عرض مشاركة واحدة
قديم 05-10-2011, 10:33 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

غيرَ أنَّ هذا كلَّه لم يأتِ طَفرةً دونَ مُقدِّماتٍ أو مُسبِّبات، مع اتِّفاقنا جميعًا بأنَّ ساعةَ الحدوثِ تُعدُّ مفاجِئةً بسبَب شَرَر وَميض جمرٍ خِلَل الرَّماد، اشتدَّت به الريحُ في يومٍ عاصفٍ، فتطايَرَ شَرَره إلى قشٍّ يَباسٍ، فما هو إلا الضِّرام ما منه بُدٌّ، مع أن أصواتًا صادقةً وصَيحاتٍ ناصحةً قد سُمِعت، فلَم تلقَ رجعَ الصّدَى، ولم يستبِن السامعون ذلكم النُّصح إلا ضُحى الغد، ولاتَ حين مناص.
عبادَ الله، إنّنا في الوقتِ الذي يحمَدُ اللهَ فيه كلُّ مسلِم أو مجتمعٍ لم تنَلْه تلكمُ الأحداث والمُستجدَّات، ولم تحُلَّ بدارهم؛ يجبُ أن لا يبخَلوا على أنفسهم مِن سؤال اللهِ العافيةَ والسلامة، وأن لا تمُرَّ عليهم تلكم الخطوب دون أخذ الدروس والعِظَة والعِبرة؛ فالنبيُّ يقول: ((السَّعيدُ من وُعِظَ بِغيره، والشَّقيُّ من شقِيَ في بطن أمِّه)) رواه مسلم.
وإنَّ أحسنَ أحوالِ العِبرةِ والعِظة -عباد الله- ما كان مُتزامنًا مع سبَبها، لكونِ الاستعدادِ النفسيِّ أبلغَ في مُقابل قوة الحدث، وإلا وقع السهو والنسيان، وإذا لم يُغبِّر حائطٌ في وقوعه فليس له بعدَ الوقوعِ غُبار، وحينئذٍ فإنَّ أيَّ قُربانٍ سيجيءُ مُتأخِّرًا فستأكله نيران الأحداث بِتغيُّظٍ وزفير.
كلُّ ذلك -عباد الله- لتكون العِبرة والعِظة داعيةً إلى الاستباق الآمِن من الوقوع في مثلها، أو بعبارة العصريّين: الوقاية خيرٌ من العلاج، أو ما يُسمَّى بـ"الأمن الوقائيّ"، أو بالعبارة الشرعيّة الأصيلة: "الدفع أولى من الرّفع"، فإنَّ مما يتفق عليه العُقلاء جميعًا أنَّ منعَ وقوع الشيءِ المكروهِ خيرٌ وأولى من رَفعِه بعد وقوعِه، وشريعتُنا الغرَّاء جاءت حاضَّةً على المُبادرةِ والمُسارعة بالأمورِ الدافعة للمكاره قبل أن تحلَّ بالمرء والمجتمع.
فمن ذلك قولُه تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ [الزمر: 54]، ومنه قولُه سبحانَه: وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام: 151]؛ فنهَى عن القُربِ منها؛ لأنَّ القُربَ سَببٌ في الوقوع، وهذا دليلٌ على وجوبِ الوقاية.
وقد جاء في السنة المطهَّرة ما يُؤكِّد هذا المعنى صراحةً؛ حيث قال النبيُّ : ((بادِروا بالأعمالِ فِتنًا كقِطع الليل المُظلِم، يُصبِحُ فيه الرجلُ مؤمنًا ويُمسِي كافرًا، ويُمسِي مؤمِنًا ويُصبِح كافرًا؛ يبيعُ دينَه بعَرَضٍ من الدنيا)) رواه مسلم، وقال صلوات الله وسلامه عليه: ((اغتنِم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هرَمِك، وصحَّتك قبل سقَمِك، وغِناءَك قبلَ فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك)) رواه الحاكم وغيره.

 

 

   

رد مع اقتباس