
ســــورة .. البقـــرة
الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ
"الشيطان " تقدم معنى الشيطان واشتقاقه فلا معنى لإعادته . و " يعدكم " معناه يخوفكم " الفقر " أي بالفقر لئلا تنفقوا . فهذه الآية متصلة بما قبل , وأن الشيطان له مدخل في التثبيط للإنسان عن الإنفاق في سبيل الله , وهو مع ذلك يأمر بالفحشاء وهي المعاصي والإنفاق فيها . وقيل : أي بأن لا تتصدقوا فتعصوا وتتقاطعوا . وقرئ " الفقر " بضم الفاء وهي لغة . قال الجوهري : والفقر لغة في الفقر , مثل الضعف والضعف .
وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا
الوعد في كلام العرب إذا أطلق فهو في الخير , وإذا قيد بالموعود ما هو فقد يقدر بالخير وبالشر كالبشارة . فهذه الآية مما يقيد فيها الوعد بالمعنيين جميعا . قال ابن عباس : في هذه الآية اثنتان من الله تعالى واثنتان من الشيطان . وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله , ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان - ثم قرأ - الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ) . قال : هذا حديث حسن صحيح . ويجوز في غير القرآن " ويأمركم الفحشاء " بحذف الباء , وأنشد سيبويه : أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نسب والمغفرة هي الستر على عباده في الدنيا والآخرة . والفضل هو الرزق في الدنيا والتوسعة والنعيم في الآخرة , وبكل قد وعد الله تعالى .
ذكر النقاش أن بعض الناس تأنس بهذه الآية في أن الفقر أفضل من الغنى ; لأن الشيطان إنما يبعد العبد من الخير , وهو بتخويفه الفقر يبعد منه . قال ابن عطية : وليس في الآية حجة قاطعة بل المعارضة بها قوية . وروي أن في التوراة ( عبدي أنفق من رزقي أبسط عليك فضلي فإن يدي مبسوطة على كل يد مبسوطة ) . وفي القرآن مصداقه وهو قوله : " وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين " [ سبأ : 39 ] . ذكره ابن عباس .
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
تقدم معناه . والمراد هنا أنه سبحانه وتعالى يعطي من سعة ويعلم حيث يضع ذلك , ويعلم الغيب والشهادة . وهما اسمان من أسمائه ذكرناهما في جملة الأسماء في [ الكتاب الأسنى ] والحمد لله.
والله أعلم
تفسير القرطبي
دمتم بخير