
عن أم المؤمنين زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها قالت :
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَزِعًا ، مُحْمَراً وَجْهُهُ ،
يَقُولُ : ( لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ..
وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ ..
فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ )
وَحَلَّقَ بِإِصْبُعَيْهِ الإبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا،
قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟
قَالَ : ( نَعَمْ .. إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ ) .
متفق عليه .
البيان
تعجبت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها وسألت النبي صلى الله عليه وسلم :
( أنهلك وفينا الصالحون ) فأجابها عليه الصلاة والسلام :
( نعم إذا كثر الخبث ) ..
ونحن اليوم نتساءل أنهلك وفينا من يصوم الإثنين والخميس ،
وفينا من يحفظ القرآن ويردده طوال اليوم ؟
أنهلك وفينا من يتصدق وينفق ؟
والإجابة من سيد البشر ( نعم إذا كثر الخبث ) والخبث لا يكثر إلا بترك التناصح ،
والدعوة إلى الله ، وهجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
قال عز وجل : ( وما كان ربك ليهلك القرى وأهلها مصلحون ) ،
ولأهمية الأمر بالمعروف وعظم أمره ،
قدمه الله عز وجل على الإيمان في قوله تعالى :
( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله )،
وقدمه الله عز وجل في سورة التوبة ، على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ،
فقال تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله
أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعمال ومهام الرسل ، ومن صفات المؤمنين ،
ومن خصال الصالحين ، والقيام به يحقق خيرية هذه الأمة ،
وهومن أعظم أسباب تكفير الذنوب .
ويترتب على ترك هذا الركن العظيم الذي عده بعض العلماء الركن السادس من أركان الإسلام ،
عدم إجابة الدعاء ، وانتفاء خيرية الأمة ، وتسلط الفساق والفجار ،
وشيوع المنكر ، واندثار السنن ، وظهور الجهل ،
وتخبط الأمة في ظلمة حالكة لا فجر لها.
قال تعالى : ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب )
قال ابن تيمية رحمه الله : ( أي لا تختص بالمعتدين بل تتناول من رأى المنكر فلم يغيره ) .
وكم تكون العواقب وخيمة وسيئة ، على الفرد والمجتمع ،
حين يتجافى بعض طلاب العلم والشباب الصالح ،
عن المشاركة في المجتمع في شتى ميادينه ، والتخلي عن مسيرة الإصلاح ،
أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ، والتي أُمروا بها .
وقد توعد الله تبارك وتعالى من تنكبها وتهاون عن أدائها بالعقاب ،
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ،
عن النبي صلى الله عليه وسلم :
( والذي نفسي بيده لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر ،
أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ، فتدعونه فلا يستجيب لكم )
رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
وقال تعالى :
( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض
إلا قليلاً ممَّن أنجينا منهم واتَّبع الَّذين ظلموا ما أُترفوا فيه وكانوا مجرمين *
وما كان ربُّك ليُهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون )
ولم يقل: صالحون ،
ومن هنا يتبين الفرق بين الصالح والمصلح ،
فالصالح بلا إصلاح هالك مع الهالكين ،
بخلاف المصلح ، الذي بإصلاحه تدفع الهلكة .
قال ابن القيم رحمه الله :
( وأيُّ دين ، وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك ، وحدوده تُضيع ، ودينه يُترك ،
وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها ، وهو بارد القلب ، ساكت اللسان ، شيطان أخرس ،
كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق ،
وهل بَلِيَّةُ الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياستهم فلا مبالاة بما جرى على الدين ،
وخيارهم المتحزن المتلمظ ، ولو نُوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه ، في جاهه أو ماله ،
بذل وتبذل وجد واجتهد ، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه ،
وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم ، قد بُلوا في الدنيا بأعظم بليةٍ تكون ،
وهم لا يشعرون ، وهو موت القلوب ، فإن القلب كلما كانت حياته أتم ،
كان غضبه لله ورسوله أقوى ، وانتصاره للدين أكمل )
إعلام الموقعين 2/176 .
قال القرافي رحمه الله :
( قال العلماء : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفور إجماعاً ،
فمن أمكنه أن يأمر بمعروف وجب عليه )
الفروق للقوافي 4/ 257.
ما أعظم أجر الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر ،
والذي جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم:
( إن من أمتي قوماً يعطون مثل أجور أولهم ، ينكرون المنكر )
أخرجه أحمد.


...........