ذكريات ومن هنا وهناك (الجزء الأول)

تابع النقل إلى جدة 2

أخبرتكم في الحلقة السابقة أن الأمور تسهلت وضميت زوجتي وابني ياسر في الحفيظة وعدت إلى جدة وكان ذلك في رمضان كما أسلفت وقبل إجازة عيد الفطر بأيام معدودة وذهبت من فوري إلى الأستاذ مناجي خير الدين وفقه الله وقدمت له الدليل إنني متزوج ولدي ابن وتزامن وجود مدير مدرسة بلال بن رباح الابتدائية الأستاذ معلا دغليب عواد عند الأستاذ مناجي يسعى للحصول على كاتب يساعده في المدرسة ، التفت إلى الأستاذ مناجي قال عندك استعداد تعمل كاتبا وتترك التدريس وأوجهك إلى مدرسة بلال في طريق المحجر ؟ قلت دون تردد انا موافق قال تكتب لي طلبا بذلك بطوعك واختيارك قلت نعم فناولني البوك وكتبت الطلب رغم عشقي للتدريس لكن كاتب بمدرسة بلال ولا معلما في مدرسة مغينية بتلك القرية النائية ففرح الأستاذ معلا واخذ أوراقي وأكمل بقية الإجراءات وقال : موعدنا غدا في المدرسة إن شاء الله وتحولت من معلم إلى كاتب بقدرة قادر .
باشرت العمل بمدرسة بلال والتي تقع في طريق المحجر الصحي وهي قريبة من مقر سكني بالنزلة اليمانية وهي مدرسة ضخمة بها عدد هائل من الطلاب والمعلمين وتشغل ثلاثة مباني كانت قصورا للملك سعود رحمه الله ويضم تلك المباني فناء واسع وتقع بالقرب منها مستودعات لإدارة التعليم ( لي قصة مع هذه المستودعات سأذكرها لاحقا بمشيئة الله ولهذا أشرت إليها) .
اختلفت الأمور كنت معلما بمدرسة العسلة ثم الغمدة ولي احترامي وتقديري وفجأة أصبحت كاتبا ( لا اقلل من شأن الكاتب لكن النظرة للكاتب بهذه المدرسة بالذات نظرة دونية ) وإليكم بعض المواقف الطريفة :
* تناقش بعض المعلمين في الغرفة التي اقبع في إحدى زواياها وهي عبارة عن فصل دراسي صغير به سبورة حول أحكام النون الساكنة والتنوين فحاولت أدلي بدلوي معهم حيث سبق لي تدريس مادة التجويد ولدي إلمام لا بأس به بل حافظها عن ظهر قلب ، فالتفت إلي احدهم وكان اسمر البشرة وله انف أفطس قال هزلت والله هزلت ما بقي إلا الكاتب يشاركنا النقاش في التجويد وكان ذلك المعلم اجهل المجموعة وابعد ما يكون عن شي اسمه تجويد . فقلت اسمحوا لي ووقفت عند السبورة وتناولت قطعة طباشير وكتبت ما احفظه من تلك المادة وضربت بعض الأمثلة ولم أتوقف عند أحكام النون الساكنة والتنوين بل تطرقت لأحكام الميم الساكنة وأنواع المدود وعدد حركاتها واحكامها وحكام لام هل وبل ، وكان ذلك الموقف نقطة تحول لي وأصبح العاقل منهم ينظر إلى باحترام بل أصبح بعضهم ولا زال من اعز الأصدقاء احدهم وهو الأستاذ ابراهيم الزبيدي يعمل مديرا للشؤون التعليمية بتعليم القنفذة والآخر وهو الأستاذ عطية شامي مدير مركز إشراف بتعليم القنفذة أيضا (وربما أحيلوا على التقاعد) بل بداوا يواصلون دراستهم عن طريق الانتساب عندما علموا أنني منتسبا للجامعة وهذا الاخير عبقري في اللغة العربية .

* طلبت من الأستاذ معلا وهو رجل فاضل بما تعني هذه الكلمة من معنى أن ادخل بدل احد المعلمين الغائبين لتدريس مادة القواعد بالصف الخامس وقد سبق لي تدريسها بمدرستي العسلة والغمدة فوافق قال : تقدر ؟ قلت أحاول فسمح لي ووقف خلف الباب يستمع واعتقد أنني نلت إعجابه فأصبح يطلب مني دخول حصص الاحتياط كلما اضطر إلى ذلك وفتحت على نفسي فتحة كنت في غنا عنها .
* ذهبت ذات يوم إلى المدرسة والتي كنت اذهب إليها سيرا على الأقدام بسيارة أخي علي وهي من نوع فلوكس واجن لونها برتقالي لمن يعرفها فطلب مني مدير المدرسة أن أوصله لإدارة التعليم ففرحت لعلي أنال بذلك مكانة لديه وركب معي وكان كل جزء من تلك السيارة يصدر صوتا مزعجا ويحس من يركبها أنها تسحب سحبا على الإسفلت وعندما وصلنا إدارة التعليم وكنت اطمح أن أرافقه أو على الأقل انتظره حتى يخرج فلم أنل ذلك الشرف وإنما التفت إلي وقال : كان الله في عونك لا تنتظرني ما صدقت اصل انتبه لنفسك
اعتذر عن الإطالة وإلى حلقة جديدة بمشيئة الله وتقبلوا خالص تحياتي وتقديري .