عرض مشاركة واحدة
قديم 08-22-2011, 12:05 PM   رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله برحمته اهتدى المُهتدون، وبعدله ضلَّ الضالون، لا يُسأل عما يفعلُ وهم يُسألون، أحمده - سبحانه - وأشكره على ترادُف آلائه، وقليلٌ من عباده الشاكرون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزَّه عن الصاحبة والولد، وسبحان الله وتعالى عما يصفون، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسولُه وخليلُه الأمين المأمون، صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ومن هم بهديه مُستمسِكون، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، معاشر الأحبة:
كلما قوِي سلطان محبة الله في القلب كان اقتضاؤه للطاعة وترك المخالفة أقوى، وبضعف المحبة تقوى جاذبيةُ المعصية، وتظهرُ المحبة حين تقترِنُ بالحياء من الله وإجلاله وحُسن مراقبته، والمسلمون في هذه الأيام المباركة أيام شهر رمضان المبارَك؛ بل هم في إقبال هذه العشر الأخيرة أكثر حياءً وأكثر محبةً وأعظمُ رجاءً، كيف وقد اجتمع لكم - يا أهل الحرمين - مواطنين ومُقيمين وزوَّارًا، اجتمع لكم شرفُ الزمان وشرفُ المكان، تعيشون قُدسية المُقدَّسات، ونفحات البركات، مُقبلين على عباداتكم وصلواتكم وأذكاركم ببُشرٍ وابتهاجٍ وأنتم ترون من المُنشآت وتعيشون من الإنجازات ما يُثيرُ اعتزاز كل مسلم، ويُبهِجُ كل مُتعبِّد، ويُهيِّيءُ أجواءً العبادة لكل مُتنسِّك.


أيها الإخوة الأحبة:
هذه الدولة السعودية المباركة أقامت دولةً موحَّدة مُترامية الأطراف، لمَّت شتاتَ الأمة، وأرسَت قواعدَ الحكم على كتاب الله وسنة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - في خِضَمِّ صراعاتٍ حادَّة وتياراتٍ مُتصارعة، هذا المؤسس الملكُ عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - بعد ملحمة التوحيد، وبعد أن استقرَّ الحكم واطمأنت البلادُ وأهلُها بدأ التعمير والبناء في الدولة.
ومن أظهر مظاهر التعمير وأول المواقع وأولاها: البِقاع الطاهرة؛ الحرمان الشريفان والمشاعر المُقدَّسة، فكانت محلَّ العناية من الملك المُؤسِّس ثم أبنائه الملوك من بعد: سعودٍ وفيصل وخالدٍ وفهد، وأنتم في هذا العهد الزاهر المُتمِّم لعهود والده وإخوانه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، لم تعتزَّ الدولة السعودية مثل اعتزازها بهذه الخدمات الجليلة، ولم تتردَّد لحظةً واحدة في بذلٍ غير مقطوعٍ ولا ممنوع في كل ما يخدِمُ هذه البقاع الطاهرة.
أما حينما يسَّر الله علينا من فضله وفتح لنا من خزائنه فكان من أظهر مظاهر الشكر والتحدُّث بالنعمة أن تكون الأولوية للبقاع الطاهرة والديار المُقدَّسة، اهتمامٌ وعنايةٌ تُناسِبُ مع مكانة المكان وقُدسية المُقدَّسات وتطلُّعات المسلمين وخدمة المُتعبِّدين.
لقد أراد الله - بمنِّه وفضله وكرمه - أن يحظَى ولاة أمر هذه البلاد بشرف هذه الأعمال العظيمة، والجهود المباركة، والإنجازات الضخمة، إن كل ما يُستطاعُ تقديمُه، وكل ما يُمكنُ بذلُه فلن تتردَّد الدولة في الإقدام عليه والمُبادرة إلى تنفيذه في تخطيطٍ ودراسةٍ ودراية، مهما كلَّف من جهدٍ ومالٍ وتخطيطٍ وتنفيذ، فلله الحمد والشكر والفضل والمنَّة.
ولقد أقرَّ الله عليه المسلمين في كل مكان وتحقَّقت همَمُ الملوك فانتصَبَ الحرمان الشريفان والمشاعرُ المُقدَّسة كأكبر مشروعاتٍ نُفِّذَت في العالم مهما كانت ضخامَتُها، إنها مشاريع هي المعالمُ الأبرز على مستوى العالم الإسلامي كله، مُتميِّزةً بكل المعايير، ومُتقدِّمةً بكل المقاييس، وقد ضمَّت وتضمَّنت من التفاصيل الفنية أوفاها، ومن التقنيات المعاصِرة أرقاها، ومن الخامات أجودَها، في أعلى المعايير المهنية، في مُنشآتٍ حضاريةٍ شامِخة تجمعُ بين الأصالةِ والمعاصرة.
وحين يكتمل المفهوم الحضاري ومن أجل توظيف ما أظهره الله في هذا العصر من تِقنياتٍ وإمكانياتٍ ووسائل ومُعدَّاتٍ وآلات؛ فقد كانت العنايةُ بالمرافق؛ من تكييفٍ وإضاءة وسِقاية وصوتيات وساحات وميادين وشوارع وأنفاق وجُسورٍ وقطارات، وأنظمة تحكُّم، واستعدادٍ لحالات الطوارئ، كل ذلك في أعلى المواصفات وأدق مستويات الأداء؛ في صورةٍ حيَّة لتِقنيَّات المعمار الحديث، تُعبِّر عن الجناب القُدسي، والسموِّ الجمالي.
إننا نحسبُ أنها إنجازاتٌ شاهِدة ماثِلة يعرفُ قيمتَها ويقدُر قدرَها كلُّ من يراها، ويبهَرُ ببهائها كلُّ من يُشاهِدُها، نعم؛ المواطن يشهد، والمُقيم يشهد، والزائر يشهد، والطائف والعاكف والبادِي يشهدون، ومُشاهد التلفاز يشهد، والخبير يشهد؛ بل الإنجاز الشامخ قبلهم وبعدهم هو الشاهد والمشهود في شهاداتِ عدلٍ محليةٍ ودولية على هذه الإنجازات البهية الباهرة.
كل ذلك؛ وإن أفضل الأعمال أبقاها، وأحسنَها أخلدُها، وستبقى هذه الإنجازات السعودية في سجلِّ الخالدين - بإذن الله -.
ومن العجب - أيها المسلمون - أن هذه الدولة - وقد وفَّقها الله إلى هذه العناية والرعاية والخدمات والإنجازات - لم يكن هذا هو تميُّزها الوحيد؛ بل إن من فضل الله عليها أنها لم تكن بعيدةً عن أشقائها في جميع مراحل الأزمات؛ السياسية والاقتصادية والإنسانية، فهي راعيةُ التضامُن الإسلامي، وراعيةُ الحوار، ودولةُ المُبادرات، والمُترفِّعة عن الخلافات.
ويأتي خادمُ الحرمين الشريفين الملكُ عبدُ الله بن عبد العزيز آل سعود ليُعلِن بمُبادراته ووقفاته التاريخية المسؤولة، وبمصداقيته المعهودة، وصفائه الجلِيّ، وأخلاقه العربية والإسلامية ليحمِل همَّ أشقائه حكوماتٍ وشعوبًا.
وحينما دخلت بعضُ البلدان الشقيقة فيما دخلت فيه من اضطراباتٍ ومُشكلاتٍ وأزماتٍ أسهمَ إسهاماته المحسوبة، وخطَى خُطواته المُتأنية في منهجٍ عقلاني، وسياساتٍ حكيمة، ومُبادراتٍ مُتأنية، ونهجٍ مُتوازن، وهو النهجُ الأنجَع في منطقةٍ قلِقة وأجواءٍ مُضطربة.
ملكٌ ينظر بنظرٍ شموليٍّ في قضايا الأمة الكُبرى ويترفَّع عن الصغائر فضلاً عن أن يقف عندها، منهجٌ عقلاني وسياسةٌ حكيمة، تحمي الأبرياء، وتأبَى سفكَ الدماء، بعيدًا عن الشعارات والمُساومات، وليس هو الذي يقِفُ مع الحكومات ضدّ شعوبها، ولا مع الشعوب ضد حكوماتها، ولكنه بصدقِه ونقائه وحبه وإخلاصه وحكمته يقف مع المصلحة والإصلاح في عزمٍ وحزمٍ وغيرةٍ وحميَّة.
ليس مُناهِضًا للعادل من المُطالبات، ولا للنافع من التغييرات، ولكنه مُعارضٌ للقتل والخراب والتدمير، إنها السياسات التي تحسِبُ لعواقِب الأمور حِسابَها، وتنظر في المآلات ونهاياتها، مع الحرص الشديد على تجنُّب المزالِق الضيقة والدهاليز المُلتوية، بعيدًا عن الفتن والضغائن.
نداءاتُ مليكنا ومُبادراته ذاتُ مضامين عملية وأساليب واضحة تحمِلُ مشاعر الصدق والمحبة، ومشاعيل الرجاء والأمل.
إنه قائدُ الأمة الذي يقفُ مُتساميًا فوق كل المواقف يصدَعُ بالحق وينحازُ إليه، القائد الملكُ الصالح الذي لا يُساوَم على دينه وعروبته وغيرته على أمته.
بارك الله في الجهود، وسدَّد الخُطى، وهدى للتي هي أقوم، وأصلح الله شأن الأمة كله، وحفِظ عليها أمنها وإيمانها ووحدة ديارها وجمع كلمتها، إنه سميعٌ مُجيبٌ.
ألا فاتقوا الله - رحمكم الله -، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[النور: 31]، فكل ابن آدم خطَّاء، ولكن عفوَ الله أعظم، والزلَلُ كبير، ورحمةُ الله أوسع، فسارِعوا إلى رحمةٍ من ربكم، واستغِلُّوا شريفَ أيامكم، وتعرَّضوا لنفحات ربكم، وأرُوا اللهَ من أنفسكم خيرًا.
ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيكم محمدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم في محكم تنزيله، فقال - عزَّ شأنه -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذل الطغاة والظلَمة والملاحدة وسائر أعداء الملَّة والدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ أمرنا بتوفيقك، وأعِزَّه بطاعتك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نُصرةً للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين، اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانهم وأعوانهم لما تحب وترضى، وخُذ بنواصيهم للبر والتقوى.
اللهم إن لنا إخوانًا مُستضعفين مظلومين قد مسَّهم الضرُّ، وحلَّ بهم الكرب، واشتدَّ عليهم الأمر، تعرَّضوا للظلم والطغيان، سُفِكت الدماء، وقُتل الأبرياء، ورُمِّلت النساء، ويُتِّم الأطفال، اللهم يا ناصر المُستضعفين ويا مُنجِي المؤمنين اللهم انتصر لهم، وتولَّ أمرهم، واكشف كربَهم، وارفع ضُرَّهم.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءهم، واجمع على الحق والهدى كلمَتهم، وولِّ عليهم خيارَهم واكفِهم أشرارهم، وابسُط الأمنَ والعدلَ والرخاءَ في ديارهم، وأعِذهم من الشرور والفتن ما ظهر منها وما بَطَن.
اللهم وارفع عنا وعنهم الغلا والوبا والربا والزنا والجوع والعُرِيّ والزلازل والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بَطن عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم عليك باليهود الغاصبين المحتلين، اللهم عليك باليهود الغاصبين المحتلين فإنهم لا يُعجزونك، اللهم أنزِل بهم بأسك الذي لا يُردُّ عن القوم المجرمين، اللهم إنا ندرأُ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم وفِّقنا للتوبة والإنابة، وافتح لنا أبوابَ القبول والإجابة، اللهم تقبَّل طاعاتنا ودعاءنا وصيامَنا وقيامَنا، وأصلِح أعمالنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتُب علينا، واغفر لنا يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس