المشهد العربي في المملكة العربية السعودية
د. سعيد أبو عالي
قبل أكثر من عام كان المشهد العربي محزناً ومقلقاً في آن واحد. الحزن يتقمَّص كل عربي يشهد أمَّته وهي تعيش حالة ضياع، لا تستطيع خلالها استثمار إيجابيات الماضي، ولا تسخير إمكانات الحاضر لتصنع مستقبلاً واعداً.. كما أنَّ القلق بدأ يساور كثيرين؛ وذلك جراء استعصاء قضية العرب الكبرى فلسطين على كل محاولة لحلِّها، ناهيك عن انقسام فلسطين الباقية بشراً وأرضاً. وزيادة بلَّة على الطين ما صرَّح به جنرال إيراني بأنَّ (إيران الفارسية) أصبحت تسيطر على أربع عواصم عربية، هي: بغداد، دمشق، بيروت، وصنعاء.. وتضاعف القلق لدى كثيرين -وأنا منهم- عندما بدأ بعض قادة الحوثيين في اليمن يلمِّحون بأن هدفهم مكة المكرمة -حرسها الله-.
إلا أن بشارة ضوء وشرارة حزم أضاءت فجر يوم الخميس، الخامس من شهر جمادى الآخرة عام 1436هـ؛ وذلك بقيام الطائرات الحربية السعودية بقصف مواقع عسكرية تتبع الحوثيين وشريكهم في (حلف الكراهية) علي عبدالله صالح.
لقد انطلقت عاصفة الحزم بناءً على طلب من الرئيس الشرعي للجمهورية اليمنية عبد ربه منصور هادي.
هذه الإضاءة أعادت إلى كل حريص على مصير أمَّته العربية الثِّقة في الحاضر والمستقبل. ولأول مرَّة يتجمع تحالف عربي مكوَّن من عشر دول عربية؛ للمشاركة في (عاصفة الحزم) بقيادة المملكة العربية السعودية. ونتيجة لذلك برزت إيجابيات ما عهدنا أكثرها منذ عقود طويلة:
على المستوى الدولي، لقي القرار قبولاً وأحياناً استنكاراً، ولكن العالم بمنظماته الأممية ودوله الكبرى وقف إجلالاً لهيبة القرار الذي تمَّ اتخاذه وتنفيذه بإرادة عربية، دون تدخل من الخارج. وفي ضوء هذه الإيجابية فإنَّ قادتنا ملزمون بالاتِّحاد والتَّضامن فيما يخص القضايا العربية في جميع المجالات.
على المستوى الإقليمي، استيقظت إيران على جدِّية القرار العربي.. وعدم السماح لأيٍّ كان من زعزعة استقرار الأمة العربية أو الاعتداء على حدودها؛ وأنَّ حسابات إيران فيما يخص قدرة وإمكانيَّات العرب هي حسابات خاطئة.
وعلى المستوى القومي، ارتفعت المعنويات وسرت في قلوب العرب وعلى أرضهم سريان الماء السلسبيل في الرياض (جمع روضة) النَّاضرات.. وهنا تكمن مسؤولية خطيرة على المفكرين والقادة العرب؛ من أجل استثمار هذا الشعور، وتوجيه الفكر والخطط والتنفيذ؛ من أجل نهضةٍ عربيةٍ جديدة تؤمن بالأخوة العربية ووحدة الواقع والمصير.
أما على المستوى الداخلي في المملكة العربية السعودية فإنَّ المكاسب كثيرة ولعلَّ أهمها:
وقوف السعوديين خلف قائدهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يؤيدون قراره التاريخي، بإطلاق عملية (عاصفة الحزم)؛ وهذه الوقفة مثلت دلالة على لحمة القيادة السعودية مع شعبها النبيل.
ثبات الأمن والأمان داخل المملكة، فالناس يغدون إلى أعمالهم وشؤونهم، ويروحون دون خوف، وكأن ليس على حدودهم الجنوبية (حرب شرسة) بكل ما توحيه هذه الصفة من معانٍ.
الحاجات الاستهلاكية للمواطنين والمقيمين على حدٍّ سواء متوفرة في المتاجر والأسواق العامة.. وبأسعارعادية لم تهزها أو تغيرها الحالة على الجبهة الجنوبية.
استقبل المواطنون القرار النبيل لخادم الحرمين الشريفين، باستقبال الأشقاء اليمنيين الهاربين من جحيم الحوثي وصالح، وفتح المدارس لأبنائهم، وتوفير العلاج اللازم لهم ولأسرهم، وقبولهم للعمل في المؤسسات والشركات.. وأكثر من ذلك تمَّ تنفيذ أمر الملك النبيل بتسوية أوضاع ما يصل إلى المليون يمني، كانوا يقيمون بالمملكة بطرق غير مشروعة.. وتسجيلهم في مواقع العمل.
قامت المملكة بشرح مخاطر الإرهاب داخل البلاد الإسلامية.. بالإضافة إلى أن المسلمين - بفعل الآلة الإعلامية الغربية - غدوا متهمين بنشر الإرهاب.. بينما المسلمون وفي قلوبهم الدين الإسلامي لا يقرُّون الإرهاب. وفي القرآن الكريم «من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً» والتوجيه النبوي يقرِّر أنَّ من قتل ذمياً (أي من غير المسلمين) أو معاهداً فإنَّ مصيره إلى النار.. إزاء هذا قام الإتحاد الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، ولأول مرَّة تجمَّع المسلمون بقيادة المملكة العربية السعودية في تسع وثلاثين دولة إسلامية لمحاربة الإرهاب بالفكر والتنوير والنصح.. وبالقوة أحياناً.
أوحتْ عاصفة الحزم ومعانيها السامية إلى حاجة بلادنا -كما هي حاجة جميع بلاد المسلمين- إلى تصنيع وسائل العيش الكريم والأمن المستدام داخل بلادها والاستغناء عن الاستيراد، فبدأت في أولى بادرة عملية بالعمل على (تصنيع قطع غيار) الآلات العسكرية.. ويا حيَّ ويا هلا بهذه الخطوة التي ترفع المعنويات، وتوفر الأموال، وتخلق فرص عمل جديدة متجددة للشباب والشابات.
تقود المملكة عاصفة الحزم وعينها على مساعدة المنكوبين.. فتستقبل الهاربين من جحيم عدوان الحوثي وصالح على الشعب اليمني.. بل إنَّ الملك سلمان -أيَّده الله- حفاظاً على الأرواح، ومبادرةً إلى نجدة اللهفى، وصوناً لحياة الإنسان وكرامته أعلنَ تأسيس مركز دولي رائد لإغاثة المجتمعات التي تعاني من الكوارث؛ وأطلق على هذه المبادرة الخيرة اسم (مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية) ولهذا المركز بُعد بشري وجغرافي لا يعرف الحدود، واليمن -الشعب والأرض- تأتي في طليعة المحتاجين. وغداة تأسيس هذا المركز تمنى -وما زلنا نتمنى- كل سعودي أن تسمح له ظروف الصندوق وسياساته بالمشاركة الفردية من كل سعودي يرغب في ذلك.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -أيَّده الله- يقود العاصفة بالتعاون مع أشقائه العرب ومع جيرانه اليمنيين.. ويسعى مع ذلك إلى إقامة حوار بنَّاء وتعاون بين أبناء الشعب اليمني.. ولتحقيق هدف الحوار يتعاون الملك مع منظمة الأمم المتحدة ومع شعوب العالم لإقامة هذا الحوار بين اليمنيين، فكانت محادثات بينهم، وآخرها محادثات الكويت، والتي ستركز على نزع السلاح من أيدي الميليشيات، وتثبيت الاستقرار في اليمن بقيادة الحكومة اليمنية الشرعية.
إننا وبعد مرور عام على عاصفة الحزم، نتطلع إلى قائدنا وزعيمنا الملك سلمان بن عبدالعزيز بأن يعزِّز مسيرته الخيِّرة نحو وحدة العرب وتضامن المسلمين؛ وأن يشرع -حفظه الله- بوضع خطة إستراتيجية تهدف إلى نهضة بلادنا خصوصاً ونهضة البلاد العربية على وجه العموم.
بارك الله الخطى.. وحقَّق الأهداف.