يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-11-2011, 03:24 AM   رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

معنى قوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة 11/10/1432هـ بعنوان: "معنى قوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً"، والتي تحدَّث فيها عن الدين الإسلامي ومعناه ومزاياه، وأهمية الإيمان بالله وأسمائه وصفاته واليوم الآخر ومدى تأثير ذلك على القلوب، ثم حذَّر من سلوك سبيل الأمة المغضوب عليها لئلا يحدث ما حدث لهم.

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المسلمون:
فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله في السرِّ والعلانية؛ فهي العُدَّة، وهي مهبَطُ الفضائل ومُتنزَّلُ المحامد، وهي مبعثُ القوة ومِعراجُ السمُوّ، والرابطُ الوثيقُ على القلوب عند الفتن، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
عباد الله:
في لفحِ هجير الحياة وعند متاهات الدروب وفقد الاتجاه، فإن الساري بحاجةٍ إلى ضوءٍ يُؤوِيه، وماءٍ يسقيه، ومنارٍ يُرشِدُه ويهديه، ذلكم - أيها المسلمون -: هو الوحيُ الخالد، والنورُ التالِد، والذي قال فيه ربُّنا: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ[الإسراء: 9]؛ أي: للتي هي أحسنُ وأكملُ وأجملُ وأفضلُ؛ فمن أراد الهُدى فليلزَم كتابَ الله، وليتدبَّر عِظاته، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ[ص: 29].
أيها المسلمون:
ومن جميل الهدايات، وعظيم الآيات: ما خاطَبَكم به ربُّكم في كتابه العزيز بقوله - سبحانه -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[البقرة: 208].
قال ابن كثيرٍ - رحمه الله - في "تفسيره": "أمرَ اللهُ عبادَه المؤمنين المُصدِّقين برسوله أن يأخذوا بجميع عُرى الإسلام وشرائعِه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجِره. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ: يعني: الإسلام، وقوله: كَافَّةً: أي: اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البرِّ".
هذا هو التفسيرُ الذي نقلَه ابن كثيرٍ والقرطبيُّ وغيرُهما - رحمهما الله - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
عباد الله:
هذه الدعوةُ الكريمةُ من الله تعالى للمؤمنين تُشِيرُ إلى حاجة النفوس إلى التذكير والتأكيد أن تلتزِمَ بجميع شرائع الإسلام، ومع وجود أصل الإيمان في المجتمع المسلم إلا أنه قد يوجد من يحتاجُ لهذه الدعوة ليتجرَّد ويستسلِم لله، وتتوافقَ خطَرَاتُهم واتجاهاتُهم، مع ما يُريدُه الله منهم وما يقودُهم إليه نبيُّهم من غير تردُّدٍ ولا تفلُّت، وهذا هو معنى الإسلام؛ الاستسلام لله والانقيادُ له بالطاعة.
وحين يستجيبُ المسلمُ لهذا النداء فإنه يدخلُ عالمَ السعادة، والسلمِ والسلام، والثقةِ والاطمئنان، والرِّضا والاستقرار، فلا حيرةَ ولا قلق، ولا نزاعَ ولا ضلال.


أيها المسلمون:
وأولُ ما يُفيضُ السلامُ على القلب من صحةِ توحيده لله وإيمانه به ويقينه عليه وإفراده بالعبادة ومعرفة أسمائه وصفاته، يعلمُ أن اللهَ إلهٌ واحدٌ يتَّجِهُ إليه بكلِّيَّته، وجهةٌ واحدةٌ يستقرُّ عليها قلبُه، فلا تتفرَّقُ به السُّبُل، وتلتبِسُ به الأهواء، وتتكاثرُ عليه الآلهة، فيعبُدُ ربًّا ونبيًّا، أو يدعو كلَّ يومٍ وليًّا، فكأنَّ كلَّ مشهدٍ كعبة، وكل ضريحٍ ربٌّ يُدعَى. فهل هذا من الإسلام؟!
إن المؤمنَ بإسلامه لله وحده يعيشُ عقيدةً صافية، وفكرًا نقيًّا، وحياةً مُستقرَّة، ويعلم من صفات الله ما تطمئنُّ به نفسُه، ويسكُنُ به قلبُه، فالله تعالى هو القويُّ القادر، والعزيزُ القاهِر، والوليُّ الناصِر.
فإذا التجأَ إليه المؤمنُ فقد التجأَ إلى القوة الحقيقية في هذا العالَم، وقد أمِنَ من كل خوفٍ واطمأنَّ بالله واستراحَ، ويعلمُ أن الله يُجيبُ المُضطرَّ إذا دعاه، ويكشِفُ السوءَ، ويُفرِّجُ الكُرُبات، ويشفِي الأسقام، ويُذهِبُ الآلامَ والأحزان؛ فالمؤمنُ في كنَفِ الله آمنٌ وادِع، يتقلَّبُ في الطمأنينة والرضا، يُفيضُ الإيمانُ بالأسماء والصفات على قلبه بردًا وسلامًا.
والإيمانُ باليوم الآخر يجلِبُ الطمأنينةَ والسلام، وينفِي القلقَ والإحباطَ، أو الإحساسَ باليأس، إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[يوسف: 87]، ذلك أن لجميع العالمين يومًا يجتمعون فيه، كلُّ العالمين، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا[مريم: 93 - 95]، وهنالك الحساب، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ[الزلزلة: 7، 8].
ومن كمال عدل الله أن يُثيبَ المُحسنين، ويُحاسِبَ المُسيئين، ويقتصَّ للمظلوم، وإذا علِمَ المسلمُ أن الدنيا ليست النهاية، وأن لا شيء يضيعُ، فعند ذلك يصبِرُ ويحتسِب، ويعملُ ويجتهِد، حتى ولو لم يلقَ من الناس شُكرًا، فإن الله لا يُضيعُ أجرَ من أحسنَ عملاً.
أيها المسلمون:
والإيمانُ بالآخرة أيضًا حاجزٌ دون الصراع المحموم بين البشر على حُطام الدنيا ومتاعها، هذا التنافُس الذي تُنسَى فيه القِيَم، وتُنتهَكُ الحُرمات، في لهاثٍ خلف الشهوات والرغَبات، إن الإيمان بالحساب والجزاء يُلبِسُ المؤمنَ رداءَ التجمُّل في هذا السِّباق، ويُوقِفُه عند الأدب والحياء، والحدود والحقوق. فما أجملَ الطمأنينةَ والسلمَ في هذا الإسلام!
عباد الله:
ودخول المؤمن في السلمِ كافة دخوله في كل شرائع الإسلام، كما قال ابن عباس - رضي الله عنهما -، والتزامُه بها، ويربِطُه بالحقيقة التي من أجلها خُلِق الناس، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 56].
والعبادةُ ليست مجرد فرضٍ يُؤدَّى في المسجد فحسب؛ بل إنها منهجُ حياة، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ[الأنعام: 162، 163]، عبادةٌ بأداء الواجبات، واجتناب المنهيات، عبادةٌ في كسبك وإنفاقك، وفي عملك ونشاطك؛ فاتق اللهَ في كل تصرُّفاتك وتعامُلاتك، لا تُقصِّر في واجبٍ، ولا تتقحَّم في مُحرَّم.
أيها المسلمون:
والتكاليفُ التي يفرِضُها الإسلام كلها من الفِطرة، ولا تتجاوزُ طاقةَ الإنسان، ولا تتجاهلُ طبيعتَه، وهي يُسرٌ وسماحة، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[الحج: 78]، إن أحكام الله تعالى وشريعتَه وحدوده ومحارمَه جاءت منظومةً مُتكاملة لتحفَظَ الضرورات الخمس، ولتُحيطَ الإنسان بضماناتٍ تُورِثُه الطمأنينةَ والسلام، لقد جاء الإسلامُ بكل ما يحفظُ الدين والنفسَ والعقلَ والعِرضَ والمالَ.
وأيضًا ما يحفظُ ترابُط المجتمع وتماسُكه، وشرعَ ما يُؤدِّي إلى التكافُل والتعاوُن، ودعا لإطعام الطعام، وإفشاء السلام، وأذابَ الحواجز الأرضية ليجمعَ الناسَ على آصِرة العقيدة وأُخُوَّة الإيمان، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[الحجرات: 10].
وفي آداب هذا المجتمع: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ[الحجرات: 11].
وفي "الصحيحين" يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ، دمُه ومالُه وعِرضُه».
أرأيتُم كيف يكون الدخولُ في شرائع الإسلام كافَّة؟!
أيها المسلمون:
إن هذا النداء بالدخول في شرائع الإسلام كافَّة يصنَعُ مجتمعًا طاهرًا عفيفًا لا تشيعُ فيه الفاحشةُ، ولا تروجُ فيه الفتنة، ولا تتلفَّتُ فيه الأعينُ على العورات، ولا تطغَى فيه الشهوات، تحكمُه توجيهاتٌ ربانية، يسمعُ قولَ الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[النور: 19]، ويسمعُ التشديد والوعيدَ الشديد لمن يرمِي المؤمنات، ويقذِفُ العفيفات المُحصنات، إن بابَ الأعراض بابٌ مُحترم لا يجوزُ التهاوُن فيه ولا الترفُّق بلصوصه، وفي حكم القرآن على الزانِيَيْن: وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[النور: 2].
ولحماية هذا الباب وسدِّ مداخل الشيطان يقول الله - عزَّ وجل -: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ[النور: 30، 31].
ففي ظلِّ هذه التوجيهات يأمنُ الناسُ على حُرماتهم وأعراضهم، وتسلَمُ قلوبُهم، فلا تقعُ الأبصارُ على المفاتِن، ولا تقودُ العيونُ القلوبَ إلى المحارم، فإما خيانةٌ وفواحِش، وإما رغباتٌ مكبوتة، وأمراضُ نفوس، وفسادُ قلوب، بينما المجتمعُ المسلمُ العفيفُ آمِنٌ ساكِن، ترِفُّ عليه أهدابُ السِّلم والطُّهْر والأمان، وفي التوجيه الكريم أمرَ اللهُ بتزويج الشباب والفتيات، والأمرُ للوجوب.
عباد الله:
وهذا المجتمعُ المُستسلِمُ لله تُكفَلُ فيه الحرياتُ والكرامات، والأموالُ والحقوقُ والحُرمات بحكم التشريع بعد كفالتها بالتوجيه الربَّاني المُطاع؛ فلا يُراقُ دمٌ والقِصاصُ حاضر، ولا يضيعُ حقٌّ أو مالٌ والحُدودُ قائمة، ومن لم تزجُرهُ المواعِظ زجَرَته الحُدود.
هذه بعضُ معالم المجتمع المُطمئن المُستسلِم لله، وبعضُ معاني السلم الذي دعَت الآيةُ إلى الدخول فيه كافة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[البقرة: 208].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية


الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا[الكهف: 1، 2]، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن الله تعالى لما دعانا للدخول في السلمِ كافةً حذَّرَنا من اتباع خطوات الشيطان؛ إذ ليس إلا طريقان: إما الدخول في السلم، وإما اتباع الشيطان، إما هُدًى، وإما ضلال، ليس للمسلم أن يخلِطَ أو يتخيَّر، والشيطانُ عدوٌّ مبين، فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[البقرة: 209] له القوةُ والغلَبَة، والقدرة والقهر، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور: 63].
ثم قال تعالى: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[البقرة: 211]، إنه أسلوبٌ من أساليب البيان في القرآن، فقد ضربَ الله مثلاً بالأمة المغضوب عليهم مُحذِّرًا ما صنعوا، أو نسلكَ ما سلَكوا من التبديل والتغيير، والتحايُل على الشريعة، والمُجادَلة فيها، وردِّ بعض أحكامها، مع وضوح الآيات والبراهين، وقد كانوا في نعمة ما جاء به الأنبياء، وما بدَّلَت البشريةُ هذه النعمةَ إلا بدَّلَ الله حالَها سَقامًا، وعاجَلَها بشِقوة الدنيا قبل نَكالِ الآخرة، ولك أن تقرأ في هذا التبديل ما يُعانيه العالمُ اليوم من القلق والحيرة، والنزاعات والحُروب، والقهر والتظالُم، ولهم في كتاب الله أسبابُ السعادة لو كانوا يعلمون.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الأئمة المهديين، والخلفاء المَرْضِيِّين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه تدميرًا عليه.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عمله في رضاك، وهيِّئ له البِطانة الصالحة، اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين، وارفع به لواءَ الدين، اللهم جازِه بالخيرات والحسنات على خدمة الحرمين الشريفين، وبارِك جُهدَه وعزمَه على توسِعة المَطاف وتهيِئته للطائفين، والتوسِعة والتيسير به على المسلمين، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه الخيرُ للعباد والبلاد، واسلُك بهم سبيل الرشاد.
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بَطَن.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمعهم على الحق والهدى، اللهم احقِن دماءهم، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خُلَّتهم، وأطعِم جائعَهم.
اللهم انصر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكان، واجمعهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم، إنك سميع الدعاء.
ربَّنا تقبَّل منا صيامَنا وقيامَنا ودعاءَنا وصالحَ أعمالنا، إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سبحان ربِّك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-18-2011, 12:15 AM   رقم المشاركة : 32

 

موعظة وعبرة في الأحداث
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 18/10/1432هـ بعنوان: "موعظة وعبرة في الأحداث"، والتي ذكَّر فيها بالأحداث المُعاصِرة وما فيها من عبَرٍ وعِظاتٍ، ونبَّه على أهمية العمل الصالح، والاستعداد للموت.

الخطبة الأولى

الحمد لله، الحمد لله آوى من إلى لُطفه أوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له داوى بإنعامه من يئِسَ من أسقامه الدوا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله شهادةً نرجو بها الفوزَ والهُدى، والنجاةَ من الخيبة والرَّدَى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما انفَلَقَ صبحٌ ثم بدَا، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فقد فاز من اتقى، وخسِر من قادَه الهوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون:
الأيام دائرة، والمنايا حاضرة، وما الناسُ إلا ظاعنٌ أو مُودِّعٌ، ومُستلَبٌ مُستعجَلٌ أو مُؤجَّلُ، مواعِظُ قارعة، وحوادِثُ زاجِرة، ومصارِعُ مُوقِظَة، وخُطوبٌ مُنذِرة، وفتنٌ وتقلُّبات تُوجِبُ التفكُّر والتذكُّر والعِظَة والعِبرة؛ فأين أهلُ الاتِّعاظِ والادِّكار، والاعتبار والانزِجار؟!
أبدًا تُفهِّمُنا الخُطوبُ كُرورَها
ونعودُ في عمَهٍ كمن لا يفهمُ
تلقَى مسامِعَنا العظاةُ كأنما
في الظِّّلِّ يركُمُ وعظَه من يركُمُ
وكأن الموتَ على غيرنا كُتِب، وكأن الحق على غيرنا وجَب، نسينا واعِظَة الأيام، وغفَلنا عن حوادث الزمان؛ فيا عجبًا من مُضغة لحمٍ أقسى من الجبال، لا تلينُ مع كثرة العِظات، ولا تخشعُ مع ترادُف الآيات، ولا تزيدُها الحوادِثُ إلا نفورًا ودُبورًا وغرورًا.
لأعجبَنَّ وأنَّى ينقضِي عجبي
الناسُ في غفلةٍ والموتُ في سَنَنِ
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ[الأنبياء: 1- 3].
أيها المسلمون:
كم شاهَدنا من جُثثٍ في بِقاع القاع قد صُفَّت، وكم عاينَّا من مواعِم في مدارِج الأكفان قد لُفَّت، وكم أبصرنا من عرائس إلى الألحاد قد زُفَّت، فمال العيون ناظرةٌ ولا تُبصِر، ومال القلوب قاسيةٌ ولا تُفكِّر، ومال النفوس ناسيةٌ ولا تذكُر؟!
أغراها إنظارُها وإمهالُها، أم بشَّرها بالنجاة أعمالُها، أم لم يتحقَّق عندها من الدنيا زوالُها، أم شمَلَت الغفلةُ فاستحكَمَ على القلوب أقفالُها؟!
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ[الحديد: 16].
إذا كنتَ قد أيقنتَ بالموتِ والفنا
وبالبعثِ عما بعدَه كيف تغفُلُ؟!
إذا أنتَ لم ترحَل بزادٍ من التُّقَى
أبِن لي أبي يوم الجزاء كيف تفعلُ؟!

تذكَّر وفكِّر بالذي أنت صائرٌ
إليه غدًا إن كنتَ ممن يُفكِّرُ
فلا بُدَّ يومًا أن تصيرَ لحُفرةٍ
بأثنائها تُطوَى إلى يوم تُنشَرُ
يا من طويتَ في طلب الخوادِعِ أدهُرا
يا من أبيتَ أن تُفيقَ وتذكُرا
يا من فسحَ لنفسه المُدَّة، ومدَّ لها المُهلَة؛ أقصِر فالأمر ليس إليك، وعلَمُ الموت بين يديك.
أنسيتَ أننا بشر، يلُفُّ ناقَ درّ، ونحن في سفَر، نمضي إلى حُفَر.
الموتُ يشملُنا، والحشرُ يجمعُنا، فحتَّى ما لا ترعوِي وتنتهي، حتى ما سمعُك لا يعِي لمُذكِّرٍ، وصميمُ قلبك لا يلينُ لعاذِلِ.
ألم يأنِ أن تخشَع وأين التهجُّدُ؟ أفي سنةٍ كنا أم القلبُ جلمَدُ؟ تيقَّظ أخي واحذر وإياكَ ترقُدُ، أترقدُ يا مغرور والنارُ تُوقَدُ، فلا حرُّها يُطفَى ولا الجمرُ يخمُدُ.
فطُوبَى لمن قبِلَ النَّذارَة، ونفعَتْه التذكِرة، وأيقَظَته العِظَة، فجدَّ ولم يغفُل، وشمَّرَ ولم يغتَرّ، وبادَرَ ولم يُسوِّف، وأخذَ الحَيطَةَ والحَذَر، وهجرَ إخوان السوء، ولازمَ أهلَ الرِّقَّة والخشية والعلم وأنابَ وتاب، ويا خسارةَ من حجبَه هواه، وأغواه شيطانُه وأردَاه، فما ازدادَ بالحوادث إلا غفلة، وما ازداد بالعِظات إلا قسوة، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ[آل عمران: 7]، سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى[الأعلى: 10، 11].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والعِظات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله بارئِ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِلِ القِسَم، مُبدِع البدائع، وشارِعِ الشرائِع، دينًا رضيًّا، ونورًا مُضِيًّا، أحمدُه وقد أسبَغَ البرَّ الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ آمنَ بربِّه، ورجا العفوَ والغُفرانَ لذنبه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وحِزبه، صلاةً وسلامًا دائمَيْن مُمتدَّين إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه سعادةٌ للأعمار، وحجابٌ من النار، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
الدهرُ ذو عبر يجري بها قدَر، مُلكٌ يُنزَع، وعافيةٌ تُرفَع، وبلاءٌ يقَع، ومن الناسِ من ليس له من الأخبار إلا إيرادَها، ولا من الحوادِث إلا سَردها، ولا من الوقائع إلا ذِكرَها، فاعتبِروا يا أولي الأبصار بالحوادِث والأخبار، وما يكون في النواحِي والأمصار؛ فكلُّ مخلوقٍ للفَناء، وكلُّ مُلكٍ فإلى انتهاء، ولا يدومُ غيرُ ملكِ الباري - سبحانه - من ملكٍ قهَّارِ، مُنفردٌ بالعزِّ والبقاء، وما سِواه فإلى انقضاءِ.
أين من كانوا معنا في الزمان الماضي؟ أفنَتهم المَنون القواضِي، أين المرازِبَةُ الجَحاجِحةُ البَطارِقةُ الأُوَل، وذوو التفاضُلِ في المجالس والترفُّلِ في الحُلَل، وذوو المنابرِ والأسِرَّةِ والمحاضِرِ والخَوَل، وذوو المشاهِد في الوغَى وذو المكايِد والحِيَل؟ سفَلَت بهم لُجَج المنيَّة كلهم فيمن سفَل، لم يبقَ منهم بعدَهم إلا حديثٌ أو مَثَل.
فيا لها من عبرةٍ لمن اعتبَر، وذكرى لمن ادَّكَر؛ فمن أخذَته تلك الحوادِثُ إلى الإنابة والعبادة والطاعة فذاك الذي اعتبَر، وعلِمَ الخبَر، وصحَّ عنده النَّظَر، وفازَ بالخير والظَّفَر.
ثم اعلموا أن ثمرةَ الاستماع الاتباع، فكونوا من الذين يستمِعون القولَ فيتَّبِعون أحسنَه.
وصلُّوا وسلِّموا على خير الورى، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك المُوحِّدين، ودمِّر الطغاة والظلَمة والمُعتدين يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستقرارها، ووفِّق قادتَها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين.
اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء والاستقرار جميعَ أوطان المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم كُن لإخواننا في سورية من كل سوءٍ ومكروهٍ وفتنة، اللهم احفَظهم من كل سوءٍ ومكروهٍ وفتنةٍ يا كريم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم، واحفَظ أموالَهم، وأمنَهم واستقرارَهم ووحدتَهم يا رب العالمين.
اللهم عليك بالظلَمة الطُّغاة، اللهم عليك بالظلَمة الطُّغاة، اللهم عليك بالظلَمة الطُّغاة، فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم أرِنا فيهم عجائبَ قُدرتك، اللهم أرِنا فيهم عجائبَ قُدرتك، اللهم اقتُلهم بسلاحهم، اللهم اقتُلهم بسلاحهم، وأحرِقهم بنارهم يا قويُّ يا عزيز يا رب العالمين.
اللهم قاتلِ الكفَةَ الذين يصدُّون عن سبيلك، ويُعادُون أولياءَك، واجعل عليهم عذابَك ورِجزَك إله الحق يا رب العالمين.
اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادرين، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تُحقِّق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآيةً.
اللهم لا تُشمِت بنا أحدًا، ولا تجعل لكافرٍ علينا يدًا.
اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وعافِ مُبتلانا، وعافِ مُبتلانا، وعافِ بمنِّك وجودِك مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا يا قويُّ يا عزيزُ يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-28-2011, 01:02 AM   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 


جججحجخخخههعتتاالاللليييييييييييييييييييييييييييييي ييييييي

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-28-2011, 02:03 PM   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

طرق إصلاح الأمة عند الفتن
ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة 25/10/1432هـ بعنوان: "طرق إصلاح الأمة عند الفتن"، والتي تحدَّث فيها عن الفتن التي ملأت أرجاء الدنيا في هذه الآونة، وبيَّن أبرز أسبابها، مع التنبيه على أهم طرق الإصلاح في هذه الفتن المُدلهِمَّة.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الذي وسِعَ كل شيءٍ رحمةً وعلمًا، وأفاضَ على خلقه من خزائنه جودًا وكرمًا، لا نفادَ لفضله، ولا انقطاع لمعروفه أبدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإلهُ الحقُّ المعبودُ في الأرض والسما، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله أفضلُ الخلق عربًا وعجمًا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الذين نصروا الدين ببذلِ النفوس والأموال والأولاد، ففازوا بخيرَي الدنيا والآخرة، وبصَّروا الناس بالحق والهدى بعد العمى.
أما بعد:
فاتقوا الله - عز وجل - بالمُسارعة إلى أمره، واجتناب نهيِه؛ يُصلِح لكم أعمالكم، ويُحسِن لكم عواقِبَ أموركم، ويرفع درجاتكم.
عباد الله:
حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزَن الأعمال، واستعدُّوا لما أمامكم من الأهوال؛ فمن حاسبَ نفسَه خفَّ حسابُه، وضاعفَ الله له ثوابَه، ومن اتبعَ هواه كثُرت سيئاتُه وقلَّت حسناتُه، وأرداه الهوى باتباع الشهوات في حضيض الدركات، قال الله تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا[الكهف: 28]، وقال تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى[طه: 15، 16]، وقال تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[القصص: 50]، وقال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[الجاثية: 23].
فالمُتَّبِع للهوى المُعرِض عن السنة المُخالفُ للهدي المحمدي قد أهلك نفسَه، وأفسَد قلبَه، وأفسدَ في الأرض، قال الله تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ[المؤمنون: 71]
، وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ[البقرة: 204، 205].
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كعرض الحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتت فيه نُكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرها نُكِتت فيه نُكتةٌ بيضاء، حتى تعود القلوبُ على قلبين: قلبٍ أسود مربَّاد كالكوزِ مُجخِّيًا، لا يعرفُ معروفًا ولا يُنكرُ منكرًا إلا ما أُشرِب من هواه، وقلبٍ أبيض مثل الصفا لا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض»؛ رواه مسلم.
ومعنى قوله: «أسود مربَّاد» أي: تراكَمَت عليه الخبائث، فاستحالَ لونُه إلى لونٍ قبيحٍ.
ومعنى: «كالكوزِ مُجخِّيًا» أي: منكوسًا، لا يصِلُ إليه الهدى كما أن الماء لا يصِل إلا الكوز المنكوس.
ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إلا ما أُشرِبَ من هواه» أي: أن هذا القلب مُتبِعٌ لهواه، فالمعروف ما أحبَّه هواه، والمنكرُ ما أبغضَه هواه، لا يزِنُ الأمورَ بميزان الشرع الحنيف ولا القرآن ولا السنة.
والفتنُ التي تُعرضُ على القلوب: فتنُ الشهوات، وفتنُ الشُّبهات، والبدعُ والضلالات، والفرقُ بين القلب الحي والقلب الميت كالحي والميت.
والفِرقُ التي ظهرت في هذه الأمة الإسلامية سمَّاها السلفُ الصالح أهلَ الأهواء؛ لاتباعهم الأهواء، ومُجانبتهم هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من الاعتقاد الصحيح، والتمسُّك بالعدل والوسطية.
وقد وقع ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «افترقَت اليهودُ على إحدى وسبعين فرقة، وافترقَت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترقُ هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في النار إلا واحدة». قيل: من هي يا رسول الله! قال: «من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».
وأولُ فرقةٍ ظهرت فرقةُ الخوارج الذين كفَّروا الصحابة وقاتلوهم، وخرجوا على الخليفة الراشد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وعمَدوا إلى آيات وأحاديث في الكفار فتأوَّلوها على المسلمين، وضلُّوا في فهم الأدلة، وفسَّروها على غير وجهها الصحيح، فاستحلُّوا الدمَ الحرام والمالَ الحرام، وكفَّروا من شهِدَ الله له بالإيمان؛ فانفتَحَ على الأمة الإسلامية بابٌ من الفتن لا يُغلَق إلا بقوة السلطان، وبأدلة السنة والقرآن، كما فعل الصحابة - رضي الله عنهم - بهذه الطائفة التي ذمَّتها أدلةُ الكتاب والسنة؛ مثل: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «سيخرج قومٌ في آخر الزمان حُدثاءُ الأسنان، سُفهاءُ الأحلام، يقولون من قولِ خير البرية، يقرأون القرآن لا يُجاوِزُ إيمانُهم حناجِرَهم، يمرُقون من الدين كما يمرُقُ السهمُ من الرمِيَّة»؛ رواه البخاري ومسلم من حديث علي - رضي الله عنه -.
ثم ظهرت بقيةُ الفِرق في الأمة، ولكل فرقةٍ وارِث إلى ما شاء الله تعالى.
ومن أسلمَ قِيادَه للهوى، وساقَه الشيطان فلا تسأل عن هلَكَته، ومن تاب تابَ الله عليه، ومن اعتصمَ بالقرآن والسنة فقد هُدِي إلى صراطٍ مستقيم.



أيها المسلمون:
أمَا وقد استبانَ خطرُ الأهواء، وعُلِمَ أضرارُ البدع المُحدثَةِ التي تهدِمُ الدين، وشاهدَ المسلمون دمار المجتمعات بارتكابِ المُحرَّمات، واتباع الشهوات؛ لم يبقَ طريقٌ مُنجٍ إلا الصراط المستقيم، ولن يحمِيَ الأمة إلا التمسُّك بالكتاب، ولن يجمع القلوب إلا الحق، قال تعالى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[آل عمران: 101]، وقال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[آل عمران: 103].
وعن العِرباضِ بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعَظَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظةً بليغة ذرفَت منها العيون، ووجِلَت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظةُ مودِّعٍ، فأوصِنا، قال: «أُوصيكُم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ، فإنه من يعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسَّكوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدثات الأمور؛ فإن كل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة»؛ رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيح".
ولقد أتى على أمةِ الإسلام أزمنةٌ أصابَها فيها فتنٌ وخُطوبٌ وكروبٌ وأمورٌ عِظام، لم يُنقِذها الله منها غلا بالرجوع لدينها والتمسُّك بهدي نبيها محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فاستقبَلَت حياتَها قويةً مُتعاوِنة مُتحابَّة، مُصلِحة، عزيزة الجانب، مُتمسِّكةً بشرع الله تعالى، وفي هذا الزمان أصابَها من الفتن والشدائد والبلاء ما ترون وتسمعون.
ودرءُ الأخطار عن أمة الإسلام، والسعيُ في الإصلاح، وحقنُ دمائها مسؤوليةُ وُلاة أمور المسلمين وعلمائهم ومُفكِّريهم وعُقلائهم، ولن يُصلِح آخرَ هذه الأمة إلا ما أصلحَ أولَها.
وأهمُ الأمور في طريق إصلاح الأمة: تحقيقُ توحيد لرب العالمين؛ فالتوحيدُ الخالصُ لله تعالى أساسُ الأعمال، وأساسُ كل إصلاح، وأساسُ الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، وقد فسَّر التوحيدَ أهلُ البدع والضلال بما كان عليه المُشرِكون في الجاهلية، فسمَّى دعاءَ الموتى، والاستغاثةَ بالصالحين، ورفع الحاجات لهم، وطلبَ الخيرات، ودفعَ الشرور والكُرُبات من أهل القبور، وصرَفوا للموتى والصالحين النُّذور، وسجدوا وطافوا بهذه القبور، فسمَّى أهلُ البدع ذلك كلَّه توسُّلاً وطلبًا لشفاعتهم، وذلك كلُّه إبطالٌ للتوحيد، ودعوةٌ للشرك بالله - تبارك وتعالى -.
وللأسف أنهم يستدلُّون بآياتٍ هي دليلٌ عليهم لا دليلٌ لهم؛ مثل: قوله - تبارك وتعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ[المائدة: 35]، والوسيلةُ هنا التي أمرَ الله بابتغائها: هي كلُّ عملٍ صالحٍ يتقرَّبُ به العبدُ إلى الله تعالى مما شرعَه الله وشرَعَه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما دلَّ على ذلك آيةٌ أخرى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا[الإسراء: 57].
قال الله - تبارك وتعالى - في هذا الشرك الذي سمَّوه توسُّلاً، والذي يُخلِّدُ صاحبَه في النار، قال الله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[الجن: 18]، وقال تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[يونس: 106، 107].
والشفاعةُ حقٌّ؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يشفَع، والصالحون يشفعون، ولكن الشفاعة لأهل التوحيد لا للمُشركين، قال - صلى الله عليه وسلم -: «أحقُّ الناس بشفاعتي: من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه»؛ رواه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
الأمر الثاني مما يُصلِحُ الله به الأمة ويدفعُ عنها النوازِل: إقامةُ الصلاة كاملة الأركان والواجبات والأفعال والأقوال، قال - صلى الله عليه وسلم -: «صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي»؛ رواه البخاري ومسلمٌ من حديث مالكِ بن الحُويرِث - رضي الله عنه -.
ولو قارنَ كلُّ مسلمٍ صلاتَه بصلاة رسول الله - عليه الصلاة والسلام - لظهرَ له النقصَ في صلاته؛ فعلى كل مسلمٍ أن يُكمل النقصَ في صلاته، وسيرى صلاحَ ذلك في أحواله كلها.
الأمرُ الثالثُ مما يُصلِحُ الله به الأمة: الحكمُ بشرع الله في مُجتمعات المسلمين؛ فما أفسدَ أحوالَ المُجتمعات الإسلامية إلا القوانينُ المُستوردة، قال الله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[المائدة: 50].
وقد رأينا كلَّ خيرٍ في بلادنا بتحكيم الشريعة الإسلامية، أدامَ الله حُكمَها، وما حمانا الله من عواصفِ الفتن المُدمِّرة إلا بشريعتنا الغرَّاء السَّمحَة العادلة الشاملة.
أيها المسلمون:
إن كل مسلمٍ ضائقٌ صدرُه بما يجري من الفتن وسفك الدماء في تلك البُلدان التي أُصيبَت بهذا البلاء - ولا سيَّما في سوريا -، فنُنكِر سفكَ دماء المسلمين، وهدمَ مساجدهم، واعتقالَهم بغير حقٍّ، وكلُّ أحدٍ على وجه الأرض مما له عقلٌ يستنكِرُ ما يقومُ به حُكَّامُ سوريا ضدَّ شعبٍ أعزل، وكان العقلُ والشهامةُ وكرمُ الطبع يُوجِبُ أن يستجيبَ حُكَّامُ سوريا لنداء خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - لإيقاف هذا النزيف الدموي، والانتهاء من إبادة الشعب السوري؛ ما له من الفضل عليهم في المواقف الصعبة التي مرُّوا بها، ولكن تمادَوا في الظلم والعُدوان، وسفَكوا الدمَ الحرام، وانتهَكوا الحُرمات، وهدَموا المساجد.
فجزى الله خادمَ الحرمين الشريفين على كلمته التي سيبقى صدَاها يُندِّدُ بسفك الدماء والإرهاب، فكما أن الإسلام يقِفُ في وجه إرهاب الفرد الظالم المُعتدي، كذلك يستنكِرُ ويُندِّد بإرهاب الدولة.
ونرجو الله أن يُوفِّقَ خادمَ الحرمين الشريفين الملكَ عبد الله بن عبد العزيز، وقادةَ العالم الإسلامي لمُواصلة الجهود والعمل بالطُّرق المناسبة لإيقاف هذه الإبادة للشعب السوري؛ فالأمرُ لا يُطاقُ السكوتُ عليه.
فادعُوا الله - تبارك وتعالى - أن يُخرِج المسلمين من كُرباتهم ومِحَنهم، وأن لا يُسلِّطَ عليهم من لا يخافُ اللهَ فيهم ولا يرحمُهم من هؤلاء الظالمين المُعتدين وأمثالهم ممن لا يخافُ اللهَ - تبارك وتعالى -، ولا يرقُبُ في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمَّة، ولا يشعرُ بصلةٍ بينه وبين المسلم.
قال الله - تبارك وتعالى -: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ[النور: 31]، وقال - تبارك وتعالى -: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[التوبة: 71].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، اتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون:
إن كل مسلمٍ لو فكَّر في حسناته وفكَّر في سيئاته، وأن عليه من الله حافظًا يكتب سيئاته كما يكتُب حسناته، ولا يظلِمُ اللهُ مثقالَ ذرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا[النساء: 40]، لو فكَّر في أن الله - تبارك وتعالى - يكتبُ ما يعمل لقلَّت سيئاتُه، وكثُرت حسناتُه؛ فإنه إذا حاسبَ نفسَه قلَّ حِسابُه، ويسَّر الله له الحساب، ويسَّر عليه كل شيء، قال الله - تبارك وتعالى -: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق: 18]، وقال - عز وجل -: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ[الانفطار: 10، 11].
وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: «إن اللهَ كتبَ الحسنات والسيئات»؛ رواه البخاري ومسلم.
عباد الله:
إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال - عزَّ من قائل -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين.
اللهم انصر دينَك وكتابَك وسنةَ نبيِّك.
اللهم أعِذنا وذرياتنا من إبليس وذريته وشياطينه، اللهم احفظنا وذرياتنا من إبليس وشياطينه وجنوده يا رب العالمين، إنك على كل شيءٍ قدير، اللهم أعِذ المسلمين وذرياتهم من إبليس وشياطينه وجنوده يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم وُلاةَ أمورنا.
اللهم وفِّق عبدكَ خادمَ الحرمين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك يا رب العالمين، اللهم انصُر به دينَك، وأعلِ به كلمتَك، اللهم أعِنه على ما فيه الصلاحُ لشعبه والخيرُ للمسلمين يا رب العالمين، اللهم وفِّق نائبَيه لما تحبُّ وترضى، ولما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ البلاد والعباد، إنك على كل شيء قدير، يا رب العالمين.
اللهم اغفِر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، واغفر لنا ذنوبنا.
اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خزيِ الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم إنا نعوذ بك من سوء القضاء، ومن شماتة الأعداء، ومن درَك الشقاء، وجَهد البلاء، اللهم إنا نعوذُ بك من شماتة العباد.
اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين يا رب العالمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين يا رب العالمين، اللهم أعِذنا من شرور أنفسنا، وأعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ[النحل: 90، 91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 10-01-2011, 06:04 AM   رقم المشاركة : 35

 

رسالة إلى الحكام والمحكومين
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 2/11/1432هـ بعنوان: "رسالة إلى الحكام والمحكومين"، والتي وجَّه فيها رسالةً إلى حُكَّام المسلمين بوجوب تحكيم شرع الله؛ لضمان الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة، وإلى المحكومين بضرورة التوبة والعودة إلى الله - سبحانه وتعالى -.

الخطبة الأولى
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فمن اتقاه جعل له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا، ومن كل بلاءٍ عافية.
إخوة الإسلام:
لقد ابتُلِي المسلمون في بعض البُلدان ببلاءٍ عظيمٍ: ظلمٍ واضطهادٍ وقتلٍ وتعذيبٍ وتشريدٍ، إراقة دماءٍ وسفكِ أرواحِ أبرياء، ولا حول ولا قوةَ إلا بالله العظيم، والله المُستعانُ وإليه المُشتكَى.
إن على المسلمين المُضطهَدين في كل مكانٍ أن يعلَموا أن النصرَ مع الصبر، وأن الفرجَ مع الكَرب، وأن مع العُسر يُسرًا، يقول - جل وعلا -: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ[القصص: 5، 6].
إن المسلمين في كل مكانٍ وقد تداعَت عليهم قُوَى الشرِّ والعُدوان، وأحاطَت بهم الكُروبُ من كل جانب، وتكاثَرَت عليهم الفتنُ من كل حدْبٍ وصوبٍ عليهم أن يُجدِّدوا التوبةَ إلى الله - جل وعلا -، وأن يلجَئوا إليه فهو الجبَّار، وأن يتضرَّعوا إليه ويطَّرِحوا بين يديه.
قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ[الأنعام: 63، 64]، فهو - سبحانه - القاهرُ فوق عباده، وهو - عزَّ شأنُه - العزيزُ القادِرُ الذي يُجيرُ ولا يُجارُ عليه، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الأنعام: 45]، فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ[إبراهيم: 13، 14].
إن الرجوعَ الحقيقيَ إلى الله - جل وعلا - وإلى دينه هو السبيلُ لنَيْلِ الخيرات، وهو السببُ المانِعُ عن الشُّرُور والمَثُلات، إن التوبةَ الصادقةَ إلى الله - جل وعلا -، والمُتابعةَ الصادقة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في كل شأنٍ ذلك هو السبيلُ الأوحَد لرفع العقاب بأنواعه، والظلمِ بشتَّى صُوره.
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ[الأعراف: 128، 129].
نعم، هكذا سنةُ الله أن العبادَ متى استقاموا على شرعِ الله استقامَت لهم الدنيا على أحسنِ حالٍ، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[الأعراف: 96].
شُكِي إلى الحسن البصري ما يقوم به الحجَّاجُ من ظلمٍ؛ فقال: "إن الحجَّاجَ عقوبةٌ من الله لم تكُ، فلا تستقبِلوا عقوبةَ الله بالسيف، ولكن استقبِلوها بتوبةٍ وتضرُّعٍ واستِكانةٍ وتوبوا تُكفَوه". اهـ.
إخوة الإسلام:
إن على حُكَّام المسلمين في جميع البُلدان أن يستيقِنوا أن الحفاظَ على نظام الحُكم لا يكون بالظلمِ ولا بالاضطهاد، ولا بالأَثَرة والاستبداد، ولا بالرُّكون للجهود البشرية والقُدرات الإنسانية بعيدًا عن اللُّجوءِ إلى الله - جل وعلا - والتمسُّك بدينه وشرعه؛ فحِفظُ الحكم لا يكون ولن يكون أبدًا بالبُعد عن منهج الإسلام وثوابِته العِظام.
فمن تدبَّر كتابَ الله وجدَه ينسِبُ الخلافةَ والتمكين والمُلكَ لله وحده: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[آل عمران: 26]، فمن صلَح وأصلَحَ أصلَحَ الله له المُلكَ الذي يحكمُه، ومن فسدَ وأفسَدَ أُفسِد عليه حُكمُه ولو كان من أمهر الناس وأذكاهم وأقواهم، هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ[البروج: 17- 20].
فيا حُكَّام المسلمين:
عُودوا إلى القرآن الكريم، وطبِّقوه في كل شأنٍ، والتزِموا بسنة نبي الإسلام - عليه أفضل الصلاة والسلام -، احتكِموا إلى الوحيَيْن تمسَّكوا بهما، دعُوا عنكم القوانينَ الوضعيَّةَ والدساتيرَ البشرية، احذَروا من كيدِ الأعداء ومُخطَّطاتهم وإملاءاتهم، قال - جل وعلا - فيهم: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ[النساء: 89].
واعلموا - أيها الحُكَّام - أن الله وحدَه هو الذي يرفعُ ويخفِض، وهو الذي يُعِزُّ من يشاء ويُذِلُّ من يشاء وفقَ حكمته البالغة، قال ابن كثير في "البداية والنهاية" في حوادث سنة أربعمائةٍ وثلاثين للهجرة: "وفيها خُوطِبَ أبو منصورِ بن جلال الدولة بالملِكِ العزيز - وهو مُقيمٌ بواسط -، وهذا العزيزُ آخرُ من ملَكَ بغداد من بني بُويْه، فلما طغَوا وتمرَّدوا وبَغَوا، وتسمَّوا بملِكِ الأملاك سلَبَهم الله ما كان أنعمَ به عليهم، وجعلَ المُلكَ في غيرهم، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[الرعد: 11]".
أيها المسلمون:
إن من سَبَرَ أحوالَ المسلمين في عهودهم كلها في الحاضِرِ والماضي علِمَ أن الشرَّ والضررَ والهوانَ والذلَّ والعارَ بدول المسلمين يحصُلُ حينَ يضعُفُ تعلُّقهم بالوحيَيْن، وحين يستبدِلونها بالأهواء النفسية والآراء البشرية، ألم يقُل الله - جل وعلا -: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[الحج: 41]؟!
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية
الحمد لله الوليِّ الحميد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُبدئُ ويُعيدُ، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي وصيةُ الله للأولين والآخرين.
أيها المسلمون:
إن الراعِيَ والرعيَّة لا يجمعُهم إلا كتابُ الله - جل وعلا -، والاعتصامُ بحبلِه، والاهتداءُ بهديِهِ، ومتى حادُوا عن ذلك فلن يجِدوا للاستقرار سبيلاً، ولا للرخاء طريقًا؛ بل أمرُهم - حينئذٍ - في سَفَال، وأحوالُهم - حينئذٍ - غيرُ مُستقرَّة، وبُلدانهم لن تجِد للأمن سبيلاً، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[الأنفال: 46].
ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «وما لم تحكم أئمَّتُهم بكتابِ الله ويتخيَّروا مما أنزلَ الله إلا جعلَ الله بأسَهم بينهم»؛ أخرجه ابن ماجه بسندٍ صحيحٍ.
ثم إن الله - جل وعلا - أمرنا بأمرٍ عظيم، ألا وهو: الصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا ونبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصحبِ أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألُكَ بأنا نشهدُ أن لا إله إلا أنت الأحدُ الصمدُ الذي لم يلِد ولم يُولَد، نسألكَ يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام أن ترفعَ عن إخواننا المسلمين الظلمَ والعُدوان، اللهم ارفع عن إخواننا المسلمين الظلمَ والعُدوان، اللهم ارفع عن إخواننا المسلمين الظلمَ والعُدوان، اللهم اجعل لهم من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل همٍّ فرَجًا، ومن كل بلوًى عافية، اللهم مكِّن لهم في الأرض على الدين، اللهم مكِّن لهم في الأرض على الدين.
اللهم إنا نعوذُ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطَن.
اللهم أصلِح أحوالنا وأحوالَ المسلمين، اللهم أصلِح أحوالنا وأحوالَ المسلمين، اللهم أصلِح أحوالنا وأحوالَ المسلمين، اللهم مُنَّ على المسلمين بتوبةٍ تُصلِح بها أحوالَهم، اللهم مُنَّ عليهم بعودةٍ إلى هذا الدين تُصلِحُ بها دنياهم وأُخراهم، يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء الإسلام والمسلمين، اللهم لا تِبقِي لهم راية، واجعلهم لغيرهم عبرةً وآية يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم وفِّق خادمَ الحرمين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه ونائبَيْه لما فيه خيرُ الإسلام والمسلمين.
اللهم اجعل بلاد المسلمين آمنةً مُستقِرَّة، اللهم أنزِل عليها الأمنَ والأمان، اللهم مُنَّ ليها بالأمن والأمان، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم واكفِهم شِرارَهم يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم وحِّد كلمَتهم، اللهم وحِّد كلمَتهم على التقوى والخير، اللهم وحِّد صفَّهم يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم امنُن علينا وعليهم بحياةٍ طيبةٍ في الدارَيْن، إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار.
اللهم إنك أنت الغنيُّ الحميد، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم اسقِ بلادَنا وبلادَ المسلمين، اللهم اسقِ بلادَنا وبلادَ المسلمين، اللهم اسقِ بلادَنا وبلادَ المسلمين.
عباد الله: اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 10-08-2011, 01:58 AM   رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

نعمة العقل وكيفية الانتفاع بها

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة 9/11/1432هـ بعنوان: "نعمة العقل وكيفية الانتفاع بها"، والتي تحدَّث فيها عن نعمة العقل ووجوب شكر الله على تلك النعمة، وألمحَ إلى صورةٍ من عدم تحكيم العقل، وهيما وقع من شباب مغرربهم في هذه الأيام في شرق المملكة من إحداث شغَبٍ وفوضَى، وحذَّر من سُلُوك هذه المسالِك لما لها من عاقبةٍ وخيمة، وأشادَ بجُهود العلماء والحُكَّام ومدى عِظَم مسؤوليتهم تجاه رعاية البلاد ومصالح العباد.


الخطبة الأولى

الحمد لله العليمِ بذات الصدور، يُعِزُّ من يشاءُ بطاعته، ويخذُلُ من يشاءُ بمعصيته، فمن أطاعَ ربَّه فهو المنصُور، ومن أعرضَ عن كتابِ الله فهو المقهورُ المبتُور، أحمد ربِّي وأشكُرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيزُ الغفور، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله المبعوثُ بالهُدى والنور، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه السابقين إلى عملٍ مبرُور.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعُوه، واحذَروا غضبَه فلا تعصُوه.


عباد الله:
اذكُروا نعمَ الله - تبارك وتعالى - عليكم، واشكُروه على ما منَّ به عليكم من النعَمِ التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى.
ألا وإن من أعظم النِّعَم: نعمةَ العقل الذي يُميِّزُ به الإنسانُ بين الحق والباطل، وبين الخير والشرِّ، ويُميِّزُ بهذا العقل بين النافعِ والضار.
العقلُ غريزةٌ ونورٌ وقوة أودَعَه اللهُ بدنَ الإنسان يُدرِكُ به الصلاحَ من الفساد، ويُدرِكُ به المعلومات الصحيحةَ النافعة والمعلومات الخاطئة، ويُفرِّقُ به بين الذَّوَات، ويُناطُ به التكليفُ الذي يترتَّبُ عليه الثوابُ والعِقاب.
والعقلُ مقرُّه القلب كما دلَّ على ذلك الكتابُ والسنة، قال الله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا[الحج: 46]، وقال تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا[الأعراف: 179]، وقال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ[ق: 37]. قال المُفسِّرون: "لمن كان له عقلٌ".
وعن أبي شُريحٍ الخُزاعِيّ - رضي الله عنه - قال: "حدَّثنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا سمِعَته أُذنَايَ ووعَاهُ قلبي"؛ رواه البخاري ومسلم.
وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإن في الجسَد مُضغَة إذا صلُحَت صلُحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَت فسَدَ الجسَدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ»؛ رواه الشيخان.
والعقلُ وإن كان مقرُّه القلب فله تعلُّقٌ وارتباطٌ بالدماغ وثيقٌ يتصرَّفُ فيه.
ومن مدارك الإنسان وأسبابِ معرفته وعلمِه: السمعُ والبصر والعقل؛ قال الله تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[النحل: 78]، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ[المؤمنون: 78].
وما من أحدٍ ركَّبَ الله فيه العقل إلا وهو يُدرِكُ الحقَّ والباطِلَ إذا بُيِّنا له، إذا سلم من المُؤثِرات والصوارِف، وفي الحديث: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ مولودٍ يُولَد على الفِطرةِ، فأبَواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه»، وفي الحديث القُدسي: «قال الله تعالى: خلقتُ عبادي حُنفاءَ، فجاءَتهم الشياطين فاجتالَتهم».
وما دعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أحدًا وبيَّن له دينَ الإسلام إلا استجابَ له وانقادَ بحبٍّ ورغبةٍ وانشِراحِ صدرٍ، وعلِمَ بقلبِه أنه الحق، ومن لم يستجِب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعرضَ عن بيِّنةٍ وعنادٍ واستِكبار، أو أعرضَ عن تقليدٍ للكُبَراء وتمسَّك بموروثاتِ العادات الضالَّة، قال الله تعالى: فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ[الأنعام: 33]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ[محمد: 25]، وقال تعالى: وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا[الإسراء: 46]، وقال تعالى عن المُقلِّدين: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ[الصافات: 69، 70]، وقال تعالى: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا[الأحزاب: 66- 68].
وكذلك حالُ المُكلَّفين والمدعُوِّين إلى كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالمُستجيبُ فاز بخيرَي الدنيا والآخرة، والمُعرِض أعرضَ عن بيِّنةٍ وعنادٍ وكِبرٍ، أو أعرضَ تقليدًا لشياطين الإنس والجن، فخابَ المُعرِض وخسِر الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ[الرعد: 18].
فالذي لم ينتفِع بعقله في معرفة الحق والعمل به، ومعرفة الباطلِ واجتنابِه، والعلمِ بالخيرِ والمُسارعةِ إليه والعلم بالشرِّ وبُغضِه والابتِعادِ عنه، فهو من الخاسِرين، لا فرقَ بين أن يكون تابِعًا أو متبوعًا، أو مُقلِّدًا أو مُقلَّدًا؛ فمن عطَّلَ عقلَه عما خلقَه الله له شقِيَ في الدنيا وخَزِيَ في نار جهنم، ولا ينفعه ما تمتَّع به في الدنيا، وسيندَم في يومٍ لا ينفعُ فيه الندَمُ والحَسرة إذا لقِيَ مصيرَه الأبدِيّ، قال الله تعالى: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ[الملك: 10، 11].
وقد جعل أعداءُ الحق بين عقول الناس وبين الكتاب والسنة سُدودًا وموانع لئلا يهتدِيَ الناسُ بالكتاب والسنة، ومهما صدُّوا عن سبيل الله فالله غالبٌ على أمره، ومهما أقاموا من الموانع عن الحق وزيَّنوا عن الباطل فحُجَّةُ الله قائمة، ولا يهلِكُ على الله إلا هالكٌ.
أيها الناس:
ألا وإن مما يتَّصِلُ بما نحنُ فيه من الانتفاعِ بالعقل وتحكيمه بتجرُّدٍ في الأمور: ما وقعَ في هذا الأسبوع من فتنةٍ في قريةٍ من قُرى شرق المملكة، قام بها شبابٌ مُغرَّرٌ بهم، استخدَموا في هذه الفتنة درَّاجاتٍ ناريَّة وقنابل، وقاموا بُارة شغَبٍ وفوضى روَّعَت المواطنين الذين في تلك القرية.
فقام رجالُ الأمن المُجاهِدون في سبيل الله، المُرابِطون لنُصرة الإسلام، المُتصدُّون لفتنةِ كلٍِّ مُجرمٍ مُفسِدٍ يُريدُ أن ينشرَ الفوضَى ويمسَّ أمنَ المُواطنين والمُقيمين، قاموا بإطفاءِ تلك الفتنةِ الخاسِرة الخائِبة، وأُصيبَ بعضُ رجال الأمن، شفاهم الله من جِراحهم، وأثابَهم الله أحسنَ الثواب على صدِّهم الباطِل، ودحرِهم للمُفسِدين.
وإننا إذ نستنكِرُ هذا العملَ المُفسِد وهذا الإجرامَ الشنيعَ نعلمُ أن هؤلاء الرِّعاع والغَوغاء لو حكَّموا عقولَهم، وفكَّروا في قُبحِ وشناعة الفوضى والتخريب، وفكَّروا بعقولٍ مُتجرِّدةٍ من الهَوى في عواقبِ الأمور لما ارتكَبُوا هذه الجرائم، ولا سيَّما ونحن على أبواب الحج وفي الشهر الحرام، واستنكارُ كُبرائهم هذا العملَ الإجراميّ في محلِّه، ولكن لا بُدَّ أن يكون مع القولِ أعمالٌ تُصدِّقُه، ونوايا حسنة، وعلامةُ ذلك: ألا يتكرَّرَ هذا الشغَبُ والفَوضَى.
وإلا فما أشبَه الحال بما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - في فتح مكة، قال: فنظرَ إليَّ رسولُ الله فرآنِي، فقال: «أبو هريرة!». قلتُ: لبَّيك يا رسول الله، قال: «اهتِف، ولا يأتيني إلا أنصاري»، فأطافُوا به، ووبَّشَت قريشُ من أوباشٍ لها وأتباع، فقالوا: نُقدِّم هؤلاء، فإن كان لهم شيءٌ كنا معهم، وإن أُصيبُوا أعطينا الذي سُئِلنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ترَونَ إلى أوباشِ قُريش وأتباعهم؟»، ثم قال: «احصُدوهم حصدًا حتى تُوافُوني على الصفا»، قال: فما قام لنا أحد؛ رواه البخاري ومسلم.
وأما الشبابُ المُغرَّرُ بهم والمُتورِّطون في هذه الفتنة والتخريب وفي أنواعٍ منها، أما هؤلاء الشباب من هذا النوع فليُعرَض عليهم التخلِّي عن الجنسيَّة التي هي شرفٌ لهم، ولا يستحقُّها من يقومُ منهم بهذه الأفعال الإجرامية، وليُعطَ فرصةً لزيارةِ أبي صالح في سِردابِ سامُرَّاء ما دام ولاؤُه لأبي صالحٍ وليس ولاؤُه لله ولرسولِه - صلى الله عليه وسلم -، ثم لخادِمِ الحرمين الشريفين ووُلاة أمر هذه البلاد.
ولعلَّ أبا صالح محمد بن الحسن العسكري الذي يزعُمون أنه المهدي المنتظَر في السِّرداب، لعل يجعلُهم نُوَّابًا في الأقاليم، ولعلَّهم يُخبِرونه بأن الخليفةَ العبَّاسي مات وذهب، وذهبَت دول وجاءت دول، فيذهبُ الخوفُ من قلبه، ولعلهم يُخبِرونه بأن أتباعَه كثيرٌ، ولعلهم يقولون له: ستفتَحُ لك الدولُ التي تُؤمنُ بك خزائنَ الأموال، ولعلهم يطلبُون منه أن يُخرِجَ القرآنَ الذي يزعُمون أنه دخل معه السِّرداب، وأنه لا يخرج ولا تراهُ الأمةُ إلا إذا خرَج.
ويزعُمون أن هذا القرآن الذي معه في السِّرداب مُخالفٌ للقرآن الكريم الذي نقلَه لنا الصحابة، والذي يحفظُه كلُّ جيلٍ من المسلمين بالتواتُر، ولعلهم يقولون له: اخرُج لتملأ الأرضَ عدلاً، ومن أظلمُ ممن يُخفِي القرآنَ في السِّردابِ عن الأمة لو عقَلوا.
آمنتُ بالله وملائكته وكتبِه ورُسُله واليوم الآخر وبالقدر خيرِه وشرِّه، وكفرتُ بالعقيدةِ الباطلَة الفاسِدة الكاسِدة.
وعقيدةُ ولاية الفقيه شرٌّ من عقيدة الإيمان بمحمدِ بن الحسن العسكري المزعوم بأنه المهدي المُنتظَر.
ومن عجائب الضلال والشركِ بالله - تبارك وتعالى -: أنهم يدعُونَه من دون الله، ويعبُدونَه من دون الله، ويرفَعون إلى هذا المهدي المُنتظَر في السِّردابِ الذي يزعُمون - محمد بن الحسن العسكري -، يرفَعون إليه الحوائِج، ويدعُونَه في كشفِ الكُرُبات، ويدعُونَه لطلبِ الولدِ والرزق، وإذا ذكَرُوه فإنهم يدعُون لهم بأن يُعجِّل الله فرَجَه!
فإذا كان في كربٍ عظيمٍ وفي كُرُباتٍ طِوالَ هذه المُدَد والسنين والمئات من السنين زادَت على الألف، ويزعُمون أنه في السِّرداب وفي كربٍ عظيم، كيف يُدعَى له بالفَرَج؟! وإذا كان عاجِزًا عن فرَجِ نفسِه وعن تفريج الكُرُبات عن نفسه؛ فكيف يستجيبُ لمن يدعُوَه من دون الله، ويسألَه من دون الله؟!.
ألا يرضَون بأن يعبُدوا ربَّ الأرض والسماوات؟! قال - تبارك وتعالى -: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ[الأحقاف: 5، 6].
وعقيدةُ ولاية الفقيه شرٌّ من عقيدة الإيمان بمحمد بن الحسن العسكري المزعوم بأنه المهدي المُنتَظَر بأدلَّةٍ كثيرةٍ لا يأتي عليها الحصرُ، وآلُ بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بُرآءُ من عقائد الروافِض كما بَرِئَ منها الصحابةُ - رضي الله عنهم -.
فما دامَ هؤلاء يتصرَّفون باسمِ أبي صالح وثوراتُهم لأجله وهو معدومٌ لم يُولَد أصلاً - كما في كتاب "الكافي"، وهو عُمدتُهم -، فأعطُوهم فرصةً لزيارته لينظرُوا!
وأما الدولةُ الخارجيةُ التي غرَّرَت بهؤلاء الشبابِ فخيرٌ لها أن تعدِلَ في رعاياها وتُقبِلَ على شأنها وإصلاح أمورها على الحق والعدل، والحقُّ والواجبُ عليها أن تُنصِفَ أهلَ السنة وتعدِلَ فيهم، وتكُفَّ عن التنكِيلِ بهم، وتُمكِّنَهم من الجُمعة والجماعة، ومُمارَسَة الدين الإسلامي الحق في عاصمتها وفي غيرها.
والروافضُ الشيعةُ في عهد خادمِ الحرمين الشريفين - حفظه الله -، وفي عهود من قبلَه من مُلوكِ هذه الدولة مُتمتِّعون بحقوق المُواطَنة، وقد نالُوا من هذه الدولة خيراتٍ لا تُعدُّ ولا تُحصَى، وشاهدُ الحال يُصدِّقُ ذلك بالنظرِ إلى حالهم قبل هذه الدولة.
وننتظرُ من مُنظَّمة المؤتمَر الإسلامي أن تقول كلمةَ الحق في المُمارَسات المُنافِيَة للإسلام، ولا بُدَّ أن تُحذِّرَ هذه المُنظَّمة الدُّولَ الأعضاء من التدخُّلات السافرة من بعض أعضائها على سِيادَة الدول الأعضاء، ومملكةُ البحرين لا تزالُ أحداثُها ماثِلة، ولا يزالُ حُكَّامُها يُعانُون من التدخُّل في شُؤونِها.
ومن أجل ذلك طلبَ حُكَّامُ البحرين الاستعانةَ بإلحاحٍ من أشقائهم وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -، لولا اللهُ ثم هذه الاستعانة لوقعَت كوارِثُ للمنطقة لا يعلمُها إلا الله.
ومن لم يلتزِم من الدول الأعضاء بمبادئ مُنظَّمة المؤتمَر الإسلامي فيُستبعَد من المُنظَّمة.
كما ننتظِر من علماء المسلمين في العالَم الإسلامي أن يعقِدوا مُؤتمرًا في رابطةِ العالمِ الإسلاميِّ يُعالِجونَ فيه مشاكلَ المسلمين، ويُدينونَ مثلَ هذا الشغَب والفوضَى في المملكة؛ فأمنُ المملكةِ العربية السعودية أمنٌ للعالم الإسلامي، ويُحذِّرون من كل دعوةٍ مُعاديةٍ للإسلام بصراحة القول بعيدًا عن المُؤثِّرات الأخرى.
والمملكةُ العربية السعودية لا تحتاجُ في الدفاع عنها إلا إلى الله - تبارك وتعالى -، والله ناصرُ من ينصُرُ دينَه، قال تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[الحج: 40]، وقال - تبارك وتعالى -: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ[المجادلة: 20، 21].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المُرسَلين، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.





الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، اتقوا الله حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها الناس:
يقول ربُّكم - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[الحشر: 18].
أيها المسلمون:
صِنفان من الناس إذا صلُحا صلُحَت الأمة: الأُمراء والعلماء، فعلى الحُكَّام وعلى العلماء تقعُ المسؤوليةُ على عواتِقهم عن أمر هذه الأمة، فليتَّقوا الله - تبارك وتعالى -، وإذا وقع الخَلَلُ من أحدٍ منهما فإنه يقَعُ من الشر بمقدار ذلك التقصير.
والعلماءُ ورَثةُ الأنبياء، والحُكَّام نُوَّابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يُصلِحون ويُرشِدون الناس، ويُلزِمونَهم بالحق، ويكُفُّونَهم عن الباطل، والعلماءُ يُعينُونَهم على كل ما فيه الخيرُ لأمة الإسلام، فإنه لا بقاءَ لها ولا صلاحَ لها ولا خيرَ في هذه الأمة إلا بأن تكون مُتمسِكةً بدينها، مُتعاوِنةً على البرِّ والتقوى، وليقِفوا صفًّا واحدًا أمام كلِّ مُفسِد، وأمام كلِّ مُجرِم، وأمام كلِّ دعوةٍ تُضادُّ دينَ الله - تبارك وتعالى -.
قال - عز وجل -: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا[آل عمران: 103].
عباد الله:
إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال - عزَّ وجل -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين، اللهم ارضَ عن الحسن والحُسين، وعن فاطمة البتُول فاطمة بنت الرسول، اللهم وارضَ عن آل بيتك الطيبين الطاهرين يا رب العالمين، اللهم وارضَ عن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر دينَك وكتابَك وسنةَ نبيِّك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أظهِر وانصُر هديَ نبيِّك محمد - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اقمَع البِدَع، اللهم أذِلَّ البِدَعَ إلى يوم الدين، اللهم أذِلَّ البِدَعَ التي تُحارِبُ دينَك يا رب العالمين إلى يوم الدين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم عليك بالسَّحَرة، اللهم دمِّرهم، اللهم عامِلهم بما يسوؤُهم في كل شيء، اللهم عامِلهم بما يُغيظُهم في كل شيء، اللهم أبطِل كيدَهم، اللهم أبطِل مكرَهم، اللهم اجعل شرَّهم مُحيطًا بهم، اللهم لا تُسلِّطهم على مسلمٍ يا رب العالمين، اللهم احفظنا واحفظ ذرياتنا من شرِّهم يا رب العالمين، واحفظ المسلمين من شُرورهم.
اللهم إنهم قد طغَوا وبغَوا، اللهم يا ذا الجلال والإكرام دمِّرهم تدميرًا يا رب العالمين يا قويُّ يا عزيز.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك، وأعِنه على ما فيه الخيرُ والصلاحُ للبلاد والعباد يا رب العالمين، اللهم انصُر به دينَك، وأعلِ به كلمتَك يا رب العالمين، اللهم وفِّق نائبَيه لما تحبُّ وترضى، ولما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين.
اللهم أغِثنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعِذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ، اللهم يا رب العالمين نسألك أن تُحسِن عاقِبتَنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة.
اللهم احفظنا وذرياتنا من إبليس وذريته وشياطينه وجُنوده، اللهم احفظ المسلمين يا رب العالمين من إبليس وذريَّته إنك على كل شيء قدير.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ[النحل: 90، 91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 10-08-2011, 10:45 AM   رقم المشاركة : 37

 

جزا الله الخطيب والناقل كل خير ونفعنا ومن سمع بما قرانا وما سمعنا تحياتي للجميع 00

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 10-15-2011, 01:18 AM   رقم المشاركة : 38

 

قصة إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 16/11/1432هـ بعنوان: "قصة إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام"، والتي تحدَّث فيها عن قصة أبي الأنبياء إبراهيم وابنه إسماعيل - عليهما السلام -، وذكر ما فيها من عِبَر وعظاتٍ مُستقاة من أحداثها، وذكر ما يُستفاد من الدروس الواقعية من هذه القصة الفريدة النافعة.

الخطبة الأولى
الحمد لله بارئِ البريَّات، غافِرِ الخطيَّات، عالمِ الخفيَّات، المُطَّلِع على الضمائِرِ والنيَّات، أحمدُه حمدَ مُعترِفٍ بالتقصير، وأستغفِرُه استغفارَ مُذنبٍ يخافُ عذابَ السعير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحاطَ بكل شيءٍ علمًا، ووسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وحِلمًا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله نبيُّ الرحمة الداعي إلى سبيل ربِّه بالحكمة، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وصحبِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعته أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
في سِيَر السابقين عِظَةٌ وهداية، وفي قصص الأنبياء عِبرةٌ ودلالة، وما أحوجَ الأمة إلى النظر في تلك القصص والأنباء؛ لتكون علَمًا ومنارًا، ومحجَّةً وإسفارًا، {وكلا نقص .. للمؤمنين}.
وقصةُ أبي الأنبياء وإمامِ الحُنفاء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، أشرف أُولِي العزم بعد نبيِّنا وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، قصةٌ مُجلَّلةٌ بالآيات والعِظات، مُكلَّلةٌ بالعِبَر والدلالات، إبراهيمُ الخليلُ الذي جُعِلَت الإمامةُ مُتصِلةً بسببه، وباقيةً في نسَبِه، وخالدةً في عقِبِه، لا ينالُها الظالمون من ذريَّته.
ومن خصائصه وفضائله: خِلعةٌ سنيَّةٌ لا تُضاهَى، ومرتبةٌ عاليةٌ لا تُباهَى، وخصوصيةٌ فريدةٌ لا تُسامَى، فكلُّ كتابٍ أُنزِل بعده من السماء على نبيٍّ من الأنبياء فذلك النبيُّ من ذريته وسُلالته، قال - جل في عُلاه -: {وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب}.
ولما كبُرَ إبراهيمُ وعقُمَت سارة اشتدَّت لوعةُ الوحدةِ ومرارةُ الوَحشة؛ فدعا إبراهيمُ ربَّه أن يهَبَ له عقِبًا صالحًا، فدخل - بمشورةِ سارة - على هاجر الأمينة المُؤمنة، فأنجبَت له إسماعيل - عليه السلام -، ومن هذا الفرع الشريف والغُصن المُنيف خرجَت الجوهرةُ الباهِرة والدُّرَّةُ الزاهرة وواسطةُ العِقد الفاخرة، وُولِد خيرُ أهل الأرض على الإطلاق، وسيدُ ولد آدم باتفاق: نبيُّنا وسيدُنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، الذي اختارَه ربُّه واصطفاه، ولم يُوجَد نبيٌّ من سُلالة إسماعيل سِواه.
ودبَّت الغيرةُ في نفس سارة، وتشعَّبَ لُبُّها، وثارَ حُزنُها وشجَنُها، وتمنَّت على إبراهيم أن يذهبَ بهاجر وابنِها إلى حيث لا تراهما، فركِبَ إبراهيم بهما يطوِي المراحِل، ويحدُو الرواحِل، حتى جاء - بأمر ربِّه - موضع البيت الحرام في موطنٍ مُقفِرٍ هواء، ومكانٍ خلاء، وبلادٍ جرداء، ووادٍ مُوحِش ليس به زرعٌ ولا ضَرع، ولا أنيسٌ ولا حَسيس، فتركَهما هناك لا يملِكان سوى جِرابٍ به قليلٌ من الغذاء، وسِقاءٍ به يسيرٌ من الماء.
فتبِعَته أمُّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم! أين تذهبُ وتتركنا في هذا الوادي؟ إلى من تتركُنا؟ فقال إبراهيم: إلى الله، قالت: رضِيتُ بالله. وفي لفظٍ: قالت: إذًا لا يُضيِّعُنا.
يا لها من عقيدةٍ صادقة تُوقِظُ الضمائر، وتُرهِفُ المشاعِر، استسلَمَت لقضاء الله وخضعَت لحُكمه، وانقادَت لأمره بلا تردُّدٍ ولا تعنُّت، وفوَّضَت أمرَها، وألجأَت ظهرَها، ووجَّهت وجهَها إلى الحيِّ الذي لا يموت.
فلتأخُذ المرأةُ المسلمةُ اليوم من هاجر المؤمنة نِبراسًا في الاتباع، وقُدوةً في الانقياد، وأُسوةً في الصبر والثَبات.
وانحدَرَ إبراهيم مُفارِقًا حُشاشة نفسه، مُودِّعًا قطعةَ قلبه، مُستسلمًا للقضاء، صابرًا على البلاء، داعيًا دُعاءَ المُوقِن بإجابة الدعاء: {ربنا إني أسكنت .. يشكرون}.
ومكَثَت هاجرُ تُعالِجُ القضاءَ المحتُومَ، فنفَذَ زادُها وجفَّ ضرعُها، حتى لا تجِدَ لابنها ماءً يبُلُّ صداه، ولا لبنًا تتندَّى به شَفَتاه، في مخمصةٍ مُقسِعة، ومسغَبَةٍ مُعطِبة، فهاجَها التِياعُ طفلها، ونحيبُ صغيرها، وهو يتلوَّى ويتلبَّط، يفحَصُ الأرضَ برِجلَيْه، ويضربُ الصلطَ بقدَمَيْه، كأنه ينشطُ للموت.
فانطلَقَت كراهيةَ أن تنظُر إليه - وقد تقطَّعت نِياطُ قلبها -، فقامَت على الصفا واستقبَلَت الوادي لعلها ترى أحدًا، ثم استبطَنت الوادي ورفعَت دِرعَها، وسعَت جهدَها، حتى أتت المروةَ فقامَت فوقَها، ونظرَت لعل أحدًا يأتي نحوَها.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فذاك سعيُ الناس بينهما).
فلما أتمَّت سبعًا بين الصفا والمروة إذا هي بصوتٍ، فنادَت نداءَ اللَهفان، واستغاثَت ااستغاثةَ الظمآن: أغِث إن كان عندك غُواث، أغِث إن كان عندك غُواث.
فإذا هي بجبريل - عليه السلام -، فبحثَ بعقبِه الأرض، فانبثَقَ الماءُ وفار، وتفجَّرَ نبعُ زمزمَ وحارَ.
والله لا يُضيِّعُ من اتقاه، ولا يُخيِّبُ من رجَاه.
فرحِمَ الله ضعفَها، وفرَّج كربَها، وأنبَعَ الأرضَ تحتها، فجعلَت تُحوِّضُه بيديها وتغرِفُه بكفَّيها، وتسقِي وليدَها، وتملأُ سِقاءَها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يرحم الله أمَّ إسماعيل؛ لو تركَت زمزم - أو لو لم تغرِف من زمزَم - لكانَت زمزم عينًا مَعينًا).
وها هي زمزمُ تسقي - بأمر ربِّها - الحَجيج، وتُطفِئُ لهبَ الأجِيج، ويُسمَع لها ثَجيج، خيرُ ماءٍ وُجِد على وجه الأرض، يقول فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنها لمُباركة، هي طعامُ طُعمٍ، وشِفاءُ سُقم).
وحلَّق الطيرُ فوق الماء، وحوَّم حول الرَّواء، وصفَّق بجناحَيْه في السماء، فرأَتْه رُفقةٌ من جُرهُم مُقبِلين من طريق كَداء، فأقبَلوا يستأذِنونها في النزول بجِوارِها والإقامة في ناحيتها، فألفَى ذلك أمَّ إسماعيل وهي تحبُّ جِنسَها، وأذِنَت لهم حتى أضحَوا أُنسَها، وتوافَدَت أبياتٌ منهم عليها، وهوَ أفئدةٌ من الناس إليها، ونشأَ إسماعيلُ بين وِلدانهم، وتكلَّم بلسانِهم، ونطقَ بعربيَّتهم، وأنفَسهم فقرَّبُوه، وأعجبَهم فزوَّجوه.
ثم فُجِع إسماعيل - عليه السلام - بموت أمه الصابِرة، وانتقال هاجر إلى الدار الآخرة، بعد أن أرضعَته جميلَ الشمائل والخِصال، وبادَرَته بالتأديب حتى بلغَ مبلغَ الرجال.
وتربيةُ الأولاد هي مهمةُ المرأةِ العُظمى، ووظيفتُها الأُولَى، ومتى ضُيِّعَت ضاعَت الأمةُ وأجيالُها، وفسَدَت أوضاعُها وأحوالُها.
وكان إبراهيم يفِدُ إلى ابنه لِمامًا، ويتفقَّدُه أحيانًا، تُهيجُه حُرقةُ الاشتياق، ويُزعِجُه ألمُ الفِراق، والشوقُ إلى الولد لا يردُّه صبر، ولا يستقِلُّ به صدر.
فجاء يومًا وإسماعيل يبرِي نَبلاً، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنعُ الوالدُ مع ولده عند التلاق بعد طول الفِراق، ثم أخبر إبراهيمُ ابنَه بما أمره ربُّه؛ من بناءِ البيت على أساسٍ من التوحيد والحنيفية ونبذِ الشرك والوثنيَّة، فرفعَ إبراهيمُ القواعد من البيت، وإسماعيل بين عينيه، وطوعُ يديه، ورَهنُ كفَّيه، يأتي بالحِجارة، ويُعينُ أباه في البناء والعِمارة، فلما ارتفعَ البناء جاء له بحجرٍ ليقوم عليه، فقام إبراهيمُ على حجر المقام حافِيَ القدَمَيْن يبني وإسماعيلُ يُناوِلُه الحِجارة، وهما يقولان: {ربنا تقبل .. العليم}.
وما شأنُ العمل بلا قبول، وما قيمتُه بلا رِضا، وما فائدتُه بلا أجرٍ ولا ثواب؟!
فاتَّخِذوا من الإخلاصِ وسيلةً إلى القَبول، ومن الموافقة والاتباع للرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيلةً إلى حصول الأجر والثواب المأمول؛ فالمُرائِي لا ينتفِعُ بعمله، والمُبتدِعُ لا يُثابُ على سعيِه.
وتم البناءُ، وصدَحَ إبراهيم في الأرض بالأذان والنداء، فأقبَلَت الوفود وتقاطَرت الحُشود من عهد أبينا إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وإلى يومنا هذا والمسلمون يأمُّون الكعبةَ المُعظَّمة والبِطاح المُقدَّسة والمشاعِر المُحرَّمة، وقد توحَّد منهم اللباس على اختلاف الأجناس، وتوحَّدت المناسِك على اختلاف البُلدان والممالِك، اجتمعوا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وعلى دين نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعلى ملَّة أبينا إبراهيم حنيفًا مُسلِمًا وما كان من المُشركين.
بنيانٌ واحد، وجسَدٌ واحد، يسعَدُ بسعادة بعضه، ويتألَّمُ لألمِه ومرضِه، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صلَّى صلاتنا، واستقبَلَ قِبلَتنا، وأكلَ ذبيحَتنا، فذلك المسلم، الذي له ذِمَةُ الله وذِمَّةُ رسوله، فلا تُخفِروا اللهَ في ذِمَّته)؛ أخرجه البخاري.
وأصبحَت الكعبةُ المُشرَّفة قبلةً لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -: {ولكل وجهة .. موليها}، ولكلٍّ طريقةٌ يرتضيها، ووجهُ السلم حيثُ توجَّه به دينُه، لا يخرُج عن جهته، ولا يُماثِلُ غيرَه في نِحلَته وحِليته، ولا يُشابِهُه في سُنَّته وهيئَته، ولا يُقارِبُهفي خُلُقه وطريقته.
وأنَّى لأهل الإسلام أن يتوجَّهوا لغيره والوحيُ نزل عليهم، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بُعِث فيهم، حتى صاروا ببركة رسالته ويُمن سِفارته ونور دعوته ودلالته خيرَ الأمم.
فالثَّباتَ الثبَات - يا أهل الإسلام -، والحذر الحَذر أن تزِلَّ بكم الأقدام؛ فدينُكم هو القبلةُ الصحيحة، وشريعتُكم هي الوِجهةُ المُستقيمة، وعقيدتُكم هي الفِطرةُ السليمة.

ثبَّتني الله وإياكم على الحق والهُدى حتى نلقاه. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الكبير المُتعال، أحمدُه على جزيلِ النوالِي وكريمِ الإفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تقدَّس عن الأنداد والأضداد والأمثال، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله كريمُ الخِصال وشريفُ الخِلال، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه خيرِ صحبٍ وأكرمِ آلٍ.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله - عز وجل -؛ فبالتقوى تحصُلُ البركة وتندفِعُ الهلَكَة، إن العاقبةَ للمُتقين.
أيها المسلمون:
ورأى إبراهيمُ في منامه رُؤيا - ورُؤيا الأنبياء حقٌّ -، محنةٌ تدُكُّ الجِبال، وتُثقِلُ الرجال، شيخٌ كبيرٌ جالدَ الأيام، وأحنَته الأحداثُ الجِسام، يُؤمَرُ بذبحِ ولدِه، وفرْيِ أوداجِ فِلذَة كبدِه وإنهار دمه بيده.
أيُّ نفسٍ تُطيقُ هذا البلاء، وأيُّ قلبٍ يقوَى هذا العناء؟!
ودخل إسماعيلُ ليقُصَّ عليه أبوه رُؤياه، ويُخبِره بمِحنته وبَلواه: {يا بني .. ترى}، فيقول إسماعيلُ - طائعًا لربِّه ومُلبِّيًا، صابِرًا ومُؤدِّيًا، مُنقادًا وراضِيًا -:{يا أبت .. الصابرين}.
{فلما أسلَما وتلَّه للجبين} طاوَعَه الابنُ الصالحُ بالتمكين، وكان لأبيه خيرَ مُعين {يا أبت .. الصابرين}.
فلما أمرَّ على حلقه بالسكِّين ناداه أرحمُ الراحمين: {يا إبراهيم .. المبين} وفَداهُ ربُّه بذِبحٍ عظيم، وخلَّصَه بكبشٍ لَحيم؛ ليُعلَمَ أن البلاء ليس للتعذيب، ولكنه للتمحيصِ والتهذيب.
فحينَ تعلَّقَت شُعبةٌ من قلب إبراهيم بمحبة إسماعيل، وقد اتخذَ الله إبراهيم خليلاً، ُمِر بذبح المحبوب، فلما شرعَ في ذبحِه دلَّ على أن محبةَ الله أعظمُ عنده من محبة ولده نفسه، فخلَصَت الخُلَّةُ من شوائب المُشارَكة، ولم يبقَ في الذبحِ مصلحة.
فأين من هامَ قلبُه، وتشتَّتَت نفسُه في العِشقِ والوَلَه، والعلَقِ والسَّفَه، والهوى والعَلَه، فيومًا بالعُذَيبِي ويومًا بالخُليصَاء، وتارةً ينتحِي نجدًا وآونةً شِعبَ العقيق وطورًا قصر تيماء، حبٌّ لغير الله، وخُلَّةٌ لم تُؤسَّس على تقواه، موطئٌ زلَق، ومسلَكٌ خطِر، وخِزايةٌ لا تَبلَى، ومسبَّةٌ لا تفنَى، ومعابَةٌ لا تُنسَى.
ولا يجتمعُ حبُّ الرب الأعلى بحبِّ المعشوقِ أبدًا: {والذين آمنوا أشد حبا لله}، {الأخلاء .. المتقين}.
فيا لها من موعظةٍ فأين السامِع؟ ويا لها من تذكرةٍ فأين التائبُ الراجِع؟ ويا لها من مُوقِظة فأين النادِمُ الخاشِع؟!
يُؤمَرُ الخليلُ بذبحِ ولده، فيُباشِرُ الذبحَ بيده، وتستكبِرُ نفوسٌ على الشرع الحكيم، وتستنكِفُ أن تلِينَ وتستكينُ لأحكام الدين.
فويلٌ للمُستنكفين المُستكبِرين، الرافضين للحق، المُضلِّي للخلق، يوم يُحشَرون صاغِرين حقِيرين ذليلين، {يومئذ يوفيهم .. المبين}.
أيها المسلمون:
ومضَت سنةُ الأضاحِي علَمًا للملَّة الإبراهيمية، وسنةً في الشريعة المُحمَّدية، تُذكِّرُ بالتضحية والفداء، والصدقِ والوفاء، والصبر والثبات عند المِحنة والبلاء، وحُسن الاستجابةِ لله في السرَّاء والضرَّاء.
مضَت قصةُ إبراهيم وهاجر وإسماعيل تُبينُ بأن الإسلام ليس بمحضِ التسمِّي والانتماء، ولا بمحضِ الانتِساب والادِّعاء، ولكنه إيمانٌ راسخ، يقينٌ صادق، علامتُه الخُضوع والانقياد الذي لا يصُدُّ عنه صادٌّ، ولا يردُّ عنه رادٌ، ولا يحمِلُ على تركه مُضاد.
مضَت قصةُ الابتلاء العظيم تُذكِّرُ أمةَ الإسلام وهي تُعالِجُ أمواجَ البلاء بأنه لا حُجَّةَ في الزيغِ عن منهاجِ الاستقامة، ولا شُبهة للحِياد عن وجه الحق، ولا تعلُّل للتعالِي عن واضح المحجَّة، ولا معاذِيرَ في المُلايَنَة على حساب العقيدة والدين.
فسلامٌ على أبي الأنبياء، وسلامٌ على إمام الحُنفاء، {سلام على إبراهيم}.
عباد الله:
إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون - من جنِّه وإنسِه، فقال قولاً كريمًا: {إن الله .. تسليما}.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك المُوحِّدين، ودمِّر الطغاة والبُغاة والمُعتدين، ودمِّر الطغاة والبُغاة والمُعتدين يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستقرارها، ووفِّق قادتَها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، ومُنَّ عليه بالصحة والعافية والشفاء يا رب العالمين.
اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانه وأعوانه لما فيه صلاحُ العباد والبلاد يا رب العالمين.
اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونَك، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تُحقِّق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآيةً.
اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في اليمن والشام، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في اليمن والشام، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم، واحفَظ أموالَهم وأمنَهم واستقرارَهم يا كريم يا رب العالمين.
اللهم ارفع الفتنَ والشرورَ والحروبَ عن بلاد المسلمين، اللهم ارفع الفتنَ والشرورَ والحروبَ عن بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تُشمِت بنا أحدًا، ولا تجعل لكافرٍ علينا يدًا.
اللهم اشف مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا يا رب العالمين.
اللهم يا حيُّ يا قيُّوم اللهم احفَظ حُجَّاج بيتك الحرام، اللهم واحفَظ زُوَّار مسجد رسولك - صلى الله عليه وسلم -، اللهم احفَظهم بحفظِك، واكلأهُم برعايتِك وعنايتِك يا كريم.
اللهم من أرادَنا وأرادَ بلادَنا وأرادَ المسلمين بسوءٍ اللهم فأشغِله بنفسه، واجعل كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه تدميرَه يا رب العالمين، اللهم اكشِف أمرَه، واهتِك سِترَه، واجعله عِبرة يا رب العالمين يا قويُّ يا عزيز.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 10-22-2011, 08:58 PM   رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

دروس الحج
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 23/11/142هـ بعنوان: "دروس الحج"، والتي تحدَّث فيها عن الدروس المُستنبَطة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في حج بيت الله الحرام.
الخطبة الأولى
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فمن اتقاه وقاه، وأسعدَه ولا أشقاه.
معاشر المسلمين:
شرع الله - جل وعلا - العبادات لحِكَمٍ عظيمةٍ ومقاصد سامِية، وإن الحجَّ قد انتظَمَ من المقاصد أسماها، ومن الحِكَم أعلاها، ومن المنافعِ أعظمَها وأزكاها، يقول - جل وعلا -: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ[الحج: 27].
وإن المسلمين اليوم وهم يُعانون فتَنًا مُتلاطمةً، وشُرورًا مُتنوِّعةً، وبلايا مُتعدِّدة لفي أشدِّ الحاجة إلى أن يستلهِموا من فرائض الإسلام العِبَر والعِظات والدروس ليُوجِّهوا حياتَهم من مُنطلقات دينهم، ويُعالِجوا مُشكلاتهم وأدواءَهم على ضوءِ ما يُوجِّهُهم إليه خالِقُهم، ويُرشِدُهم إليه نبيُّهم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -.
عباد الله:
في الحجِّ تذكيرٌ بأن أعظمَ ما يجبُ أن يُهتمَّ به وأن يُحافظَ عليه وأن يُغرسَ في القلوب: هو تحقيقُ التوحيد لله - جل وعلا -، تحقيقُ الغاية العُظمى في الخُضوع والتذلُّل له - عزَّ شأنه - توجُّهًا وإرادةً قصدًا وعملاً.
فمناسِكُ الحجِّ دروسٌ كُبرى للمُسلم بأن يكون في حياته كلها مُحافِظًا على هذا الأصل في كل حينٍ وآن، مُراعيًا له في كل جانبٍ، لا يسألُ إلا الله - جل وعلا -، ولا يدعو إلا إياه، ولا يستغيثُ إلا به، ولا يتوكَّلُ إلا عليه، ولا يتعلَّق إلا به، ولا يطلبُ المددَ والعونَ والنصرَ إلا منه - سبحانه -، مُستيقِنًا قلبُهُ أن الخيرَ كلَّه بيد الله - جل وعلا -، وأن أزِمَّةَ الأمور بيده - سبحانه -، ومرجعَها إليه، لا مانعَ لما أعطَى، ولا مُعطِي لما منَع.
فحرِيٌّ بالمسلم المُوفَّق الاهتمامُ بتلك المعاني كلها، وتحقيقها في حياته إلى أن يلقَى ربَّه؛ ليملاَ حياتَه بالخُضوع التام لله - جل وعلا -، والذلِّ المُتناهِي لخالِقِه - سبحانه -، والاستقامة الكاملة على طاعته ولُزومِ طاعته.
يقول - سبحانه -: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى[البقرة: 197]، وحين أمر بإتمام الحج والعمرة ختمَ الآيةَ بقوله: وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[البقرة:196]، وحين ذكرَ آخرَ المناسِك أوصى - جل وعلا - بتقواه: وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُون[البقرة:203].
وسُورة الحجِّ، وهي سورةٌ كاملةٌ ذكر فيها - جل وعلا - مُعظمَ مناسكِ الحجِّ، يقول في أولها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ[الحج: 1]، وتُختَم هذه السورةُ بقوله - جل وعلا -: فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير[الحج:78].


عباد الله:
من دروس الحجِّ: يجبُ أن تعلمَ الأمةُ أنه لا سعادةَ ولا نجاحَ ولا توفيقَ إلا باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - والسيرِ على نهجِه، والمسيرة الجادَّة على هديِه في الاعتقادات والأعمال، في الحكم والتحاكُم، في الأخلاق والسلوك.
لذا كان - صلى الله عليه وسلم - في كل منسَكٍ من مناسِكِ الحجِّ يُذكِّرُ بهذا المبدأ، فيقول: «خُذُوا عنِّي مناسِكَكم».
فاتقوا الله - عباد لله -، واستلهِموا من هذه الفريضةِ خِصالَ الخير، وسُبُل السعادة، وأسبابَ الفلاح، وذلك بالاستقامةِ على المنهَج الحقِّ والصراط المُستقيم.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
إنه لا رابطةَ تربِطُ المُسلمين إلا رابطةُ التوحيد، ولا نسبَ ثابتٌ إلا نسَبُ الدين، فيجبُ أن تكون صِبغَتُه هي الصِّبغةُ السائدةُ على حياتنا، والتي يجبُ معها النبذُ التام لحمِيَّة الجاهليَّة وفخَارِها، يقول - جل وعلا - في سِياق آياتِ الحجِّ: ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ[البقرة: 199].
فلماذا التفرُّق بين المسلمين وقد أمرَهم الله بالاعتصام بدينه؟ ولمَ التباغُض والتنافُر وقد أمرَ الله بالأُخُوَّة بين المؤمنين؟ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[الحجرات: 10].
فأين المسلمون من المقاصد العُظمى لدينهم؟ لماذا يكيدُ المُسلمُ لأخيه؟ ولماذا التفرُّق والتحزُّب وأُصولُ ديننا واحدةٌ، وقواعدُه العُظمى ثابتةٌ؟ لماذا التفرُّق والخِلاف في جُزئيَّاتٍ وفروعٍ وقد نصَّ المُحقِّقون من علماء الإسلام أن الخلافَ في الفروع لا يجوزُ أبدًا أن يكون سببًا للتنافُر والتفرُّق؛ لأنه يهدِمُ أُصولَ الإسلام العُظمى.
ولهذا أشار إلى ذلك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، مُحذِّرًا من عواقِبِ التفرُّق والتحزُّب، فيقول في خُطبة الوداع: «إن دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحُرمة يومكم، في بلدكم هذا، في شهرِكم هذا».
فالحجُّ - أيها المُسلمون - يجبُ أن يكون بدايةً لنغرِسَ في النفوسِ حياةً للمُسلمين تُراعَى فيها حُرُمات الله؛ لتقوم في الأرض حياةٌ يأمَنُ فيها البشرُ من البَغيِ والعُدوان، حياةٌ يجِدون فيها مثابةَ أمنٍ، ودَوحَةَ سلامٍ واطمئنانٍ.
فربُّنا - جل وعلا - يقول: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً[البقرة: 125]، ويقول: وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا[آل عمران: 97]. صَلُّوا
ثم إن الله - جل وعلا - أمرنا بأمرٍ عظيم، ألا وهو: الصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا ونبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين وعن الصحابة أجمعين، وعن الآلِ ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أذِلَّ الشركَ والمُشركين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم فرِّج هُمومَنا وهمومَ المسلمين، اللهم اكشِف كُرُبات المسلمين في كل مكانٍ.
اللهم هيِّئ للمسلمين في ليبيا وفي سُوريا وفي مصر وفي اليمن حياةً طيبةً آمِنة ولسائر بلاد المسلمين.
اللهم اجمع المسلمين على الحق والتقوى، اللهم اجمع المسلمين على الحق والتقوى، اللهم اجعلهم مُتعاوِنين على البرِّ والخير يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعلهم إخوةً مُتحابِّين في الله وفي محبَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم احفظ هذه البلاد من كل سوءٍ ومكروهٍ وسائر بلاد المسلمين، اللهم احفظ بلادَ المسلمين جميعًا من كل سوءٍ ومكروهٍ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء سائر بلاد المسلمين، اللهم اجعل المسلمين في أمنٍ ورخاءٍ واستقرارٍ.
اللهم اجعل هذا الحجَّ مُنطلقًا إلى كل خيرٍ للإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم فرِّح قلوبَنا بنُصرة الإسلام والمسلمين، اللهم فرِّح قلوبَنا بنُصرة الإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوءٍ فأشغِله في نفسه، واجعل تدميرَه في تدبيره يا رب العالمين.
اللهم احفظ خادمَ الحرمين، اللهم ازرقه الصحةَ والعافيةَ، والعُمر المَديد ولنائبيْه يا ذا الجلال والإكرام بمثل ذلك، إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات.
اللهم احفظ الحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم احفظ الحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم رُدَّهم إلى بلادهم سالِمين غانِمين.
اللهم يا حيُّ يا قيُّوم نسألُك أن تغفِر لنا ذنوبَنا، وأن تُكفِّر عنَّا سيئاتنا، وأن تُصلِح أحوالَنا، وأن تشفِيَ مرضانا ومرضى المُسلمين.
عباد الله:
اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 10-29-2011, 01:51 PM   رقم المشاركة : 40

 

الحج وفضائله
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 1/121432هـ بعنوان: "الحج وفضائله"، والتي تحدَّث فيها عن فضائل الحج وبيان عِظَم منافعه الدنيوية والأخروية، ثم ذكَّر في خطبته الثانية بضرورة الإكثار من الأعمال الصالحة في أيام العشر واغتنامها بما ينفعُ العبدَ في الدارَين.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، وراقِبوه في السرِّ والنجوى.
أيها المسلمون:
الله - سبحانه - هو الغنيُّ القويُّ، وما سواه مُفتقِرٌ إليه مُحتاجٌ له؛ فلم يخلُق الخلقَ تكثُّرًا بهم ولا تقويةً لجلاله؛ بل خلقَهم لحكمةٍ عظيمةٍ هي: عبادتُهم له، وبعبادتهم له يسعَدون.
ولفضله ورحمته بخلقه شرعَ لهم أعمالاً أقوالاً يتقرَّبون بها إليه، ولتتضاعَفَ أجورُهم ولتُقضَى عنده حاجاتُهم، وفاضَلَ - سبحانه - بين عباداته فجعل تحقيقَ التوحيد والعملَ به واجتنابَ نواقِضه أجلَّ عملٍ يُحبُّه الله، وإظهارَ هذه العبادة بالقول أزكى الأقوال إليه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «أحبُّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»؛ رواه مسلم.
بل جعل - سبحانه - توحيدَه شرطًا لقَبول أي عملٍ صالحٍ، وإن انتقضَ هذا الشرطُ لم ينتفِعِ العبدُ بعمله ورُدَّ إليه، قال - سبحانه -: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين[الزُّمَر:65].
ولتحقيق أساس الدين وإظهاره في أقوال العباد وأعمالهم نوَّع - سبحانه - الطاعات والأعمال الصالحة ليُعظَّمَ الربُّ في كل حين، فما أن ينتهي موسمٌ إلا ويعقُبُه بموسمٍ آخر يُظهِرون فيه توحيدَه - سبحانه - والتذلُّل إليه.
فشرعَ - سبحانه - أطولَ عبادةٍ بدنيَّةٍ مُتصلةٍ يتلبَّسون بها أيامًا لإظهار إفراد الله بالعبادة وحده، وأن عبادة ما سواه باطلة، ولتكُو بها أبدانُهم وأموالُهم، وتطهُر بها قولبُهم وأفواهُهم، فمن أدَّاها كما أمره الله عادَت صحائِفُ أعماله بلا أدرانٍ ولا خطايا، قال - عليه الصلاة والسلام -: «من أتَى هذا البيتَ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه»؛ متفق عليه.
ويتعرَّضُ الحُجَّاج في هذه العبادة لنفَحَاتِ ربهم في مكانٍ عظيم، وفي يومٍ هو أكثرُ أيامٍ تُعتقُ فيه الرقابُ من النار، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من يومٍ أكثرُ من يُعتِقَ اللهُ فيه عبدًا من النار من يومِ عرفة، وإنه ليدنُو ثم يُباهِي بهم الملائكة، فيقولُ: ما أراد هؤلاء؟»؛ رواه مسلم.
ومن كان حافظًا لحجِّه مما حرَّم الله وعدَه الله بالجنة، قال - عليه الصلاة والسلام -: «الحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة»؛ متفق عليه.
الحجُّ ركنٌ من أركان الدين مليءٌ بالمنافع والعِبَر، أمرَ - سبحانه - فِعلَه في أطهر بُقعةٍ وأشرفِها، ليجتمِعَ شرفُ العمل والمكان، بنى الخليلُ فيها بيتَ الله وأسَّسه على التقوى والإخلاص، وأبقَى الله ما بناه إبراهيم ليرَى العبادُ أنه لا يبقى من العمل إلا ما كان خالصًا لوجه الله.
ويستفتِحُ الحُجَّاجُ عبادتَهم بإظهار الوحدانية لله وحده، والبراءة من عبادة ما سواه: "لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريكَ لك لبَّيك".
والشهادةُ لا تتمُّ إلا بطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - واقتفاءِ أثَره، وتقبيلُ الحجر الأسود منهجٌ في الطاعة والابتاع، فتقبيلُه تعبُّدًا لا تبرُّكًا بالحجر، فهو لا ينفعُ ولا يضُرُّ.
جاء عمر - رضي الله عنه - إلى الحجَر فقبَّله فقال: "إني أعلمُ أنك حجرٌ لا تضُرُّ ولا تنفَع، ولولا أني رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقبِّلُك ما قبَّلتُك"؛ رواه البخاري.
وفي التلبُّس بالإحرام دعوةٌ للنفس إلى عصيان الهوى؛ فلا لُبس مخيطٍ ولا مسَّ طِيبٍ ولا خِطبةَ نكاح.
وسوادُ الحجر الأسود تذكيرٌ للعباد بشُؤم المعصيةِ حتى على الجمادات، وعِظَمُ أثرها على القلب أشدُّ، قال - عليه الصلاة والسلام -: «نزلَ الحجرُ الأسودُ وهو أشدُّ بياضًا من اللبن، فسوَّدَته خطايا بني آدم»؛ رواه الترمذي.
ويرى الحاجُّ أثرَ المعصية على العاصي، فإبليسُ ظهر على إبراهيم ثلاث مراتٍ ليمنَعه عن امتثال أمر ربِّه بذبح ابنه إسماعيل، فرماهُ الخليلُ بالحجَر مُهينًا ومُظهِرًا له العداوة، وعودةُ خروجه على الخليل تذكيرٌ من الله لنا بأن إبليس يُعاوِدُ وسوستَه لبني آدم وفي عدة مواطن.
والحجُّ إعلامٌ بأن الإسلامَ هو الدينُ الحق، فلا ترى خلقًا يجتمعون من بِقاع الأرض على تبايُن أجناسِهم ومواطِنهم وطبقاتهم إلا في الحج، وهذا من عظمة الإسلام.
وفي الحجِّ إظهارُ معنًى من معاني الربوبية، وأن قلوبَ العباد يُصرّفُها الله كيف يشاء، فيرى الحاجُّ وغيرُه أن الهدايةَ بيد الله وحده، يمنحُها للفقير وللمرأة وللعاجز وللآفاقي والعجمي، وقد يُحرَمُ منها الغنيُّ القويُّ القادر، وفضلُ الله يُؤتيه من يشاء.
وفي أداء هذا الركن انتظامُ عبادةٍ بعد أخرى، ودقَّةٌ في العمل والزمن، فعبادةٌ بالليل؛ كالمبيت بمُزدلِفة، وأخرى بالنهار؛ كالوقوف بعرفة، وعبادةٌ باللسان بالتكبير والتلبية، وأخرى بالجوارح؛ كالرمي والطواف، وفي هذا إيماءٌ إلى أن حياةَ المسلم كلَّها لله.
والأعمالُ بالخواتيم، وقد يُرى أثرُ خِتامها في المحشَر؛ فالمُتصدِّقُ يُظلُّ تحت ظلِّ صدقَته، والعادلُ في حُكمه على منابِرَ عن يمين الرحمن، ومن مات مُحرِمًا بُعِثَ مُلبِّيًا.
وعلى العبد إذا انشقَّ فجرُ يومه أن يُعِدَّه خِتامَ عُمره، عملاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كُن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابِرُ سبيلٍ»؛ رواه البخاري.
ومن علَّق قلبَه بالله والدارِ الآخرة وقصَّرَ أملَه في الدنيا وتزوَّد بزاد التقوى ظفَرَ بالنجاة والفلاح.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير[الحج:27، 28].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
خصَّ الله أمكنةً بالشرفِ والفضلِ، واختارَ الله من العام أزمِنةً يزكُو بها العملُ الصالحُ ويتضاعَف، فاختارَ من الشهور: أشهُر الحجِّ ورمضان، ومن الليالي والأيام: العشرَ الأخيرَة من رمضان وعشرَ ذي الحجَّة، وأيامُ ذي الحجَّة تفضُلُ على أيام العشرِ الأواخِر من رمضان؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام - يعني: أيام العشر -». قالوا: يا رسول الله: ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهادُ في سبيل الله، إلا رلٌ خرجَ بنفسه وماله فلم يرجِع من ذلك بشيءٍ»؛ رواه الترمذي.
ومن العمل الصالح فيها: المزيدُ من برِّ الوالدين وصِلَة الرَّحِم، والصدقَة والصوم، والذكر وتلاوة القرآن، وتفريجِ الكُرُوب والتكبير.
وكان الصحابةُ - رضي الله عنهم - يُكبِّرون حتى في الأسواق.
أيها المسلمون:
فاضَلَ الله بين أحوالِ الناس في الحياة؛ فمنهم من يُوفَّقُ إلى فعل الخيراتِ والمُسارعَةِ إلى الحسنات، والاستجابةِ إذا طُلِبَت منه معونةٌ أو تفريجُ كُربةٍ يحتسِبُ ذلك عند ربِّه عالمًا بأن ما عند الله خيرٌ وأبقى، وهذا الصِّنفُ من الناس يُسعِدُه أن يقضِي حاجةً، أو أن يُعينَ مريضًا، أو يُؤوِي فقيرًا، أو يُطعِم جائعًا، أو يُفرِّجَ كُربةً، فترى القلوبَ له مُحبَّةً، والألسُن له داعيةً، ولفقدِه حزينة.
ومن الناس من يُحرَمُ مثل ذلك، ولا يُسارِعُ إلى فعل الطاعات.
فاحرِصوا أن تكونوا من السبَّاقين؛ فإنكم مُلاقُوا ربِّكم ومجزيُّون بأعمالكم، وتذكَّروا قولَ الله - سبحانه -: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين[آل عمران:133، 134]، وقولَه - سبحانه -: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه[الزلزلة:7، 8].
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم سلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم اجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبَهم مغفورًا، وأعِدهم إلى بلادهم سالِمين غانِمين، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ والبرِّ والتوحيد يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا لهداك، وألبِسه لباسَ الصحة والعافية، ووفِّق وسدِّد وليَّ عهده واجعله ناصيةَ خيرٍ وبرٍّ للإسلام والمسلمين، اللهم اغفر لفقيد هذه البلاد، وارفع درجتَه في المهديين، واجبُر كسرَ مُصاب المسلمين به يا رب العالمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين[الأعراف:23].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:09 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir