الجولة الرابعة
 مع الخائف الوجل 
يقول عبد الله سمعت أبي يقول :
 " وددت أني نجوت من هذا الأمر كفافاً لا لي ولا عليّ "
هذا الذي كان طاهر النفس ، نقي النشأة ، حافظاً لحديث رسول الله  عليه الصلاة والسلام 
كان يعلم ويوقن عظمة المهمة والواجب الملقى على عاتقه ، 
ويعلم قصور العبد وقلة حيلته ويعلم عظمة الرب وعدم القدرة 
على إيفاء حقه سبحانه وتعالى، فيقول :
" وددت لو أني نجوت كفافاً لا لي ولا علي "
وكان إذا دعا له رجل يقول : 
" الأعمال بخواتيمها " .
وكثيراً ما كان يُسمع منه قول 
" اللهم سلم سلم " . 
لأن القلوب الخائفة الوجلة مهما عملت ؛ فإنها تبقى على وجل من عدم القبول 
أو على وجل  من أن  تكون الأعمال دون الواجبات المطلوبة ، 
ودون المنزلة المرجوة ، ولذلك كما قال الله عز وجل : 
{ والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم الى ربهم راجعون } .
لما سألت عائشة رضي الله عنها قالت :يا رسول الله الرجل يصلي ويصوم ويتصدق 
الرجل  يشرب الخمر ويزني ، ثم يخاف ؟! قال :
 ( لا يابنة الصديق ! ولكنه الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخشى أن لا يقبل منه ). 
    
إذاً هذا حال أهل الإيمان كما ذكر الحسن البصري رحمة الله  عليه عندما قال :
 " لـقـد لقيت أقواماً هم أخوف منكم أن لا تقبل حسناتهم من خوفكم أن تحاسبوا على سيئاتكم " . 
     فهم في خوف عظيم أكثر من خوفنا من سيئاتنا ، 
وخوفهم أعظم ولكن ليس من السيئات ولكنه من خوف عدم قبول الحسنات، 
وهذا لا يكون الا مع عظمة الإيمان وإستحضار عظمة الله - عز وجل - وفهم الحق الواجب له سبحانه وتعالى .
ولذلك لما سئل الإمام أحمد : كيف أصبحت ؟
 قال مقالة عجيبة فريدة تدل على عظيم ما كان يفقه من دين الله وما يحمل من أمر الله . قال :
 " كيف أصبح من ربه يطالبه بأداء الفرائض ،
 ورسوله يطالبه بأداء السنة ،
 والملكان يطالبانه بتصحيح العمل ، ونفسه تطالبه بهداها ، 
وإبليس يطالبه بالفحشاء ،
 وملك الموت يطالبه بقبض روحه ،
 وعياله يطالبونه بالنفقه ؟ " .
كلها أمور يحتاج الإنسان فيها إلى مجاهدة وإستقامة 
على أمر الله - عز وجل - إتباعا لسنة رسول الله صلى الله  عليه وسلم ، 
تحرياً للإخلاص وصدق التوجه لله عز وجل،
 براءة من شهوات النفس ومجاهدة لها ،
 ومحاربة لإغواء الشيطان وتزيينه ،
 وفوق ذلك كله انتظار الموت على وجل وخوف، ولذلك كان - رحمة الله  عليه - 
مع ما كان له من قدم سابقة في العلم والعمل كان دائماً يستحضرعظمه الله عز وجل .