.
*****
قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي
قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي، = روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ  
لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذي = لم أقضِ فيهِ أسى ً، ومِثلي مَن يَفي  
ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ، = في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ  
فَلَئنْ رَضيتَ بها، فقد أسْعَفْتَني؛ = يا خيبة َ المسعى إذا لمْ تسعفِ  
يا مانِعي طيبَ المَنامِ، ومانحي = ثوبَ السِّقامِ بهِ ووجدي المتلفِ  
عَطفاً على رمَقي، وما أبْقَيْتَ لي = منْ جِسميَ المُضْنى ، وقلبي المُدنَفِ  
فالوَجْدُ باقٍ، والوِصالُ مُماطِلي، = والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفي  
لم أخلُ من حَسدٍ عليكَ، فلاتُضعْ = سَهَري بتَشنيعِ الخَيالِ المُرْجِفِ  
واسألْ نُجومَ اللّيلِ:هل زارَ الكَرَى = جَفني، وكيفَ يزورُ مَن لم يَعرِفِ؟  
لا غَروَ إنْ شَحّتْ بِغُمضِ جُفونها = عيني وسحَّتْ بالدُّموعِ الدُّرَّفِ  
وبماجرى في موقفِ التَّوديعِ منْ = ألمِ النّوى ، شاهَدتُ هَولَ المَوقِفِ  
إن لم يكُنْ وَصْلٌ لَدَيكَ، فَعِدْ بهِ = أملي وماطلْ إنْ وعدتَ ولاتفي  
فالمطلُ منكَ لديَّ إنْ عزَّ الوفا = يحلو كوصلٍ منْ حبيبٍ مسعفِ  
أهفو لأنفاسِ النَّسيمِ تعلَّة ً = ولوجهِ منْ نقلتْ شذاهُ تشوُّفي  
فلَعَلَ نارَ جَوانحي بهُبوبِها = أنْ تَنطَفي، وأوَدّ أن لا تنطَفي  
يا أهلَ ودِّي أنتمُ أملي ومنْ = ناداكُمُ يا أهْلَ وُدّي قد كُفي  
عُودوا لَما كُنتمْ عليهِ منَ الوَفا، = كرماً فإنِّي ذلكَ الخلُّ الوفي  
وحياتكمْ وحياتكمْ قسماً وفي = عُمري، بغيرِ حياتِكُمْ، لم أحْلِفِ  
لوْ أنَّ روحي في يدي ووهبتها = لمُبَشّري بِقَدومِكُمْ، لم أنصفِ  
لا تحسبوني في الهوى متصنِّعاً = كلفي بكمْ خلقٌ بغيرِ تكلُّفِ  
أخفيتُ حبَّكمُ فأخفاني أسى ً = حتى ، لعَمري، كِدتُ عني أختَفي  
وكَتَمْتُهُ عَنّي، فلو أبدَيْتُهُ = لَوَجَدْتُهُ أخفى منَ اللُّطْفِ الخَفي  
ولقد أقولُ لِمن تَحَرّشَ بالهَوَى : = عرَّضتَ نفسكَ للبلا فاستهدفِ  
أنتَ القتيلُ بأيِّ منْ أحببتهُ = فاخترْ لنفسكَ في الهوى منْ تصطفي  
قلْ للعذولِ أطلتَ لومي طامعاً = أنَّ الملامَ عنِ الهوى مستوقفي  
دعْ عنكَ تعنيفي وذقْ طعمَ الهوى = فإذا عشقتَ فبعدَ ذلكَ عنِّفِ  
بَرَحَ الخَفاءَبحُبّ مَن لو، في الدّجى = سفرَ الِّلثامَ لقلتُ يا بدرُ اختفِ  
وإن اكتفى غَيْري بِطيفِ خَيالِهِ، = فأنا الَّذي بوصالهِ لا أكتفي  
وَقْفاً عَلَيْهِ مَحَبّتي، ولِمِحنَتي، = بأقَلّ مِنْ تَلَفي بِهِ، لا أشْتَفي  
وهَواهُ، وهوَ أليّتي، وكَفَى بِهِ = قَسَماً، أكادُ أُجِلّهُ كالمُصْحَفِ  
لوْ قالَ تِيهاً:قِفْ على جَمْرِ الغَضا = لوقفتُ ممتثلاً ولمْ أتوقفِ  
أوْ كانَ مَنْ يَرْضَى ، بخدّي، موطِئاً = لوضعتهُ أرضاً ولمْ أستنكفِ  
لا تنكروا شغفي بما يرضى وإنْ = هوَ بالوصالِ عليَّ لمْ يتعطَّفِ  
غَلَبَ الهوى ، فأطَعتُ أمرَ صَبابَتي = منْ حيثُ فيهِ عصيتُ نهيَ معنِّفي  
مني لَهُ ذُلّ الخَضوع، ومنهُ لي = عزُّ المنوعِ وقوَّة ُ المستضعفِ  
ألِفَ الصّدودَ، ولي فؤادٌ لم يَزلْ، = مُذْ كُنْتُ، غيرَ وِدادِهِ لم يألَفِ  
ياما أميلحَ كلَّ ما يرضى بهِ  = ورضابهُ ياما أحيلاهُ بفي  
لوْ أسمعوا يعقوبَ ذكرَ ملاحة ٍ = في وجههِ نسيَ الجمالَ اليوسفي  
أوْ لوْ رآهُ عائداً أيُّوبُ في = سِنَة ِ الكَرَى ، قِدماً، من البَلوَى شُفي  
كلُّ البدورِ إذا تجلَّى مقبلاً ، = تَصبُو إلَيهِ، وكُلُّ قَدٍّ أهيَفِ  
إنْ قُلْتُ:عِندي فيكَ كل صَبابة ٍ؛ = قالَ:المَلاحة ُ لي، وكُلُّ الحُسْنِ في  
كَمَلتْ مَحاسِنُهُ، فلو أهدى السّنا = للبدرِ عندَ تمامهِ لمْ يخسفِ  
وعلى تَفَنُّنِ واصِفيهِ بِحُسْنِهِ، = يَفْنى الزّمانُ، وفيهِ ما لم يُوصَفِ  
ولقدْ صرفتُ لحبِّهِ كلِّي على = يدِ حسنهِ فحمدتُ حسنَ تصرُّفي  
فالعينُ تهوى صورة َ الحسنِ الَّتي = روحي بها تصبو إلى معنى ً خفي  
أسْعِدْ أُخَيَّ، وغنِّ لي بِحَديثِهِ، = وانثُرْ على سَمْعي حِلاهُ، وشَنِّفِ  
لأرى بعينِ السّمعِ شاهِدَ حسْنِهِ = معنى ً فأتحفني بذاكَ وشرِّفِ  
يا أختَ سعدٍ منْ حبيبي جئتني = بِرسالَة ٍ أدّيْتِها بتَلَطّفِ  
فسمعتُ مالمْ تسمعي ونظرتُ ما = لمْ تنظري وعرفتُ مالمْ تعرفي  
إنْ زارَ، يوماً ياحَشايَ تَقَطَّعي، = كَلَفاً بهِ، أو سارَ، يا عينُ اذرِفي  
ما للنّوى ذّنْبٌ، ومَنْ أهوى مَعي، = إنْ غابَ عنْ إنسانِ عيني فهوَ في 
ابن الفارض >> من شعراء العصر العباسي
*****