
 
قال الله تعالى :

 
 الحج 
ذكر ابن حَجَر – رحمه الله تعالى – في المطالب العالية بسند حسن ، من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : 
" لمّا فرغ إبراهيم من بناء البيت ؛ قيل له : أذّنْ في الناس بالحج . قال : يا ربّ ! وما يبلغ صوتي ؟! 
قال : أذّنْ وعليَّ البلاغ . فنادى إبراهيم : أيها الناس ! كُتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فحُجّوا .
 قال : فسمعه ما بين السماء والأرض ؛ أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يُلبّون ؟! " .
 وقد قيل : 
لمّا نادى الخليل – عليه الصلاة والسلام – بالحج ، َأَسْمَعَ مَنْ فِي الأرْحَام وَالأَصْلاب ،
 وَأَجَابَهُ كُلّ شَيْء سَمِعَهُ : مِنْ حَجَر ، وَمَدَر ، وَشَجَر ، وَمَنْ كَتَبَ اللَّه أَنَّهُ يَحُجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة .
 فسبحان مَن جعل بيته الحرام مثابة للناس وأمناً ، يتردّدون إليه ويرجعون عنه ،
 ولا يرون أنهم قضوا منه وَطَراً ! 
تعلّقتْ قلوب المحبين ببيت محبوبهم لمّا أضافه سبحانه إلى نفسه ؛ 
فكلما ذُكر لهم البيت الحرام حَنّوا ، وكلما تذكّروا بُعْدهم عنه أَنّوا ..
ولمّا رأتْ أبصارهُم بيته الذي *** قلوبُ الورى شوقاً إليه تَضَرّمُ
هناك البيت الحرام .. إذا عاينته العين زال ظلامها ، 
وزال عن القلب الكئيب التألم .. هناك السموات تبدو قرب طالبها ..
 هناك الرحاب فضاء حين يلتمس .. فللهِ درُّ أقوام فارقوا ديارهم ، وعانقوا افتقارهم ،
 وآثروا غبارهم ، وطهروا أسرارهم ، يدعون عند البيت قريباً سميعاً ، 
ويقفون بين يديه بالذل جميعاً، وحالهم ينطق قبل مقالهم :
إليك شَددتُ يا مَولايَ رَحْلِي *** وَجئتُ ومُهْجَتي تَشكو ظَمَاها .
إنّ الحج هو مؤتمر المسلمين الجامع ، 
الذي يتجرّدون فيه من كلّ آصرة سوى آصرة
 (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله) .
 والحج ليس مفارقة الأوطان ، وترك الأهل والخِلان ؛
 بل خلوص النيّة للبَرِّ – سبحانه – قبل البَرِيَّة ، وإصلاح الطَّويّة قبل امتطاء المَطِيّة .
 " ... والحجُّ المبرور ليس له جزاء إلا الجَنَّة " .
اللهمّ يَسِّرْ لنا الحجّ ، وارزقنا فيه الإخلاص والخلاص ، 
ولا تحرمنا من زيارة بيتك العتيق أعواماً عديدة ، وأزمنة مديدة .
تحياتي  
...........