يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-15-2012, 10:24 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

النظام والفوضى في حياة المسلم
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "النظام والفوضى في حياة المسلم"، والتي تحدَّث فيها عن النظام والالتزام والانضباط في حياة المُسلم في كل شُؤونه؛ في عباداته، وعاداته، وفي أخلاقه، ومُعاملاته، في السِّلمِ والحربِ، ووجَّه العديدَ من النصائح والوصايا بهذا الصَّدَد.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله أبدعَ ما أوجدَ، وأتقنَ ما صنَعَ، وكلُّ شيءٍ لجبروته ذلَّ ولعظمته خضَعَ، سبحانه وبحمده في رحمته الرجاء، وفي عفوِه الطمعُ، وأُثنِي عليه وأشكُره؛ فكم من خيرٍ أفاضَ ومكروهٍ دفَع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى في مجده وتقدَّس وفي خلقِه تفرَّد وأبدَع، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أفضلُ مُقتدًى به وأكملُ مُتَّبَع، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضلِ والتّقَى والورَع، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ولنهجِ الحق لزِم واتَّبَع، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فالحياة يعقُبُها الممات، والأترابُ يُسلِمون للتراب، سبقَ القومُ بكثرة الصلاة والصوم، هجَروا لَذيذَ المنام، وغايتُهم دارُ السلام، فالجِدَّ الجِدَّ - رحمكم الله - من أجل أن تغنَموا، والبِدارَ البِدَارَ من قبل أن تندَموا، واطرُقوا في الدُّجَى بابَ الرجاء، الموتُ بابٌ مورود، والأجلُ غيرُ مردود، ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ[هود: 103- 105].

أيها المسلمون:
ربُّنا الله - عزَّ شأنُه - خلقَ فسوَّى، وقدَّر فهدَى، خلقَ كلَّ شيءٍ فقدَّره تقديرًا، وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ[الرحمن: 7- 9]، هذا خلقُ الله، هذا تقديرُه وتدبيرُه في انتِظامٍ واتِّزانٍ، وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ[الحجر: 19- 21].
وفي مُقابِل ذلك: فإن الله - جل جلاله - خلقَ الإنسانَ وسوَّاه، وعدَلَه وخلقَه في أحسن تقويم، ومن وراء ذلك دينُ الله وشرعُه الحافظُ للمكرُمات، والعاصِمُ من الدنايا، والدالُّ على كل مسلَكٍ مُتَّزِن، وتعاليمُ هذا الدين ووصاياه تمتزِجُ بطوايا النفوس، وتُهذِّبُ طبائعَ البشر، حتى تضبِطَ اتجاهاتها، وتُوجِّه مساراتها، وتحفَظ توازُنها، وتُحكِم مسيرتَها.
تأمَّلوا - رحمكم الله - هذه الآيات في ترتيب الكونِ: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا[الفرقان: 61، 62]، ثم تأمَّلوا ما أعقبَها من جُملةٍ من أوصافِ عباد الرحمن في اتِّزانِهم، وانضِباطِهم، وآدابِهم؛ حيث قال - عزَّ شأنُه -: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا[الفرقان: 63]، ثم قال - سبحانه -: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا[الفرقان: 67]، كما قال - سبحانه -: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا[الفرقان: 72].
معاشر المسلمين:
انضِباطُ المسار، وتوازُن المسيرة، وتهذيبُ السلُوك، وعلوُّ الذوقِ من أُصول الحياة السعيدة، وأُسُس التعامُل في دين الإسلام، وأكملُ المؤمنين إيمانُا أحسنُهم خُلُقًا، الاعتِدالُ والتوازُن والانضِباطُ والالتزامُ كلُّ ذلك تعكِسُه وتدلُّ عليه هيئةٌ راسِخةٌ في النفسِ البشرية السويَّة تجعلُ ما يصدُرُ عنها من أفعالٍ وتصرُّفاتٍ موافقةً للحق، مُجانِبةً لما يُستقبَح، مُراعِيةً للمشاعِر. التزامٌ في إعطاء الحقوق، وتوازُنٌ ومُوازنةٌ بين الحقوق والمسؤوليات.
أيها الإخوة في الله:
النظامُ، والانضِباطُ، وحُسنُ الترتيبِ، وسلامةُ التقدير، وجمالُ الذوقِ كلُّ ذلك يحفَظُ الفردَ كما يحفَظُ الجماعةَ، ويُعينُ على تحمُّل المسؤولية وعلى أعبائِها، ويُثبِّتُ العلاقات الاجتماعية ويُنظِّمُها.
التعامُل المُنظَّمُ والتقديرُ الصحيحُ يهَبُ الحياةَ مذاقًا حُلوًا، ويقِي - بإذن الله - من أعباءٍ ثِقالٍ تُرهِقُ الفِكرَ والصحةَ والمالَ، مسالِكُ راقية، ومساراتٌ مُتوازِنة، يقودُها وعيٌ عميقٌ، وعزمٌ صادقٌ، وإصرارٌ لا يعرِفُ الكسلَ، ليس بالقوة تتحقَّقُ الآمال، ولكن بالعزيمةِ والإصرارِ وحُسن الأدبِ.
عباد الله:
المُسلمُ المُستقيمُ الجادُّ في حياته، المُنظِّمُ لشؤونه يجعلُ لكلِّ جزءٍ من وقتِه هدفًا، ولكلِّ عملٍ من أعماله غايةً، لا وقتَ له يضيع، ولا شيءَ من حياته في فراغٍ، المُوازنةُ عنده ظاهرةٌ بين الأهمِّ والمُهِمِّ وما دون ذلك. وإن للمُسلِمِ في فرائضِ الإسلامِ وأحكامِه وآدابِه ما يُنبِّهُه إلى ضرورةِ الانضِباطِ ولُزومِ الآدابِ في حياته كلِّها.
تأمَّلوا - رحمكم الله - هذا الانضِباط والترتيبَ وتهذيبَ الذوق في المُسلم وهو يقومُ إلى صلاته، مُتطهِّرًا في بدنه وثوبه وبُقعته، يستاكُ، ويأخُذ زينتَه، ويمشي إلى بيتِ الله، وعليه السكينةُ والوقار، يجتنِبُ الروائحَ الكريهةَ من أجل نفسِه وإخوانه والملائكة المُقرَّبين، ثم آداب الخروج والدخول من منزله ومسجده، وخفضُ الصوت، وغضُّ البصر، والقراءة، والذِّكرُ، والدعاء، والمُناجاة، والإنصاتُ، وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا[الإسراء: 110].
قائمًا لله قانتًا، ساكِنًا، غيرَ عابثٍ لا في حركةٍ، ولا في شُرودِ فِكرٍ، مُتابِعًا لإمامه، مُنتظِمًا في صفِّه، في ذوقٍ رفيعٍ، وأدبٍ عالٍ.
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يمسَحُ مناكِبَنا في الصلاة ويقول: «استَوُوا، ولا تختَلِفوا فتختلِفَ قلوبُكم، ليلِنِي منكم أُولو الأحلامِ والنُّهَى، ثم الذين يلُونَهم، ثم الذين يلُونَهم»؛ رواه مسلم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنما جُعِل الإمامُ ليُؤتَمَّ به؛ فلا تختلِفُوا عليه، فإذا ركَعَ فاركَعوا، وإذا قال: سمِعَ الله لمن حمِده، فقولوا: ربَّنا لك الحمدُ، وإذا سجدَ فاسجُدوا، وإذا صلَّى جالِسًا فصلُّوا جُلوسًا أجمعون، وأقِيموا الصفَّ فإن إقامةَ الصفِّ من حُسن الصلاة»؛ متفق عليه.
إنهم المُؤمنون في صلاتِهم خاشِعون، وعليها يُحافِظون، وعن اللغوِ مُعرِضون، إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ[العنكبوت: 45].
أما الزكاة؛ فهي زكاءٌ وطُهرٌ، خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[التوبة: 103]، لا يُتبِعون صدقَاتهم ولا نفقَاتهم مَنًّا ولا أذًى، يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً[البقرة: 274].
وفي الصيام صفاءٌ ونقاءٌ وصبرٌ، يدَعُ قولَ الزُّورِ والعملَ به والجهلَ.
والحجُّ سكينةٌ وبُعدٌ عن التنطُّع والتكلُّف والغُلُوّ، فالحجُّ ليس بالإيضاع، «أيها الناس! اربَعوا على أنفسِكم؛ فإنكم لا تدعُون أصمَّ ولا غائِبًا، السَّكينةَ السَّكِينةَ، أمثالَ هؤلاء فارْمُوا، إياكُم والغُلُوَّ».
وفي حالِ الحربِ والقتالِ؛ فهناك آدابُ رفيعة، وتنظيماتٌ دقيقة، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ[الصف: 4]. أما أداءُ الصلاةِ في حالِ الحربِ فأمرُها عجيبٌ في لُزومِ الجماعة، والانضِباطِ في الإمامةِ والائتِمام، وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ[النساء: 102].
أما عذابُ الحربِ وعُلوّ الذوقِ مع ضربِ الرِّقاب وشدِّ الوثاق فأعجبُ وأعجبُ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً[محمد: 4]، مع تجنُّب الإيذاء لمن ليس يدٌ في القتال؛ من المرأة، والطفلِ، والشيخِ الكبيرِ، وأصحابِ العباداتِ والصوامِع، حتى قال عُمر - رضي الله عنه -: "توقَّوا قتلَهم إذا التقَى الزَّحْفان، وعند شنِّ الغارات".
ناهِيكم بحُسن مُعاملةِ الأسرى واحترامِ المبعوثين والرُّسُل، وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ[التوبة: 6].
معاشر الإخوة:
هذه بعضُ مظاهر الآداب في الأحكام، يُضمُّ إلى ذلك: ما هو معلومٌ من آدابِ الإسلام وتنظيماته وترتيباته العالية في الأكلِ، والشربِ، واللِّباسِ، والسلامِ من القاعد والماشي والراكِب، وآداب الجُلوس والحديث، وتوقيرِ الكبير، ورحمةِ الصغير، والتيامُن في التنعُّل والترجُّل وفي الشأنِ كلِّه، وآدابِ الدخولِ والخروجِ للمنزل والمسجدِ والسوقِ وبيتِ الخلاءِ وقضاءِ الحاجة، وتخيُّر الأوقاتِ المُناسِبة في الزيارات، وآداب الاستِئذان، وإحسان الظنِّ بين الإخوان في التعامُل، وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ[النور: 28].
أما آدابُ السفرِ والصُّحبَة؛ فاستذكِروا توجيهَ نبيِّكم محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - في قولِه: «إذا خرجَ ثلاثةٌ في سفَرٍ فليُؤمِّروا أحدَهم»؛ رواه أبو داود، وإسنادُه حسنٌ.
وعن أبي ثعلبَةَ الخُشَنيِّ - رضي الله عنه - قال: قال عمروٌ: "كان الناسُ إذا نزلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - منزلًا تفرَّقُوا في الشِّعابِ والأودِية، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن تفرُّقَكم في هذه الشِّعابِ والأودِية إنما ذلكم من الشيطان». فلم ينزِلوا بعد ذلك منزلًا إلا انضمَّ بعضُهم إلى بعضٍ، حتى لو بُسِطَ عليهم ثوبٌ لعمَّهم"؛ رواه أبو داود، وإسنادُه حسنٌ.
إن من علامات سعادة المرءِ - حفِظكم الله -: أن يُوهَبَ ذوقًا رفيعًا، ومسلَكًا مُهذَّبًا؛ حينئذٍ يستمتِعُ بالحياةِ، ويأنَسُ بالجليسِ، وتُقدِّرُه المشاعِر، صاحبُ الذوقِ السليمِ والأُسلوبِ المُهذَّب قادرٌ على استِجلابِ القلوبِ، وجذبِ النفوس، وإدخالِ السُّرور.
المُهذَّبُون يتخيَّرون الكلماتِ اللطيفة، ويختارون الأوقاتِ المُناسِبة والتصرُّفات المُلائِمة، أصحابُ الذوقِ الرَّفيع يتحاشَون النِّزاعَ، وحِدَّة الغضبِ، وينفِرون من الأقوال النَّابِية والأفعالِ الشائِنَة، ويجتنِبُون الجفاءَ والكَزازةَ والغِلظَة.
وإذا أردت - غفرَ لك الله - أن تختبِرَ أذواقَ الناسِ وانضِباطَهم والتِزامَهم فارقُبهم في مواطِنِ الزِّحام، وقيادة المَركَبات، ومدَى الالتِزام بقواعدِ السَّير، وآداب الاجتماع، وانتِظامِ الوقوفِ في الصُّفوف، وحديثِ الهواتِف، وحُسن استِعمال أنواع التِّقَنِيَّات والآلات ابتِداءً وإجابة، وآداب إرسالِ الرسائل واستِقبالِها صوتًا وكتابةً ومُشاهدةً.
وبعدُ، حفظَكم الله:
فإن المرءَ سوف يندَم ثم يندَم على الفوضَى، والخرَق، والعجَلة، والطَّيش، ولن يندَمَ مع الأناة، والنظام، وضبطِ التصرُّف، ومن هجَرَ بلا سببٍ فسوفَ يرضَى بلا سببٍ، ولا يهَبُ السيئات إلا الحسنات، ولا يترقَّى المُسلمُ مراقِيَ المكارِم إلا بمحاسِنِ الأخلاق، وقد قالوا: "إن المرءَ لا تظهرُ أخلاقُه مع الأكابِر، وإنما يظهرُ فضلُه في تعامُله مع من دونَه، فهناك يتبيَّن النُّبلُ، وجميلُ الخُلُق، ورفيع الذوق".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ[لقمان: 17- 19].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهديِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله وفَّقَ من شاءَ من عباده إلى طريقِ السعادة، أحمده - سبحانه - وأشكرُه وقد أذِنَ للشاكِرين بالزيادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أرجُو بها الحُسنى وزِيادة، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه عبَدَ ربَّه حقَّ العبادة، صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أهلِ الشرفِ والعِزِّ والسِّيادة، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، معاشر المسلمين:
وأما من كان أمرُه فُرُطًا فهو من غلُظَت نفسُه، وجفَّ طبعُه، وقلَّ تهذيبُه، واضطرَبَ أمرُه؛ فلا تسَلْ عما يجلِبُه لنفسِه ولمن حولَه من التَّعَبِ والعبَثِ، لا يُراعِي مشاعِر، ولا يتحاشَى الزَّلَل، يُؤذِي بلفظِه، ويجرَحُ بلَحظِه، يقول الحافظُ ابن القيم - رحمه الله - في أمثالِ هؤلاء: "مُخالطتُه حُمَّى الروح، ثقيلُ النفسِ، بغيضُ العقل، لا يُحسِنُ أن يتكلَّمَ ويُفيدَك، ولا يُحسِنُ أن يُنصِتَ فيستفيدَ منك، ولا يعرِفُ نفسَه فيضعَها موضِعَها".
ويُذكَرُ عن الإمام الشافعيِّ - رحمه الله - أنه قال: "ما جلستُ إلى ثقيلٍ إلا وجدتُ الجانبَ الذي هو فيه أنزلَ من الجانبِ الآخر".
قِلَّةُ التهذيبِ تقودُ إلى سُوءِ التصرُّف، ونقصِ التدبيرِ، وعدمِ تقديرِ العواقِبِ، والنَّدَمِ بعد فواتِ الأوانِ. صاحبُ الأمرِ الفُرُط لا هدفَ له مُحدَّد، ولا عملَ له دقيق، أعمالُه ارتِجاليَّة، ومواعيدُه مُرتبِكة، يشرعُ في الأمر ثم لا يُتِمُّه، كثيرُ التدخُّل فيما لا يَعنيه، حالُه فوضَى واضطراب، يُهدِرُ الطاقات، ويُضيِّعُ الأوقات، ويُبعثِرُ الجُهود، ويُضيِّعُ العُمر بين تسويفٍ وتردُّد، يصرِفُ الوقتَ الطويلَ على العملِ اليسير، يُقطِّعُ الساعاتِ الطِّوال مع الجديد من التِّقَنِيَّات والاتصالات من غيرِ فائدةٍ تُذكَر؛ بل أمرُه فُرُط، وفُضُولُه مُنقطِعُ النَّظِير.
أكثرُ مواقفِ هؤلاء الفوضوِيِّين رُدودُ أفعال، أو تقليدٌ غيرُ مدروس، إمَّعاتٌ إن أحسنَ الناسُ أحسَنوا، وإن أساؤوا لا يقدِروا على تجنُّبِ إساءَتهم، إغراقٌ في الجَدَل والمِراءِ والمُهاتَرات، والدُّخول في اللَّومِ والنَّقدِ غيرِ البَنَّاء، والانفِعال، ونُشدان الغَلَبة دون إرادة الحق. ويلٌ لهؤلاء من حصائدِ ألسنتِهم وأقلاهم واتصالاتهم.
ألا فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فإن السِّياجَ المتين لا يكونُ إلا في الخُلُق المَكين، فالنفسُ المُضطربَة القَلِقَة غيرُ المُرتَّبة والمُهذَّبة تُثيرُ الفوضَى، حتى في أحكَم النُّظُم، والجريُ مع الهوى لن يُشبِعَ النفسَ، ولن يُبلِغَ المُراد، إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[الرعد: 11].
هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم، في محكم تنزيله فقال - وهو الصادقُ في قِيلِه - قولًا كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبيِّنا محمدٍ الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذُل الطغاة والملاحِدة وسائر أعداء الملَّة والدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتَنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا بتوفيقك، وأعِزَّه بطاعتك، وأعِزَّ به دينَك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نُصرةً للإسلام والمسلمين، وألبِسه لباسَ الصحةِ والعافية، وأمِدَّ في عُمره على طاعتك، واجمَع به كلمةَ المسلمين على الحق والهُدى يا رب العالمين، اللهم وفِّقه ونائِبَه وإخوانَه وأعوانَه لما تُحبُّ وترضى، وخُذ بنواصِيهم للبرِّ والتقوى.
اللهم وفِّق ولاةَ أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنَّة نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتَهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم وأبرِم لأمة الإسلام أمرَ رُشدٍ يُعَزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المُنكَر، إنك على كل شيءٍ قديرٌ.
اللهم احفظ إخواننا في سوريا، اللهم احفظ إخواننا في سوريا، اللهم اجمع كلمتَهم، واحقِن دماءَهم، اللهم اشفِ مريضَهم، وارحم ميِّتَهم، وفُكَّ أسيرَهم، وآوِي طريدَهم، اللهم واجمع كلمتَهم، وأصلِح أحوالَهم يا أرحم الراحمين.
اللهم واجعل لهم من كلِّ همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا، ومن كل بلاءٍ عافيةً.
اللهم عليك بالطُّغاة الظلَمة في سُوريا، اللهم عليك بهم، اللهم فرِّق جمعَهم، وشتِّت شملَهم، واجعل الدائرةَ عليهم، اللهم اجعل تدميرَهم في تدبيرهم، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك.
اللهم عليك باليهود الغاصِبين المُحتلِّين فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم أنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القومِ المُجرِمين، اللهم إنا ندرَأُ بك في نُحُورِهم ونعوذُ بك من شُرُورهم.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23]، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا اللهَ يذكُركم، واشكُرُوه على نِعَمه يزِدكُم، ولذِكرُ الله أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-02-2012, 09:36 PM   رقم المشاركة : 2

 

السعادة الزوجية
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة 25رجب 1433هـ بعنوان: "السعادة الزوجية"، والتي تحدَّث فيها عن أعظمِ سعادةٍ في الدنيا، وهي: السعادةُ الزوجية، وبيَّن أسبابَها، وأدلَّتها من الآيات القرآنية والتوجيهات النبوية، ثم عرَّجَ في نهايةِ خُطبته إلى الحديثِ عن سُوريا وجُرحها النازِف، وأن علامات النصر باديةٌ في الأُفقِ، وأن الظلمَ مُؤذنٌ بزوالِ المُلكِ.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله عددَ ما خلقَ وبرَا، وأنشأَ وذَرَى، والحمدُ لله حمدًا يطغَى، خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا[الفرقان: 54]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، خيرُ الخليقةِ طُرًّا، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وصحبِه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظِّموا أمرَه ولا تعصُوه، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء: 1]، يُراقِبُ أعمالَكم، ويُحصِي أنفاسَكم، ويعُدُّ أيامَكم.
فإذا علِمَ الإنسانُ أنه سيُسألُ عن عُمره فيما أفناه، وشبابِه فيما أبلاه؛ لزِمَ الجِدَّ دهرَه، وتركَ اللهوَ عُمرَه، فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ[الشرح: 7، 8].
الأسرةُ والعائلةُ، والبيتُ الزوجيُّ أساسُ منظومةِ المُجتمع المُسلم ونواتُه، ومنه صلاحُ الفرد وفيه نباتُه، ومع أن الزواجَ فِطرةٌ وضرورةٌ وحاجةٌ إنسانيَّةٌ طبيعيَّةٌ، إلا أنه في الإسلام شريعةٌ وأمر، وسنَّةٌ وطُهرٌ، وكِيانٌ تُسخَّرُ لقيامه وتمامه وصلاحه كلُّ الإمكانات، وتُذادُ عنه المُعوِّقاتُ والمُنغِّصات.
ومن أهدافِ الإسلام ومساعِيه: قِيامُ أسرةٍ مُكوَّنةٍ من زوجَين، تُرفرِفُ في جوانِحها المودَّةُ والرحمةُ والسَّكَن، وتُهدَى إليها التشريعاتُ والتوجيهات، ويتكامَلُ أفرادُها للقيام بالواجِبات، وتنسُلُ منها الذُّرِّيَّةُ الصالِحةُ، وتنشأُ في كنَفِها الأجيال، ويتبادَلُ أفرادُها الأدوار في التعاوُن على البرِّ والتقوى، والتكامُل والتكافُل في تحقيق الأهدافِ والآمال في الدنيا وفي الآخرة. وتلك فلسفلةُ الأُسرة في الإسلام
وفَهمُ هذه الحقيقة الفِطريَّة بصيغتِها الشرعيَّة يُحدِّدُ معالِمَ السعادة الزوجية، وملامِحَ بناء الأُسرة الصالحة، ومن ثَمَّ المُجتمع المُتماسِك القادرِ على بناءِ حضارتِه بعد بناءِ أفرادِه وكِيانه.
ومن هُنا أتى الاهتمامُ بالأمر بالزواج والحثِّ عليه، قال الله - عز وجل -: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ[النور: 32].
وفي السنَّة المُطهَّرة يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشرَ الشباب! من استطاعَ منكمُ الباءَةَ فليتزوَّج ..» الحديث؛ رواه البخاري ومسلم.
أيها المسلمون:
ولبناء هذا الكِيان الأُسريِّ وإصلاحِه وحِمايته جاءت الشريعةُ بجُملةٍ من الأوامر والنواهي، والآدابِ والوصايا، ترسُمُ للبيوتِ معالِمَ سعادتها، وتخُطُّ للأُسرة طريقَ بهجتِها، على المُسلمين التنادِي للأخذِ بها وانتِهاجها قُربةً لله تعالى، وحِفظًا لبيوتهم ومُجتمعهم، وصلاحًا لأحوالهم.
وتعظُمُ الحاجةُ عند كثرة التفريطِ، وتفاقُم الجِراحات في البيوت، وتصدُّع بُنيان الزوجية، ومما يُؤلِمُ أن تُشيرَ الدراسات والإحصاءات إلى أن نِسَبَ الطلاقِ في عالَمِنا العربيِّ والإسلاميِّ لا تقِلُّ عن ثلاثين بالمائة، وأنها تجاوَزَت الأربعين في المائة في بعضِ بلادِنا، وهذه نِسَبٌ مَهولةٌ تستدعِي مُبادرةَ المُجتمَع بمُؤسَّساته وأفراده لمزيدٍ من الدراسات والحُلُول والخِطَط والبرامج، مع الشُّكر والإشادة بما تبذُلُه المُؤسَّسات والجمعيَّات، والمواقعُ والجهاتُ التي تُعنَى بجوانبِ الأُسرة وقضاياها.
أيها المسلمون:
جاءت معالِمُ السعادة والنجاح للأُسرة من أول بناء، وهو الاختيارُ والقَرارُ؛ فالخُلُقُ والدينُ مدارُ البحثِ وسرُّ السعادة، والتفريطُ في مُراعاة ذلك مبعَثُ الشقاء، وفي حريَّة الاختيار الاستِئذانُ والاستِئمار، فلا الرجلُ يُكرَه على أخذ من يكرَه، ولا الفتاةُ تُرغمُ على قبولِ من تُبغِض.
وفي الآياتِ القرآنية والتوجيهات النبوية من نور التوجيه ما نقتبِسُ منه نورًا، ومن الهديِ ما لا نُحيطُ به في موقفٍ، وحسبُنا شَذَراتٌ وقَبَساتٌ:
ففي الحقوقِ والواجباتِ: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ[البقرة: 228]، ومع بيان الحقوق والواجبات فإنها ليست مُشاحَّةً ومُحاسبةً، وإنما في التوجيه الكريم: وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ[البقرة: 237].
وفي التعامُل يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ»؛ متفق عليه.
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «تبسُّمُك في وجه أخيك لك صدقة»؛ رواه الترمذي.
وعن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الرِّفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلا زانَه، ولا يُنزَعُ من شيءٍ إلا شانَه»؛ رواه مسلم.
إن الرِّفقَ والكلمةَ الطيبةَ، والعفوَ والصفحَ خيرٌ من العطاء مع المِنَّة وسوءِ التعامُل، وفي التنزيلِ العزيز: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى[البقرة: 263].
عباد الله:
وليس من العدلِ: المُطالبَةُ بالحقوق مع التفريطِ في أداء الواجِبات؛ فإن الذي قالَ - صلى الله عليه وسلم -: «لو كُنتُ آمِرًا أحدًا أن يسجُدَ لأحدٍ لأمرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزوجها» هو الذي قالَ: «اللهم إنِّي أُحرِّجُ حقَّ الضعِيفَيْن: اليتيم والمرأة»، وهو الذي قال: «استَوصُوا بالنساء خيرًا».
وإن الذي قال: «خيرُكم خيرُكم لأهله» هو - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: «إذا صلَّت المرأةُ خمسَها، وصامَت شهرهَا، وحفِظَت فرْجَها، وأطاعَت زوجَها؛ قيل لها: ادخُلي الجنةَ من أي أبوابِ الجنةِ شئتِ».
وفي سَعة الصدرِ وبُعد النظر وحُسن الموازنةِ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يفرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً، إن كرِهَ منها خُلُقًا رضِيَ منها آخر - أو قال: غيرَه -»؛ رواه مسلم.
ولذلك قال الله - عز وجل -: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[النساء: 19].
وفي الإدارة: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ[النساء: 34]، والقِوامةُ ليست تسلُّطًا ولا تعسُّفًا، ولا ظُلمًا أو ترفُّعًا؛ بل هي الرعايةُ والحِفظُ، والقيامُ بالمصالح، وإن الدعوةَ إلى عكس ذلك بدعوى المُساواة أو الحرية هو قلبٌ للفِطرة، ومُعاكسةٌ للطبيعة.
أيها المسلمون:
التقوى والصدقُ والأمانةُ خيرُ ما بُنِيَت عليه العلاقات، وهذه الأخلاق النبيلة هي ربيعُ القلب، وزكاةُ الخِلقة، وثمرةُ المُروءة، وشُعاع الضمير، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالصدقِ؛ فإن الصدقَ يهدي إلى البرِّ، وإن البرَّ يهدي إلى الجنةِ، وما يزالُ الرجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصدقَ حتى يُكتبَ عند الله صِدِّيقًا، وإياكم والكذب؛ فإن الكذبَ يهدي إلى الفُجُور، وإن الفُجورَ يهدي إلى النار، وما يزالُ الرجلُ يكذِبُ ويتحرَّى الكذبَ حتى يُكتبَ عند الله كذَّابًا»؛ رواه البخاري ومسلم.
أما الأمانةُ والمُحافظةُ على الأسرار الزوجية؛ فواجبٌ يحفظُ البيوت، ويحمِي الأُسَر؛ عن أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أشرِّ الناسِ عند الله منزلةً يوم القيامة: الرجلَ يُفضِي إلى امرأته وتُفضِي إليه، ثم ينشُرُ سِرَّها»؛ رواه مسلم. وفي روايةٍ عند مسلمٍ أيضًا: «إن من أعظمِ الأمانةِ عند الله يوم القيامة: الرجلَ يُفضِي إلى امرأته وتُفضِي إليه، ثم ينشُرُ سِرَّها».
والوعيدُ واردٌ على الرجلِ والمرأةِ على السواءِ.
أيها الرجال والنساء:
أيها الباحِثون عن السعادة في الدنيا والآخرة! جِماعُ السعادة في قول الله - عز وجل -: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[النحل: 97].
إن هذه المعاني أَولَى بالعنايةِ والبلاغِ بدلًا من إشغال الناسِ بما يهدِمُ ولا يبنِي من شُؤونِ الأُسرة والمُجتمع، على المُصلِحين والناصِحين، وأربابِ الأقلام والإعلام أن يُعنَوا أشدَّ العنايةِ بصلاحِ الأُسَر واستِقرارِها، وقيامِ البُيوت وشدِّ بُنيانها، وكفِّ كل ما يُؤثِّرُ عليها.
واللهُ المسؤولُ أن يحفظَ على المُسلمين دينَهم وأمنَهم، وأن يُصلِح أحوالَهم، ويُسعدِ أعمارَهم.
باركَ الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفَعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-02-2012, 09:37 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله القوي القادر، وهو - سبحانه - العزيزُ الناصِرُ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملكُ الحقُّ القاهرُ، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلا تزالُ الدماءُ تجري ظُلمًا على ثَرَى سُوريا، والمجازِرُ تُرتكَبُ أمام سمعِ العالَمِ وبصره، ولا يردَعُ مُرتكِبيها دينٌ ولا أخلاقٌ، وقد أذِنَ الله لمن يُقاتَلون ويُظلَمون بأن لهم حقَّ الدفاعِ عن أنفسهم، وفي بعضِ المواطِنِ لا يُجدِي الوعظُ ولا النُّصحُ.
لكِ اللهُ يا شام! فلم يشهَد هذا العصرُ شعبًا يحكُمُه عدوُّه كما شهِدَت الشامُ، ساسَها حاكِمُها كعدُوٍّ، وأدارَ شُؤونَها كجلَّاد، وعامَلَها مُعاملةَ الجزَّار وأيُّ جزَّارٍ؟! تكادُ مجازرُ طاغِيتها تُنسِي مجازِرَ القرامِطةِ والتَّتَر، غاضَت الرحمةُ من صُدورهم، وتلاشَت الإنسانيَّةُ من أفعالهم، وأصبحَ ذبحُ النساء والأطفالِ من تسالِيهم، وتدميرُ البلاد من أمانِيهم.
لعنَهم الله لعنةَ عادٍ وثمود، وقتلَهم قِتلةَ أصحاب الأُخدود، وعجَّل عل طُغاتها أيامٍ نحِساتٍ وسُود، وأوردَهم عاجِلًا ظُلمةَ اللُّحود.
وإن الواجبَ على العالَمِ أن يقوم بمسؤوليَّته أمام هذه الكارِثة التي طالَ أمَدُها، وتتابَعَ ألمُها، وتعظُمُ المسؤوليَّةُ على العربِ والمُسلمين خاصَّةً، فليتنادَوا لنُصرة المظلوم، وكفِّ الظالِم، وليكن الحلُّ عمليًّا وعاجِلًا؛ فإن الأيام لا تزيدُ الباغِي إلا سُعارًا، ولا ترى منه إلا جحيمًا ونارًا.

أيها السوريون:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ[الحج: 39]، لقد بالَغَت العِصابةُ الحاكمةُ في الظلمِ، وهذا مُؤذِنٌ بفَرَجٍ قريب، والظلمُ مُؤذِنٌ بزوالِ المُلكِ، وتعجيلِ العقوبةِ؛ فأبشِروا: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ[الصف: 13].
وقد تكفَّل الله باليُسر مع العُسر، فاجتمعَت لكم أمارتان على النصر، دافِعوا بكل ما تقدِرون عليه، وتوكَّلوا على الله؛ فما خابَ من توكَّلَ عليه، وقد رأيتُم خُذلان الأمم وعُصبتها.
لقد راهنَ الطُّغاةُ كثيرًا على أن الفوضَى هي البديلُ لطُغيانِهم، فأخلِفوا فألَهم، وأكذِبوا ظنَّهم، وأجمِعوا أمرَكم، ووحِّدوا صفَّكم، واتقُوا اللهَ في أنفُسِكم وأهلِيكم، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[الأنفال: 1]، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا[النساء: 84].
عسى الله أن يكُفَّ البأسَ عنكم، ويدفعَ الشرَّ عنكم.
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على النبي المُصطفى والرسول المُجتبى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتهِ الغُرِّ الميامين، اللهم ارضَ عن الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدِين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، ومن سارَ على نهجِهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين، وارفع به لواءَ الدين، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وسدِّدهم وأعِنْهم، واجعَلهم مُبارَكِين مُوفَّقِين لكل خيرٍ وصلاحٍ.
لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ الأرض وربُّ العرش الكريم، لا إله إلا أنت سُبحانك، عزَّ جارُك، وجلَّ ثناؤُك، وتقدَّسَت أسماؤُك.
اللهم يا مَن لا يُهزَمُ جُندُك، ولا يُخلَفُ وعدُك، ولا يُردُّ أمرُك، سُبحانك وبحمدك، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَهم في سوريا، اللهم اجمَعهم على الحقِّ والهدى، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خَلَّتهم، وأطعِم جائعَهم، واحفَظ أعراضَهم، واربِط على قلوبهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم، اللهم فُكَّ حِصارَهم، اللهم فرَجَك القريب.
اللهم انتصِر لليتامَى والثَّكَالَى والمظلومين، اللهم رُحماكَ بهم يا أرحم الراحمين، ويا ناصِر المظلومين.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين، اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونَكَ، اللهم أنزِل بهم بأسَك ورِجزَك إلهَ الحق.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيك وعبادَك المؤمنين، اللهم انصر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكان، واجمَعهم على الحقِّ يا رب العالمين، اللهم انصُرهم في فلسطين على الصهاينة المُحتلِّين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم اغفر ذنوبنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالدِيهم وذُريَّاتهم إنك سميعُ الدعاء. ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سبحان ربِّك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-02-2012, 09:45 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الاستقرار وأهميته في حياة المسلمين
ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة 2شعبان 1433هـ بعنوان: "الاستقرار وأهميته في حياة المسلمين"، والتي تحدَّث فيها عن أهمية الاستقرار في حياة كل مسلمٍ؛ بل كل إنسانٍ على وجه هذه البسيطة؛ إذ النفوسُ تهفُو إليه، وتسعَى بكل ما تملِك لتحقيقه ونَيْلِه، وبيَّن أن الكتابَ والسنةَ جاءا مُجلِّيان هذه المعاني، مُنبِّهًا إلى أن الدعوةَ إلى الاستقرار لا تعنِي عدم التصحيحِ للأخطاء، مُشيًا إلى خطأ بعض المُصطلحات التي تناثَرَت في وسائل الإعلام في هذه الآونةِ بشأن الفوضى والاستقرار.

الخطبة الأولى
الحمد لله الواحد الأحد، الفردِ الصمد، الذي لم يلِد ولم يُولَد، ولم يكن له كُفُوًا أحَد، خلقَ فسوَّى، وقدَّر فهدَى، لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[القصص: 70]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، وخليلُه وخِيرتُه من خلقه، بعثَه الله بين يدَي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا مُنيرًا، فبلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصحَ الأمَّة، وجاهدَ في الله حقَّ جهاده، فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى الصحابة والتابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - سبحانه -؛ فإنها مفتاحُ السعادة، وبريدُ النجاةِ والفوزِ بالنعيم المُقيم، أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ[يونس: 62، 63].
عباد الله:
مطلبٌ منشود، وحاجةٌ مُلِحَّة، وغايةٌ تركَنُ إليها الخلائِقُ على هذه البسيطة؛ لعلمِها وإدراكِها بأن الحياةَ بدونها خِداجٌ. هو مطلبٌ شرعيٌّ ودنيويٌّ، وهو مطلبٌ دُوليٌّ ومحليٌّ، وأُسريٌّ، وسياسيٌّ، واقتصاديٌّ، وتربويٌّ. إنه - يا رعاكم الله -: الاستقرار؛ نعم، الاستقرار بكل ما تحمِلُه هذه الكلمة من المعنى الكبير والمِفصلٍ المُهمِّ في تحديدِ المصير؛ حيث إن جميعَ شؤون الحياة مرهونةٌ به وجودًا وعدَمًا.
إنه الاستقرار الذي يعني: الهدوءَ والثبوتَ، والسُّكونَ والطمأنينةَ، والتكامُلَ والتوازُنَ. إنه الاستقرار الذي يُقابِلُ الشَّغَبَ والاختلالَ، وإنه الانتظام الذي يُقابِلُ الفوضى والاستِهتار، فبالاستقرار يسودُ الأمنُ، وبالأمن يؤدِّي المرءُ أمرَ دينه ودنياه بيُسرٍ وسهولةٍ، وطمأنينة بالٍ.
والاستقرارُ نعمةٌ كُبرى يمُنُّ الله بها على عباده في حين أن فُقدانَه بلاءٌ وامتِحان، كما قال الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ[البقرة: 155].
ومن تأمَّل نعمةَ الاستقرار حقَّ التأمُّلِ فسيرَى بصفاءِ لُبِّه وفِكره أن هذه الضرورةَ يشترِكُ فيها الإنسُ والجنُّ والحيوانُ الأعجَمُ، كلُّ هذه المخلوقاتِ تنشُدُ الاستقرارَ، ولا حياةَ هانِئةً لها بدونِه؛ فقد جاء النهيُ عن البولِ - أجلَّكم الله - في الجُحْرِ؛ لأنه من مساكنِ الجنِّ، والبولُ فيه سببٌ في إيذائِها المُفرِزِ إيذاءَها للإنسِ.
وأما الحيوانُ الأعجمُ؛ فقد قال أبو مسعودٍ - رضي الله عنه -: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفرٍ، فانطلقَ لحاجته، فرأينَا حُمَّرةً معها فَرْخان، فأخذنا فرْخَيْها، فجاءت الحُمَّرة فجعلَت تفرُشُ، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «من فجَعَ هذه بولدَيْها؟ رُدُّوا ولدَيْها إليها»؛ رواه أبو داود.
وأما أثرُ الاستقرار، وحاجةُ بني الإنسان إليه؛ فقد جاء في كلماتٍ يسيراتٍ من فمِ صاحبِ الرسالةِ - صلوات الله وسلامه عليه - الذي أُوتِيَ جوامعَ الكلِم؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: «من أصبحَ آمنًا في سِربِه، مُعافًى في بدنه، عنده قُوتُ يومه؛ فكأنَّما حِيزَت له الدنيا بحذافِيرها»؛ رواه الترمذي، والبخاري في "الأدب المفرد".
ولما كان الإسلامُ هو شِرعَةَ الله ومنهاجَه، وصِبغتَه وفِطرتَه التي فطَرَ الناسَ عليها، وهو - سبحانه - أعلمُ بخلقه وبما يصلُحُ لهم في حياتهم ودينهم ودنياهم، وعاقبةِ أمرِهم وآجِلِه؛ فقد شرعَ لهم من الدين ما يكونُ سببًا للاستقرار.
ولما كانت نُظُمُ المُجتمع المُختلفة - سياسيَّةً واقتصاديَّةً، ودينيَّةً وتربويَّةً - تُشكِّلُ البناءَ الاجتماعيَّ الذي يُشبِعُ احتِياجَ المُجتمعات دون تنغيصٍ؛ فقد جعلَت الشريعةُ الغرَّاءُ الاستقرارَ مِقياسًا رئيسًا في كل مشروعٍ، ووجودُه سببٌ في النجاحِ، وفُقدانُه فشلٌ في السيرِ الآمِن في مَهامِهِ الحياة ودُرُوبِها، واختلالٌ لكل مشروعٍ مطروحٍ؛ لأن الاستقرارَ هو التكامُلُ والتوازُنُ وحارِسُ المسيرة.
وعندما نرى أن الأُسرةَ مُجتمعٌ صغيرٌ؛ فقد ظهرت عنايةُ الإسلام بالاستقرارِ في رِحابِها، ورأْبِ كل صَدعٍ يُخِلُّ بمنظومةِ الأُسرةِ التي هي لبِنَةٌ من لبِناتِ المُجتمع الكامِلِ؛ فقد حرِصَ الإسلامُ على توطيدِ الاستقرارِ فيها، وبَذلِ الجهود في ألا تخسرَه أيُّ أُسرةٍ إلا في حالاتِ الفَشَلِ الذَّريعِ وتعذُّر الاجتماع، فقد قال الله - جل وعلا - عن الزوجين: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا[النساء: 35].
فإذا كان هذا هو موقفَ الإسلام في حقِّ الأُسرة الصغيرة؛ فما ظنُّكم بحقِّ الأُسرة الكبيرة التي هي المُجتمعُ المُسلِم المُجتمِعُ تحت لواءٍ واحدٍ وإمامٍ واحدٍ؟ ولا شكَّ أن الأمر أشدّ والثُّلْمَةَ فيه أخطرُ من أيُّ ثُلْمَة؛ لأن بانعِدامَ الاستقرار فيه انعِدامًا لقيمةِ الحياة الحقيقية.
وربُّ أسرةِ المُجتمع الكبير هو قائدُها وإمامُها ووليُّ أمرها الذي يرعَى شُؤونَها بالعدلِ والحقِّ والرحمة، ولأجل هذا جاءت شريعتُنا الإسلاميةُ سادَّةً لكل ثغرٍ يُمكنُ أن يُنغِّصَ هذا المفهومَ، أو أن يتسلَّلَ من خلاله لِواذًا؛ فقد قال - صلوات الله وسلامه عليه -: «من أتاكم وأمرُكم جميعٌ يُريدُ أن يُفرِّقَ جماعتَكم فاقتُلُوه»؛ رواه مسلم.
وما ذاكَ - عباد الله - إلا حمايةً للمُجتمع، وتوطيدًا للاستقرار؛ لأن في قتلِ المُزعزِعِ وحده حياةَ المُجتمع كلِّه.
بَيْدَ أن الدعوةَ إلى الاستقرار لا تُلغِي تصحيحَ أي خطأٍ ألبَتَّة، كما أنها لا تقِفُ حجر عثرةٍ أمام السعيِ إلى الانتقالِ من الأمر الفاسدِ إلى الأمر الصالح، أو من الأمرِ الصالحِ إلى الأمرِ الأصلَحِ، أو درء الأمر الفاسدِ بالأمر الصالحِ، أو درء الأفسَد بالأقلِّ فسادًا. فهذه هي أُسُس التصحيحِ المُلائِمِ لمبدأ الاستقرار.
وحُقَّ لنا أن نستلهِمَ هذه السياسة الشرعيَّة واعتبار قيمة الاستقرار في اتخاذ الخُطوات والتدابِيرِ والمُوازَنة بين المصالحِ والمفاسِدِ من قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها -: «لولا حداثةُ قومِك بالكُفر لنقضتُ البيتَ - أي: الكعبة - ثم لبنَيتُه على أساس إبراهيم - عليه السلام - ..» الحديث؛ رواه البخاري، ومسلم.
ومثلُ هذه المواقف كلما كانت هادِئةً مُتَّئِدةً مُتدرِّجة فإنها ستُوصِلُ إلى الغايةِ المنشودة؛ لأن الفوضَى لا تُثمِرُ إلا تفكُّكًا، والشغبَ لا يَلِدُ إلا عُنفًا واضطرابًا، والسعيُ الهادئُ بلا التفاتٍ يُوصِلُ إلى المُبتَغَى قبل السعيِ المشُوبِ بالالتفاتِ؛ لأن المُتلفِّتَ كثيرًا لا يصِلُ سريعًا، والالتفاتُ لا يكونُ ما دامَ الاستقرارُ هو المُهيمِنَ على مراحلِ العملِ والمسيرِ، ولقد صدقَ الله: وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[الأنفال: 46].
باركَ الله ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، قد قلتُ ما قلتُ، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفرُ الله إنه كان غفَّارًا.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-02-2012, 09:46 PM   رقم المشاركة : 5

 

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه.
وبعد:
فاتقوا الله - عباد الله -.
ثم اعلموا أن عالمَنا اليوم عالمٌ مفتوحٌ يكثُرُ فيه القولُ ويقِلُّ الفعلُ، وتتلاقَحُ فيه المعلومات من كل صوبٍ وفي كل اتجاهٍ، وربما سارعَ الفُضولُ لدى بعضِ الأغرار لينهلَ ثقافةً ليست من بابَته ولا هي من لباسِه؛ فكان مما تأثَّر به بعضُ اللَّهازِمِ من بني مُجتمعاتنا الإسلامية أن أخذَ لَبُوسَ الأجنبيِّ عنَّا واغترَّ بتذويقِه دون أن يُدرِكَ حقيقةَ مُلاءمَته من عدمِها، ودون أن يعرِفَ الأسبابَ والدواعِيَ لهذا اللَّبُوسِ الزائِفِ، فظنَّ البعضُ منهم أنهم بحاجةٍ إلى ثقافةٍ أجنبيَّةٍ تتحدَّثُ عن سبيلِ الوصولِ إلى الاستقرارِ من خلالِ ما يُسمُّونَه: "الفوضَى الخلَّاقة"، أو ما يُسمُّونَه: "الفوضَى البنَّاءة"، وهي خلقُ الفوضَى المُؤدِّية إلى الاضطراب لأجل أن ينشأَ الاستقرارُ من جديدٍ بحُلَّةٍ غير تلك التي خُرِّبَت بالفوضَى والاضطراب.
ويزعُمونَ أنها هي التي تُولِّدُ الشجاعةَ والسِّلْمِ، وما علِمَ أولئك المغرورون أن مبدأَ هذه النظرية إنما هو أساسٌ إلحاديٌّ يُسمُّونَه: "نظريةَ الانفجارِ الكونيِّ"؛ أي: أن الكونَ كلَّه خُلِقَ من الفوضَى، وأن الفوضَى هي التي خلقَت النظامَ في العالَم - تعالى الله عما يقولون عُلُوًّا كبيرًا -.
وإن الأسفَ ليشتدُّ حينما يُدرِكُ بعضُ العُقَلاء أن ما يُسمَّى بالفوضَى الخلَّاقة إنما هو مصطلحٌ استخدمَه الغازِي الأجنبيُّ بحُجَّة أن تغييرَ المُجتمعات وتغييرَ حُكوماتهم إنما يكونُ بإحداثِ الفوضَى المُفضِيَة إلى التغيير.
وإن مما يحمَدُه كلُّ غَيورٍ في هذه البلادِ المُبارَكةِ - بلاد الحرمين الشريفين - أن مطارِقَ الحاسِدين والمُتربِّصين إنما تضرِبُ في صخرٍ صلْدٍ لم تُضِرْه، وأوهَى مطارِقَه الحاسِدُ الحاقِدُ؛ فإن اعتزازَ هذه البلاد بتحكيمِ الشريعةِ ورعايةِ الحرمين الشريفين يحُولان - بإذن الله - دون أي تربُّصٍ غاشمٍ، فبقِيَت - بحفظ الله وعنايته - منيعةً أمام التيارات والعواصِفِ. ما يُوجِبُ الشكرَ للباري - جلَّ شأنُه -، ثم يُؤكِّدُ أثرَ الرجوعِ إلى الله، والتكاتُف والاجتماع ونبذ الفُرقة.
وقد مرَّت بلادُنا بأزماتٍ عُضالٍ كادَ بها الكائِدون، فأعانَها الله على الخروج منها كما تخرجُ الشعرةُ من العجين، وهي تُقادُ بأوتادٍ وأطوادٍ من أئمتها وقادتِها، ومهما فقدَت من أركانِها فخلَفُه في دائرةِ المسؤوليَّة صامِدٌ.
وقد رُزِئَت هذه البلادُ في الأيام الماضِية برحيلِ وليِّ عهدها وعضُدِ وليِّ أمرِها: نايفِ بن عبد العزيز بعد عُمرٍ حافلٍ بالرعايةِ والعنايةِ لأمنِ هذه البلادِ، وفي قيادةِ البلادِ من الاستقرار والتوازُن ما يُذكِّرُنا بقولِ القائلِ:
إذا ماتَ منَّا سيدٌّ قامَ سيِّدٌ
قؤُولٌ لما قالَ الكِرامُ فَعُولُ
فرحِمَ اللهُ وليَّ العهد الراحلَ، وأسكنَه فسيحَ جنَّاته، ووفَّقَ خلفَه لكل خيرٍ، ونفعَ به، وسدَّد على الخيرِ خُطاه، وإنا لنُبايِعُه على السمعِ والطاعةِ في المنشَطِ والمكرَه وأثرةٍ علينا.
حمَى اللهُ بلادَنا من كل سُوءٍ ومكروهٍ، وحمَى سائرَ بلاد المُسلمين وأهلِها من كيدِ الكائدين، وعُدوانِ المُعتدين، إنه سميعٌ مُجيبٌ.
هذا وصلُّوا - رحمكم الله - على خيرِ البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله، صاحبِ الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بذلك في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب : 56]، وقال - صلوات الله وسلامه عليه -: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، صاحبِ الوجهِ الأنور، والجَبين الأزهَر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعن التابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسنةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر إخواننا المُستضعفين في دينهم في كل مكانٍ، اللهم انصرهم على من ظلمَهم ومن خذَلَهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم انصر إخواننا في سُوريا على من طغَى وبغَى عليهم، اللهم عجِّل لهم بالنصر والفرَج، اللهم ارحم موتاهم، واشفِ مرضاهم، وفُكَّ أسراهم، وارحم ثَكلاهُم يا ذا الجلال والإكرام يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم أصلِح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
سبحان ربِّنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-02-2012, 09:51 PM   رقم المشاركة : 6

 

خطورة الفرقة
ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة التاسع من شعبان 1433 هـ بعنوان: "خطورة الفرقة"، والتي تحدَّث فيها عن الائتلاف والاجتماع بين المسلمين وضرورته في المحبة بينهم، وحذَّر من الوقوع في الفُرقة والتناحُر والتنازُع فيقع الفشلُ وذهابُ الريح، وذكرَ على ذلك مثلًا حادثةَ أُحُدٍ وما استفادَه المُسلمون حينها من دروسٍ بسبب التنازُع والافتراق.

الخطبة الأولى
الحمد لله أمر بالتآلُف والاجتماع، ونهى عن الفُرقة أهلَ الإسلام، أحمده - سبحانه - حمدًا نرجُو به المزيدَ من الإنعام والإكرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ القدوسُ السلام، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله خاتمُ النبيين وسيدُ الأنام، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا دائمَيْن ما تعاقَبَت الليالي والأيام.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، واذكُروا وقوفَكم بين يدَيه يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ[النحل: 111].
أيها المسلمون:
إن ائتلافَ القلوب، واتحادَ المشاعر، واجتماعَ الكلمة من أوضح صفات المُسلمين المُخلصين الذين جعل الله الأُخوَّة في الدين قاعدةَ وأساسَ العلاقات بينهم، فقال - سبحانه -: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ..[الحجرات: 10] الآية، ووصفَ أمَّتَهم بأنها أمةٌ واحدةٌ، وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ[المؤمنون: 52].
ولما كان التفرُّق والتناحُر والتدابُر مُباينًا لذلك كلَّ المُبايَنة؛ لأنه مِعولُ هدمٍ في بُنيان هذه الأمة، وسببٌ لتقويضِ عوامل القوة والعِزَّة والخيرية التي كتبَها الله لها جاء التحذيرُ الربانيُّ من الخلاف الذي وقع فيه مَن قبلَنا من الأمم، فحملَهم على التناحُر والتلاعُن مع مجيءِ البيِّنات الهادِيات المانِعات من الوقوع في ذلك، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[آل عمران: 105- 107].
وعدَّ الله تعالى هذا التفرُّق في الدين والاختلاف فيه مُفسِدًا له، ومُقوِّضًا لأركانه، وعامِلًا على الانفصال عنه، وسببًا لبراءة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من أهله - أي: من أهل هذا التفرُّق -: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ[الأنعام: 159].
وكما جاء هذا النهيُ عن التفرُّق والتحذير منه، فقد جاءت تكاليفُ الشريعة بكل سببٍ يضمَنُ الائتلافَ ويحُولُ دون التفرُّق:
فمن حثٍّ على أداء الصلوات الخمس في اليوم والليلة في جماعةٍ بالمساجد بالترغيب القويِّ فيها، والتحذير الشديد من تركها، كما جاء في "الصحيحين" عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاةُ الجماعة أفضلُ من صلاةِ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين درجة».
وكما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده؛ لقد هممتُ أن آمُر بحطبٍ فيُحتَطَب، ثم آمُر بالصلاةِ فيُؤذَّن لها، ثم آمُر رجلًا فيؤُمَّ الناسَ، ثم أُخالِفَ إلى رجالٍ لا يشهَدون الصلاةَ فأُحرِّقَ عليهم بيوتَهم ..» الحديث.
إلى إيجابِ الالتقاءِ كل أسبُوعٍ لسماع الذكرِ وأداء صلاة الجُمُعة، إلى الأمر باجتماعٍ أكبر من ذلك في صلاة العيد، وجعلَ مكانَه الصحراء، وحثَّ على حضور الرجال والنساء - حتى الحُيَّضَ منهنَّ - ليحظَى بهذا الخير العددُ الغفيرُ ويعُمَّ النفعُ، إلى فرضِ اجتماعٍ يضُمُّ حشودًا تأتي من كل فجٍّ عميقٍ تؤُمُّ البيتَ في زمانٍ معلومٍ لأداء شعيرة الحجِّ، فيكونُ التقاءُ هذه الحشود أمرًا محتومًا لشهُود المنافع التي تأتي للشدِّ على الروابطِ بين الإخوة، والسعيِ إلى توحيد صفوفهم وجمع كلمتهم.
وفي السنن التي سنَّها رسول الهدى - صلوات الله وسلامه عليه - من الوصية بالاتحاد والاجتماع، والتحذير من غوائِلِ الفُرقة والتنازُع ما يُفصِحُ عن شدَّة حِرصِه - صلى الله عليه وسلم - على ما يحفظُ أسبابَ ذلك، ويدلُّ عليه، ويُرشِدُ إليه.
ومن ذلك: أنه رأى - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره تفرُّقَ الناس في الشِّعابِ والأوديةِ حين ينزِلون منزلًا، فكرِهَ ذلك ونهى عنه بقوله: «إن تفرُّقَكم في الشِّعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان»، فلم ينزِلوا بعد ذلك منزلًا إلا انضمَّ بعضُهم إلى بعضٍ، حتى يُقال: لو بُسِطَ عليهم ثوبٌ لعمَّهم؛ أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود، والنسائي في "سننهما" بإسنادٍ صحيحٍ.
ولما كان التطاحُن والتنازُع على متاع الدنيا شأنَ أهل الجاهلية وعادةَ أهل الكُفر؛ فقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك أهلَ الإسلام، فقال في خُطبة يوم النَّحر: «لا ترجِعوا بعدي كُفَّارًا يضرِبُ بعضُكم رقابَ بعضٍ». قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: فوالذي نفسي بيده؛ إنها لوصيَّتُه إلى أمَّته: «لا ترجِعوا بعدي كُفَّارًا يضرِبُ بعضُكم رقابَ بعضٍ»؛ أخرجه البخاري في "صحيحه".
ولما كان الخروجُ على إجماع الأمة من أعظم أسبابِ الشِّقاق والتنازُع؛ فقد كان التحذير من الخروج عن الطاعة ومُفارقة الجماعة شديدًا، والعقوبة عليه مُغلَّظَة، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من خرجَ عن الطاعة، وفارقَ الجماعةَ، فمات مات ميتةً جاهليَّةً، ومن قُتِل تحت رايةٍ عُمِّية - أي: جهالةٍ وضلالةٍ -، يغضبُ للعَصَبة، ويُقاتِلُ للعَصَبة فليس من أمَّتي، ومن خرج من أمتي على أمتي يضرِبُ برَّها وفاجِرَها لا يتحاشَى من مؤمنِها، ولا يفِي بعهدِ ذي عهدِها، فليس مني ولستُ منه»؛ أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وفي الحديث الآخر أيضًا عند مسلم - رحمه الله -: «ستكونُ هَناتٌ وهَناتٌ، فمن أرادَ أن يُفرِّقَ أمرَ هذه الأمة وهي جميعٌ فاضرِبوه بالسَّيف كائنًا من كان».
وما ذاك - يا عباد الله - إلا لأن الفُرقةَ والخروجَ على الجماعة أشبهُ بجُرثومةٍ لو سُمِح لها بالحياة لقتَلَت جسدَ الأمة وأوردَته موارِدَ الهلَكَة، وقد كان من شُؤم التنازُع ووبالِه ما حصلَ يوم أُحُد فإنما وقعَ من تنازُعٍ وعِصيان أمرِ الله وأمرِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - كان سببَ ما مُنُوا به من هزيمةٍ في جهادٍ بذَلوا فيه لله أنفُسَهم وأموالَهم، وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ[آل عمران: 152].
وكانت أول موعظةٍ وُعِظوا بها بعد ما كان من نصرِ الله لهم يوم بدرٍ أن أُمِروا بجمع صُفُوفهم، والحذَر من التنازُع المُفضِي إلى الفُرقة، فقال - سبحانه -: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[الأنفال: 46].
وإنه لفشلٌ وذهابُ ريحٍ لا عاصِمَ منه، ولا منجاةَ من غوائِلِه إلا بالاعتصامِ بحبلِ الله؛ أي: بدينه، وبكتابه، وبشرعه، وبنَبذِ التفرُّق المُفضِي إلى جحدِ نعمةِ الله علينا؛ إذ هدانا إلى الإسلام، وجعلَنا من بعد عداواتِ الجاهليَّة وأحقادِها وتفرُّقها وتحزُّبها إخوانًا في الدين، أعوانًا على الخير، كما قال - سبحانه -: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[آل عمران: 103].
نفعَني الله وإياكم بهديِ كتابه، وبسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-02-2012, 09:52 PM   رقم المشاركة : 7

 

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفرِه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه.
أما بعد، فيا عباد الله:
إن الاختلافَ الناشِئ عن تفاوُت المدارِك في الفهمِ، وتبايُن العقولِ في الاستِنباط لم يكن أبدًا ولا يصِحُّ أن يكون سببًا للفُرقة والتنازُع؛ لأنه اختلافٌ بين مُجتهِدين أساغَه الشارِعُ، وجعل الأمرَ فيه دائرًا بين أجرَيْن لمن أصابَ وأجرٍ لمن أخطأ، كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري في "صحيحه".
وهو ارتباطٌ بين صلاحِ القصدِ ونتيجة الفِكرِ، فما دام القصدُ صحيحًا والوسيلةُ صائبةً والأهليَّةُ قائمةً فلا مُوجِبَ للتنازُع؛ إذ المقصودُ معرفةُ الحق، والعملُ به، والدَّلالةُ عليه رغبةً في التواصِي بالحق والتواصِي بالصبر، وذلك من أسباب الاجتماع لا التفرُّق، ومن عوامل الاتحاد لا التنازُع.
وما أحسنَ أن يكون الإعلامُ الجديدُ بما يُتيحُه من وسائل وما يُوفِّره من مواقع تواصُلٍ سببًا لاجتماع الكلمة، وطريقًا لاتحاد المشاعِر، لا أن يكون عامل فُرقة وخُصومةٍ وتنازُع.
فاتقوا الله - عباد الله -، واعملوا على كل ما يُحقِّقُ اتحادَ الكلمة، ووحدة الصفِّ، وحَذَارِ من التناحُر والتنازُع والتفرُّق المُؤذِنِ بالفشل وذهابِ الريح؛ فإنه أسوأُ مصيرٍ ينتظِرُ المُتخاصِمِين المُتنازِعين.
وصلُّوا وسلِّموا على خاتم رُسُل الله: محمدِ بن عبد الله؛ فقد أُمرتُم بذلك في كتاب الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خيرَ من تجاوزَ وعفا.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينكَ وكتابكَ وسنةَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وعبادكَ المؤمنين المُجاهِدين الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، ووفِّقه لما تُحبُّ وترضى يا سميعَ الدعاء.
اللهم أنزِل رحمتَك وغُفرانَك على عبدك الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله -، اللهم اغفر له في المهديين، وارفع درجاته في علِّيِّين، وألحِقه بصالحِ سلفِ المؤمنين، واجزِه عمَّا قدَّم للإسلام والمُسلمين خيرًا يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما فيه خيرُ الإسلام والمسلمين، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده سلمان بن عبد العزيز إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمُسلمين، وإلى ما فيه صلاحُ البلاد والعباد يا مَن إليه المرجِعُ يوم المعاد.
اللهم اكفِنا أعداءَنا وأعداءَك بما شِئتَ، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شِئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شِئتَ يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلُك في نحورِ أعدائِك وأعدائِنا، ونعوذُ بك من شُرورهم.
اللهم أحسِن عاقبتَنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.
اللهم إنا نعوذُ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميعِ سخطك يا رب العالمين.
اللهم احفظ مصر وشعبَها، ووفِّق قادتَها لكلِّ خيرٍ عاجلٍ أو آجلٍ، وانصر بهم دينَك وكتابَك وسنَّةَ نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم أنجِ المُستضعَفين في سُوريا، اللهم احفظ دماءَهم، اللهم احفظ دماءَ المُسلمين في سُوريا، اللهم احقِن دماءَهم، وارحم موتاهم، واكتُب لهم أجرَ الشهادة في سبيلِك يا رب العالمين، اللهم كن لهم، واجبُر كسرَهم، وارحم ضعفَهم يا رب العالمين.
اللهم أطعِم جائِعَهم، واكسُ عارِيَهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23]، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 0 والزوار 9)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:29 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir