
ما أجمل أن يعيش المسلم بين الحين والآخر ...
بل في كل حين تحت ظلال آيات الله عز وجل ،
يرتشف من معينها ، ويستضيء بنورها ، وينهل من علومها ،
كل ذلك ليصل إلى السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة ،
فإنه لا سعادة البته إلا عن طريق القرآن ، والعمل بمقتضاه .
وها هي أخي القارئ تأملات سريعة في " سورة القدر "
أضعها بين يديك ، سائلا الله التوفيق والنفع للجميع .
وما هذه التأملات إلا ثمرة وترتيب لما ذكره أهل العلم
عند هذه السورة .
المعنى العام للآيات
يخبر الله سبحانه وتعالى في مطلع هذه السورة
والقرآن كله عظيم خبرا مؤكدا بحرف التوكيد
" إن " ،
أنه قد أنزل القآن الكريم في ظرف زماني محدد ،
هو شهر رمضان كما قال تعالى :
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ
( البقرة : 185 ) ،
وبالتحديد في ليلة القدر من هذا الشهر .
وقد كان للقرآن إنزالان :
الأول : إنزاله جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ،
وكان هذا في ليلة القدر .
الثاني : إنزاله منجما على رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ومفرقا على حسب الأحداث والوقائع ،
وكان ابتداء هذا الإنزال في ليلة القدر كذلك .
ومثل هذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنه ،
رواه الطبري في تفسيره بإسناده عنه .
ثم يأتي السياق القرآني بعد ذلك مستفهما
ومتسائلا عن حقيقة هذه الليلة ،
بأسلوب يفيد التعظيم والتفخيم ،
ويثير الشوق إلى معرفة معلومات عن هذه الليلة
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ
( القدر : 2 ) .
ثم يبدأ بعد ذلك الإبهام
لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
( القدر : 3 )
فهي ليلة عظيمة ، العمل الصالح فيها
( إذا تقبله الله برحمته وفضله )
خير من العمل في ألف شهر ليست فيه هذه الليلة ،
فالحمد لله حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ،
وتتابع نعمه .
تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ
( القدر : 4 )
فمن فضائل هذه الليلة ،
كثرة نزول الملائكة ،
وفي مقدمتهم جبريل عليه وعليهم السلام ،
محملين بالسلام والخير الذي أذن وأمر الله الكريم به .
ثم يختم الله عز وجل أوصاف هذه الليلة بقوله
سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ
( القدر : 5 ) ،
فهي سلام من الشرور ،
وسلام من الآثام ، وسلام من عقاب الله ،
وأمان من غضبه لكل أحد من الله عليه ب
فهم حقيقة هذه النفحة الإلهية ،
وعظم هذه المنحة الربانية ، فستغلها حق الاستغلال ،
بكثرة العمل الصالح وإتقانه ،
وتتابع فعل الخير وإحسانه ،
وخاصة قراءة وتدبر القرآن الذي أنزل في مثل هذا الشهر ،
ومثل هذه الليلة .