الترمذي.
ومن بدرَ منه فعلٌ من أفعال الشرك ولو يسيرًا؛ طوافٍ على الأضرحة، أو ذبحٍ لها، أو نذرٍ لم يرَح رائحةَ الجنة.
ولعظيمِ قُبحِهِ لهضمِهِ لربوبية الله وتنقُّصه لألوهيته لا يغفِرُه الله بحالٍ؛ قال - جلَّ شأنُه -: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[النساء: 48].
والساحرُ مُفسِدٌ للدين والدنيا، يُنازِعُ الربَّ في ربوبيته فيما يدَّعيه من نفعٍ أو ضرٍّ، فكا حدُّه ضربَه بالسيف، ومن أتى إليه طالبًا إليه السحرَ فقد كفرَ؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ليس منا من سحَرَ أو سُحِرَ له»؛ رواه البزار.
وتعليقُ التمائمِ شركٌ بالله، ولا تزيدُ العبدَ إلا وهنًا، ولن يُتِمَّ الله له ما أراد.
وعلمُ الغيبِ أخفاه الله حتى عن ملائكته؛ قال - عز وجل -: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ[النمل: 65]، ومن صدَّق من يدَّعِي علمَ الغيب من الكُهَّان ممن ينظرُ في الأبراج أو يقرأُ في الكفِّ أو نحو ذلك فقد كفرَ؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من أتى كاهنًا فصدَّقَه بما يقولُ فقد كفَرَ بما أُنزِلَ على مُحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -»؛ رواه و داود.
وإن سلِمَ العبدُ من الكُفر قولاً أو عملاً فإن الشيطان يؤُزُّه لما دُونَه من الكبائر، فيدعُوه إلى إطلاق لسانه إلى ما حرَّم الله، وأعظمُها الوقيعةُ في عِرضِ المُسلِم؛ فحذَّر الله من غِيبتِه، وشبَّه غِيبتَه بأكل لحمه وهو ميت، ويوم القيامة تكونُ للمُغتابِ أظفارٌ من نحاسٍ يخمِشُ بها وجهَه وصدرَه جزاءَ ما خمشَ أجسادَ المُسلمين.
وقولُ المُغتابِ لو خُلِطَ بماء البحر لأنتنَه؛ قالت عائشةُ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: حسبُك من صفيةَ أنها كذا - تعني: أنها قصيرة -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجَت بماء البحر لمَزَجَته»؛ رواه أبو داود.
وقد صانَ السلفُ - رحمهم الله - ألسنتَهم عن هذه المعصيةِ؛ قال البخاري - رحمه الله -: "أرجو أن ألقَى اللهَ ولا يُحاسِبُني أني اغتبتُ أحدًا".
والنمَّامُ قريبُ المُغتابِ، وعقوبتُه تُعجَّلُ عليه في قبره، وفي الآخرة توعَّده الله بحِرمانه من الجنة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «لا يدخلُ الجنةَ قتَّات»- أي: نمَّام -؛ متفق عليه.
وكما حرَّم الإسلامُ الحديثَ في غيبة المُسلمِ بما يكرَه نهى أيضًا عن التطاوُلِ عليه باللسان في حُضوره؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «سِبابُ المُسلم فُسوقٌ»؛ متفق عليه. وقال: «ولعنُه كقتلِه»؛ متفق عليه.
«ومن قال لأخيه: يا كافر؛ فقد باءَ بها أحدُهما، إن كان كما قال وإلا رجعَت عليه»؛ رواه البخاري ومسلم.
ومن قذفَ عفيفًا في عِرضِه لعنَه الله في الدنيا والآخرة، وله عذابٌ عظيمٌ، ومن اقتطعَ حقَّ امرئٍ مُسلمٍ بيمينه أوجبَ الله له النارَ وحرَّم عليه الجنةَ، فقال رجلٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله. قال: «وإن قضيبًا من أراك» - يعني: وإن كان قدرَ المِسواك -؛ رواه مسلم.
ومن أطلقَ لسانَه باللعنِ حُرِم الشفاعة والشهادة لأحدٍ يوم القيامة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن اللعَّانين لا يكونون شُهداء ولا شُفعاء يوم القيامة»؛ رواه مسلم.
ولكونِ الكذبِ من علاماتِ النفاقِ نهى الإسلامُ عنه ولو على سبيلِ الهَزلِ؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ويلٌ للذي يُحدِّثُ بالحديثِ ليُضحِكَ به القومَ فيكذِب، ويلٌ له ويلٌ له»؛ رواه الترمذي.
ومن ادَّعى أنه رأى رُؤيا في منامه وهو كاذِبٌ كُلِّف يوم القيامة بعملٍ يعجِزُ عنه تنكيلاً به؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من تحلَّم بحلمٍ لم يرَه كُلِّف أن يعقِد بين شعيرتين، ولن يفعَل»؛ رواه البخاري.
ومن سألَ ما عند الناسِ من أموالٍ وعنده ما يُغنيه فإنما يستكثِرُ من النار، ومن استمعَ إلى حديثِ قومٍ وهم له كارِهون صُبَّ في أُذنيه الآنُك يوم القيامة –وهو الرصاص المُذابُ -.
وإن صانَ المُسلمُ لسانَه فليصُن جوارِحَه، فهناك أفعالٌ دون الشركِ وقتُ فعلِها قليلٌ ولكن ذنبَها عند الله كبيرٌ، وأعظمُها قتلُ المُسلِم، والله توعَّدَ قاتلَه بعقوباتٍ مُترادِفة؛ قال - سبحانه -: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا[النساء: 93]، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «لو أن أهلَ السماء والأرض اشتركوا في دمِ مُؤمنٍ لأكبَّهم الله في النار»؛ رواه الترمذي.
والمُسلمُ أكرمُ عند الله من الدنيا؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «لَزوالُ الدنيا أهونُ على الله من قتلِ رجلٍ مُسلمٍ»؛ رواه الترمذي.
بل نهى أن يقتلَ المرءُ نفسَه؛ لأن الله خلقَه لعبادته؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من قتلَ نفسَه بشيءٍ في الدنيا عُذِّبَ به يوم القيامة»؛ متفق عليه.
ولِيأمنَ المُسلمُ في حياته فكلُّ وسيلةٍ إلى القتلِ سدَّ في الإسلامُ ذريعتَها؛ «فمن أشارَ إلى أخيه بحديدةٍ فإن الملائكةَ تلعنُه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمِّه»؛ رواه مسلم.
ومن عادَى وليًّا من أولياء الله فقد آذنَه الله بالحربِ.
والزنا سبيلُه سيِّئٌ، ما وقعَ فيه امرؤٌ إلا ساءَ حالُه؛ قال - سبحانه -: إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا[الإسراء: 32]، والله قرَنَه مع الشرك والقتل.
قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "أعظمُ الذنوبِ عند اللهِ: الشركُ، ثم القتلُ، ثم الزنا". والجزاءُ من جنسِ العمل؛ فمن عفَّ عفَّت نساؤُه، ولبشاعته كانت عقوبةُ المُحصَن الرجمَ حتى الموت.
وقليلُ الربا يُدنِّسُ المالَ الكثيرَ وينزِعُ بركتَه ويَحُلُّ بصاحبه الفقرُ؛ قال - سبحانه -: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا[البقرة: 276]، والله لعنَ آكِلَه وأذِن بحربه، ومن حاربَه الله فقد هلكَ.
والسارقُ لعنَه الله لأخذِه حقوقَ الآخرين، وآكلُ مال اليتيم يأكلُ في بطنه نارًا، ومن أخذَ أموالَ الناس يُريدُ إتلافَها أتلفَه الله، ومن اقتطعَ شِبرًا من الأرض ظلمًا خُسِفَ به إلى سبع أراضين.
ومن آوَى مُبتدعًا في الدينِ أو جانِيًا فقد لعنَه الله.
ومن دفعَ مالاً ليتوصَّل به إلى ما لا يحِلّ كان راشِيًا، والراشي والمُرتشِي لعنَهما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.
و«ثلاثةٌ ربُّ العالمين خصمُهم يوم القيامة: رجلٌ أعطى به - سبحانه - ثم غدَرَ، ورجلٌ باعَ حُرًّا فأكلَ ثمنَه، ورجلٌ استأجرَ أجيرًا فاستوفَى منه ولم يُعطِه أجرَه»؛ رواه البخاري.
ومن شرِبَ الخمرَ لم تُقبَل منه صلاةُ أربعين يومًا، ولم يشرَبها في الجنة؛ بل ويُسقِيه الله من طينةِ الخَبالِ يوم القيامة. وهي: عرقُ أهل النار أو عُصارة أهل النار.
واللباسُ من نعم الله، وإذا عصَى الرجلُ ربَّه في ملبسه بالإسبال تعرَّضَ لعذابِ الله؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم الله يوم القيامةِ ولا ينظُرُ إليهم ولا يُزكِّيهم ولهم عذابٌ أليم: المُسبِلُ، والمَنَّانُ، والمُنفِّقُ سلعتَه بالحلِفِ الكاذِبِ»؛ رواه مسلم.
والمرأةُ إن تزيَّنَت بغير ما أذِنَ الله فيه؛ بأن وصلَت شعرَها أو وصلَت لغيرها، أو نمصَت أو نُمِصَ لها فقد تعرَّضَت للعنةِ الله.
والله أوجبَ على الزوجةِ طاعةَ زوجها، وإذا دعا الرجلُ امرأتَه إلى فِراشه فأبَت أن تجِيءَ لعنَتها الملائكةُ حتى تُصبِح، والعدلُ أساسُ المودَّة والرأفة، «ومن كانت له امرأتان فمالَ إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشِقُّه مائلٌ»؛ رواه أبو داود.
وما خلا رجلٌ بامرأةٍ إلا كان الشيطانُ ثالِثَهما، ومن قطعَ رحِمَه قطعَه الله.
وأفعالٌ في العبادات من فرَّط فيها توعَّده الله بعقابٍ؛ فـ «المارُّ بين يدي المُصلِّي لو يعلمُ ماذا عليه لكان أن يقِفَ أربعين خيرًا له من أن يمُرَّ بين يديه»؛ متفق عليه.
و«الذي يُسابِقُ الإمامَ يُخشَى أن يُحوِّلَ الله رأسَه رأسَ حمارٍ أو صورتَه صورةَ حمارٍ»؛ متفق عليه.
ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رفع البصر في الصلاة، وقال: «لينتهُنَّ عن ذلك أو لتُخطفَنَّ أبصارُهم»؛ رواه البخاري.
والمُسلمُ مُعظَّمٌ حيًّا وميتًا، وكسرُ عظمه وهو ميتٌ ككسرِه وهو حيٌّ، والجلوسُ على قبره من إهانته؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «لأن يجلِس أحدُكم على جمرةٍ فتُحرِقَ ثيابَه فتخلُصَ إلى جلدِه خيرٌ له من أن يجلِسَ على قبرٍ»؛ رواه مسلم.
وإذا عمِلَ العبدُ عملاً صالحًا سعى الشيطانُ في إفساده بالرياء أو السُّمعة أو إرادة الدنيا، ومن وقعَ في ذلك كان عملُه هباءً.
والعبدُ يُعاقَبُ باعتقادِ قلبِه وإن لم يعمل أيذَ عملٍ؛ فمن اعتقدَ أن غيرَ الله ينفعُ أو يضُر، أو عطَّل أسماءَه وصفاته فقد كفرَ، وآيةُ النفاقِ: بُغضُ الأنصار، وحبُّهم من الإيمانِ.
ومن قنطَ من رحمةِ الله الواسِعة فقد ضلَّ؛ قال - سبحانه -: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ[الحجر: 56].
والعُجبُ بالنفس أو المالِ أو اللباسِ مُوجِبٌ للعقوبة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «بينما رجلٌ يمشي في حُلَّةٍ تُعجِبُه نفسُه مُرجِّلٌ جُمَّتَه؛ إذ خسَفَ الله به، فهو يتجلجلُ إلى يوم القيامة»؛ متفق عليه.
والحسدُ مُظلمُ للقلبِ، مُفسِدٌ للحسناتِ، والكبرياءُ من خصائصِ صفاتِ الله من نازعَه فيها عذَّبَه، ومن تكبَّر على الله أهانَه؛ قال فرعون: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى[النازعات: 24]، فأغرقَه الله بالماءِ.
ومن استكبرَ على خلقه أهلكَه؛ فرِحَ قومُ عادٍ بقوتهم وقالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً[فصلت: 15]، فأهلكَهم الله بريحٍ.
وبعدُ، أيها المسلمون:
فالدينُ أغلى ما يملِكُه المُسلم، وهو أصلُ الضرورات التي جاءَ الإسلامُ بحِفظِها، فيجبُ على المُسلمِ أن يحفظَ لِسانَه وجوارِحَه، وما يعتقدُ بقلبِهِ مما يُضادُّه أو يُنقِصُه، والإسلامُ دينُ الفِطرة، الدخولُ فيه بكلمةٍ مع علمٍ بمعناها وعملٍ بمُقتضاها، وهو أيضًا أرقُّ شيءٍ وألطفُه، من ارتكبَ شيئًا من نواقضِه ولو بكلمةٍ زالَ عنه، والسعيدُ من تمسَّكَ به وأحبَّه ومدحَه، ودعا غيرَه إليه، ومن ثبَّته الله على ذلك سعِد في دنياه وأخراه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا[النساء: 123].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-24-2012, 12:44 AM   رقم المشاركة : 64

 

الجُرح النازِف: الشام
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الجُرح النازِف: الشام"، والتي تحدَّث فيها عن جراحات المُسلمين في العديد من البُلدان، لا سيَّما بلاد الشام؛ حيث ذكرَ ما يُكاد للمُسلمين هناك من مكائد، وخططٍ تُحاكُ ضدَّهم.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله النافِذِ أمرُه، العزيز نصرُه، يقضِي ما يشاءُ ويحكُمُ ما يُريد، الأمرُ له والخلقُ بيديه، والاستعانةُ به، والتفويضُ إليه، ولا اعتمادَ إلا عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كاشِفُ البلاء، وقامِعُ أهل الظلمِ والجَور والاعتِداء، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله سيدُ الأولياء، وخاتمُ الأنبياء، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه معادن التقوى وينبوع الصفا، صلاةً تبقَى وسلامًا يترَى.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
في أوضحِ صُور المُكاشَفة والمُجاهَرة قضايا أمتِنا بين المُؤامرة والمُتاجَرة، وأهلُ السَّمسرة لا يُصغُون إلى مآسِي أهلِ الإسلام إلا بمسمَعٍ أصمّ، والذين يُروِّجون أسلحَةَ القتلِ والدمار، ويُتاجِرون بدم الأبرياء، ويتلاعَبون بمصيرِ الشعوب لا شيءَ يعنيهم سوى المصالحِ والمطامِع والعقود والصفقاتِ.
أما مشاهِدُ القتلِ والتمثيلِ، والتشويه والتعذيب، ورائحةُ الدم التي تخرُجُ من أروِقةِ الموت فلا تُحرِّكُ منهم المشاعِر، ولا تُؤرِّقُ منهم الضمائر.
وصرخاتُ الأبرياء، وصيحاتُ النساء، وشلالاتُ الدماء، وقِطعُ الأشلاء لا ترقَى عندهم لخسارةِ عقدٍ أو صفقةٍ أو غنيمةٍ أو استثمارٍ، حتى صار الظالمُ يُشايِعُ الظالمَ، والقتلُ يُوالِي القاتِلَ، والمُستبِدُّ يُطابِقُ رأيَ المُستبِدّ، ولم يعُد لحكوماتٍ تقودُ المحافِلَ الدولية ضميرٌ حيٌّ يحمِلُ على إحقاقِ العدلِ، ورفعِ الظلم، وإرساء السلام، ونزعِ فتيلِ الحُروبِ والنزاعات والصراعات.
وها هي بلادٌ تُعاني من ويلاتِ الحروب منذ عشراتِ السنين، وبلادٌ تُعاني من ويلات الفقر والجهل والمرض ردحًا من الزمن، وبلادٌ تُعاني فتنةَ الانقسامات والشِّقاقات عقودًا من الدهر؛ فماذا قدَّمَت تلك الدول التي تدَّعي قيادةَ العالَم، وحفظَ الأمن، ورعايةَ السِّلم؟! ماذا قدَّمت لتلك الدول وقضاياها؟!
ولو كانت هناك إرادةٌ صادقةٌ، وعدلٌ إنصافٌ لما أعجزَ حلُّها، ولا أعوَزَ أمرُها.
ويُشعَل فتيلُ الحروب في بلادٍ متى كانت مصالحُ تلك الدول تقتضِي إشعالَها، وتُفرضُ خياراتُ التقسيمِ عليها متى كانت مصلحةُ تلك الدول تقتضِي تقسيمَها.
وتُطلَقُ يدُ زعماء ورُؤساء يسُوسون شعوبَهم بالسيفِ والحَيف، والظلم والجَور، والتجويعِ والترويعِ، والإرهابِ والإرعاب، والنار والحِصار، والبَطشِ والقتلِ ما دام ذلك الزعيمُ يضمَنُ لتلك الدول مصالِحَها، ويُقتلُ آلافُ البشر من شعوبِ العالَم، ويذهبُون ضحايا صِراع طُغاةٍ جبابِرةٍ على السُّلطة والحُكم والثروةِ والمال.
والحروبُ في العالَم تزداد، والصراعات تتضاعَف، والسِّلمُ يتضاءَلُ؛ لأن قِيَم العدل والحقِّ والإنصاف لم تكن يومًا حاكِمةً في قضايا عالَم اليوم، والعالمُ لم يفشَل يومًا في حلِّ قضاياه ولم يعجِز إلا لأن من يقُودُه لا يُريد لتلك القضايا أن تنقضِي، ولا لتلك الحروب أن تنتهي.
وإننا نُناشِدُ القادةَ والساسةَ، وأنصارَ العدل، ومُحبِّي السلام في العالَم أن يأخُذوا بعالَمنا من مُستنقعَات الحروب والصراعاتِ، والبُؤس والفقر، والجهل والدمار والخرابِ إلى ساحةِ السِّلم والأمن، والعدلِ والرحمةِ والإنصافِ، وأن يرحَموا الشعوبَ من ويلات الحُروب، وإلا فلا بُدَّ أن يأتي يومٌ يصطَلِي فيه بالنار من أشعلَها، وبالحروب من أوقدَها، ويقعَ في الألغام من زرعَها.
ولا يحيقُ المكرُ إلا بمن مكَرَ، ولا يقعُ في حُفرته إلا من حفَر، سُنَّةٌ ماضِية، وحقيقةٌ قاضِية، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[يوسف: 21].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه؛ فقد فاز المُستغفِرون، وسعِد الآيِبون.

الخطبة الثانية
الحمد لله العظيمِ في قدره، العزيز في قهرِه، يسمعُ أنينَ المظلوم عند ضعف صبره، ويجُودُ عليه بإعانته ونصره، أحمدُه على القدر خيرِه وشرِّه، حُلوِهِ ومُرِّهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رافِعَ لما وضعَ، ولا واضِعَ لما رفع، ولا مانِعَ لما أعطَى، ولا مُعطِيَ لما منَع، وما شاءَ ربُّنا صنَع، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله إمامُ المُجاهِدين، وقُدوةُ الصابرين، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه خلفاء الدين وحُلفاء اليقين صلاةً وسلامًا دائمَيْن ممتدَّيْن مُتلازِمَيْن إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فقد نجَا من اتَّقى، وضلَّ من قادَه الهوَى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون:
إن العينَ لتدمَع، وإن القلبَ ليحزَن، وإنا على مُصابِك يا شامُ لمحزُونون.
عظُمَ البلاءُ ولا مُغيثَ لشامِنا
ربِّي أنت المُرتجَى لبلائِنا
كلُّ جُرحٍ سوف يبرَا
فامتطِي يا شامُ صبرًا
أهلَنا في الشام صبرًا
إن بعد العُسر يُسرًا
أهلَنا في الشام صبرًا
إن بعد الصبر نصرًا
أيها الطُّغاةُ الظلَمَة! بحَيفِكم تورَّطتُم، ولحَتفِكم تأبَّطتم، وبدماء الأبرياء تلطَّختُم، فثيابُ الذلِّ تلفُّكم، وأكفانُ الهزيمةِ تحفُّكم.
يا قاتِلُ لا مهربَ ولا مناصَ، ستُقادُ إلى ساحةِ القِصاص، يا ظالِمُ يا مُبير، أبشِر بسُوءِ المصير، يا غادِرُ ستُغادِر، فصولتُك آفِلة، وجولتُك خاسِرة، يلُفُّك الخُذلان، ويحُوطُك الخُسران، أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ[الحج: 39]، وإن الله ليُملِي للظالِم حتى إذا أخذَه لم يُفلِته، ونصرُ الله قريبٌ، وآمالُ الظالِم تخيبُ، وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[الحج: 40].
اللهم احفَظ أهلَنا في سورية من الفتن والشرور والمِحَن يا رب العالمين، اللهم احفَظ أهلَنا في الشام من الفتن والمِحَن والشرور يا رب العالمين، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم، اللهم صُن أعراضَهم، واحفَظ أموالَهم، وادفَع عنهم مكرَ الماكرين، وعُدوانَ الظالمين يا رب العالمين، اللهم اشفِ مرضاهم، وداوِ جرحاهم، وتقبَّل موتاهم في الشُّهداء يا سميعَ الدعاء.
اللهم عليك بالطُّغاة المُجرمين، اللهم عليك بالطُّغاة المُجرمين الذين قتَلوا الأبرياء، وسفَكوا الدماءَ، وعذَّبوا الشيوخَ والأطفالَ والنساء، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اهزِمهم يا قوي، زلزِلهم يا قادِر، أنزِل عليهم عذابَك ورِجزَك وبأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المُجرمين يا سميعَ الدعاء.
يا سميعَ الدعاء، يا سميعَ الدعاء نجِّ إخواننا المُستضعفين في الشام عاجلاً غير آجلٍ يا رب العالمين، اللهم عجِّل بالفَرَجِ والنصر لهم يا رب العالمين.
اللهم طهِّر المسجدَ الأقصى من رِجسِ يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها واستِقرارَها، اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيته للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين، اللهم واجزِ خادمَ الحرمين الشريفين خيرَ الجزاء وأوفاه على نُصرته لأهلنا المُستضعفين في الشام.
اللهم يا عظيمَ العفوِ، يا واسِعَ المغفرة، يا قريبَ الرحمة، هَبْ لنا من لدُنك مغفرةً ورحمةً، وأسعِدنا بتقواك، واجعلنا نخشاك كأننا نراك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارحم موتانا، وعافِ مُبتلانا، واشفِ مرضانا، وانصُرنا على مَن عادانا يا ربَّ العالمين.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرَقٍ.
اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، اللهم اسقِنا واسقِ المُجدِبين، وفرِّج عنَّا وعن أمة نبيِّنا وسيدِنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أجمعين.
عباد الله:
إن اللهَ أمرَكم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون من جنِّه وإنسِه -، فقال قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على النبي المُصطفى المُختار، وآله الأطهار، وصحابته الأبرار، اللهم وارضَ عن خُلفائه الأربعة، أصحاب السُّنَّة المُتَّبعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-24-2012, 12:49 AM   رقم المشاركة : 65

 

قصص عن عواقب الظلم
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "قصص عن عواقب الظلم"، والتي تحدَّث فيها عن الظلمِ وعواقبه الوخيمةِ في الدنيا والآخرة، وذكر العديدَ من القصص والعِبَر التي تُبيِّن عواقِبَ الظلَمَة في الدنيا.

الخطبة الأولى
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ.
أما بعد، فيا أيها المُسلمون:
إن الحياة الطيبةَ لا تكونُ إلا بتقوى الله - جل وعلا -، وإن السعادةَ في الدارَين لا تحصُلُ إلا بالتمسُّك بتلك التقوى، فاستمسِكوا بتقوى الله - جل وعلا - ليلاً ونهاراً، سرًّا وجهرًا.
إخوة الإسلام:
من أصول الإسلام: مُحاربةُ الظلمِ بشتَّى صوره ومُختلَف أشكاله، وإن المُتتبِّع لأحوال الناس مع ظهور حبِّ الدنيا وتمكُّنها في النفوس يجِدُ مُمارساتٍ تحمِلُ الظلمَ لآخرين في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، وإن أعظمَ ما يحمي الإنسانَ من الظلمِ ويدرأُ عنه شُرورَ الوقوع فيه: تذكُّر عاقبتَه الوخيمة في الدنيا، ومآلَه الشنيعَ في الآخرة.


إخوة الإسلام:
يجبُ أن نعلمَ أن التسلُّط على الخلقِ وظُلمَهم مسلكٌ يُؤدِّي بصاحبه إلى أشنعِ حالٍ وأسوأِ مآلٍ، سنةٌ لا تتبدَّلُ ولا تتحوَّلُ، وإن مصارعَ الظلمَة في القديمِ والحديثِ لأصدقُ برهانٍ، وأعظمُ بيانٍ لمن كان له قلبٌ أو ألقَى السمعَ وهو شهيدٌ.
معاشر المسلمين:
إن دعوةَ المظلوم سهامٌ لا تُخطِئ، وسلاحٌ على الظالمِ لا يُبقِي وإن طالَ الدهرُ، قال - صلى الله عليه وسلم - لمُعاذ بن جبلٍ - رضي الله عنه - حين بعثَه إلى اليمن: «.. واتَّقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ»؛ متفق عليه.
وفي "السنن" بسندٍ حسنٍ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمام، وتُفتحُ لها أبوابُ السماوات، ويقول الربُّ - جل وعلا -: وعزَّتي! لأنصُرنَّكِ ولو بعد حينٍ».
وإن من سُوء عاقبةِ الظلمِ أن دعوةَ المظلومِ مُستجابةٌ حتى ولو من الفاجرِ أو الكافرِ؛ روى أحمد في "مسنده" بسندٍ حسنٍ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تُردُّ دعوةُ المظلومِ ولو كان فاجِرًا ففُجورُه على نفسه».
وفي حديثٍ آخر عنده - رحمه الله - بسندٍ حسنٍ: «اتَّقوا دعوةَ المظلوم وإن كان كافرًا؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ».
وصدقَ القائلُ حينما قال:
لا تظلِمنَّ إذا ما كنتَ مُقتدرًا
فالظلمُ ترجِعُ عُقباهُ إلى النَّدَمِ
تنامُ عيناك والمظلومُ مُنتبِهٌ
يدعُو عليكَ وعينُ الله لم تنَمِ
فاتَّقِ الله يا مَن لا تُقيمُ لدماءِ المُسلمين حُرمة، ولا لأعراضهم صيانة، ولا لأموالهم وزنًا وحماية.
من أزجَرِ ما نُقِل في التاريخ: قصةٌ عن خالد بن عبد الله البَرمَكيِّ وولده في حوارٍ بينهما وهُما في السجنِ، فيقول له: يا أبَتَاه! لقد كُنَّا بعد العِزِّ والمُلكِ صِرنا في القَيْدِ والحبس. فقال له: يا بُنيّ! دعوةُ مظلومٍ سَرَت بليلٍ غفَلنَا عنها والله لم يغفَل عنها.
وذكرَ العلماءُ - رحمهم الله - أن مالكَ بن دينارٍ الزاهدَ العابِدَ حُمَّ أيامًا - أي: وجَدَ حرارةً في بدنه -، ثم وجدَ خِفَّةً فخرجَ لبعضِ حاجته، فمرَّ بعضُ أصحاب الشُّرط بين يديه قومٌ، قال: فأعجَلوني فاعترضتُ في الطريقِ، فلحِقَني إنسانٌ من أعوانه فقنَّعَني أسواطًا - أي: ضرَبَني أسواطًا - كانت أشدَّ عليَّ من تلك الحُمَّى. فقلتُ: قطَعَ اللهُ يدَكَ، فلما كان من الغدِ غدوتُ إلى الجسرِ في حاجةٍ لي فتلقَّاني ذلك الرجلُ مقطوعةً يدُهُ يحمِلُها في عُنقِهِ.
فيا مَن تظلِمُ وتبطِشُ! تذكَّر موقِفَك بين يدَي الله - جل وعلا -، واخشَ على نفسِكَ من دعوةِ صالحٍ تسري بليلٍ والناسُ نِيامٌ، إن لم تكن خائفًا من موقفِكَ من الله - جل وعلا -.
فإن بعضَ الناس إنما يخافُ على نفسه في الدنيا، ولهذا جعل الله له زاجِرًا في دنياه قبل أُخراه؛ روى الطبراني بسندٍ رِجالُهُ رجالُ الصحيح: أن رجلاً نالَ من عليٍّ - رضي الله عنه -، فنهاهُ سعدُ بن أبي وقَّاصٍ، فلم ينتَهِ عن ذلك، فقال سعدٌ: أدعُو الله - جل وعلا - عليك. فدعَا عليه، فما برِحَ حتى جاءَ بعيرٌ نادٌّ فخبَطَه حتى ماتَ.
وأوردَ أبو نُعيمٍ في "الحلية"، وابنُ الجوزي في بعضِ كُتبه: أن سُليمان التيميَّ العابِدَ الحافظَ كان بينه وبين رجلٍ شيءٌ، فنازعَه فتناولَ الرجلُ سُليمان فغمَزَ بطنَه، فدعا عليه سُليمانُ فجفَّت يدُ الرجلِ.
أخي المُسلم:
اسمَع هذه العِبرةَ فاتَّعِظ وازدَجِر؛ حكى ابنُ أبي الدنيا أن رجلاً من مُناوِي عُثمان - رضي الله عنه - آلَى على نفسه أن يلطِمَ وجهَ عُثمان الشريف. وفي القصَّة قال: فدخلتُ مع صاحبي وإذا رأسُ عثمان في حجر امرأته، فقال لها صاحبي: اكشِفي وجهَه. فقالت: لِمَ؟ قال: ألطُمُ حُرَّ وجهِهِ. قالت: أمَا تذكُرُ ما قال فيه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟! قال فيه كذا وكذا - ثم عدَّدَت مزاياه العظيمة -، قال: فاستحيَى صاحبي بعد ذلك فرجعَ، فقلتُ لها أنا: اكشِفي عن وجههِ. قال: فذهَبَت - أي: امرأةُ عُثمان - تدعُو عليَّ، ومع ذلك قال: فلطَمتُ وجهَهُ. فقالت: ما لكَ يبَّسَ الله يدَكَ، وأعمَى بصرَك، ولا غفرَ لك ذنبَكَ. قال: فواللهِ ما خرجتُ من البابِ حتى يبَسَت يدِي، وعمِيَ بصري، وما أرى اللهَ أن يغفِرَ لي ذنبِي. ثم رُؤِيَ يطوفُ في الكعبة ويتألَّى على الله عقوبةً له، فيقول وهو أعمَى: اللهم اغفِر لي، وما أراكَ تفعلُ!
ومن القصص التي فيها زجرٌ عن الظلمِ: ما أخرجه البخاري عن جابر بن سمُرة قال: شكا أهلُ الكوفةِ سعدًا إلى عُمر حتى قالوا: إنه لا يُحسِنُ يُصلِّي. فقال سعدٌ: أما أنا فإني كنتُ أُصلِّي بهم صلاةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أخرِمُ عنها، أركُدُ في الأَوليَيْن وأحذِفُ في الأُخرَيَيْن. قال عُمر: واللهِ ذاك الظنُّ بك يا أبا إسحاق.
ثم بعثَ عُمر - وهو الخليفةُ العادلُ الذي لا تأخُذُه عاطفةٌ عن الحق والتتبُّع -، أرسلَ عُمر رجالاً يسألون عنه في مجالسِ الكوفة، فكانوا لا يأتون مجلِسًا إلا أثنَوا عليه خيرًا، وقالوا معروفًا، حتى أتَوا مسجدًا من مساجِدِهم فقال رجلٌ - يُقال له: أبو سَعدة -، فقال: اللهم إذ سألتُمُونا فإنه كان لا يعدِلُ في القضية، ولا يقسِمُ بالسَّوِيَّة، ولا يسيرُ بالسرِيَّة!
وهكذا الظالمُ إذا تبِعَ هواه انطلَقَ لسانُهُ بما يهوَى، وانطلَقَت جوارِحُه بما تهوَى نفسُه الأمَّارة. فقال سعدٌ: اللهم إن كان كاذِبًا فأعمِ بصرَه، وأطِل فقرَه، وعرِّضْه للفتن. قال عبدُ الملك - راوي الحديث -: فأنا رأيتُه يتعرَّضُ للإماءِ في السِّكَكِ، فإذا قيل له: انتَهِ يا أبا سَعدة! قال: كبيرٌ فقيرٌ مفتونٌ أصابَتني دعوةُ سعدٍ.
يا مَن ينسَى دعوةَ المظلوم! لتكُن مثلُ هذه الأمثِلَة زاجِرًا لك ورادِعًا لنفسك عن ظُلم الخلق في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم.
حُكِي أن رجلاً من قتَلَة الحُسين بن عليٍّ - رضي الله عنه، وعن أبيه، وعن أمِّه، وعن آل البيت جميعًا - رمَى الحُسين بسهمٍ. فقال الحُسين: يا هذا! إيتنِي بماءٍ أشربُه، فلما رماهُ هذا الرجلُ حالَ بينَه وبين الماءِ، فقال الحُسينُ: اللهم أظمِئْهُ.
فرُؤِيَ هذا الرامي وهو عند موته في الاحتِضار وهو يصيحُ من الحرِّ في بطنِهِ، ويصيحُ من البردِ في ظهره، فبين يدَيْه المراوِحُ والثلجُ وخلفَه المُصطَلَى، وهو يقول: أسْقُوني أهلَكَني العطشُ، فيُؤتَى بإناءٍ عظيمٍ فيه السَّوِيْقُ - وهو الماءُ واللبنُ، لو شرِبَه خمسةٌ لكفاهم -، فيشربَه جميعًا، ثم يعودُ فيقول: أسْقُوني أهلكَني العطشُ، ثم انقدَّ بطنُهُ كانقِداد البَعير.
فيا مَن تظلِمُ الناسَ! اللهُ أكبرُ عليك، إن الظالمَ تدورُ عليه الدوائرُ، وتحُلُّ به المثُلاتُ وإن طالَ الدهرُ، وامتدَّ الزمانُ؛ يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن اللهَ ليُملِي للظالمِ حتى إذا أخَذَه لم يُفلِتْهُ»، ثم قرأَ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ[هود: 102].
فكُن - أيها المُسلمُ - مُتباعِدًا عن ظُلم الخلقِ، مُحاذِرًا النَّيْلَ منهم بقولٍ أو فعلٍ أو إعانةٍ على ظُلمٍ.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية
أحمدُ ربي وأشكُرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
وصيةُ الله لنا جميعًا هي وصيةُ الله لأولين والآخرين، وهي: تقواه - جل وعلا -، ولُزومُ طاعته، والبُعد عن معاصِيهِ.
يا مَن يظلِمُ الناسَ في أموالهم فيأخُذها قهرًا، أو يمنَعُ دَينًا، أو يحبِسُ حقًّا، يا مَن يُماطِلُ الناسَ في أموالهم! اسمَع هذه المواعِظ، وكُن لنفسِك خيرَ واعِظٍ قبل أن تحُلُّ بك دعوتُهم، وتُحيطَ ببدنِكَ أو مالِك أو ولدك عاقبةُ نجواهم لخالقهم؛ ففي الحديثِ القُدُسيِّ: «يا عبادي! إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُهُ بينكم مُحرَّمًا، فلا تظالَموا».
ثم إن اللهَ - جل وعلا - أمرَنا بما تزكُو به حياتُنا، وتسعَدُ به أُخرانا، ألا وهو: الإكثارُ من الصلاةِ والسلامِ على الحبيبِ النبيِّ.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدِنا ونبيِّنا وحبيبِنا وقُرَّةِ عيوننا: نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الآلِ والصحابةِ أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام، نسألك أن تحفظَ المُسلمين في كل مكان، اللهم احفَظ المسلمين في كل مكان، اللهم أنزِل حفظَك وكلأتَك على المُسلمين، اللهم احفَظهم بحِفظِك، واكلأهم برعياتك.
اللهم انصُرهم على من بغَى عليهم، اللهم انصُرهم على من بغَى عليهم، اللهم انصُرهم على من بغَى عليهم يا قويُّ يا عزيزُ.
اللهم عليك بأعداءِ المُسلمين، اللهم أبطِل مكرَهم، اللهم اجعل الدائرةَ عليهم، اللهم اجعل الدائرةَ عليهم.
اللهم يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام، احفَظ المُسلمين في الشام، احفَظ المُسلمين في أفغانستان، احفَظ المُسلمين في العراقِ، احفَظ المُسلمين في فلسطين، احفَظ المُسلمين في ليبيا، احفَظ المُسلمين في مصر، احفَظ المُسلمين في تُونس، وفي كل مكانٍ يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارفع كُرُباتهم، اللهم نفِّس غمَّهم، اللهم نفِّس غمَّهم، اللهم أدخِل عليهم الأمنَ، اللهم حقِّق لهم الأمنَ والأمان، اللهم حقِّق لهم الأمنَ والأمان، اللهم حقِّق لهم ما يصبُون من الأمنِ والأمان يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم احفَظ بلادَ المُسلمين من كل سُوءٍ ومكروهٍ، اللهم احفَظ المُسلمين في بلاد الحرمين من كل سُوءٍ ومكروهٍ، اللهم اجعل بلادَ المُسلمين قويةً عزيزةً منيعةً على الأعداءِ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفَظ خادمَ الحرمين، اللهم أيِّده بتأييدك، اللهم أطِل عُمره يا حيُّ يا قيُّوم على الطاعةِ والتقوى، اللهم انصُر به دينَكَ، وأعلِ به كلمتَك.
اللهم ولِّ على المُسلمين خِيارَهم، اللهم ولِّ على المُسلمين خِيارَهم، اللهم ولِّ على المُسلمين خِيارَهم يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
اللهم أسعِدنا بتقواك، اللهم أسعِدنا بتقواك، اللهم مُنَّ علينا بفضلِك، اللهم اغفِر لنا ذنوبَنا، اللهم كفِّر عنا سيئاتنا، اللهم كفِّر عنا سيئاتنا، اللهم كفِّر عنا سيئاتنا، وأدخِلنا الجنةَ مع الأبرار، يا عزيزُ يا غفَّار.
وأختِمُ قولي بصلاةٍ وسلامٍ على سيدِي ونبيِّ محمدٍ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا ورسولِنا محمدٍ.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-24-2012, 12:55 AM   رقم المشاركة : 66
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الظلم ظلمات يوم القيامة
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 30/4/1433هـ بعنوان: "الظلم ظلمات يوم القيامة"، والتي تحدَّث فيها عن الظلمِ وعواقبه الوخيمة؛ حيث دلَّل على سوء عاقبة كلِّ ظالمٍ وأن أنفاسهم في الظلم معدودة، ومُدَّتهم في الحياة محدودة، وأرشَدَ إلى ضرورة الاعتبار بمن سبَقُوا من الطُّغاة والظالمين؛ من أمثال: فرعون، وأبرهة، وقوم صالح، وغيرهم من الأقوام الظالمين السالفين، وذكر طرفًا من مُعاناة النبي - صلى الله عليه وسلم - من ظلم قومِه له، ومدى صبره - عليه الصلاة والسلام - على ذلك.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فتقوى الله طريقُ الهُدى، ومُخالفتُها سبيلُ الشقا.
أيها المسلمون:
فضَّل الله الإنسانَ وكرَّمَه وهيَّأ له أسبابَ الطمأنينة ليعبُدَه وحده - سبحانه - كما أمَر، ومعاشُ الناس لا يستقيمُ إلا بالدين، وبهِ سعادتُهم في الآخرة، ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهمَّ أصلِح لي ديني الذي هو عصمةُ أمري، وأصلِح لي دُنيايَ التي فيها معاشي، وأصلِح لي آخرتي التي فيها معادي»؛ رواه مسلم.
وأساسُ الدينِ: العدلُ فيما بين العباد وبين خالقهم بإفراد العبادةِ له، وبينهم وبين المخلوقين بعدم بغيِ بعضِهم على بعضٍ؛ إذ الظلمُ أصلُ كلِّ شرٍّ، وفسادٌ للدين والدنيا، والله نزَّهَ نفسَه عن الظلمِ وجعلَه بين العباد مُحرَّمًا؛ فقال: «يا عبادي! إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا؛ فلا تَظَالَموا»؛ رواه مسلم.
وكان أبو إدريس الخَولانيُّ - رحمه الله - راوي الحديثِ إذا حدَّثَ بهذا الحديثِ جَثَى على رُكبتَيْه.
واللهُ أخبرَ أنه لا يُحبُّ الظالِمَ، ونفى عنه الفلاح، ووعدَ بقطعِ دابرِه، ولا يدُومُ على نُصرته أحدٌ، قال - سبحانه -: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[البقرة: 270].
بل يُسلِّطُ اللهُ عليه ظالمًا أقوى منه، كما قال - سبحانه -: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[الأنعام: 129].
قال ابن كثير - رحمه الله -: "أي: نُسلِّطُ بعضَهم على بعضٍ، ونُهلِكُ بعضَهم ببعضٍ، وننتقمُ من بعضِهم ببعضٍ؛ جزاءً على ظُلمهم وبغيِهم".
والله توعَّدَه بسُوء المُنقلَبِ، فقال: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ[الشعراء: 227].
قال شُريحٌ - رحمه الله -: "إن الظالمَ ينتظرُ العقابَ، والمظلومَ ينتظرُ النصرَ".
والظالمُ أيامُه في الدنيا معدودةٌ، ولكنَّ الله يُمهِلُه؛ قال - جلَّ شأنه -: فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا[مريم: 84].
ومن طالَ عُدوانُه زالَ سُلطانه؛ قال - جل وعلا -: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ[الأنبياء: 11].
قال ابن القيم - رحمه الله -: "إذا أراد اللهُ أن يُهلِكَ أعداءَه ويمحقَهم قيَّضَ لهم الأسبابَ التي يستوجِبُون بها هلاكَهم ومحقَهم، ومن أعظمها - بعد كُفرهم -: بغيُهم وطغيانُهم ومُبالغتُهم في أذى أوليائه، ومُحاربتهم وقتالهم والتسلُّط عليهم".
واللهُ ذكرَ في كتابه ظالمين وسُوءَ عاقبتِهم، وأخبرَ أنه جعلهم عبرةً لغيرهم؛ ففرعون طغَى وعاثَ في الأرض فسادًا؛ قال - سبحانه - عنه: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ[القصص: 4].
بل تطاوَلَ على الربِّ وأنكرَه وقال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى[النازعات: 24]، وافتخرَ بجرَيَان الماء من تحت قدمَيْه وكان يقول: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي[الزخرف: 51].
والله له بالمِرصاد، يُمهِلُه ولم يُهمِله، فأجرَى الماءَ من فوقه وأغرقَه به، وقال له ساعةَ هلاكه: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً[يونس: 92].
وأخبرَ أن تلاطُمَ أمواج البحر من فوقه حين هلاكه كان أمرًا مهُولاً، فقال: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى[النازعات: 25، 26].
وشُعيبٌ - عليه السلام - دعا قومَه إلى الإسلام، ونهاهُم عن ظُلم الناس، وقال لهم: أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ[هود: 85]، فسخِروا به وقالوا له: أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ[هود: 87]، فأرسلَ الله عليهم نارًا أحرقَتهم وأحرقَت أموالَهم التي اكتسبُوها بالظُّلم، قال - سبحانه -: فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ[الشعراء: 189]؛ أي: النار المُحرِقة النازلةِ عليهم من السماء إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ.
وثمودُ كان ذنبُهم مع الشركِ عقرَ بهيمةٍ جعلَها الله لهم آيةً، فأرسلَ عليهم صيحةً قطَّعَت قلوبَهم.
قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -: "فمن انتهَكَ محارِمَ الله واستخفَّ بأوامره ونواهيه، وعقرَ عبادَه وسفكَ دماءَهم كان أشدَّ عذابًا منهم".
وإذا وقعَ بالمؤمنين شدَّةٌ وبلاءٌ، وكربٌ وعناءٌ، فاللهُ لطيفٌ في قدَرِه، حكيمٌ في تدبيره، قادٌ على نُصره عباده، ولكن لحكمةٍ يبتليهم؛ قال - جل وعلا -: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ[محمد: 4].
وهو - سبحانه - قويٌّ في مُدافعته عن عباده المؤمنين؛ قال - جلَّ شأنُه -: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا[الحج: 38].
قال ابن كثير - رحمه الله -: "يدفعُ عن عباده الذين توكَّلُوا عليه وأنابُوا إليه شرَّ الأشرار وكيدَ الفُجَّار، ويحفظُهم ويكلؤُهم وينصُرهم".
وهذه المُدافَعةُ بحسبِ إيمان العبدِ بمولاه؛ فمن زادَ إيمانُه قوِيَت مُدافعةُ الله له. قال قتادةُ - رحمه الله -: "والله ما يُضيِّعُ اللهُ رجلاً قطُّ حفِظَ له دينَه".
والمسلمُ يأخذُ بأسبابِ النصر ودفعِ الظلمِ والقهرِ بحُسن الظنِّ بالله بأنَّ الله سينصُره، واعتقاد ما دلَّت عليه أسماؤه وصفاتُه - سبحانه -؛ من القوة والقُدرة، والعظمةِ والعِزَّة، وبالإيمان بما جاء في القرآنِ من وعدِ الله بنُصرة المؤمنين: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ[الروم: 47]، وبالإكثار من التعبُّد والاستغفارِ والإنابةِ إلى الله؛ قال - سبحانه -: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[محمد: 7]، والثقةِ بقرب ساعة الفَرَجِ؛ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ[البقرة: 214].
وأن يُوقِنَ أن التوكُّلَ على الله أساسُ النصرِ: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[آل عمران: 160].
وتوحيدُ الكلمةِ على الحق ونبذُ النزاع قوةٌ على الأعداء؛ قال تعالى: وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[الأنفال: 46].
والصبرُ مفتاحُ الفَرَج، ويتأكَّد عند حُلول المِحَن والمصائب، والدعاءُ أقوى سلاحٍ ضدَّ العدو؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «واتَّقِ دعوةَ المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حِجابٌ»؛ متفق عليه.
قال ابن عقيلٍ - رحمه الله -: "يُستجابُ للمظلوم بسُرعةٍ".
والفَألُ هديُ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد قُوتِلَ وحُوصِرَ، وجُرِح وأُوذِي، ومُكِرَ به وأُخرِجَ، وكِيدَ به وسُمَّ وسُحِر، ومات له ستةٌ من أولاده، وكان يقول مع كل ذلك: «يُعجِبُني الفَألُ». فسُئِلَ عنه، فقال: «كلمةٌ طيبةٌ»؛ متفق عليه.
والمُسلمُ مُوقِنٌ بنصر الله، ويحرُم عليه الرُّكون إلى الظالمين؛ قال - سبحانه -: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ[هود: 113].
والله بقُدرته ينصُرُ الضعيفَ ولو تكالَبَت عليه الشدائدُ أو خُذِل؛ قال - عز وجل -: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[يوسف: 21].
ونُصرة الله للمؤمنين إنما هي بالإيمان والتقوى، وهو - سبحانه - ناصرٌ عبادَه وإن قلَّ عددُهم وعَتادُهم، فالقوةُ لله جميعًا؛ قال - سبحانه -: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ[البقرة: 249].
وهو - سبحانه - قد ينصُرُ عبادَه بلا قتالٍ، كما في غزوة الأحزاب، قال - جل وعلا -: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا[الأحزاب: 25]، وقد ينصُرُهم بإلقاء الرُّعبِ في قلوبِ الأعداء، كما حصلَ ليهود بني النَّضِير، كما قال تعالى: مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ[الحشر: 2].
وقد يُرسِلُ الله جنودًا من عنده لإهلاك المُعتدين؛ فأبرهةُ أتى بجيشٍ من اليمن لهدمِ الكعبةِ، مُصطحِبًا معه أقوى الحيوانات - الفيل -، فسلَّطَ اللهُ عليه أضعفَ الحيوانات - الطيورَ -، وجعلَ كيدَهم في تضليلٍ.

وإذا حصلَ قتلٌ وجراحٌ في المُسلمين - كما في أُحُدٍ - فالعاقبةُ لهم؛ قال - سبحانه -: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ[هود: 49].
وبعد، أيها المسلمون:
فلَئِن خُذِل المُسلمون فهم المُنتصِرون، ولئن قُتِلوا فهم الغالِبون، ولئن شُرِّدوا فهم المُؤيَّدون، وما تعلَّقَ أحدٌ بالله فخُذِل، وما لجأَ إليه أحدٌ إلا نُصِر.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ[القصص: 5، 6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
التاريخُ مليءٌ بالعِظاتِ والعِبَر، زاخِرٌ بالحَوادِثِ والقصص، وفي معرفةِ أحوال الأُمم وعاقبة الظلم والظالمين عِبرةٌ لأُولي الألباب، والسعيدُ من وُعِظَ بغيره، وسِيَرُ المُسرفين، وعاقبةُ الظالمين، ومآلاتُ المُجرمين عِبرةٌ لمن عرفَ الله حقَّ المعرفة، وآمنَ بأنه على كل شيءٍ قديرٌ؛ قال - عز وجل -: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[العنكبوت: 40].
ونهايةُ كل ظالمٍ وإن طالَتْ آتِيةٌ، والنصرُ مع الصبر، والفَرَجُ مع الكربِ، والعُسرُ يعقُبُه يُسرٌ؛ قال - سبحانه -: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا[الشرح: 5، 6].
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ، وعنَّا معهم بكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم انصُر المُستضعفين من المُؤمنين في الشام، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا، اللهم احقِن دماءَهم، واشفِ مرضاهم، وفُكَّ أسراهم، واستُر عوراتهم، وآمِن روعاتهم.
اللهم كن على من آذاهم، اللهم زلزِل الأرضَ من تحت أقدامهم، واجعلهم عِبرةً للمُعتبرين، وعِظةً للمُتَّعِظين.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم رُدَّهم إليك ردًّا جميلاً.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار.
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-31-2012, 09:55 PM   رقم المشاركة : 67
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 7/5/1433هـ بعنوان: "فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -"، والتي تحدَّث فيها عن فضائل الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبيان ما وردَ بشأنِها من آياتٍ وأحاديث، وذكر أن دليلَ محبَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - كثرةُ ذِكره والصلاة عليه.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الذي شرحَ صُدورَ أهل الإسلام بالهُدى، ونكَتَ في قلوب أهل الطُّغيان فلا تعِي الحكمةَ أبدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادةَ من آمنَ به ولم يُشرِك به أحدًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه حبلِ الهُدى وينبوع التُّقَى، صلاةً تبقَى وسلامًا يترَى.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[الحديد: 28].
أيها المسلمون:
لقد اصطفَى الله نبيَّنا وسيدَنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لتحمُّل أعباء الرسالة وتبليغ الشريعة؛ فهو النبيُّ المُعظَّم، والرسولُ المُكرَّم، سيدُ ولد آدم بالاتفاق، وخيرُ أهل الأرض على الإطلاق، الجوهرةُ الباهِرة، والدُّرَّةُ الزاهِرة، وواسِطةُ العِقدِ الفاخِرة.
عبدُ الله ورسولُه ونبيُّه، وصفِيُّه ونجِيُّه، ووليُّه ورَضِيُّه، وأمينُه على وحيِه وخِيرتُه من خلقِه، الذي لا يصِحُّ إيمانُ عبدٍ حتى يُؤمنَ برسالته ويشهَدَ بنبوَّته.
سيدُ المُرسلين والمُقدَّم لإمامتهم، وخاتَمُ النبيين وصاحِبُ شفاعتِهم، أولُ من تنشقُّ عنه الأرضُ يوم القيامة، وأولُ شافعٍ يوم القيامة، وأولُ من يجُوزُ الصراطَ من الرُّسُل بأمته يوم القيامة، وأكثرُ الأنبياء تابِعًا يوم القيامة، صاحبُ اللواء المعقود، والمقام المحمود، والحوض المورود، عبدُ الله المُصطفى، ونبيُّه المُجتبَى، ورسولُه المُرتَضَى.
يقول عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: "ما خلقَ الله وما ذرأَ وما بَرَأَ نفسًا أكرمَ عليه من محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وما سمِعتُ اللهَ أقسمَ بحياةِ أحدٍ غيره".
قال ابنُ كثيرٍ - رحمه الله تعالى -: "وأقسمَ بحياته، وفي هذا تشريفٌ عظيمٌ، ومقامٌ رفيعٌ، وجاهٌ عريضٌ".
أيها المسلمون:
وإظهارًا لفضله - صلى الله عليه وسلم - وعظيمِ شرفه، وعلوِّ منزلته ومكانته، وإرادةً لتكريمه ورفعِ ذِكرِه، وتنويهًا بمِنَّة رسالته ونعمَةِ بعثتِه، وتذكيرًا بوجوبِ حُبِّه واتَّباعِه؛ شرعَ الله الصلاةَ على نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، وجعلَها قُربةً جليلةً وعبادةً عظيمةً، قال - جلَّ في عُلاه -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
للخلقِ أُرسِلَ رحمةً ورحيمًا
صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا
أيها المسلمون:
وينالُ العبدَ من ثوابِ الله وكرامته، ومغفرته وصلاته بسببِ صلاته على أشرف الخلق - صلى الله عليه وسلم - ما يشاءُ اللهُ أن ينالَه؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صلَّى عليَّ واحدةً صلَّى الله عليه عشرًا»؛ أخرجه مسلم.
وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه عشرَ صلوات، وحطَّ عنه عشرَ خطيئات، ورُفِعَت له عشرُ درجَاتٍ»؛ أخرجه أحمد، والنسائي، وابن حبان.
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعَة، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما مِن مُسلمٍ يُصلِّي عليَّ إلا صلَّت عليه الملائِكةُ ما صلَّى عليَّ، فليُقِلَّ العبدُ من ذلك أو ليُكثِر»؛ أخرجه أحمد، وابن ماجه.
أيها المسلمون:
والإكثارُ من الصلاةِ على النبي - صلى الله عليه وسلم - سببٌ لغُفران الخَطايا وزَوال الهُموم والبَلايا؛ فعن أُبَيِّ بن كعبٍ - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسولَ الله! إني أُكثِرُ الصلاةَ عليك، فكم أجعلُ لك من صلاتي؟- أي: دُعائي -. قال: «ما شئتَ». قلتُ: الرُّبُعَ؟ قال: «ما شئتَ، فإن زِدتَ فهو خيرٌ لك». قلتُ: النَّصفَ؟ قال: «ما شئتَ، فإن زِدتَ فهو خيرٌ لك». قلتُ: فالثُّلُثَيْن؟ قال: «ما شئتَ، فإن زِدتَ فهو خيرٌ لك»، قال: أجعلُ لك صلاتي كلُّها؟ قال: «إذًا تُكفَى همَّك، ويُغفَرُ لك ذنبُك»؛ أخرجه أحمد، والترمذي.
أيها المسلمون:
وجاءت السنةُ بتأكيد الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجُمعة؛ فعن أبي أُمامة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاةُ أمتي تُعرَضُ عليَّ في كل يومِ جُمعة؛ فمن كان أكثرَهم عليَّ صلاةً كان أقربَهم منِّي منزلةً»؛ أخرجه البيهقي. وقال الحافظ ابنُ حجر - رحمه الله تعالى -: "لا بأسَ بإسناده".
وعن أَوسِ بن أَوْسٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أفضلِ أيامِكم يوم الجُمعة؛ فيه خُلِق آدم، وفيه قُبِض، وفيه النَّفخةُ، وفيه الصَّعقةُ، فأكثِروا عليَّ من الصلاة فيه؛
فإن صلاتَكم معروضةٌ عليَّ». قالوا: يا رسولَ الله! وكيف تُعرَضُ صلاتُنا عليك وقد أرِمتَ؟ - يعني: بلِيتَ -. فقالَ: «إن الله - عزَّ وجلَّ - حرَّم على الأرضِ أجسادَ الأنبياء»؛ أخرجه أحمد، وأبو داود.

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سيدُ الأنام، ويوم الجُمعة سيدُ الأيام؛ فللصلاةِ عليه في هذا اليوم مزِيَّةٌ، ومن شُكره وحمده وأداء القليلِ من حقِّه - صلى الله عليه وسلم -: أن نُكثِرَ الصلاةَ عليه في هذا اليوم وليلته". اهـ كلامُه - رحمه الله تعالى - بشيءٍ من التصرُّفِ.
أيها المُسلمون:
ويُستحبُّ استِفتاحُ الدعاءِ بحمد الله وتمجيدِه، والثناءِ عليه، ثم الصلاة على رسوله محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وخَتمُه بهما؛ فعن فَضَالَة بن عُبَيْد قال: سمِعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يدعُو في صلاتِه، لم يُمجِّدِ اللهَ، ولم يُصلِّ على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عجِلتَ أيها المُصلِّي». وعلَّمَهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثم سمِعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يُصلِّي، فمجَّدَ الله وحمِدَه، وصلَّى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ادعُ تُجَب، وسَل تُعطَ»؛ أخرجه الترمذي.
أيها المسلمون:
والأذانُ من شعائرِ الإسلام ومعالمِه الظاهِرة، وعلاماته البارِزَة، فكان من تشريف الله لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - أن شُرِعَت الصلاةُ عليه عقِبَه؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنه سمِعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا سمِعتُم المُؤذِّنَ فقولوا مِثلَ ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ؛ فإنه من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا، ثم سلُوا اللهَ لي الوسيلةَ، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجُو أن أكون أنا هُو؛ فمن سألَ ليَ الوسيلةَ حلَّت له الشفاعَة»؛ أخرجه مسلم.

أيها المسلمون:
وصلاةُ المؤمنين على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلامُهم عليه معروضةٌ عليه؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجعَلوا بُيوتَكم قُبورًا، ولا تجعَلوا قبري عيدًا، وصلُّوا عليَّ فإن صلاتَكم تبلُغُني حيثُ كُنتم».
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن للهِ ملائكةً سيَّاحين في الأرض، يُبلِّغوني من أمتي السلامَ»؛ أخرجه أحمد، والنسائي.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من أحدٍ يُسلِّمُ عليَّ إلا ردَّ الله عليَّ رُوحي حتى أرُدَّ إليه السلامَ»؛ أخرجه أحمدُ، وأبو داود.
ومن الخُرافات التي يعتقِدُها بعضُ العَوامِّ: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يمُدُّ يدَه لمن يُسلِّمُ عليه عند قبره، وأن ذلك قد حصَلَ لبعض الأولياء! وكلُّ هذا باطِلٌ وخُرافةٌ لا أصلَ لها، وكلُّ ما قِيلَ من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مدَّ يدَه لبعض من سلَّم عليه. فغيرُ صحيحٍ؛ بل هو وهمٌ وخيالٌ لا أساسَ له من الصِّحَّةِ.
أيها المسلمون:
ومن لوازِمِ محبَّتِه - صلى الله عليه وسلم -: أن تتحرَّك الألسُنُ بالصلاة والسلام عليه كلما ذُكِر، وإن من الجَفَاءِ وقِلَّة الوفاء، ومن التقصير وقِلَّة التوقير: أن يُذكَرَ سيدُ البشَر - صلى الله عليه وسلم -، فتُحجِمَ الألسُنُ عن الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -؛ فعن الحُسين بن عليٍّ - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «البخيلُ الذي ذُكِرتُ عنده فلم يُصلِّ عليَّ»؛ أخرجه أحمد، والترمذي.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رغِمَ أنفُ رجلٍ ذُكِرتُ عنده فلم يُصلِّ عليَّ»؛ أخرجه الترمذي.
أيها المسلمون:
إن المجالِسَ اللاهية، والاجتماعات السَّاهِية، والنوادي اللاغية نقصٌ على أربابها، وحسرةٌ على أصحابها، وقد جاءَ في القوم يجلِسون ولا يذكُرون اللهَ، ولا يُصلُّون على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما جلَسَ قومٌ مجلِسًا لم يذكُرُوا اللهَ فيه، ولم يُصلُّوا على نبيِّه؛ إلا كان عليهم تِرَةٌ، فإن شاءَ عذَّبَهم وإن شاءَ غفرَ لهم»؛ أخرجه الترمذي.
ومعنى: «تِرَةٌ» أي: حسرةٌ ونَدامةٌ.
وعند ابن حبان: «ما قعَدَ قومٌ مقعدًا لا يذكُرون اللهَ فيه، ولا يُصلُّون على النبي؛ إلا كان عليهم حسرةً يوم القيامة، وإن أُدخِلوا الجنةَ للثوابِ».
فطيِّبوا مجالِسَكم بذكر الله - عزَّ وجل -، والتفقُّه في دينه، وتعلُّم سنةِ نبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وسيرته وهديهِ وطريقته، وأخلاقه وشمائِلِه، واقتَدوا به واتَّبِعوه؛ تنالُوا عِزَّ الدنيا وشرفَها، وثوابَ الآخرة ونعيمَها.
واحذَروا مجالِسَ الغناءِ والطَّرَب، والشِّيشةِ والدُّخان والمُخدِّرات والمُسكرات، واحذَروا المقاهِي المليئةَ بالمُنكراتِ والمُوبِقات، وفاحِشِ الأفلام والقَنَوات.
أيها المسلمون:
وتُشرعُ الصلاةُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابةً، كلما كُتِبَ اسمُه الشريفُ، ويُكرِّرُ ذلك كلما تكرَّرَ اسمُه - صلى الله عليه وسلم -، ولا يُسأمُ من تكريرِ ذلك عند تكرُّرِه، وليجتنِبِ المُسلمُ كتابةَ الصلاةِ على النبي - صلى الله عليه وسلم - منقوصة رامِزًا إليها بحرفٍ أو حرفين، كمن يكتُب: (ص)، أو (صلم)، أو (صلعم)؛ لأن ذلك غيرُ لائقٍ بحقِّه - صلى الله عليه وسلم -.

قال الحافظُ العراقيُّ - رحمه الله تعالى -:
واجتنِبِ الرَّمزَ لها والحَذْفَا
منها صلاةً أو سلامًا تُكفَى
فصلَّى الله وسلَّم على نبيِّ الرحمة صلاةً وسلامًا مُمتدَّيْن دائِمَيْن إلى يوم الدين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه؛ فقد فاز المُستغفِرون.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيه وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رِضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله حقَّ تُقاته، وسارِعوا إلى مغفرته ورِضوانه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
الصلاةُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - من سُنن الإسلام وشعائرِ أهله، وللصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - صِفاتٌ كثيرةٌ وصِيَغٌ مُتنوِّعة جاءت على لسانه، وبواسِطة بيانِه - صلى الله عليه وسلم -، فالتزِموا بها كما جاءَت في السنة الصحيحة، واحذَروا الصِّيَغَ المُبتدَعَةَ، والصلوات المُخترَعَة التي لا تخلُو من عقيدةٍ فاسِدة، أو غُلُوٍّ مَقيت، واحذَروا ما يفعلُهُ بعضُ الغُلاة الذين رفَعوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فوقَ منزلته ورُتبتِه التي أنزلَه الله إياها.
ومن اعتقدَ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يعلمُ الغيبَ مُطلقًا، أو أن وُجودَه سابِقٌ لهذا العالَم، أو أن الله أولَ ما خلقَ مُحمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، أو أن الكونَ خُلِقَ من نوره، أو لأجله، أو أنه خُلِق من نور العرشِ؛ فقد اعتقَدَ كذِبًا وباطلاً، ومن دعا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - من دون الله أو نادَاه، أو استغاثَ به بعد موته في قضاء حاجته، أو كشفِ كُربَته؛ فقد أتَى شِركًا، وفعلَ غُلُوًّا.
والغُلُوُّ لا يصدُرُ إلا من جاهلٍ قصُرَ فهمُه عن مقاصِدِ الشريعةِ ومعرفةِ دلائلِ نُصُوصها، وجهِلَ حُدودَها التي يجبُ عليه الوقوفُ عندها، أو من صاحبِ هوى تعدَّى ما شُرِع إلى التشبُّه بأقوامٍ أُشرِبوا حبَّ البِدعةِ والاختراعِ في الدين، وتمسَّكوا بأحاديث موضوعةٍ ومكذوبةٍ وضعَها الزَّنادِقةُ كيدًا للإسلام وأهلِه.
فتمسَّكوا بالسُّنَن المرويَّة الصحيحة، واحذَروا البدعَ المُضِلَّة؛ تسعَدوا سعادةَ الدَّارَيْن.
ثم صلُّوا وسلِّموا على نبيِّ الرحمة، وبشير السَّطوةِ والعذاب، الشافعِ المُشفَّعِ يوم الحِسابِ.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة، أصحاب السُّنَّة المُتَّبعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودِك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصُر عبادكَ الموحِّدين، وانصُر عبادكَ الموحِّدين، وانصُر عبادكَ الموحِّدين، يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستِقرارَها يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيته للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين.
اللهم مُنَّ على جميع أوطان المُسلمين بالأمن والاستقرار والسلام يا رب العالمين.
اللهم كُن لإخواننا في سُورية ناصرًا ومُعينًا، اللهم كُن لإخواننا في سُورية ناصرًا ومُعينًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم، واحفَظ أموالَهم، وادفَع عنهم مكرَ الماكرين، وعُدوانَ الظالمين يا رب العالمين، اللهم اشفِ مرضاهم، اللهم اشفِ مرضاهم، وعافِ جرحاهم، وتقبَّل موتاهم في الشُّهداء، وتقبَّل موتاهم في الشُّهداء، وتقبَّل موتاهم في الشُّهداء يا سميعَ الدعاء.
اللهم عليك بالطُّغاة المُجرمين، اللهم عليك بالطُّغاة المُجرمين الذين قتَلوا الأبرياء، وسفَكوا الدماءَ، وعذَّبوا الشيوخَ والأطفالَ والنساء، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اهزِمهم يا قوي، اللهم زلزِلهم يا قادِر، اللهم أنزِل عليهم عذابَك ورِجزَك وبأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المُجرمين.
اللهم عجِّل بالفَرَجِ والنصرِ لإخواننا يا رب العالمين.
اللهم طهِّر المسجدَ الأقصى من رِجسِ يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك يا رب العالمين.
اللهم يا عظيمَ العفوِ، يا عظيمَ العفوِ، يا عظيمَ العفوِ، يا واسِعَ المغفرة، يا واسِعَ المغفرة، يا قريبَ الرحمة، يا قريبَ الرحمة، يا قريبَ الرحمة، هَبْ لنا من لدُنك مغفرةً ورحمةً، وأسعِدنا بتقواك، واجعلنا نخشاك كأننا نراك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارحم موتانا، وعافِ مُبتلانا، واشفِ مرضانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على مَن عادانا يا ربَّ العالمين.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرَقٍ.
اللهم إنا خلقٌ من خلقك، اللهم إنا خلقٌ من خلقك، اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، اللهم اسقِنا واسقِ المُجدِبين، وفرِّج عنَّا وعن أمة نبيِّنا وسيدِنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أجمعين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُركم، واشكُروه على نِعَمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلمُ ما تصنَعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 04-09-2012, 01:05 AM   رقم المشاركة : 68
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

التوبة قبل فوات الأوان
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 14/5/ 1433هـ بعنوان: "التوبة قبل فوات الأوان"، والتي تحدَّث فيها عن التوبة وحضَّ الناسَ على المُسارعة إلى التوبةِ والعودة إلى الله تعالى قبل الندَم يوم لا ينفعُ حينَها ندَمٌ، ونصحَ من عليه مظلِمة، أو حقٌّ لله أو للعباد بوجوبِ ردِّه قبل أن يُقضَى على العبد بالموتِ.
الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الذي آوَى من إلى لُطفِهِ أَوَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له داوَى بإنعامِهِ من يئِسَ أسقامِهِ الدوا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله من اتَّبَعه كان على الهُدى، ومن عصاهُ كان في الغِوايةِ والرَّدَى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه معالمِ التقوَى وينبوع الصَّفَا، صلاةً تبقَى وسلامًا يترَى.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[الحشر: 18].
أيها المسلمون:
إنكم في دارٍ ليست للبَقَا، وإن تراخَى العُمرُ وامتدَّ المَدى، الدنيا قنطرةٌ لمن عبَرَ، وعبرةٌ لمن استبصَرَ واعتبَرَ، وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[آل عمران: 185]، حياةٌ تقودُ إلى المماتِ، لا يُرى في حُشودِها إلا الشتات، وما يُسمَعُ في رُبُوعِها إلا: فلانٌ مرِضَ، وفلانٌ مات.
الموتُ في كل حينٍ ينشُدُ الكَفَنَا
ونحنُ في غفلةٍ عما يُرادُ بنا
فيا مَن يُقصَدُ بالموتِ ويُنحَى
يا مَن أسرفَ في المعاصِي إجرامًا وقُبحًا
يا مَن أسمعَتْه المواعِظُ إرشادًا ونُصحًا! هلا انتهيتَ وارعوَيْتَ، وبذِلتَ وبكَيتَ، وفتحتَ للخير عينيك، وقمتَ للهُدى مشيًا على قدَمَيْك، لتحصُلَ على غايةِ المُراد، وتسعَدَ كلَّ الإسعاد؛ فإن عصيتَ وأذَيتَ، وأعرضتَ وتولَّيتَ، حتى فاجأَكَ الأجلُ وقيل: مَيْت، فستعلمُ يوم الحِسابِ من عصيتَ، وستبكِي دمًا على قُبحِ ما جنَيتَ، يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى[الفجر: 23].
يا هاتِكَ الحُرُماتِ لا تفعل، يا واقِعًا في الفواحِشِ أما تستحِي وتخجَل، يا مُبارِزًا مولاك بالخطايا تمهَّل، يا مُقلِقًا نفسَه فيما يشتهِي ويُريد، الملِكُ يرى والمَلَكُ شهيد، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق: 18].
يا مشغولًا قلبُهُ بلُبنَى وسُعدَى، يا مُستلِذَّ الرُّقادِ وهذه الرَّكائِبُ تُحدَى، أعلَى قلبِكَ حجابٌ أم غشَا، أم في عينِك كمَهٌ أم عَشَى، يا مَن أقعَدَه الحِرمان، يا مَن أركسَه العِصيان، كم أغلقتَ بابًا على قبيحٍ، كم عارَضتَ عن قومٍ نصيح، كم صلاةٍ تركتَها، ونظرةٍ أصبتَها، وحقوقٍ أضعتَها، ومناهِي أتيتَها، وشُرورٍ نشرتَها، أنسيتَ ساعةَ الاحتِضار حين يثقُلُ منك اللسان، وترتخِي اليَدَان، وتشخَصُ العينان، ويبكِي عليك الأهلُ والجِيران؟!
أنسيتَ ما يحصُلُ للمُحتضَر حال نزعِ رُوحِه، حين يشتدُّ كربُهُ ويظهرُ أنينُه، ويتغيَّرُ لونُه ويعرَقُ جبينُه، وتضربُ شِمالُهُ ويمينُه؟! «لا إله إلا الله، إن للموتِ سكَرَات».
عباد الله:
أين من عاشَرناه كثيرًا وألِفنا، أين من مِلنَا إليه بالوِداد ولاطَفْنا، كم أغمَضْنا من أحبابِنا جَفْنا، كم عزيزٍ دفنَّاه وانصرَفنا، كم قريبٍ أضجعنَاه في اللَّحْدِ وما عطَفْنا؟! فهل رحِمَ الموتُ منا مريضًا لضعفِ حاله، هل تركَ كاسِبًا لأجل أطفاله، هل أمهلَ ذا عِيالٍ من أجل عِيالِهِ؟!
أين من كانوا معَنا في سالِفِ الأيامِ والأعوام؟! أتاهم هادِمُ اللذَّات، وقاطِعُ الشهوات، ومُفرِّقُ الجماعات، فأخلَى منهم المساجِدَ والمشاهِد.
تراهم في بُطونِ الألحادِ سَرعَى، لا يجِدون لما هم فيه دفعًا، ولا يملِكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، ينتظِرون يومًا الأُممُ فيه إلى ربها تُدعَى، والخلائقُ تُحشَرُ إلى الموقفِ وتسعَى، والفرائِصُ ترعُدُ من هولِ ذلك اليومِ والعيونُ تذرِفُ دمعًا، والقلوبُ تتصدَّعُ من الحسابِ صَدعًا.
فيا عبدَ الله:
استدرِك من العُمرِ ذاهِبًا، ودعِ اللهوَ جانِبًا، وقُم في الدُّجَى نادِبًا، وقِف على البابِ تائِبًا؛ فالتوبُ مقبولٌ، وعفوُ الله مأمولٌ، وفضلُهُ مبذولٌ، يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا[الانشقاق: 6- 15].
بارَكَ الله ولكم في القُرآن والسنة، ونفعَني وإياكم بما فيهما من الآيات والبيِّنات والعِظاتِ والحِكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله، فاستغفروه؛ إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيه وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رِضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعُوه ولا تعصُوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[التوبة: 119].
أيها المسلمون:
الأيام تُطوَى، والأعمارُ تفنَى، والأبدانُ تَبلَى، والسعيدُ من طالَ عُمرهُ وحسُنَ عملُه، والشقيُّ من طالَ عُمرهُ وساءَ عملُه، فاتقوا اللهَ حقَّ تُقاتِه، وسارِعوا إلى مغفرته ومرضاتِه، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ[الزمر: 54].
ومن كانت عليه فريضةٌ فليقضِها، ومن كانت عليه كفَّارةٌ فليُؤدِّها، ومن كانت له مظلِمةٌ لأخيه من عِرضٍ أو شيءٍ فليتحلَّلْه منه اليوم قبل ألا يكون دينارٌ ولا دِرهَم، إن كان له عملٌ صالحٌ أُخِذَ منه بقدرِ مظلِمَته، وإن لم يكن له حسنات أُخِذَ من سيئات صاحبِهِ فحُمِل عليه.
و«ما حقُّ امرئٍ مُسلمٍ له شيءٌ يُوصِي به يَبيتُ ليلتين إلا ووصيَّتُه مكتوبةٌ عنده»، و«من أحبَّ أن يُزحزَحَ عن النار ويُدخَل الجنة، فلتأتِهِ منِيَّتُهُ وهو يُؤمنُ بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناسِ الذي يُحبُّ أن يُؤتَى إليه».
ثم اعلموا أن الله أمرَكم بأمرٍ بدأَ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسِهِ، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون - من جنِّه وإنسِهِ، فقال قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن آله الأطهار، وصحابته الأخيار، المهاجرين منهم والأنصار، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا رحيم يا غفَّار.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المُسلمين.
اللهم مُنَّ على جميع أوطان المُسلمين بالأمن والاستقرار، اللهم مُنَّ على جميع أوطان المُسلمين بالأمن والاستقرار، اللهم مُنَّ على جميع أوطان المُسلمين بالأمن والاستقرار، اللهم ادفع عن المُسلمين الفتنَ والمِحَنَ والشرورَ والحروبَ يا رب العالمين، اللهم ادفع عن المُسلمين الفتنَ والمِحَنَ والشرورَ والحروبَ يا رب العالمين.
اللهم كُن لإخواننا في سُورية ناصرًا ومُعينًا، اللهم كُن لإخواننا في سُورية ناصرًا ومُعينًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا يا رب العالمين.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين، القتَلَة المُجرمين، اللهم زلزِلِ الأرضَ من تحت أقدامهم، اللهم زلزِلِ الأرضَ من تحت أقدامهم، اللهم دُكَّ عروشَهم، اللهم دُكَّ عروشَهم، وفُلَّ جيوشَهم، وزلزِلِ الأرض من تحت أقدامهم، وألقِ الرُّعبَ في قلوبهم، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم قاتلِ الكفَرَة الذين يصُدُّون عن سبيلك، ويُعادُون أولياءَك، واجعل عليهم عذابَك ورِجزَك إلهَ الحق يا رب العالمين.
اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك. اللهم مُنَّ على المُسلمين جميعًا بتطهير المسجد الأقصَى، اللهم مُنَّ على المُسلمين جميعًا بتطهير المسجد الأقصَى من رِجسِ يهود يا رب العالمين.
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمِحَن، وسُوءَ الفتن ما ظهر منها وما بطَنَ عن بلدنا هذا خاصَّةً، وعن سائرِ بلاد المُسلمين عامَّةً يا رب العالمين. اللهم اجعل رِزقنَا رغدًا، اللهم اجعل رِزقنَا رغدًا، ولا تُشمِت بنا أحدًا، ولا تجعل لكافرٍ علينا يدًا. اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على مَن عادانا.
اللهم قِنا شرَّ أهل الفساد، اللهم قِنا شرَّ أهل الفساد، اللهم قِنا شرَّ الحُسّاد، اللهم قِنا شرَّ أهل الضغائنِ والأحقاد، اللهم ادفَع عنا أذاهم وكيدَهم يا رب العِباد.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُركم، واشكُروه على نِعَمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلمُ ما تصنَعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 04-16-2012, 10:43 PM   رقم المشاركة : 69
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

العقوبات الإلهية سنةٌ ماضِية
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 21/5/1433هـ بعنوان: "العقوبات الإلهية سنةٌ ماضِية"، والتي تحدَّث فيها عن العقوبات الإلهية التي أصابَت الأقوام السابقين، مُبيِّنًا أنه لا يسلَمُ من هذه العقوباتِ إلا من تمسَّك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فبتقوى الله تُستجلَبُ النِّعَم، وبالبُعد عنها تحِلُّ النِّقَم.
أيها المسلمون:
خلقَ الله العبادَ لعبادته وبيَّن لهم طريقَ الهداية من طريق الضلالة، قمن أطاعَه نالَ السعادة، ومن عصاه أعدَّ له عذابًا شديدًا؛ قال - عز وجل -: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ[الحجر: 49، 50].
والله - سبحانه - قويٌّ قديرٌ إذا نزلَ عذابُه لم يرُدَّه أحدٌ، ولهذا حذَّرَ العبادَ من نفسِهِ وغضبِهِ وعذابِهِ فقال: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ[آل عمران: 28].
والعقوبةُ الإلهية سنةٌ من سنن الله التي لا تتغيَّر ولا تتبدَّل؛ قال - عز وجل -: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ[آل عمران: 137].
وكانت الأممُ السالفةُ تُعذَّبُ باستِئصالِها جميعًا؛ كقومِ نوحٍ وعادٍ وثمود، قال - جلَّ شأنه -: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الأنعام: 45].
ولما بعثَ الله موسى - عليه السلام - رفعَ الله برحمته عذابَ إهلاك الأمةِ جميعًا؛ قال - جلَّ شأنه -: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى[القصص: 43].
قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -: "وكان قبل نزول التوراة يُهلِكُ اللهُ المُكذِّبين للرسل بعذابِ الاستِئصال عذابًا عاجِلًا، يُهلِكُ اللهُ به جميعَ المُكذِّبين".
ونبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - سألَ ربَّه ألا يُهلِكَ أمَّتَه جميعًا؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «سألتُ ربي ألا يُهلِكَ أمَّتي بالسَّنَةِ - أي: بالجُوعِ –، فأعطانيها، وسألتُه ألا يُهلِكَ أمَّتي بالغرق، فأعطانيها، وسألتُه ألا يجعلَ بأسَهم بينهم، فمنعنيها»؛ رواه مسلم.
وعذابُ كلِّ أمةٍ يتفاوتُ بتفاوُت ذنوبهم، وأولُ عذابٍ أنزلَه الله في الأرض هو الغرقُ؛ قال - جلَّ شأنه - عن قومِ نوحٍ: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا[نوح: 25]، وأغرقَ فرعونَ وجنودَه به، فقال: فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ[الأعراف: 136]، ومملكة سبأٍ أهلكَها الله بالماءِ، فقال تعالى: فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ[سبأ: 16]، وهدَّدَ الآمنين من مكره بالغرق، فقال: أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ[الإسراء: 69].
وأرسلَ على قوم عادٍ ريحًا عاتِيةً، وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ[الحاقة: 6]، وكان - عليه الصلاة والسلام - إذا رأى غَيْمًا أو رِيحًا خشِيَ منها، قالت عائشة - رضي الله عنها -: يا رسول الله! الناسُ إذا رأوا الغَيْمَ فرِحوا رجاءَ أن يكونَ فيه المطرُ، وأراك إذا رأيتَه عُرِفَت في وجهِك الكراهية؟ فقال: «يا عائشة! ما يُؤمِّنُني أن يكونَ فيه عذابٌ، قد عُذِّبَ قومٌ بالريح، وقد رأى قومٌ العذابَ فقالوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا[الأحقاف: 24]»؛ متفق عليه.
وأخذَت قومَ صالحٍ صيحةٌ قطَّعَت قلوبَهم: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ[القمر: 31].
وتوعَّد اللهُ المُشركين بمثلِ هذا العذابِ، فقال: وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ[ص: 15].
ولما كفرَ قومُ لُوطٍ وارتكَبُوا المُوبِقَاتِ أرسلَ الله عليهم حِجارةً وقلبَ دِيارَهم، فقال - سبحانه -: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ[هود: 82].
وهمَّ أصحابُ الفيل بهدمِ الكعبة ونقضِ حجارتِهِ فنزلَت عليهم حجارةٌ من السماء: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ[الفيل: 3، 4].
وقارون علَا وظَلَم فأهانَه في سافلِ الأرض، قال - سبحانه -: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ[القصص: 81]، وحذَّر العُصاة من هذا العذابِ، فقال: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ[النحل: 45]، «وبينما رجلٌ يمشِي في حُلَّةٍ تُعجِبُه نفسُه مُرجِّلٌ جُمَّتُه؛ إذ خسَفَ الله به فهو يتجلجلُ به إلى يوم القيامة»؛ متفق عليه.
ومن لم يشكُر نعمةَ الأمن والرخاء سلَبَه إياهما: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[النحل: 112].
وعذَّبَ بني إسرائيل بتسليطِ الأعداء عليهم إلى يوم الدين، قال - سبحانه -: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ[الأعراف: 167]، وأصابهم الذلُّ والهوان بما اقترفُوا من خَطايا، قال - سبحانه -: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا[آل عمران: 112].
وعذَّبَ الله أقوامًا بمَسْخِ صُورهم إلى غير صُورة البشرة؛ فأصحابُ السبتِ احتالُوا على ما حرَّمَ الله فمسَخَهم قِردةً، قال - سبحانه -: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ[البقرة: 65]، ومسخَ من بني إسرائيل قِرَدةً وخنازيرَ، كما قال - سبحانه -: وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ[المائدة: 60].
وسيقعُ في هذه الأمةِ مِثلُ ذلك، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليَكُونَنَّ من أمَّتِي أقوامٌ يستحِلُّونَ الحِرَ - أي: الزنا -، والحريرَ، والخمرَ، والمعازِفَ، ولينزِلَنَّ أقوامٌ إلى جنبِ علَمٍ - أي: جبَلٍ - يرُوحُ عليهم بسارحَةٍ لهم - أي: لهم غنَمٌ يأتيهم؛ يعني: الفقيرُ لحاجةٍ - فيقولون: ارجِع إلينا غدًا، فيُبيِّتُهم الله ويضعُ العلَمَ - أي: يدُكُّ الجبلَ - ويمسَخُ آخرين قِردةً وخنازيرَ إلى يوم القيامة»؛ رواه البخاري.
و«غضِبَ الله على سِبطٍ من أسباطِ بني إسرائيل فمسخَهم دوابَّ يدُبُّون في الأرض»؛ رواه مسلم.
وأرسلَ على بني إسرائيل الطوفان والجرادَ والقُمَّلَ والضفادِعَ والدمَ، وأحلَّ العداوةَ والبغضاءَ بين اليهود، فلا تجتمِعُ قلوبُهم أبدًا، قال - سبحانه -: وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ[المائدة: 64].
والطاعونُ من عذابِ الله، قال - عليه الصلاة والسلام -: «الطاعُون رِجسٌ أُرسِلَ على طائفةٍ من بني إسرائيل، أو على من كان قبلَكم»؛ رواه البخاري.
ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قُريشٍ إدبارًا في أول دعوته وآذَوه، فدعَا عليهم وقال: «اللهم سبعٌ كسبعِ يُوسُف - أي: دعا عليهم بالجُوع -، فأخَذَتهم سنةٌ حصَّت كلَّ شيءٍ، حتى أكَلوا الجُلُودَ والميتةَ والجِيَف»؛ رواه البخاري.
وأرسل اللهم ملَكَ الجبال للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له: «إن شئتَ أن أُطبِقَ عليهم - أي: على قُريشٍ - الأخشبَيْن، وهما جبَلَان عظيمان في مكة»؛ متفق عليه.
ولحِقَ سُراقةُ بنُ مالكٍ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكرٍ - رضي الله عنه - وهما في طريقِ الهِجرة ليُعلِمَ قُريشًا عنهما، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهم اصْرَعه». فصرَعَه الفرسُ، ثم قامَت تُحَمحِمُ - أي: قامَت الفرسُ تُخرِجُ صوتًا -؛ رواه البخاري.
وعصَى رجلٌ أمرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فشُلَّت يدُه من ساعته، كان الرجلُ يأكلُ بشِماله، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كُل بيمِينك». قال: لا أستطيعُ. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا استَطَعْتَ، ما منعَه إلا الكِبْرُ». قال الراوي: فما رفعها إلى فيه؛ رواه مسلم.
ودخلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - على أعرابيٍّ مريضٍ، فقال له: «لا بأسَ؛ طهورٌ إن شاءَ الله» - أي: أن المرضَ يُكفِّرُ الخَطَايا -. فقال الأعرابيُّ - مُتسخِّطًا على قدرِ الله -: قلتَ: طهورٌ، كلا بل هي حُمَّى تفُور أو تثُور، على شيخٍ كبيرٍ، تُزيرُه القبور. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فنَعم إذًا»؛ أي: سيكونُ كما ظننتَ أنها ستُميتُك؛ رواه البخاري. وعند الطبراني: فأصبحَ الرجلُ ميِّتًا.
وأسلمَ رجلٌ نصرانيٌّ فكان يكتبُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - كُتبَه، فارتدَّ فأماتَه الله، فدفنُوه فلفَظَته الأرضُ، فحفَروا له ثانيةً فأعمَقُوا فلفَظَته الأرض، فعلوا ذلك ثلاث مراتٍ والأرض تلفظُه فترَكوه؛ رواه البخاري.
ولما قرأَ كِسرى كتابَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مزَّقَه فمزَّقَ الله مُلكَه. قال الزهريُّ - رحمه الله -: "فحسِبتُ أن ابن المُسيَّب قال: فدعا عليهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُمزَّقَ كلَّ مُمزَّق"؛ رواه البخاري.
وما أبغضَ أحدٌ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وتطاوَلَ عليه إلا بترَهُ الله بقَطْعِ ذِكرِه ونَسْلِه: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ[الكوثر: 3].
ومن نالَ من الصحابةِ - رضي الله عنهم - شيئًا فإن الله ينتقِمُ منه؛ قال القاضي أبو الطيبِ - رحمه الله -: "كنا في مجلسِ النظرِ بجامعِ المنصورِ، فقال شابٌّ: أبو هريرة غيرُ مقبول الحديثِ، فما استتمَّ كلامَه حتى سقَطَت عليه حيَّةٌ عظيمةٌ من سقفِ الجامعِ، فوفدَ الناسُ من أجلها - أي: جلَسُوا فزِعين -، وهربَ الشابُّ منها وهي تتبَعُه، فقيل له: تُب. فقال: تُبتُ، فغابَت الحيَّةُ فلم يُرَ لها أثرٌ".
وقد يُعاقَبُ المرءُ بقطعِ رِزقِه: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا[النساء: 160].
وأعظمُ عقوبةٍ في الدنيا: العقوبةُ في الدين؛ فمن صدَّ عن دين الله أعرضَ الله عنه، قال - سبحانه -: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ[الصف: 5]، ومن نقضَ ميثاقَ ربِّه وأشركَ مع الله غيرَه عُوقِبَ بقَسوَةِ القلبِ، قال - سبحانه -:فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً[المائدة: 13]، ومن دعا غيرَ الله نُزِعَت من قلبه محبةُ الله وأحبَّ ما سِواه، قال - سبحانه -: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ[البقرة: 93].
ومن تعلَّق تميمةً تخلَّى الله عنه ووكلَهُ إلى ما علَّق، قال - عليه الصلاة والسلام -: «من تعلَّقَ شيئًا وُكِلَ إليه»؛ رواه الترمذي.
وقد يُعاقَبُ المرءُ في دينه بحُبُوطِ عمله؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «قال رجلٌ: واللهِ لا يغفرُ الله لفُلان، فقال الله - عز وجل -: من الذي يتألَّى عليَّ ألا أغفِرَ لفُلان، فإني قد غفرتُ له وأحبطتُ عملَكَ»؛ رواه مسلم.
وبعد، أيها المسلمون:
فعذابُ الله شديدٌ، وعِقابُه سريعٌ، وأخذُهُ أليم، ووعدُه حقٌّ، وبيده مقاليدُ السماوات والأرض، ولا يُعجِزُه شيءٌ، وما يعلمُ جنودَه إلا هو، وأمرُه كلمحِ البصرِ، وإذا عصَى العبدُ ربَّه هانَ عليه، ويستدرِجُه من حيث لا يعلمُ، وهو - سبحانه - لا يخفَى عليه شيءٌ من أعمال خلقِه؛ فمن عمِلَ صالحًا شُكِر، ومن أساءَ عُوقِبَ، والعاقلُ لا يستهينُ بمعاصِي الله فلا يعلمُ أيُّها تُهلِكُه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور: 63].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
قصَّ الله علينا قصصَ من قبلَنا للعِظَة والعِبرَة، وهو بحكمتِهِ وعدله يُظهِرُ للناسِ أعمالَهم في قوالِب وصُورٍ تُناسِبُها؛ فتارةً بقحطٍ وجَدبٍ، وتارةً بعدوٍّ، وتارةً بأمراضٍ عامَّة، وتارةً بهُمومٍ وآلامٍ وغمومٍ، وتارةً بمنعِ بركاتٍ من السماء والأرض وقطع الرِّزق، ومن تابَ رفعَ عنه عذابَه، ومن أنابَ إليه أعلى درجَتَه.
والعقوباتُ سببُها العبدُ نفسُه، قال - سبحانه -: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[الشورى: 30].
وإذا تأخَّرَ العذابُ قد يكونُ استِدراجًا أو إمهالًا؛ قال - جلَّ شأنه -: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ[الأعراف: 182].
قال القرطبي - رحمه الله -: "تأخيرُ العذابِ ليس للرِّضا بأفعالهم؛ بل سُنَّةُ الله إمهالُ العُصاة مُدَّة".
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُود وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا أو أرادَ المُسلمين بسُوءٍ فأشغله في نفسه، واجعل كيدَه في نحره.
اللهم انصُر المُستضعفين من المُسلمين في الشام، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا.
اللهم عليك بمن آذاهم، اللهم زلزِل الأرضَ من تحت أقدامهم، واجعل كيدَهم في نُحورهم، وألقِ الرُّعبَ في قلوبِهم.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم رُدَّهم إليك ردًّا جميلاً، ووحِّد كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحنُ الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23].
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 04-23-2012, 06:58 PM   رقم المشاركة : 70
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

أهمية الإحسان
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 28|5|1433هـ بعنوان: "أهمية الإحسان"، والتي تحدَّث فيها عن الإحسان، وذكرَ العديد من صُوره؛ مثل: الإحسان إلى الله بعبادته ومُراقبته، وإلى الخلق بإعطائهم حقوقهم وعدم ظُلمِهم، وعرَّج على ذكرِ الحُكَّام والولاة وضرورةِ عدلِهم وإحسانِهم إلى رعيَّتهم، وحلَّى خُطبتَه بذكرِ نفائسِ الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته والتابعين.

الخطبة الأولى
الحمد لله عظيم الشان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المُتفضِّل بالعطاء والإحسان، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه سيدُ ولد عدنان، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ أهل التقوى والإيمان.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
أيها المُسلمون:
من القواعد الكُبرى لدين الإسلام: الأمرُ بالإحسان بشتَّى صُوره ومُختلَف أشكاله، في جميع الحالات، وكافَّة التصرُّفات، يقول - جل وعلا -: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى[النحل: 90].
فأهلُ الإحسانِ همُ الفائِزون بمحبَّة الله - جل وعلا -، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[البقرة: 195].
أصحابُ الإحسان هم السُّعداءُ بمعيَّة الله ورعايتِه ولُطفِهِ ورحمته، قال - جل وعلا -: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[النحل: 128].
وبالجُملة فهم في الدَّارَين مُتنعِّمون، وبرِضا ربِّهم فائِزون، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ[الذاريات: 15، 16].
إخوة الإسلام:
للإحسانِ مفهومٌ خاصٌّ يشملُ الإحسانَ الذي هو أفضلُ منازلِ العبودية بتنقيةِ المقاصِدِ من شوائبِ الحُظوظ، وذلك بالإخلاصِ الكاملِ لله - جل وعلا -، توجُّهًا وإرادةً ومقصِدًا، ويكونُ بالعمل الصالحِ المبنيِّ على السُّنَّةِ المُحمَّديَّة اعتقادًا وعملًا.
في الحديث الصحيح: «الإحسان: أن تعبُدَ اللهَ كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراهُ فإنه يراكَ».
معاشِرَ المُسلمين:
والإحسانُ له مفهومٌ عامٌّ يعني الإنعامَ على الغير، والإحسانَ في الأفعال كلِّها بالإتقانِ والإكمال من أعمال الدين أو الدنيا. الإحسان: مُعاملةُ الخلق بالحُسنى في جميع الأقوال والأفعال إلا ما حُرِّم الإحسانُ إليه بحُكم الشرع.
إخوة الإسلام:الإحسانُ في نُصوص الوحيَيْن يُشكِّلُ جوهرَ العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، فدائرتُه تشملُ النفسَ والرعيَّةَ والأُسرةَ والأقارِبَ، ثم المُجتمعَ والإنسانيَّةَ عامَّةً.
في "الصحيحين": «أن امرأةً بغِيًّا - أي: زانِية - رأَت كلبًا يلهَثُ من العَطَشِ يأكلُ الثَّرَى، فنزَعَت خُفَّها وأدلَتْه في بئرٍ فنزَعَت من الماء ثم سقَت ذلك الكلبَ، فغفَرَ اللهُ لها».
ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله كتبَ الإحسانَ على كل شيءٍ، فإذا قتلتُم بأحسِنوا القِتلَة، وإذا ذبَحتُم فأحسِنوا الذِّبحَة»؛ رواه مسلم.
بل إن الإحسانَ في دائرته الواسِعة الرَّحْبَة يشملُ المُخالفين في العقيدة، وذلك بالعفو والصفحِ عمَّا يصدُرُ منهم؛ قال - جل وعلا -: وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[المائدة: 13].
معاشر المسلمين:
الإحسانُ في الإسلام يشملُ دائرةَ الحياة كلها، وما فيها من نباتٍ أو حيوانٍ أو جمادٍ، وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ[الأعراف: 56].
روى المُنذريُّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قتَلَ عُصفورًا عبَثًا عجَّ إلى الله يوم القيامة يقول: يا ربِّ! إن هذا قتَلَني عبَثًا ولم يقتُلني منفعةً».
أيها المسلمون:
من الإحسان الواجِبِ: مُعاشَرةُ المُسلمين بالحُسنى، ومُعاملتُهم المُعاملةَ الفُضلَى، خاصَّةً الوالدَيْن والأولادَ والزوجَيْن والأقارِب، يقول - جل وعلا -: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا[البقرة: 83].
وفي الحديثِ: عن عليٍّ - رضي الله عنه - أنه قال: قال لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أُخبِرُك بأكرمِ أخلاقِ الدُّنْيا والآخرة: أن تصِل من قطَعَك، وتُعطِي من حرَمَك». وذلك هو الإحسانُ.
من الإحسانِ - أيها المسلم -: العفو عن الحقوق الواجبةِ للإنسان عند غيره، والتنازُل عنها لوجهِ الله - جل وعلا -؛ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[آل عمران: 134].
ومن أعظم الإحسان: بَذلُ المعروفِ بشتَّى صُوره للخلقِ؛ قال - صلى الله عليه وسلم - مُعلِّمُ البشريَّةِ الإحسانَ والرحمةَ -: «كلُّ معروفٍ صدَقَةٌ»؛ متفق عليه.

معاشِرَ المُسلمين:
الإحسانُ معنًى جميلٌ، مطلوبٌ حتى في مجالات اللقاءات والمُحاورات، ويتأكَّدُ ذلك حالَ الخُصومات والمُنازَعات؛ الله - جل وعلا - يقول: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ[الإسراء: 53]، ويقول - جل وعلا -: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[فصلت: 34].
الإحسانُ مطلوبٌ في التحاوُر بين المُسلِم وأهلِ الكتابِ لتَصِلَ المُجادَلَةُ إلى الثَّمرةِ اليانِعَة والمقاصِد المُبتغَاة؛ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[العنكبوت: 46].
إخوة الإسلام:
والتجَّار ما أحوَجَهم إلى أن يأخُذوا أنفُسهم بمسْلَكِ الإحسان والرحمة؛ بأن يتَّقوا اللهَ - جل وعلا - في المُسلمين، فلا يُقدِموا على الاستِغلال الذي انتشرَ في هذه الأزمان، ولا على الاحتِكار والمُبالَغَة في الأسعار؛ بل الواجِبُ أن يتذكَّروا أن ربًّا عظيمًا يُراقِبُ نيَّاتهم وأقوالَهم وأفعالَهم؛ فعليهم أن يتذكَّروا أن المُسلمين إخوةٌ، وأن المؤمنَ يحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه، فعليهم أن يُحسِنوا إلى الناسِ، فيربَحوا رِبحًا معقولًا يُبارَك لهم فيه، ويحمَدوا العاقبةَ دُنيا وأُخرى؛ قال - جل وعلا -: وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ[القصص: 77].
إن ما حصلَ في بعض بُلدان المُسلمين من أسبابِه العُظمَى: انتشارُ الفقر بسببِ استِغلال التجَّار لحاجة الضُّعفَاء، وحينئذٍ خسِرَ الجميعُ الأمنَ والأمانَ.
نسألُ اللهَ - جل وعلا - أن يمُنَّ على المسلمين بالأمن والأمان.


أيها الفُضلاء:
من الإحسان الواجِبِ أن كلَّ راعٍ - من حاكمٍ، أو وزيرٍ، أو غيرِه - يجبُ عليه أن يقُودَ الرَّعِيَّةَ وَفقَ قاعدة العدلِ والإحسانِ، فيكونُ بهم رحيمًا رفيقًا، للصغير أبًا، وللكبير ابنًا، وللمِثلِ أخًا، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[الشعراء: 215].
قال عُثمان - رضي الله عنه - في وثيقةٍ يجبُ على كل مسؤولٍ أن يجعلَها نُصبَ عينَيْه، قال: "صحِبنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في السَّفَر والحَضَر، كان يعودُ مرضانا، ويتَّبِعُ جنائِزَنا، ويغزُو معنا، ويُواسِينا بالقليل والكثير"؛ رواه أحمد بإسنادٍ صحيحٍ.
بل إنه - عليه الصلاة والسلام - كان يُؤثِرُهم على نفسِه.
إنه الإحسانُ - أيها الراعي - الذي قال عنه عمرُ الفاروقُ - رضي الله عنه - وهو مضرِبُ المثَل الأعلى في العدل والإحسان بالرَّعِيَّة -: "لئن سلَّمَنِيَ اللهُ لأدَعَنَّ أرامِلَ أهلِ العراقِ لا يحتَجْنَ إلى رجُلٍ بعدي أبدًا"؛ رواه البخاري.
وصدَقَ، فهو الذي يدخلُ على عجوزٍ من عجائزِ المدينة، يحمِلُ عنها الكلَّ، ويُوصِلُ إليها الماءَ، وهي لا تعرِفُ من هذا الرجل.
إنه الإحسانُ الذي يحدُوهُ إلى الشَّفَقَة بالرَّعِيَّةِ، ومُراعاة مصالِحِهم، ودفعِ كل ما يشُقُّ عليهم.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في بيتِي - وكأنه - عليه الصلاة والسلام - وهو الذي يُوحَى إليه علِمَ بعلمِ الله له ما سيحصُلُ في زمانِنا هذا -، فقال: «اللهم من ولِيَ من أمر أُمَّتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقُق عليه، ومن ولِيَ من أمر أمَّتي شيئًا فرَفَقَ بهم فارفُق به»؛ رواه مسلم.
فأين أنتم يا دُعاة الديمقراطية، وأين أنتم يا دُعاة حقوق الإنسان من هذا المثَلِ العظيمِ الذي ضرَبَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لكل والٍ ولكل راعٍ؟!
إنه الإحسانُ الذي يجعلُ المسؤولَ من حاكمٍ ووزيرٍ ومن دونَهم يجتهِدُ وينصَحُ لمن تحت رِعايتِهِ وولايتِهِ؛ يقول معقِلُ بن يسارٍ قال: قال سمِعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من عبدٍ يسترعِيه اللهُ رعِيَّةً يموتُ يوم يموتُ وهو غاشٌّ لرعِيَّته إلا حرَّمَ الله عليه الجنةَ»؛ متفق عليه. وفي روايةٍ: «فلم يُحِطها بنُصحِهِ لم يجِد رائِحَةَ الجنةِ».
أوَتظنُّ - أيها المسؤول - أن ما تعيشُ فيه من غَمرة الشهوةِ - شهوةِ المسؤولية، وشهوةِ المنصِبِ - أن اللهَ - جل وعلا - تارِكُك؟! بل سيُحاسِبُك حسابًا دقيقًا؛ فأعِدَّ للسؤال جوابًا صوابًا.
إن الإحسانَ المطلوبَ من الراعي: أن يسلَمَ من العُنفِ على الرَّعِيَّةِ، وأن يسلَمَ من القسوة بهم؛ عن عائذِ بن عمروٍ - رضي الله عنه - أنه دخلَ على عُبيد الله بن زِياد، فقال: أيْ بُنيَّ! إني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن شرَّ الرِّعاءِ الحُطَمة»، فإيَّاك أن تكون منهم؛ متفق عليه.
والحُطَمة: العُنفُ في رِعايةِ الإبِلِ.
مثَلٌ ضربَه - صلى الله عليه وسلم - لوالي السُّوءِ القاسِي الذي يظلِمُ رعِيَّتَه ولا يرَقُّ لهم ولا يرحَمُهم، فكيف إذا قسَى بهم بل أدَّى فعلُهُ إلى إزهاقِ أنفُسهم وأموالهم وهَتك أعراضِهم؟!
فالويلُ ثم الويلُ لمن توعَّدَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.
إنه الإحسانُ - أيُّها الراعي - الذي يجعلُ كلَّ راعٍ يحرِصُ على حاجةِ المُحتاجين، وعلى تحقيق منافعِ المُسلمين؛ عن أبي مريم الأَزديِّ - رضي الله عنه - قال لمُعاوية - وهو الوالي ذلك الوقت -: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من ولَّاه اللهُ شيئًا من أمور المُسلمين فاحتَجَبَ دونَ حاجتهم وخلَّتهم وفقرِهم احتَجَبَ اللهُ دونَ حاجتِهِ وخلَّتِهِ وفقرِهِ يوم القيامة». فاستجابَ مُعاويةُ - وهو من هو في الفضلِ والخيرِ -، استجَابَ لهذا القول على حوائجِ المُسلمين يسمعُ لهم ويقومُ بحاجتهم.
فاتَّقِ الله - أيها المسلم -، التزِم بأوامر الله، وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ[إبراهيم: 42].
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:39 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir