
يَعرِف أهل الرياضة خطورة الهجمات المرتدّة !
وذلك أن الفريق الذي رَجَعَتْ عليه الهجمة كان في غير مواقعه ،
أو كان غافِلاً
فإذا ما رَجَعت الهجمة من الخصم – وكان هناك من ترك موقعه ،
وأغْفَل مركزه ، وفتح خانة – كانت الهزيمة !
وهذا يعني أن اليقظة مطلوبة ،
مع الحرص والحذر من ترك ثغرات يستغلها الخصم .
وقُـل مثل ذلك في الحروب والقتال ، فإذا تَرَك المقاتِل ثغرة استغلّها عدوّه ،
وإذا فُتِحت خانات ، أو لم تُغلق المنافذ هجم العدوّ منها فربما أصاب مقتل ،
ومثل ذلك في عالم الأجهزة والشبكات ،
فمن ترك المنافذ مفتوحة ربما هوجِم بالفيروسات ،
وقد ينتج عن هذه الغفلة تدمير الجهاز ،
وابن آدم لديه ثغرات ، وعليه أن يسدّ جميع الخانات ،
وأن يُغلِق كل المنافذ ، تلك المنافذ التي ينفذ منها العدو إلى الحصن الحصين ،
ويصِل فيها العدو إلى الْمَلِك ، فينال منه ، أعني ملك الأعضاء ،
وهو القلب ،
فمتى غَفَل ابن آدم هجم عليه عدوّه المتربِّص به في آناء الليل وآناء النهار ،
عدوّ يدخل مع ابن آدم كل مَدْخَل ، بل يجري منه مجرى الدمّ ،
بل هو العدو المبين الذي قال عنه رب العالمين :
(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ،
وقد أخبر الله ، وأمَرَ وعَلَّلَ ،
فقال رب العزة سبحانه :
(إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ).
فهو يسعى سعياً حثيثا دؤوباً على تلمّس الثّغرات في قلب ابن آدم ،
فحيثما وجَدَ ثغرة دَخَلَ منها ونَفَذَ ، وتسوّر حِصْن القلب .
فالغَضَب ثغرة ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام :
" إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خُلِق من النار ،
وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ".
رواه الإمام أحمد وأبو داود .
والغفلة ثغرة ، ولذا قال ابن عباس في قوله :
( الوسواس الخناس )
قال : الشيطان جَاثِمٌ على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، وإذا ذكر الله خَنَس .
فهو مُتربِّص بك الدوائر ، مُبتغٍ لك الغوائل ! والذنوب ثغرات ،
قال الشيطان : وعِزّتك يا رب لا أبرح أُغْوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ،
فقال الرب تبارك وتعالى : وعِزَّتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني .
رواه الحاكم وغيره وهو حديث صحيح .
قال ابن القيم :
الشيطان يَشُمّ قلب العبد ويَخْتَبِرَه . اهـ .
فإن الشيطان يشم القلوب وينظر في مداخلها ويتحسس ثغراتها ومناطق ضعفها .
فلكل قلب ثغرة ، ولكل شخص – غالباً – شهوة ، يَضعُف أمامها ،
فتزيد الحاجة إلى قوّة المدافَعَة ، وإلى شدّة الحرص ، وإلى مزيد من اليَقَظَـة .
فاحرص رعاك الله على إغلاق المنافذ حتى لا يدخل فيروس الشيطان ! ،
وعلى اليقظة والحرص حتى لا يكون لهجماته المرتدّة أثَــر ،
فاجعل الذِّكْر حارَس قلبِك ،
حتى يَخنس إبليس ويَضْعف ، ولا يوسوس .
واجعل الاستغفار الضربة القاضية على إبليس ،
حيث أخبَر أنه أهلكه الاستغفار ، كما في بعض الآثار .
واجعل السجود فَـرَح قلبِك بالانتصار ،
وبُـكـاء إبليس بالهزيمة والفِرار !
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إذا قرأ ابن آدم السجدة فَسَجَدَ ، اعتزل الشيطان يبكي ،
يقول : يا ويله - وفي رواية : يا ويلي – أَمِـرَ ابن آدم بالسجود فَسَجَدَ ،
فَلَهُ الجنة ، وأمِـرْت بالسجود فَأَبَيْتُ ، فَلِي النار " .
رواه مسلم .
فتذكّر أن خُسران هذه الجَولَة وانتصار الشيطان يعني الخُسران المبِين
وأن انتصارك على الشيطان مآله رِفعة الدّرَجات ،
واعلم أن الشيطان لا ييأس ، بل لديه صبر وجَلَد ،
فهو يُحاول الفوز والانتصار على بني آدم حتى تَخرج أرواحهم من أجسادهم .
وتذكّر أخيرا – حفظك الله – أن موسم الخيرات على الأبواب ،
فلتكن الجولة فيه لك لا لعدوِّك . وليكن الفوز من نصيبك لا من نصيب إبليس ..
عِــدْ نفسك أن يكون هذا الشهر هو وداع المعاصي ،
وهو نهاية المطاف في السَّير في رَكْب إبليس !
والله يتولاّك ....
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
غفر الله لكاتبه وناقله وقارئه
تحياتي
...........